فصل: فصل: إن كانت امرأتاه في بلدين‏ فعليه العدل بينهما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فإن كانت امرأتاه في بلدين‏,‏ فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها‏,‏ وإما أن يقدمها إليه ويجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان‏,‏ سقط حقها لنشوزها وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن‏,‏ كشهر وشهر أو أكثر أو أقل‏,‏ على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها‏,‏ أو لهن جميعا ولا يجوز إلا برضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق في ذلك لهما‏,‏ لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها ثابت في كل وقت‏,‏ إنما منعته المزاحمة بحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها‏,‏ وإن كرهت كما لو كانت منفردة وقد ثبت أن ‏(‏سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقسم لعائشة يومها ويوم سودة‏)‏ متفق عليه ويجوز ذلك في جميع الزمان وفي بعضه‏,‏ فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها وروى ابن ماجه عن عائشة ‏(‏أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجد على صفية بنت حيي في شيء فقالت صفية لعائشة‏:‏ هل لك أن ترضي عني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولك يومي؟‏ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران‏,‏ فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله‏:‏ إليك يا عائشة‏,‏ إنه ليس يومك قالت‏:‏ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فأخبرته بالأمر فرضي عنها‏)‏ فإذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها‏,‏ صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعله لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع‏,‏ وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض وإن وهبتها لواحدة منهن كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة‏,‏ وإلى بينهما وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما‏,‏ إلا برضا الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة ولأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها‏,‏ كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخير حق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها‏,‏ فلم يجز وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها وفيه وجه آخر إنه يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح‏,‏ وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها ومتى رجعت الواهبة في ليلتها فلها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض‏,‏ وليس لها الرجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها فإن لم يعلم حتى أتم الليلة‏,‏ لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها‏.‏

فصل‏:‏

فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال‏,‏ فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده‏,‏ وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها‏,‏ وإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها أو غيره عنها‏,‏ جاز فإن عائشة أرضت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا سافرت زوجته بإذنه‏,‏ فلا نفقة لها ولا قسم وإن كان هو أشخصها‏,‏ فهي على حقها من ذلك‏]‏

وجملة الأمر أنها إذا سافرت في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها‏,‏ أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة‏,‏ لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم هكذا ذكر الخرقي والقاضي وقال أبو الخطاب في ذلك وجهان وللشافعي فيه قولان‏:‏ أحدهما لا يسقط حقها لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه ولنا‏,‏ أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها‏,‏ فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخول بها وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط القسم وجها واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها‏,‏ والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفرها كان أولى‏,‏ ويكون في النفقة الوجهان وفي هذا تنبيه على سقوطهما إذا سافرت بغير إذنه فإنه إذا سقط حقها من ذلك لعدم التمكين بأمر ليس فيه نشوز ولا معصية فلأن يسقط بالنشوز والمعصية أولى وهذا لا خلاف فيه نعلمه فأما إن أشخصها‏,‏ وهو أن يبعثها لحاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين‏,‏ ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها‏,‏ كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها وإن سافرت معه‏,‏ فهي على حقها منهما جميعا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا أراد سفرا فلا يخرج معه منهن إلا بقرعة فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن‏)‏

وجملته أن الزوج إذا أراد سفرا‏,‏ فأحب حمل نسائه معه كلهن أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر‏,‏ وهاهنا قد سوى وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له أن يسافر بها إلا بقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أن له ذلك من غير قرعة وليس بصحيح فإن عائشة روت ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد سفرا‏,‏ أقرع بين نسائه وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه‏)‏ متفق عليه ولأن في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلا لها‏,‏ وميلا إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم وإن أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضا‏,‏ فقد روت عائشة ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج أقرع بين نسائه فصارت القرعة لعائشة وحفصة‏)‏ رواه البخاري ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر‏,‏ ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد قدومه وهذا معنى قول الخرقي ‏"‏ فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن ‏"‏ وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا تميلوا كل الميل‏)‏ ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل لها من السكن‏,‏ ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل‏,‏ لكن إن سافر بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏,‏ ومالك‏:‏ لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل لقسم السفر فيتعذر القضاء ولنا أنه خص بعضهن بمدة‏,‏ على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا إذا ثبت هذا‏,‏ فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها معها بمبيت ونحوه فأما زمان السير‏,‏ فلم يحصل لها منه إلا التعب والمشقة فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا بها لمال كل الميل‏.‏

فصل‏:‏

إذا خرجت القرعة لإحداهن‏,‏ لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم وإن أراد السفر بغيرها‏,‏ لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها وإن وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها‏,‏ فصحت هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضي الزوج لما ذكرنا في هبة الليلة في الحضر وإن وهبته للزوج أو للجميع‏,‏ جاز وإن امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج وإن أبى‏,‏ فله إكراهها على السفر معه لما ذكرنا وإن رضي بذلك أستأنف القرعة بين البواقي وإن رضي الزوجات كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن‏,‏ إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار إلى القرعة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى وذكر القاضي احتمالا ثانيا‏,‏ أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي ولنا أنه سافر بها بقرعة‏,‏ فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم يجز المسافرة بإحداهن دون الأخرى كما لا يجوز إفراد إحداهن بالقسم دون الأخرى ومتى سافر بإحداهن بقرعة‏,‏ ثم بدا له بعد السفر نحو أن يسافر إلى بيت المقدس ثم يبدو له فيمضي إلى مصر‏,‏ فله استصحابها معه لأنه سفر واحد قد أقرع له وإن أقام في بلدة مدة إحدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بها لأنه في حكم السفر تجري عليه أحكامه وإن زاد على ذلك‏,‏ قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج عن حكم السفر وإن أزمع على المقام قضى ما أقامه وإن قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلده أو بلد أخرى‏,‏ لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقد أقرع له‏.‏