فصل: فصل: إن كان المستأجر والمستعير ممن لا سهم له

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر‏,‏ والجوزجاني وجماعة من أهل العلم وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي لحديث الزهري الذي ذكرناه‏,‏ وخبر صفوان بن أمية ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين فإن كان غير مأمون عليهم لم تجزئه الاستعانة به لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين‏,‏ مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى ووجه الأول ما روت عائشة‏,‏ قالت‏:‏ خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بدر حتى إذا كان بحرة الوبرة أدركه رجل من المشركين‏,‏ كان يذكر منه جرأة ونجدة فسر المسلمون به فقال‏:‏ يا رسول الله‏,‏ جئت لأتبعك وأصيب معك فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أتؤمن بالله ورسوله‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فارجع فلن أستعين بمشرك قالت‏:‏ ثم مضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى إذا كان بالبيداء أدركه ذلك الرجل‏,‏ فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ أتؤمن بالله ورسوله‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فانطلق‏)‏ متفق عليه ورواه الجوزجاني وروى الإمام أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن حبيب قال‏:‏ أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏,‏ وهو يريد غزوة أنا ورجل من قومي ولم نسلم‏,‏ فقلنا‏:‏ إنا لنستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم قال‏:‏ ‏(‏فأسلمتما‏؟‏ قلنا‏:‏ لا قال‏:‏ فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين‏)‏ قال‏:‏ فأسلمنا وشهدنا معه ولأنه غير مأمون على المسلمين فأشبه المخذل والمرجف قال ابن المنذر‏:‏ والذي ذكر أنه استعان بهم غير ثابت‏.‏

ولا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس ولا للراجل سهم راجل‏,‏ كما لا يبلغ بالتعزير الحد ويفعل الإمام بين أهل الرضخ ما يرى فيفضل العبد المقاتل وذا البأس على من ليس مثله‏,‏ ويفضل المرأة المقاتلة والتي تسقي الماء وتداوي الجرحى‏,‏ وتنفع على غيرها فإن قيل‏:‏ هلا سويتم بينهم كما سويتم بين أهل السهمان‏؟‏ قلنا‏:‏ السهم منصوص عليه غير موكول إلى اجتهاد الإمام‏,‏ فلم يختلف كالحد ودية الحر والرضخ غير مقدر‏,‏ بل هو مجتهد فيه مردود إلى اجتهاد الإمام فاختلف‏,‏ كالتعزير وقيمة العبد‏.‏

فصل‏:‏

وفي الرضخ وجهان أحدهما من أصل الغنيمة لأنه استحق بالمعاونة في تحصيل الغنيمة فأشبه أجرة النقالين والحافظين لها والثاني‏,‏ هو من أربعة الأخماس لأنه استحق بحضور الوقعة فأشبه سهام الغانمين وللشافعي قولان كهذين‏.‏

أول ما يبدأ في قسمة الغنائم بالأسلاب‏,‏ فيدفعها إلى أهلها لأن صاحبها معين ثم بمؤنة الغنيمة من أجرة النقال والحمال والحافظ والمخزن ثم بالرضخ‏,‏ على أحد الوجهين وفي الآخر بالخمس ثم بالأنفال من أربعة الأخماس‏,‏ ثم يقسم بقية أربعة الأخماس بين الغانمين وإنما قدمنا قسمة أربعة الأخماس على قسمة الخمس لستة معان أحدها أن أهلها حاضرون‏,‏ وأهل الخمس غائبون الثاني أن رجوع الغانمين إلى أوطانهم يقف على قسمة الغنيمة وأهل الخمس في أوطانهم فكان الاشتغال بقسم نصيبهم ليعودوا إلى أوطانهم أولى الثالث‏,‏ أن الغنيمة حصلت بتحصيل الغانمين وتعبهم فصاروا بمنزلة من استحقها بعوض وأهل الخمس بخلافه‏,‏ فكان أهل الغنيمة أولى الرابع أنه إذا قسم الغنيمة بين الغانمين أخذ كل إنسان نصيبه‏,‏ فحمله واهتم به وكفى الإمام مؤنته‏,‏ والخمس إذا قسم ليس له من يكفي الإمام مؤنته فلا تحصل الفائدة بقسمته بل كان يحمله مجتمعًا‏,‏ فصار يحمله متفرقا فكان تأخير قسمته أولى الخامس أن الخمس لا يمكن قسمه بين أهله كلهم لأنه يحتاج إلى معرفتهم وعددهم‏,‏ ولا يمكن ذلك مع غيبتهم السادس أن الغانمين ينتفعون بسهامهم ويتمكنون من التصرف فيها لحضورهم بخلاف أهل الخمس‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا غزا العبد على فرس لسيده‏,‏ قسم للفرس فكان لسيده ويرضخ للعبد‏]‏

أما الرضخ للعبد‏,‏ فكما تقدم وأما الفرس التي تحته فيستحق مالكها سهمها‏,‏ فإن كان معه فرسان أو أكثر أسهم لفرسين ويرضخ للعبد نص على هذا أحمد وقال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي‏:‏ لا يسهم للفرس لأنه تحت من لا يسهم له فلم يسهم له كما لو كان تحت مخذل ولنا‏,‏ أنه فرس حضر الوقعة وقوتل عليه فاستحق السهم‏,‏ كما لو كان السيد راكبه إذا ثبت هذا فإن سهم الفرس ورضخ العبد لسيده لأنه مالكه ومالك فرسه وسواء حضر السيد القتال أو غاب عنه وفارق فرس المخذل لأن الفرس له فإذا لم يستحق شيئا بحضوره‏,‏ فلأن لا يستحق بحضور فرسه أولى‏.‏

وإن غزا الصبي على فرس أو المرأة أو الكافر إذا قلنا‏:‏ لا يستحق إلا الرضخ لم يسهم للفرس في ظاهر قول أصحابنا لأنهم قالوا‏:‏ لا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس وظاهر هذا أنه يرضخ له ولفرسه ما لا يبلغ سهم الفارس ولأن سهم الفرس له‏,‏ فإذا لم يستحق السهم بحضوره فبفرسه أولى بخلاف العبد‏,‏ فإن الفرس لغيره‏.‏

وإذا غزا المرجف أو المخذل على فرس فلا شيء له ولا للفرس لما ذكرنا‏,‏ وإن غزا العبد بغير إذن سيده لم يرضخ له لأنه عاص بغزوه‏,‏ فهو كالمخذل والمرجف وإن غزا الرجل بغير إذن والديه أو بغير إذن غريمه‏,‏ استحق السهم لأن الجهاد يتعين عليه بحضور الصف فلا يبقى عاصيا فيه بخلاف العبد‏.‏

ومن استعار فرسا ليغزو عليه‏,‏ ففعل فسهم الفرس للمستعير وبهذا قال الشافعي‏,‏ لأنه يتمكن من الغزو عليه بإذن صحيح شرعي فأشبه ما لو استأجره وعن أحمد رواية أخرى‏,‏ أن سهم الفرس لمالكه لأنه من نمائه فأشبه ولده وبهذا قال بعض الحنفية وقال بعضهم‏:‏ لا سهم للفرس لأن مالكه لم يستحق سهما‏,‏ فلم يستحق للفرس شيئا كالمخذل والمرجف والأول أصح لأنه فرس قاتل عليه من يستحق سهما‏,‏ وهو مالك لنفعه فاستحق سهم الفرس كالمستأجر‏,‏ ولأن سهم الفرس مستحق بمنفعته وهي للمستعير بإذن المالك فيها وفارق النماء والولد‏,‏ فإنه غير مأذون له فيه فأما إن استعاره لغير الغزو ثم غزا عليه فهو كالفرس المغصوب‏,‏ على ما سنذكره‏.‏

وإن غصب فرسا فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه نص عليه أحمد وقال بعض الحنفية‏:‏ لا يسهم للفرس وهو وجه لأصحاب الشافعي وقال بعضهم‏:‏ سهم الفرس للغاصب‏,‏ وعليه أجرته لمالكه لأنه آلة فكان الحاصل بها لمستعملها كله كما لو غصب منجلا فاحتش بها‏,‏ أو سيفا فقاتل به ولنا أنه فرس قاتل عليه من يستحق السهم فاستحق السهم‏,‏ كما لو كان مع صاحبه وإذا ثبت أن له سهما كان لمالكه لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما‏,‏ وما كان للفرس كان لمالكه وفارق ما يحتش به فإنه لا شيء له‏,‏ ولأن السهم مستحق بنفع الفرس ونفعه لمالكه فوجب أن يكون ما يستحق به له والحمد لله‏.‏

ومن استأجر فرسا ليغزو عليه‏,‏ فغزا عليه فسهم الفرس له لا نعلم فيه خلافا لأنه مستحق لنفعه استحقاقا لازما فكان سهمه له‏,‏ كمالكه‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان المستأجر والمستعير ممن لا سهم له إما لكونه لا شيء له كالمرجف والمخذل أو ممن يرضخ له كالصبي فحكمه حكم فرسه‏,‏ على ما ذكرنا وإن غصب فرسا فقاتل عليه احتمل أن يكون حكمه حكم فرسه لأن الفرس يتبع الفارس في حكمه فيتبعه إذا كان مغصوبا‏,‏ قياسا على فرسه واحتمل أن يكون سهم الفرس لمالكه لأن الجناية من راكبه والنقص فيه فيختص المنع به‏,‏ وبما هو تابع له وفرسه تابعة له لأن ما كان لها فهو له والفرس ها هنا لغيره‏,‏ وسهمها لمالكها فلا ينقص سهمها بنقص سهمه كما لو قاتل العبد على فرس لسيده ولو قاتل العبد بغير إذن سيده على فرس لسيده‏,‏ خرج فيه الوجهان اللذان ذكرناهما فيما إذا غصب فرسا فقاتل عليه لأنه ها هنا بمنزلة المغصوب‏.‏

ولا يجوز تفضيل بعض الغانمين على بعض في القسمة إلا أن ينفل بعضهم من الغنيمة نفلا على ما ذكرنا في الأنفال‏,‏ فأما غير ذلك فلا لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وسوى بينهم ولأنهم اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية‏,‏ فتجب التسوية كسائر الشركاء‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال الإمام‏:‏ من أخذ شيئا فهو له جاز في إحدى الروايتين وهو قول أبي حنيفة‏,‏ وأحد قولي الشافعي قال أحمد في السرية تخرج فيقول الوالي‏:‏ من جاء بشيء فهو له‏,‏ ومن لم يجئ بشيء فلا شيء له‏:‏ الأنفال إلى الإمام ما فعل من شيء جاز لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في يوم بدر‏:‏ ‏"‏من أخذ شيئا فهو له‏"‏ ولأن على هذا غزوا‏,‏ ورضوا به والرواية الثانية لا يجوز وهو القول الثاني للشافعي لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقسم الغنائم والخلفاء بعده ولأن ذلك يقضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال‏,‏ وظفر العدو بهم فلا يجوز ولأن الاغتنام سبب لاستحقاقهم لها على سبيل التساوي‏,‏ فلا يزول ذلك بقول الإمام كسائر الاكتساب وأما قضية بدر فإنها منسوخة‏,‏ فإنهم اختلفوا فيها فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏]‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏‏[‏وإذا أحرزت الغنيمة لم يكن فيها لمن جاءهم مددا‏,‏ أو هرب من أسر حظ‏]‏

وجملة ذلك أن الغنيمة لمن حضر الموقعة فمن تجدد بعد ذلك من مدد يلحق بالمسلمين أو أسر ينفلت من الكفار‏,‏ فيلحق بجيش المسلمين أو كافر يسلم فلا حق لهم فيها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في المدد‏:‏ إن لحقهم قبل القسمة أو إحرازها بدار الإسلام‏,‏ شاركهم لأن تمام ملكها بتمام الاستيلاء وهو الإحراز إلى دار الإسلام أو قسمتها‏,‏ فمن جاء قبل ذلك فقد أدركها قبل ملكها فاستحل منها كما لو جاء في أثناء الحرب وإن مات أحد من العسكر قبل ذلك‏,‏ فلا شيء له لما ذكرنا وقد روى الشعبي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد‏,‏ أسهم لمن أتاك قبل أن تتفقأ قتلى فارس ولنا ما روى أبو هريرة ‏(‏أن أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه‏,‏ قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان‏:‏ اقسم لنا يا رسول الله فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ اجلس يا أبان ولم يقسم له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ رواه أبو داود وعن طارق بن شهاب‏,‏ أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة فكتب في ذلك إلى عمر‏,‏ رضي الله عنه فكتب عمر‏:‏ إن الغنيمة لمن شهد الوقعة رواه سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ وروى نحوه عن عثمان في غزوة أرمينية ولأنه مدد لحق بعد تقضي الحرب‏,‏ أشبه ما لو جاء بعد القسمة أو بعد إحرازها بدار الإسلام ولأن سبب ملكها الاستيلاء عليها‏,‏ وقد حصل قبل مجيء المدد وقولهم‏:‏ إن ملكها بإحرازها إلى دار الإسلام ممنوع بل هو بالاستيلاء وقد استولى عليها الجيش قبل المدد‏,‏ وحديث الشعبي مرسل يرويه المجالد وقد تكلم فيه ثم هم لا يعملون به‏,‏ ولا نحن فقد حصل الإجماع منا على خلافه فكيف يحتج به‏؟‏

فصل‏:‏

وحكم الأسير يهرب إلى المسلمين حكم المدد‏,‏ سواء قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يسهم له إلا أن يقاتل لأنه لم يأت للقتال بخلاف المدد ولنا أن من استحق إذا قاتل استحق وإن لم يقاتل كالمدد‏,‏ وسائر من حضر الوقعة‏.‏

فصل‏:‏

وإن لحقهم المدد بعد تقضي الحرب وقبل حيازة الغنيمة أو جاءهم أسير‏,‏ فظاهر كلام الخرقي أنه يشاركهم لأنه جاء قبل إحرازها وقال القاضي‏:‏ تملك الغنيمة بانقضاء الحرب قبل حيازتها فعلى هذا لا يسهم لهم وإن حازوا الغنيمة ثم جاءهم قوم من الكفار يقاتلونهم‏,‏ فأدركهم المدد فقاتلوا معهم فقد نص أحمد‏,‏ على أنه لا شيء للمدد فإنه قال‏:‏ إذا غنم المسلمون غنيمة فلحقهم العدو وجاء المسلمين مدد فقاتلوا العدو معهم حتى سلموا الغنيمة‏,‏ فلا شيء لهم في الغنيمة لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابهم ولم يقاتلوا عن الغنيمة لأن الغنيمة قد صارت في أيديهم وحووها قيل له‏:‏ فإن أهل المصيصة غنموا ثم استنقذ منهم العدو فجاء أهل طرسوس‏,‏ فقاتلوا معهم حتى استنقذوه‏؟‏ فقال‏:‏ أحب إلى أن يصطلحوا أما في الصورة الأولى فإن الأولين قد أحرزوا الغنيمة وملكوها بحيازتهم‏,‏ فكانت لهم دون من قاتل معهم أما في الصورة الثانية فإنما حصلت الغنيمة بقتال الذين استنقذوها في المرة الثانية فينبغي أن يشتركوا فيها‏,‏ لأن الإحراز الأول قد زال بأخذ الكفار لها ويحتمل أن الأولين قد ملكوها بالحيازة الأولى ولم يزل ملكهم بأخذ الكفار لها منهم‏,‏ فلهذا أحب أن يصطلحوا عليها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش فلم يحضر الغنيمة أسهم له هذا مثل الرسول والدليل والطليعة والجاسوس وأشباههم يبعثون لمصلحة الجيش‏,‏ فإنهم يشاركون الجيش وبهذا قال أبو بكر بن أبي مريم وراشد بن سعد وعطية بن قيس‏,‏ قالوا‏:‏ وقد تخلف عثمان يوم بدر فأجرى له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهما من الغنيمة ويروى عن ابن عمر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام يعني يوم بدر فقال‏:‏ ‏(‏إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله‏,‏ وإني أبايع له فضرب له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسهمه ولم يضرب لأحد غاب غيره‏)‏ رواه أبو داود وعن ابن عمر قال‏:‏ إنما تغيب عثمان عن بدر لأنه كانت تحته ابنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت مريضة‏,‏ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه‏)‏ رواه البخاري ولأنه في مصلحتهم فاستحق سهما من غنيمتهم‏,‏ كالسرية مع الجيش والجيش مع السرية‏.‏

فصل‏:‏

وسئل أحمد عن قوم خلفهم الأمير في بلاد العدو وغزا‏,‏ وغنم ولم يمر بهم فرجعوا‏,‏ هل يسهم لهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم يسهم لهم لأن الأمير خلفهم قيل له‏:‏ فإن نادى الأمير‏:‏ من كان ضعيفا فليتخلف فتخلف قوم فصاروا إلى لؤلؤة وفيها المسلمون فأقاموا حتى فصلوا‏,‏ فقال‏:‏ إذا كانوا قد التجئوا إلى مأمن لهم لم يسهم لهم ولو تخلفوا وأقاموا في موضع خوف أسهم لهم وقال في قوم خلفهم الأمير‏,‏ وأغار في جلد الخيل فقال‏:‏ إن أقاموا في بلد العدو حتى رجع أسهم لهم‏,‏ وإن رجعوا حتى صاروا إلى مأمنهم فلا شيء لهم قيل له‏:‏ فإن اعتل رجل أو اعتلت دابته وقد أدرب‏,‏ فقال له الأمير‏:‏ أقم أسهم لك أو انصرف إلى أهلك أسهم لك فكرهه وقال‏:‏ هذا ينصرف إلى أهله‏,‏ فكيف يسهم له‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا سبوا لم يفرق بين الوالد وولده‏,‏ ولا بين الوالدة وولدها أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز هذا قول مالك في أهل المدينة والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر‏,‏ والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي فيه والأصل فيه ما روى أبو أيوب‏,‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة‏)‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا توله والدة عن ولدها‏)‏ قال أحمد‏:‏ لا يفرق بين الأم وولدها وإن رضيت وذلك والله أعلم لما فيه من الإضرار بالولد‏,‏ ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها ثم يتغير قلبها بعد ذلك فتندم لا يجوز التفريق بين الأب وولده وهذا قول أصحاب الرأي ومذهب الشافعي وقال بعض أصحابه‏:‏ يجوز وهو قول مالك‏,‏ والليث لأنه ليس من أهل الحضانة بنفسه ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه‏,‏ لأن الأم أشفق منه ولنا أنه أحد الأبوين فأشبه الأم‏,‏ ولا نسلم أنه ليس من أهل الحضانة وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين كون الولد كبيرا بالغا أو طفلا وهذه إحدى الروايتين عن أحمد لعموم الخبر ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير‏,‏ ولهذا حرم عليه الجهاد بدون إذنهما والرواية الثانية يختص تحريم التفريق بالصغير وهو قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن عبد العزيز ومالك‏,‏ والأوزاعي والليث وأبو ثور وهو قول الشافعي لأن سلمة بن الأكوع أتى بامرأة وابنتها‏,‏ فنفله أبو بكر ابنتها فاستوهبها منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوهبها له ولم ينكر التفريق بينهما ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهديت إليه مارية وأختها سيرين‏,‏ فأمسك مارية ووهب سيرين لحسان بن ثابت ولأن الأحرار يتفرقون بعد الكبر فإن المرأة تزوج ابنتها‏,‏ فالعبيد أولى وبما ذكرناه يتخصص عموم حديث النهي واختلفوا في حد الكبر الذي يجوز معه التفريق فروى عن أحمد‏:‏ يجوز التفريق بينهما إذا بلغ الولد وهو قول سعيد بن عبد العزيز وأصحاب الرأي‏,‏ وقول الشافعي وقال مالك‏:‏ إذا أثغر وقال الأوزاعي والليث‏:‏ إذا استغنى عن أمه ونفع نفسه وقال الشافعي‏,‏ في أحد قوليه‏:‏ إذا صار ابن سبع سنين أو ثمان سنين وقال أبو ثور‏:‏ إذا كان يلبس وحده ويتوضأ وحده لأنه إذا كان كذلك يستغنى عن أمه وكذلك خير الغلام بين أمه وأبيه إذا صار كذلك ولأنه جاز التفريق بينهما بتخييره‏,‏ فجاز بيعه وقسمته ولنا ما روى عن عبادة بن الصامت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏لا يفرق بين الوالدة وولدها فقيل‏:‏ إلى متى‏؟‏ قال‏:‏ حتى يبلغ الغلام‏,‏ وتحيض الجارية‏)‏ ولأن ما دون البلوغ مولى عليه فأشبه الطفل‏.‏

فصل‏:‏

وإن فرق بينهما بالبيع فالبيع فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يصح البيع لأن النهي لمعنى في غير المعقود عليه‏,‏ فأشبه البيع في وقت النداء ولنا ما روى أبو داود في ‏"‏ سننه ‏"‏‏,‏ بإسناده عن على رضي الله عنه أنه فرق بين الأم وولدها فنهاه رسول الله عن ذلك ورد البيع والأصل ممنوع‏,‏ ولا يصح ما ذكروه فإنه نهى عنه لما يلحق المبيع من الضرر فهو لمعنى فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والجد في ذلك كالأب‏,‏ والجدة فيه كالأم‏]‏

وجملة ذلك أن الجد والجدة في تحريم التفريق بينهما وبين ولد ولدهما كالأبوين لأن الجد أب‏,‏ والجدة أم ولذلك يقومان مقام الأبوين في استحقاق الحضانة والميراث والنفقة فقاما مقامهما في تحريم التفريق‏,‏ ويستوي في ذلك الجد والجدة من قبل الأب والأم لأن للجميع ولادة ومحرمية فاستووا في ذلك كاستوائهم في منع شهادة بعضهم لبعض‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يفرق بين أخوين‏,‏ ولا أختين‏]‏

وجملته أنه يحرم التفريق بين الإخوة في القسمة والبيع وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك والليث‏,‏ والشافعي وابن المنذر‏:‏ يجوز لأنها قرابة لا تمنع قبول الشهادة فلم يحرم التفريق‏,‏ كقرابة ابن العم ولنا ما روى عن على رضي الله عنه قال‏:‏ وهب لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلامين أخوين فبعت أحدهما‏,‏ فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ما فعل غلامك‏؟‏ فأخبرته فقال‏:‏ رده رده‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن غريب وروى عبد الرحمن بن فروخ‏,‏ عن أبيه قال‏:‏ كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ لا تفرقوا بين الأخوين ولا بين الأم وولدها‏,‏ في البيع لأنه ذو رحم محرم فلم يجز التفريق بينهما كالولد والوالد‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز التفريق بين سائر الأقارب‏,‏ في ظاهر كلام الخرقي وقال غيره من أصحابنا‏:‏ لا يجوز التفريق بين ذوي رحم محرم كالعمة مع ابن أخيها‏,‏ والخالة مع ابن أختها لما ذكرنا من القياس ولنا أن الأصل حل البيع والتفريق ولا يصح القياس على الإخوة لأنهم أقرب‏,‏ ولذلك يحجبون غيرهم عن الميراث فيبقى في من عداهم على مقتضى الأصل فأما من ليس بينهما رحم محرم فلا يمنع من التفريق بينهم عند أحد علمناه لعدم النص فيهم‏,‏ وامتناع القياس على المنصوص وكذلك يجوز التفريق بين الأم من الرضاع وولدها والأخت وأختها لذلك ولأن قرابة الرضاع لا توجب عتق أحدهما على صاحبه ولا نفقة‏,‏ ولا ميراثا فلم تمنع التفريق كالصداقة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان في المغنم من لا يجوز التفريق بينهم‏,‏ وكان قدرهم حصة واحد من الغانمين دفعوا إلى واحد وإن كان فيهم فضل فرضي برد قيمة الفضل‏,‏ جاز وإن لم يكن ذلك بيعوا جملة وقسم ثمنهم‏,‏ أو يجعلوا في الخمس ويجوز التفريق بينهم في العتق والفداء لأن العتق لا تفرقة فيه في المكان والفداء تخليص فهو كالعتق‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن اشترى منهم وهم مجتمعون‏,‏ فتبين أن لا نسب بينهم رد إلى المقسم الفضل الذي فيه بالتفريق‏]‏

وجملته أن من اشترى من المغنم اثنين أو أكثر وحسبوا عليه بنصيبه‏,‏ بناء على أنهم أقارب يحرم التفريق بينهم فبان أنه لا نسب بينهم وجب عليه رد الفضل الذي فيهم على المغنم لأن قيمتهم تزيد بذلك‏,‏ فإن اشترى اثنين بناء على أن إحداهما أم الأخرى لا يحل له الجمع بينهما في الوطء‏,‏ ولا بيع إحداهما دون الأخرى فكانت قيمتهما قليلة لذلك فإن بان أن إحداهما أجنبية من الأخرى‏,‏ أبيح له وطؤهما وبيع إحداهما فتكثر قيمتهما‏,‏ فيجب رد الفضل كما لو اشتراهما فوجد معهما حليا أو ذهبا فتكثر قيمتهما وكما لو أخذ دراهم‏,‏ فبانت أكثر مما حسب عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن سبى من أطفالهم منفردا أو مع أحد أبويه فهو مسلم‏,‏ ومن سبى مع أبويه فهو على دينهما‏]‏

وجملته أنه إذا سبى من لم يبلغ من أولاد الكفار صار رقيقا‏,‏ ولا يخلو من ثلاثة أحوال أحدهما أن يسبي منفردا عن أبويه فهذا يصير مسلما إجماعا لأن الدين إنما يثبت له تبعا‏,‏ وقد انقطعت تبعيته لأبويه لانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما‏,‏ ومصيره إلى دار الإسلام تبعا لسابيه المسلم فكان تابعا له في دينه والثاني أن يسبي مع أحد أبويه‏,‏ فإنه يحكم بإسلامه أيضا وبهذا قال الأوزاعي وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ يكون تابعا لأبيه في الكفر لأنه لم ينفرد عن أحد أبويه فلم يحكم بإسلامه‏,‏ كما لو سبى معهما وقال مالك‏:‏ إن سبى مع أبيه يتبعه لأن الولد يتبع أباه في الدين كما يتبعه في النسب وإن سبي مع أمه فهو مسلم لأنه لا يتبعها في النسب‏,‏ فكذلك في الدين ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه‏,‏ أو ينصرانه أو يمجسانه‏)‏ فمفهومه أنه لا يتبع أحدهما لأن الحكم متى علق بشيئين لا يثبت بأحدهما‏,‏ ولأنه يتبع سابيه منفردا فيتبعه مع أحد أبويه قياسا على ما لو أسلم أحد الأبوين‏,‏ يحققه أن كل شخص غلب حكم إسلامه منفردا غلب مع أحد الأبوين كالمسلم من الأبوين الثالث أن يسبى مع أبويه‏,‏ فإنه يكون على دينهما وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وقال الأوزاعي‏:‏ يكون مسلما لأن السابى أحق به‏,‏ لكونه ملكه بالسبي وزالت ولاية أبويه عنه وانقطع ميراثهما منه وميراثه منهما‏,‏ فكان أولى به منهما ولنا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فأبواه يهودانه أو ينصرانه‏,‏ أو يمجسانه‏)‏ وهما معه وملك السابي له لا يمنع اتباعه لأبويه بدليل ما لو ولد في ملكه من عبده وأمته الكافرين‏.‏

فصل‏:‏

وإذا سبى المتزوج من الكفار‏,‏ لم يخل من ثلاثة أحوال أحدها أن يسبي الزوجان معا فلا ينفسخ نكاحهما وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ والأوزاعي وقال مالك والثوري والليث‏,‏ والشافعي وأبو ثور‏:‏ ينفسخ نكاحهما لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏ والمحصنات المزوجات ‏{‏إلا ما ملكت أيمانكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏ بالسبي قال أبو سعيد الخدري‏:‏ نزلت هذه الآية في سبي أوطاس وقال ابن عباس‏:‏ إلا ذوات الأزواج من المسبيات ولأنه استولى على محل حق الكافر‏,‏ فزال ملكه كما لو سباها وحدها ولنا أن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاح‏,‏ فلا يقطع استدامته كالعتق والآية نزلت في سبايا أوطاس‏,‏ وكانوا أخذوا النساء دون أزواجهن وعموم الآية مخصوص بالمملوكة المزوجة في دار الإسلام فيخص منه محل النزاع بالقياس عليه الحال الثاني‏,‏ أن تسبى المرأة وحدها فينفسخ النكاح بلا خلاف علمناه والآية دالة عليه‏,‏ وقد روى أبو سعيد الخدري قال‏:‏ أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن‏,‏ فذكر ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنزلت‏:‏ ‏{‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن إلا أن أبا حنيفة قال‏:‏ إذا سبيت المرأة وحدها ثم سبي زوجها بعدها بيوم‏,‏ لم ينفسخ النكاح ولنا أن السبب المقتضي للفسخ وجد فانفسخ النكاح‏,‏ كما لو سبى بعد شهر الحال الثالث سبى الرجل وحده فلا ينفسخ النكاح لأنه لا نص فيه‏,‏ ولا القياس يقتضيه وقد سبى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبعين من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم‏,‏ وفادى بعضا فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم ولأننا إذا لم نحكم بفسخ النكاح فيما إذا سبيا معا مع الاستيلاء على محل حقه‏,‏ فلأن لا ينفسخ نكاحه مع عدم الاستيلاء أولى وقال أبو الخطاب‏:‏ إذا سبى أحد الزوجين انفسخ النكاح ولم يفرق وبه قال أبو حنيفة لأن الزوجين افترقت بهما الدار وطرأ الملك على أحدهما‏,‏ فانفسخ النكاح كما لو سبيت المرأة وحدها وقال الشافعي‏:‏ إن سبى واسترق انفسخ نكاحه‏,‏ وإن من عليه أو فودي لم ينفسخ ولنا ما ذكرناه‏,‏ وأن السبي لم يزل ملكه عن ماله في دار الحرب فلم يزله عن زوجته كما لم يزله عن أمته‏.‏

فصل‏:‏

ولم يفرق أصحابنا في سبي الزوجين‏,‏ بين أن يسبيهما رجل واحد أو رجلان وينبغي أن يفرق بينهما فإنهما إذا كانا مع رجلين‏,‏ كان مالك المرأة منفردا بها ولا زوج معه لها فتحل له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏ وذكر الأوزاعي‏,‏ أن الزوجين إذا سبيا فهما على النكاح في المقاسم فإن اشتراهما رجل‏,‏ فله أن يفرق بينهما إن شاء أو يقرهما على النكاح ولنا أن تجدد الملك في الزوجين لرجل لا يقتضي جواز الفسخ‏,‏ كما لو اشترى زوجين مسلمين إذا ثبت هذا فإنه لا يحرم التفريق بين الزوجين في القسمة والبيع لأن الشرع لم يرد بذلك‏.‏

فصل‏:‏

إذا أسلم الحربي في دار الحرب حقن ماله ودمه وأولاده الصغار من السبي وإن دخل دار الإسلام فأسلم‏,‏ وله أولاد صغار في دار الحرب صاروا مسلمين ولم يجز سبيهم وبه قال مالك‏,‏ والشافعي والأوزاعي وقال أبو حنيفة‏:‏ ما كان في يديه من ماله ورقيقه ومتاعه وولده الصغار ترك له‏,‏ وما كان من أمواله بدار الحرب جاز سبيهم لأنه لم يثبت إسلامهم بإسلامه لاختلاف الدارين بينهم‏,‏ ولهذا إذا سبي الطفل وأبواه في دار الكفر لم يتبعها ويتبع سابيه في الإسلام‏,‏ وما كان من أرض أو دار فهو فيء وكذلك زوجته إذا كانت كافرة وما في بطنها فيء ولنا‏,‏ أن أولاده أولاد مسلم فوجب أن يتبعوه في دار الإسلام كما لو كانوا معه في الدار‏,‏ ولأن ماله مال مسلم فلا يجوز اغتنامه كما لو كان في دار الإسلام‏,‏ وبذلك يفارق مال الحربي وأولاده وما ذكره أبو حنيفة لا يلزم فإننا نجعله تبعا للسابي لأننا لا نعلم بقاء أبويه فأما أولاده الكبار فلا يعصمهم لأنهم لا يتبعونه‏,‏ ولا يعصم زوجته لذلك فإن سبيت صارت رقيقا ولم ينفسخ نكاحه برقها‏,‏ ولكن يكون حكمها في النكاح وفسخه حكم ما لو لم تسب على ما مر في نكاح أهل الشرك فإن كانت حاملا من زوجها لم يجز استرقاق الحمل‏,‏ وكان حرا مسلما وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يحكم برقه مع أمه لأن ما سرى إليه العتق سرى إليه الرق كسائر أعضائها ولنا أنه محكوم بحريته وإسلامه‏,‏ فلم يجز استرقاقه كالمنفصل ويخالف الأعضاء لأنها لا تنفرد بحكم عن الأصل‏.‏