فصل: فصل: إن كان الثمن مما تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فأما الولي‏,‏ فإن كان للصبي حظ في الأخذ بها مثل أن يكون الشراء رخيصا أو بثمن المثل وللصبي مال لشراء العقار‏,‏ لزم وليه الأخذ بالشفعة لأن عليه الاحتياط له والأخذ بما فيه الحظ فإذا أخذ بها‏,‏ ثبت الملك للصبي ولم يملك نقضه بعد البلوغ في قول أكثر أهل العلم‏,‏ منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي‏:‏ ليس للولى الأخذ بها لأنه لا يملك العفو عنها‏,‏ فلا يملك الأخذ بها كالأجنبي وإنما يأخذ بها الصبي إذا كبر ولا يصح هذا لأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال‏,‏ فملكه الولى في حق الصبي كالرد بالعيب وقد ذكرنا فساد قياسه فيما مضى فإن تركها الولى مع الحظ فللصبى الأخذ بها إذا كبر‏,‏ ولا يلزم الولى لذلك غرم لأنه لم يفوت شيئا من ماله وإنما ترك تحصيل ماله الحظ فيه فأشبه ما لو ترك شراء العقار له مع الحظ في شرائه‏,‏ وإن كان الحظ في تركها مثل أن يكون المشتري قد غبن أو كان في الأخذ بها يحتاج إلى أن يستقرض ويرهن مال الصبي‏,‏ فليس له الأخذ لأنه لا يملك فعل ما لا حظ للصبى فيه فإن أخذ فهل يصح‏؟‏ على روايتين إحداهما لا يصح‏,‏ ويكون باقيا على ملك المشتري لأنه اشترى له ما لا يملك شراءه فلم يصح كما لو اشترى بزيادة كثيرة على ثمن المثل‏,‏ أو اشترى معيبا يعلم عيبه ولا يملك الولى المبيع لأن الشفعة تؤخذ بحق الشركة ولا شركة للولي‏,‏ ولذلك لو أراد الأخذ لنفسه لم يصح فأشبه ما لو تزوج لغيره بغير إذنه‏,‏ فإنه يقع باطلا ولا يصح لواحد منهما كذا ها هنا وهذا مذهب الشافعي والرواية الثانية يصح الأخذ للصبي لأنه اشترى له ما يندفع عنه الضرر به‏,‏ فصح كما لو اشترى معيبا لا يعلم عيبه والحظ يختلف ويخفى‏,‏ فقد يكون له حظ في الأخذ بأكثر من ثمن المثل لزيادة قيمة ملكه والشقص الذي يشتريه بزوال الشركة أو لأن الضرر الذي يندفع بأخذه كثير‏,‏ فلا يمكن اعتبار الحظ بنفسه لخفائه ولا بكثرة الثمن لما ذكرناه فسقط اعتباره‏,‏ وصح البيع‏.‏

فصل‏:‏

وإذا باع وصي الأيتام فباع لأحدهم نصيبا في شركة آخر كان له الأخذ للآخر بالشفعة لأنه كالشراء له وإن كان الوصي شريكا لمن باع عليه‏,‏ لم يكن له الأخذ لأنه متهم في بيعه ولأنه بمنزلة من يشتري لنفسه من مال يتيمه ولو باع الوصي نصيبه كان له الأخذ لليتيم بالشفعة‏,‏ إذا كان له الحظ فيها لأن التهمة منتفية فإنه لا يقدر على الزيادة في ثمنه لكون المشتري لا يوافقه‏,‏ ولأن الثمن حاصل له من المشتري كحصوله من اليتيم بخلاف بيعه مال اليتيم‏,‏ فإنه يمكنه تقليل الثمن ليأخذ الشقص به فإذا رفع الأمر إلى الحاكم فباع عليه‏,‏ فللوصي الأخذ حينئذ لعدم التهمة وإن كان مكان الوصي أب فباع شقص الصبي‏,‏ فله أن يأخذه بالشفعة لأن له أن يشتري من نفسه مال ولده لعدم التهمة وإن بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه أن يأخذ له بالشفعة لأنه لا يمكن تمليكه بغير الوصية وإذا ولد الحمل ثم كبر‏,‏ فله الأخذ بالشفعة كالصبي إذا كبر‏.‏

فصل‏:‏

وإذا عفا ولي الصبي عن شفعته التي له فيها حظ ثم أراد الأخذ بها‏,‏ فله ذلك في قياس المذهب لأنها لم تسقط بإسقاطه ولذلك ملك الصبي الأخذ بها إذا كبر‏,‏ ولو سقطت لم يملك الأخذ بها ويحتمل أن لا يملك الأخذ بها لأن ذلك يؤدي إلى ثبوت حق الشفعة على التراخي وذلك على خلاف الخبر والمعنى ويخالف أخذ الصبي بها إذا كبر لأن الحق يتجدد له عند كبره فلا يملك تأخيره حينئذ‏,‏ وكذلك أخذ الغائب بها إذا قدم فأما إن تركها لعدم الحظ فيها ثم أراد الأخذ بها والأمر على ما كان‏,‏ لم يملك ذلك كما لم يملكه ابتداء وإن صار فيها حظ أو كان معسرا عند البيع فأيسر بعد ذلك انبنى ذلك على سقوطها بذلك فإن قلنا‏:‏ لا تسقط‏,‏ وللصبي الأخذ بها إذا كبر فحكمها حكم ما فيه الحظ وإن قلنا‏:‏ تسقط فليس له الأخذ بها بحال لأنها قد سقطت على الإطلاق فأشبه ما لو عفا الكبير عن شفعته‏.‏

فصل‏:‏

والحكم في المجنون المطبق كالحكم في الصبي سواء لأنه محجور عليه لحظه‏,‏ وكذلك السفيه لذلك وأما المغمى عليه فلا ولاية عليه وحكمه حكم الغائب والمجنون ينتظر إفاقته وأما المفلس‏,‏ فله الأخذ بالشفعة والعفو عنها وليس لغرمائه الأخذ بها لأن الملك لم يثبت لهم في أملاكه قبل قسمتها‏,‏ ولا إجباره على الأخذ بها لأنها معاوضة فلا يجبر عليها كسائر المعاوضات وليس لهم إجباره على العفو لأنه إسقاط حق‏,‏ فلا يجبر عليه وسواء كان له حظ في الأخذ بها أو لم يكن لأنه يأخذ في ذمته وليس بمحجور عليه في ذمته‏,‏ لكن لهم منعه من دفع ماله في ثمنها لتعلق حقوقهم بماله فأشبه ما لو اشترى في ذمته شقصا غير هذا ومتى ملك الشقص المأخوذ بالشفعة تعلقت حقوق الغرماء به‏,‏ سواء أخذه برضاهم أو بغيره لأنه مال له فأشبه ما لو اكتسبه وأما المكاتب فله الأخذ والترك‏,‏ وليس لسيده الاعتراض عليه لأن التصرف يقع له دون سيده فأما المأذون له في التجارة من العبيد فله الأخذ بالشفعة لأنه مأذون له في الشراء وإن عفا عنها لم ينفذ عفوه لأن الملك لسيده‏,‏ ولم يأذن له في إبطال حقوقه وإن أسقطها السيد سقطت ولم يكن للعبد أن يأخذ لأن للسيد الحجر عليه‏,‏ ولأن الحق قد أسقطه مستحقه فيسقط بإسقاطه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها إذا كان الحظ فيها‏,‏ فإن تركها فلرب المال الأخذ لأن مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل لأن الملك لغيره فلم ينفذ عفوه كالمأذون له وإن اشترى المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال فهل لرب المال فيه شفعة‏؟‏ على وجهين‏,‏ مبنيين على شراء رب المال من مال المضاربة وقد ذكرناهما وإن كان المضارب شفيعه ولا ربح في المال‏,‏ فله الأخذ بها لأن الملك لغيره وإن كان فيه ربح وقلنا‏:‏ لا يملك بالظهور فكذلك وإن قلنا‏:‏ يملك بالظهور ففيه وجهان كرب المال ومذهب الشافعي في هذا كله على ما ذكرنا فإن باع المضارب شقصا في شركته‏,‏ لم يكن له أخذه بالشفعة لأنه متهم فأشبه شراءه من نفسه‏.‏

فصل‏:‏

ولا شفعة بشركة الوقف ذكره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه لا يؤخذ بالشفعة‏,‏ فلا تجب فيه كالمجاور وغير المنقسم ولأننا إن قلنا‏:‏ هو غير مملوك فالموقوف عليه غير مالك‏,‏ وإن قلنا‏:‏ هو مملوك فملكه غير تام لأنه لا يفيد إباحة التصرف في الرقبة فلا يملك به ملكا تاما وقال أبو الخطاب‏:‏ إن قلنا‏:‏ هو مملوك وجبت به الشفعة لأنه مملوك بيع في شركته شقص فوجبت به الشفعة كالطلق‏,‏ ولأن الضرر يندفع عنه بالشفعة كالطلق فوجبت فيه كوجوبها في الطلق‏,‏ وإنما لم يستحق بالشفعة لأن الأخذ بيع وهو مما لا يجوز بيعه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه إلا أن يشاء المشتري أن يأخذ بناءه‏,‏ فله ذلك إذا لم يكن في أخذه ضرر‏]‏‏.‏

وجملته أنه يتصور بناء المشتري وغرسه في الشقص المشفوع على وجه مباح في مسائل‏:‏ منها أن يظهر المشتري أنه وهب له‏,‏ أو أنه اشتراه بأكثر من ثمنه أو غير ذلك مما يمنع الشفيع من الأخذ بها فيتركها ويقاسمه‏,‏ ثم يبني المشتري ويغرس فيه ومنها أن يكون غائبًا فيقاسمه وكيله أو صغيرا فيقاسمه وليه‏,‏ ونحو ذلك ثم يقدم الغائب أو يبلغ الصغير‏,‏ فيأخذ بالشفعة وكذلك إن كان غائبا أو صغيرا فطالب المشتري الحاكم بالقسمة فقاسم‏,‏ ثم قدم الغائب وبلغ الصغير فأخذه بالشفعة بعد غرس المشتري وبنائه‏,‏ فإن للمشتري قلع غرسه وبنائه إن اختار ذلك لأنه ملكه فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفر‏,‏ ولا نقص الأرض ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه غرس وبنى في ملكه وما حدث من النقص إنما حدث في ملكه وذلك مما لا يقابله ثمن وظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع لأنه اشترط في قلع الغرس والبناء عدم الضرر‏,‏ وذلك لأنه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه فلزمه ضمانه كما لو كسر محبرة غيره لإخراج ديناره منها وقولهم‏:‏ إن النقص حصل في ملكه ليس كذلك فإن النقص الحاصل بالقلع إنما هو في ملك الشفيع فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه لما ذكروه فإن لم يختر المشتري القلع‏,‏ فالشفيع بالخيار بين ثلاثة أشياء ترك الشفعة وبين دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الأرض وبين قلع الغرس والبناء‏,‏ ويضمن له ما نقص بالقلع وبهذا قال الشعبي والأوزاعي وابن أبي ليلى‏,‏ ومالك والليث والشافعي‏,‏ والبتى وسوار وإسحاق وقال حماد بن أبي سليمان‏,‏ والثوري وأصحاب الرأي‏:‏ يكلف المشتري القلع ولا شيء له لأنه بنى فيما استحق غيره أخذه فأشبه الغاصب‏,‏ ولأنه بنى في حق غيره بغير إذنه فأشبه ما لو بانت مستحقة ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك‏,‏ ولأنه بنى في ملكه الذي تملك بيعه فلم يكلف قلعه مع الإضرار كما لو لم يكن مشفوعا وفارق ما قاسوا عليه‏,‏ فإنه بنى في ملك غيره ولأنه عرق ظالم وليس لعرق ظالم حق‏,‏ بخلاف مسألتنا فإنه غير ظالم فيكون له حق إذا ثبت هذا‏,‏ فإنه لا يمكن إيجاب قيمته مستحقا للبقاء في الأرض لأنه لا يستحق ذلك ولا قيمته مقلوعا لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا لملك قلعه ولم يضمن شيئا‏,‏ ولأنه قد يكون مما لا قيمة له إذا قلعه ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة فالظاهر أن الأرض تقوم وفيها الغراس والبناء ثم تقوم خالية منهما‏,‏ فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء فيدفعه الشفيع إلى المشتري إن أحب أو ما نقص منه إن اختار القلع لأن ذلك هو الذي زاد بالغرس والبناء ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه‏,‏ فإن كان للغرس وقت يقلع فيه فيكون له قيمة وإن قلع قبله لم يكن له قيمة أو تكون قيمته قليلة‏,‏ فاختار الشفيع قلعه قبل وقته فله ذلك لأنه يضمن النقص فيجبر به ضرر المشتري سواء كثر النقص أو قل‏,‏ ويعود ضرر كثرة النقص على الشفيع وقد رضي باحتماله وإن غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع‏,‏ فالحكم في أخذ نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه بعد المقاسمة‏.‏

فصل‏:‏

وإن زرع في الأرض فللشفيع الأخذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد لأن ضرره لا يتباقى‏,‏ ولا أجرة عليه لأنه زرعه في ملكه ولأن الشفيع اشترى الأرض وفيها زرع للبائع فكان له مبقى إلى الحصاد بلا أجرة‏,‏ كغير المشفوع وإن كان في الشجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري فهو له مبقى إلى الجذاذ‏,‏ كالزرع‏.‏

فصل‏:‏

وإذا نما المبيع في يد المشتري لم يخل من حالين أحدهما أن يكون نماء متصلا‏,‏ كالشجر إذا كثر أو ثمرة غير ظاهرة فإن الشفيع يأخذه بزيادته لأن هذه زيادة غير متميزة فتبعت الأصل‏,‏ كما لو رد بعيب أو خيار أو إقالة فإن قيل‏:‏ فلم لا يرجع الزوج في نصفه زائدا إذا طلق قبل الدخول‏؟‏ قلنا‏:‏ لأن الزوج يقدر على الرجوع بالقيمة إذا فاته الرجوع بالعين وفي مسألتنا إذا لم يرجع في الشقص‏,‏ سقط حقه من الشفعة فلم يسقط حقه من الأصل لأجل ما حدث من البائع وإذا أخذ الأصل تبعه نماؤه المتصل‏,‏ كما ذكرنا في الفسوخ كلها الحال الثاني أن تكون الزيادة منفصلة كالغلة‏,‏ والأجرة والطلع المؤبر والثمرة الظاهرة‏,‏ فهي للمشتري لا حق للشفيع فيها لأنها حدثت في ملكه وتكون للمشتري مبقاة في رءوس النخل إلى الجذاذ لأن أخذ الشفيع من المشتري شراء ثان‏,‏ فيكون حكمه حكم ما لو اشترى برضاه فإن اشتراه وفيه طلع غير مؤبر فأبره‏,‏ ثم أخذه الشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ويأخذ الأرض والنخيل بحصتهما من الثمن‏,‏ كما لو كان المبيع شقصا وسيفا‏.‏

فصل‏:‏

وإن تلف الشقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه لأنه ملكه تلف في يده ثم إن أراد الشفيع الأخذ بعد تلف بعضه‏,‏ أخذ الموجود بحصته من الثمن سواء كان التلف بفعل الله تعالى أو بفعل آدمي وسواء تلف باختيار المشتري‏,‏ كنقضه للبناء أو بغير اختياره مثل أن انهدم ثم إن كانت الأنقاض موجودة أخذها مع العرصة بالحصة وإن كانت معدومة أخذ العرصة وما بقي من البناء وهذا ظاهر كلام أحمد‏,‏ في رواية ابن القاسم وهذا قول الثوري والعنبري وأبي يوسف‏,‏ وقول للشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ إن كان التلف بفعل آدمي كما ذكرنا وإن كان بفعل الله تعالى‏,‏ كانهدام البناء بنفسه أو حريق أو غرق‏,‏ فليس للشفيع أخذ الباقي إلا بكل الثمن أو يترك وهذا قول أبي حنيفة وقول للشافعي لأنه متى كان النقص بفعل آدمي‏,‏ رجع بدله إلى المشتري فلا يتضرر ومتى كان بغير ذلك‏,‏ لم يرجع إليه شيء فيكون الأخذ منه إضرارا به والضرر لا يزال بالضرر ولنا أنه تعذر على الشفيع أخذ الجميع وقدر على أخذ البعض‏,‏ فكان له بالحصة من الثمن كما لو تلف بفعل آدمي سواه أو كما لو كان له شفيع آخر‏,‏ أو نقول‏:‏ أخذ بعض ما دخل معه في العقد فأخذه بالحصة كما لو كان معه سيف وأما الضرر فإنما حصل بالتلف‏,‏ ولا صنع للشفيع فيه والذي يأخذه الشفيع يؤدي ثمنه فلا يتضرر المشتري بأخذه وإنما قلنا‏:‏ يأخذ الأنقاض وإن كانت منفصلة لأن استحقاقه للشفعة كان حال عقد البيع‏,‏ وفي تلك الحال كان متصلا اتصالا ليس مآله إلى الانفصال وانفصاله بعد ذلك لا يسقط حق الشفعة ويفارق الثمرة غير المؤبرة إذا تأبرت فإن مآ لها إلى الانفصال والظهور‏,‏ فإذا ظهرت فقد انفصلت فلم تدخل في الشفعة وإن نقصت القيمة مع بقاء صورة المبيع مثل أن انشق الحائط‏,‏ واستهدم البناء وشعث الشجر وبارت الأرض‏,‏ فليس له إلا الأخذ بجميع الثمن أو الترك لأن هذه المعاني لا يقابلها الثمن بخلاف الأعيان ولهذا قلنا‏:‏ لو بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه‏,‏ ولو زاد المبيع زيادة متصلة دخلت في الشفعة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان الشراء وقع بعين أو ورق‏,‏ أعطاه الشفيع مثل ذلك وإن كان عرضا أعطاه قيمته‏]‏

وجملته أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري بالثمن الذي استقر عليه العقد لما روي في حديث جابر ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ هو أحق بالثمن‏)‏ رواه أبو إسحاق الجوزجاني في ‏"‏كتابه‏"‏ ولأن الشفيع إنما استحق الشقص بالبيع‏,‏ فكان مستحقا له بالثمن ك المشتري فإن قيل‏:‏ إن الشفيع استحق أخذه بغير رضي مالكه فينبغي أن يأخذه بقيمته‏,‏ كالمضطر يأخذ طعام غيره قلنا‏:‏ المضطر استحق أخذه بسبب حاجة خاصة فكان المرجع في بدله إلى قيمته والشفيع استحقه لأجل البيع‏,‏ ولهذا لو انتقل بهبة أو ميراث لم يستحق الشفعة وإذا استحق ذلك بالبيع وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع إذا ثبت هذا‏,‏ فإنا ننظر في الثمن فإن كان دنانير أو دراهم أعطاه الشفيع مثله‏,‏ وإن كان مما لا مثل له كالثياب والحيوان فإن الشفيع يستحق الشقص بقيمة الثمن وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول أصحاب الرأي والشافعي وحكي عن الحسن‏,‏ وسوار أن الشفعة لا تجب ها هنا لأنها تجب بمثل الثمن وهذا لا مثل له فتعذر الأخذ‏,‏ فلم يجب كما لو جهل الثمن ولنا أنه أحد نوعي الثمن‏,‏ فجاز أن تثبت به الشفعة في المبيع كالمثلي وما ذكروه لا يصح لأن المثل يكون من طريق الصورة‏,‏ ومن طريق القيمة كبدل المتلف فإما إن كان الثمن من المثليات غير الأثمان كالحبوب والأدهان‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ يأخذه الشفيع بمثله لأنه من ذوات الأمثال فهو كالأثمان وبه يقول أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي ولأن هذا مثل من طريق الصورة والقيمة‏,‏ فكان أولى من المماثل في إحداهما ولأن الواجب بدل الثمن فكان مثله‏,‏ كبدل القرض والمتلف‏.‏

فصل‏:‏

ويستحق الشفيع الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد فلو تبايعا بقدر ثم غيراه في زمن الخيار بزيادة أو نقص‏,‏ ثبت ذلك التغيير في حق الشفيع لأن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد وإنما يستحق بالثمن الذي هو ثابت حال استحقاقه ولأن زمن الخيار بمنزلة حالة العقد‏,‏ والتغيير يلحق بالعقد فيه لأنهما على اختيارهما فيه كما لو كان في حال العقد فأما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد‏,‏ فزادا أو نقصا لم يلحق بالعقد لأن الزيادة بعده هبة يعتبر لها شروط الهبة والنقص إبراء مبتدأ‏,‏ ولا يثبت ذلك في حق الشفيع وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يثبت النقص في حق الشفيع دون الزيادة وإن كانا عنده ملحقان بالعقد لأن الزيادة تضر الشفيع فلم يملكها‏,‏ بخلاف النقص وقال مالك‏:‏ إن بقي ما يكون ثمنا أخذ به وإن حط الأكثر أخذه بجميع الثمن الأول ولنا‏,‏ أن ذلك يعتبر بعد استقرار العقد فلم يثبت في حق الشفيع كالزيادة‏,‏ ولأن الشفيع استحق الأخذ بالثمن الأول قبل التغيير فلم يؤثر التغيير بعد ذلك فيه كالزيادة وما ذكروه من العذر غير صحيح لأن ذلك لو لحق العقد لزم الشفيع‏,‏ وإن أضر به كالزيادة في مدة الخيار ولأنه حط بعد لزوم العقد‏,‏ فأشبه حط الجميع أو الأكثر عند مالك‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان الثمن مما تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع لأنه وقت الاستحقاق ولا اعتبار بعد ذلك بالزيادة والنقص وإن كان فيه خيار‏,‏ اعتبرت القيمة حين انقضاء الخيار واستقرار العقد لأنه حين استحقاق الشفعة وبهذا قال الشافعي وحكي عن مالك أنه يأخذه بقيمته يوم المحاكمة وليس بصحيح لأن وقت الاستحقاق وقت العقد وما زاد بعد ذلك حصل في ملك البائع فلا يقوم للمشتري‏,‏ وما نقص فمن مال البائع فلا ينقص به حق المشتري‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان الثمن مؤجلا أخذه الشفيع بذلك الأجل‏,‏ إن كان مليئا وإلا أقام ضمينا مليئا وأخذ وبه قال مالك وعبد الملك‏,‏ وإسحاق وقال الثوري‏:‏ لا يأخذها إلا بالنقد حالا وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يأخذها إلا بثمن حال أو ينتظر مضي الأجل ثم يأخذ وعن الشافعي كمذهبنا ومذهب أبي حنيفة لأنه يمكنه الأخذ بالمؤجل لأنه يفضي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمة الشفيع والذمم لا تتماثل‏,‏ وإنما يأخذ بمثله ولا يلزمه أن يأخذ بمثله حالا لئلا يلزمه أكثر مما يلزم المشتري‏,‏ ولا بسلعه بمثل الثمن إلى الأجل لأنه إنما يأخذه بمثل الثمن أو القيمة والسلعة ليست واحدة منهما فلم يبق إلا التخيير ولنا‏,‏ أن الشفيع تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفاته ولأن في الحلول زيادة على التأجيل‏,‏ فلم يلزم الشفيع كزيادة القدر وما ذكروه من اختلاف الذمم فإننا لا نوجبها حتى توجد الملاءة في الشفيع‏,‏ أو في ضمينه بحيث ينحفظ المال فلا يضر اختلافهما فيما وراء ذلك‏,‏ كما لو اشترى الشقص بسلعة وجبت قيمتها ولا يضر اختلافهما ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات الشفيع أو المشتري‏,‏ وقلنا‏:‏ يحل الدين بالموت حل الدين على الميت منهما دون صاحبه لأن سبب حلوله الموت فاختص بمن وجد في حقه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا باع شقصا مشفوعا ومعه ما لا شفعة فيه‏,‏ كالسيف والثوب في عقد واحد ثبتت الشفعة في الشقص بحصته من الثمن دون ما معه فيقوم كل واحد منهما‏,‏ ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما يخص الشقص يأخذه الشفيع وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ويحتمل أن لا تجب الشفعة‏,‏ لئلا تتبعض صفقة المشتري وفي ذلك إضرار به فأشبه ما لو أراد الشفيع أخذ بعض الشقص وقال مالك تثبت الشفعة فيهما لذلك ولنا‏,‏ أن السيف لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فلم يؤخذ بالشفعة‏,‏ كما لو أفرده وما يلحق المشتري من الضرر فهو ألحقه بنفسه بجمعه في العقد بين ما تثبت فيه الشفعة وما لا تثبت‏,‏ ولأن في أخذ الكل ضررا ب المشتري أيضا لأنه ربما كان غرضه في إبقاء السيف له ففي أخذه منه إضرار به من غير سبب يقتضيه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا باع شقصين من أرضين صفقة واحدة‏,‏ لرجل واحد والشريك في أحدهما غير الشريك في الآخر فلهما أن يأخذا ويقتسما الثمن على قدر القيمتين وإن أخذ أحدهما دون الآخر جاز‏,‏ ويأخذ الشقص الذي في شركته بحصته من الثمن ويتخرج أنه لا شفعة له كالمسألة التي قبلها وليس له أخذهما معا لأن أحدهما لا شركة له فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة‏,‏ فجرى مجرى الشقص والسيف وإن كان الشريك فيهما واحدا فله أخذهما وتركهما لأنه شريك فيهما وإن أحب أخذ أحدهما دون الآخر فله ذلك وهذا منصوص الشافعي ويحتمل أنه لا يملك ذلك‏,‏ ومتى اختاره سقطت الشفعة فيهما لأنه أمكنه أخذ المبيع كله فلم يملك أخذ بعضه كما لو كان شقصا واحدا ذكره أبو الخطاب‏,‏ وبعض أصحاب الشافعي ولنا أنه يستحق كل واحد منها بسبب غير الآخر فجرى مجرى الشريكين‏,‏ ولأنه لو جرى مجرى الشقص الواحد لوجب إذا كانا شريكين فترك أحدهما شفعته أن يكون للآخر أخذ الكل والأمر بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن لأن في أخذه بدون دفع الثمن إضرارا ب المشتري ولا يزال الضرر بالضرر فإن أحضر رهنا أو ضمينا‏,‏ لم يلزم المشتري قبوله لأن في تأخير الثمن ضررا فلم يلزم المشتري ذلك كما لو أراد تأخير ثمن حال فإن بذل عوضا عن الثمن لم يلزمه قبوله لأنها معاوضة ولم يجبر عليها وإذا أخذ بالشفعة‏,‏ لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن فإن كان موجودا سلمه وإن تعذر في الحال‏,‏ قال أحمد في رواية حرب‏:‏ ينظر الشفيع يوما أو يومين بقدر ما يرى الحاكم‏,‏ وإذا كان أكثر فلا وهذا قول مالك وقال ابن شبرمة وأصحاب الشافعي‏:‏ ينظر ثلاثا لأنها آخر حد القلة فإن أحضر الثمن‏,‏ وإلا فسخ عليه وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ لا يأخذ بالشفعة ولا يقضي القاضي بها حتى يحضر الثمن لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري‏,‏ فلا يستحق ذلك إلا بإحضار عوضه كتسليم المبيع ولنا أنه تملك للمبيع بعوض‏,‏ فلا يقف على إحضار العوض كالبيع وأما التسليم في البيع‏,‏ فالتسليم في الشفعة مثله وكون الأخذ بغير اختيار المشتري يدل على قوته فلا يمنع من اعتباره في الصحة‏,‏ فإذا أجلناه مدة فأحضر الثمن فيها وإلا فسخ الحاكم الأخذ ورده إلى المشتري وهكذا لو هرب الشفيع بعد الأخذ والأولى أن للمشتري الفسخ من غير حاكم لأنه فات شرط الأخذ‏,‏ ولأنه تعذر على البائع الوصول إلى الثمن فملك الفسخ كغير من أخذت الشفعة منه‏,‏ وكما لو أفلس الشفيع ولأن الأخذ بالشفعة لا يقف على حكم الحاكم فلا يقف فسخ الأخذ بها على الحاكم‏,‏ كفسخ غيرها من البيوع وكالرد بالعيب ولأن وقف ذلك على الحاكم يفضي إلى الضرر ب المشتري لأنه قد يتعذر عليه إثبات ما يدعيه‏,‏ وقد يصعب عليه حضور مجلس الحاكم لبعده أو غير ذلك فلا يشرع فيها ما يفضي إلى الضرر‏,‏ ولأنه لو وقف الأمر على الحاكم لم يملك الأخذ إلا بعد إحضار الثمن لئلا يفضي إلى هذا الضرر وإن أفلس الشفيع‏,‏ خير المشتري بين الفسخ وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري‏.‏

فصل‏:‏

لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة وإن فعل لم تسقط قال أحمد‏,‏ في رواية إسماعيل بن سعيد وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة فقال‏:‏ لا يجوز شيء من الحيل في ذلك‏,‏ ولا في إبطال حق مسلم وبهذا قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة‏,‏ وأبو إسحاق الجوزجاني وقال عبد الله بن عمر‏:‏ من يخدع الله يخدعه وقال أيوب السختياني‏:‏ أنهم ليخادعون الله كما يخادعون صبيا لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل على ومعنى الحيلة أن يظهروا في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه‏,‏ ويتواطئون في الباطن على خلافه مثل أن يشتري شقصا يساوى عشرة دنانير بألف درهم ثم يقضيه عنها عشرة دنانير‏,‏ أو يشتريه بمائة دينار ويقضيه عنها مائة درهم أو يشتري البائع من المشتري عبدا قيمته مائة بألف في ذمته‏,‏ ثم يبيعه الشقص بالألف أو يشتري شقصا بألف ثم يبرئه البائع من تسعمائة‏,‏ أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثم يهب له البائع باقيه أو يهب الشقص للمشتري‏,‏ ويهب المشتري له الثمن أو يعقد البيع بثمن مجهول المقدار كحفنة قراضة‏,‏ أو جوهرة معينة أو سلعة معينة غير موصوفة أو بمائة درهم ولؤلؤة‏,‏ وأشباه هذا فهذا كله إذا وقع من غير تحيل سقطت الشفعة وإن تحيلا به على إسقاط الشفعة لم تسقط ويأخذ الشفيع الشقص في الصورة الأولى بعشرة دنانير أو قيمتها من الدراهم وفي الثانية بمائة درهم أو قيمتها ذهبا وفي الثالثة بقيمة العبد المبيع وفي الرابعة بالباقي بعد الإبراء‏,‏ وهو المائة المقبوضة وفي الخامسة يأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن لأنه إنما وهبه بقية الشقص عوضا عن الثمن الذي اشترى به جزءا من الشقص وفي السادسة يأخذ بالثمن الموهوب وفي سائر الصور المجهول ثمنها يأخذه بمثل الثمن أو بقيمته إن لم يكن مثليا‏,‏ إذا كان الثمن موجودا وإن لم يوجد عينه دفع إليه قيمة الشقص لأن الأغلب وقوع العقد على الأشياء بقيمتها وقال أصحاب الرأي‏,‏ والشافعي يجوز ذلك كله وتسقط به الشفعة لأنه لم يأخذ بما وقع البيع به‏,‏ فلم يجز كما لو لم يكن حيلة ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من أدخل فرسا بين فرسين‏,‏ ولم يأمن أن يسبق فليس بقمار وإن أمن أن يسبق‏,‏ فهو قمار‏)‏ رواه أبو داود وغيره فجعل إدخال الفرس المحلل قمارا في الموضع الذي يقصد به إباحة إخراج كل واحد من المتسابقين جعلا‏,‏ مع عدم معنى المحلل فيه وهو كونه بحال يحتمل أن يأخذ سبقيهما وهذا يدل على إبطال كل حيلة لم يقصد بها إلا إباحة المحرم مع عدم المعنى فيها واستدل أصحابنا بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تركبوا ما ارتكبت اليهود‏,‏ فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل‏)‏ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لعن الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه‏,‏ وأكلوا ثمنه‏)‏ متفق عليه ولأن الله تعالى ذم المخادعين له بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 9‏]‏‏.‏ والحيلة مخادعة وقد مسخ الله تعالى الذين اعتدوا في السبت قردة بحيلتهم فإنه روي أنهم كانوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة‏,‏ ومنهم من يحفر جبابا ويرسل الماء إليها يوم الجمعة فإذا جاءت الحيتان يوم السبت‏,‏ وقعت في الشباك والجباب فيدعونها إلى ليلة الأحد فيأخذونها‏,‏ ويقولون‏:‏ ما اصطدنا يوم السبت شيئا فمسخهم الله تعالى بحيلهم وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 66‏]‏‏.‏ قيل‏:‏ يعنى به أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي لتتعظ بذلك أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيجتنبوا مثل ما فعل المعتدون ولأن الحيلة خديعة وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا تحل الخديعة لمسلم‏)‏ ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر‏,‏ فلو سقطت بالتحيل للحق الضرر فلم تسقط‏,‏ كما لو أسقطها المشتري بالبيع والوقف وفارق ما لم يقصد به التحيل لأنه لا خداع فيه ولا قصد به إبطال حق‏,‏ والأعمال بالنيات فإن اختلفا هل وقع شيء من هذا حيلة أو لا‏؟‏ فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه أعلم بنيته وحاله إذا ثبت هذا فإن الغرر في الصورتين الأوليين على المشتري لشرائه ما يساوى عشرة بمائة‏,‏ وما يساوى مائة درهم بمائة دينار وأشهد على نفسه أن عليه ألفا فربما طالبه بذلك‏,‏ فلزمه في ظاهر الحكم وفي الثالثة الغرر على البائع لأنه اشترى عبدا يساوى مائة بألف وفي الرابعة على المشتري لأنه اشترى شقصا قيمته مائة بألف وكذلك في الخامسة لأنه اشترى بعض الشقص بثمن جميعه وفي السادسة على البادئ منهما بالهبة لأنه قد لا يهب له الآخر شيئا فإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه‏,‏ فطالب صاحبه بما أظهراه لزمه في ظاهر الحكم لأنه عقد البيع مع صاحبه بذلك مختارا‏,‏ فأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يحل لمن غر صاحبه الأخذ بخلاف ما تواطآ عليه لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ فمع فواته لا يتحقق الرضا به‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن اختلفا في الثمن‏,‏ فالقول قول المشتري مع يمينه إلا أن يكون للشفيع بينة‏]‏‏.‏

وجملته أن الشفيع و المشتري إذا اختلفا في الثمن فقال المشتري‏:‏ اشتريته بمائة فقال الشفيع‏:‏ بل بخمسين فالقول قول المشتري لأنه العاقد‏,‏ فهو أعرف بالثمن ولأن الشقص ملكه فلا ينزع من يده بالدعوى بغير بينة وبهذا قال الشافعي فإن قيل‏:‏ فهلا قلتم‏:‏ القول قول الشفيع لأنه غارم ومنكر للزيادة‏,‏ فهو كالغاصب والمتلف والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق‏؟‏ قلنا‏:‏ الشفيع ليس بغارم لأنه لا شيء عليه وإنما يريد أن يملك الشقص بثمنه بخلاف الغاصب والمتلف والمعتق فأما إن كان للشفيع بينة‏,‏ حكم بها وكذلك إن كان للمشتري بينة حكم بها‏,‏ واستغنى عن يمينه ويثبت ذلك بشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين‏,‏ ولا تقبل شهادة البائع لأنه إذا شهد للشفيع كان متهما لأنه يطلب تقليل الثمن خوفا من الدرك عليه وإن أقام كل واحد منهما بينة احتمل تعارضهما لأنهما يتنازعان فيما وقع عليه العقد‏,‏ فيصيران كمن لا بينة لهما وذكر الشريف أن البينة بينة الشفيع ويقتضيه مذهب الخرقي لأن بينة الخارج عنده مقدمة على بينة الداخل والشفيع هو الخارج وهذا قول أبى حنيفة وقال صاحباه‏:‏ البينة بينة المشتري لأنها تترجح بقول المشتري فإنه مقدم على قول الشفيع‏,‏ ويخالف الخارج والداخل لأن بينة الداخل يجوز أن تكون مستندة إلى يده وفي مسألتنا البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع ولنا‏,‏ أنهما بينتان تعارضتا فقدمت بينة من لا يقبل قوله عند عدمها كالداخل والخارج ويحتمل أن يقرع بينهما لأنهما يتنازعان في العقد‏,‏ ولا يد لهما عليه فصارا كالمتنازعين عينا في يد غيرهما‏.‏