فصل: فصل: إن سأل الأسارى من أهل الكتاب تخليتهم على إعطاء الجزية لم يجز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ لا يركب دواب السبيل في حاجة ويركبها ويستعملها في سبيل الله ولا يركب في الأمصار والقرى‏,‏ ولا بأس أن يركبها ويعلفها وأكره سياق الرمك على الفرس الحبيس وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه‏,‏ ولا يباع الفرس الحبيس إلا من علة إذا عطب يصير للطحن ويصير ثمنه في مثله‏,‏ أو ينفق ثمنه على الدواب الحبيس وإذا أراد أن يشتري فرسا ليحمل عليه فقال أحمد‏:‏ يستحب شراؤها من غير الثغر ليكون توسعة على أهل الثغر في الجلب‏.‏

مسألة‏:‏

وإذا سبى الإمام فهو مخير‏,‏ إن رأى قتلهم وإن رأى من عليهم وأطلقهم بلا عوض وإن رأى أطلقهم على مال يأخذه منهم‏,‏ وإن رأى فادى بهم وإن رأى استرقهم أي ذلك رأى فيه نكاية للعدو وحظا للمسلمين فعل‏,‏ وجملته أن من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب أحدها النساء والصبيان فلا يجوز قتلهم‏,‏ ويصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبي لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏نهى عن قتل النساء والولدان‏)‏ متفق عليه وكان عليه الصلاة والسلام يسترقهم إذا سباهم الثاني الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية فيتخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء القتل‏,‏ والمن بغير عوض والمفاداة بهم واسترقاقهم الثالث‏,‏ الرجال من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية فيتخير الإمام فيهم بين ثلاثة أشياء القتل‏,‏ أو المن والمفاداة ولا يجوز استرقاقهم وعن أحمد جواز استرقاقهم وهو مذهب الشافعي وبما ذكرنا في أهل الكتاب قال الأوزاعي‏,‏ والشافعي وأبو ثور وعن مالك كمذهبنا وعنه لا يجوز المن بغير عوض لأنه لا مصلحة فيه وإنما يجوز للإمام فعل ما فيه المصلحة‏,‏ وحكي عن الحسن وعطاء وسعيد بن جبير‏,‏ كراهة قتل الأسرى وقالوا‏:‏ لو من عليه أو فاداه كما صنع بأسارى بدر ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏‏.‏ فخير بعد الأسر بين هذين لا غير وقال أصحاب الرأي‏:‏ إن شاء ضرب أعناقهم وإن شاء استرقهم لا غير‏,‏ ولا يجوز من ولا فداء لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 5‏]‏‏.‏ بعد قوله‏:‏ ‏{‏فإما منا بعد وإما فداء‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وكان عمر بن عبد العزيز وعياض بن عقبة يقتلان الأسارى ولنا‏,‏ على جواز المن والفداء قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإما منا بعد وإما فداء‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من على ثمامة بن أثال وأبي عزة الشاعر وأبي العاص بن الربيع‏,‏ وقال في أسارى بدر‏:‏ لو كان مطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له وفادى أسارى بدر‏,‏ وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا كل رجل منهم بأربعمائة وفادى يوم بدر رجلا برجلين‏,‏ وصاحب العضباء برجلين وأما القتل فلأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل رجال بني قريظة وهم بين الستمائة والسبعمائة وقتل يوم بدر النضر بن الحارث‏,‏ وعقبة بن أبي معيط صبرا وقتل أبا عزة يوم أحد وهذه قصص عمت واشتهرت‏,‏ وفعلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرات وهو دليل على جوازها ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى فإن منهم من له قوة ونكاية في المسلمين‏,‏ وبقاؤه ضرر عليهم فقتله أصلح ومنهم الضعيف الذي له مال كثير‏,‏ ففداؤه أصلح ومنهم حسن الرأي في المسلمين يرجى إسلامه بالمن عليه‏,‏ أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم والدفع عنهم فالمن عليه أصلح‏,‏ ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاقه أصلح‏,‏ كالنساء والصبيان والإمام أعلم بالمصلحة فينبغي أن يفوض ذلك إليه‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 5‏]‏‏.‏ عام لا ينسخ به الخاص بل ينزل على ما عدا المخصوص ولهذا لم يحرموا استرقاقه‏,‏ فأما عبدة الأوثان ففي استرقاقهم روايتان إحداهما لا يجوز وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز في العجم دون العرب‏,‏ بناء على قوله في أخذ الجزية منهم ولنا أنه كافر لا يقر بالجزية فلم يقر بالاسترقاق كالمرتد‏,‏ وقد ذكرنا الدليل عليه إذا ثبت هذا فإن هذا تخيير مصلحة واجتهاد‏,‏ لا تخيير شهوة فمتى رأى المصلحة في خصلة من هذه الخصال تعينت عليه‏,‏ ولم يجز العدول عنها ومتى تردد فيها فالقتل أولى قال مجاهد في أميرين أحدهما يقتل الأسرى‏:‏ وهو أفضل وكذلك قال مالك وقال إسحاق‏:‏ الإثخان أحب إلي‏,‏ إلا أن يكون معروفا يطمع به في الكثير‏.‏

فصل‏:‏

وإن أسلم الأسير صار رقيقا في الحال وزال التخيير وصار حكمه حكم النساء وبه قال الشافعي في أحد قوليه وفي الآخر يسقط القتل‏,‏ ويتخير بين الخصال الثلاث لما روي أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسروا رجلا من بني عقيل فمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ يا محمد علام أخذت وأخذت سابقة الحاج فقال‏:‏ أخذت بجريرة حلفائك من ثقيف فقد أسرت رجلين من أصحابي فمضى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فناداه‏:‏ يا محمد‏,‏ يا محمد فقال له‏:‏ ما شأنك‏؟‏ فقال‏:‏ إني مسلم فقال‏:‏ ‏(‏لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح وفادى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجلين‏)‏ رواه مسلم ولأنه سقط القتل بإسلامه فبقي باقي الخصال على ما كانت عليه ولنا‏,‏ أنه أسير يحرم قتله فصار رقيقا كالمرأة والحديث لا ينافي رقه‏,‏ فقد يفادي بالمرأة وهي رقيق كما روى سلمة بن الأكوع أنه غزا مع أبي بكر‏,‏ فنفله امرأة فوهبها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى‏,‏ ففداهم بتلك المرأة إلا أنه لا يفادى به ولا يمن عليه إلا بإذن الغانمين لأنه صار مالا لهم ويحتمل أن يجوز المن عليه لأنه كان يجوز المن عليه‏,‏ مع كفره فمع إسلامه أولى لكون الإسلام حسنة يقتضي إكرامه‏,‏ والإنعام عليه لا منع ذلك في حقه ولا يجوز رده إلى الكفار إلا أن يكون له ما يمنعه من المشركين‏,‏ من عشيرة أو نحوها وإنما جاز فداؤه لأنه يتخلص به من الرق فأما إن أسلم قبل أسره حرم قتله واسترقاقه والمفاداة به‏,‏ سواء أسلم وهو في حصن أو جوف أو مضيق‏,‏ أو غير ذلك لأنه لم يحصل في أيدي الغانمين بعد‏.‏

فصل‏:‏

فإن سأل الأسارى من أهل الكتاب تخليتهم على إعطاء الجزية لم يجز ذلك في نسائهم وذراريهم لأنهم صاروا غنيمة بالسبي وأما الرجال‏,‏ فيجوز ذلك فيهم ولا يزول التخيير الثابت فيهم وقال أصحاب الشافعي‏:‏ يحرم قتلهم كما لو أسلموا ولنا أنه بدل لا تلزم الإجابة إليه‏,‏ فلم يحرم قتلهم كبدل عبدة الأوثان‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أسر العبد صار رقيقا للمسلمين لأنه مال لهم استولى عليه فكان للغانمين‏,‏ كالبهيمة وإن رأى الإمام قتله لضرر في بقائه جاز قتله لأن مثل هذا لا قيمة له‏,‏ فهو كالمرتد وأما من يحرم قتلهم غير النساء والصبيان كالشيخ والزمن والأعمى والراهب‏,‏ فلا يحل سبيهم لأن قتلهم حرام ولا نفع في اقتنائهم‏.‏

فصل‏:‏

ذكر أبو بكر أن الكافر إذا كان مولى مسلم لم يجز استرقاقه لأن في استرقاقه تفويت ولاء المسلم المعصوم وعلى قوله‏,‏ لا يسترق ولده أيضا إذا كان عليه ولاء لذلك وإن كان معتقه ذميا جاز استرقاقه لأن سيده يجوز استرقاقه فاسترقاق مولاه أولى وهذا مذهب الشافعي وظاهر كلام الخرقي جواز استرقاقه لأنه يجوز قتله‏,‏ وهو من أهل الكتاب فجاز استرقاقه كغيره‏,‏ ولأن سبب جواز الاسترقاق قد تحقق فيه وهو الاستيلاء عليه مع كون مصلحة المسلمين في استرقاقه‏,‏ ولأنه إن كان المسبي امرأة أو صبيا لم يجز فيه سوى الاسترقاق فيتعين ذلك فيه وما ذكره يبطل بالقتل فإنه يفوت الولاء‏,‏ وهو جائز فيه وكذلك من عليه ولاء لذمي يجوز استرقاقه وقولهم‏:‏ إن سيده يجوز استرقاقه غير صحيح فإن الذمي لا يجوز استرقاقه‏,‏ ولا تفويت حقوقه وقد قال على رضي الله عنه‏:‏ إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا‏.‏

مسألة‏:‏

وسبيل من استرق منهم‏,‏ وما أخذ منهم على إطلاقهم سبيل تلك الغنيمة يعني من صار منهم رقيقا بضرب الرق عليه أو فودى بمال‏,‏ فهو كسائر الغنيمة يخمس ثم يقسم أربعة أخماسه بين الغانمين لا نعلم في هذا خلافا فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين ولأنه مال غنمه المسلمون‏,‏ فأشبه الخيل والسلاح فإن قيل‏:‏ فالأسر لم يكن للغانمين فيه حق فكيف تعلق حقهم ببدله‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما يفعل الإمام في الاسترقاق ما يرى فيه المصلحة لأنه لم يصر مالا فإذا صار مالا‏,‏ تعلق حق الغانمين به لأنهم أسروه وقهروه وهذا لا يمنع ألا ترى أن من عليه الدين‏,‏ إذا قتل قتلا يوجب القصاص كان لورثته الخيار فإذا اختاروا الدية‏,‏ تعلق حق الغرماء بها‏.‏

مسألة‏:‏

وإنما يكون له استرقاقهم إذا كانوا من أهل الكتاب أو مجوسا وأما ما سوى هؤلاء من العدو فلا يقبل من بالغي رجالهم إلا الإسلام أو السيف أو الفداء قد ذكرنا فيما تقدم أن غير أهل الكتاب لا يجوز استرقاق رجالهم‏,‏ في إحدى الروايتين‏.‏

فصل‏:‏

فأما النساء والصبيان فيصيرون رقيقا بالسبي ومنع أحمد من فداء النساء بالمال لأن في بقائهن تعريضا لهن للإسلام لبقائهن عند المسلمين‏,‏ وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فادى بالمرأة التي أخذها من سلمة بن الأكوع ولأن في ذلك استنقاذ مسلم متحقق إسلامه فاحتمل تفويت غرضية الإسلام من أجله ولا يلزم من ذلك احتمال فواتها‏,‏ لتحصيل المال فأما الصبيان فقال أحمد‏:‏ لا يفادى بهم وذلك لأن الصبي يصير مسلما بإسلام سابيه فلا يجوز رده إلى المشركين وكذلك المرأة إذا أسلمت لم يجز ردها إلى الكفار بفداء ولا غيره لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏10‏]‏‏.‏ ولأن في ردها إليهم تعريضا لها للرجوع عن الإسلام‏,‏ واستحلال ما لا يحل منها وإن كان الصبي غير محكوم بإسلامه كالذي سبي مع أبويه لم يجز فداؤه بمال وهل يجوز فداؤه بمسلم‏؟‏ يحتمل وجهين‏.‏

فصل‏:‏

ولم يجوز أحمد بيع شيء من رقيق المسلمين لكافر‏,‏ سواء كان الرقيق مسلما أو كافرا وهذا قول الحسن قال أحمد‏:‏ ليس لأهل الذمة أن يشتروا مما سبى المسلمون شيئا قال‏:‏ وكتب عمر بن الخطاب ينهى عنه أمراء الأمصار هكذا حكى أهل الشام وليس له إسناد وجوز أبو حنيفة والشافعي ذلك لأنه لا يمنع من إثبات يده عليه‏,‏ فلا يمنع من ابتدائه كالمسلم ولنا قول عمر ولم ينكر فيكون إجماعا‏,‏ ولأن فيه تفويتا للإسلام الذي يظهر وجوده فإنه إذا بقي رقيقا للمسلمين الظاهر إسلامه فيفوت ذلك ببيعه لكافر‏,‏ بخلاف ما إذا كان رقيقا لكافر في ابتدائه فإنه لم يثبت له هذه الغرضية والدوام يخالف الابتداء لقوته‏.‏

فصل‏:‏

ومن أسر أسيرا‏,‏ لم يكن له قتله حتى يأتي به الإمام فيرى فيه رأيه لأنه إذا صار أسيرا‏,‏ فالخيرة فيه إلى الإمام وقد روي عن أحمد كلام يدل على إباحة قتله فإنه قال‏:‏ لا يقتل أسير غيره إلا أن يشاء الوالي فمفهومه أن له قتل أسيره بغير إذن الوالي لأن له أن يقتله ابتداء‏,‏ فكان له قتله دواما كما لو هرب منه أو قاتله فإن امتنع الأسير أن ينقاد معه فله إكراهه بالضرب وغيره‏,‏ فإن لم يمكنه إكراهه فله قتله وإن خافه أو خاف هربه فله قتله أيضا وإن امتنع من الانقياد معه‏,‏ لجرح أو مرض فله قتله أيضا وتوقف أحمد عن قتله والصحيح أنه يقتله كما يذفف على جريحهم‏,‏ ولأن تركه حيا ضرر على المسلمين وتقوية للكفار فتعين القتل‏,‏ كحالة الابتداء إذا أمكنه قتله وكجريحهم إذا لم يأسره فأما أسير غيره فلا يجوز له قتله‏,‏ إلا أن يصير إلى حال يجوز قتله لمن أسره وقد روى يحيى بن أبي كثير أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏لا يتعاطين أحدكم أسير صاحبه إذا أخذه فيقتله‏)‏ رواه سعيد فإن قتل أسيره أو أسير غيره قبل ذلك‏,‏ أساء ولم يلزمه ضمانه وبهذا قال الشافعي وقال الأوزاعي إن قتله قبل أن يأتي به الإمام لم يضمنه‏,‏ وإن قتله بعد ذلك غرم ثمنه لأنه أتلف من الغنيمة ما له قيمة فضمنه كما لو قتل امرأة ولنا‏,‏ أن عبد الرحمن بن عوف أسر أمية بن خلف وابنه عليا يوم بدر فرآهما بلال‏,‏ فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما ولم يغرموا شيئا ولأنه أتلف ما ليس بمال فلم يغرمه‏,‏ كما لو أتلفه قبل أن يأتي به الإمام ولأنه أتلف ما لا قيمة له قبل أن يأتي به الإمام فلم يغرمه‏,‏ كما لو أتلف كلبا فأما إن قتل امرأة أو صبيا غرمه لأنه كان رقيقا بنفس السبي‏.‏

فصل‏:‏

ومن أسر فادعى أنه كان مسلما‏,‏ لم يقبل قوله إلا ببينة لأنه يدعي أمرا الظاهر خلافه يتعلق به إسقاط حق يتعلق برقبته فإن شهد له واحد‏,‏ حلف معه وخلى سبيله وقال الشافعي‏:‏ لا تقبل إلا شهادة عدلين لأنه ليس بمال‏,‏ ولا يقصد منه المال ولنا ما روى عبد الله بن مسعود ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم بدر‏:‏ لا يبقى منهم أحد إلا أن يفدى أو يضرب عنقه فقال عبد الله بن مسعود إلا سهيل ابن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام‏,‏ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ إلا سهيل ابن بيضاء‏)‏ فقبل شهادة عبد الله وحده‏.‏

مسألة‏:‏

‏[‏وينفل الإمام ومن استخلفه الإمام كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بدأته الربع بعد الخمس وفي رجعته الثلث بعد الخمس‏]‏

النفل زيادة تزاد على سهم الغازي ومنه نفل الصلاة‏,‏ وهو ما زيد على الفرض وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 72‏]‏‏.‏ كأنه سأل الله ولدا فأعطاه ما سأل وزاده ولد الولد‏,‏ والمراد بالبداية ها هنا ابتداء دخول الحرب والرجعة رجوعه عنها والنفل في الغزو ينقسم ثلاثة أقسام أحدها‏,‏ هذا الذي ذكره الخرقي وهو أن الإمام أو نائبه إذا دخل دار الحرب غازيا بعث بين يديه سرية تغير على العدو‏,‏ ويجعل لهم الربع بعد الخمس فما قدمت به السرية من شيء أخرج خمسه‏,‏ ثم أعطى السرية ما جعل لهم وهو ربع الباقي وذلك خمس آخر‏,‏ ثم قسم ما بقي في الجيش والسرية معه فإذا قفل بعث سرية تغير وجعل لهم الثلث بعد الخمس‏,‏ فما قدمت به السرية أخرج خمسه ثم أعطى السرية ثلث ما بقي ثم قسم سائره في الجيش والسرية معه وبهذا قال حبيب بن مسلمة‏,‏ والحسن والأوزاعي وجماعة‏,‏ ويروى عن عمرو بن شعيب أنه قال‏:‏ لا نفل بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولعله يحتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏]‏‏.‏ فخصه بها وكان سعيد بن المسيب‏,‏ ومالك يقولان‏:‏ لا نفل إلا من الخمس وقال الشافعي‏:‏ يخرج من خمس الخمس لما روى ابن عمر ‏(‏أن رسول الله بعث سرية فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا‏)‏ متفق عليه ولو أعطاهم من أربعة الأخماس التي هي لهم‏,‏ لم يكن نفلا وكان من سهامهم ولنا ما روى حبيب بن مسلمة الفهري قال‏:‏ ‏(‏شهدت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفل الربع في البداءة‏,‏ والثلث في الرجعة‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل‏)‏ رواهما أبو داود وعن عبادة بن الصامت ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينفل في البداءة الربع وفي القفول الثلث‏)‏ رواه الترمذي‏,‏ وقال‏:‏ هذا حديث حسن غريب وفي لفظ قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينفلهم إذا خرجوا بادين الربع وينفلهم إذا قفلوا الثلث‏)‏ رواه الخلال بإسناده وروى الأثرم بإسناده عن جرير بن عبد الله البجلي أنه لما قدم على عمر في قومه‏,‏ قال له عمر‏:‏ هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وشيء‏؟‏ وذكره ابن المنذر أيضا عن عمر وقال إبراهيم النخعي‏:‏ ينفل السرية الثلث والربع يغريهم بذلك فأما قول عمرو بن شعيب فإن مكحولا قال له حين قال‏:‏ لا نفل بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكر له حديث حبيب بن مسلمة‏:‏ شغلك أكل الزبيب بالطائف وما ثبت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثبت للأئمة بعده‏,‏ ما لم يقم على تخصيصه به دليل فأما حديث ابن عمر فهو حجة عليهم فإن بعيرا على اثنى عشر‏,‏ يكون جزءا من ثلاثة عشر وخمس الخمس جزء من خمسة وعشرين وجزء من ثلاثة عشر أكثر‏,‏ فلا يتصور أخذ الشيء من أقل منه يحققه أن الاثني عشر إذا كانت أربعة أخماس والبعير منها ثلث الخمس‏,‏ فكيف يتصور أخذ ثلث الخمس من خمس الخمس‏؟‏ فهذا محال فتعين أن يكون ذلك من غيره أو أن النفل كان للسرية دون سائر الجيش على أن ما رويناه صريح في الحكم‏,‏ فلا يعارض بشيء مستنبط يحتمل غير ما حمله عليه من استنبطه إذا ثبت هذا فظاهر كلام أحمد أنهم إنما يستحقون هذا النفل بالشرط السابق‏,‏ فإن لم يكن شرطه لهم فلا فإنه قيل له‏:‏ أليس قد نفل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في البداءة الربع وفي الرجوع الثلث‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ ذاك إذا نفل وتقدم القول فيه فعلى هذا إن رأى الإمام أن ينفلهم شيئا فله ذلك‏,‏ وإن رأى أن ينفلهم دون الثلث والربع فله ذلك لأنه إذا جاز أن لا يجعل لهم شيئا جاز أن يجعل لهم يسيرا‏,‏ ولا يجوز أن ينفل أكثر من الثلث نص عليه أحمد وهو قول مكحول والأوزاعي‏,‏ والجمهور من العلماء وقال الشافعي‏:‏ لا حد للنفل بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفل مرة الثلث وأخرى الربع وفي حديث ابن عمر‏:‏ نفل نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام‏,‏ فينبغي أن يكون موكولا إلى اجتهاده ولنا أن نفل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتهى إلى الثلث فينبغي أن لا يتجاوزه‏,‏ وما ذكره الشافعي يدل على أنه ليس لأقل النفل حد وأنه يجوز أن ينفل أقل من الثلث والربع ونحن نقول به‏,‏ على أن هذا القول مع قوله‏:‏ أن النفل من خمس الخمس تناقض فإن شرط لهم الإمام زيادة على الثلث ردوا إليه وقال الأوزاعي‏:‏ لا ينبغي أن يشرط النصف‏,‏ فإن زادهم على ذلك فليف لهم به ويجعل ذلك من الخمس وإنما زيد في الرجعة على البداءة في النفل لمشقتها‏,‏ فإن الجيش في البداءة ردء للسرية تابع لها والعدو خائف‏,‏ وربما كان غارا وفي الرجعة لا ردء للسرية لأن الجيش منصرف عنهم والعدو مستيقظ كلب قال أحمد‏:‏ في البداءة إذا كان ذاهبا الربع‏,‏ وفي القفلة إذا كان في الرجوع الثلث لأنهم يشتاقون إلى أهليهم فهذا أكبر القسم الثاني أن ينفل الإمام بعض الجيش لغنائه وبأسه وبلائه‏,‏ أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش قال أحمد‏:‏ في الرجل يأمره الأمير يكون طليعة أو عنده يدفع إليه رأسا من السبي أو دابة‏,‏ قال‏:‏ إذا كان رجل له غناء ويقاتل في سبيل الله فلا بأس بذلك‏,‏ ذلك أنفع لهم يحرض هو وغيره يقاتلون ويغنمون وقال‏:‏ إذا نفذ الإمام صبيحة المغار الخيل‏,‏ فيصيب بعضهم وبعضهم لا يأتى بشيء فللوالى أن يخص بعض هؤلاء الذين جاءوا بشيء دون هؤلاء وظاهر هذا أن له إعطاء من هذه حاله من غير شرط وحجة هذا حديث سلمة بن الأكوع‏,‏ أنه قال‏:‏ أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاتبعتهم ـ فذكر الحديث ـ فأعطاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهم الفارس والراجل رواه مسلم وأبو داود وعنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏أمر أبا بكر‏,‏ قال فبيتنا عدونا فقتلت ليلتئذ تسعة أهل أبيات وأخذت منهم امرأة فنفلنيها أبو بكر‏,‏ فلما قدمت المدينة استوهبها مني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوهبتها له‏)‏ رواه مسلم بمعناه القسم الثالث أن يقول الأمير‏:‏ من طلع هذا الحصن‏,‏ أو هدم هذا السور أو نقب هذا النقب أو فعل كذا‏,‏ فله كذا أو‏:‏ من جاء بأسير فله كذا فهذا جائز في قول أكثر أهل العلم منهم الثوري‏,‏ قال أحمد‏:‏ إذا قال‏:‏ من جاء بعشر دواب أو بقر أو غنم‏,‏ فله واحد فمن جاء بخمسة أعطاه نصف ما قال لهم ومن جاء بشيء أعطاه بقدره قيل له‏:‏ إذا قال‏:‏ من جاء بعلج فله كذا وكذا فجاء بعلج يطيب له ما يعطى‏؟‏ قال‏:‏ نعم وكره مالك هذا القسم‏,‏ ولم يره وقال‏:‏ قتالهم على هذا الوجه إنما هو للدنيا وقال هو وأصحابه‏:‏ لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة قال مالك‏:‏ ولم يقل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏ إلا بعد أن برد القتال ولنا ما تقدم من حديث حبيب‏,‏ وعبادة وما شرطه عمر لجرير بن عبد الله‏,‏ وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏ ولأن فيه مصلحة وتحريضا على القتال فجاز كاستحقاق الغنيمة‏,‏ وزيادة السهم للفارس واستحقاق السلب وما ذكروه يبطل بهذه المسائل وقوله‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما جعل السلب للقاتل بعد أن برد القتال قلنا‏:‏ قوله ذلك ثابت الحكم فيما يأتي من الغزوات بعد قوله‏,‏ فهو بالنسبة إليها كالمشروط في أول الغزاة قال القاضي‏:‏ ولا يجوز هذا إلا إذا كان فيه مصلحة للمسلمين فإن لم يكن فيه فائدة‏,‏ لم يجز لأنه إنما يخرج على وجه المصلحة فاعتبرت الحاجة فيه كأجرة الحمال والحافظ إذا ثبت هذا‏,‏ فإن النفل لا يختص بنوع من المال وذكر الخلال أنه لا نفل في الدراهم والدنانير وهو قول الأوزاعي لأن القاتل لا يستحق شيئا منها فكذلك غيره ولنا حديث حبيب بن مسلمة‏,‏ وعبادة وجرير فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل لهم الثلث والربع‏,‏ وهو عام في كل ما غنموه ولأنه نوع مال فجاز النفل فيه‏,‏ كسائر الأموال وأما القاتل فإنما نفل السلب وليست الدراهم والدنانير من السلب‏,‏ فلم يستحق غير ما جعل له‏.‏

فصل‏:‏

‏:‏ نقل أبو داود عن أحمد أنه قال له‏:‏ إذا قال من رجع إلى الساقة فله دينار والرجل يعمل في سياقة الغنم قال لم يزل أهل الشام يفعلون هذا‏,‏ وقد يكون في رجوعهم إلى الساقة وسياقة الغنم منفعة قيل له‏:‏ فإن أغار على قرية فنزل فيها والسبي والدواب والخرثي معهم في القرية ويمنع الناس من جمعه الكسل‏,‏ لا يخافون عليه العدو فيقول الإمام‏:‏ من جاء بعشرة أثواب فله ثوب‏,‏ ولمن جاء بعشرة رءوس رأس‏؟‏ قال‏:‏ أرجو أن لا يكون به بأس قيل له‏:‏ فإن قال‏:‏ من جاء بعدل من دقيق الروم فله دينار يريده لطعام السبي‏,‏ ما ترى في أخذ الدينار‏؟‏ فلم ير به بأسا قيل فالإمام يخرج السرية وقد نفلهم جميعا فلما كان يوم المغار نادى‏:‏ من جاء بعشرة رءوس‏,‏ فله رأس ومن جاء بكذا فله كذا‏,‏ فيذهب الناس فيطلبون فما ترى في هذا النفل‏؟‏ قال‏:‏ لا بأس به إذا كان يحرضهم على ذلك‏,‏ ما لم يستغرق الثلث قلت‏:‏ فلا بأس بنفلين في شيء واحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم ما لم يستغرق الثلث غير مرة سمعته يقول ذلك‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز للإمام ونائبه أن يبذلا جعلا لمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين‏,‏ مثل طريق سهل أو ماء في مفازة أو قلعة يفتحها‏,‏ أو مال يأخذه أو عدو يغير عليه أو ثغرة يدخل منها لا نعلم في هذا خلافا لأنه جعل في مصلحة‏,‏ فجاز كأجرة الدليل وقد استأجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر في الهجرة من دلهم على الطريق ويستحق الجعل بفعل ما جعل له الجعل فيه‏,‏ سواء كان مسلما أو كافرا من الجيش أو من غيره فإن جعل له الجعل مما في يده وجب أن يكون معلوما لأنها جعالة بعوض من مال معلوم فوجب أن يكون معلوما‏,‏ كالجعالة في رد الآبق وإن كان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا‏,‏ جهالة لا تمنع التسليم ولا تفضى إلى التنازع لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل للسرية الثلث والربع مما غنموه وهو مجهول لأن الغنيمة كلها مجهولة‏,‏ ولأنه مما تدعو الحاجة إليه والجعالة إنما تجوز بحسب الحاجة فإن جعل له جارية معينة إن دله على قلعة يفتحها مثل أن جعل له بنت رجل عينه من أهل القلعة‏,‏ لم يستحق شيئا حتى يفتح القلعة لأن جعالة شيء منه اقتضت اشتراط فتحها فإذا فتحت القلعة عنوة سلمت إليه‏,‏ إلا أن تكون قد أسلمت قبل الفتح فإنها عصمت نفسها بإسلامها فتعذر دفعها إليه‏,‏ فتدفع إليه قيمتها فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما صالح أهل مكة عام الحديبية على أن من جاءه مسلما رده إليهم فجاءه نساء مسلمات‏,‏ منعه الله من ردهن ولو كان الجعل رجلا من أهل القلعة فأسلم قبل الفتح عصم أيضا نفسه‏,‏ ولم يجز دفعه وكان لصاحب الجعل قيمته وإن كان إسلام الجارية أو الرجل بعد أسرهم سلما إليه إن كان مسلما‏,‏ وإن كان كافرا فله قيمتهما لأن الكافر لا يبتدئ الملك على مسلم وإن ماتا قبل الفتح أو بعده فلا شيء له لأنه علق حقه بشيء معين‏,‏ وقد تلف بغير تفريط فسقط حقه كالوديعة وفارق ما إذا أسلما‏,‏ فإن تسليمهما ممكن لكن منع الشرع منه وإن كان الفتح صلحا فاستثنى الإمام الجارية والرجل‏,‏ وسلمهما صح وإن وقع الصلح مطلقا طلب الجعل من صاحب القلعة‏,‏ وبذلت له قيمتهما فإن سلما إلى الإمام سلمهما إلى صاحبهما‏,‏ وإن أبي عرض على مشترطهما قيمتهما فإن أخذها‏,‏ أعطيها وتم الصلح وإن أبي فقال القاضي‏:‏ يفسخ الصلح لأنه حق قد تعذر إمضاء الصلح فيه‏,‏ لأن صاحب الجعل سابق ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح ونحو هذا مذهب الشافعي ولصاحب القلعة أن يحصنها مثلما كانت من غير زيادة ويحتمل أن يمضي الصلح‏,‏ وتدفع إلى صاحب الجعل قيمته لأنه تعذر دفعه إليه مع بقائه فدفعت إليه قيمته كما لو أسلم الجعل قبل الفتح‏,‏ أو أسلم بعده وصاحب الجعل كافر وقولهم‏:‏ إن حق صاحب الجعل سابق قلنا‏:‏ إلا أن المفسدة في فسخ الصلح أعظم لأن ضرره يعود على الجيش كله وربما عاد على غيره من المسلمين في كون هذه القلعة يتعذر فتحها بعد ذلك‏,‏ ويبقى ضررها على المسلمين ولا يجوز تحمل هذه المضرة لدفع ضرر يسير عن واحد فإن ضرر صاحب الجعل إنما هو في فوات عين الجعل وتفاوت ما بين عين الشيء وقيمته يسير‏,‏ سيما وهو في حق شخص واحد ومراعاة حق المسلمين أجمعين بدفع الضرر الكثير عنهم أولى من دفع الضرر اليسير عن واحد منهم أو من غيرهم‏,‏ ولهذا قلنا في من وجد ماله قبل قسمه‏:‏ فهو أحق به فإن وجده بعد قسمه لم يأخذه إلا بثمنه‏,‏ لئلا يؤدي إلى الضرر بنقص القيمة أو حرمان من وقع ذلك في سهمه‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ والنفل من أربعة أخماس الغنيمة هذا قول أنس بن مالك وفقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة‏,‏ وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول‏,‏ والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك ويحيي بن جابر‏,‏ والأوزاعي وبه قال إسحاق وأبو عبيد وقال أبو عبيد‏:‏ والناس اليوم على هذا قال أحمد‏:‏ وكان سعيد بن المسيب‏,‏ ومالك بن أنس يقولان‏:‏ لا نفل إلا من الخمس فكيف خفي عليهما هذا مع علمهما وقال النخعي وطائفة‏:‏ إن شاء الإمام نفلهم قبل الخمس وإن شاء بعده وقال أبو ثور‏:‏ وإنما النفل قبل الخمس واحتج من ذهب إلى هذا بحديث ابن عمر الذي أوردناه ولنا ما روى معن بن يزيد السلمي‏,‏ قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ يقول‏:‏ ‏(‏لا نفل إلا بعد الخمس‏)‏ رواه أبو داود وابن عبد البر وهذا صريح وحديث حبيب بن مسلمة ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس‏)‏ وحديث جرير حين قال له عمر ولك الثلث بعد الخمس ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفل الثلث‏,‏ ولا يتصور إخراجه من الخمس ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 41‏]‏‏.‏ يقتضي أن يكون الخمس خارجا من الغنيمة كلها وأما حديث ابن عمر فقد رواه شعيب عن نافع عن ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏بعثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جيش قبل نجد وابتعثت سرية من الجيش فكان سهمان الجيش اثنى عشر بعيرا‏,‏ ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا‏)‏ فهذا يمكن أن يكون نفلهم من أربعة أخماس الغنيمة دون بقية الجيش كما تنفل السرايا ويتعين حمل الخبر على هذا لأنه لو أعطي جميع الجيش‏,‏ لم يكن ذلك نفلا وكان قد قسم لهم أكثر من أربعة الأخماس وهو خلاف الآية والأخبار‏.‏