فصل: فصل: إذا فرق مال المفلس‏‏ فهل ينفك عنه الحجر بذلك‏؟‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ولا يجبر على قبول هدية ولا صدقة‏,‏ ولا وصية ولا قرض ولا تجبر المرأة على التزوج ليأخذ مهرها‏,‏ لأن في ذلك ضررا للحوق المنة في الهدية والصدقة والوصية والعوض في القرض وملك الزوج للمرأة في النكاح‏,‏ ووجوب حقوقه عليها ولو باع بشرط الخيار ثم أفلس فالخيار بحاله‏,‏ ولا يجبر على ما فيه الحظ من الرد والإمضاء لأن الفلس يمنعه من إحداث عقد أما من إمضائه وتنفيذ عقوده فلا وإن جنى على المفلس جناية توجب المال ثبت المال‏,‏ وتعلقت حقوق الغرماء به ولا يصح منه العفو عنه وإن كانت موجبة للقصاص فهو مخير بين القصاص والعفو‏,‏ ولا يجبر على العفو على مال لأن ذلك يفوت القصاص الذي يجب لمصلحته فإن اقتص لم يجب للغرماء شيء وإن عفا على مال‏,‏ ثبت وتعلقت حقوق الغرماء به وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين‏,‏ في موجب العمد إن قلنا‏:‏ القصاص خاصة لم يثبت شيء وسقط القصاص وإن قلنا‏:‏ أحد أمرين ثبتت له الدية‏,‏ وتعلقت بها حقوق الغرماء وإن عفا على غير مال فعلى الروايتين أيضا فإن قلنا‏:‏ القصاص عينا لم يثبت شيء وإن قلنا‏:‏ أحد الأمرين تثبت الدية ولم يصح إسقاطه‏,‏ لأن عفوه عن القصاص يثبت له الدية ولا يصح إسقاطها وإن وهب هبة بشرط الثواب ثم أفلس‏,‏ فبذل له الثواب لزمه قبوله ولم يكن له إسقاطه لأنه أخذه على سبيل العوض عن الموهوب‏,‏ فلزمه قبوله كالثمن في البيع وليس له إسقاط شيء من ثمن مبيع أو أجرة في إجارة‏,‏ ولا قبضه رديئا ولا قبض المسلم فيه دون صفاته إلا بإذن غرمائه ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا‏.‏

فصل‏:‏

إذا فرق مال المفلس‏,‏ فهل ينفك عنه الحجر بذلك أو يحتاج إلى فك الحجر عنه‏؟‏ فيه وجهان أحدهما يزول بقسمة ماله لأنه حجر عليه لأجله‏,‏ فإذا زال ملكه عنه زال سبب الحجر فزال الحجر‏,‏ كزوال حجر المجنون لزوال جنونه والثاني لا يزول إلا بحكم الحاكم لأنه ثبت بحكمه‏,‏ فلا يزول إلا بحكمه كالمحجور عليه لسفه وفارق الجنون فإنه يثبت بنفسه‏,‏ فزال بزواله ولأن فراغ ماله يحتاج إلى معرفة وبحث فوقف ذلك على الحاكم بخلاف المجنون‏.‏

فصل‏:‏

ومتى ثبت إعساره عند الحاكم‏,‏ لم يكن لأحد مطالبته وملازمته وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لغرمائه ملازمته من غير أن يمنعوه من الكسب فإذا رجع إلى بيته فأذن لهم في الدخول‏,‏ دخلوا معه وإلا منعوه من الدخول لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لصاحب الحق اليد واللسان‏)‏ ولنا‏,‏ أن من ليس لصاحب الحق مطالبته لم يكن له ملازمته كما لو كان دينه مؤجلا‏,‏ وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فنظرة إلى ميسرة}‏ [البقرة: 280] . ومن وجب إنظاره حرمت ملازمته كمن دينه مؤجل والحديث فيه مقال قاله ابن المنذر ثم نحمله على الموسر‏,‏ بدليل ما ذكرنا فقد ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لغرماء الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه‏:‏ ‏(‏خذوا ما وجدتم‏,‏ وليس لكم إلا ذلك‏)‏ رواه مسلم والترمذي وإن فك الحجر عنه لم يكن لأحد مطالبته ولا ملازمته‏,‏ حتى يملك مالا فإن جاء الغرماء عقيب فك الحجر عنه فادعوا أن له مالا‏,‏ لم يلتفت إلى قولهم حتى يثبتوا سببه فإن جاءوا بعد مدة‏,‏ فادعوا أن في يده مالا أو ادعوا ذلك عقيب فك الحجر وبينوا سببه أحضره الحاكم وسأله‏,‏ فإن أنكر فالقول قوله مع يمينه لأنه ما فك الحجر عنه حتى لم يبق له شيء وإن أقر‏,‏ وقال‏:‏ هو لفلان وأنا وكيله أو مضاربه وكان المقر له حاضرا سأله الحاكم‏,‏ فإن صدقه فهو له ويستحلفه الحاكم لجواز أن يكونا تواطأ على ذلك ليدفع المطالبة عن المفلس وإن قال‏:‏ ما هو لي عرفنا كذب المفلس‏,‏ فيصير كأنه قال‏:‏ المال لي فيعاد الحجر عليه إن طلب الغرماء ذلك وإن أقر لغائب أقر في يديه حتى يحضر الغائب ثم يسأل‏,‏ كما حكمنا في الحاضر ومتى أعيد الحجر عليه لديون تجددت عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرين يضربون بجميعها وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا يدخل غرماء الحجر الأول على هؤلاء الذين تجددت حقوقهم‏,‏ حتى يستوفوا إلا أن تكون له فائدة من ميراث أو يجنى عليه جناية‏,‏ فيتحاص الغرماء فيه ولنا أنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمته فتساووا في الاستحقاق‏,‏ كالذين تثبت حقوقهم في حجر واحد وكتساويهم في الميراث وأرش الجناية ولأن مكسبه مال له‏,‏ فتساووا فيه كالميراث‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ومن وجب عليه حق فذكر أنه معسر به‏,‏ حبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بعسرته‏]‏ وجملته أن من وجب عليه دين حال فطولب به ولم يؤده‏,‏ نظر الحاكم فإن كان في يده مال ظاهر أمره بالقضاء فإن ذكر أنه لغيره فقد ذكرنا حكمه في الفصل الذي قبل هذا‏,‏ وإن لم يجد له مالا ظاهرا فادعى الإعسار فصدقه غريمه‏,‏ لم يحبس ووجب إنظاره ولم تجز ملازمته‏,‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 280‏]‏‏.‏ ولقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لغرماء الذي كثر دينه‏:‏ ‏(‏خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك‏)‏ ولأن الحبس إما أن يكون لإثبات عسرته أو لقضاء دينه وعسرته ثابتة‏,‏ والقضاء متعذر فلا فائدة في الحبس وإن كذبه غريمه فلا يخلو إما أن يكون عرف له مال أو لم يعرف‏,‏ فإن عرف له مال لكون الدين ثبت عن معاوضة كالقرض والبيع أو عرف له أصل مال سوى هذا‏,‏ فالقول قول غريمه مع يمينه فإذا حلف أنه ذو مال حبس حتى تشهد البينة بإعساره قال ابن المنذر‏:‏ أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين‏,‏ منهم مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن وروى عن شريح والشعبي وكان عمر بن عبد العزيز يقول‏:‏ يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس وبه قال عبد الله بن جعفر‏,‏ والليث بن سعد ولنا أن الظاهر قول الغريم فكان القول قوله كسائر الدعاوى فإن شهدت البينة بتلف ماله‏,‏ قبلت شهادتهم سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أو لم تكن لأن التلف يطلع عليه أهل الخبرة وغيرهم وإن طلب الغريم إحلافه على ذلك لم يجب إليه لأن ذلك تكذيب للبينة‏,‏ وإن شهدت مع ذلك بالإعسار اكتفى بشهادتها وثبتت عسرته وإن لم تشهد بعسرته‏,‏ وإنما شهدت بالتلف لا غير وطلب الغريم يمينه على عسره وأنه ليس له مال آخر‏,‏ استحلف على ذلك لأنه غير ما شهدت به البينة وإن لم تشهد بالتلف وإنما شهدت بالإعسار لم تقبل الشهادة إلا من ذي خبرة باطنة‏,‏ ومعرفة متقادمة لأن هذا من الأمور الباطنة لا يطلع عليه في الغالب إلا أهل الخبرة والمخالطة وهذا مذهب الشافعي وحكى عن مالك أنه قال‏:‏ لا تسمع البينة على الإعسار لأنها شهادة على النفي فلم تسمع‏,‏ كالشهادة على أنه لا دين عليه ولنا ما روى قبيصة بن المخارق أن النبي ـصلى الله عليه وسلمـ قال له‏:‏ ‏(‏يا قبيصة‏,‏ إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة‏:‏ رجل تحمل حمالة فحلت المسألة حتى يصيبها ثم يمسك‏,‏ ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة‏,‏ حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوى الحجا من قومه‏:‏ لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال‏:‏ سدادا من عيش‏)‏ رواه مسلم وأبو داود وقولهم‏:‏ إن الشهادة على النفي لا تقبل قلنا‏:‏ لا ترد مطلقا‏,‏ فإنه لو شهدت البينة أن هذا وارث الميت لا وارث له سواه قبلت ولأن هذه وإن كانت تتضمن النفي‏,‏ فهي تثبت حالة تظهر ويوقف عليها بالمشاهدة بخلاف ما إذا شهدت أنه لا حق له‏,‏ فإن هذا مما لا يوقف عليه ولا يشهد به حال يتوصل بها إلى معرفته به بخلاف مسألتنا وتسمع البينة في الحال‏,‏ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تسمع في الحال ويحبس شهرا وروى ثلاثة أشهر‏,‏ وروى أربعة أشهر حتى يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لأظهره ولنا أن كل بينة جاز سماعها بعد مدة‏,‏ جاز سماعها في الحال كسائر البينات وما ذكروه لو كان صحيحا لأغنى عن البينة فإن قال الغريم‏:‏ أحلفوه لي مع يمينه أنه لا مال له‏,‏ لم يستحلف في ظاهر كلام أحمد لأنه قال في رواية إسحاق بن إبراهيم في رجل جاء بشهود على حق فقال الغريم استحلفوه‏:‏ لا يستحلف لأن ظاهر الحديث‏:‏ ‏"‏البينة على المدعي‏,‏ واليمين على من أنكر‏"‏ قال القاضي‏:‏ سواء شهدت البينة بتلف المال أو بالإعسار وهذا أحد قولي الشافعي لأنها بينة مقبولة فلم يستحلف معها كما لو شهدت بأن هذا عبده‏,‏ أو هذه داره ويحتمل أن يستحلف وهذا القول الثاني للشافعي لأنه يحتمل أن له مالا خفي على البينة ويصح عندي إلزامه اليمين على الإعسار فيما إذا شهدت البينة بتلف المال وسقوطها عنه فيما إذا شهدت بالإعسار‏,‏ لأنها إذا شهدت بالتلف صار كمن لم يثبت له أصل مال أو بمنزلة من أقر له غريمه بتلف ذلك المال وادعى أن له مالا سواه‏,‏ أو أنه استحدث مالا بعد تلفه ولو لم تقم البينة وأقر له غريمه بتلف ماله وادعى أن له مالا سواه لزمته اليمين‏,‏ فكذلك إذا قامت به البينة فإنها لا تزيد على الإقرار وإن كان الحق يثبت عليه في غير مقابلة مال أخذه كأرش جناية‏,‏ وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع‏,‏ إن كان امرأة وإن لم يعرف له مال حلف أنه لا مال له‏,‏ وخلى سبيله ولم يحبس وهذا قول الشافعي وابن المنذر فإن شهدت البينة بإعساره قبلت‏,‏ ولم يستحلف معها لما تقدم وإن شهدت أنه كان له مال فتلف لم يستغن بذلك عن يمينه لما ذكرناه وكذلك لو أقر له به غريمه‏,‏ وإنما اكتفينا بيمينه لأن الأصل عدم المال لما روي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لحبة وسواء ابني خالد بن سواء‏:‏ ‏(‏لا تيئسا من الرزق ما اهتزت رءوسكما فإن ابن آدم يخلق وليس له إلا قشرتاه‏,‏ ثم يرزقه الله تعالى‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنبا يعاقب به والأصل عدم ماله بخلاف المسألة الأولى‏,‏ فإن الأصل ثبوت ماله فيحبس حتى يعلم ذهابه والخرقي لم يفرق بين الحالين لكنه يحمل كلامه على ما ذكرنا‏,‏ لقيام الدليل على الفرق‏.‏

فصل‏:‏

إذا امتنع الموسر من قضاء الدين فلغريمه ملازمته ومطالبته‏,‏ والإغلاظ له بالقول فيقول‏:‏ يا ظالم يا معتد ونحو ذلك لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لي الواجد يحل عقوبته وعرضه‏)‏ فعقوبته حبسه وعرضه أي يحل القول في عرضه بالإغلاظ له وقال‏:‏ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏مطل الغنى ظلم‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏إن لصاحب الحق مقالا‏)‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏وإذا مات فتبين أنه كان مفلسا‏,‏ لم يكن لأحد من الغرماء أن يأخذ عين ماله‏]‏ هذا الشرط الخامس لاستحقاق استرجاع عين المال من المفلس وهو أن يكون حيا فإن مات‏,‏ فالبائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات‏,‏ أو مات فتبين فلسه وبهذا قال مالك وإسحاق وقال الشافعي‏:‏ له الفسخ واسترجاع العين لما روى ابن خلدة الزرقي قاضي المدينة قال‏:‏ أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال أبو هريرة‏:‏ هذا الذي قضى فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أيما رجل مات‏,‏ أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه واحتجوا بعموم قوله‏:‏ عليه السلام ‏(‏من أدرك متاعه بعينه عند رجل‏,‏ أو إنسان قد أفلس فهو أحق به‏)‏ ولأن هذا العقد يلحقه الفسخ بالإقالة‏,‏ فجاز فسخه لتعذر العوض كما لو تعذر المسلم فيه ولأن الفلس سبب لاستحقاق الفسخ‏,‏ فجاز الفسخ به بعد الموت كالعيب ولنا ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة‏,‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث المفلس‏:‏ ‏(‏فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء‏)‏ رواه أبو داود وروى أبو اليمان عن الزبيدي عن الزهري‏,‏ عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه‏,‏ اقتضى من ثمنه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء‏)‏ رواه ابن ماجه ولأنه تعلق به حق غير المفلس والغرماء‏,‏ وهم الورثة فأشبه المرهون وحديثهم مجهول الإسناد قال ابن المنذر‏:‏ قال ابن عبد البر يرويه أبو المعتمر عن الزرقي‏,‏ وأبو المعتمر غير معروف بحمل العلم ثم هو غير معمول به إجماعا فإنه جعل المتاع لصاحبه بمجرد موت المشتري من غير شرط فلسه ولا تعذر وفائه‏,‏ ولا عدم قبض ثمنه والأمر بخلاف ذلك عند جميع العلماء إلا ما حكى عن الإصطخري من أصحاب الشافعي‏,‏ أنه قال‏:‏ لصاحب السلعة أن يرجع فيها إذا مات المشتري وإن خلف وفاء وهذا شذوذ عن أقوال أهل العلم وخلاف للسنة لا يعرج على مثله وأما الحديث الآخر‏,‏ فنقول به وإن صاحب المتاع أحق به إذا وجده عند المفلس وما وجده في مسألتنا عنده‏,‏ إنما وجده عند ورثته فلا يتناوله الخبر وإنما يدل بمفهومه على أنه لا يستحق الرجوع فيه‏,‏ ثم هو مطلق وحديثنا يقيده وفيه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة وتفارق حالة الحياة حال الموت لأمرين أحدهما‏,‏ أن الملك في الحياة للمفلس وها هنا لغيره والثاني أن ذمة المفلس خربت ها هنا خرابا لا يعود‏,‏ فاختصاص هذا بالعين يستضر به الغرماء كثيرا بخلاف حالة الحياة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ومن أراد سفرا وعليه حق يستحق قبل مدة سفره فلصاحب الحق منعه‏]‏ وجملة ذلك أن من عليه دين إذا أراد السفر وأراد غريمه منعه‏,‏ نظرنا فإن كان محل الدين قبل محل قدومه من السفر مثل أن يكون سفره إلى الحج لا يقدم إلا في صفر ودينه يحل في المحرم أو ذي الحجة‏,‏ فله منعه من السفر لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله فإن أقام ضمينا مليئا أو دفع رهنا يفي بالدين عند المحل فله السفر لأن الضرر يزول بذلك وأما إن كان الدين لا يحل إلا بعد محل السفر‏,‏ مثل أن يكون محله في ربيع وقدومه في صفر نظرنا فإن كان سفره إلى الجهاد‏,‏ فله منعه إلا بضمين أو رهن لأنه سفر يتعرض فيه للشهادة وذهاب النفس فلا يأمن فوات الحق وإن كان السفر لغير الجهاد فظاهر كلام الخرقي أنه ليس له منعه‏,‏ وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير‏,‏ وكالسعي إلى الجمعة وقال الشافعي ليس له منعه من السفر ولا المطالبة بكفيل إذا كان الدين مؤجلا بحال سواء كان الدين يحل قبل محل سفره أو بعده‏,‏ أو إلى الجهاد أو إلى غيره لأنه لا يملك المطالبة بالدين فلم يملك منعه من السفر ولا المطالبة بكفيل‏,‏ كالسفر الآمن القصير ولنا أنه سفر يمنع استيفاء الدين في محله فملك منعه منه‏,‏ إن لم يوثقه بكفيل أو رهن كالسفر بعد حلول الحق‏,‏ ولأنه لا يملك تأخير الدين عن محله وفي السفر المختلف فيه تأخيره عن محله فلم يملكه‏,‏ كجحده‏.‏