فصل: فصل: إذا علق طلاق امرأته بصفة‏ ثم أبانها بخلع أو طلاق ثم عاد فتزوجها ووجدت الصفة‏ طلقت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع واقع‏,‏ وللورثة أن يرجعوا عليه بالزيادة‏]‏

وجملة الأمر أن المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعا لأنه معاوضة‏,‏ فصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافا ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه صح‏,‏ ولا رجوع إن خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري وإسحاق وقال أبو حنيفة له العوض كله‏,‏ فإن حابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي وعن مالك كالمذهبين وعنه‏:‏ يعتبر بخلع مثلها وقال الشافعي‏:‏ إن خالعت بمهر مثلها‏,‏ جاز وإن زاد فالزيادة من الثلث ولنا‏,‏ على أنه لا يعتبر مهر المثل أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمنا واعتبار مهر المثل تقويم له وعلى إبطال الزيادة‏,‏ أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل‏,‏ كما لو أوصت له أو أقرت له وأما قدر الميراث‏,‏ فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وإن صحت من مرضها ذلك صح الخلع‏,‏ وله جميع ما خالعها به لأننا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو خالعها في مرض موته‏,‏ وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث فللورثة أن لا يعطوها أكثر من ميراثها‏]‏

أما خلعه لزوجته فلا إشكال في صحته‏,‏ سواء كان بمهر مثلها أو أكثر أو أقل‏,‏ ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء‏,‏ فإنه لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته فأما إن أوصى لها بمثل ميراثها‏,‏ أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لأخذته بميراثها وإن أوصى لها بزيادة عليه‏,‏ فللورثة منعها ذلك لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل إلى إيصاله إليها وهي في حباله فطلقها ليوصل ذلك إليها‏,‏ فمنع منه كما لو أوصى لوارث‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو خالعته بمحرم وهما كافران‏,‏ فقبضه ثم أسلما أو أحدهما‏,‏ لم يرجع عليها بشيء‏]‏ وجملة ذلك أن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل الذمة أو أهل حرب لأن كل من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه‏,‏ كالمسلم فإن تخالعا بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا إلى الحاكم‏,‏ أمضى ذلك عليهما كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضه ثم أسلما‏,‏ وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما أمضى ذلك عليهما ولم يعوض له‏,‏ ولم يرده ولا يبقى له عليها شيء كما لو أصدقها خمرا ثم أسلما‏,‏ أو تبايعا خمرا أو تقابضا ثم أسلما وإن كان إسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر بإقباضه لأن الخمر والخنزير لا يجوز أن يكون عوضا لمسلم أو من مسلم‏,‏ فلا يأمر الحاكم بإقباضه قال القاضي في ‏"‏ الجامع ‏"‏‏:‏ ولا شيء له لأنه رضي منها بما ليس بمال كالمسلمين إذا تخالعا بخمر وقال‏,‏ في ‏"‏ المجرد ‏"‏‏:‏ يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فيرجع إلى قيمة المتلف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب له شيء لأن تخصيصه حالة القبض بنفي الرجوع‏,‏ يدل على الرجوع مع عدم القبض والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد الخمر والخنزير مالا‏,‏ فإذا رضي به عوضا فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شيء‏,‏ والمشرك يعتقده مالا فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجبا له‏,‏ كما لو خالعها على حر يظنه عبدا أو خمر يظنه خلا إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل‏,‏ كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللنا به يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك‏,‏ فيكون له قدره من المال كما لو خالعها على خمر يظنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبض‏,‏ وفيما لم يقبض الوجوه الثلاثة والأصل فيه قول الله تعالى ‏{‏وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‏}‏‏.‏

فصل‏:‏

ويصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفردا وكل من صح أن يتصرف بالخلع لنفسه‏,‏ جاز توكيله ووكالته حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا‏,‏ محجورا عليه أو رشيدا لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلا وموكلا فيه كالحر الرشيد وهذا مذهب الشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا يكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء استدعاء الخلع أو الطلاق وتقدير العوض‏,‏ وتسليمه وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز التوكيل مع تقدير العوض‏,‏ ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع والنكاح والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر‏,‏ وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد فإن وكل الزوج لم يخل من حالين‏:‏ الحال الأول أن يقدر له العوض‏,‏ فخالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به‏,‏ وإن خالع بأقل منه ففيه وجهان‏:‏ أحدهما لا يصح الخلع وهذا اختيار ابن حامد‏,‏ ومذهب الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى‏,‏ ولأنه لم يأذن له في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالأجنبي والثاني‏,‏ يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أبي بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الإطلاق‏,‏ والأول أولى وأما إن خالف في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فخالع على عبد‏,‏ أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالا فخالع بعوض نسيئة‏,‏ فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح تصرفه كالوكيل في البيع‏,‏ ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل وقال القاضي‏:‏ القياس أن يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه‏,‏ ويكون له ما خالع قياسا على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع‏,‏ ولأن هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شيء‏,‏ ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضا ما ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تملكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه وأما المخالفة في القدر‏,‏ فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح الخلع فيها أيضا لما قدمناه والحال الثاني‏,‏ إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالا من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد‏,‏ صح لأنه زاده خيرا وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه وذكر القاضي احتمالين آخرين‏:‏ أحدهما‏,‏ أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه والثاني أن يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصا ولا رجعة له‏,‏ وبين رده وله الرجعة وإن خالع بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضا فخالع بغير جنسه وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير لم يصح الخلع‏,‏ ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه إنما أذن له في الخلع وهو إبانة المرأة بعوض وما أتى به‏,‏ وإنما أتى بطلاق غير مأذون له فيه ذكره القاضي في ‏"‏ المجرد ‏"‏ وهو مذهب الشافعي وسواء عين له العوض أو أطلق وذكر‏,‏ في ‏"‏ الجامع ‏"‏ أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شيء على المرأة هذا إذا قلنا‏:‏ الخلع بلا عوض يصح وإن قلنا‏:‏ لا يصح لم يصح إلا أن يكون بلفظ الطلاق فيقع طلقة رجعية واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح‏,‏ فكذلك وكيل الزوج وهذا القياس غير صحيح فإن وكيل الزوج يوقع الطلاق فلا يصح أن يوقعه على غير ما أذن له فيه ووكيل الزوجة لا يوقع وإنما يقبل‏,‏ ولأن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه‏,‏ فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه ألا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدرته له‏,‏ صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له لم يلزمه‏,‏ وأما وكيل الزوجة فله حالان‏:‏ أحدهما أن تقدر له العوض فمتى خالع به فما دون‏,‏ صح ولزمها ذلك‏:‏ لأنه زادها خيرا وإن خالع بأكثر منه‏,‏ صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج‏,‏ فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال وقال القاضي في ‏"‏ المجرد ‏"‏‏:‏ عليها مهر مثلها‏,‏ ولا شيء على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه‏,‏ ولا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضا أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضا وهو عوض صحيح معلوم‏,‏ فلم يكن له أكثر منه كما لو بذلته المرأة الثاني أن يطلق الوكالة‏,‏ فيقتضي خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعها بذلك فما دون صح‏,‏ ولزمها وإن خالعها بأكثر منه فهو كما لو خالعها بأكثر مما قدرت له‏,‏ على ما مضى من القول فيه‏.‏

فصل‏:‏

إذا اختلفا في الخلع فادعاه الزوج وأنكرته المرأة بانت بإقراره‏,‏ ولم يستحق عليها عوضا لأنها منكرة وعليها اليمين وإن ادعته المرأة‏,‏ وأنكره الزوج فالقول قوله لذلك ولا يستحق عليها عوضا لأنه لا يدعيه‏,‏ فإن اتفقا على الخلع واختلفا في قدر العوض أو جنسه‏,‏ أو حلوله أو تأجيله أو صفته‏,‏ فالقول قول المرأة حكاه أبو بكر نصا عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وذكر القاضي رواية أخرى عن أحمد أن القول قول الزوج لأن البضع يخرج من ملكه‏,‏ فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبته وقال الشافعي‏:‏ يتحالفان لأنه اختلاف في عوض العقد فيتحالفان فيه‏,‏ كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة‏,‏ كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره ولأن المرأة منكرة للزيادة في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏اليمين على المدعى عليه‏)‏ وأما التحالف في البيع‏,‏ فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا يفسخ وإن قال‏:‏ خالعتك بألف فقالت‏:‏ إنما خالعك غيري بألف في ذمته بانت‏,‏ والقول قولها في نفي العوض عنها لأنها منكرة له وإن قالت‏:‏ نعم ولكن ضمنها لك أبي أو غيره لزمها الألف لإقرارها به‏,‏ والضمان لا يبرئ ذمتها وكذلك إن قالت‏:‏ خالعتك على ألف يزنه لك أبي لأنها اعترفت بالألف وادعت على أبيها دعوى فقبل قولها على نفسها دون غيرها وإن قال‏:‏ سألتني طلقة بألف فقالت‏:‏ بل سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة بانت بإقرار‏,‏ والقول قولها في سقوط العوض وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم فيما إذا قالت‏:‏ طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف‏,‏ وإن خالعها على ألف فادعى أنها دنانير وقالت‏:‏ بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل ولو قال أحدهما‏:‏ كانت دراهم قراضية وقال الآخر‏:‏ مطلقة فالقول قولها‏,‏ إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتين المسألتين وإن اتفقا على الإطلاق لزم الألف من غالب نقد البلد وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم قراضية لزمها ما اتفقت إرادتهما عليه وإن اختلفا في الإرادة‏,‏ كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد وقال القاضي‏:‏ إذا اختلفا في الإرادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا‏,‏ فيجب المسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب الألف من غالب نقد البلد‏,‏ ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل‏,‏ كعبد مطلق وبعير وفرس والجهالة ها هنا أقل فالصحة أولى‏.‏

فصل‏:‏

إذا علق طلاق امرأته بصفة‏,‏ ثم أبانها بخلع أو طلاق ثم عاد فتزوجها ووجدت الصفة‏,‏ طلقت ومثاله إذا قال‏:‏ إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها بخلع ثم تزوجها فكلمت أباها‏,‏ فإنها تطلق نص عليه أحمد فأما إن وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى‏,‏ فظاهر المذهب أنها تطلق وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق نص عليه في العتق في رجل قال لعبده‏:‏ أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع‏,‏ يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق وإن لم يكن دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود‏,‏ وجب أن يكون في الطلاق مثله بل أولى لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي‏:‏ وإذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق إن تزوجها ولو قال‏:‏ إن ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا وهذا اختيار أبي الحسن التميمي وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث‏,‏ وإن لم توجد الصفة في حال البينونة هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ على أن الرجل إذا قال لزوجته‏:‏ أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف‏,‏ ثم دخلت الدار أنه لا يقع عليها الطلاق وهذا على مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة‏,‏ ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وإن لم توجد الصفة في البينونة‏,‏ ثم نكحها لم تنحل في قول مالك وأصحاب الرأي‏,‏ وأحد أقوال الشافعي وله قول آخر‏:‏ لا تعود الصفة بحال وهو اختيار المزني وأبي إسحاق لأن الإيقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها‏,‏ فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية‏:‏ أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه فأما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه‏,‏ فسقطت اليمين وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها إلا بعقد جديد ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح‏,‏ فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك‏,‏ وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة وقولهم‏:‏ أن هذا طلاق قبل نكاح قلنا‏:‏ يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث وقولهم‏:‏ تنحل الصفة بفعلها قلنا‏:‏ إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد ثم ثبت أن عقدها يفتقر إلى الملك‏,‏ فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين وأما العتق ففيه روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ أن العتق كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسألتنا والثانية تنحل لأن الملك الثاني لا يبنى على الأول في شيء من أحكامه وفارق النكاح‏,‏ فإنه يبنى على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن يبنى عليه في عود الصفة‏,‏ ولأن هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجه وابن بطة رويا بإسنادهما‏,‏ عن أبي موسى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته‏:‏ قد طلقتك قد راجعتك‏,‏ قد طلقتك‏)‏ وفي لفظ رواه ابن بطة‏:‏ ‏"‏ خالعتك وراجعتك طلقتك راجعتك ‏"‏ وروى بإسناده عن أبي هريرة‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل إن قال‏:‏ إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثا ثم أبانها‏,‏ فأكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني‏,‏ وما وجدت ولا يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله تعالى أعلم‏.‏