فصل: فصل: إذا دخلت الحربية إلينا بأمان فتزوجت ذميا في دارنا‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وإذا سرق المستأمن في دار الإسلام أو قتل أو غصب‏,‏ ثم عاد إلى وطنه في دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية استوفى منه ما لزمه في أمانه الأول وإن اشترى عبدًا مسلمًا‏,‏ فخرج به إلى دار الحرب ثم قدر عليه لم يغنم لأنه لم يثبت ملكه عليه‏,‏ لكون الشراء باطلًا ويرد بائعه الثمن إلى الحربي لأنه حصل في أمان فإن كان العبد تالفا‏,‏ فعلى الحربي قيمته ويترادان الفضل‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دخلت الحربية إلينا بأمان فتزوجت ذميا في دارنا‏,‏ ثم أرادت الرجوع لم تمنع إذا رضي زوجها أو فارقها وقال أبو حنيفة‏,‏ تمنع ولنا أنه عقد لا يلزم الرجل المقام به فلا يلزم المرأة كعقد الإجارة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن طلب الأمان ليفتح الحصن‏,‏ ففعل فقال كل واحد منهم‏:‏ أنا المعطي لم يقتل واحد منهم‏]‏

وجملته أن المسلمين إذا حصروا حصنا فناداهم رجل‏:‏ آمنوني أفتح لكم الحصن جاز أن يعطوه أمانا فإن زياد بن لبيد لما حصر النجير‏,‏ قال الأشعث بن قيس‏:‏ أعطوني الأمان لعشرة أفتح لكم الحصن ففعلوا فإن أشكل الذي أعطى الأمان وادعاه كل واحد من أهل الحصن‏,‏ فإن عرف صاحب الأمان عمل على ذلك وإن لم يعرف‏,‏ لم يجز قتل واحد منهم لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه وقد اشتبه المباح بالمحرم فيما لا ضرورة إليه فحرم الكل‏,‏ كما لو اشتبهت ميتة بمذكاة أو أخته بأجنبيات أو اشتبه زان محصن برجال معصومين وبهذا قال الشافعي‏,‏ ولا أعلم فيه خلافا وفي استرقاقهم وجهان أحدهما يحرم وذكر القاضي أن أحمد نص عليه وهو مذهب الشافعي لما ذكرنا في القتل فإن استرقاق من لا يحل استرقاقه محرم والثاني‏,‏ يقرع بينهم فيخرج صاحب الأمان بالقرعة ويسترق الباقون قاله أبو بكر لأن الحق لواحد منهم غير معلوم‏,‏ فيقرع بينهم كما لو أعتق عبدا من عبيده وأشكل ويخالف القتل‏,‏ فإنه إراقة دم تندرئ بالشبهات بخلاف الرق ولهذا يمنع القتل في النساء والصبيان دون الاسترقاق وقال الأوزاعي‏:‏ إذا أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه‏,‏ أشرف علينا ثم أشكل فادعى كل واحد منهم أنه الذي أسلم‏:‏ يسعى كل واحد منهم في قيمة نفسه ويترك له عشر قيمته وقياس مذهبنا أن فيها وجهين‏,‏ كالتي قبلها‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ إذا قال الرجل‏:‏ كف عني حتى أدلك على كذا فبعث معه قوم ليدلهم فامتنع من الدلالة فلهم ضرب عنقه لأن أمانه بشرط‏,‏ ولم يوجد وقال أحمد‏:‏ إذا لقي علجًا فطلب منه الأمان فلا يؤمنه لأنه يخاف شره‏,‏ وإن كانوا سرية فلهم أمانه يعني أن السرية لا يخافون من غدر العلج قتلهم بخلاف الواحد‏,‏ وإن لقيت السرية أعلاجا فادعوا أنهم جاءوا مستأمنين فإن كان معهم سلاح‏,‏ لم يقبل قولهم لأن حملهم السلاح يدل على محاربتهم وإن لم يكن معهم سلاح قبل قولهم لأنه يدل على صدقهم‏.‏

وإذا دخل حربي دار الإسلام بغير أمان‏,‏ نظرت فإن كان معه متاع يبيعه في دار الإسلام وقد جرت العادة بدخولهم إلينا تجارا بغير أمان لم يعرض لهم وقال أحمد‏:‏ إذا ركب القوم في البحر‏,‏ فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو يريدون بلاد الإسلام لم يعرضوا لهم ولم يقاتلوهم‏,‏ وكل من دخل بلاد المسلمين من أهل الحرب بتجارة بويع ولم يسأل عن شيء‏,‏ وإن لم تكن معه تجارة فقال‏:‏ جئت مستأمنا لم يقبل منه وكان الإمام مخيرا فيه‏,‏ ونحو هذا قال الأوزاعي والشافعي وإن كان ممن ضل الطريق أو حملته الريح في المركب إلينا‏,‏ فهو لمن أخذه في إحدى الروايتين والأخرى‏,‏ يكون فيئا‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن دخل إلى أرضهم من الغزاة فارسا فنفق فرسه قبل إحراز الغنيمة فله سهم راجل‏,‏ ومن دخل راجلا فأحرزت الغنيمة وهو فارس فله سهم الفارس‏]‏

وجملة ذلك أن الاعتبار في استحقاق السهم بحالة الإحراز‏,‏ فإن أحرزت الغنيمة وهو راجل فله سهم راجل وإن أحرزت وهو فارس‏,‏ فله سهم الفارس سواء دخل فارسا أو راجلا قال أحمد‏:‏ أنا أرى أن كل من شهد الوقعة على أي حالة كان يعطى إن كان فارسا ففارس وإن كان راجلا فراجل لأن عمر قال‏:‏ الغنيمة لمن شهد الوقعة وبهذا قال الأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور ونحوه قال ابن عمر وقال أبو حنيفة‏:‏ الاعتبار بدخول دار الحرب‏,‏ فإن دخل فارسا فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال وإن دخل راجلا فله سهم الراجل وإن استفاد فرسا فقاتل عليه وعنه رواية أخرى كقولنا قال أحمد‏:‏ كان سليمان بن موسى يعرضهم إذا أدربوا الفارس فارس‏,‏ والراجل راجل لأنه دخل في الحرب بنية القتال فلا يتغير سهمه بذهاب دابته أو حصول دابة له‏,‏ كما لو كان بعد القتال ولنا أن الفرس حيوان يسهم له فاعتبر وجوده حال القتال‏,‏ فيسهم له مع الوجود فيه ولا يسهم له مع العدم كالآدمي‏,‏ والأصل في هذا أن حالة استحقاق السهم حالة تقتضي الحرب بدليل قول عمر الغنيمة لمن شهد الوقعة ولأنها الحال التي يحصل فيها الاستيلاء الذي هو سبب الملك بخلاف ما قبل ذلك‏,‏ فإن الأموال في أيدي أصحابها ولا ندري هل يظفر بهم أو لا‏؟‏ ولأنه لو مات بعض المسلمين قبل الاستيلاء لم يستحق شيئا‏,‏ ولو وجد مدد في تلك الحال أو انفلت أسير فلحق بالمسلمين أو أسلم كافر فقاتلوا‏,‏ استحقوا السهم فدل على أن الاعتبار بحالة الإحراز فوجب اعتباره دون غيره‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ويعطى ثلاثة أسهم سهم له‏,‏ وسهمان لفرسه‏]‏

أكثر أهل العلم على أن الغنيمة تقسم للفارس منها ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وللراجل سهم قال ابن المنذر‏:‏ هذا مذهب عمر بن عبد العزيز‏,‏ والحسن وابن سيرين وحسين بن ثابت‏,‏ وعوام علماء الإسلام في القديم والحديث منهم مالك ومن تبعه من أهل المدينة والثوري ومن وافقه من أهل العراق والليث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر‏,‏ والشافعي وأحمد وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ للفرس سهم واحد لما روى مجمع بن جارية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قسم خيبر على أهل الحديبية فأعطى الفارس سهمين‏,‏ وأعطى الراجل سهما رواه أبو داود ولأنه حيوان ذو سهم فلم يزد على سهم كالآدمي ولنا‏,‏ ما روى ابن عمر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه وعن أبي رهم وأخيه‏,‏ أنهما كانا فارسين يوم خيبر فأعطيا ستة أسهم أربعة أسهم لفرسيهما وسهمين لهما رواه سعيد بن منصور‏,‏ وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطى الفارس ثلاثة أسهم وأعطى الراجل سهما وقال خالد الحذاء‏:‏ لا يختلف فيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أسهم هكذا للفرس سهمين ولصاحبه سهما وللراجل سهما وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن‏:‏ أما بعد فإن سهمان الخيل مما فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهمين للفرس‏,‏ وسهما للراجل ولعمري لقد كان حديثا ما أشعر أن أحدا من المسلمين هم بانتقاض ذلك فمن هم بانتقاض فعاقبه‏,‏ والسلام عليك رواهما سعيد والأثرم وهذا يدل على ثبوت سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا وأنه أجمع عليه‏,‏ فلا يعول على ما خالفه فأما حديث مجمع فيحتمل أنه أراد أعطى الفارس سهمين لفرسه وأعطى الراجل سهما‏,‏ يعني صاحبه فيكون ثلاثة أسهم على أن حديث ابن عمر أصح منه‏,‏ وقد وافقه حديث أبي رهم وأخيه وابن عباس وهؤلاء أحفظ وأعلم‏,‏ وابن عمر وأبو رهم وأخوه ممن شهدوا وأخذوا السهمان وأخبروا عن أنفسهم أنهم أعطوا ذلك فلا يعارض ذلك بخبر شاذ تعين غلطه‏,‏ أو حمله على ما يخالف ظاهره وقياس الفرس على الآدمي غير صحيح لأن أثرها في الحرب أكثر وكلفتها أعظم‏,‏ فينبغي أن يكون سهمها أكثر‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏إلا أن يكون فرسه هجينا فيعطى سهما له وسهما لفرسه‏]‏

الهجين‏:‏ الذي أبوه عربي وأمه برذونة والمقرف‏:‏ الذي أبوه برذون وأمه عربية‏,‏ قالت هند بنت النعمان بن بشير‏:‏

وما هند إلا مهرة عربيـــة ** سليلة أفراس تحللها بــــغل

فإن ولدت مهرا كريما فبالحري ** وإن يك أقراف فما أنجب الفحل

وأراد الخرقي بالهجين ها هنا ما عدا العربي والله أعلم وقد حكي عن أحمد أنه قال الهجين البرذون واختلفت الرواية عنه في سهمانها‏,‏ فقال الخلال‏:‏ تواترت الروايات عن أبي عبد الله في سهام البرذون أنه سهم واحد واختاره أبو بكر والخرقي‏,‏ وهو قول الحسن قال الخلال‏:‏ وروي عنه ثلاثة متيقظون أنه يسهم للبرذون مثل سهم العربي واختاره الخلال وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك‏,‏ والشافعي والثوري لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏والخيل والبغال‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 8‏]‏‏.‏ وهذه من الخيل ولأن الرواة رووا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسهم للفرس سهمين‏,‏ ولصاحبه سهما وهذا عام في كل فرس ولأنه حيوان ذو سهم فاستوى فيه العربي وغيره‏,‏ كالآدمي وحكي أبو بكر عن أحمد ـ رحمه الله ـ رواية ثالثة‏,‏ أن البراذين إن أدركت إدراك العراب أسهم لها مثل الفرس العربي وإلا فلا وهذا قول ابن أبي شيبة‏,‏ وابن أبي خيثمة وأبي أيوب والجوزجاني لأنها من الخيل‏,‏ وقد عملت عمل العراب فأعطيت سهما كالعربي وحكى القاضي رواية رابعة أنه لا يسهم لها وهو قول مالك بن عبد الله الخثعمي لأنه حيوان لا يعمل عمل الخيل العراب فأشبه البغال ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق منها لما روى الجوزجاني‏,‏ بإسناده عن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب‏:‏ إنا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكنا فما ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها‏؟‏ فكتب إليه‏:‏ تلك البراذين‏,‏ فما قارب العتاق منها فاجعل له سهما واحدا وألغ ما سوى ذلك ولنا‏,‏ ما روى سعيد بإسناده عن أبي الأقمر قال‏:‏ أغارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها وأدركت الكوادن ضحى الغد‏,‏ وعلى الخيل رجل من همدان يقال له‏:‏ المنذر بن أبي حميضة فقال‏:‏ لا أجعل الذي أدرك من يومه مثل الذي لم يدرك ففضل الخيل‏,‏ فقال عمر‏:‏ هبلت الوادي أمه أمضوها على ما قال ولم يعرف عن الصحابة خلاف هذا القول وروى مكحول أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطى الفرس العربي سهمين‏,‏ وأعطى الهجين سهما رواه سعيد أيضا ولأن نفع العربي وأثره في الحرب أفضل فيكون سهمه أرجح‏,‏ كتفاضل من يرضخ له وأما قولهم‏:‏ إنه من الخيل قلنا‏:‏ والخيل في نفسها تتفاضل فتتفاضل سهمانها وأما قولهم‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قسم للفرس سهمين من غير تفريق قلنا‏:‏ هذه قضية في عين‏,‏ لا عموم لها فيحتمل أنه لم يكن فيها برذون وهو الظاهر‏,‏ فإنها من خيل العرب ولا براذين فيها ودل على صحة هذا‏,‏ أنهم لما وجدوا البراذين بالعراق أشكل عليهم أمرها وأن عمر فرض لها سهما واحدا‏,‏ وأمضى ما قال المنذر بن أبي حميضة في تفضيل العراب عليها ولو كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سوى بينهما لم يخف ذلك على عمر ولا خالفه‏,‏ ولو خالفه لم يسكت الصحابة عن إنكاره عليه سيما وابنه هو راوي الخبر فكيف يخفى ذلك عليه‏,‏ ويحتمل أنه فضل العراب أيضا فلم يذكره الراوي لغلبة العراب‏,‏ وقلة البراذين ويدل على صحة هذا التأويل خبر مكحول الذي رويناه‏,‏ وقياسها على الآدمي لا يصح لأن العربي منهم لا أثر له في الحرب زيادة على غيره بخلاف العربي من الخيل على غيره والله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يسهم لأكثر من فرسين‏]‏

يعني إذا كان مع الرجل خيل أسهم لفرسين أربعة أسهم ولصاحبهما سهم‏,‏ ولم يزد على ذلك وقال أبو حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي‏:‏ لا يسهم لأكثر من فرس واحد لأنه لا يمكن أن يقاتل على أكثر منها فلم يسهم لما زاد عليها كالزائد عن الفرسين ولنا‏,‏ ما روى الأوزاعي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسهم للخيل وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين‏,‏ وإن كان معه عشرة أفراس وعن أزهر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يسهم للفرس سهمين‏,‏ وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبهما سهم فذلك خمسة أسهم‏,‏ وما كان فوق الفرسين فهي جنائب رواهما سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ ولأن به إلى الثاني حاجة فإن إدامة ركوب واحد تضعفه‏,‏ وتمنع القتال عليه فيسهم له كالأول بخلاف الثالث‏,‏ فإنه مستغنى عنه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏ ومن غزا على بعير وهو لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان ‏)‏ نص أحمد على هذا‏,‏ وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس وعن أحمد أنه يسهم للبعير سهم ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره وحكي نحو هذا عن الحسن لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ولأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض‏,‏ فيسهم له كالفرس يحققه أن تجويز المسابقة بعوض إنما أبيحت في ثلاثة أشياء دون غيرها لأنها آلات الجهاد فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها‏,‏ تحريضا على رياضتها وتعلم الإتقان فيها ولا يزاد على سهم البرذون لأنه دونه‏,‏ ولا يسهم له إلا أن يشهد الوقعة عليه ويكون مما يمكن القتال عليه فأما هذه الإبل الثقيلة‏,‏ التي لا تصلح إلا للحمل فلا يستحق راكبها شيئا لأنها لا تكر ولا تفر فراكبها أدنى حال من الراجل واختار أبو الخطاب أنه لا يسهم له بحال وهو قول أكثر الفقهاء قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ أن من غزا على بعير فله سهم راجل كذلك قال الحسن ومكحول‏,‏ والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وهذا هو الصحيح‏,‏ ـ إن شاء الله تعالى ـ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينقل عنه أنه أسهم لغير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل‏,‏ بل هي كانت غالب دوابهم فلم ينقل عنه أنه أسهم لها ولو أسهم لها لنقل‏,‏ وكذلك من بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خلفائه وغيرهم مع كثرة غزواتهم لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه أنه أسهم لبعير‏,‏ ولو أسهم لبعير لم يخف ذلك ولأنه لا يتمكن صاحبه من الكر والفر فلم يسهم له‏,‏ كالبغل والحمار‏.‏

فصل‏:‏

وما عدا الخيل والإبل من البغال والحمير والفيلة وغيرها لا يسهم لها‏,‏ بغير خلاف وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يسهم لها‏,‏ ولا أحد من خلفائه ولأنها مما لا يجوز المسابقة عليه بعوض فلم يسهم لها‏,‏ كالبقر‏.‏

فصل‏:‏

وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل عند دخول الحرب فلا يدخل إلا شديدا ولا يدخلها حطما‏,‏ ولا ضعيفا ولا ضرعا ولا أعجف رازحا فإن شهد أحد الوقعة على واحد من هذه لم يسهم له وبه قال مالك وقال الشافعي‏:‏ يسهم له كما يسهم للمريض ولنا‏,‏ أنه لا ينتفع به فلم يسهم له كالرجل المخذل والمرجف‏,‏ ولأنه حيوان يتعين منع دخوله فلم يسهم له كالمرجف وأما المريض الذي لا يتمكن من القتال‏,‏ فإن خرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد كالزمن والأشل والمفلوج فلا سهم له لأنه لم يبق من أهل الجهاد‏,‏ وإن لم يخرج بمرضه عن ذلك كالمحموم ومن به الصداع‏,‏ فإنه يسهم له لأنه من أهل الجهاد ويعين برأيه وتكثيره‏,‏ ودعائه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن مات بعد إحراز الغنيمة قام وارثه مقامه في سهمه‏]‏

وجملته أن الغازي إذا مات أو قتل نظرت فإن كان قبل حيازة الغنيمة‏,‏ فلا سهم له لأنه مات قبل ثبوت ملك المسلمين عليها سواء مات حال القتال أو قبله وإن مات بعد ذلك‏,‏ فسهمه لورثته وقال أبو حنيفة‏:‏ إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسمها في دار الحرب فلا شيء له لأن ملك المسلمين لا يتم عليها إلا بذلك وقال الأوزاعي‏:‏ إن مات بعدما يدرب قاصدا في سبيل الله قبل أو بعد‏,‏ أسهم له وقال الشافعي وأبو ثور‏:‏ إن حضر القتال أسهم له سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها‏,‏ وإن لم يحضر فلا سهم له ونحوه قال مالك والليث ولنا أنه إذا مات قبل حيازتها‏,‏ فقد مات قبل ملكها وثبوت اليد عليها فلم يستحق شيئا‏,‏ وإن مات بعدها فقد مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسمت صحت قسمتها‏,‏ وكان له سهمه منها فيجب أن يستحق سهمه فيها كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام وإذا ثبت أنه يستحقه‏,‏ فيكون لورثته كسائر أملاكه وحقوقه‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ويعطى الراجل سهما‏]‏

لا خلاف في أن للراجل سهما وقد جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أعطي الراجل سهما فيما تقدم من الأخبار‏,‏ ولأن الراجل يحتاج إلى أقل مما يحتاج إليه الفارس وغناؤه دون غنائه فاقتضى ذلك أن يكون سهمه دون سهمه‏.‏

فصل‏:‏

وسواء كانت الغنيمة من فتح حصن‏,‏ أو من مدينة أو من جيش وبهذا قال الشافعي وقال الوليد بن مسلم‏:‏ سألت الأوزاعي عن إسهام الخيل من غنائم الحصون فقال‏:‏ كانت الولاة من قبل عمر بن عبد العزيز‏,‏ الوليد وسليمان لا يسهمون الخيل من الحصون ويجعلون الناس كلهم رجالة‏,‏ حتى ولى عمر بن عبد العزيز فأنكر ذلك وأمر بإسهامها من فتح الحصون والمدائن ووجه ذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قسم غنائم خيبر للفارس ثلاثة أسهم‏,‏ وللراجل سهم وهي حصون ولأن الخيل ربما احتيج إليها بأن ينزل أهل الحصن‏,‏ فيقاتلوا خارجا منه ويلزم صاحبه مؤنة له فيقسم له‏,‏ كما لو كان في غير حصن‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ويرضخ للمرأة والعبد‏]‏

معناه أنهم يعطون شيئا من الغنيمة دون السهم ولا يسهم لهم سهم كامل ولا تقدير لما يعطونه‏,‏ بل ذلك إلى اجتهاد الإمام فإن رأى التسوية بينهم سوى بينهم وإن رأى التفضيل فضل وهذا قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب‏,‏ ومالك والثوري والليث‏,‏ والشافعي وإسحاق وروي ذلك عن ابن عباس وقال أبو ثور‏:‏ يسهم للعبد وروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز‏,‏ والحسن والنخعي لما روي عن الأسود بن يزيد أنه شهد فتح القادسية عبيد‏,‏ فضرب لهم سهامهم ولأن حرمة العبد في الدين كحرمة الحر وفيه من الغناء مثل ما فيه فوجب أن يسهم له كالحر وحكي عن الأوزاعي‏:‏ ليس للعبيد سهم ولا رضخ‏,‏ إلا أن يجيئوا بغنيمة أو يكون لهم غناء فيرضخ لهم قال‏:‏ ويسهم للمرأة لما روى جرير بن زياد‏,‏ عن جدته أنها حضرت فتح خيبر قالت‏:‏ فأسهم لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما أسهم للرجال وأسهم أبو موسى في غزوة تستر لنسوة معه وقال أبو بكر بن أبي مريم‏:‏ أسهمن النساء يوم اليرموك وروى سعيد‏,‏ بإسناده عن ابن شبل ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم فقال رجل من القوم‏:‏ أعطيت سهلة مثل سهمي‏)‏ ولنا ما روى عن ابن عباس‏,‏ أنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغزو بالنساء فيداوين الجرحي ويحذين من الغنيمة‏,‏ وأما سهم فلم يضرب لهن‏)‏ رواه مسلم وروى سعيد عن يزيد بن هارون أن نجدة كتب إلى ابن عباس‏,‏ يسأله عن المرأة والمملوك يحضران الفتح ألهما من المغنم شيء‏؟‏ قال يحذيان وليس لهما شيء وفي رواية قال‏:‏ ليس لهما سهم‏,‏ وقد يرضخ لهما وعن عمير مولى آبي اللحم قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبر إني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع رواه أبو داود واحتج به أحمد‏,‏ ولأنهما ليسا من أهل القتال فلم يسهم لهما كالصبي قالت عائشة‏:‏ يا رسول الله‏,‏ هل على النساء جهاد‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ‏"‏ وقال عمر بن أبي ربيعة‏:‏

كتب القتل والقتال علينا ** وعلى المحصنات جر الذيول

ولأن المرأة ضعيفة‏,‏ يستولي عليها الخور فلا تصلح للقتال ولهذا لم تقتل إذا كانت حربية فأما ما روي في إسهام النساء‏,‏ فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما بدليل أن في حديث حشرج أنه جعل لهن نصيبا تمرا ولو كان سهما‏,‏ ما اختص التمر ولأن خيبر قسمت على أهل الحديبية نفر معدودين في غير حديثها‏,‏ ولم يذكرن منهم ويحتمل أنه أسهم لهن مثل سهام الرجال من التمر خاصة أو من المتاع دون الأرض وأما حديث سهلة فإن في الحديث أنها ولدت‏,‏ فأعطاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها ولولدها فبلغ رضخهما سهم رجل ولذلك عجب الرجل الذي قال‏:‏ أعطيت سهلة مثل سهمي ولو كان هذا مشهورا من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما عجب منه‏.‏

فصل‏:‏

والمدبر‏,‏ والمكاتب كالقن لأنهم عبيد فإن عتق منهم قبل انقضاء الحرب أسهم لهم وكذلك إن قتل سيد المدبر قبل تقضي الحرب وهو يخرج من الثلث‏,‏ عتق وأسهم له وأما من بعضه حر فقال أبو بكر‏:‏ يرضخ له بقدر ما فيه من الرق‏,‏ ويسهم له بقدر ما فيه من الحرية فإذا كان نصفه حرا أعطى نصف سهم ورضخ له نصف الرضخ لأن هذا مما يمكن تبعيضه‏,‏ يقسم على قدر ما فيه من الحرية والرق والميراث وظاهر كلام أحمد أنه يرضخ له لأنه ليس من أهل وجوب القتال فأشبه الرقيق

فصل‏:‏

والخنثى المشكل يرضخ له لأنه لم يثبت أنه رجل يقسم له‏,‏ ولأنه ليس من أهل وجوب الجهاد فأشبه المرأة ويحتمل أن يقسم له نصف سهم ونصف الرضخ كالميراث فإن انكشف حاله‏,‏ فتبين أنه رجل أتم له سهم رجل سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده‏,‏ أو قبل القسمة أو بعدها لأننا تبينا أنه كان مستحقا للسهم وأنه أعطى دون حقه فأشبه ما لو أعطى بعض الرجال دون حقه غلطا‏.‏

فصل‏:‏

والصبي يرضخ‏,‏ ولا يسهم له وبه قال الثوري والليث وأبو حنيفة‏,‏ والشافعي وأبو ثور وعن القاسم وسالم‏,‏ في الصبي يغزو به ليس له شيء وقال مالك‏:‏ يسهم له إذا قاتل وأطاق ذلك‏,‏ ومثله قد بلغ القتال لأنه حر ذكر مقاتل فيسهم له كالرجل وقال الأوزاعي‏:‏ يسهم له وقال‏:‏ أسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للصبيان بخيبر وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وروى الجوزجاني‏,‏ بإسناده عن الوضين بن عطاء قال‏:‏ حدثتني جدتي قالت‏:‏ كنت مع حبيب بن مسلمة‏,‏ وكان يسهم لأمهات الأولاد لما في بطونهن ولنا ما روي عن سعيد بن المسيب‏,‏ قال‏:‏ كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو في صدر هذه الأمة وروى الجوزجاني بإسناده‏,‏ أن تميم بن قرع المهدي كان في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية في المرة الآخرة‏,‏ قال‏:‏ فلم يقسم لي عمرو من الفيء شيئا وقال‏:‏ غلام لم يحتلم حتى كاد يكون بين قومي وبين أناس من قريش في ذلك ثائرة فقال بعض القوم‏:‏ فيكم أناس من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاسألوهم فسألوا أبا نضرة الغفاري‏,‏ وعقبة بن عامر فقالا‏:‏ انظروا فإن كان قد أشعر‏,‏ فاقسموا له فنظر إلى بعض القوم فإذا أنا قد أنبت‏,‏ فقسم لي قال الجوزجاني هذا من مشاهير حديث مصر وجيده ولأنه ليس من أهل القتال فلم يسهم له كالعبد ولم يثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قسم لصبي‏,‏ بل كان لا يجيزهم في القتال فإن ابن عمر قال‏:‏ عرضت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في القتال‏,‏ وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني وما ذكروه يحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما‏,‏ بدليل ما ذكرناه‏.‏

فإن انفرد بالغنيمة من لا يسهم له مثل عبيد دخلوا دار الحرب فغنموا أو صبيان‏,‏ أو عبيد وصبيان أخذ خمسه وما بقي لهم ويحتمل أن يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم‏,‏ وللراجل سهم لأنهم تساووا فأشبهوا الرجال الأحرار ويحتمل أن يقسم بينهم على ما يراه الإمام من المفاضلة لأنهم لا تجب التسوية بينهم مع غيرهم فلا تجب مع الانفراد‏,‏ قياسا لإحدى الحالتين على الأخرى وإن كان فيهم رجل حر أعطى سهما وفضل عليهم‏,‏ بقدر ما يفضل الأحرار على العبيد والصبيان في غير هذا الموضع ويقسم الباقي بين من بقي على ما يراه الإمام من التفضيل لأن فيهم من له سهم بخلاف التي قبلها‏.‏

قال‏:‏ ‏[‏ويسهم للكافر‏,‏ إذا غزا معنا‏]‏

اختلفت الرواية في الكافر يغزو مع الإمام بإذنه فروي عن أحمد أنه يسهم له كالمسلم وبهذا قال الأوزاعي‏,‏ والزهري والثوري وإسحاق‏,‏ قال الجوزجاني‏:‏ هذا مذهب أهل الثغور وأهل العلم بالصوائف والبعوث وعن أحمد لا يسهم له وهو مذهب مالك والشافعي‏,‏ وأبي حنيفة لأنه من غير أهل الجهاد فلم يسهم له كالعبد‏,‏ ولكن يرضخ له كالعبد ولنا ما روى الزهري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعان بناس من اليهود في حربه‏,‏ فأسهم لهم رواه سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ وروى‏:‏ أن صفوان بن أمية خرج مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم خيبر‏,‏ وهو على شركه فأسهم له وأعطاه من سهم المؤلفة‏,‏ ولأن الكفر نقص في الدين فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق‏,‏ وبهذا فارق العبد فإن نقصه في دنياه وأحكامه وإن غزا بغير إذن الإمام فلا سهم له لأنه غير مأمون على الدين فهو كالمرجف‏,‏ وشر منه وإن غزا جماعة من الكفار وحدهم فغنموا فيحتمل أن تكون غنيمتهم لهم لا خمس فيها لأن هذا اكتساب مباح‏,‏ لم يؤخذ على وجه الجهاد فكان لهم لا خمس فيه‏,‏ كالاحتشاش والاحتطاب ويحتمل أن يؤخذ خمسه والباقي لهم لأنه غنيمة قوم من أهل دار الإسلام فأشبه غنيمة المسلمين‏.‏