فصل: فصل: إذا حلف لا يهب له‏,‏ فأهدى إليه أو أعمره حنث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

إذا حلف‏:‏ لا تسريت فوطئ جاريته حنث‏,‏ ذكره أبو الخطاب وقال القاضي‏:‏ لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحنث حتى يحصنها ويحجبها عن الناس لأن التسري مأخوذ من السر ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه كهذه ولنا أن التسري مأخوذ من السر‏,‏ وهو الوطء لأنه يكون في السر قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن لا تواعدوهن سرا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 235‏]‏‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

فلن تطلبوا سرها للغنى ** ولن تسلموها لإزهادها

وقال آخر‏:‏

ألا زعمت بسباسة القوم أنني ** كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

ولأن كل حكم تعلق بالوطء لم يعتبر فيه الإنزال ولا التحصين كسائر الأحكام‏.‏

فصل‏:‏

إذا حلف لا يهب له‏,‏ فأهدى إليه أو أعمره حنث لأن ذلك من أنواع الهبة وإن أعطاه من الصدقة الواجبة‏,‏ أو نذر أو كفارة لم يحنث لأن ذلك حق لله ـ تعالى عليه يجب إخراجه‏,‏ فليس هو بهبة منه وإن تصدق عليه تطوعا فقال القاضي‏:‏ يحنث وهو مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ لا يحنث وهو قول أصحاب الرأي لأنهما يختلفان اسما وحكما بدليل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ‏(‏هو عليها صدقة‏,‏ ولنا هدية‏)‏ وكانت الصدقة محرمة عليه والهدية حلال له وكان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة‏,‏ ومع هذا الاختلاف لا يحنث في أحدهما بفعل الآخر ووجه الأول أنه تبرع بعين في الحياة فحنث به‏,‏ كالهدية ولأن الصدقة تسمى هبة فلو تصدق بدرهم‏,‏ قيل‏:‏ وهب درهما وتبرع بدرهم واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة فيختص باسم دونها‏,‏ كاختصاص الهدية والعمرى باسمين ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة وكذلك اختلاف الأحكام‏,‏ فإنه قد يثبت للنوع ما لا يثبت للجنس كما يثبت للآدمي من الأحكام ما لا يثبت لمطلق الحيوان وإن وصى له لم يحنث لأن الهبة تمليك في الحياة‏,‏ والوصية إنما تملك بالقبول بعد الموت وإن أعاره لم يحنث لأن الهبة تمليك الأعيان وليس في العارية تمليك عين‏,‏ ولأن المستعير لا يملك المنفعة وإنما يستبيحها ولهذا يملك المعير الرجوع فيها‏,‏ ولا يملك المستعير إجارتها ولا إعارتها هذا قول القاضي ومذهب الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ يحنث لأن العارية هبة المنفعة والأول أصح وإن أضافه‏,‏ لم يحنث لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباحه ولهذا لا يملك التصرف بغير الأكل وإن باعه وحاباه‏,‏ لم يحنث لأنه معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ولو كان هبة أو بعضه هبة لم يملك أخذه كله وقال أبو الخطاب‏:‏ يحنث‏,‏ في أحد الوجهين لأنه يترك له بعض المبيع بغير ثمن أو وهبه بعض الثمن وإن وقف عليه فقال أبو الخطاب‏:‏ يحنث لأنه تبرع له بعين في الحياة ويحتمل أن لا يحنث لأن الوقف لا يملك‏,‏ في رواية وإن حلف لا يتصدق عليه فوهب له لم يحنث لأن الصدقة نوع من الهبة‏,‏ ولا يحنث الحالف على نوع بفعل نوع آخر ولا يثبت للجنس حكم النوع ولهذا حرمت الصدقة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏,‏ ولم تحرم الهبة ولا الهدية وإن حلف لا يهب له شيئا فأسقط عنه دينا لم يحنث إلا أن ينوي لأن الهبة تمليك عين‏,‏ وليس له إلا دين في ذمته‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ولو حلف أن لا يشتري فلانا أو لا يضربه فوكل في الشراء والضرب‏,‏ حنث وجملته أن من حلف أن لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث‏,‏ إلا أن ينوي مباشرته بنفسه ونحو هذا قول مالك وأبي ثور وقال الشافعي‏:‏ لا يحنث إلا أن ينوي بيمينه أن لا يستنيب في فعله‏,‏ أو يكون ممن لم تجر عادته بمباشرته لأن إطلاق إضافة الفعل يقتضي مباشرته بدليل أنه لو وكله في البيع لم يجز للوكيل توكيل غيره وإن حلف لا يبيع ولا يضرب فأمر من فعله فإن كان ممن يتولى ذلك بنفسه‏,‏ لم يحنث وإن كان ممن لا يتولاه كالسلطان‏,‏ ففيه قولان وإن حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه فقيل‏:‏ فيه قولان وقيل‏:‏ يحنث‏,‏ قولا واحدا وقال أصحاب الرأي‏:‏ إن حلف لا يبيع فوكل من باع لم يحنث‏,‏ وإن حلف لا يضرب ولا يتزوج فوكل من فعله‏,‏ حنث ولنا أن الفعل يطلق على من وكل فيه وأمر به فيحنث به‏,‏ كما لو كان ممن لا يتولاه بنفسه وكما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه‏,‏ أو لا يضرب فوكل من ضرب عند أبي حنيفة وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏محلقين رءوسكم ومقصرين‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 27‏]‏‏.‏ وكان هذا متناولا للاستنابة فيه ولأن المحلوف عليه وجد من نائبه‏,‏ فحنث به كما لو حلف لا يدخل دارا فأمر من حمله إليها وقولهم‏:‏ إن إضافة الفعل إليه تقتضي المباشرة بمنعه ولا نسلم أنه إذا وكل في فعل يمتنع على الوكيل التوكيل فيه‏,‏ ولئن سلمنا فلأن التوكيل يقصد به الأمانة والحذق والناس يختلفون فيهما‏,‏ فإذا عين واحدا لم تجز مخالفة تعيينه بخلاف اليمين فأما إن نوى بيمينه المباشرة للمحلوف عليه‏,‏ أو كان سبب يمينه يقتضيها أو قرينة حاله تخصص بها لأن إطلاقه يقيد بنيته‏,‏ أو بما دل عليها فأشبه ما لو صرح به بلفظه وإن حلف ليشترين أو ليبيعن‏,‏ أو ليضربن فوكل من فعل ذلك بر لما ذكرنا في طرف النفي‏,‏ ولذلك لما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏رحم الله المحلقين‏)‏ تناول من حلق رأسه بأمره‏.‏

فصل‏:‏

وإن حلف ليطلقن زوجته أو لا يطلقها فوكل من طلقها‏,‏ أو قال لها‏:‏ طلقي نفسك فطلقها أو قال لها‏:‏ اختاري أو أمرك بيدك فطلقت نفسها بر‏,‏ وحنث والخلاف فيه على ما تقدم وإن قال‏:‏ أنت طالق إن شئت أو إن قمت فشاءت أو قامت حنث بغير خلاف لأن الطلاق منه‏,‏ وإنما هي حققت شرطه‏.‏

فصل‏:‏

فإن حلف لا يضرب امرأته فلطمها أو لكمها‏,‏ أو ضربها بعصا أو غيرها حنث بغير خلاف وإن عضها أو خنقها‏,‏ أو جز شعرها جزا يؤلمها قاصدا للإضرار بها حنث وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ لا يحنث لأن ذلك لا يسمى ضربا‏,‏ فلا يحنث به كما لو شتمها شتما آلمها وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا فإن مهنا نقل عنه فيمن قال لامرأته‏:‏ إن لم أضربك اليوم‏,‏ فأنت طالق فعضها أو قرصها أو أمسك شعرها‏,‏ فهو على ما نوى من ذلك قال القاضي‏:‏ فظاهر هذا أنه لم يدخله في إطلاق اسم الضرب ولنا أن هذا في العرف يستعمل لكف الأذى المؤلم للجسم فيدخل فيه كل ما اختلفنا فيه‏,‏ ولهذا يقال‏:‏ تضاربا إذا فعل كل واحد منهما هذا بصاحبه وإن لم يكن معهما آلة وفارق الشتم فإنه لا يؤلم الجسم‏,‏ وإنما يؤلم القلب‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن حلف بعتق أو طلاق أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا‏,‏ حنث وبهذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والزهري‏,‏ وقتادة وربيعة ومالك‏,‏ وأبو عبيد وأصحاب الرأي وهو المشهور عن الشافعي وقال عطاء وعمرو بن دينار وابن أبي نجيح وإسحاق وابن المنذر‏:‏ لا يحنث وهو رواية عن أحمد لأن الناسي لا يكلف حال نسيانه‏,‏ فلا يلزمه الحنث كالحلف بالله ـ تعالى ولنا أن هذا يتعلق به حق آدمي‏,‏ فتعلق الحكم به مع النسيان كالإتلاف ولأنه حكم علق على شرط‏,‏ فيوجد بوجدان شرطه كالمنع من الصلاة بعد العصر وقد سبقت هذه المسألة‏:‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا حلف‏,‏ فتأول في يمينه فله تأويله إذا كان مظلوما وإن كان ظالما‏,‏ لم ينفعه تأويله لما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال ‏(‏يمينك على ما يصدقك به صاحبك‏)‏ معنى التأويل أن يقصد بكلامه محتملا يخالف ظاهره‏,‏ نحو أن يحلف إنه أخي يقصد أخوة الإسلام أو المشابهة‏,‏ أو يعني بالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش الأرض وبالأوتاد الجبال‏,‏ وباللباس الليل أو يقول‏:‏ ما رأيت فلانا يعني ما ضربت رئته ولا ذكرته يريد ما قطعت ذكره أو يقول‏:‏ جواري أحرار يعني سفنه ونسائي طوالق يعني نساء الأقارب منه أو يقول‏:‏ ما كاتبت فلانا ولا عرفته‏,‏ ولا أعلمته ولا سألته حاجة ولا أكلت له دجاجة‏,‏ ولا فروجة ولا شربت له ماء ولا في بيتي فرش ولا حصير‏,‏ ولا بارية وينوي بالمكاتبة مكاتبة الرقيق وبالتعريف جعله عريفا وبالإعلام جعله أعلم الشفة‏,‏ والحاجة شجرة صغيرة والدجاجة الكنة من الغزل والفروجة الدراعة‏,‏ والفرش صغار الإبل والحصير الحبس والبارية السكين التي يبري بها أو يقول‏:‏ ما لفلان عندي وديعة‏,‏ ولا شيء يعني ب ‏"‏ ما ‏"‏ ‏"‏ الذي ‏"‏ أو يقول‏:‏ ما فلان ها هنا ويعني موضعا بعينه أو يقول‏:‏ والله ما أكلت من هذا شيئا ولا أخذت منه يعني الباقي بعد أخذه وأكله فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه‏,‏ فهو تأويل لأنه خلاف الظاهر ولا يخلو حال الحالف المتأول من ثلاثة أحوال أحدها أن يكون مظلوما مثل من يستحلفه ظالم على شيء‏,‏ لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلما منه ضرر فهذا له تأويله قال مهنا‏:‏ سألت أحمد‏,‏ عن رجل له امرأتان اسم كل واحدة منهما فاطمة فماتت واحدة منهما‏,‏ فحلف بطلاق فاطمة ونوى التي ماتت‏؟‏ قال‏:‏ إن كان المستحلف له ظالما فالنية نية صاحب الطلاق‏,‏ وإن كان المطلق هو الظالم فالنية نية الذي استحلف وقد روى أبو داود بإسناده عن سويد بن حنظلة‏,‏ قال‏:‏ خرجنا نريد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا‏,‏ فحلفت أنه أخي فخلى سبيله فأتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكرت ذلك له فقال‏:‏ ‏(‏أنت أبرهم وأصدقهم‏,‏ المسلم أخو المسلم‏)‏ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب‏)‏ يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غير ما عناه قال محمد بن سيرين‏:‏ الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب لكثرة المعاريض وخص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن فإنه يفطن للتأويل‏,‏ فلا حاجة به إلى الكذب الحال الثاني أن يكون الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده‏,‏ فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف ولا ينفع الحالف تأويله وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن أبا هريرة قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏يمينك على ما يصدقك به صاحبك‏)‏ رواه مسلم وأبو داود وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏اليمين على نية المستحلف‏)‏ رواه مسلم‏,‏ وقالت عائشة‏:‏ اليمين على ما وقع للمحلوف له ولأنه لو ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود‏,‏ خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك‏,‏ وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق ولا نعلم في هذا خلافا قال إبراهيم في رجل استحلفه السلطان بالطلاق على شيء‏,‏ فورى في يمينه إلى شيء آخر‏:‏ أجزأ عنه وإن كان ظالما لم تجزئ عنه التورية الحال الثالث لم يكن ظالما ولا مظلوما‏,‏ فظاهر كلام أحمد أن له تأويله فروى أن مهنا كان عنده‏,‏ هو والمروذي وجماعة فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه‏,‏ فوضع مهنا أصبعه في كفه وقال‏:‏ ليس المروذي ها هنا وما يصنع المروذي ها هنا‏؟‏ يريد‏:‏ ليس هو في كفه ولم ينكر ذلك أبو عبد الله وروي أن مهنا قال له‏:‏ إني أريد الخروج ـ يعني السفر إلى بلده ـ وأحب أن تسمعني الجزء الفلاني فأسمعه إياه‏,‏ ثم رآه بعد ذلك فقال‏:‏ ألم تقل إنك تريد الخروج‏؟‏ فقال له مهنا‏:‏ قلت لك‏:‏ إني أريد الخروج الآن‏؟‏ فلم ينكر عليه وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم في هذا خلافا روى سعيد عن جرير عن المغيرة‏,‏ قال‏:‏ كان إذا طلب إنسان إبراهيم ولم يرد إبراهيم أن يلقاه خرجت إليه الخادم‏,‏ وقالت‏:‏ اطلبوه في المسجد وقال له رجل‏:‏ إني ذكرت رجلا بشيء فكيف لي أن أعتذر إليه‏؟‏ قال‏:‏ قل له‏:‏ والله إن الله يعلم ما قلت من ذلك من شيء وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمزح ولا يقول إلا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه‏,‏ وهو التأويل فقال لعجوز‏:‏ ‏(‏لا تدخل الجنة عجوز‏)‏ يعني أن الله ينشئهن أبكارا عربا أترابا وقال أنس‏:‏ إن رجلا جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ يا رسول الله احملني فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏إنا حاملوك على ولد الناقة قال‏:‏ وما أصنع بولد الناقة‏؟‏ قال‏:‏ وهل تلد الإبل إلا النوق‏؟‏‏)‏ رواه أبو داود وقال لامرأة وقد ذكرت له زوجها‏:‏ أهو الذي في عينه بياض فقالت‏:‏ يا رسول الله‏,‏ إنه لصحيح العين وأراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ البياض الذي حول الحدق وقال لرجل احتضنه من ورائه‏:‏ ‏(‏من يشتري هذا العبد‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول الله تجدني إذا كاسدا قال‏:‏ لكنك عند الله لست بكاسد‏)‏ وهذا كله من التأويل والمعاريض وقد سماه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حقا‏,‏ فقال ‏(‏لا أقول إلا حقا‏)‏ وروي عن شريح أنه خرج من عند زياد وقد حضره الموت‏,‏ فقيل له‏:‏ كيف تركت الأمير‏؟‏ قال‏:‏ تركته يأمر وينهى فلما مات قيل له‏:‏ كيف قلت ذلك‏؟‏ قال‏:‏ تركته يأمر بالصبر وينهى عن البكاء والجزع ويروى عن شقيق أن رجلا خطب امرأة‏,‏ وتحته أخرى فقالوا‏:‏ لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال‏:‏ اشهدوا إني قد طلقت ثلاثا فزوجوه فأقام على امرأته‏,‏ فقالوا‏:‏ قد طلقت ثلاثا قال‏:‏ ألم تعلموا أنه كان لي ثلاث نسوة فطلقتهن قالوا‏:‏ بلى قال قد طلقت ثلاثا فقالوا‏:‏ ما هذا أردنا فذكر ذلك شقيق لعثمان فجعلها نيته وروي عن الشعبي أنه كان في مجلس فنظر إليه رجل ظن أنه طلب منه التعريف به والثناء عليه‏,‏ فقال الشعبي‏:‏ إن له بيتا وشرفا فقيل للشعبي بعد ما ذهب الرجل‏:‏ تعرفه‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكنه نظر إلى قيل‏:‏ فكيف أثنيت عليه‏؟‏ قال‏:‏ شرفه أذناه وبيته الذي يسكنه وروي أن رجلا أخذ على شراب‏,‏ فقيل له‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال‏:‏

أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ** وإن نزلت يوما فسوف تعود

ترى الناس أفواجا على باب داره ** فمنهم قيام حولها وقـعود

فظنوه شريفا فخلوا سبيله فسألوا عنه‏,‏ فإذا هو ابن الباقلاني وأخذ الخوارج رافضيا فقالوا له‏:‏ تبرأ من عثمان وعلي فقال‏:‏ أنا من علي ومن عثمان بريء فهذا وشبهه هو التأويل الذي لا يعذر به الظالم‏,‏ ويسوغ لغيره مظلوما كان أو غير مظلوم لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول ذلك في المزاح من غير حاجة به إليه‏.‏