فصل: فصل: إذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن قال‏:‏ حجة بخمسمائة فما فضل فهو لمن يحج‏]‏

وجملته أنه إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال حجة واحدة‏,‏ وكان فيه فضل عن قدر ما يحج به فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك فكأنه صرح‏,‏ بأن قال‏:‏ حجوا عني حجة واحدة بخمسمائة وما فضل منها فهو لمن يحج ثم إن عين من يحج عنه فقال‏:‏ يحج عني فلان بخمسمائة صرف ذلك إليه وإن لم يعين أحدا‏,‏ فللوصي صرفها إلى من شاء لأنه فوض إليه الاجتهاد إلا أنه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل إلا بإذن الورثة‏,‏ وإن لم يكن فيها فضل جاز لأنها لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان الحج الموصي به تطوعا‏,‏ فجميع القدر الموصي به من الثلث وإن كان واجبا فالزائد عن نفقة المثل يعتبر من الثلث وإن لم يف الموصي به بالحج الواجب أتم من رأس المال وإن كان تطوعا‏,‏ فإنه يحج به من حيث يبلغ على ما مضى‏.‏

فصل‏:‏

وإن عين رجلا أن يحج فأبى أن يحج‏,‏ بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي إلى الورثة ولو قال المعين‏:‏ اصرفوا الحجة إلى من يحج‏,‏ وادفعوا الفضل إلى لأنه موصى به لي لم يصرف إليه شيء لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يفعل‏,‏ لم يوجد الشرط ولم يستحق شيئا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن قال‏:‏ حجوا عني حجة فما فضل رد إلى الورثة‏]‏

أما إذا أوصى بحجة ولم يذكر قدرا من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل لما ذكرناه‏,‏ وإن فضل فضل عن ذلك فهو للورثة وهذا ينبني على أن الحج لا يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه فيه نائب فما ينفق عليه فيما يحتاج إليه‏,‏ فهو من مال الموصي وما بقي رده على ورثته وإن تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي‏,‏ وليس على النائب إتمام المضي إلى الحج عنه وعلى الرواية الأخرى يجوز الاستئجار عليه فلا يستأجر إلا ثقة بأقل ما يمكن‏,‏ وما فضل فهو لمن يحج لأنه ملك ما أعطى بعقد الإجارة وإن تلف المال في الطريق بعد قبض الأجير له فهو من ماله ويلزمه إتمام الحج وإن قال‏:‏ حجوا عني ولم يقل‏:‏ حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة واحدة لأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا من يحج عنه‏,‏ فقال‏:‏ يحج عني فلان فإنه يدفع إليه قدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن أن يحج به غيره وإن أبى الحج وكان واجبا‏,‏ استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته به وإن كان تطوعا احتمل بطلان الوصية لأنه عين لها جهة فإذا لم تقبلها بطلت الوصية كما لو قال‏:‏ بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه ويحتمل أن لا تبطل‏,‏ ويستناب غيره لأنه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة‏,‏ كما لو قال‏:‏ بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع لغيره‏,‏ ويتصدق به‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أوصى لرجل أن يخرج عنه حجة لم يكن للوصي الحج بنفسه نص عليه أحمد كما لو قال‏:‏ تصدق على لم يجز أن يتصدق عن نفسه وإن قال‏:‏ حج عني بما شئت صح وله ما شاء‏,‏ إلا أن لا يجيز الورثة فله الثلث‏.‏

فصل‏:‏

إذا أوصى أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث‏,‏ ولسعد بثلث ماله فأجاز الورثة أمضيت على ما قال الموصي وإن لم يفضل عن المائة شيء فلا شيء لعمرو لأنه إنما أوصى له بالفضل‏,‏ ولا فضل وإن رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة‏,‏ وما فضل من الثلث فلعمرو فإن لم يفضل شيء فلا شيء لعمرو لأنه إنما أوصى له بالزيادة‏,‏ ولا زيادة ولا تمنع المزاحمة به ولا يعطي شيئا كولد الأب مع الأخ من الأبوين‏,‏ في مزاحمة الجد ويحتمل أنه متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته لأن زيدا إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يجب أن يدخل عليه من النقص بقدر وصيته‏,‏ كسائر الوصايا وقد ذكرنا نظير هذه المسألة فيما تقدم فإن امتنع زيد من الحج وكانت الحجة واجبة استنيب ثقة غيره في الحج بأقل ما يمكن‏,‏ وتمام المائة للورثة ولعمرو ما فضل وإن كانت الحجة تطوعا ففي بطلان الوصية بها وجهان‏,‏ ذكرناهما فيما مضى‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ الوصية‏,‏ ودفع إلى زيد ودفع بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شيء بطلت وصية عمرو وإن مات العبد بعد موت الموصي‏,‏ أو رد زيد وصيته بطلت ولم تبطل وصية عمرو وهكذا إن مات زيد قبل موت الموصي أو بعده وإن مات العبد قبل موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد‏,‏ ثم يقوم العبد لو كان حيا فإن بقي من الثلث بعد قيمته شيء فهو لعمرو‏,‏ وإلا بطلت وصيته ولو قال لأحد عبديه‏:‏ أنت مدبر ثم قال لآخر‏:‏ أنت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول لرجوعه فيه أو خروجه مستحقا أو غير ذلك‏,‏ فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا أو خطأ‏,‏ وأخذت الدية فلمن أوصى له بالثلث ثلث الدية في إحدى الروايتين‏,‏ والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد في من أوصى بثلث ماله أو جزء منه مشاع‏,‏ فقتل الموصي وأخذت ديته هل للوصي منها شيء أو لا‏؟‏ فنقل مهنا عن أحمد‏,‏ أنه يستحق منها وروي ذلك عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ وهو قول الحسن ومالك ونقل ابن منصور عن أحمد‏,‏ لا يدخل الدية في وصيته وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور‏,‏ وداود وهو قول إسحاق وقال مالك‏:‏ في دية العمد لأن الدية إنما تجب للورثة بعد موت الموصي بدليل أن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه‏,‏ ولا يجوز أن تجب للميت بعد موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فكيف يتجدد له ملك‏؟‏ فلا يدخل في الوصية لأن الميت إنما يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته ووجه الرواية الأولى‏,‏ أن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها‏,‏ ولأن بدل أطرافه في حال حياته له فكذلك بدلها بعد موته ولهذا نقضي منها ديونه‏,‏ ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه وإنما يزول من أملاكه ما استغنى عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت‏,‏ كمن نصب شبكة فسقط فيها صيد بعد موته فإنه يملك بحيث تقضى ديونه منه ويجهز‏,‏ فكذلك دينه لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبهت قضاء دينه‏.‏

فصل‏:‏

وإن كانت الوصية بمعين فعلى الرواية الأولى‏,‏ يعتبر خروجه من ثلث ماله وديته وعلى الأخرى يعتبر خروجه من أصل ماله دون ديته لأنها ليست من ماله‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوصى‏,‏ ثم استفاد مالا قبل الموت فأكثر أهل العلم يقولون‏:‏ إن الوصية تعتبر من جميع ما يخلفه من التلاد والمستفاد ويعتبر ثلث الجميع هذا قول النخعي والأوزاعي‏,‏ ومالك والشافعي وأبي ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وسواء علم أو لم يعلم وحكي عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة‏,‏ ومالك لا يدخل في وصيته إلا ما علم إلا المدبر فإنه يدخل في كل شيء ولنا أنه من ماله‏,‏ فدخل في وصيته كالمعلوم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا أوصى إلى رجل ثم أوصى بعده إلى آخر فهما وصيان‏,‏ إلا أن يقول‏:‏ قد أخرجت الأول‏]‏

معني أوصى إلى رجل أي جعل له التصرف بعد موته فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه‏,‏ واقتضائها ورد الودائع واستردادها‏,‏ وتفريق وصيته والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ومن لم يؤنس رشده والنظر لهم في أموالهم بحفظها‏,‏ والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الإخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد‏,‏ فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصي عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافا وبه يقول مالك وأبو حنيفة‏,‏ والشافعي إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا‏:‏ للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن له ولادة وتعصيبا فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد وجهان أحدهما‏,‏ أن لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب ولنا أن الجد يدلي بواسطة‏,‏ فأشبه الأخ والعم وفارق الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد‏,‏ ويخالفه في ميراثه وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح بحال‏,‏ فلا تلي مال غيرها كالعبد ولأنها لا تلي بولاية القضاء‏,‏ فكذلك بالنسب إذا ثبت هذا فإنه إذا أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر‏,‏ فهما وصيان إلا أن يقول‏:‏ قد أخرجت الأول أو قد عزلته لما ذكرنا فيما إذا أوصى بجارية لبشر ثم أوصى بها لبكر ولأنه قد وجدت الوصية إليهما من غير عزل واحد منهما‏,‏ فكانا وصيين كما لو أوصى إليهما دفعة واحدة فأما إن أخرج الأول انعزل وكان الثاني هو الوصي‏,‏ كما لو عزله بعد الوصية إلى الثاني‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يوصي إلى رجل بشيء دون شيء مثل أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته دون غيرها أو بقضاء ديونه‏,‏ أو بالنظر في أمر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه‏,‏ وإلى آخر بالنظر في أمر أطفاله فيكون لكل واحد منهم ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشيء لم يصر وصيا في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يصير وصيا في كل ما يملكه الوصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته‏,‏ فلا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد التصرف بالإذن من جهة الآدمي‏,‏ فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل وولاية الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته‏,‏ وهي لا تتبعض والإذن يتبعض فافترقا‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يوصي إلى رجلين معا في شيء واحد‏,‏ ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فيقول‏:‏ أوصيت إلى كل واحد منكما أن ينفرد بالتصرف لأنه جعل كل واحد منهما وصيا منفردا وهذا يقتضي تصرفه على الانفراد وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين‏,‏ وليس لواحد منهما الانفراد بالتصرف ولأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده وهاتان الصورتان لا أعلم فيهما خلافا وإن أطلق فقال‏:‏ أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك‏,‏ والشافعي وقال‏:‏ أبو يوسف‏:‏ له ذلك لأن الوصية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس‏,‏ فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء‏:‏ كفن الميت وقضاء دينه وإنفاذ وصيته‏,‏ ورد الوديعة بعينها وشراء ما لا بد للصغير منه من الكسوة والطعام وقبول الهبة له‏,‏ والخصومة عن الميت فيما يدعي له أو عليه لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها ولنا أنه شرك بينهما في النظر‏,‏ فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما‏,‏ فليست متبعضة كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين ثم يبطل ما قاله بهاتين الصورتين‏,‏ ويبطل ما قاله أبو حنيفة بهما أيضا وإذا تعذر اجتماعهما أقام الحاكم أمينا مقام الغائب‏.‏

فصل‏:‏

في من تصح الوصية إليه‏,‏ ومن لا تصح تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعا ولا تصح إلى مجنون ولا طفل‏,‏ ولا وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف نعلمه لأن المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية على مسلم وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن شريح وبه قال مالك‏,‏ والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح‏,‏ وإسحاق والشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون ولنا‏,‏ ما روي أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة فأشبهت الرجل وتخالف القضاء‏,‏ فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية وتصح الوصية إلى الأعمى وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه لا تصح الوصية إليه بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه‏,‏ فلا يوجد فيه معني الولاية وهذا لا يسلم لهم مع أنه يمكنه التوكيل في ذلك وهو من أهل الشهادة والولاية في النكاح‏,‏ والولاية على أولاده الصغار فصحت الوصية إليه كالبصير وأما الصبي العاقل فلا أعلم فيه نصا عن أحمد‏,‏ فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ولا يصح تصرفه إلا بإذن فلم يكن من أهل الولاية بطريق الأولى ولأنه مولى عليه‏,‏ فلا يكون واليا كالطفل والمجنون وهذا مذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب صحة الوصية إليه لأن أحمد قد نص على صحة وكالته وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر وأما الكافر فلا تصح وصية مسلم إليه لأنه لا يلي على مسلم‏,‏ ولأنه ليس من أهل الشهادة ولا العدالة فلم تصح الوصية إليه كالمجنون والفاسق وأما وصية الكافر إليه‏,‏ فإن لم يكن عدلا في دينه لم تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم يمنع صحة الوصية إليه فمع الكفر أولى وإن كان عدلا في دينه ففيه وجهان أحدهما تصح الوصية إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب‏,‏ فيلي الوصية كالمسلم والثاني لا تصح وهو قول أبي ثور لأنه فاسق‏,‏ فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وأما وصية الكافر إلى المسلم فتصح إلا أن تكون تركته خمرا أو خنزيرا وأما العبد‏,‏ فقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ تصح الوصية إليه سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك وقال النخعي والأوزاعي‏,‏ وابن شبرمة‏:‏ تصح الوصية إلى عبد نفسه ولا تصح إلى عبد غيره وقال أبو حنيفة‏:‏ تصح إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد وقال أبو يوسف ومحمد‏,‏ والشافعي‏:‏ لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون وليا على ابنه بالنسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون ولنا أنه يصح استنابته في الحياة‏,‏ فصح أن يوصى إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن وقد نص الخرقي على أن الوصية إلى أم ولده جائزة نص عليه أحمد أيضا لأنها تكون حرة عند نفوذ الوصية من أصل المال وأما الفاسق فقد روي عن أحمد ما يدل على أن الوصية إليه لا تصح وهو قول مالك والشافعي وعن أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه‏,‏ فإنه قال في رواية ابن منصور‏:‏ إذا كان متهما لم تخرج من يده وقال الخرقي‏:‏ إذا كان الوصي خائنا ضم إليه أمين وهذا يدل على صحة الوصية إليه‏,‏ ويضم الحاكم إليه أمينا وقال أبو حنيفة‏:‏ تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل‏,‏ فصحت الوصية إليه كالعدل ووجه الأولى أنه لا يجوز إفراده بالوصية‏,‏ فلم تجز الوصية إليه كالمجنون وعلى أبي حنيفة لا يجوز إقراره على الوصية‏,‏ فأشبه ما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

ويعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين وفي الآخر يعتبر حال الموت حسب‏,‏ كالوصية له وهو قول بعض أصحاب الشافعي ولنا أنها شروط لعقد فتعتبر حال وجوده‏,‏ كسائر العقود فأما الوصية له فهي صحيحة وإن كان وارثا وإنما يعتبر عدم الإرث‏,‏ وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسألتنا‏,‏ فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده وعلى الوجه الثاني‏,‏ لو كانت الشروط كلها منتفية أو بعضها حال العقد ثم وجدت حالة الموت لصحت الوصية إليه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال‏:‏ أوصيت إلى زيد‏,‏ فإن مات فقد أوصيت إلى عمرو صح ذلك رواية واحدة ويكون كل واحد منهما وصيا‏,‏ إلا أن عمرا وصى بعد زيد لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في جيش مؤتة‏:‏ ‏(‏أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة‏)‏ والوصية في معني التأمير وإن قال‏:‏ أوصيت إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك‏,‏ فإذا كبر ابنه صار وصيه وعلى هذا لو قال‏:‏ وصيت لك فان تاب ابني عن فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه‏,‏ أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد‏,‏ فهو وصيي صحت الوصية إليه ويصير وصيا عند وجود هذه الشروط‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا كان الوصي خائنا جعل معه أمين‏]‏

ظاهر هذا صحة الوصية إلى الفاسق‏,‏ ويضم إليه أمين وكذلك إن كان عدلا فتغيرت حاله إلى الخيانة لم يخرج منها ويضم إليه أمين ونقل ابن منصور عن أحمد نحو ذلك قال‏:‏ إذا كان الوصي متهما لم يخرج من يده ونقل المروذي‏,‏ عن أحمد في من أوصى لرجلين ليس أحدهما بموضع للوصية فقال للآخر‏:‏ أعطني لا يعطيه شيئا‏,‏ ليس هذا بموضع للوصية فقيل له‏:‏ أليس المريض قد رضي به‏؟‏ فقال‏:‏ وإن رضي به فظاهر هذا إبطال الوصية إليه وحمل القاضي كلام الخرقي وكلام أحمد في إبقائه في الوصية على أن خيانته طرأت بعد الموت فأما إن كانت خيانته موجودة حال الوصية إليه‏,‏ لم تصح لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته فكذلك بعد موته ولأن الوصية ولاية وأمانة‏,‏ والفاسق ليس من أهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقا فحكمه حكم من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وإن طرأ فسقه بعد الوصية‏,‏ زالت ولايته وأقام الحاكم مقامه أمينا هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق وعلى قول الخرقي‏:‏ لا تزول ولايته ويضم إليه أمين ينظر معه وروي ذلك عن الحسن‏,‏ وابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية فيكون جمعا بين الحقين وإن لم يمكن حفظ المال بالأمين‏,‏ تعين إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد وأما التفريق بين الفسق الطارئ وبين المقارن فبعيد فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء‏,‏ سيما إذا كانت لمعني يحتاج إليه في الدوام ولو لم يكن بد من التفريق لكان اعتبار العدالة في الدوام أولى‏,‏ من قبل أن الفسق إذا كان موجودا حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله‏,‏ وأوصى إليه راضيا بتصرفه مع فسقه فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ الفسق‏,‏ فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضاه ألا ترى أنه لو أوصى إلى واحد‏,‏ جاز له التصرف وحده ولو وصى إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف‏.‏

فصل‏:‏

وأما العدل الذي يعجز عن النظر‏,‏ لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم إليه الحاكم أمينا‏,‏ ولا يزيل يده عن المال ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان قويا‏,‏ فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يدا أخرى ويكون الأول هو الوصي دون الثاني‏,‏ وهذا معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الوصي وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ولا أعلم لهما مخالفا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا تغيرت حال الوصي بجنون أو كفر‏,‏ أو سفه زالت ولايته وصار كأنه لم يوص إليه ويرجع الأمر إلى الحاكم‏,‏ فيقيم أمينا ناظرا للميت في أمره وأمر أولاده من بعده كما لو لم يخلف وصيا وإن تغيرت حاله بعد الوصية وقبل الموت ثم عاد فكان عند الموت جامعا لشروط الوصية‏,‏ صحت الوصية إليه لأن الشروط موجودة حال العقد والموت فصحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل أن تبطل لأن كل حالة منها حالة للقبول والرد‏,‏ فاعتبرت الشروط فيها فأما إن زالت بعد الموت فانعزل ثم عاد‏,‏ فكمل الشروط لم تعد وصيته لأنها زالت فلا تعود إلا بعقد جديد‏.‏

فصل‏:‏

ويصح قبول الوصية وردها في حياة الموصي لأنها إذن في التصرف‏,‏ فصح قبوله بعد العقد كالتوكيل بخلاف الوصية له‏,‏ فإنها تمليك في وقت فلم يصح القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت‏,‏ كالوصية له ومتى قبل صار وصيا وله عزل نفسه متى شاء‏,‏ مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته بمشهد منه وفي غيبته وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز له ذلك بعد الموت بحال‏,‏ ولا يجوز في حياته إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الإيصاء إلى غيره وذكر ابن أبي موسى في ‏"‏ الإرشاد ‏"‏ رواية عن أحمد‏,‏ ليس له عزل نفسه بعد الموت لذلك ولنا أنه متصرف بالإذن فكان له عزل نفسه‏,‏ كالوكيل‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أن يجعل للوصي جعلا لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك الوصية وقد نقل إسحاق بن إبراهيم‏,‏ في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهم مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم‏,‏ ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز لأنه ليس بنائب عنه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانا وصيين فمات أحدهما أقيم مقام الميت أمين‏]‏

وجملة ذلك‏,‏ أنه يجوز للرجل الوصية إلى اثنين فمتى أوصى إليهما مطلقا لم يجز لواحد منهما الانفراد بالتصرف‏,‏ فإن مات أحدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله‏,‏ أقام الحاكم مقامه أمينا لأن الموصي لم يرض بنظر هذا الباقي منهما وحده فإن أراد الحاكم رد النظر إلى الباقي منهما لم يكن له ذلك وذكر أصحاب الشافعي وجها في جوازه لأن النظر لو كان له لموت الموصي عن غير وصية كان له رده إلى واحد‏,‏ كذلك ها هنا فيكون ناظرا بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم ولنا‏,‏ أن الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة على نظر الحاكم واجتهاده وإن تغيرت حالهما جميعا بموت أو غيره فللحاكم أن ينصب مكانهما وهل له نصب واحد‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ له ذلك لأنه لما عدم الوصيان صار الأمر إلى الحاكم بمنزلة ما لم يوص ولو لم يوص لاكتفى بواحد‏,‏ كذا ها هنا ويفارق ما إذا كان أحدهما حيا لأن الموصي بين أنه لا يرضى بها وحده بخلاف ما إذا ماتا معا والثاني لا يجوز أن ينصب إلا اثنين لأن الموصي لم يرض بواحد‏,‏ فلم يقتنع به كما لو كان أحدهما حيا فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فمات أحدهما أو خرج من الوصية‏,‏ لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه أمينا لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة إلى غيره وإن ماتا معا أو خرجا عن الوصية‏,‏ فللحاكم أن يقيم واحدا يتصرف وإن تغيرت حال أحد الوصيين تغييرا لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة ونحو ذلك وكانا ممن لكل واحد منهما التصرف منفردا‏,‏ فليس للحاكم أن يضم إليهما أمينا لأن الباقي منهما يكفي إلا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه فله أن يقيم أمينا وإن كانا ممن ليس لأحدهما التصرف على الانفراد‏,‏ فعلى الحاكم أن يقيم مقام من ضعف عنها أمينا يتصرف معه على كل حال فيصيرون ثلاثة الوصيان والأمين معهما‏,‏ ولكل واحد منهم التصرف وحده‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما‏,‏ وجعل في مكان تحت أيديهما جميعا لأن الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال مالك‏:‏ يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي‏:‏ يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه اختلفوا في مراده بكلامه فقال بعضهم‏:‏ إنما أراد إذا كان كل واحد منهما موصى إليه على الانفراد وقال بعضهم‏:‏ بل هو عام فيهما ولنا‏,‏ أن حفظ المال من جملة الموصي به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف ولأنه لو جاز لكل واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه‏,‏ لجاز له أن ينفرد بالتصرف في بعضه‏.‏

فصل‏:‏

لا بأس بالدخول في الوصية فإن الصحابة رضي الله عنهم‏,‏ كان بعضهم يوصي إلى بعض فيقبلون الوصية فروي عن أبي عبيدة‏,‏ أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عثمان وابن مسعود والمقداد‏,‏ وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن ابن عمر أنه كان وصيا لرجل وفي وصية ابن مسعود‏:‏ إن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا‏,‏ أن مرجع وصيتي إلى الله سبحانه ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة والوكالة في الحياة وقياس مذهب أحمد أن ترك الدخول فيها أولى لما فيها من الخطر‏,‏ وهو لا يعدل بالسلامة شيئا ولذلك كان يرى ترك الالتقاط وترك الإحرام قبل الميقات أفضل‏,‏ تحريا للسلامة واجتنابا للخطر وقد روي حديث يدل على ذلك وهو ما روي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي ذر‏:‏ ‏(‏إني أراك ضعيفا‏,‏ وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم‏)‏ أخرجه مسلم‏.‏

فصل‏:‏

فإن مات رجل لا وصي له‏,‏ ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ أنه يجوز لرجل من المسلمين أن يتولى أمره‏,‏ ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه فإن صالحا نقل عنه في رجل بأرض غربة‏,‏ لا قاضي بها مات وخلف جواري وما لا أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك‏؟‏ فقال أما المنافع والحيوان فإن اضطروا إلى بيعه‏,‏ ولم يكن قاض فلا بأس وأما الجواري فأحب إلى أن يتولى بيعهن حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطا لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج‏,‏ وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شيء منه نص عليه أحمد فقال‏:‏ إذا كان في يده مال للمساكين‏,‏ وأبواب البر وهو يحتاج إليه فلا يأكل منه شيئا‏,‏ إنما أمر بتنفيذه وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي‏:‏ إذا قال الموصي‏:‏ جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت‏,‏ أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا لأنه يتناوله لفظ الموصي ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك‏,‏ أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق‏,‏ وقد فرق في من يستحق فأشبه ما لو دفع إلى أجنبي ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلا‏,‏ كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز له بيعها من نفسه‏.‏

فصل‏:‏

وإن وصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم‏,‏ فعنه روايتان إحداهما يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق بأجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده‏,‏ كما يدفع إلى بعض الورثة والأخرى يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئا مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان للمدين في يديه مال‏,‏ لم يملك استيفاءه مما في يديه كذا ها هنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا‏,‏ فللموصي أن يخرج الثلث كله مما في يديه لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس والرواية الثانية محمولة على ما إذا كان المال أجناسا فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس‏,‏ فليس له أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنه معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

إذا علم الوصي أن على الميت دينا إما بوصية الميت أو غيرها‏,‏ فقال أحمد‏:‏ لا يقضيه إلا ببينة قيل له‏:‏ فإن كان ابن الميت يصدقه‏؟‏ قال‏:‏ يكون ذلك في حصة من أقر بقدر حصته وقال في من استودع رجلا ألف درهم وقال‏:‏ إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان‏,‏ أو قال‏:‏ ادفعها إلى أجنبي فقال‏:‏ إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وإن دفعها إلى الآخر‏,‏ ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلا يقبل قوله عليهم‏,‏ وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولاية فلا يقبل قوله فيه‏,‏ ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان على كذا ينبغي للوصي أن ينفذه‏,‏ ولا يحل له إن لم ينفذه فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعا بين الروايتين‏,‏ وموافقة للدليل قيل لأحمد‏:‏ فإن علم الموصي إليه لرجل حقا على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي ليستحلفه أن مالي في يديك حق فقال‏:‏ لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية‏,‏ فإن أعطاه القاضي فهو أعلم فإن ادعى رجل دينا على الميت وأقام به بينة فهل يجوز للوصي قبولها‏,‏ وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم‏؟‏ فكلام أحمد يدل على روايتين إحداهما‏,‏ قال‏:‏ لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم البينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة له حجة وقال في موضع أخر‏:‏ إلا أن يثبت بينة عند الحاكم بذلك‏,‏ فأما إن صدقهم الورثة على ذلك قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن أعتق في مرضه أو بعد موته عبدين‏,‏ لا يملك غيرهما وقيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمائة‏,‏ فلم يجز الورثة أقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان‏,‏ عتق منه خمسة أسداسه وهو ثلث الجميع وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه لأن جميع ملك الميت خمسمائة درهم‏,‏ وهو قيمة العبدين فضرب في ثلاثة فأخذ ثلثه خمسمائة فأما إن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان‏,‏ ضربناه في ثلاثة فصيرناه ستمائة فصار العتق منه خمسة أسداسه وكذلك يفعل في الآخر إذا وقعت عليه القرعة وكل شيء يأتي من هذا الباب فسبيله أن يضرب في ثلاثة‏,‏ ليخرج بلا كسر‏]‏

هذه المسألة دالة على أحكام أربعة منها أن حكم العتق في مرض الموت حكم الوصية لا يجوز منه إلا ثلث المال إلا أن يجيزه الورثة وهذا قول جمهور الفقهاء ‏,‏ وحكي عن مسروق في من أعتق عبده في مرض موته ولا مال له غيره‏:‏ أجيزه برمته‏,‏ شيء جعله لله لا أرده وهذا قول شاذ يخالف الأثر والنظر فإنه قد صح ‏(‏عن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته‏,‏ لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقرع بينهم فأعتق اثنين‏,‏ وأرق أربعة وقال له قولا شديدا‏)‏ رواه مسلم وأبو داود ولأنه تبرع في مرض موته فأشبه سائر العطايا والصدقات الثاني أن العتق إذا كان في أكثر من واحد‏,‏ ولم يحملهم الثلث كملنا الثلث في واحد بالقرعة وإن كانوا جماعة كملنا العتق في بعضهم بالقرعة‏,‏ بدليل حديث عمران بن حصين المذكور الثالث أنه إذا لم يخرج من الثلث إلا جزء من عبد عتق ذلك الجزء خاصة‏,‏ ورق باقيه على ما سنذكره في العتق ـ إن شاء الله تعالى ـ الرابع‏,‏ إثبات القرعة ومشروعيتها بدليل حديث عمران وفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأعبد الذين أقرع بينهم فأما كيفية تكميل العتق فإن العبيد إن تساوت قيمتهم‏,‏ وكان لهم ثلث صحيح كستة أعبد قيمة كل اثنين منهم ثلث المال‏,‏ جعلنا كل اثنين منهم ثلثا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاللذان يقع لهما سهم الحرية يعتقان‏,‏ ويرق الآخرون وإن كان فيهم كسر كمسألة الخرقي أقرعت بين العبدين‏,‏ فأيهما وقعت عليه قرعة الحرية ضربت قيمته في ثلاثة أسهم فمهما بلغ نسبت إليه قيمة العبدين جميعا‏,‏ فمهما خرج بالنسبة فهو القدر الذي يعتق منه ففي هذه المسألة إذا وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان‏,‏ ضربتهما في ثلاثة صارت ستمائة ونسبت منها قيمة العبدين معا‏,‏ وهي خمسمائة تجدها خمسة أسداسها فيعتق منه خمسة أسداسه وإن وقعت على الآخر‏,‏ عتق خمسة أتساعه وتمام شرح ذلك يأتي في باب العتق ـ إن شاء الله تعالى ـ ‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ولم يسم العبد‏,‏ كان له أحدهم بالقرعة إذا كان يخرج من الثلث وإلا ملك منه بقدر الثلث‏]‏

وجملة ذلك‏,‏ أن الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه‏,‏ تصح وقد ذكرنا أن الوصية بالمجهول تصح فيما مضى وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له‏,‏ فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة ويشبه أن يكون قول إسحاق ونقل ابن منصور أنه يعطي أحسنهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا من العبيد وهو قول الشافعي وقال مالك قولا يقتضي أنه إذا أوصى بعبد‏,‏ وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وإن كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال‏:‏ إذا أوصى بعشر من إبله‏,‏ وهي مائة يعطي عشرها والنخل‏,‏ والرقيق والدواب على ذلك والصحيح أنه يعطي عشرة بالعدد لأنه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضي‏,‏ فلا يعدل عنه ولكن يعطي واحدا بالقرعة لأنه يستحق واحدا غير معين فليس واحد بأولى من واحد‏,‏ فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم وعلى ما نقل ابن منصور يعطيه الورثة من عبيده ما شاءوا‏,‏ من صحيح أو معيب جيد أو رديء لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه إلى عبيده وإن لم يكن له إلا عبد واحد تعينت الوصية فيه وكذلك إن كان له عبيد فماتوا كلهم إلا واحدا‏,‏ تعينت الوصية فيه لتعذر تسليم الباقي وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي أو قتلوا‏,‏ بطلت الوصية لأنها إنما تلزم بالموت ولا رقيق له حينئذ وإن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت الوصية لأن التركة عند الورثة غير مضمونة لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم وإن قتلهم قاتل‏,‏ فللموصي له قيمة أحدهم مبنيا على الروايتين في من يستحقه منهم في الحياة ولو قال‏:‏ أوصيت لك بعبد من عبيدي ولا عبيد له لم تصح الوصية لأنه أوصى له بلا شيء‏,‏ فهو كما لو قال‏:‏ أوصيت لك بما في كيسي ولا شيء فيه أو بداري ولا دار له فإن اشترى قبل موته عبيدا‏,‏ احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فلم تصح كما لو قال‏:‏ أوصيت لك بما في كيسي ولا شيء فيه ثم جعل في كيسه شيئا ولأن الوصية تقتضي عبدا من الموجودين له حال الوصية ويحتمل أن تصح‏,‏ كما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه أو وصى له بثلث عبيده‏,‏ ثم ملك عبيدا آخرين وقد روى ابن منصور عن أحمد في رجل قال في مرضه‏:‏ اعطوا فلانا من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شيء يعطي مائة درهم فلم تبطل الوصية لأنه قصد إعطاءه مائة درهم‏,‏ وظنها في الكيس فإذا لم تكن في الكيس أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده‏,‏ إذا لم يكن له عبيد أن يشتري له من تركته عبد ويعطي إياه‏.‏