فصل: فصل: إذا أبق العبد فحصل في يد حاكم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

ويجوز أخذ الآبق لمن وجده وبهذا قال مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده‏,‏ واشتغاله بالفساد في سائر البلاد بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها فإذا أخذه فهو أمانة في يده إن تلف بغير تفريطه‏,‏ فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا أقام به البينة‏,‏ أو اعترف العبد أنه سيده وإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه‏,‏ أو يبيعه إن رأى المصلحة في بيعه ونحو ذلك قال مالك وأصحاب الرأي‏,‏ ولا نعلم فيه مخالفا وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد ينحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد‏,‏ في قول عامة أهل العلم منهم أبو حنيفة والشافعي وإن باعه الإمام لمصلحة رآها في بيعه فجاء سيده فاعترف أنه كان أعتقه‏,‏ قبل منه لأنه لا يجر إلى نفسه بهذا نفعا ولا يدفع عنها ضررا ويحتمل أن لا يقبل لأنه ملك لغيره فلا يقبل إقراره في ملك غيره‏,‏ كما لو باعه السيد ثم أقر بعتقه فعلى هذا ليس لسيده أخذ ثمنه لأنه يقر أنه حر ولا يستحق ثمنه ولكن يؤخذ إلى بيت المال لأنه لا مستحق له فهو كتركة من مات ولا وارث له فإن عاد السيد فأنكر العتق‏,‏ وطلب المال دفع إليه لأنه مال لا منازع له فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أبق العبد فحصل في يد حاكم‏,‏ فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذي صفته كذا وكذا واستقصى صفاته عبد فلان بن فلان أبق منه‏,‏ فقبل الحاكم بينته وكتب الحاكم إلى الحاكم الذي عنده العبد‏:‏ ثبت عندي إباق فلان الذي صفته كذا وكذا قبل كتابه وسلم إليه العبد وهذا قول أبي يوسف‏,‏ وأحد قولي الشافعي إلا أن أبا يوسف قال‏:‏ يأخذ به كفيلا لأن البينة أثبتته بصفاته كما ثبت في الذمة بوصفه في السلم وقال أبو حنيفة‏,‏ ومحمد‏:‏ لا يجب تسليمه لأنهم لا يشهدون على عينه وإنما يشهدون بالصفات وقد تتفق الصفات مع اختلاف الأعيان‏,‏ ويفارق المسلم فيه فإن الواجب أقل ما يوجد منه الصفة وهو غير معين ولنا أنه يقبل كتاب الحاكم إلى الحاكم على شخص غائب‏,‏ ويؤخذ المحكوم عليه بالحق وليس ثم شهادة على عين وإنما يؤخذ المحكوم عليه باسمه ونسبه وصفته‏,‏ فكذا ها هنا إذا ثبت وجوب تسليمه فإن الحاكم الذي يسلمه يختم في عنقه خيطا ضيقا لا يخرج من رأسه‏,‏ ويدفعه إلى المدعي أو وكيله ليحمله إلى الحاكم الكاتب ليشهد الشهود على عينه‏,‏ فإن شهدوا بعينه سلم إلى مدعيه وإن لم يشهدوا وجب رده إلى الحاكم الأول‏,‏ ويكون في ضمان الذي أخذه لأنه أخذه بغير استحقاق‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان التقطها قبل ذلك فردها لعلة الجعل لم يجز له أخذه‏]‏

إنما كان كذلك لأنه إذا التقطها قبل أن يبلغه الجعل‏,‏ فقد التقطها بغير عوض وعمل في مال غيره بغير جعل فلا يستحق شيئا‏,‏ كما لو التقطها ولم يجعل ربها فيها شيئا وفارق الملتقط بعد بلوغه الجعل فإنه إنما بذل منافعه بعوض جعل له فاستحقه كالأجير إذا عمل بعد العقد وسواء كان التقاطه لها بعد الجعل أو قبله لما ذكرنا ولا يستحق أخذ الجعل بردها لأن الرد واجب عليه من غير عوض‏,‏ فلم يجز أخذ العوض عن الواجب كسائر الواجبات وإنما يأخذه الملتقط في موضع يجوز له أخذه عوضا عن الالتقاط المباح إذا ثبت هذا فإن ملتقطها قبل أن يبلغه الجعل لا يستحق شيئا‏,‏ سواء ردها لعلة الجعل أو لغيره لأنه إذا لم يستحقه مع قصده إياه وعمله من أجله فلأن لا يستحقه مع عدم ذلك أولى وإنما ذكر الخرقي ردها لعلة الجعل‏,‏ إن شاء الله لينبه به على عدم استحقاقه فيما إذا ردها لغير علته ولأن الحاجة إنما تدعو إلى معرفة الحكم في من يريد الجعل‏,‏ أما من تركه ولا يريده فلا يقع التنازع فيه غالبا والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان الذي وجد اللقطة سفيها أو طفلا قام وليه بتعريفها‏,‏ فإن تمت السنة ضمها إلى مال واجدها‏]‏

وجملة ذلك أن الصبي والمجنون والسفيه إذا التقط أحدهم لقطة‏,‏ ثبتت يده عليها لعموم الأخبار ولأن هذا تكسب فصح منه‏,‏ كالاصطياد والاحتطاب وإن تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنه أخذ ما له أخذه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه‏,‏ لزمه أخذها لأنه ليس من أهل الحفظ والأمانة فإن تركها في يده ضمنها لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبي وهذا يتعلق به حقه فإذا تركها في يده كان مضيعا لها‏,‏ وإذا أخذها الولى عرفها لأن واجدها ليس من أهل التعريف فإذا انقضت مدة التعريف‏,‏ دخلت في ملك واجدها لأن سبب الملك تم شرطه فيثبت الملك له كما لو اصطاد صيدا وهذا مذهب الشافعي‏,‏ إلا أن أصحابه قالوا‏:‏ إذا انقضت مدة التعريف فكأن الصبي والمجنون بحيث يستقرض لهما يتملكه لهما‏,‏ وإلا فلا وقال بعضهم‏:‏ يتملكه لهما بكل حال لأن الظاهر عدم ظهور صاحبه فيكون تملكه مصلحة له ولنا عموم الأخبار ولو جرى هذا مجرى الاقتراض لما صح التقاط صبي لا يجوز الاقتراض له لأنه يكون تبرعا بحفظ مال غيره من غير فائدة‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏,‏ في رواية العباس بن موسى في غلام له عشر سنين التقط لقطة‏,‏ ثم كبر‏:‏ فإن وجد صاحبها دفعها إليه وإلا تصدق بها قد مضى أجل التعريف فيما تقدم من السنين ولم ير عليه استقبال أجل التعريف قال‏:‏ وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في انقضاء أجل التعريف إذا لم يجد صاحبها‏:‏ أيتصدق بمال الغير‏؟‏‏,‏ وهذه المسألة‏:‏ قد مضى نحوها فيما إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها فإنه لا يملكها وإن عرفها فيما بعد ذلك لأن التعريف بعده لا يفيد ظاهرا لكون صاحبها يئس منها‏,‏ وترك طلبها وهذه المسألة‏:‏ تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر كان كتركه لغير عذر لكون الصبي من أهل العذر وقد ذكرنا في هذا وجهين فيما تقدم وقال أحمد‏,‏ في غلام لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى منزله‏,‏ فضاعت فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها‏:‏ تصدق بها‏,‏ وإن لم يجد عشرة وكان يجحف به تصدق قليلا قليلا قال القاضي‏:‏ معنى هذا أنها تلفت بتفريط الصبي‏,‏ وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وجد العبد لقطة فله أخذها بغير إذن سيده ويصح التقاطه وبهذا قال أبو حنيفة‏,‏ وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ لا يصح التقاطه لأن اللقطة في الحول الأول أمانة ولاية في الثاني تملك والعبد ليس من أهل الولايات ولا الملك ولنا عموم الخبر‏,‏ ولأن الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصح منه فصح من العبد كالاحتطاب والاصطياد‏,‏ ولأن من جاز له قبول الوديعة صح منه الالتقاط كالحر وقولهم‏:‏ إن العبد ليس من أهل الولايات والأمانات يبطل بالصبي والمجنون‏,‏ فإنهما أدنى حالا منه في هذا وقولهم‏:‏ إن العبد لا يملك ممنوع وإن سلمنا فإنه يتملك لسيده‏,‏ كما يحصل بسائر الاكتساب ولأن الالتقاط تخليص مال من الهلاك فجاز من العبد بغير إذن سيده‏,‏ كإنقاذ المال الغريق والمغصوب إذا ثبت هذا فإن التقط العبد لقطة كانت أمانة في يده إن تلفت بغير تفريط في حول التعريف‏,‏ لم يضمن وإن تلفت بتفريط أو إتلاف وجب ضمانها في رقبته‏,‏ كسائر جناياته وإن عرفها صح تعريفه لأن له قولا صحيحا‏,‏ فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف‏,‏ ملكها سيده لأن الالتقاط كسب العبد وكسبه لسيده وإن علم السيد بلقطة عبده كان له انتزاعها منه لأنها من كسب العبد‏,‏ وللسيد انتزاع كسبه من يده فإذا انتزعها بعد أن عرفها العبد ملكها وإن كان لم يعرفها‏,‏ عرفها سيده حولا كاملا وإن كان العبد قد عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه فإن اختار السيد إقرارها في يد عبده‏,‏ نظرت فإن كان العبد أمينا جاز وكان السيد مستعينا بعبده في حفظها كما يستعين به في حفظ ماله‏,‏ وإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطا بإقرارها في يده ولزمه ضمانها‏,‏ كما لو أخذها من يده ثم ردها إليه لأن يد العبد كيده وما يستحق بها فهو لسيده وإن أعتق السيد عبده بعد الالتقاط فله انتزاع اللقطة من يده لأنها من كسبه‏,‏ وأكسابه لسيده ومتى علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه وتسليمها إلى الحاكم‏,‏ ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان فإن أعلم سيده بها فلم يأخذها منه‏,‏ أو أخذها فعرفها وأدى الأمانة فيها فتلفت في الحول الأول بغير تفريطه فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف بتفريط من أحدهما وإن لم يؤد الأمانة فيها‏,‏ وجب ضمانها ويتعلق الضمان برقبة العبد وذمة السيد جميعا لأن التفريط حصل منهما جميعا‏.‏

فصل‏:‏

والمكاتب كالحر في اللقطة لأن المال له في الحال وأكسابه له دون سيده‏,‏ واللقطة من أكسابه فإن عجز عاد عبدا وصار حكمه في اللقطة حكم العبد‏,‏ على ما مر بيانه وأم الولد والمعلق عتقه بصفة والمدبر كالقن ومن نصفه حر إذا التقط شيئا‏,‏ ولم يكن بينه وبين سيده مهايأة فهو بينهما بعد التعريف نصفين كسائر أكسابه‏,‏ وهي بينهما في حول التعريف كالحرين إذا التقطا لقطة وإن كان بينهما مهايأة ففيها وجهان أحدهما لا تدخل في المهايأة لأنها كسب نادر‏,‏ لا يعلم وجوده ولا يظن فلم تدخل في المهايأة وتكون بينهما والثاني‏:‏ تدخل في المهايأة لأنها من كسبه‏,‏ فأشبهت سائر أكسابه فإن وجدها في يومه فهي له وإن وجدها في يوم سيده فهي له‏,‏ وإن كان العبد مشتركا بين اثنين فلقطته بينهما على ما ذكرنا في من بعضه حر وبعضه رقيق‏.‏

فصل‏:‏

والذمي في الالتقاط كالمسلم ومن أصحاب الشافعي من قال‏:‏ ليس له الالتقاط في دار الإسلام لأنه ليس من أهل الأمانة ولنا أنها نوع اكتساب‏,‏ فكان من أهلها كالحش والاحتطاب وما ذكروه يبطل بالصبى والمجنون فإنه يصح التقاطهما‏,‏ مع عدم الأمانة إذا ثبت هذا فإنه إن عرف اللقطة حولا كاملا ملكها كالمسلم‏,‏ وإن علم بها الحاكم أو السلطان أقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا يشرف عليه ويعرفها لأننا لا نأمن الكافر على تعريفها‏,‏ ولا نأمنه أن يخل في التعريف بشيء من الواجب عليه فيه وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط ويحتمل أن تنزع من يد الذمي‏,‏ وتوضع على يد عدل لأنه غير مأمون عليها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ء‏[‏وإذا وجد الشاة بمصر أو بمهلكة فهي لقطة‏]‏

يعني أنه يباح أخذها والتقاطها‏,‏ وحكمها إذا أخذها حكم الذهب والفضة في التعريف والملك بعده هذا الصحيح من مذهب أحمد وقول أكثر أهل العلم قال ابن عبد البر‏:‏ أجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها‏,‏ وكذلك الحكم في كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع وهي الثعلب وابن آوى‏,‏ والذئب وولد الأسد ونحوها فما لا يمتنع منها كفصلان الإبل‏,‏ وعجول البقر وأفلاء الخيل والدجاج‏,‏ والإوز ونحوها يجوز التقاطه ويروى عن أحمد رواية أخرى ليس لغير الإمام التقاطها وقال الليث بن سعد‏:‏ لا أحب أن يقربها‏,‏ إلا أن يحوزها لصاحبها لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا يؤوي الضالة إلا ضال‏)‏ ولأنه حيوان أشبه الإبل ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لما سئل عن الشاة‏:‏ خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب‏)‏ متفق عليه ولأنه يخشى عليه التلف والضياع فأشبه لقطة غير الحيوان‏,‏ وحديثنا أخص من حديثهم فنخصه به والقياس على الإبل لا يصح فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاءها‏,‏ وهذا معدوم في الغنم ثم قد فرق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهما في خبر واحد فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما‏,‏ ولا قياس ما أمر بالتقاطه على ما منع ذلك فيه إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يجدها بمصر أو بمهلكة وقال مالك وأبو عبيد‏,‏ وابن المنذر في الشاة توجد في الصحراء‏:‏ اذبحها وكلها وفي المصر‏:‏ ضمها حتى يجدها صاحبها لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏هي لك أو لأخيك أو للذئب‏)‏ والذئب لا يكون في المصر ولنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏"‏ خذها ‏"‏ ولم يفرق‏,‏ ولم يستفصل ولو افترق الحال لسأل واستفصل ولأنها لقطة‏,‏ فاستوى فيها المصر والصحراء كسائر اللقطات وقولهم‏:‏ إن الذئب لا يكون إلا في الصحراء قلنا‏:‏ كونها للذئب في الصحراء لا يمنع كونها لغيره في المصر إذا ثبت هذا فإنه متى عرفها حولا كاملا‏,‏ ملكها وذكر القاضي وأبو الخطاب عن أحمد‏,‏ رواية أخرى أنه لا يملكها ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏هي لك أو لأخيك‏)‏ فأضافها إليه فاللام التمليك ولأنها يباح التقاطها‏,‏ فملكت بالتعريف كالأثمان ولأن ذلك إجماع‏,‏ حكاه ابن عبد البر‏.‏