فصل: فصل‏:‏ كراهة الجلوس للتعزية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

قال أبو الخطاب‏:‏ يكره الجلوس للتعزية وقال ابن عقيل‏:‏ يكره الاجتماع بعد خروج الروح لأن فيه تهييجا للحزن وقال أحمد‏:‏ أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزى إذا دفن الميت‏,‏ أو قبل أن يدفن وقال‏:‏ إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئت لم تأخذ وإذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزاه ولم يترك حقا لباطل‏,‏ وإن نهاه فحسن‏.‏

مسألة‏:‏

‏[‏قال‏:‏ والبكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة‏]‏ أما البكاء بمجرده فلا يكره في حال وقال الشافعي‏:‏ يباح إلى أن تخرج الروح ويكره بعد ذلك لما روى عبد الله بن عتيك قال‏:‏ ‏(‏جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عبد الله بن ثابت يعوده‏,‏ فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع وقال‏:‏ غلبنا عليك أبا الربيع فصاح النسوة‏,‏ وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية‏)‏ يعني إذا مات ولنا‏,‏ ما روى أنس قال‏:‏ ‏(‏شهدنا بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان‏)‏ ‏(‏وقبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عثمان بن مظعون وهو ميت‏,‏ ورفع رأسه وعيناه تهراقان‏)‏ وقال أنس‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب‏,‏ ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتذرفان‏)‏ وقالت عائشة‏:‏ دخل أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقبله ثم بكى وكلها أحاديث صحاح وروى الأموي‏,‏ في ‏"‏المغازي‏"‏ عن عائشة أن سعد بن معاذ لما مات‏,‏ جعل أبو بكر وعمر ينتحبان حتى اختلطت على أصواتهما وروي ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل على سعد بن عبادة وهو في غاشيته‏,‏ فبكى وبكى أصحابه وقال‏:‏ ألا تسمعون‏؟‏ إن الله لا يعذب بدمع العين‏,‏ ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم‏)‏ وعنه عليه السلام ‏(‏أنه دخل على ابنه إبراهيم‏,‏ وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف‏:‏ وأنت يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى‏,‏ فقال‏:‏ إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا‏,‏ وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون‏)‏ متفق عليهما وحديثهم محمول على رفع الصوت والندب وشبههما بدليل ما روى جابر ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ ابنه فوضعه في حجره‏,‏ فبكى فقال له عبد الرحمن بن عوف‏:‏ أتبكي‏؟‏ أو لم تكن نهيت عن البكاء‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة‏,‏ وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وهذا يدل على أنه لم ينه عن مطلق البكاء‏,‏ وإنما نهى عنه موصوفا بهذه الصفات وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ما على نساء بني المغيرة أن يبكين على أبى سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة قال أبو عبيد‏:‏ اللقلقة‏:‏ رفع الصوت والنقع‏:‏ التراب يوضع على الرأس‏.‏

فصل‏:‏

وأما الندب فهو تعداد محاسن الميت‏,‏ وما يلقون بفقده بلفظ النداء إلا أنه يكون بالواو مكان الياء وربما زيدت فيه الألف والهاء مثل قولهم‏:‏ وارجلاه واجبلاه‏,‏ وانقطاع ظهراه وأشباه هذا والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب‏,‏ وضرب الخدود والدعاء بالويل والثبور فقال بعض أصحابنا‏:‏ هو مكروه ونقل حرب عن أحمد كلاما فيه احتمال إباحة النوح والندب واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة بن الأسقع‏,‏ وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان وقال أحمد‏:‏ إذا ذكرت المرأة مثل ما حكى عن فاطمة في مثل الدعاء‏,‏ لا يكون مثل النوح يعني لا بأس به وروى البخاري بإسناده عن فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت‏:‏ يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه‏,‏ إلى جبريل أنعاه يا أبتاه أجاب ربا دعاه وروي عن علي‏,‏ ـ رضي الله عنه ـ أن فاطمة ـ رضي الله عنه ـا أخذت قبضة من تراب قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوضعتها على عينها ثم قالت‏:‏

ماذا على مشتم تربة أحمد **

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت على مصيبة لو أنها

** صبت على الأيام عدن لياليا

وظاهر الأخبار تدل على تحريم النوح وهذه الأشياء المذكورة لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عنها في حديث جابر لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يعصينك في معروف}‏ [الممتحنة: 12]. قال أحمد‏:‏ هو النوح ‏(‏ولعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النائحة والمستمعة‏)‏ وقالت أم عطية‏:‏ ‏(‏أخذ علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند البيعة أن لا ننوح‏)‏ متفق عليه وعن أبي موسى‏,‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ برئ من الصالقة والحالقة والشاقة والصالقة‏:‏ التي ترفع صوتها وعن ابن مسعود‏,‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية‏)‏ متفق عليه ولأن ذلك يشبه التظلم والاستغاثة والسخط بقضاء الله‏,‏ وفي بعض الآثار‏:‏ إن أهل البيت إذا دعوا بالويل والثبور وقف ملك الموت في عتبة الباب وقال‏:‏ إن كانت صيحتكم على فإني مأمور‏,‏ وإن كانت على ميتكم فإنه مقبور وإن كانت على ربكم فالويل لكم والثبور وإن لي فيكم عودات ثم عودات وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إذا حضرتم الميت‏,‏ فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

وقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه‏)‏ وروى ذلك عمر وابنه والمغيرة وهي أحاديث متفق عليها واختلف أهل العلم في معناها‏,‏ فحملها قوم على ظواهرها وقالوا‏:‏ يتصرف الله في خلقه بما شاء وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ما من ميت يموت‏,‏ فيقوم باكيهم فيقول‏:‏ واجبلاه واسنداه ونحو ذلك‏,‏ إلا وكل الله به ملكين يلهزانه‏:‏ أهكذا كنت‏؟‏‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وروى النعمان بن بشير قال‏:‏ أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي‏,‏ وتقول‏:‏ وا جبلاه وا كذا وا كذا تعدد عليه فقال حين أفاق‏:‏ ما قلت لي شيئا إلا قيل لي‏:‏ أنت كذلك‏؟‏ فلما مات لم تبك عليه أخرجه البخاري وأنكرت عائشة ـ رضي الله عنه ـا حملها على ظاهرها‏,‏ ووافقها ابن عباس قال ابن عباس‏:‏ ذكرت ذلك لعائشة فقالت‏:‏ يرحم الله عمر والله ما حدث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه‏)‏ ولكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه‏)‏ وقالت‏:‏ حسبكم القرآن‏:‏ ‏{‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ [الأنعام: 164]. قال ابن عباس عند ذلك‏:‏ والله أضحك وأبكى وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه‏,‏ فما قال شيئا رواه مسلم وحمله قوم على من كان النوح سنته ولم ينه أهله لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قوا أنفسكم وأهليكم نارا}‏ [التحربم: 6]. وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‏)‏ وحمله آخرون على من أوصى بذلك في حياته‏,‏ كقول طرفة‏:‏

إذا مت فانعينى بما أنا أهله ** وشقى على الجيب يا ابنة معبد

وقال آخر‏:‏

من كان من أمهاتى باكيا أبدا ** فاليوم إني أرانى اليوم مقبوضا

يسمعننيه فإنى غير سامعه ** إذا جعلت على الأعناق معروضا

ولا بد من حمل البكاء في هذه الأحاديث على البكاء غير المشروع وهو الذي معه ندب ونياحة ونحو هذا بدليل ما قدمناه من الأحاديث في صدر المسألة‏.‏

فصل‏:‏

وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى‏,‏ ويتعزى بعزائه ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة ويتنجز ما وعد الله به الصابرين‏,‏ حيث يقول سبحانه‏:‏ ‏{‏وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون‏}‏ [البقرة: 155]. وروى مسلم في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ عن أم سلمة ـ رضي الله عنه ـا قالت‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏ما من عبد تصيبه مصيبة‏,‏ فيقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته‏,‏ وأخلف له خيرا منها‏)‏ قالت‏:‏ فلما مات أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخلف لي خيرا منه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليحذر أن يتكلم بشيء يحبط أجره‏,‏ ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة فإن الله عدل لا يجور‏,‏ وله ما أخذ وله ما أعطي وهو الفعال لما يريد فلا يدعو على نفسه‏,‏ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لما مات أبو سلمة‏:‏ ‏(‏لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون‏)‏ ويحتسب ثواب الله تعالى ويحمده لما روى أبو موسى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا مات ولد العبد‏,‏ قال الله تعالى لملائكته‏:‏ قبضتم ولد عبدي‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم فيقول‏:‏ قبضتم ثمرة فؤاده‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم فيقول‏:‏ ماذا قال عبدي‏؟‏ فيقولون‏:‏ حمدك واسترجع فيقول‏:‏ ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏ولا بأس أن يصلح لأهل الميت طعاما‏,‏ يبعث به إليهم ولا يصلحون هم طعاما يطعمون الناس‏)‏ وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم‏,‏ إعانة لهم وجبرا لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم وقد روى أبو داود في ‏"‏ سننه ‏"‏‏,‏ بإسناده عن عبد الله بن جعفر قال‏:‏ لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم‏)‏ وروي عن عبد الله بن أبي بكر‏,‏ أنه قال‏:‏ فمازالت السنة فينا حتى تركها من تركها فأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم‏,‏ وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية وروي أن جريرا وفد على عمر فقال‏:‏ هل يناح على ميتكم‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فهل يجتمعون عند أهل الميت‏,‏ ويجعلون الطعام‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ ذاك النوح وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة ويبيت عندهم ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏والمرأة إذا ماتت‏,‏ وفي بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها ويسطو عليه القوابل‏,‏ فيخرجنه‏)‏ معنى ‏"‏يسطو القوابل‏"‏ أن يدخلن أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه والمذهب أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها مسلمة كانت أو ذمية‏,‏ وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليه وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن ومذهب مالك‏,‏ وإسحاق قريب من هذا ويحتمل أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن أن الجنين يحيا وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي‏,‏ فجاز كما لو خرج بعضه حيا ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق‏,‏ ولأنه يشق لإخراج المال منه فلإبقاء الحي أولى ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة‏,‏ ولا يتحقق أنه يحيا فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم وقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏كسر عظم الميت ككسر عظم الحي‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وفيه مثلة وقد ‏(‏نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المثلة‏)‏ وفارق الأصل فإن حياته متيقنة وبقاءه مظنون‏,‏ فعلى هذا إن خرج بعض الولد حيا ولم يمكن إخراجه إلا بشق شق المحل‏,‏ وأخرج لما ذكرنا وإن مات على تلك الحال فأمكن إخراجه أخرج وغسل وإن تعذر غسله ترك‏,‏ وغسلت الأم وما ظهر من الولد وما بقي ففي حكم الباطن لا يحتاج إلى التيمم من أجله لأن الجميع كان في حكم الباطن‏,‏ فظهر البعض فتعلق به الحكم وما بقي فهو على ما كان عليه ذكر هذا ابن عقيل وقال‏:‏ هي حادثة سئلت عنها‏,‏ فأفتيت فيها‏.‏

فصل‏:‏

وإن بلع الميت مالا لم يخل من أن يكون له أو لغيره فإن كان له لم يشق بطنه لأنه استهلكه في حياته‏,‏ ويحتمل أنه إن كان يسيرا ترك وإن كثرت قيمته شق بطنه وأخرج لأن فيه حفظ المال عن الضياع‏,‏ ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله بمرضه وإن كان المال لغيره وابتلعه بإذنه فهو كماله لأن صاحبه أذن في إتلافه وإن بلعه غصبا ففيه وجهان‏:‏ أحدهما‏,‏ لا يشق بطنه ويغرم من تركته لأنه إذا لم يشق من أجل الولد المرجو حياته فمن أجل المال أولى والثاني‏,‏ يشق إن كان كثيرا لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه وعن الميت بإبراء ذمته وعن الورثة بحفظ التركة لهم ويفارق الجنين من وجهين‏:‏ أحدهما‏,‏ أنه لا يتحقق حياته والثاني أنه ما حصل بجنايته فعلى هذا الوجه الأول إذا بلي جسده وغلب على الظن ظهور المال‏,‏ وتخلصه من أعضاء الميت جاز نبشه وإخراجه وقد روى أبو داود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إن هذا قبر أبي رغال‏,‏ وآية ذلك أن معه غصنا من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه‏)‏ فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن ولو كان في أذن الميت حلق‏,‏ أو في أصبعه خاتم أخذ فإن صعب أخذه برد وأخذ لأن تركه تضييع للمال‏.‏

فصل‏:‏

وإن وقع في القبر ما له قيمة‏,‏ نبش وأخرج قال أحمد‏:‏ إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها وقال في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس والدراهم‏:‏ ينبش قال‏:‏ إذا كان له قيمة يعني ينبش قيل‏:‏ فإن أعطاه أولياء الميت‏؟‏ قال‏:‏ إن أعطوه حقه أي شيء يريد‏,‏ وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال‏:‏ خاتمى ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه فكان يقول‏:‏ أنا أقربكم عهدا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

فصل‏:‏

وإن دفن من غير غسل‏,‏ أو إلى غير القبلة نبش وغسل‏,‏ ووجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك وهذا قول مالك‏,‏ والشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة‏:‏ لا ينبش لأن النبش مثلة وقد نهى عنها ولنا‏,‏ أن الصلاة تجب ولا تسقط بذلك كإخراج ما له قيمة وقولهم‏:‏ إن النبش مثلة قلنا‏:‏ إنما هو مثلة في حق من يقبر ولا ينبش‏.‏

فصل‏:‏

وإن دفن قبل الصلاة فعن أحمد أنه ينبش‏,‏ ويصلى عليه وعنه أنه إن صلى على القبر جاز واختار القاضي أنه يصلى على القبر ولا ينبش وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏صلى على قبر المسكينة ولم ينبشها‏)‏ ووجه الأول أنه دفن قبل واجب فنبش‏,‏ كما لو دفن من غير غسل وإنما يصلى على القبر عند الضرورة وأما المسكينة فقد كانت صلى عليها ولم تبق الصلاة عليها واجبة‏,‏ فلم تنبش لذلك فأما إن تغير الميت لم ينبش بحال‏.‏

فصل‏:‏

وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان‏:‏ أحدهما يترك لأن القصد بالكفن ستره‏,‏ وقد حصل ستره بالتراب والثاني ينبش ويكفن لأن التكفين واجب فأشبه الغسل وإن كفن بثوب مغصوب‏,‏ فقال القاضي‏:‏ يغرم قيمته من تركته ولا ينبش لما فيه من هتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها ويحتمل أن ينبش إذا كان الكفن باقيا بحاله ليرد إلى مالكه عن ماله‏,‏ وإن كان باليا فقيمته من تركته فإن دفن في أرض غصب أو أرض مشتركة بينه وبين غيره بغير إذن شريكه نبش وأخرج لأن القبر في الأرض يدوم ضرره‏,‏ ويكثر بخلاف الكفن وإن أذن المالك في الدفن في أرضه ثم أراد إخراجه‏,‏ لم يملك ذلك لأن في ذلك ضررا وإن بلي الميت وعاد ترابا فلصاحب الأرض أخذها وكل موضع أجزنا نبشه لحرمة ملك الآدمي‏,‏ فالمستحب تركه احتراما للميت‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ تكره الصلاة ـ يعني على الميت ـ في ثلاثة أوقات‏:‏ عند طلوع الشمس ونصف النهار وعند غروب الشمس وذكر حديث عقبة بن عامر‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهانا أن نصلي فيهن‏,‏ أو نقبر فيهن موتانا‏:‏ حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى يميل وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب‏)‏ رواه مسلم ومعنى تتضيف‏:‏ أي تجنح وتميل للغروب‏,‏ من قولك‏:‏ تضيفت فلانا‏:‏ إذا ملت إليه قال ابن المبارك‏:‏ معنى أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة قيل لأحمد‏:‏ الشمس على الحيطان مصفرة‏؟‏ قال‏:‏ يصلي عليها ما لم تدل للغروب فلا وتجوز الصلاة على الميت في غير هذه الأوقات روي ذلك عن ابن عمر وعطاء‏,‏ والنخعي والأوزاعي والثوري‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن أحمد أن ذلك جائز وهو قول للشافعي قياسا على ما بعد الفجر والعصر والأول أصح لحديث عقبة بن عامر‏,‏ ولا يصح القياس على الوقتين الآخرين لأن مدتهما تطول فيخاف على الميت فيهما ويشق انتظار خروجهما‏,‏ بخلاف هذه وكره أحمد أيضا دفن الميت في هذه الأوقات لحديث عقبة فأما الصلاة على القبر والغائب فلا يجوز في شيء من أوقات النهي لأن علة تجويزها على الميت معللة بالخوف عليه‏,‏ وقد أمن ذلك ها هنا فيبقى على أصل المنع والعمل بعموم النهي

فصل‏:‏

فأما الدفن ليلا‏,‏ فقال أحمد‏:‏ وما بأس بذلك وقال‏:‏ أبو بكر دفن ليلا وعلى دفن فاطمة ليلا وحديث عائشة‏:‏ كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وممن دفن ليلاً‏:‏ عثمان‏,‏ وعائشة وابن مسعود ورخص فيه عقبة بن عامر وسعيد بن المسيب‏,‏ وعطاء والثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وكرهه الحسن لما روى مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض‏,‏ فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك‏)‏ وقد روي عن أحمد أنه قال‏:‏ إليه أذهب ولنا‏,‏ ما روى ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏والله لكأني أسمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك وهو في قبر ذي النجادين‏,‏ وأبو بكر وعمر وهو يقول‏:‏ أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة‏:‏ اللهم إني أمسيت عنه راضيا‏,‏ فارض عنه وكان ذلك ليلا قال‏:‏ فوالله لقد رأيتني ولوددت إني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة‏,‏ وأخذه من قبل القبلة‏)‏ رواه الخلال في ‏"‏جامعه‏"‏ وروى ابن عباس ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج‏,‏ فأخذ من قبل القبلة وقال‏:‏ رحمك الله إن كنت لأواها‏,‏ تلاء للقرآن‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وروي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏سأل عن رجل فقال‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ فلان دفن البارحة فصلى عليه‏)‏ أخرجه البخاري فلم ينكر عليهم‏,‏ ولأنه أحد الآيتين فجاز الدفن فيه كالنهار وحديث الزجر محمول على الكراهة والتأديب فإن الدفن نهارا أولى لأنه أسهل على متبعها‏,‏ وأكثر للمصلين عليها وأمكن لإتباع السنة في دفنه وإلحاده‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد‏:‏ لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهده من شاء‏,‏ قد ترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة على أقل من هذا الدين والغلول وقاتل نفسه وقال‏:‏ لا يصلى على الرافضي وقال أبو بكر بن عياش‏:‏ لا أصلي على رافضي‏,‏ ولا حروري وقال الفريابي‏:‏ من شتم أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه قيل له‏:‏ فكيف نصنع به وهو يقول‏:‏ لا إله إلا الله‏؟‏ قال‏:‏ لا تمسوه بأيديكم‏,‏ ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته وقال أحمد‏:‏ أهل البدع لا يعادون إن مرضوا ولا تشهد جنائزهم إن ماتوا وهذا قول مالك قال ابن عبد البر‏:‏ وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله‏:‏ عليه السلام ‏(‏صلوا على من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله‏)‏ ولنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏ترك الصلاة بأدون من هذا‏,‏ فأولى أن نترك الصلاة به‏)‏ وروى ابن عمر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر فإن مرضوا فلا تعودوهم‏,‏ وإن ماتوا فلا تشهدوهم‏)‏ رواه الإمام أحمد‏.‏