فصل: مسألة: حكم ما لو قال لأمته‏:‏ أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا كان له ثلاثة أعبد فأعتقهم في مرض موته أو دبرهم‏,‏ أو دبر أحدهم وأوصى بعتق الآخرين ولم يخرج من ثلثه إلا واحد لتساوي قيمتهم‏,‏ أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن وقع لهم سهم الحرية عتق دون صاحبيه ‏]‏

وجملة ذلك أن العتق في مرض الموت‏,‏ والتدبير والوصية بالعتق يعتبر خروجه من الثلث لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجز من عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرضه‏,‏ إلا ثلثهم ولأنه تبرع بمال أشبه الهبة فإن أعتق أكثر من الثلث‏,‏ لم يجز إلا الثلث فإن أعتق عبيدا في مرضه واحدا بعد واحد بدئ بالأول فالأول‏,‏ حتى يستوفي الثلث وإن وقع العتق دفعة واحدة ولم يخرجوا من الثلث أقرع بينهم‏,‏ فأخرج الثلث بالقرعة ومسألة الخرقي فيما إذا وقع العتق دفعة واحدة ولم يكن له مال سواهم وأما إن دبرهم استوى المقدم والمؤخر منهم لأن التدبير عتق معلق بشرط‏,‏ وهو الموت والشرط إذا وجد ثبت المشروط به في وقت واحد وكذلك الموصى بعتقه‏,‏ يستوي هو والتدبير لأن الجميع عتق بعد الموت فمتى أعتق ثلاثة أعبد متساوين في القيمة هم جميع ماله‏,‏ دفعة واحدة أو دبرهم أو وصى بعتقهم‏,‏ أو دبر بعضهم ووصى بعتق باقيهم ولم يجز الورثة أكثر من الثلث أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق‏,‏ فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق صاحباه وبهذا قال عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان‏,‏ ومالك والشافعي وإسحاق‏,‏ وداود وابن جرير وقال أبو حنيفة‏:‏ يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقيه وروي نحو هذا عن سعيد بن المسيب‏,‏ وشريح والشعبي والنخعي‏,‏ وقتادة وحماد لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون في الاستحقاق‏,‏ كما لو كان يملك ثلثهم وحده وهو ثلث ماله أو كما لو وصى بكل واحد منهم لرجل وأنكر أصحاب أبي حنيفة القرعة‏,‏ وقالوا‏:‏ هي من القمار وحكم الجاهلية ولعلهم يردون الخبر الوارد في هذه المسألة لمخالفته قياس الأصول وذكر الحديث لحماد فقال‏:‏ هذا قول الشيخ - يعني إبليس - فقال له محمد بن ذكوان‏:‏ وضع القلم عن ثلاثة أحدهم المجنون حتى يفيق - يعني إنك مجنون - فقال له حماد‏:‏ ما دعاك إلى هذا‏؟‏ فقال له محمد‏:‏ وأنت فما دعاك إلى هذا‏؟‏ وهذا قليل في جواب حماد‏,‏ وكان حريا أن يستتاب عن هذا فإن تاب وإلا ضربت عنقه ولنا ما روى عمران بن الحصين ‏(‏أن رجلا من الأنصار أعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم‏,‏ فجزأهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة‏)‏ وهذا نص في محل النزاع‏,‏ وحجة لنا في الأمرين المختلف فيهما وهما جمع الحرية واستعمال القرعة وهو حديث صحيح ثابت‏,‏ رواه مسلم وأبو داود وسائر أصحاب السنن ورواه عن عمران بن الحصين الحسن‏,‏ وابن سيرين وأبو المهلب ثلاثة أئمة ورواه الإمام أحمد‏,‏ عن إسحاق بن عيسى عن هشيم عن خالد الحذاء‏,‏ عن أبي قلابة عن أبي زيد الأنصاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أحمد‏:‏ أبو زيد الأنصاري رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وروى نحوه عن أبي هريرة‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه حق في تفريقه ضرر فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الإجبار إذا طلبها أحد الشريكين‏,‏ ونظيره من القسمة ما لو كانت دار بين اثنين لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها‏,‏ وفيها ثلاثة مساكن متساوية لا ضرر في قسمتها فطلب أحدهما القسمة‏,‏ فإنه يجعل كل بيت سهما ويقرع بينهم بثلاثة أسهم لصاحب الثلث سهم وللآخر سهمان وقولهم‏:‏ إن الخبر يخالف قياس الأصول ونمنع ذلك‏,‏ بل هو موافق له لما ذكرناه وقياسهم فاسد لأنه إذا كان ملكه ثلثهم وحده لم يمكن جمع نصيبه والوصية لا ضرر في تفريقها‏,‏ بخلاف مسألتنا وإن سلمنا مخالفته قياس الأصول فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجب الاتباع سواء وافق القياس أو خالفه لأنه قول المعصوم‏,‏ الذي جعل الله تعالى قوله حجة على الخلق أجمعين وأمرنا باتباعه وطاعته وحذر العقاب في مخالفة أمره‏,‏ وجعل الفوز في طاعته والضلال في معصيته وتطرق الخطأ إلى القائس في قياسه أغلب من تطرق الخطأ إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأئمة بعدهم في روايتهم‏,‏ على أنهم قد خالفوا قياس الأصول بأحاديث ضعيفة فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها وقولهم في مسألتنا في مخالفة القياس والأصول‏,‏ أشد وأعظم والضرر في مذهبهم أعظم وذلك لأن الإجماع منعقد على أن صاحب الثلث في الوصية وما في معناها لا يحصل له شيء حتى يحصل للورثة مثلاه‏,‏ وفي مسألتنا يعتقون الثلث ويستسعون العبد في الثلثين فلا يحصل للورثة شيء في الحال أصلا‏,‏ ويحيلونهم على السعاية وربما لا يحصل منها شيء أصلا وربما لا يحصل منها في الشهر إلا درهم أو درهمان‏,‏ فيكون هذا في حكم من لم يحصل له شيء وفيه ضرر على العبيد لأنهم يجبرونهم على الكسب والسعاية عن غير اختيار منهم‏,‏ وربما كان المجبر على ذلك جارية فيحملها ذلك على البغاء أو عبدا‏,‏ فيسرق أو يقطع الطريق وفيه ضرر على الميت حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والإضرار‏,‏ وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه والدعاء عليه من عبيده وورثته وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكرناه في حق الذي فعل هذا قال‏:‏ ‏(‏لو شهدته لم يدفن في مقابر المسلمين‏)‏ قال ابن عبد البر في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب‏,‏ مع مخالفة السنة الثابتة وأشار إلى ما ذكرناه وأما إنكارهم للقرعة فقد جاءت في الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فساهم فكان من المدحضين‏}‏ وأما السنة فقال أحمد‏:‏ في القرعة خمس سنن أقرع بين نسائه وأقرع في ستة مملوكين وقال لرجلين‏:‏ ‏"‏ استهما ‏"‏ وقال‏:‏ ‏(‏مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها‏,‏ كمثل قوم استهموا على سفينة‏)‏ وقال ‏(‏لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه‏)‏ وفي حديث الزبير أن صفية جاءت بثوبين ليكفن فيها حمزة رضي الله عنه فوجدنا إلى جنبه قتيلا‏,‏ فقلنا‏:‏ لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما‏,‏ ثم كفنا كل واحد في الثوب الذي صار له وتشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع بينهم سعد وأجمع العلماء على استعمالها في القسمة‏,‏ ولا أعلم بينهم خلافا في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بإحداهن وإذا أراد البداية بالقسمة بينهن وبين الأولياء إذا تساووا وتشاحوا في من يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص‏,‏ وأشباه هذا‏.‏

فصل‏:‏

في كيفية القرعة قال أحمد‏:‏ قال سعيد بن جبير‏:‏ يقرع بينهم بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب فأخرج خاتم هذا ثم قال‏:‏ يخرجون بالخواتيم‏,‏ ثم تدفع إلى رجل فيخرج منها واحدا قال أحمد بأي شيء خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به‏,‏ سواء كان رقاعا أو خواتيم قال أصحابنا المتأخرون‏:‏ الأولى أن يقطع رقاعا صغارا متساوية ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر أو يغطى عليها بثوب‏,‏ ثم يقال له‏:‏ أدخل يدك وأخرج بندقة فينفضها ويعلم ما فيها وهذا قول الشافعي وفي كيفية القرعة والعتق ست مسائل‏:‏

المسألةالأولى‏:‏

أن يعتق عددا من العبيد لهم ثلث صحيح كثلاثة أو ستة أو تسعة‏,‏ وقيمتهم متساوية ولا مال له غيرهم فيخرجون ثلاثة أجزاء جزءا للحرية‏,‏ وجزأين للرق وتكتب ثلاث رقاع في واحدة حرية‏,‏ وفي اثنين رق ويترك في ثلاثة بنادق وتغطى بثوب‏,‏ ويقال لرجل لم يحضر‏:‏ أخرج على اسم هذا الجزء فإن خرجت قرعة الحرية عتق ورق الجزءان الآخران‏,‏ وإن خرجت قرعة رق رق وأخرجت أخرى على جزء آخر‏,‏ فإن خرجت رقعة الحرية عتق ورق الجزء الثالث وإن خرجت قرعة الرق‏,‏ رق وعتق الجزء الثالث لأن الحرية تعينت فيهم وإن شئت كتبت اسم كل جزء في رقعة ثم أخرجت رقعة على الحرية‏,‏ فإذا خرجت رقعة على الحرية عتق المسمون فيها ورق الباقون وإن خرجت رقعة على‏,‏ الرق رق المسمون فيها ثم تخرج أخرى على الرق‏,‏ فيرق المسمون فيها ويعتق الجزء الثالث وإن أخرجت الثانية على الحرية‏,‏ عتق المسمون فيها دون الثالث‏.‏

المسألة الثانية‏:‏

أن تمكن قسمتهم أثلاثا‏,‏ وقيمتهم مختلفة يمكن تعديلهم بالقيمة كستة قيمة اثنين منهم ثلاثة آلاف وقيمة اثنين ألفان‏,‏ وقيمة اثنين ألف ألف فيجعل الاثنين الأوسطين جزءا ويجعل اثنين قيمة أحدهما ثلاثة آلاف مع آخر قيمته ألف جزءا والآخرين جزءا فيكونون ثلاثة أجزاء متساوية في العدد والقيمة‏,‏ على ما قدمناه في المسألة الأولى قيل لأحمد لم يستووا في القيمة‏؟‏ قال‏:‏ يقومون بالثمن

المسألة الثالثة‏:‏

يكونون متساوين في العدد مختلفين في القيمة ولا يمكن الجمع بين تعديلهم بالعدد والقيمة معا‏,‏ ولكن يمكن تعديلهم بكل واحد منهما منفردا كستة أعبد قيمة أحدهم ألف‏,‏ وقيمة اثنين ألف وقيمة ثلاثة ألف فإنهم يعدلون بالقيمة دون العدد نص عليه أحمد فقال‏:‏ إذا كانت قيمة واحد مثل اثنين‏,‏ قوم لأنه لا يجوز أن يقع العتق في أكثر من الثلث ولا أقل وفي قسمتهم بالعدد تكرار القرعة وتبعيض العتق حتى يكمل الثلث‏,‏ فكان التعديل بالقيمة أولى بيان ذلك أننا لو جعلنا الذي قيمته ألف آخر فخرجت قرعة الحرية لهما احتجنا أن نعيد القرعة بينهما‏,‏ فإذا خرجت على القليل القيمة عتق وأعتق من الذي قيمته ألف تمام الثلث وإن وقعت قرعة الحرية على اثنين قيمتهما دون الثلث‏,‏ عتقا ثم أعيدت لتكميل الثلث فإذا وقعت على واحد‏,‏ كملت الحرية منه فحصل ما ذكرناه من التبعيض والتكرار ولأن قسمتهم بين المشتركين فيهم إنما يعدلون فيها بالقيمة دون الأجزاء‏,‏ فعلى هذا يجعل الذي قيمته ألف جزءا والاثنين اللذين قيمتها ألف جزءا والثلاثة الباقين جزءا‏,‏ ثم يقرع بينهم على ما ذكرنا‏.‏

المسألة الرابعة‏:‏

أمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد‏,‏ كسبعة قيمة أحدهم ألف وقيمة اثنين ألف وقيمة أربعة ألف‏,‏ فيعدلون بالقيمة دون العدد كما ذكرنا‏.‏

المسألة الخامسة‏:‏

أمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة‏,‏ كستة أعبد قيمة اثنين ألف وقيمة اثنين سبعمائة‏,‏ وقيمة اثنين خمسمائة فهاهنا يجزئهم بالعدد لتعذر تجزئتهم بالقيمة فيجعل كل اثنين جزءا‏,‏ ويضم كل واحد ممن قيمتهما قليلة إلى واحد ممن قيمتهما كثيرة ويجعل المتوسطين جزءا ويقرع بينهم‏,‏ فإن وقعت قرعة الحرية على جزء قيمته أكثر من الثلث أعيدت القرعة بينهما فيعتق من تقع له قرعة الحرية‏,‏ ويعتق من الآخر تتمة الثلث ورق باقيه والباقون وإن وقعت الحرية على جزء أقل من الثلث عتقا جميعا‏,‏ ثم يكمل الثلث من الباقين بالقرعة

المسألةالسادسة‏:‏

لم يمكن تعديلهم بالعدد ولا القيمة كخمسة أعبد‏,‏ قيمة أحدهم ألف واثنان ألف واثنان ثلاثة آلاف‏,‏ احتمل أن يجزئهم ثلاثة أجزاء فيجعل أحدهم أكثرهم قيمة جزءا ويضم إلى الثاني كثير القيمة أقل الباقين‏,‏ قيمة ويجعلهما جزءا والباقين جزءا ويقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق لأن هذا أقرب إلى ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعدل الثلث بالقيمة على ما تقدم‏,‏ واحتمل أن لا يجزئهم بل تخرج القرعة على واحد واحد حتى يستوفي الثلث فيكتب خمس رقاع بأسمائهم‏,‏ ثم يخرج رقعة على الحرية فمن خرج اسمه فيها عتق ثم يخرج الثانية‏,‏ فمن خرج اسمه فيها عتق منه تمام الثلث وإن كانوا ثمانية قيمتهم سواء ففيهم ثلاثة أوجه أحدها أن يكتب ثماني رقاع بأسمائهم‏,‏ ثم يخرج على الحرية رقعة بعد أخرى حتى يستوفى الثلث والثاني أن يجزئهم أربعة أجزاء‏,‏ ثم يقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ثم يقرع بين الستة بسهم حرية وسهمي رق‏,‏ فمن خرج له سهم الحرية أعيدت بينهما فمن خرج له سهم الحرية كمل الثلث منه والثالث أن يجزئهم ثلاثة أجزاء ثلاثة ثلاثة واثنان‏,‏ ويقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق فإن خرج سهم الحرية للاثنين عتقا وكمل الثلث بالقرعة من الباقين‏,‏ وإن خرجت لثلاثة أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق ذكر هذين الوجهين الآخرين أبو الخطاب وروي عن أحمد خمسة أو أربعة‏,‏ يجعل أكثرهم قيمة مكان اثنين إن كانا قيمته وإلا أقرع بين ثلاثة قيمتهم واحدة‏,‏ ثم يقرع بين الذي بقي والذي تصيبه القرعة ينظر ما بقي من قيمته من الثلث فيعتق حصته‏,‏ فإن كان جميع ماله عبدين أقرعنا بينهما بسهم حرية وسهم رق على كل حال‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان للمعتق مال غير العبد مثلا قيمة العبيد أو أكثر‏,‏ عتق العبيد كلهم لخروجهم من الثلث وإن كان أقل من مثليهم عتق من العبد قدر ثلث المال كله‏,‏ فإذا كان العبيد كلهم نصف المال عتق ثلثاهم وإن كانا ثلثي المال‏,‏ عتق نصفهم وإن كانوا ثلاثة أرباعه عتق أربعة أتساعهم‏,‏ وطريقه أن تضرب قيمة العبد في ثلاثة ثم تنسب إليه مبلغ التركة فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها فإذا كان قيمة العبد ألفا‏,‏ وباقي التركة ألف ضربت قيمة العبد في ثلاثة تكن ثلاثة آلاف‏,‏ ثم تنسب إليها الألفين تكن ثلثيها فيعتق ثلثاهم وإن كان قيمة العبد ثلاثة آلاف‏,‏ وباقي التركة ألف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن تسعة آلاف وتنسب إليها التركة كلها تكن أربعة أتساعها وإن كان قيمتهم أربعة آلاف وباقي التركة ألف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن اثني عشر ألفا ونسبت إليها خمسة آلاف‏,‏ تكن ربعها وسدسها فيعتق من العبيد ربعهم وسدسهم‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان على الميت دين يحيط بالتركة لم يعتق منهم شيء وإن كان يحيط ببعضها‏,‏ قدم الدين لأن العتق وصية وقد ‏(‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الدين قبل الوصية‏)‏ ولأن قضاء الدين واجب وهذا تبرع‏,‏ وتقديم الواجب متعين وإن كان الدين بقدر نصف العبيد جعلوا جزأين وكتبت رقعتان رقعة للدين‏,‏ ورقعة للتركة وتخرج واحدة منهما على أحد الجزأين فمن خرجت عليه رقعة الدين بيع فيه‏,‏ وكان الباقي من جميع التركة يعتق ثلثهم بالقرعة على ما تقدم وإن كان الدين بقدر ثلثهم كتبت ثلاث رقاع رقعة للدين واثنتان للتركة‏,‏ وإن كان بقدر ربعهم كتب أربع رقاع رقعة للدين وثلاثة للتركة‏,‏ ثم يقرع بين من خرجت له رقاع التركة وإن كتب رقعة للدين ورقعة للحرية ورقعتان للتركة‏,‏ جاز وقيل‏:‏ لا يجوز لئلا تخرج رقعة الحرية قبل قضاء الدين والأول أصح لأنه إنما يمنع من العتق قبل قضاء الدين إذا لم يكن له وفاء فأما إذا كان له وفاء لم يمنع منه‏,‏ بدليل ما لو كان العتق في أقل من ثلث الباقي بعد وفاء الدين فإنه لا يمنع من العتق قبل وفائه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أعتق في مرض موته ثلاثة لا يملك غيرهم أو واحدا منهم غير معين‏,‏ فمات أحدهم أقرعنا بين الميت والأحياء فإن وقعت على الميت‏,‏ حسبناه من التركة وقومناه حين الإعتاق سواء مات في حياة سيده‏,‏ أو بعده قبل القرعة وبهذا قال الشافعي وقال مالك‏:‏ إن مات قبل موت سيده أقرعنا بين الحيين لأنهما جميع التركة ولهذا لا يعتق إلا ثلثهما ولا يعتبر الميت لأنه ليس بمحسوب من التركة‏,‏ ولأنه لو أعتق الحيين بعد موته لأعتقنا ثلثهما ولنا أن الميت أحد المعتقين فوجب أن يقرع بينه وبينهم‏,‏ كما لو مات بعد سيده ولأن المقصود تكميل الأحكام وحصول ثواب العتق‏,‏ ويحصل هذا في الميت فوجب أن يدخل في القرعة كما لو مات بعد سيده فأما إن وقعت القرعة على الحي‏,‏ نظرنا في الحي فإن كان الميت مات قبل موت السيد أو بعده قبل قبض الوارث له لم نحسبه من التركة لأنه لم يصل إلى الوارث فتكون التركة الحيين‏,‏ فيخرج ثلثهما ممن وقعت عليه القرعة وتعتبر قيمته حين الإعتاق لأنه حين إتلافه وتعتبر قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الموت إلى حين قبض الوارث لأن الزيادة فائدة تجددت على ملك الوارث فلا تحسب عليه من التركة‏,‏ والنقصان قبل القبض لم يحصل له ولم ينتفع به فأشبه الشارد والآبق‏,‏ وإنما يحسب عليه ما حصل في يده ولا يحسب الميت من التركة لأنهما إلى الورثة فيكمل ثلث الحيين ممن وقعت عليه القرعة وإن كان موته بعد قبض الورثة حسب من التركة لأنه وصل إليهم‏,‏ وجعلناه كالحي في تقويمه معهم والحكم بإعتاقه إن وقعت عليه القرعة أو من الثلثين إن وقعت القرعة على غيره‏,‏ وتحسب قيمته بأقل الأمرين من حين موت سيده إلى حين قبضه ونحو هذا قال الشافعي‏.‏

فصل‏:‏

وإن دبر الثلاثة أو وصى بعتقهم فمات أحدهم في حياته‏,‏ بطل تدبيره والوصية فيه وأقرع بين الحيين فأعتق من أحدهما ثلثهما لأن الميت لا يمكن الحكم بوقوع العتق فيه لكونه مات قبل الوقت الذي يعتق فيه‏,‏ وقبل أن يتحقق شرط العتق بخلاف التي قبلها فإن العتق حصل من حين الإعتاق وإنما القرعة تبينه وتكشفه‏,‏ ولهذا يحكم بعتقه من حين الإعتاق حتى يكون كسبه له وحكمه حكم الأحرار في سائر أحواله وإن مات المدبر بعد موت سيده أقرع بينه وبين الأحياء لأنه قد حصل العتق من حين موت السيد‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو قال لهم في مرض موته‏:‏ أحدكم حر أو‏:‏ كلكم حر ومات‏,‏ فكذلك ‏]‏

أما إذا قال لهم‏:‏ كلكم حر فهي المسألة التي تقدمت وشرحناها وأما إذا قال‏:‏ أحدكم حر فإنه يقرع بينهم فيخرج أحدهم بالقرعة فيعتق‏,‏ ويرق الباقون وسواء كان للميت مال سواهم أو لم يكن‏,‏ إذا كان يخرج من الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ولو كان المعتق حيا‏,‏ ولم ينو واحدا بعينه لم يكن له التعيين وأعتق أحدهم بالقرعة وإن قال‏:‏ أردت واحدا منهم بعينه قبل منه وتعينت الحرية فيه وقال أبو حنيفة‏,‏ والشافعي‏:‏ له تعيين أحدهم فيعتق من عينه وإن لم يكن نواه حالة القول‏,‏ ويطالب المعتق بالتعيين فإذا عين أحدهم تعين حسب اختياره ولم يكن لسائر العبيد الاعتراض عليه لأن تعيين العتق ابتداء فإذا أوقعه غير معين‏,‏ كان له تعيينه كالطلاق ولنا أن مستحق العتق غير معين فلم يملك تعيينه‏,‏ كما لو أعتق الجميع في مرضه ولم يخرجوا من الثلث وكما لو أعتق معينا ثم نسيه والطلاق كمسألتنا فأما إن مات المعتق ولم يعين فالحكم عندنا لا يختلف‏,‏ وليس للورثة التعيين بل يخرج المعتق بالقرعة وقد نص الشافعي على هذا إذا قالوا‏:‏ لا ندري أيهم أعتق وقال أبو حنيفة‏:‏ لهم التعيين لأنهم يقومون مقام موروثهم وقد سبق الكلام في المعتق‏.‏

فصل‏:‏

ولو أعتق إحدى إمائه ثم وطئ إحداهن لم يتعين الرق فيها وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ يتعين الرق فيها لأن الحرية عنده تتعين بتعيينه‏,‏ ووطؤه دليل على تعيينه وقد سبق الكلام على هذا الأصل ولأن المعتقة واحدة فلم تتعين بالوطء كما لو أعتق واحدة ثم نسيها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أعتق واحدا بعينه‏,‏ ونسيه فقياس قول أحمد أن يعتق أحدهم بالقرعة وهذا قول الليث وقال الشافعي‏:‏ يقف الأمر حتى يذكر‏,‏ فإن مات قبل أن يتبين أقرع الورثة بينهم وقال ابن وهب يعتقون كلهم وقال مالك‏:‏ إن أعتق عبدا له ومات‏,‏ ولم يبين فكانوا ثلاثة عتق منهم بقدر ثلثهم وإن كانوا أربعة‏,‏ عتق منهم بقدر ربع قيمتهم وعلى هذا فيقرع بينهم فإن خرجت القرعة على من قيمته أقل من الربع أعيدت القرعة حتى تكمل وقال أصحاب‏:‏ الرأي‏:‏ إن قال الشهود‏:‏ نشهد أن فلانا أعتق أحد عبيده‏,‏ ولم يسم عتق ثلث كل واحد منهم وسعى في باقيه أو ربع كل واحد منهم إن كانوا أربعة‏,‏ وإن قالوا‏:‏ نشهد أن فلانا أعتق بعض عبيده ونسيناه فشهادتهم باطلة ونحو هذا قول الشعبي والأوزاعي ولم يذكرا ما ذكره أصحاب الرأي في الشهادة ولنا أن مستحق العتق غير معين فأشبه ما لو أعتق جميعهم في مرض موته فإن أقرع‏,‏ بينهم فخرجت القرعة لواحد ثم قال المعتق‏:‏ ذكرت أن المعتق غيره ففيه وجهان‏:‏ أحدهما يرد الأول إلى الرق‏,‏ ويعتق الذي عينه لأنه تبين له المعتق فعتق دون غيره كما لو لم يقرع والثاني‏,‏ يعتقان معا وهو قول الليث ومقتضى قول ابن حامد لأن الأول ثبتت الحرية فيه بالقرعة فلا تزول‏,‏ كسائر الأحرار ولأن قول المعتق‏:‏ ذكرت من كنت نسيته يتضمن إقرارا عليه بحرية من ذكره وإقرارا على غيره‏,‏ فقبل إقراره على نفسه ولم يقبل على غيره وأما إذا لم يقرع فإنه يقبل قوله‏,‏ فيعتق من عينه ويرق غيره فإذا قال‏:‏ أعتقت هذا عتق‏,‏ ورق الباقون وإن قال‏:‏ أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعا لأنه أقر بعتق الأول فلزمه‏,‏ ثم أقر بعتق الثاني فلزمه ولم يقبل رجوعه عن إقراره الأول وكذلك الحكم في إقرار الوارث‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا ملك نصف عبد فدبره أو أعتقه في مرض موته‏,‏ فعتق بموته وكان ثلث ماله يفي بقيمة النصف الذي لشريكه أعطي‏,‏ وكان كله حرا في إحدى الروايتين والأخرى لا يعتق إلا حصته وإن حمل ثلث ماله قيمة حصة شريكه ‏]‏

وجملته أنه إذا ملك شقصا من عبد فأعتقه في مرض موته‏,‏ أو دبره أو وصى بعتقه ثم مات ولم يف ثلث ماله بقيمة نصيب الشريك‏,‏ لم يعتق إلا نصيبه بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم إلا قولا شاذا أو قول من يرى السعاية وذلك أنه ليس من ماله إلا الثلث الذي استغرقته قيمة الشقص‏,‏ فيبقى معسرا بمنزلة من أعتق في صحته شقصا وهو معسر فأما إن كان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه ففيه روايتان إحداهما‏,‏ يسرى إلى نصيب الشريك فيعتق العبد جميعه ويعطي الشريك قيمة نصيبه من ثلثه لأن ثلث المال للمعتق والملك فيه تام‏,‏ وله التصرف فيه بالتبرع والإعتاق وغيره فجرى مجرى مال الصحيح فيسري عتقه‏,‏ كسراية عتق الصحيح الموسر والرواية الثانية لا يعتق إلا حصته لأنه بموته يزول ملكه إلى ورثته فلا يبقى شيء يقضي منها للشريك وبهذا قال الأوزاعي لأن الميت لا يضار وقال القاضي‏:‏ ما أعتقه في مرض موته سرى‏,‏ وما دبره أو وصى بعتقه لم يسر وقال الرواية في سراية العتق حال الحياة أصح والرواية في وقوفه في التدبير أصح وهذا مذهب الشافعي لأن العتق في الحياة ينفذ في حال ملك العتق وصحة تصرفه وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في جميع ماله‏,‏ وأما التدبير والوصية فإنما يحصل العتق به في حال يزول ملك المعتق وتصرفاته والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وكذلك الحكم إذا دبر بعضه وهو مالك لكله ‏]‏

وجملته أنه إذا دبر بعض عبده‏,‏ وهو أن يقول‏:‏ إذا مت فنصف عبدي حر ثم مات فإن كان النصف المدبر ثلث ماله من غير زيادة عتق‏,‏ ولم يسر لأنه لو دبره كله لم يعتق منه إلا ثلثه فإذا لم يدبر إلا ثلثه كان أولى وإن كان العبد كله يخرج من الثلث ففي تكميل الحرية روايتان إحداهما‏,‏ تكمل وهو قول أكثر الفقهاء لأن أبا حنيفة وأصحابه يرون التدبير كالإعتاق في السراية وهو أحد قولي الشافعي لأنه إعتاق لبعض عبده فعتق جميعه كما لو أعتقه في حياته والرواية الثانية‏,‏ لا يكمل العتق فيه لأنه لا يمنع جواز البيع فلا يسري كتعليقه بالصفة‏.‏

فصل‏:‏

فأما إن أعتق بعض عبده في مرضه‏,‏ فهو كعتق جميعه إن خرج من الثلث عتق جميعه وإلا عتق منه بقدر الثلث لأن الإعتاق في المرض كالإعتاق في الصحة‏,‏ إلا في اعتباره من الثلث وتصرف المريض في ثلثه في حق الأجنبي كتصرف الصحيح في جميع ماله‏,‏ كما لو أعتق شركا له في عبد وثلثه يحتمل جميعه وعنه لا يعتق منه إلا ما عتق‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دبر أحد الشريكين حصته‏,‏ صح ولم يلزمه في الحال لشريكه شيء وهذا قول الشافعي فإذا مات‏,‏ عتق الجزء الذي دبره إذا خرج من ثلث ماله وفي سرايته إلى نصيب الشريك ما ذكرنا في المسألة وقبلها وقال مالك‏:‏ إذا دبر نصيبه‏,‏ تقاوماه فإن صار للمدبر صار مدبرا كله‏,‏ وإن صار للآخر صار رقيقا كله وقال الليث‏:‏ يغرم المدبر لشريكه قيمة نصيبه ويصير العبد كله مدبرا‏,‏ فإن لم يكن له مال سعى العبد في قيمة نصيب الشريك فإذا أداها‏,‏ صار مدبرا كله وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ يضمن المدبر للشريك قيمة حقه موسرا كان أو معسرا ويصير المدبر له وقال أبو حنيفة‏:‏ الشريك بالخيار إن شاء دبر‏,‏ وإن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن صاحبه إن كان موسرا ولنا أنه تعليق للعتق على صفة‏,‏ فصح في نصيبه كما لو علقه بموت شريكه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو أعتقهم وثلثه يحتملهم فأعتقناهم‏,‏ ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بعناهم في دينه ‏]‏ وجملته أن المريض إذا أعتق عبيده في المرض أو دبرهم‏,‏ أو وصى بعتقهم ومات ثم ظهر عليه دين وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فأعتقناهم‏,‏ ثم ظهر عليه دين يستغرق التركة تبينا بطلان عتقهم وبقاء رقهم فيباعون في الدين‏,‏ ويكون عتقهم وصية والدين مقدم على الوصية ولهذا قال على رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى أن الدين قبل الوصية‏)‏ ولأن الدين مقدم على الميراث بالاتفاق ولهذا تباع التركة في قضاء الدين‏,‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏من بعد وصية يوصى بها أو دين‏}‏ والميراث مقدم على الوصية في الثلثين فما تقدم على الميراث يجب أن يقدم على الوصية وبهذا قال الشافعي ورد ابن أبي ليلى عبدا أعتقه سيده عند الموت وعليه دين قال أحمد‏:‏ أحسن ابن أبي ليلى وذكر أبو الخطاب عن أحمد رواية في الذي يعتق عبده في مرضه وعليه دين أنه يعتق منه بقدر الثلث‏,‏ ويرد الباقي وقال قتادة وأبو حنيفة وإسحاق‏:‏ يسعى العبد في قيمته ولنا أنه تبرع في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم عليه الدين كالهبة‏,‏ ولأنه يعتبر من الثلث فقدم عليه الدين كالوصية‏,‏ وخفاء الدين لا يمنع ثبوت حكمه ولهذا يملك الغريم استيفاءه فعلى هذا تبين أنه أعتقهم وقد استحقهم الغريم بدينه فلم ينفذ عتقه‏,‏ كما لو أعتق ملك غيره فإن قال الورثة‏:‏ نحن نقضى الدين ونمضي العتق ففيه وجهان أحدهما لا ينفذ حتى يبتدئوا العتق لأن الدين كان مانعا منه فيكون باطلا‏,‏ ولا يصح بزوال المانع بعده والثاني ينفذ العتق لأن المانع منه إنما هو الدين فإذا سقط وجب نفوذه‏,‏ كما لو أسقط الورثة حقوقهم من ثلثي التركة نفذ العتق في الجميع ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وقالوا‏:‏ إن أصل الوجهين إذا تصرف الورثة في التركة ببيع أو غيره‏,‏ وعلى الميت دين وقضى الدين هل ينفذ‏؟‏ فيه وجهان‏.‏

فصل‏:‏

فإن أعتق المريض ثلاثة أعبد‏,‏ لا مال له غيرهم فأقرع الورثة فأعتقوا واحدا وأرقوا اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم ففيه وجهان أحدهما‏,‏ تبطل القرعة لأن الدين شريك في الإقراع فإذا حصلت القسمة مع عدمه كانت باطلة كما لو قسم شريكان دون شريكهما الثالث الثاني‏,‏ يصح الإقراع لأنه لا يمكن إمضاء القسمة وإفراد حصة الدين من كل واحد من النصيبين لأن القرعة دخلت لأجل العتق دون الدين فيقال للورثة اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين اللذين بقيا إما من العبيد‏,‏ وإما من غيرهم ويجب رد نصف العبد الذي عتق فإذا كان الذي أعتق عبدين‏,‏ أقرعنا بينهما فإذا خرجت القرعة على أحدهما فكان بقدر سدس التركة‏,‏ عتق وبيع الآخر في الدين وإن كان أكثر‏,‏ عتق منه بقدر السدس وإن كان أقل عتق وعتق من الآخر تمام السدس‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو أعتقهم‏,‏ وهم ثلاثة فأعتقنا منهم واحدا لعجز ثلثه عن أكثر منه ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه‏,‏ عتق من أرق منهم ‏]‏

وجملته أنه إذا أعتق ثلاثة في مرضه لم يعرف له مال غيرهم أو دبرهم‏,‏ أو وصى بعتقهم لم يعتق منهم إلا ثلثهم ويرق الثلثان إذا لم يجز الورثة عتقهم‏,‏ فإذا فعلنا ذلك ثم ظهر له مال بقدر مثليهم تبينا أنهم قد عتقوا من حين أعتقهم أو من حين موته إن كان دبرهم لأنه التدبير وتصرف المريض في ثلث ماله جائز نافذ‏,‏ وقد بان أنهم ثلث ماله وخفاء ذلك علينا لا يمنع كونه موجودا فلا يمنع كون العتق واقعا فعلى هذا‏,‏ يكون حكمهم حكم الأحرار من حين أعتقهم فيكون كسبهم لهم وإن كانوا قد تصرف فيهم ببيع‏,‏ أو هبة أو رهن أو تزويج بغير إذن‏,‏ كان ذلك باطلا وإن كانوا قد تصرفوا فحكم تصرفهم حكم تصرف الأحرار فلو تزوج عبد منهم بغير إذن سيده‏,‏ كان نكاحه صحيحا والمهر عليه واجب وإن ظهر له مال بقدر قيمتهم‏,‏ عتق ثلثاهم لأنها ثلث جميع المال فيقرع بين الاثنين اللذين أوقفناهما فيعتق أحدهما‏,‏ ويرق الآخر إن كانا متساويين في القيمة وإن ظهر له مال بقدر نصفهم عتق نصفهم‏,‏ وإن كان بقدر ثلثهم عتق أربعة أتساعهم وكلما ظهر له مال‏,‏ عتق من العبدين اللذين رقا بقدر ثلثه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وصى بعتق عبد له يخرج من ثلثه وجب على الوصى إعتاقه فإن أوصى بذلك ورثته‏,‏ لزمهم إعتاقه فإن امتنعوا أجبرهم السلطان‏,‏ فإن أصروا على الامتناع أعتقه السلطان أو من ينوب منابه‏,‏ كالحاكم لأن هذا حق لله تعالى وللعبد ومن وجب عليه ذلك ناب السلطان عنه أو نائبه‏,‏ كالزكاة والديون فإذا أعتقه الوارث أو السلطان عتق وما اكتسبه في حياة الموصي فهو للموصي‏,‏ يكون من جملة تركته إن بقي بعده لأنه كسب عبده القن وما كسبه بعد موته وقبل إعتاقه فهو للوارث وقال القاضي‏:‏ هو للعبد لأنه كسبه بعد استقرار سبب العتق فيه فكان له ككسب المكاتب وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ فيه قولان‏,‏ مبنيان على القولين في كسب العبد الموصى به قبل قبول الوصية ولنا أنه عبد قن فكان كسبه للورثة كغير الموصى بعتقه‏,‏ وكالمعلق عتقه بصفة وفارق المكاتب فإنه يملك كسبه قبل عتقه فكذلك بعده ويبطل ما ذكروه بأم الولد فإن عتقها قد استقر سببه في حياة سيدها وكسبها له والموصى به لا نسلمه‏,‏ وإن سلمناه فالفرق بينهما أن الموصى به قد تحقق فيه سبب الملك‏,‏ وإنما وقف على شرط هو القبول فإذا وجد الشرط استند الحكم إلى ابتداء السبب‏,‏ وفي الوصية بالعتق ما وجد السبب وإنما أوصى بإيجاده وهو العتق‏,‏ فإذا وجد لم يجز أن يثبت حكمه سابقا عليه ولهذا يملك الموصى له أن يقبل بنفسه‏,‏ وها هنا لا يملك العبد أن يعتق نفسه وإن مات العبد بعد تمام موت سيده وقبل إعتاقه فما كسبه للورثة‏,‏ على قولنا ولا أعلم قول من خالفنا فيه‏.‏

فصل‏:‏

فإن علق عتق عبده على شرط في صحته فوجد في مرضه‏,‏ اعتبر خروجه من الثلث قاله أبو بكر قال‏:‏ وقد نص أحمد على مثل هذا في الطلاق وقال أبو الخطاب‏:‏ فيه وجه آخر أنه يعتق من رأس المال وهو مذهب الشافعي لأنه لا يتهم فيه فأشبه‏,‏ العتق في صحته ولنا أنه عتق في حال تعلق حق الورثة بثلثي ماله فاعتبر من الثلث كالمنجز وقولهم‏:‏ لا يتهم فيه قلنا‏:‏ وكذلك العتق المنجز‏,‏ لا يتهم فيه فإن الإنسان لا يتهم بمحاباة غير الوارث وتقديمه على وارثه وإنما منع منه‏,‏ لما فيه من الضرر بالورثة وهذا حاصل ها هنا ولو قال إذا قدم زيد وأنا مريض فأنت حر فقدم وهو مريض‏,‏ كان معتبرا من الثلث وجها واحدا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أعتق عبدا وله مال‏,‏ فماله لسيده روي هذا عن ابن مسعود وأبي أيوب وأنس بن مالك وبه قال قتادة والحكم والثوري‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن حماد والبتي‏,‏ وداود بن أبي هند وحميد وقال الحسن وعطاء‏,‏ والشعبي والنخعي ومالك وأهل المدينة‏:‏ يتبعه ماله لما روى نافع‏,‏ عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏من أعتق عبدا وله مال فالمال للعبد‏)‏ رواه الإمام أحمد بإسناده وغيره‏,‏ وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع‏,‏ عن ابن عمر أنه كان إذا أعتق عبدا لم يعرض لماله ولنا ما روى الأثرم بإسناده عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير‏:‏ يا عمير‏,‏ إني أريد أن أعتقك عتقا هنيئا فأخبرني بمالك فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏أيما رجل أعتق عبده أو غلامه‏,‏ فلم يخبره بماله فماله لسيده‏)‏ ولأن العبد وماله كانا جميعا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما فبقي ملكه في الآخر‏,‏ كما لو باعه وقد دل على هذا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من باع عبدا وله مال‏,‏ فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع‏)‏ فأما حديث ابن عمر فقال أحمد‏:‏ يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر‏,‏ وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه فأما في الحديث فليس هو فيه بالقوى وقال أبو الوليد‏:‏ هذا الحديث خطأ‏,‏ فأما فعل ابن عمر فإنه تفضل منه على معتقه قيل للإمام أحمد‏:‏ كان هذا عندك على التفضل‏؟‏ فقال‏:‏ أي لعمري على التفضل قيل له‏:‏ فكأنه عندك للسيد‏؟‏ فقال‏:‏ نعم للسيد‏,‏ مثل البيع سواء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ واذا قال لعبده‏:‏ أنت حر في وقت سماه لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت ‏]‏

وجملة ذلك أن السيد إذا علق عتق عبده أو أمته على مجيء وقت‏,‏ مثل قوله‏:‏ أنت حر في رأس الحول لم يعتق حتى يأتى رأس الحول وله بيعه وهبته وإجارته ووطء الأمة وبهذا قال الأوزاعي والشافعي وابن المنذر قال أحمد إذا قال لغلامه أنت حر إلى أن يقدم فلان ومجيء فلان واحد وإلى رأس السنة وإلى رأس الشهر إنما يريد إذا جاء رأس السنة أو جاء رأس الهلال منه‏,‏ واذا قال أنت طالق إذا جاء الهلال إنما تطلق إذا جاء رأس الهلال وقال إسحاق كما قال أحمد وحكي عن مالك أنه إذا قال لعبده أنت حر في رأس الحول عتق في الحال والذي حكاه ابن المنذر عنه أنها إذا كانت جارية لم يطأها لأنه لا يملكها ملكا تاما ولا يهبها ولا يلحقها بسببه رق‏,‏ وإن مات السيد قبل الوقت كانت حرة عند الوقت من رأس المال وقد روي عن أحمد أنه لا يطؤها لأن ملكه غير تام عليها والأول أصح لما روي عن أبي ذر أنه قال لعبده أنت عتيق إلى رأس الحول فلولا أن العتق يتعلق بالحول لم يعلقه عليه لعدم فائدته‏,‏ ولأنه علق العتق بصفة فوجب أن يتعلق بها كما لو قال إذا أديت إلى ألفا فأنت حر واستحقاقها للعتق لا يمنع الوطء كالاستيلاد ولا يلزم المكاتبة لأنها اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن إكسابها بخلاف مسألتنا‏.‏

فصل‏:‏

وإذا جاء الوقت وهو في ملكه عتق بغير خلاف نعلمه وإن خرج عن ملكه ببيع أو ميراث أو هبة لم يعتق وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي‏,‏ وقال النخعي وابن أبي ليلى إذا قال لعبده إن فعلت كذا فأنت حر فباعه بيعا صحيحا ثم فعل ذلك الفعل عتق وانتقض البيع قال ابن أبي ليلى إذا حلف بالطلاق لا كلمت فلانا ثم طلقها طلاقا بائنا ثم كلمه حنث وعامة أهل العلم على خلاف هذا القول‏,‏ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم‏)‏ ولأنه لا ملك له فلم يقع طلاقه ولا عتاقه كما لو لم يكن له مال متقدم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال لعبده إن لم أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو وقتا بعينه لم يعتق حتى يموت ولم يوجد الضرب وإن باعه قبل ذلك صح بيعه ولم ينفسخ في قول أكثر أهل العلم‏,‏ وقال مالك ليس له بيعه فإن باعه فسخ البيع ولنا أنه باعه قبل وجود الشرط فصح ولم ينفسخ كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر وباعه قبل دخولها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ودخل الدار عتق‏,‏ وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي فيها قولان أحدهما لا يعتق لأن ملكه فيه متأخر عن عقد الصفة فلم يقع العتق فيه كما لو عقد الصفة في حال زوال ملكه عنه ولنا أنه علق الصفة في ملكه وتحقق الشرط في ملكه فوجب أن يحنث كما لو لم يزل ملكه عنه وفارق ما إذا علقها في حال زوال ملكه وتحقق الشرط في ملكه لأنه لو نجز العتق لم يقع فإذا علقه كان أولى بعدم الوقوع بخلاف مسألتنا‏,‏ فأما إن دخل الدار بعد بيعه ثم اشتراه ودخل الدار فالمنصوص عن أحمد أنه لا يعتق وذكر عنه رواية أخرى أن يعتق وروى عنه في الطلاق أنه يقع لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه فأشبه ما لو لم يتخللهما دخول ووجه الأول أن العتق معلق على شرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين‏,‏ وقد وجد الدخول في ملك غيره فانحلت اليمين فلم يقع العتق به بعد ذلك ويفارق العتاق الطلاق من حيث إن النكاح الثاني ينبني على النكاح الأول بدليل أن طلاقه في النكاح الأول يحسب عليه في النكاح الثاني وينقص به عدد طلاقه والملك باليمين بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال لعبد له مقيد هو حر إن حل قيده ثم قال هو حر إن لم يكن في قيده عشرة أرطال فشهد شاهدان عند الحاكم أن وزن قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه وأمر بحل قيده فوزن فوجد وزنه عشرة أرطال عتق العبد بحل قيده وتبينا أنه ما عتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به وهل يلزم الشاهدين ضمان قيمته فيه وجهان‏:‏ أحدهما أنه يلزمهما ضمانها لأن شهادتهما الكاذبة سبب عتقه وإتلافه فضممناه كالشهادة المرجوع عنها‏,‏ ولأن عتقه حصل بحكم المبني على الشهادة الكاذبة فأشبه الحكم بالشهادة التي يرجعان عنها وهذا قول أبي حنيفة والثاني لا ضمان عليهما وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن عتقه لم يحصل بالحكم المبني على شهادتهما وإنما حصل بحل قيده ولم يشهدا به فوجب أن لا يضمنا كما لو لم يحكم الحاكم‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لعبده أنت حر متى شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فمتى شاء عتق سواء كان على الفور أو التراخي وإن قال أنت حر إن شئت فكذلك‏,‏ ويحتمل أن يقف ذلك على المجلس لأن ذلك بمنزلة التخيير ولو قال لامرأته اختاري نفسك لم يكن لها الاختيار إلا على الفور فإن تراخي ذلك بطل خيارها كذا تعليقه بالمشيئة من غير أن يقرنه بزمن يدل على التراخي وإن قال أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال‏,‏ وهو قول أبي حنيفة لأن كيف لا تقتضي شرطا ولا وقتا ولا مكانا فلا تقتضي توقيف العتق وإنما هي صفة للحال فتقتضي وقوع الحرية على أي حال شاء ويحتمل أن لا يعتق حتى يشاء‏,‏ وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن المشيئة تقتضي الخيار فتقتضي أن لا يعتق قبل اختياره كما لو قال أنت حر متى شئت لأن كيف تعطي ما تعطي متى وأي فحكمها حكمهما وقد ذكر أبو الخطاب في الطلاق أنه إذا قال لزوجته أنت طالق متى شئت وحيث شئت لم تطلق حتى تشاء فيجيء ها هنا مثله‏.‏

فصل‏:‏

وتعليق العتق على أداء شيء ينقسم ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏

تعليقه على صفة محضة كقوله إن أديت إلى ألفا فأنت حر فهذه صفة لازمة لا سبيل إلى إبطالها لأنه ألزمها نفسه طوعا فلم يملك إبطالها كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر‏,‏ ولو اتفق السيد والعبد على إبطالها لم تبطل بذلك ولو أبرأه السيد من الألف لم يعتق بذلك ولم يبطل الشرط لأنه لا حق في ذمته يبرئه منه وإنما هو تعليق على شرط محض‏,‏ وإن مات السيد انفسخت الصفة لأن ملكه زال عنه فلا ينفذ عتقه في ملك غيره وإن زال ملكه ببيع أو هبة زالت الصفة فإن عاد إلى ملكه عاد كما ذكرنا فيما قبل ومتى وجدت الصفة عتق ولم يحتج إلى تجديد إعتاق من جهة السيد لأنه إزالة ملك معلق على صفة وهو قابل للتعليق فيوجد بوجود الصفة كالطلاق وما يكسبه العبد قبل وجود الشرط فهو لسيده لأنه لم يوجد عقد يمنع كون كسبه لسيده إلا أن ما يأخذه السيد منه يحسبه من الألف التي أداها‏,‏ فإذا كمل أداؤها عتق وما فضل في يده لسيده وإن كان المعلق عتقه أمة فولدت لم يتبعها ولدها في أحد الوجهين لأنها أمة فأشبه ما لو قال إن دخلت الدار فأنت حرة ولا تجب عليها قيمة نفسها لأنه عتق من السيد بصفة فأشبه ما لو باشر عتقها ولا يعتق حتى يؤدي الألف بكمالها وذكر القاضي أن من أصلنا‏,‏ أن العتق المعلق بصفة يوجد بوجود بعضها كما لو قال‏:‏ أنت حر إن أكلت رغيفا فأكل بعضه وهذا لا يصح لوجوه‏:‏ أحدها‏,‏ أن أداء الألف شرط العتق وشروط الأحكام يعتبر وجودها بكمالها لثبوت الأحكام وتنتفي بانتفائها بدليل سائر شروط الأحكام الثاني‏,‏ أنه إذا علقه على وصف ذي عدد فالعدد وصف في الشرط ومتى علق الحكم على شرط ذي وصف‏,‏ لا يثبت ما لم توجد الصفة كما لو قال لعبده‏:‏ إن خرجت عاريا فأنت حر فخرج لابسا‏,‏ لا يعتق فكذلك العدد الثالث أنه متى كان في اللفظ ما يدل على الكل‏,‏ لم يحنث بفعل البعض وكذلك لو حلف‏:‏ لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يسمى صلاة ولو حلف‏:‏ لا صمت صياما لم يحنث حتى يصوم يوما ولو قال لامرأته‏:‏ إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من الحيضة وقد ذكر القاضي هذه المسائل ونظائرها وذكر الألف ها هنا يدل على إرادته أداء الألف كاملة الرابع‏,‏ أننا لا نسلم هذا الأصل الذي ادعاه وأنه إذا قال له‏:‏ أنت حر إن أكلت رغيفا لم يعتق بأكل بعضه وإنما إذا حلف لا يفعل شيئا‏,‏ ففعل بعضه حنث في رواية‏,‏ في موضع يحتمل إرادة البعض ويتناوله اللفظ كمن حلف لا يصلى فشرع في الصلاة‏,‏ أو لا يصوم فشرع في الصوم أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه ونحو هذا لأن الشارع في الصلاة والصيام قد صلى وصام ذلك الجزء الذي شرع فيه والقدر الذي شربه من الإناء هو ماء الإناء‏,‏ وقرينة حاله تقتضي المنع من الكل فتقتضي الامتناع من الكل ومتى فعل البعض‏,‏ فما امتنع من الكل فحنث لذلك ولو حلف على فعل شيء لم يبرأ إلا بفعل الجميع وفي مسألتنا‏,‏ تعليق الحرية على أداء الألف يقتضي وجود أدائها فلا يثبت الحكم المعلق عليها دون أدائها‏,‏ كمن حلف ليؤدين ألفا لم يبرأ حتى يؤديها الخامس أن موضوع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة‏,‏ على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من قال لا إله إلا الله دخل الجنة‏)‏ فلو قال بعضها مقتصرا عليه لم يستحق إلا العقوبة وقال‏:‏ ‏(‏من أحيا أرضا ميتة‏,‏ فهي له‏)‏ فلو شرع في الإحياء لم تكن له ولو قال في المسابقة‏:‏ من سبق إلى خمس إصابات فهو سابق فسبق إلى أربع‏,‏ لم يكن سابقا ولو قال‏:‏ من رد ضالتي فله دينار فشرع في ردها لم يستحق شيئا فكيف يخالف موضوعات الشرع واللغة بغير دليل‏,‏ وإنما الذي جاء عن أحمد في الأيمان فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه يحنث‏,‏ لأن اليمين على الترك يقصد بها المنع فنزلت منزلة النهي والنهي عن فعل شيء يقتضي المنع من بعضه بخلاف تعليق المشروط على الشرط‏,‏ والله أعلم‏.‏

القسم الثاني‏:‏

صفة جمعت معاوضة وصفة المغلب فيها حكم المعاوضة وهي الكتابة الصحيحة‏,‏ فهي مساوية للصفة المحضة في العتق بوجودها وأنه لا يجب عليه قيمة نفسه وأن الولاء لسيده‏,‏ وتخالفها في أنه لو أبرأه السيد من المال منه وعتق لأن ذمته مشغولة به فبرئ منه بإبرائه كثمن المبيع ولا ينفسخ بموت السيد‏,‏ ولا بيع المكاتب ولا هبته لأنه عقد معاوضة لازم أشبه البيع‏,‏ وما كسبه قبل الأداء فهو له وما فضل في يده بعد الأداء فهو له وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة يعتقون بعتقها‏.‏

القسم الثالث‏:‏

صفة فيها معاوضة‏,‏ والمغلب فيها حكم الصفة وهي الكتابة الفاسدة نحو الكتابة على مجهول‏,‏ أو نجم واحد أو مع إخلال شرط من شروط الكتابة فتساوي الصفة المحضة والكتابة في أنه لا يعتق بالأداء لأنه عتق معلق على شرط‏,‏ ولا تلزمه قيمة نفسه ولا يبطل بجنون المكاتب ولا الحجر عليه‏,‏ لأن الحجر للرق لا يمنع صحة كتابته فلا يقتضي حدوثه إبطالها وإن أدى حال جنونه عتق لأن الصفة وجدت وقال أبو بكر‏:‏ لا يعتق بذلك‏,‏ ويفارقهما في أن للسيد فسخها ورفعها لأنها فاسدة والفاسد يشرع رفعه وإزالته ويفارق الكتابة الصحيحة‏,‏ في أنها تبطل بموت السيد وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه عقد جائز من جهته فبطل بهذه الأمور كالوكالة والمضاربة‏,‏ وقد قال أحمد إذا وسوس فهو بمنزلة الموت وهذا قول القاضي وقال أبو بكر‏:‏ لا تبطل بشيء من ذلك لأنه عقد كتابة فلم يبطل بذلك كالصحيحة‏,‏ وتفارق الصفة المحضة في أن كسب العبد قبل الأداء له وما فضل في يده بعد الأداء فهو له دون سيده ويتبع المكاتبة ولدها‏,‏ حملا لها على الكتابة الصحيحة في أحد الوجهين فيهما وفي الآخر لا يستحق كسبه ولا يتبع المكاتبة ولدها لأن العتق حصل بالصفة‏,‏ لا بالكتابة فأما الكتابة بمحرم كالخمر والخنزير فقال القاضي‏:‏ هي كتابة فاسدة‏,‏ حكمها حكم ما ذكرنا ويعتق فيها بالأداء وقال أبو بكر‏:‏ لا يعتق فيها بالأداء وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني‏,‏ إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة وينبغي أن يقال‏:‏ إن علق العتق على أداء المحرم‏,‏ عتق به كما لو علق العتق على السرقة وشرب الخمر وإن قال‏:‏ كاتبتك على خمر لم يعتق بأدائه كقول أبي بكر‏,‏ والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال لعبده‏:‏ أنت حر وعليك ألف عتق ولا شيء عليه لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضا لم يقبله‏,‏ فيعتق ولم يلزمه الألف هكذا ذكر المتأخرون من أصحابنا ونقل جعفر بن محمد قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله قيل له‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت حر وعليك ألف درهم قال جيد قيل له‏:‏ فإن لم يرض العبد‏؟‏ قال‏:‏ لا يعتق‏,‏ إنما قاله له على أن يؤدي إليه ألف درهم فإن لم يؤد فلا شيء وإن قال‏:‏ أنت حر على ألف فكذلك في إحدى الروايتين لأن ‏"‏ على ‏"‏ ليست من أدوات الشرط ولا البدل‏,‏ فأشبه قوله‏:‏ وعليك ألف والثانية إن قبل العبد‏,‏ عتق ولزمته الألف وإن لم يقبل‏,‏ لم يعتق وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة لأنه أعتقه بعوض‏,‏ فلم يعتق بدون قبوله كما لو قال‏:‏ أنت حر بألف وهذه الرواية أصح لأن ‏"‏ على ‏"‏ تستعمل للشرط والعوض قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا‏}‏ وقال تعالى ‏{‏فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا‏}‏ ولو قال في النكاح‏:‏ زوجتك ابنتي فلانة‏,‏ على صداق خمسمائة درهم فقال الآخر‏:‏ قبلت صح النكاح وثبت الصداق وقال الفقهاء‏:‏ إذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها‏,‏ كان ذلك جائزا فأما إذا قال‏:‏ أعتقتك على أن تخدمني سنة فقبل ففيها روايتان كالتي قبلها وقيل‏:‏ إن لم يقبل العبد‏,‏ لم يعتق رواية واحدة فعلى هذا إذا قبل العبد عتق في الحال‏,‏ ولزمته خدمته سنة فإن مات السيد قبل كمال السنة رجع على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ تقسط قيمة العبد على خدمة السنة فيقسط منها بقدر ما مضى‏,‏ ويرجع عليه بما بقي من قيمته ولنا أن العتق عقد لا يلحقه الفسخ فإذا تعذر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته‏,‏ كالخلع في النكاح والصلح في دم العمد وإن قال‏:‏ أنت حر على أن تعطيني ألفا فالصحيح أنه لا يعتق حتى يقبل‏,‏ فإذا قبل عتق ولزمه الألف وإن قال‏:‏ أنت حر بألف لم يعتق حتى يقبل‏,‏ فيعتق ويلزمه ألف‏.‏

فصل‏:‏

وإذا علق عتق أمته بصفة وهي حامل‏,‏ تبعها ولدها في ذلك لأنه كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت الصفة‏,‏ عتق لأنه تابع في الصفة فأشبه ما لو كان في الصفة فأشبه ما لو كان في البطن وإن كانت حائلا حين التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل‏,‏ عتقت هي وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالمنجز وإن حملت بعد التعليق‏,‏ وولدت قبل وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لأن الصفة لم تتعلق به لا في حال التعليق‏,‏ ولا في حال العتق وفيه وجه آخر أنه يتبعها في العتق قياسا على ولد المدبرة وإن بطلت الصفة ببيع أو موت‏,‏ لم يعتق الولد لأنه إنما يبيعها في العتق لا في الصفة فإذا لم توجد فيها‏,‏ لم يوجد فيه بخلاف ولد المدبرة فإنه تبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقي فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا أسلمت أم ولد النصراني‏,‏ منع من غشيانها والتلذذ بها وأجبر على نفقتها‏,‏ فإن أسلم حلت له وإذا مات عتقت ‏]‏

هذه المسألة يؤخر شرحها إلى باب عتق أمهات الأولاد فإنه أليق بها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا قال لأمته‏:‏ أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين‏,‏ أقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حر إذا أشكل أولهما خروجا ‏]‏

إنما كان كذلك لأن أحدهما استحق العتق‏,‏ ولم يعلم بعينه فوجب إخراجه بالقرعة كما لو قال لعبيده‏:‏ كذلك أحدكم حر وقد سبق القول في هذه المسألة فأما إن علم أولهما خروجا‏,‏ فهو الحر وحده وهذا قول مالك والثوري وأبي هاشم والشافعي‏,‏ وابن المنذر وقال الحسن والشعبي وقتادة‏:‏ إذا ولدت ولدين في بطن فهما حران ولنا أنه إنما أعتق الأول‏,‏ والذي خرج أولا هو أول المولودين فاختص العتق به كما لو ولدتهما في بطنين‏.‏

فصل‏:‏

فإن ولدت الأول ميتا والثاني حيا فذكر الشريف أنه يعتق الحي منهما وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف‏,‏ ومحمد والشافعي‏:‏ لا يعتق واحد منهما وهو الصحيح -إن شاء الله تعالى- لأن شرط العتق إنما وجد في الميت‏,‏ وليس بمحل للعتق فانحلت اليمين به وإنما قلنا‏:‏ إن شرط العتق إنما وجد فيه لأنه أول ولد‏,‏ بدليل أنه لو قال لأمته‏:‏ إذا ولدت ولدا فأنت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت ووجه الأول‏,‏ أن العتق يستحيل في الميت فتعلقت اليمين بالحي كما لو قال‏:‏ إن ضربت فلانا‏,‏ فعبدي حر فضربه حيا عتق وإن ضربه ميتا‏,‏ لم يعتق ولأنه معلوم من طريق العادة أنه قصد عقد يمينه على ولد يصح العتق فيه وهو أن يكون حيا‏,‏ فتصير الحياة مشروطة فيه فكأنه قال أول ولد تلدينه حيا فهو حر‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لأمته‏:‏ كل ولد تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته في قول جمهور العلماء منهم مالك والشافعي‏,‏ والأوزاعي والليث والثوري قال ابن المنذر ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم فإن باع الأمة‏,‏ ثم ولدت لم يعتق ولدها لأنها ولدتهم بعد زوال ملكه‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أول غلام أملكه فهو حر انبنى ذلك على العتق قبل الملك‏,‏ وفيه روايتان فإن قلنا يصح عتق أول من يملكه فإن ملك اثنين عتق أحدهما بالقرعة في قياس قول أحمد فإنه قال‏,‏ في رواية مهنا‏:‏ إذا قال‏:‏ أول من يطلع من عبيدي فهو حر فطلع اثنان أو جميعهم‏,‏ فإنه يقرع بينهم ويحتمل أن يعتقا جميعا لأن الأولية وجدت فيهما جميعا فتثبت الحرية فيهما كما لو قال في المسابقة‏:‏ من سبق‏,‏ فله عشرة فسبق اثنان اشتركا في العشرة وقال النخعي‏:‏ يعتق أيهما شاء وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يعتق واحد منهما لأنه لا أول فيهما لأن كل واحد منهما مساو للآخر ومن شرط الأولية سبق الأول ولنا أن هذين لم يسبقهما غيرهما‏,‏ فكانا أول كالواحد وليس من شرط أن يأتى بعده ثان‏,‏ بدليل ما لو ملك واحدا ولم يملك بعده شيئا وإذا كانت الصفة موجودة فيهما فإما أن يعتقا جميعا‏,‏ أو يعتق أحدهما وتعينه القرعة على ما ذكرنا من قبل وكذلك الحكم فيما إذا قال‏:‏ أول ولد تلدينه‏,‏ فهو حر فولدت اثنين وخرجا جميعا معا فالحكم فيهما كذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال‏:‏ آخر عبد أملكه فهو حر فملك عبيدا‏,‏ لم يحكم بعتق واحد منهم حتى يموت لأنهما حيا فهو يحتمل أن يملك عبدا يكون هو الآخر فإذا مات‏,‏ عتق آخرهم وتبينا أنه كان حرا حين ملكه فيكون إكسابه له وإن كانت أمة كان أولادها أحرارا من حين ولدتهم لأنهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه مهرها لأنه وطئ حرة أجنبية‏,‏ ولا يحل له أن يطأها حين ملكها حتى يملك بعدها غيرها لأنهما يملك بعدها غيرها فهي آخر في الحال‏,‏ وإنما يزول ذلك بملك غيرها فوجب أن يحرم الوطء وإن ملك اثنين دفعة واحدة ثم مات‏,‏ فالحكم في عتقهما كالحكم فيما إذا ملك اثنين في المسألة التي قبلها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا قال العبد لرجل اشترني من سيدي بهذا المال فأعتقني ففعل‏,‏ فقد صار حرا وعلى المشتري أن يؤدي إلى البائع مثل الذي اشتراه به وولاؤه للذي اشتراه‏,‏ إلا أن يكون قال له‏:‏ بعني بهذا المال فيكون الشراء والعتق باطلا ويكون السيد قد أخذ ماله ‏]‏

وجملته أن العبد إذا دفع إلى أجنبي مالا وقال‏:‏ اشترني من سيدي بهذا الألف فأعتقني ففعل لم يخل من أن يشتريه بعين المال‏,‏ أو في ذمته ثم ينقد المال فإن اشتراه في ذمته‏,‏ فأعتقه فالشراء صحيح والعتق جائز لأنه ملكه بالشراء فنفذ عتقه له وعلى المشتري أداء الثمن الذي اشتراه به لأنه لزمه الثمن بالبيع‏,‏ والذي دفعه إلى السيد كان ملكا له لا يحتسب له به من الثمن فيبقى الثمن واجبا عليه‏,‏ يلزمه أداؤه وكان العتق من ماله والولاء له وبهذا قال الشافعي‏,‏ وابن المنذر وأما إن اشتراه بعين المال فالشراء باطل‏,‏ والعتق غير واقع لأنه اشترى بعين مال غيره شيئا بغير إذنه فلم يصح الشراء ولم يقع العتق لأنه أعتق مملوك غيره بغير إذنه‏,‏ ويكون السيد قد أخذ ماله لأن ما في يد العبد محكوم به لسيده وعلى الرواية التي تقول‏:‏ إن النقود لا تتعين بالتعيين في العقود يصح البيع والعتق ويكون الحكم كما لو اشتراه في ذمته ونحو هذا قال النخعي وإسحاق‏,‏ فإنهما قالا‏:‏ الشراء والعتق جائزان ويرد المشتري مثل الثمن من غير تفريق وقال الحسن البيع والعتق باطلان وقال الشعبي‏:‏ لا يجوز ذلك ويعاقب من فعله‏,‏ من غير تفريق أيضا وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق وفيه توسط بين المذهبين فكان أولى‏,‏ -إن شاء الله تعالى-‏.‏

فصل‏:‏

ولو كان العبد بين شريكين فأعطى العبد أحدهما خمسين دينارا على أن يعتق نصيبه منه‏,‏ فأعتقه عتق وسرى إلى باقيه إن كان موسرا‏,‏ ورجع عليه شريكه بنصف الخمسين وبنصف قيمة العبد لأن ما في يد العبد يكون بين سيديه لا ينفرد به أحدهما‏,‏ إلا أن نصيب المعتق ينفذ فيه العتق وإن كان العوض مستحقا إذ لم يقع العتق على عينها‏,‏ وإنما سمى خمسين ثم دفعها إليه وإن أوقع العتق على عينها يجب أن يرجع على العبد بقيمة ما أعتقه بالعوض المستحق ويسري العتق إلى نصيب شريكه‏,‏ فيرجع بقيمته ويكون الولاء للمعتق‏.‏

فصل‏:‏

ولو وكل أحد الشريكين شريكه في عتق نصيبه فقال الوكيل‏:‏ نصيبي حر عتق وسرى إلى نصيب شريكه‏,‏ يكون الولاء له وإن أعتق نصيب الموكل عتق وسرى إلى نصيبه‏,‏ والولاء للموكل وإن أعتق نصف العبد ولم ينو شيئا احتمل أن ينصرف إلى نصيبه لأنه لا يحتاج إلى نية‏,‏ ونصيب شريكه يفتقر إلى النية ولم ينو ذلك واحتمل أن ينصرف إلى نصيب شريكه لأنه أمره بالإعتاق فانصرف إلى ما أمر به ويحتمل أن ينصرف إليهما لأنهما تساويا‏,‏ فانصرف إليهما وأيهما حكمنا بالعتق عليه ضمن نصيب شريكه ويحتمل أن لا يضمن لأن الوكيل إن أعتق نصيبه‏,‏ فسرى إلى نصيب شريكه لم يضمنه لأنه مأذون له في العتق‏,‏ وقد أعتق بالسراية فلم يضمن كمن أذن له في إتلاف شيء‏,‏ فإنه لا يضمنه وإن أتلفه بالسراية وإذا أعتق نصيب شريكه لم يلزم شريكه الضمان لأنه مباشر لسبب الإتلاف فلم يجب له ضمان ما تلف به كما لو قال له أجنبي‏:‏ أعتق عبدك فأعتقه والله أعلم‏.‏