فصل: فصل: في العتق وفضله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب العتق‏:‏

العتق في اللغة‏:‏ الخلوص ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير أي خالصتها وسمى البيت الحرام عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة وهو في الشرع تحرير الرقبة وتخليصها من الرق يقال‏:‏ عتق العبد‏,‏ وأعتقته أنا وهو عتيق ومعتق والأصل فيه الكتاب‏,‏ والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فك رقبة‏}‏ وأما السنة فما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار‏,‏ حتى إنه ليعتق باليد اليد وبالرجل الرجل وبالفرج الفرج‏)‏ متفق عليه في أخبار كثيرة سوى هذا وأجمعت الأمة على صحة العتق‏,‏ وحصول القربة به‏.‏

فصل‏:‏

والعتق من أفضل القرب إلى الله تعالى لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل والوطء في رمضان والأيمان وجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فكاكا لمعتقه من النار‏,‏ ولأن فيه تخليصا للآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه وتكميل أحكامه وتمكنه من التصرف في نفسه ومنافعه‏,‏ على حسب إرادته واختياره وإعتاق الرجل أفضل من إعتاق المرأة لما روى كعب بن مرة البهزي قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ‏(‏أيما رجل أعتق رجلا مسلما كان فكاكه من النار يجزي بكل عظم من عظامه عظما من عظامه‏,‏ وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزي بكل عظم من عظامهما‏,‏ عظما من عظامه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة‏,‏ كانت فكاكها من النار تجزي بكل عظم من عظامها عظما من عظامها‏)‏ والمستحب عتق من له دين وكسب ينتفع بالعتق فأما من يتضرر بالعتق‏,‏ كمن لا كسب له تسقط نفقته عن سيده فيضيع‏,‏ أو يصير كلا على الناس ويحتاج إلى المسألة‏,‏ فلا يستحب عتقه وإن كان ممن يخاف عليه المضي إلى دار الحرب والرجوع عن دين الإسلام أو يخاف عليه الفساد‏,‏ كعبد يخاف أنه إذا أعتق واحتاج سرق وفسق وقطع الطريق أو جارية يخاف منها الزنى والفساد‏,‏ كره إعتاقه وإن غلب على الظن إفضاؤه إلى هذا كان محرما لأن التوسل إلى الحرام حرام وإن أعتقه صح لأنه إعتاق صدر من أهله في محله فصح‏,‏ كإعتاق غيره

فصل‏:‏

ويحصل العتق بالقول والملك والاستيلاد ونذكر ذلك في مواضعه -إن شاء الله تعالى- ولا يحصل بالنية المجردة لأنه إزالة ملك‏,‏ فلا يحصل بالنية المجردة كسائر الإزالة وألفاظه تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح لفظ الحرية والعتق‏,‏ وما تصرف منهما نحو‏:‏ أنت حر أو محرر‏,‏ أو عتيق أو معتق أو أعتقتك لأن هذين اللفظين وردا في الكتاب والسنة‏,‏ وهما يستعملان في العتق عرفا فكانا صريحين فيه فمتى أتى بشيء من هذه الألفاظ‏,‏ حصل به العتق وإن لم ينو شيئا عتق أيضا قال أحمد في رجل لقى امرأة في الطريق‏,‏ فقال‏:‏ تنحى يا حرة فإذا هي جاريته قال‏:‏ قد عتقت عليه وقال في رجل قال لخدم قيام في وليمة‏:‏ مروا أنتم أحرار وكانت معهم أم ولد له‏,‏ لم يعلم بها قال‏:‏ هذا عندي تعتق أم ولده ويحتمل أن لا تعتق في هذين الموضعين لأنه قصد باللفظة الأولى غير العتق فلم تعتق بها‏,‏ كما لو قال‏:‏ عبدي حر يريد أنه عفيف كريم الأخلاق وباللفظة الثانية أراد غير أم ولده فأشبه ما لو نادى من نسائه‏,‏ فأجابته غيرها فقال‏:‏ أنت طالق يحسبها التي ناداها فإنها لا تطلق‏,‏ على رواية فكذا ها هنا فأما إن قصد غير العتق كالرجل يقول‏:‏ عبدي هذا حر يريد عفته‏,‏ وكرم أخلاقه أو يقول لعبده‏:‏ ما أنت إلا حر أي‏:‏ إنك لا تطيعني ولا ترى لي عليك حقا ولا طاعة فلا يعتق في ظاهر المذهب قال حنبل‏:‏ سئل أبو عبد الله‏,‏ عن رجل قال لغلامه‏:‏ أنت حر وهو يعاتبه‏؟‏ فقال‏:‏ إذا كان لا يريد به العتق يقول‏:‏ كأنك حر ولا يريد أن يكون حرا‏,‏ أو كلاما نحو هذا رجوت أن لا يعتق وأنا أهاب المسألة لأنه نوى بكلامه ما يحتمله‏,‏ فانصرف إليه كما لو نوى بكناية العتق العتق وبهذا قال الثوري وابن المنذر قال‏:‏ وإن طلب استحلافه‏,‏ حلف وبيان احتمال اللفظ لما أراده أن المرأة الحرة تمدح بهذا فيقال‏:‏ امرأة حرة يعنون عفيفة‏,‏ وتمدح المملوكة به أيضا ويقال للحيي الكريم الأخلاق‏:‏ حر قالت سبيعة ترثي عبد المطلب شعرا‏:‏

ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة ** ويوم على حر كريم الشمائل

وأما الكناية فنحو قوله‏:‏ لا سبيل لي عليك‏,‏ ولا سلطان لي عليك وأنت سائبة واذهب حيث شئت‏,‏ وقد خليتك فهذا إن نوى به العتق عتق لأنه يحتمله وإن لم ينوه به لم يعتق لأنه يحتمل غيره ولم يرد به كتاب‏,‏ ولا سنة ولا عرف استعمال وذكر القاضي وأبو الخطاب‏,‏ في قوله‏:‏ لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك روايتين إحداهما أنه صريح والثانية‏,‏ أنه كناية وهو الصحيح لما ذكرناه فأما إن قال‏:‏ لا رق لي عليك ولا ملك لي عليك وأنت لله فقال القاضي‏:‏ هو صريح نص عليه أحمد وذكر أبو الخطاب فيه روايتين ولا خلاف في المذهب أنه يعتق به إذا نوى‏,‏ وممن قال‏:‏ يعتق بقوله‏:‏ أنت لله إذا نوى الشعبي والمسيب بن رافع وحماد والشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يعتق به لأن مقتضاه‏,‏ أنت عبد الله أو مخلوق لله وهذا لا يقتضي العتق ولنا أنه يحتمل‏:‏ أنه حر لله أو عتيق لله‏,‏ أو عبد لله وحده لست بعبد لي ولا لأحد سوى الله فإذا نوى الحرية به وقعت‏,‏ كسائر الكنايات وما ذكروه لا يصح لأن احتماله لما ذكروه لا يمنع احتماله لما ذكرناه بدليل سائر الكنايات فإنها تحتمل العتق وغيره‏,‏ ولو لم تحتمل إلا العتق لكانت صريحة فيه وما يحتمل أمرين انصرف إلى أحدهما بالنية‏,‏ وهذا شأن الكنايات وما ذكروه من الاحتمال يدل على أن هذا ليس بصريح وإنما هو كناية وقوله‏:‏ لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك خبر عن انتفاء ملكه ورقه‏,‏ لم يرد به شرع ولا عرف استعمال في العتق فلم يكن صريحا فيه‏,‏ كقوله‏:‏ ما أنت عبدي ولا مملوكي وقوله لامرأته‏:‏ ما أنت امرأتي ولا زوجتي‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لأمته‏:‏ أنت طالق ينوي العتق به‏,‏ ففيه روايتان إحداهما لا تعتق به وهو قول أبي حنيفة لأن الطلاق لفظ وضع لإزالة الملك عن المنفعة فلم يزل به الملك عن الرقبة‏,‏ كفسخ الإجارة ولأن ملك الرقبة لا يستدرك بالرجعة فلا ينحل بالطلاق‏,‏ كسائر الأملاك والرواية الثانية هو كناية تعتق به الأمة إذا نوى العتق وهو قول مالك والشافعي لأن الرق أحد الملكين على الآدمي‏,‏ فيزول بلفظ الطلاق كالآخر أو فيكون اللفظ الموضوع لإزالة أحدهما كناية في إزالة الآخر‏,‏ كالحرية في إزالة النكاح ولأن فيه معنى الإطلاق فإذا نوى به إطلاقها من ملكه‏,‏ فقد نوى بلفظه ما يحتمله فتحصل به الحرية كسائر كنايات العتق‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لأكبر منه‏,‏ أو لمن لا يولد لمثله‏:‏ هذا ابني مثل أن يقول من له عشرون سنة لمن له خمس عشرة سنة‏:‏ هذا ابني لم يعتق ولم يثبت نسبه وقال أبو حنيفة‏:‏ يعتق وخرجه أبو الخطاب وجها لنا لأنه اعترف بما تثبت به حريته فأشبه ما لو أقر بها ولنا أنه قول يتحقق كذبه فيه‏,‏ فلم تثبت به الحرية كما لو قال لطفل‏:‏ هذا أبي أو لطفلة‏:‏ هذه أمي قال ابن المنذر هذا من قول النعمان شاذ لم يسبقه أحد إليه‏,‏ ولا تبعه أحد عليه وهو محال من الكلام وكذب يقينا‏,‏ ولو جاز هذا لجاز أن يقول الرجل لطفل‏:‏ هذا أبي ولأنه لو قال لزوجته وهي أسن منه‏:‏ هذه ابنتي أو قال لها‏,‏ وهو أسن منها‏:‏ هذه أمي لم تطلق كذا هذا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لأمته‏:‏ أنت حرام على ينوي به العتق عتقت وذكر أبو الخطاب أن فيها رواية أخرى‏,‏ لا تعتق كقوله لها‏:‏ أنت طالق والصحيح أنها تعتق به لأنه يحتمل أنت حرام على لكونك حرة فتعتق به كقوله‏:‏ لا سبيل لي عليك‏.‏

فصل‏:‏

ويصح العتق من كل من يجوز تصرفه في المال‏,‏ وهو البالغ العاقل الرشيد سواء كان مسلما أو ذميا‏,‏ أو حربيا ولا نعلم في هذا خلافا إلا عن أبي حنيفة ومن وافقه في أن عتق الحربي لا يصح لأنه لا ملك له التمام‏,‏ بدليل إباحة أخذه منه وانتقاء عصمته في نفسه وماله ولنا أنه يصح طلاقه‏,‏ فصح إعتاقه كالذمي ولأنه مالك بالغ عاقل‏,‏ رشيد فصح إعتاقه كالذمي وقولهم‏:‏ لا ملك له لا يصح فإنهم قد قالوا‏:‏ إنهم يملكون أموال المسلمين بالقهر‏,‏ فلأن يثبت الملك لهم في غير ذلك أولى‏.‏

فصل‏:‏

ولا يصح من غير جائز التصرف فلا يصح عتق الصبي والمجنون قال ابن المنذر‏:‏ هذا قول عامة أهل العلم‏,‏ وممن حفظنا عنه ذلك الحسن والشعبي والزهري‏,‏ ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ‏,‏ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ‏)‏ ولأنه تبرع بالمال فلم يصح منهما‏,‏ كالهبة ولا يصح عتق السفيه المحجور عليه وهو قول القاسم بن محمد وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يصح عتقه‏,‏ قياسا على طلاقه وتدبيره ولنا أنه محجور عليه في ماله لحظ نفسه فلم يصح عتقه كالصبي‏,‏ ولأنه تصرف في المال في حياته فأشبه بيعه وهبته ويفارق الطلاق لأن الحجر عليه في ماله‏,‏ والطلاق ليس بتصرف فيه ويفارق التدبير لأنه تصرف فيه بعد موته وغناه عنه بالموت ولهذا صحت وصيته‏,‏ ولم تصح هبته المنجزة وعتق السكران مبني على طلاقه وفيه من الخلاف ما فيه ولا يصح عتق المكره كما لا يصح طلاقه‏,‏ ولا بيعه ولا شيء من تصرفاته‏.‏

فصل‏:‏

ولا يصح العتق من غير المالك فلو أعتق عبيد ولده الصغير‏,‏ أو يتيمه الذي في حجره لم يصح وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك‏:‏ يصح عتق عبد ولده الصغير لقوله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ ولأن له عليه ولاية‏,‏ وله فيه حق فصح إعتاقه كماله ولنا أنه عتق من غير مالك فلم يصح‏,‏ كإعتاق عبد ولده الكبير قال ابن المنذر‏:‏ لما ورث الله الأب من مال ابنه السدس مع ولده دل على أنه لا حق له في سائره وقوله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ لم يرد به حقيقة الملك وإنما أراد المبالغة في وجوب حقه عليك‏,‏ وإمكان الأخذ من مالك وامتناع مطالبتك له بما أخذ منه ولهذا لا ينفذ إعتاقه لعبد ولده الكبير‏,‏ الذي ورد الخبر فيه وثبوت الولاية له على مال ولده أبلغ من امتناع إعتاق عبده ولأنه إنما أثبت الولاية عليه لحظ الصبي‏,‏ ليحفظ ماله عليه وينميه له ويقوم بمصالحه التي يعجز الصبي عن القيام بها‏,‏ وإذا كان مقصود الولاية الحفظ اقتضت منع التضييع والتفريط بإعتاق رقيقه والتبرع بماله ولو قال رجل لعبد آخر‏:‏ أنت حر من مالي فليس بشيء‏,‏ فإن اشتراه بعد ذلك فهو مملوكه ولا شيء عليه وبهذا قال مالك‏,‏ والشافعي وعامة الفقهاء ولو بلغ رجلا أن رجلا قال لعبده‏:‏ أنت حر من مالي فقال‏:‏ قد رضيت فليس بشيء وبهذا قال الثوري وإسحاق‏.‏

مسألة‏:‏

قال أبو القاسم -رحمه الله-‏:‏ ‏[‏ وإذا كان العبد بين ثلاثة‏,‏ فأعتقوه معا أو وكل نفسان الثالث أن يعتق حقوقهما مع حقه ففعل‏,‏ أو أعتق كل واحد منهم حقه وهو معسر فقد صار حرا‏,‏ وولاؤه بينهم أثلاثا ‏]‏

وجملته أن العبد متى كان لثلاثة فأعتقوه معا إما بأنفسهم بأن يتلفظوا بعتقه معا‏,‏ أو يعلقوا عتقه على صفة واحدة فتوجد أو يوكلوا واحدا‏,‏ فيعتقه أو يوكل نفسان منهم الثالث فيعتقه‏,‏ فإنه يصير حرا وولاؤه بينهم على قدر حقوقهم فيه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إنما الولاء لمن أعتق‏)‏ وكل واحد منهم قد أعتق حقه فيثبت له الولاء عليه وهذا لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا فأما إن أعتقه سادته الثلاثة‏,‏ واحدا بعد واحد وهم معسرون أو كان المعتقان الأولان معسرين‏,‏ والثالث موسرا فالصحيح فيه أنه يعتق على كل واحد منهم حقه وله ولاؤه‏,‏ وهذا قول أكثر أهل العلم وحكى ابن المنذر فيما إذا أعتق المعسر نصيبه قولين شاذين أحدهما أنه باطل لأنه لا يمكن أن يعتق نصفه منفردا‏,‏ إذ لا يمكن أن يكون إنسان نصفه حر ونصفه عبد كما لا يمكن أن يكون نصف المرأة طالقا‏,‏ ونصفها زوجة ولا سبيل إلى إعتاق جميعه فبطل كله والثاني‏,‏ يعتق كله وتكون قيمة نصيب الذي لم يعتق في ذمة المعتق يتبع بها إذا أيسر‏,‏ كما لو أتلفه وهذان القولان شاذان لم يقلهما من يحتج بقوله ولا يعتمد على مذهبه ويردهما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أعتق شركا له في عبد‏,‏ فكان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطى شركاؤه حصصهم‏,‏ وعتق جميع العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق‏)‏ متفق عليه وإذا ثبت أنه لا يعتق على المعسر إلا نصيبه فباقي العبد على الرق‏,‏ فإذا أعتقه مالكه عتق بإعتاقه وكان لكل واحد منهم ولاء ما أعتق لأن الولاء لمن أعتق ويفارق العتق الطلاق لكون المرأة لا يمكن الاشتراك فيها‏,‏ ولا ورود النكاح على بعضها ولا تكون إلا لواحد فنظيره إذا كان العبد لواحد‏,‏ فأعتق جزءا منه فإنه يعتق جميعه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال كل واحد من الشركاء للعبد‏:‏ إذا دخلت الدار فنصيبي منك حر فدخل‏,‏ عتق عليهم جميعا سواء قالوا ذلك دفعة واحدة أو في دفعات متفرقة لأن العتق في أنصبائهم يقع دفعة واحدة‏,‏ وإن اختلفت أوقات تعليقه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو أعتقه أحدهم وهو موسر عتق كله‏,‏ وصار لصاحبه عليه قيمة ثلثيه ‏]‏

وجملته أن الشريك إذا أعتق نصيبه من العبد وهو موسر عتق نصيبه لا نعلم خلافا فيه لما فيه من الأثر‏,‏ ولأنه جائز التصرف أعتق ملكه الذي لم يتعلق به حق غيره فنفذ فيه كما لو أعتق جميع العبد المملوك له وإذا أعتق نصيبه‏,‏ سرى العتق إلى جميعه فصار جميعه حرا وعلى المعتق قيمة أنصباء شركائه والولاء له وهذا قول مالك وابن أبي ليلى‏,‏ وابن شبرمة والثوري والشافعي وأبي يوسف ومحمد‏,‏ وإسحاق وقال البتي‏:‏ لا يعتق إلا حصة المعتق ونصيب الباقين باق على الرق ولا شيء على العتق لما روى ابن التلب‏,‏ عن أبيه ‏(‏أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فلم يضمنه النبي -صلى الله عليه وسلم-‏)‏ ذكره أحمد ورواه ولأنه لو باع نصيبه‏,‏ لاختص البيع به فكذلك العتق إلا أن تكون جارية نفيسة‏,‏ يغالي فيها فيكون ذلك بمنزلة الجناية من المعتق للضرر الذي أدخله على شريكه وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يعتق إلا حصة المعتق ولشريكه الخيار في ثلاثة أشياء إن شاء أعتق‏,‏ وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن شريكه فيعتق حينئذ ولنا الحديث الذي رويناه وهو حديث صحيح‏,‏ متفق عليه ورواه مالك في ‏"‏ موطئه ‏"‏‏,‏ عن نافع عن ابن عمر فأثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- العتق في جميعه‏,‏ وأوجب قيمة نصيب شريك المعتق الموسر عليه ولم يجعل له خيرة ولا لغيره وروى قتادة‏,‏ عن أبي المليح عن أبيه ‏(‏أن رجلا من قومه أعتق شقصا له من مملوك فرفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل خلاصه عليه في ماله‏,‏ وقال‏:‏ ليس لله شريك‏)‏ قال أبو عبد الله‏:‏ الصحيح أنه عن أبي المليح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل وليس فيه عن أبيه هذا معنى كلامه وقول البتي شاذ‏,‏ يخالف الأخبار كلها فلا يعول عليه وحديث التلب يتعين حمله على المعسر جمعا بين الأحاديث وقياس العتق على البيع لا يصح‏,‏ فإن البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله له والعتق يسري فإنه لو باع نصف عبده‏,‏ لم يسر ولو أعتق نصفه عتق كله وإذا ثبت هذا‏,‏ فإن ولاءه يكون له لأنه عتق بإعتاقه من ماله وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إنما الولاء لمن أعتق‏)‏ ولا خلاف في هذا عند من يرى عتقه عليه‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق في هذا بين كون الشركاء مسلمين أو كافرين أو بعضهم مسلما‏,‏ وبعضهم كافرا ذكره القاضي وهو قول الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ في الكافر وجه أنه إذا أعتق نصيبه من مسلم أنه لا يسري إلى باقيه‏,‏ ولا يقوم عليه لأنه لا يصح شراء الكافر عبدا مسلما ولنا عموم الخبر ولأن ذلك ثبت لإزالة الضرر فاستوى فيه المسلم والكافر‏,‏ كالرد بالعيب والغرض ها هنا تكميل العتق ودفع الضرر عن الشريك دون التمليك‏,‏ بخلاف الشراء ولو قدر أن ها هنا تمليكا لكان تقديرا في أدنى زمان حصل ضرورة تحصيل العتق‏,‏ ولا ضرر فيه فإن قدر فيه ضرر فهو مغمور بالنسبة إلى ما يحصل من العتق‏,‏ فوجوده كالعدم وقياس هذا على الشراء غير صحيح لما بينهما من الفرق والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن أعتقاه بعد عتق الأول‏,‏ وقبل أخذ القيمة لم يثبت لهما فيه عتق لأنه قد صار حرا بعتق الأول له ‏]‏

يعني أن العتق يسري إلى جميعه باللفظ لا بدفع القيمة‏,‏ فيعتق كله حين لفظ بالعتق ويصير حرا وتستقر القيمة عليه فلا يعتق بعد ذلك بعتق غيره وبهذا قال ابن شبرمة‏,‏ وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وابن المنذر والشافعي في قول له‏,‏ واختاره المزني وقال الزهري وعمرو بن دينار ومالك والشافعي في قول‏:‏ لا يعتق إلا بدفع القيمة‏,‏ ويكون قبل ذلك ملكا لصاحبه ينفذ عتقه فيه ولا ينفذ تصرفه فيه بغير العتق وهذا مقتضى قول أبي حنيفة واحتجوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏قوم عليه قيمة العدل‏,‏ فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق جميع العبد‏)‏ وفي لفظ رواه أبو داود‏:‏ ‏(‏فإن كان موسرا يقوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط‏,‏ ثم يعتق‏)‏ فجعله عتيقا بعد دفع القيمة ولأن العتق إذا ثبت بعوض ورد الشرع به مطلقا لم يعتق إلا بالأداء‏,‏ كالمكاتب وللشافعي قول ثالث أن العتق مراعى فإن دفع القيمة تبينا أنه كان عتق من حين أعتق نصيبه‏,‏ وإن لم يدفع القيمة تبينا أنه لم يكن عتق لأن فيه احتياطا لهما جميعا ولنا حديث ابن عمر روي بألفاظ مختلفة تجتمع في الدلالة على الحرية باللفظ‏,‏ فمنها لفظ رواه أيوب عن نافع‏,‏ عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من أعتق شركا له في عبد فكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل‏,‏ فهو عتيق‏)‏ رواه البخاري وأبو داود والنسائي‏,‏ وفي لفظ رواه ابن أبي مليكة عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏فكان له مال‏,‏ فقد عتق كله‏)‏ وفي رواية ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏وكان للذي يعتق ما يبلغ ثمنه‏,‏ فهو يعتق كله‏)‏ وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أعتق شقصا في مملوك فهو حر من ماله‏)‏ وهذه نصوص في محل النزاع فإنه جعله حرا وعتيقا بإعتاقه‏,‏ مشروطا بكونه موسرا ولأنه عتق بالسراية فكانت حاصلة عقيب لفظه كما لو أعتق جزءا من عبيده‏,‏ ولأن القيمة معتبرة وقت الإعتاق ولا ينفذ تصرف الشريك فيه بغير الإعتاق وعند الشافعي لا ينفذ بالإعتاق أيضا فدل على أن العتق حصل فيه بالإعتاق الأول فأما حديثهم‏,‏ فلا حجة لهم فيه فإن ‏"‏ الواو ‏"‏ لا تقتضي ترتيبا وأما العطف ب ‏"‏ ثم ‏"‏ في اللفظ الآخر لم يرد بها الترتيب‏,‏ فإنها قد ترد لغير الترتيب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم الله شهيد على ما يفعلون‏}‏ وأما العوض فإنما وجب عن المتلف بالإعتاق‏,‏ بدليل اعتباره بقيمته حين الإعتاق وعدم اعتبار التراضي فيه ووجوب القيمة من غير وكس ولا شطط‏,‏ بخلاف الكتابة فإذا ثبت هذا فإن الشريكين إذا أعتقاه بعد عتق الأول وقبل أخذ القيمة‏,‏ لم يثبت لهما فيه عتق ولا لهما عليه ولاء وولاؤه كله للمعتق الأول‏,‏ وعليه القيمة لأنه قد صار حرا بإعتاقه وعند مالك يكون ولاؤه بينهم أثلاثا ولا شيء على المعتق الأول من القيمة ولو أن المعتق الأول لم يؤد القيمة حتى أفلس عتق العبد‏,‏ وكانت القيمة في ذمته دينا يزاحم بها الشريكان عندنا وعند مالك لا يعتق منه إلا ما عتق ولو كان المعتق جارية حاملا‏,‏ فلم تؤد القيمة حتى وضعت حملها فليس على المعتق إلا قيمتها حين أعتقها لأنه حينئذ حررها وعند مالك يقوم ولدها أيضا ولو تلف العبد قبل أداء القيمة‏,‏ مات حرا والقيمة على المعتق لأنه فوت عليه رقه وعند مالك لا شيء على المعتق‏,‏ ما لم يقوم ويحكم بقيمته فهو في جميع أحكامه عبد‏.‏

فصل‏:‏

والقيمة معتبرة حين اللفظ بالعتق لأنه حين الإتلاف‏,‏ وهو أحد أقوال الشافعي وللشريك مطالبة المعتق بالقيمة على الأقوال كلها فإن اختلفا في قدرها‏,‏ رجع إلى قول المقومين فإن كان العبد قد مات أو غاب أو تأخر تقويمه زمنا تختلف فيه القيم‏,‏ ولم تكن بينة فالقول قول المعتق لأنه ينكر الزيادة والأصل براءة ذمته منها وهذا أحد قولي الشافعي وإن اختلف في صناعة في العبد توجب زيادة القيمة‏,‏ فالقول قول المعتق لذلك إلا أن يكون العبد يحسن الصناعة في الحال ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه‏,‏ فالقول قول الشريك لأننا علمنا صدقه وإن مضى زمن يمكن حدوثها فيه ففيه وجهان أحدهما القول قول المعتق لأن الأصل براءة ذمته والثاني‏,‏ القول قول الشريك لأن الأصل بقاء ما كان وعدم الحدوث وإن اختلفا في عيب ينقص القيمة كسرقة أو إباق‏,‏ فالقول قول الشريك لأن الأصل السلامة فبالجهة التي رجحنا قول المعتق في نفي الصناعة نرجح قول الشريك في نفي العيب‏,‏ وإن كان العيب فيه حال الاختلاف واختلفا في حدوثه فالقول قول المعتق لأن الأصل براءة ذمته‏,‏ وبقاء ما كان على ما كان وعدم حدوث العيب فيه ويحتمل أن يكون القول قول الشريك لأن الأصل براءته من العيب حين الإعتاق‏.‏

فصل‏:‏

والمعتبر في اليسار في هذا أن يكون له فضل عن قوته‏,‏ يومه وليلته وما يحتاج إليه من حوائجه الأصلية من الكسوة والمسكن‏,‏ وسائر ما لا بد له منه يدفعه إلى شريكه ذكره أبو بكر في ‏"‏ التنبيه ‏"‏ وإن وجد بعض ما يفى بالقيمة‏,‏ قوم عليه قدر ما يملكه منه ذكره أحمد في رواية ابن منصور وهو قول مالك وقال أحمد‏:‏ لا تباع فيه دار ولا رباع ومقتضى هذا‏,‏ أن لا يباع له أصل مال وقال مالك والشافعي‏:‏ يباع عليه سوار بيته وما له بال من كسوته‏,‏ ويقضى عليه في ذلك ما يقضى عليه في سائر الدعاوى والمعتبر في ذلك حال تلفظه بالعتق لأنه حال الوجوب فإن أيسر المعسر بعد ذلك لم يسر إعتاقه‏,‏ وإن أعسر الموسر لم يسقط ما وجب عليه لأنه وجب عليه فلم يسقط بإعساره‏,‏ كدين الإتلاف نص على هذا أحمد‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال أحد الشريكين لشريكه‏:‏ إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتقا معا‏,‏ ولم يلزم المعتق شيء وقيل‏:‏ يعتق كله على المعتق لأن إعتاق نصيبه شرط عتق نصيب شريكه فيلزم أن يكون سابقا عليه والأول أولى لأنه أمكن العمل بمقتضى شرطه فوجب حمله عليه‏,‏ كما لو وكله في إعتاق نصيبه مع نصيبه فأعتقهما معا وإن قال‏:‏ إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ إذا أعتق نصيبه سرى وعتق عليه كله‏,‏ وقوم عليه ولا يقع إعتاق شريكه لأن السراية سبقت‏,‏ فمنعت عتق الشريك ويحتمل أن يعتق عليهما جميعا لأن عتق نصيبه سبب للسراية وشرط لعتق نصيب الشريك فلم يسبق أحدهما الآخر لوجودهما في حال واحد وقد يرجح وقوع عتق الشريك لأنه تصرف منه في ملكه‏,‏ والسراية تقع في غير الملك على خلاف الأصل فكان نفوذ عتق الشريك أولى ولأن سراية العتق على خلاف الأصل لكونها إتلافا لملك المعصوم بغير رضاه وإلزاما للمعتق غرامة لم يلتزمها بغير اختياره‏,‏ وإنما يثبت لمصلحة تكميل العتق فإذا حصلت هذه المصلحة بإعتاق المالك كان أولى وإن قال‏:‏ إذا أعتقت نصيبك‏,‏ فنصيبي حر قبل إعتاقك نصيبك وقعا معا إذا أعتق نصيبه وهذا مقتضى قول أبي بكر والقاضي ومقتضى قول ابن عقيل أن يعتق كله على المعتق‏,‏ ولا يقع إعتاق شريكه لأنه أعتق في زمن ماض ومقتضى قول ابن سريج ومن وافقه ممن قال بسراية العتق أن لا يصح إعتاقه لأنه يلزم من عتقه نصيبه تقدم عتق الشريك وسرايته‏,‏ فيمتنع إعتاق نصيب هذا ويمتنع عتق نصيب الشريك ويفضي إلى الدور‏,‏ فيمتنع الجميع وقد مضى الكلام في هذا في مسائل الطلاق والله تعالى أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإن أعتقه الأول وهو معسر وأعتقه الثاني وهو موسر عتق عليه نصيبه ونصيب شريكه‏,‏ وكان ثلث ولائه للمعتق الأول وثلثاه للمعتق الثاني ‏]‏

ظاهر المذهب أن المعسر إذا أعتق نصيبه من العبد استقر فيه العتق‏,‏ ولم يسر إلى نصيب شريكه بل يبقى على الرق فإذا أعتق الثاني نصيبه‏,‏ وهو موسر عتق عليه جميع ما بقي منه نصيبه بالمياسرة ونصيب شريكه الثالث بالسراية‏,‏ وصار له ثلثا ولائه وللأول ثلثه وهذا قول إسحاق وأبي عبيد‏,‏ وابن المنذر وداود وابن جرير وهو قول مالك‏,‏ والشافعي على الوجه الذي بيناه من قولهما فيما مضى وروي عن عروة أنه اشترى عبدا أعتق نصفه فكان عروة يشاهره شهر عبد‏,‏ وشهر حر وروي عن أحمد أن المعسر إذا أعتق نصيبه استسعى العبد في قيمة حصة الباقين حتى يؤديها‏,‏ فيعتق وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والأوزاعي‏,‏ وأبي يوسف ومحمد لما روى أبو هريرة قال‏:‏ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أعتق شقصا له في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال‏,‏ وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه‏)‏ متفق عليه ورواه أبو داود قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة‏:‏ فإذا استسعى في نصف قيمته‏,‏ ثم أيسر معتقه رجع عليه بنصف القيمة لأنه هو ألجأه إلى هذا وكلفه إياه وعن أبي يوسف‏,‏ ومحمد أنهما قالا‏:‏ يعتق جميعه وتكون قيمة نصيب الشريك في ذمته لأن العتق لا يتبعض‏,‏ فإذا وجد في البعض سرى إلى جميعه كالطلاق ويلزم المعتق القيمة لأنه المتلف لنصيب صاحبه بإعتاقه‏,‏ فوجبت قيمته في ذمته كما لو أتلفه بقتله وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يسرى العتق وإنما يستحق به إعتاق النصيب الباقي‏,‏ فيتخير شريكه بين إعتاق نصيبه ويكون الولاء بينهما وبين أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه‏,‏ فإذا أداه إليه عتق والولاء بينهما ولنا حديث ابن عمر‏,‏ وهو حديث صحيح ثابت عند جميع العلماء بالحديث ولأن الاستسعاء إعتاق بعوض فلم يجبر عليه‏,‏ كالكتابة ولأن في الاستسعاء إضرارا بالشريك والعبد أما الشريك فإنا نحيله على سعاية لعله لا يحصل منها شيء أصلا وإن حصل فربما يكون يسيرا متفرقا‏,‏ ويفوت عليه ملكه وأما العبد فإنا نجبره على سعاية لم يردها‏,‏ وكسب لم يختره وهذا ضرر في حقهما وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ قال سليمان بن حرب‏:‏ أليس إنما ألزم المعتق ثمن ما بقي من العبد‏,‏ لئلا يدخل على شريكه ضرر فإذا أمره بالسعى وإعطائه كل شهر درهمين‏,‏ ولم يقدر على تملكه فأي ضرر أعظم من هذا فأما حديث الاستسعاء‏,‏ فقال الأثرم‏:‏ ذكره سليمان بن حرب فطعن فيه وضعفه وقال أبو عبد الله‏:‏ ليس في الاستسعاء ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروة وأما شعبة‏,‏ وهشام الدستوائي فلم يذكراه وحدث به معمر ولم يذكر فيه السعاية قال أبو داود‏:‏ وهمام أيضا لا يقوله قال المروذي‏:‏ وضعف أبو عبد الله حديث سعيد وقال ابن المنذر‏:‏ لا يصح حديث الاستسعاء وذكر همام أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة وفرق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقول قتادة وقال بعد ذلك‏:‏ فكان قتادة يقول‏:‏ إن لم يكن له مال استسعى قال ابن عبد البر‏:‏ حديث أبي هريرة يدور على قتادة‏,‏ وقد اتفق شعبة وهشام وهمام‏,‏ على ترك ذكره وهم الحجة في قتادة والقول قولهم فيه عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم غيرهم فأما قول أبي حنيفة‏,‏ وقول صاحبيه الأخير فلا شيء معهم يحتجون به من حديث قوى ولا ضعيف بل هو مجرد رأي وتحكم يخالف الحديثين جميعا قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل أبو حنيفة وزفر‏,‏ بحديث ابن عمر ولا حديث أبي هريرة على وجهه وكل قول يخالف السنة‏,‏ فمردود على قائله والله المستعان

فصل‏:‏

إذا قلنا بالسعاية احتمل أن لا يعتق كله وتكون القيمة في ذمة العبد دينا يستسعى في أدائها‏,‏ وتكون أحكامه أحكام الأحرار فإن مات وفي يده مال‏,‏ كان لسيده بقية السعاية وباقي ماله موروث ولا يرجع العبد على أحد وهذا قول أبي يوسف‏,‏ ومحمد ويحتمل أن لا يعتق حتى يؤدي السعاية فيكون حكمه قبل أدائها حكم من بعضه رقيق إذا مات فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل ما يكون له‏,‏ على قول من لم يقل بالسعاية لأنه إعتاق بأداء مال فلم يعتق قبل أدائه كالمكاتب وقال ابن أبي ليلى‏,‏ وابن شبرمة‏:‏ يرجع العبد على المعتق إذا أيسر لأنه كلفه السعاية بإعتاقه ولنا أنه حق لزم العبد في مقابلة حريته فلم يرجع به على أحد كمال الكتابة‏,‏ ولأنه لو رجع به على السيد لكان هو الساعي في العوض كسائر الحقوق الواجبة عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو كان المعتق الثاني معسرا‏,‏ عتق نصيبه منه وكان ثلثه رقيقا لمن لم يعتق فإن مات وفي يده مال كان ثلثه لمن لم يعتق‏,‏ وثلثاه للمعتق الأول والمعتق الثاني بالولاء إذا لم يكن له وارث أحق منهما ‏]‏

إنما كان كذلك لأن المعسر لا يعتق إلا نصيبه والأول والثاني معسران‏,‏ فلم يعتق على كل واحد إلا نصيبه ونصيبهما الثلثان وبقي ثلثه رقيقا للثالث‏,‏ فإذا خلف العبد مالا فثلثه للذي لم يعتق لأنه مالك لثلثه وثلثاه ميراث لأنه ملكهما بجزئه الحر‏,‏ فإن كان له وارث نسيب يرث ماله كله أخذه لأنه أحق من المعتق‏,‏ وإن لم يكن له وارث نسيب فهو للمعتقين بالولاء وإن كان له ذو فرض يرث البعض أخذ فرضه منه‏,‏ وباقيه للمعتقين وهذا القول فيما إذا لم يكن مالك ثلثه قاسم العبد في حياته كسبه ولم يهايئه فأما إن قاسمه‏,‏ أو هايأه فلا حق له في تركته لأنها حصلت بالجزء الحر فتكون جميعها ميراثا لورثته‏,‏ دون مالك ثلثه إذ لا حق له في الجزء الحر فلا يكون له حق فيما كسبه به‏,‏ ولا فيما ملكه به‏.‏

فصل‏:‏

ومن قال بالسعاية فإنه يستسعى حين أعتقه الأول فإذا أعتق الثاني نصيبه‏,‏ انبنى ذلك على القول في حريته هل حصلت بإعتاق الأول أولا‏؟‏ فمن جعله حرا لم يصحح عتق الثاني لأنه عتق بإعتاق الأول ومن لم يجعله حرا‏,‏ صحح عتق الثاني لأنه أعتق جزءا مملوكا له من عبد وإذا مات قبل أداء سعايته فقد مات وثلثه رقيق فيكون حكمه في الميراث كحكم ما ذكرنا في القول الآخر‏.‏

فصل‏:‏

وإذا حكمنا بعتق بعضه ورق باقيه‏,‏ فإن نفقته في حياته وفطرته وأكسابه‏,‏ بينه وبين سيده على قدر ما فيه من الحرية والرق وإن تراضيا على المهايأة بينهما كانت نفقة العبد وكسبه في أيامه له وعليه وفي أيام سيده يكون كسبه لسيده‏,‏ ونفقته عليه فأما الأكساب النادرة كاللقطة والهبة والوصية‏,‏ فذكر القاضي أنها تدخل في المهايأة لأنها من أكسابه فأشبهت المعتادة وذكر غيره من أصحابنا وجها آخر أنها لا تدخل في المهايأة وتكون بينهما على كل حال لأن المهايأة معاوضة‏,‏ فكأنه تعاوض عن نصيبه من كسبه في يوم سيده بنصيب سيده في يومه فلا تتناول المعاوضة المجهول وما لا يغلب على الظن وجوده فأما الميراث‏,‏ فلا يدخل في المهايأة ولا يستحق سيده منه شيئا لأنه إنما يرث بجزئه الحر ويملك هذا العبد بجزئه الحر جميع أنواع الملك‏,‏ ويرث ويورث بقدر ما فيه من الحرية وقد مضى ذكر ذلك‏.‏

فصل‏:‏

ومن أعتق عبده وهو صحيح جائز التصرف‏,‏ صح عتقه بإجماع أهل العلم وإن أعتق بعضه عتق كله في قول جمهور العلماء وروي ذلك عن عمر وابنه رضي الله عنهما وبه قال الحسن‏,‏ والحكم والأوزاعي والثوري‏,‏ والشافعي قال ابن عبد البر‏:‏ عامة العلماء بالحجاز والعراق قالوا‏:‏ يعتق كله إذا أعتق نصفه وقال طاوس‏:‏ يعتق في عتقه‏,‏ ويرق في رقه وقال حماد وأبو حنيفة‏:‏ يعتق منه ما أعتق ويسعى في باقيه وخالف أبا حنيفة أصحابه‏,‏ فلم يروا عليه سعاية وروي عن مالك في رجل أعتق نصف عبد ثم غفل عنه حتى مات‏,‏ فقال‏:‏ أرى نصفه حرا ونصفه رقيقا لأنه تصرف في بعضه‏,‏ فلم يسر إلى باقيه كالبيع ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أعتق شركا له في عبد فكان معه ما يبلغ قيمة العبد‏,‏ قوم عليه قيمة العدل وعتق عليه جميع العبد‏)‏ وإذا أعتق عليه نصيب شريكه كان بينهما على عتق جميعه إذا كان كله ملكا له وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أعتق شقصا له في مملوك‏,‏ فهو حر من ماله‏)‏ ولأنه إزالة ملك لبعض مملوكه الآدمي فزال عن جميعه كالطلاق‏,‏ ويفارق البيع فإنه لا يحتاج إلى السعاية ولا ينبني على التغليب والسراية إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يعتق جزءا كبيرا‏,‏ كنصفه وثلثه أو صغيرا كعشره وعشر عشره ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بسراية العتق إذا كان مشاعا وإن أعتق جزءا معينا‏,‏ كرأسه أو يده أو أصبعه عتق كله أيضا وبهذا قال قتادة‏,‏ والشافعي وإسحاق وقال أصحاب الرأي‏:‏ إن أعتق رأسه أو ظهره‏,‏ أو بطنه أو جسده أو نفسه‏,‏ أو فرجه عتق كله لأن حياته لا تبقى بدون ذلك وإن أعتق يده‏,‏ أو عضوا تبقى حياته بدونه لم يعتق لأنه يمكن إزالة ذلك مع بقائه فلم يعتق بإعتاقه‏,‏ كشعره أو سنه ولنا أنه أعتق عضوا من أعضائه فيعتق جميعه‏,‏ كرأسه فأما إذا أعتق شعره أو سنه‏,‏ أو ظفره لم يعتق وقال قتادة والليث‏,‏ في الرجل يعتق ظفر عبده‏:‏ يعتق كله لأنه جزء من أجزائه أشبه أصبعه ولنا أن هذه الأشياء تزول ويخرج غيرها فأشبهت الشعر‏,‏ والريق وقد ذكر ذلك في الطلاق وما ذكر في الطلاق فالعتاق مثله والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا كان العبد بين شريكين‏,‏ فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه فإن كانا معسرين لم يقبل قول كل واحد منهما على شريكه‏,‏ فإن كانا عدلين كان للعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حرا‏,‏ أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرا ‏]‏

أما إذا كان الشريكان معسرين فليس في دعوى أحدهما على صاحبه إعتاق نصيبه اعتراف بحرية نصيبه‏,‏ ولا ادعاء لاستحقاق قيمته على المعتق لكون عتق المعسر يقف على نصيبه ولا يسري إلى غيره فلم يكن في دعواه أكثر من أنه شاهد على صاحبه بإعتاق نصيبه‏,‏ فإن لم يكونا عدلين فلا أثر لكلامهما في الحال ولا عبرة بقولهما لأن غير العدل لا تقبل شهادته وإن كانا عدلين‏,‏ فشهادتهما مقبولة لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه بشهادته نفعا ولا يدفع بها ضررا وقد حصل للعبد بحرية كل نصف منه شاهد عدل‏,‏ فإن حلف معهما عتق كله وإن حلف مع أحدهما صار نصفه حرا على الرواية التي تقول‏:‏ إن العتق يحصل بشاهد ويمين وإن لم يحلف مع واحد منهما‏,‏ لم يعتق منه شيء لأن العتق لا يحصل بشاهد من غير يمين بلا خلاف نعلمه وإن كان أحدهما عدلا دون الآخر فله أن يحلف مع شهادة العدل ويصير نصفه حرا‏,‏ ويبقى نصفه الآخر رقيقا‏.‏

فصل‏:‏

ومن قال بالاستسعاء فقد اعترف بأن نصيبه قد خرج عن يده فيخرج العبد كله‏,‏ ويستسعى في قيمته لاعتراف كل واحد منهما بذلك في نصيبه‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق عليه ولم يسر إلى النصف الذي كان له لأن عتقه حصل باعترافه بحريته بإعتاق شريكه‏,‏ ولا يثبت له عليه ولاء لأنه لا يدعي إعتاقه بل يعترف بأن المعتق غيره وإنما هو مخلص له ممن يسترقه ظلما‏,‏ فهو كمخلص الأسير من أيدي الكفار وقال أبو الخطاب‏:‏ يسري لأنه شراء حصل به الإعتاق فأشبه شراء بعض ولده وإن أكذب نفسه في شهادته على شريكه ليسترق ما اشتراه‏,‏ لم يقبل منه لأنه رجوع عن الإقرار بالحرية فلم يقبل كما لو أقر بحرية عبده‏,‏ ثم أكذب نفسه وهل يثبت له الولاء عليه إن أعتقه‏؟‏ يحتمل أن لا يثبت لما ذكرنا ويحتمل أن يثبت لأننا نعلم أن على العبد ولاء ولا يدعيه أحد سواه ولا ينازعه فيه فوجب أن يقبل قوله فيه‏,‏ وإن اشترى كل واحد منهما نصيب صاحبه صار العبد كله حرا لا ولاء عليه لواحد منهما فإن أعتق كل واحد منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته فهل يثبت له الولاء على من أعتقه على وجهين وإن أقر كل واحد منهما بأنه كان أعتق نصيبه وصدق الآخر في شهادته بطل البيعان يثبت لكل واحد منهما الولاء على نصفه لأن أحدا لا ينازعه فيه‏,‏ وكل واحد منهما يصدق الآخر في استحقاق الولاء ويحتمل أن يثبت الولاء لهما وإن لم يكذب واحد منهما نفسه لأننا نعلم أن الولاء عليه ثابت لهما ولا يخرج عنهما وأنه بينهما إما بالعتق الأول لهما وإما بالثاني لأنهما إن كانا صادقين في شهادتهما فقد ثبت الولاء لكل واحد منهما على النصف الذي أعتقه أولا‏,‏ وإن كانا كاذبين فقد أعتق كل واحد منهما نصفه بعد أن اشتراه وإن كان أحدهما صادقا والآخر كاذبا فلا ولاء للصادق منهما لأنه لم يعتق النصف الذي كان له أولا ولا يصح عتقه في الذي اشتراه لأنه كان حرا قبل شرائه والولاء كله للكاذب‏,‏ لأنه أعتق النصف الذي كان له ثم اشترى النصف الذي لشريكه فأعتقه وكل واحد منهما يساوي صاحبه في الاحتمال فيقسم بينهما‏.‏

فصل‏:‏

وكل من شهد على سيد عبد بعتق عبده ثم اشتراه عتق عليه وإن شهد اثنان عليه بذلك فردت شهادتهما ثم اشترياه أو أحدهما عتق‏,‏ وبهذا قال الأوزاعي ومالك والشافعي وابن المنذر وهو قياس قول أبي حنيفة ولا يثبت للمشتري ولاء على العبد لأنه لا يدعيه ولا للبائع لأنه ينكر عتقه‏,‏ ولو كان العبد بين شريكين فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه وكانا موسرين فعتق عليهما أو كانا معسرين عدلين فحلف العبد من كل واحد وعتق أو شهد مع كل واحد منهما عدل آخر وعتق العبد أو ادعى عبد أن سيده أعتقه فأنكر وقامت البينة بعتقه عتق ولا ولاء على العبد في هذه المواضع كلها لأن أحدا لا يدعيه‏,‏ ولا يثبت لأحد حق ينكره فإن عاد من ثبت إعتاقه فاعترف به ثبت له الولاء لأنه لا مستحق له سواه وأنه لم يثبت له لإنكاره له‏,‏ فإذا اعترف زال الإنكار وثبت له وأما الموسران إذا أعتق عليهما فإن صدق أحدهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده أو أنه سبق بالعتق فالولاء له وعليه غرامة نصيب الآخر فإن اتفقا على أن كل واحد منهما أعتق نصيبه دفعة واحدة فالولاء بينهما‏,‏ وإن ادعى كل واحد منهما أنه المعتق وحده أو أنه السابق بالعتق تحالفا وكان الولاء بينهما نصفين‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإن كان الشريكان موسرين فقد صار العبد حرا باعتراف كل واحد منهما بحريته وصار مدعيا على شريكه نصف قيمته فإن لم تكن بينة فيمين كل واحد منهما لشريكه ‏]‏

وجملة ذلك أن الشريكين الموسرين إذا ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق نصيبه فكل واحد منهما معترف بحرية نصيبه شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر لأنه يقول لشريكه أعتقت نصيبك فسرى العتق إلى نصيبي فعتق كله عليك ولزمك لي قيمة نصيبي فصار العبد حرا لاعترافهما بحريته وبقي كل واحد منهما يدعى قيمة حصته على شريكه‏,‏ فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن لم تكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرئا فإن نكل أحدهما قضى عليه‏,‏ وإن نكلا جميعا تساقط حقاهما لتماثلهما ولا فرق في هذه الحال بين العدلين والفاسقين والمسلمين والكافرين لتساوي العدل والفاسق والمسلم والكافر في الاعتراف والدعوى بخلاف التي قبلها‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان أحد الشريكين موسرا والآخر معسرا عتق نصيب المعسر وحده لاعترافه بأن نصيبه قد صار حرا بإعتاق شريكه الموسر الذي يسري عتقه ولم يعتق نصيب الموسر لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق نصيبه خاصة فعتق وحده‏,‏ ولا تقبل شهادة المعسر عليه لأنه يجر بشهادته إلى نفسه نفعا لكونه يوجب عليه بشهادته نصف قيمته فعلى هذا إن لم تكن للعبد بينة سواه حلف الموسر وبرئ من القيمة والعتق جميعا ولا ولاء للمعسر في نصيبه لأنه لا يدعيه ولا للموسر لذلك أيضا‏,‏ وإن عاد المعسر فأعتقه وادعاه ثبت له وإن أقر الموسر بإعتاق نصيبه وصدق المعسر عتق نصيبه أيضا وعليه غرامة نصيب المعسر وثبت له الولاء وإن كان للعبد بينة أجنبية تشهد بإعتاق الموسر وكانت عدلين ثبت العتق ووجبت القيمة للمعسر عليه‏,‏ وإن كانت رجلا واحدا حلف العبد معه يثبت العتق في إحدى الروايتين والأخرى لا يثبت العتق وللمعسر أن يحلف معه ويستحق قيمة نصيبه سواء حلف العبد أو لم يحلف لأن الذي يدعيه مال يقبل فيه شاهد ويمين‏.‏

فصل‏:‏

وإن ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وأنكر الآخر وكان المدعى عليه موسرا عتق نصيب المدعي وحده لاعترافه بحريته بسراية عتق شريكه وصار مدعيا نصف القيمة على شريكه ولا يسري لأنه لا يعترف أنه المعتق له وإنما أعتق باعترافه بحريته لا بإعتاقه له ولا ولاء له عليه لإنكاره له قال القاضي وولاؤه موقوف وإن كان المدعي عدلا لم تقبل شهادته لأنه يدعي نصف قيمته على شريكه فيجر بشهادته نفعا‏,‏ ومن شهد بشهادة يجر إليه بها نفعا بطلت شهادته كلها وأما إن كان المدعى عليه معسرا فالقول قوله مع يمينه ولا يعتق منه شيء وإن كان المدعي عدلا حلف العبد مع شهادته وصار نصفه حرا وقال حماد إن كان المشهود عليه موسرا سعى له‏,‏ وإن كان معسرا سعى لهما وقال أبو حنيفة إن كان معسرا سعى العبد وولاؤه بينهما وإن كان موسرا فولاء نصفه موقوف فإن اعترف أنه أعتق استحق الولاء وإلا كان الولاء لبيت المال‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال أحد الشريكين إن كان هذا الطائر غرابا فنصيبي حر‏,‏ وقال الآخر إن لم يكن غرابا فنصيبي حر وطار ولم يعلما فإن كانا موسرين عتق العبد كله‏,‏ وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا عتق نصيب المعسر وحده لما ذكرنا وإن كانا معسرين لم يعتق نصيب واحد منهما لأنه لم يتعين الحنث فيه فإن اشترى أحدهما نصيب الآخر عتق نصفه لأننا علمنا حرية نصفه ولم يسر إلى النصف الآخر‏,‏ وإن اشترى العبد أجنبي عتق نصفه لأن نصفه حر يقينا فلم يملك جميعه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا مات رجل وخلف ابنين وعبدين لا يملك غيرهما وهما متساويان في القيمة فقال أحد الابنين أبي أعتق هذا وقال الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدرى من منهما أقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الذي اعترف الابن بعتقه عتق ثلثاه إن لم يجز الابنان عتقه كاملا وكان الآخر عبدا وإن وقعت القرعة على الآخر عتق منه ثلثه وكان لمن قرعنا بقوله فيه سدسه ونصف العبد الآخر ولأخيه نصفه وسدس العبد الذي اعترف أن أباه أعتقه فصار كل واحد من العبدين حرا ‏]‏ هذه المسألة محمولة على أن العتق كان في مرض الموت أو بالوصية لأنه لو أعتقه في صحته لعتق كله ولم يقف على إجازة الورثة‏,‏ فأما إذا اعترفا أنه أعتق أحدهما في مرضه فلا يخلو من أربعة أحوال إما أن يعينا العتق في أحدهما فيعتق منه ثلثاه لأن ذلك ثلث جميع ماله إلا أن يجيزا عتق جميعه فيعتق والثاني أن يعين كل واحد منهما العتق في واحد غير الذي عينه أخوه فيعتق من كل واحد منهما ثلثه لأن كل واحد منهما حقه نصف العبدين فيقبل قوله في عتق حقه من الذي عينه وهو ثلثا النصف الذي له وذلك هو الثلث‏,‏ ولأنه يعترف بحرية ثلثيه فيقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث ويبقى الرق في ثلثه فله نصفه وهو السدس ونصف العبد الذي ينكر عتقه والحال الثالث أن يقول أحدهما أبي أعتق هذا‏,‏ يقول الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدرى من منهما وهي مسألةالكتاب فتقم القرعة مقام تعيين الذي لم يعين فإن وقعت على الذي عينه أخوه عتق منه ثلثاه كما لو عيناه بقولهما وإن وقعت على الآخر كان كما لو عين كل واحد منهما عبدا يكون لكل واحد منهما سدس العبد الذي عينه ونصف العبد الذي ينكر عتقه فيصير ثلث كل واحد من العبدين حرا‏,‏ والحال الرابع أن يقولا أعتق أحدهما ولا ندرى من منهما فإنه يقرع بين العبدين فمن وقعت عليه القرعة عتق منه ثلثاه إن لم يجيزا عتق جميعه وكان الآخر رقيقا‏.‏

فصل‏:‏

فإن رجع الابن الذي جهل عين المعتق فقال قد عرفته قبل القرعة فهو كما لو عينه ابتداء من غير جهل وإن كان بعد القرعة فوافقها تعيينه لم يتغير الحكم وإن خالفها عتق من الذي عينه ثلثه بتعيينه‏,‏ فإن عين الذي عينه أخوه عتق ثلثاه وإن عين الذي عتق منه ثلثه وهل يبطل العتق في الذي عتق بالقرعة على وجهين‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا كان لرجل نصف عبد ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس معا وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وكان ولاؤه بينهما أثلاثا لصاحب النصف ثلثاه ولصاحب السدس ثلثه ‏]‏

وجملته أن العبد إذا كان مشتركا بين جماعة فأعتق اثنان منهم أو أكثر وهم موسرون سرى عتقهم إلى باقي العبد ويكون الضمان بينهم على عدد رءوسهم يتساوون في ضمانه وولائه‏,‏ وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن يقسم بينهما على قدر أملاكهم وهو قول مالك في إحدى الروايتين عنه لأن السراية حصلت بإعتاق ملكيهما‏,‏ وما وجب بسبب الملك كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة ولنا أن عتق النصيب إتلاف لرق الباقي وقد اشتركا فيه فيتساويان في الضمان كما لو جرح أحدهما جرحا والآخر جرحين فمات منهما أو ألقى أحدهما جزءا من النجاسة في مائع وألقى الآخر جزأين يفارق الشفعة فإنها تثبت لإزالة الضرر عن نصيب الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر نصيبه ولأن الضمان ها هنا لدفع الضرر منهما وفي الشفعة لدفع الضرر عنهما والضرر منهما يستويان في إدخاله على الشريك وفي الشفعة ضرر صاحب النصف أعظم من ضرر صاحب السدس فاختلفا وإذا ثبت هذا كان ولاؤه بينهما أثلاثا لأننا إذا حكمنا بأن الثلث معتق عليهما نصفين فنصف الثلث سدس إذا ضممناه إلى النصف الذي لأحدهما صار ثلثين‏,‏ وإذا ضممنا السدس الآخر إلى سدس المعتق صار ثلثا وعلى الوجه الآخر يصير الولاء بينهما أرباعا لصاحب النصف ثلاثة أرباعه ولصاحب السدس ربعه والضمان بينهما كذلك فأما قوله فأعتقاه معا فلأنه شرط في الحكم الذي ذكرناه اجتماعهما في العتق بحيث لا يسبق أحدهما الآخر بأن يتلفظا به معا أو يوكل أحدهما صاحبه فيعتقهما معا أو يوكل وكيله فيعتقهما أو يعلقا عتقه على شرط فيوجد‏,‏ فإن سبق أحدهما صاحبه عتق عليه نصيب شريكيه جميعا وكان الضمان عليه والولاء له كله وقوله وهما موسران شرط آخر فإن سراية العتق يشترط لها اليسار‏,‏ فإن كان أحدهما موسرا وحده قوم عليه جميع نصيب من لم يعتق لأن المعسر لا يسري عتقه فيكون الضمان على الموسر خاصة فإن كان أحدهما يجد بعض ما يخصه قوم عليه ذلك القدر وباقيه على الآخر مثل أن يجد صاحب السدس قيمة نصف السدس فيقوم عليه ويقوم الربع على صاحب النصف ويصح ولاؤه بينهما أرباعا لصاحب السدس ربعه وباقيه لمعتق النصف لأنه لو كان أحدهما معسرا قوم الجميع على الآخر‏,‏ فإذا كان موسرا ببعضه قوم الباقي على صاحب النصف لأنه موسر‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا كانت الأمة بين شريكين فأصابها أحدهما وأحبلها أدب ولم يبلغ به الحد وضمن نصف قيمتها لشريكه وصارت أم ولد له وولده حر وإن كان معسرا كان في ذمته نصف مهر مثلها‏,‏ وإن لم تحبل منه فعليه نصف مهر مثلها وهي على ملكيهما ‏]‏

لا نعلم خلافا بين أهل العلم في تحريم وطء الجارية المشتركة لأن الوطء يصادف ملك غيره من غير نكاح ولم يحله الله تعالى في غير ملك ولا نكاح بدليل قوله تعالى ‏{‏والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون‏}‏ وأكثر أهل العلم لا يوجبون فيه حدا لأن له فيها ملكا فكان ذلك شبهة دارئة للحد وأوجبه أبو ثور لأنه وطء محرم لأجل كونه في ملك غيره فأشبه ما لو لم يكن فيها ملك ولنا أنه وطء صادف ملكه فلم يوجب به حد كوطء زوجته الحائض ويفارق ما لا ملك له فيها فإنه لا شبهة له فيها‏,‏ ولهذا لو سرق عينا له نصفها لم يقطع ولو لم يكن له فيها ملك قطع ولا خلاف في أنه يعزر لما ذكرناه في حجة أبي ثور من لا يخلو من حالين إما أن لا تحمل منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها لأنه وطء سقط فيه الحد للشبهة فأوجب مهر المثل كما لو وطئها يظنها امرأته وسواء كانت مطاوعة أو مكرهة لما ذكرنا‏,‏ ولأن وطء جارية غيره يوجب المهر وإن طاوعت لأن المهر لسيدها فلا يسقط بمطاوعتها كما لو أدبت في قطع عضو من أعضائها ويكون الواجب نصف المهر بقدر ملك الشريك فيها الحال الثاني أن يحبلها وتضع ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان فإنها تصير بذلك أم ولد للواطئ كما لو كانت خالصة له وتخرج بذلك من ملك الشريك كما تخرج بالإعتاق وسواء كان الواطئ موسرا أو معسرا لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق ويلزمه نصف قيمتها لأنه أخرج نصفها من ملك الشريك فلزمته قيمته كما لو أخرجه بالإعتاق أو الإتلاف فإن كان موسرا أداه وإن كان معسرا فهو في ذمته كما لو أتلفها والولد حر يلحق نسبه بوالده لأنه من وطء في محل له فيه ملك فأشبه ما لو وطئ زوجته وقال القاضي الصحيح عندي أنه لا يقوم عليه نصيب شريكه إذا كان معسرا بل يصح نصفها أم ولد ونصفها قنا باقيا في ملك الشريك لأن الإحبال كالعتق ويجري مجراه في التقويم والسراية‏,‏ فأعتقت في سرايته اليسار كالعتق وهذا قول أبي الخطاب أيضا ومذهب الشافعي فعلى هذا إذا ولدت احتمل أن يكون الولد كله حرا لاستحالة انعقاد الولد من حر وعبد‏,‏ واحتمل أن يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا لأن نصف أمه أم ولد ونصفها قن لغير الواطئ فكان نصف الولد حرا ونصفه رقيقا كولد المعتق بعضها وبهذا يتبين أنه لم يستحل انعقاد الولد من حر وقن ووجه قول الخرقي أن بعضها أم ولد فكان جميعها أم ولد كما لو كان الواطئ موسرا‏,‏ ويفارق العتاق فإن الاستيلاد أقوى ولهذا ينفذ من جميع المال من المريض ومن الصبي والمجنون والإعتاق بخلافه

فصل‏:‏

قال أبو الخطاب‏:‏ وهل تلزمه قيمة الولد ومهر الأمة‏؟‏ على وجهين أحدهما لا يلزمه ذلك وهو ظاهر قول الخرقي لأنه لم يذكرهما‏,‏ لأن الأمة صارت مملوكة له فلم يلزمه مهر مملوكته ولا قيمة ولدها ولأن الولد خلق حرا‏,‏ فلم يقوم عليه ولده الحر والوجه الثاني يلزمه لشريكه نصف مهر مثلها ونصف قيمة ولدها لأن الوطء صادف ملك غيره‏,‏ وإنما انتقلت بالوطء الموجب للمهر فيكون الوطء سبب الملك ولا يثبت الحكم إلا بعد تمام سببه‏,‏ فيلزم حينئذ تقدم الوطء على ملكه فيكون في ملك غيره فيوجب مهر المثل وفعله ذلك منع انخلاق الولد على ملك الشريك‏,‏ فيجب عليه نصف قيمته كولد المغرور وقال القاضي‏:‏ إن وضعت الولد بعد التقويم فلا شيء على الواطئ لأنها وضعته في ملكه وقت الوجوب حالة الوضع‏,‏ ولا حق للشريك فيها ولا في ولدها وإن وضعته قبل التقويم فهل تلزمه قيمة نصفه‏؟‏ على روايتين‏,‏ ذكرهما أبو بكر واختار أنه تلزمه قيمته‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين أن يكون له في الأمة ملك كثير أو يسير وقد ذكر الخرقي‏,‏ فيما إذا وطئ جارية من المغنم أنها تصير أم ولد إذا أحبلها وإن كان إنما له فيها سهم يسير من أكثر من ألف سهم‏.‏

مسألة‏:‏

قال ‏[‏ وإن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث‏,‏ وهو موسر عتق عليه كله وكان لشريكه عليه قيمة حقه منه‏,‏ وإن كان معسرا لم يعتق عليه إلا مقدار ما ملك وإن ملك بعضه بالميراث‏,‏ لم يعتق منه إلا مقدار ما ملك موسرا كان أو معسرا ‏]‏

قد ذكرنا فيما تقدم أن من ملك ذا رحم محرم فهو حر لما روى سمرة‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من ملك ذا رحم محرم فهو حر‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏,‏ والترمذي وروى ضمرة عن سفيان عن عبد الله بن دينار‏,‏ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من ملك ذا رحم محرم فهو حر‏)‏ وسئل أحمد عن ضمرة‏,‏ فقال‏:‏ ثقة إلا أنه روى حديثين ليس لهما أصل أحدهما هذا الحديث وروي عن إبراهيم‏,‏ عن الأسود عن عمر أنه قال‏:‏ ‏(‏من ملك ذا رحم محرم‏,‏ فهو حر‏)‏ وقد ذكرنا هذا وما فيه من الخلاف فيما تقدم فأما إن ملك سهما ممن يعتق عليه مثل أن يملك سهما من ولده فإنه يعتق عليه ما ملك منه‏,‏ سواء ملكه بعوض أو بغير عوض كالهبة والاغتنام والوصية‏,‏ وسواء ملكه باختياره كالذي ذكرناه‏,‏ أو بغير اختياره كالميراث لأن كل ما يعتق به الكل يعتق به البعض كالإعتاق بالقول‏,‏ ثم ينظر فإن كان معسرا لم يسر العتق واستقر في ذلك الجزء‏,‏ ورق الباقي لأنه لو أعتقه بقوله لم يسر إعتاقه مع تصريحه بالعتق وقصده إياه فهاهنا أولى وإن كان موسرا‏,‏ وكان الملك باختياره كالملك بغير الميراث سرى إلى باقيه‏,‏ فيعتق جميع العبد ولزمه لشريكه قيمة باقيه لأنه فوته عليه وبهذا قال مالك والشافعي‏,‏ وأبو يوسف وقال قوم‏:‏ لا يعتق عليه إلا ما ملك سواء ملكه بشراء أو غيره لأن هذا لم يعتقه وإنما عتق عليه بحكم الشرع عن غير اختيار منه‏,‏ فلم يسر كما لو ملكه بالميراث وفارق ما أعتقه لأنه فعله باختياره‏,‏ قاصدا إليه ولنا أنه فعل سبب العتق اختيارا منه وقصدا إليه فسرى‏,‏ ولزمه الضمان كما لو وكل من أعتق نصيبه وفارق الميراث‏,‏ فإنه حصل من غير قصده ولا فعله ولأن من باشر سبب السراية اختيارا‏,‏ لزمه ضمانها كمن جرح إنسانا فسرى جرحه‏,‏ ولأن مباشرته لما يسرى وتسببه إليه في لزوم حكم السراية واحد بدليل استواء الحافز والدافع في ضمان الواقع فأما إن ملكه بالميراث‏,‏ لم يسر العتق فيه واستقر فيما ملكه ورق الباقي‏,‏ سواء كان موسرا أو معسرا لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه وإنما حصل بغير اختياره وبهذا قال مالك والشافعي‏,‏ وأبو يوسف وعن أحمد ما يدل على أنه يسري إلى نصيب شريكه إذا كان موسرا لأنه عتق عليه بعضه وهو موسر فسرى إلى باقيه‏,‏ كما لو وصى له به فقبله والمذهب الأول لأنه لم يعتقه ولا تسبب إليه فلم يضمن‏,‏ ولم يسر كالأجنبي وفارق ما تسبب إليه‏.‏

فصل‏:‏

وإن ورث الصبي والمجنون جزءا ممن يعتق عليهما عتق‏,‏ ولم يسر إلى باقيه لأنه إذا لم يسر في حق المكلف ففي حقهما أولى وإن وهب لهما أو وصى لهما به‏,‏ وهما معسران فعلى وليهما قبوله لأنه نفع لهما بإعتاق قريبهما‏,‏ من غير ضرورة يلحق بهما وإن كانا موسرين ففيه وجهان مبنيان على أنه هل يقوم عليهما باقيه إذا ملكا بعضه‏؟‏ وفيه وجهان أحدهما‏,‏ لا يقوم ولا يسري العتق إليه لأنه يدخل في ملكه بغير اختياره فأشبه ما لو ورثه والثاني‏,‏ يقوم عليه لأن قبول وليه يقوم مقام قبوله فأشبه الوكيل فعلى هذا الوجه ليس لوليه قبوله لما فيه من الضرر وعلى الأول‏,‏ يلزمه قبوله لأنه يقع بغير ضرر إذا كان ممن لا تلزمه نفقته وإذا قلنا‏:‏ ليس له أن يقبله فقبله احتمل أن لا يصح القبول لأنه فعل ما لم يأذن الشرع فيه‏,‏ فأشبه ما لو باع ماله بغبن واحتمل أن يصح وتكون الغرامة عليه لأنه ألزمه هذه الغرامة فكانت عليه‏,‏ كنفقة الحج إذا حجه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا باع عبدا لذي رحمه وأجنبي صفقة واحدة عتق كله إذا كان ذو الرحم معسرا‏,‏ وضمن لشريكه قيمة حقه منه وقال القاضي‏:‏ لا يضمن لشريكه شيئا لأن ملكه لم يتم إلا بقبول شريكه فصار كأنه أذن له في إعتاق نصيبه ولنا أنه عتق عليه نصيبه بملكه باختياره فوجب أن يقوم عليه باقيه مع يساره‏,‏ كما لو انفرد بشرائه ولا نسلم أنه لا يصح قبوله إلا بقبول شريكه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كانت أمة مزوجة ولها ابن موسر‏,‏ فاشتراها هو وزوجها وهي حامل منه صفقة واحدة عتق نصيب الابن من أمه‏,‏ وسرى إلى نصيب الزوج ويقوم عليه وعتق الحمل عليهما معا لأنه ابن الزوج وأخو الابن‏,‏ ولا يجب لأحدهما على الآخر شيء منه لأنه عتق عليهما في حال واحدة ولو كانت المسألة بحالها فوهبت لهما أو أوصى لهما بها‏,‏ فقبلاها في حالة واحدة فكذلك وإن قبلها أحدهما قبل الآخر‏,‏ نظرنا فإن قبل الابن أولا عتقت عليه الأم وحملها حصته من الأم بالملك وتبعها حصته من الحمل‏,‏ وسرى العتق إلى الباقي من الأم والولد وعليه قيمة باقيهما للزوج وإن قبل الزوج أولا عتق عليه الحمل كله نصيبه بالملك‏,‏ وباقيه بالسراية وقوم عليه ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها‏,‏ ويتقاصان ويرد كل واحد منهما الفضل على صاحبه ومن قال في الوصية‏:‏ إن الملك لا يثبت فيها بالموت فالحكم فيه كما لو قبلاها دفعة واحدة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان لرجل نصف عبدين متساويين في القيمة لا يملك غيرهما‏,‏ فأعتق أحدهما في صحته عتق وسرى إلى نصيب شريكه لأنه موسر بالنصف الذي له من العبد الآخر‏,‏ فإن أعتق النصف الآخر من العبد الآخر عتق لأن وجوب القيمة في ذمته لا يمنع صحة عتقه‏,‏ ولم يسر لأنه معسر وإن أعتق الأول في مرض موته لم يسر لأنه إنما ينفذ عتقه في ثلث ماله‏,‏ وثلث ماله هو الثلث من العبد الذي أعتق نصفه وإذا أعتق الثاني وقف على إجازة الورثة‏,‏ وإن أعتق الأول في صحته وأعتق الثاني في مرضه‏,‏ لم ينفذ عتق الثاني لأن عليه دينا يستغرق قيمته فيمنع صحة عتقه إلا أن يجيز الورثة‏.‏

فصل‏:‏

إذا شهد شاهدان على رجل أنه أعتق شركا له في عبد‏,‏ فسرى إلى نصيب الشريك وغرم له قيمة نصيبه‏,‏ ثم رجعا عن الشهادة غرما قيمة العبد جميعه وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ تلزمهما غرامة نصيبه دون نصيب شريكه لأنهما لم يشهدا إلا بعتق نصيبه فلم تلزمهما غرامه ما سواه ولنا أنهما فوتا عليه نصيبه وقيمة نصيب شريكه فلزمهما ضمانه‏,‏ كما لو فوتاه بفعلهما وكما لو شهدا عليه بجرح ثم سرى الجرح‏,‏ ومات المجروح فضمن الدية ثم رجعا عن شهادتهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن شهد شاهدان على ميت بعتق عبد في مرض موته‏,‏ وهو ثلث ماله فحكم حاكم بشهادتهما وعتق العبد‏,‏ ثم شهد آخران بعتق آخر هو ثلث ماله ثم رجع الأولان عن الشهادة‏,‏ نظرنا في تاريخ شهادتهما فإن كانت سابقة ولم تكذب الورثة رجوعهما عتق الأول ولم يقبل رجوعهما‏,‏ ولم يغرما شيئا ويحتمل أن يلزمهما شراء الثاني وإعتاقه لأنهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها وإن صدقوهما في رجوعهما وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني‏,‏ ورجعوا عليهما بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه عليهم بشهادتهم المرجوع عنها وإن كان تاريخها متأخرا عن الشهادة الأخرى بطل عتق المحكوم له بعتقه لأننا تبينا أن الميت قد أعتق ثلث ماله قبل إعتاقه ولم يغرم الشاهدان شيئا لأنهما ما فوتا شيئا وإن كانتا مطلقتين‏,‏ أو إحداهما أو اتفق تاريخهما أقرع بينهما فإن خرجت على الثاني‏,‏ عتق وبطل عتق الأول ولا شيء على الشاهدين لأن الأول باق على الرق وإن خرجت قرعة الأول‏,‏ عتق ونظرنا في الورثة فإن كذبوا الشاهدين الأولين في شهادتهما‏,‏ عتق الثاني ورجعوا على الشاهدين بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه بغير حق وإن كذبوهما في رجوعهما‏,‏ لم يرجعوا عليهما بشيء لأنهم يقرون بعتق المحكوم بعتقه‏.‏