فصل: كتاب الاستحقاق والغصب والجنايات على الأموال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ الاسْتِحْقَاقِ وَالْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الأَمْوَالِ

1259 - مسألة‏:‏

لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مَالُ مُسْلِمٍ، وَلاَ مَالُ ذِمِّيٍّ، إِلاَّ بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ نَقْلُ مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ، أَوْ بِالْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْهِبَاتِ الْجَائِزَةِ، وَالتِّجَارَةِ الْجَائِزَةِ، أَوْ الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ بِالدِّيَاتِ، وَالتَّقَاصِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ مَنْصُوصٌ‏.‏ فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالَمًا بَالِغًا مُمَيِّزًا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالَمٍ، أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ، أَوْ غَيْرَ مُخَاطَبٍ، فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ فِي وُجُوبِ رَدِّ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ، أَوْ فِي وُجُوبِ ضَمَانِ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ قَدْ تَلِفَتْ عَيْنُهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

رُوِّينَا هَذَا مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا‏:‏ عَنْ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ‏}‏‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ عليه السلام عَالَمًا مِنْ غَيْرِ عَالَمٍ، وَلاَ مُكَلَّفًا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلاَ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عَامِدٍ‏.‏

1260 - مسألة‏:‏

فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا، أَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَكِنْ بِبَيْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ هِبَةٍ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، أَوْ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ‏:‏ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَمِثْلُ مَا تَلِفَ مِنْهُ، أَوْ يَرُدَّهُ وَمِثْلَ مَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَتْ عَيْنُهُ وَأَنْ يَرُدَّ كُلَّ مَا اُغْتُلَّ مِنْهُ، وَكُلَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، كَمَا قلنا سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏:‏ الْحَيَوَانُ، وَالدُّورُ، وَالشَّجَرُ، وَالأَرْضُ، وَالرَّقِيقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا قلنا‏.‏ فَيَرُدَّ كُلَّ مَا اُغْتُلَّ مِنْ الشَّجَرِ، وَمِنْ الْمَاشِيَةِ‏:‏ مِنْ لَبَنٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ نِتَاجٍ، وَمِنْ الْعَقَارِ‏:‏ الْكِرَاءِ‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَأَوْلَدَهَا، فَإِنْ كَانَ عَالَمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ حَدُّ الزِّنَى وَبِرَدِّهَا وَأَوْلاَدِهَا وَمَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ، وَلاَ إثْمَ، لَكِنْ يَرُدُّهَا، وَيَرُدُّ أَوْلاَدَهُ مِنْهَا رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا، وَيَرُدُّ مَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ، وَلاَ شَيْءَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا أَنْفَقَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَهُوَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ خُصُومِنَا مَعَنَا، فَمَنْ خَالَفَ مَا قلنا‏:‏ فَقَدْ أَبَاحَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَأَبَاحَ الْمَالَ الْحَرَامَ، وَخَالَفَ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَلاَ لاَ يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِضَمَانِهِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَا تَوَلَّدَ مِنْ لَبَنٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ وَفَرَّقَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْغَاصِبِ‏:‏ فَجَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْغَاصِبِ وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ قَائِمًا وَبَيْنَ مَا هَلَكَ مِنْهُ فَلَمْ يُضَمِّنُوهُ مَا هَلَكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ كُلُّهَا أَرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ، وَحُجَّةُ جَمِيعِهِمْ إنَّمَا هِيَ الْحَدِيثُ الَّذِي لاَ يَصِحُّ، الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ ‏"‏ أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ‏"‏‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ، فَكَانَ خَرَاجُهُ لَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ، لأََنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا فَاسْتَغَلَّ مَالَهُ لاَ مَالَ غَيْرِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلاَلِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ كُلُّهُ أَوْ أَنْ يَحْكُمَ لِلْبَاطِلِ بِحُكْمِ الْحَقِّ، وَلِلظَّالِمِ بِحُكْمِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْ، فَهَذَا الْجَوْرُ وَالتَّعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ لَكَانَ تَقْسِيمُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْغَلَّةِ، وَبَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالتَّأَلُّفِ بَاطِلاً مَقْطُوعًا بِهِ، لأََنَّهُ لاَ بِهَذَا الْخَبَرِ أَخَذَ، وَلاَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا أَخَذَ، بَلْ خَالَفَ كُلَّ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا بَقِيَ الْكَلاَمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ رَأَى الْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ فَقَطْ، فَالنُّصُوصُ الَّتِي ذَكَرْنَا تُوجِبُ مَا قلنا‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد قَالَ‏:‏، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ‏.‏ فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ صَارَ إلَيْهِ مَالُ أَحَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَعِرْقُ ظَالِمٍ هُوَ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ، خَالَفُوا الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَقَوْلَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يَرُدُّوا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا، لأََنَّهُ لَيْسَ بِيَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلاَ بِيَدِ الْغَاصِبِ، وَالظَّالِمُ بِعِرْقِ ظَالِمٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِرْقُ ظَالِمٍ فَهُوَ عِرْقُ حَقٍّ، إذْ لاَ وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا وَإِنْ قَالُوا‏:‏ بَلْ بِعِرْقِ ظَالِمٍ هُوَ بِيَدِهِ، لَزِمَهُمْ أَنْ لاَ حَقَّ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَرَى فِيهِ ذَلِكَ الْعِرْقُ‏.‏ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْغَلَّةِ‏:‏ فَكَلاَمٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ وَالْفَسَادِ، وَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ مَا انْفَصَلُوا مِنْهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الأَوْلاَدِ الأَحْيَاءِ فَرَأَى رَدَّهُمْ، وَبَيْنَ الْمَوْتَى فَلَمْ يَرَ رَدَّهُمْ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ كُلِّ مَا نَتَجَتْ الْأُمَّهَاتُ حِينَ الْوِلاَدَةِ إلَى سَيِّدِهِمْ وَسَيِّدِ أُمِّهِمْ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ، لَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يَقْضُوا بِرَدِّهِمْ أَصْلاً أَحْيَاءً وُجِدُوا أَمْ أَمْوَاتًا‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، قلنا‏:‏ فَسُقُوطُ وُجُوبِ رَدِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ كَلاَمٌ بَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ‏.‏ وَلَهُمْ فِي أَوْلاَدِ الْمُسْتَحِقَّةِ مِمَّنْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ‏:‏ فَمَرَّةً قَالُوا‏:‏ يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَمَرَّةٌ قَالُوا‏:‏ يَأْخُذُهَا فَقَطْ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ لاَ قِيمَةَ، وَلاَ غَيْرِهَا وَمَرَّةً قَالُوا‏:‏ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ هَؤُلاَءِ الأَوْلاَدِ هَلْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ قَطُّ فِي أَوَّلِ خَلْقهمْ، أَوْ حِينَ وِلاَدَتِهِمْ‏:‏ مَلَكَ سَيِّدُ أُمِّهِمْ أَمْ لَمْ يَقَعْ لَهُ قَطُّ عَلَيْهِمْ مِلْكٌ، وَلاَ ثَالِثَ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ بَلْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِلْكُهُ‏.‏ قلنا‏:‏ فَفِي أَيِّ دِينِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ أَنْ تُجْبِرُوهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ بِلاَ ضَرَرٍ كَانَ مِنْهُ إلَيْهِمْ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَاسْتُرِقَّ وَلَدُهُ مِنْهَا فَهَلاَّ أَجْبَرْتُمْ سَيِّدَهَا عَلَى قَبُولِ فَدَائِهِمْ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ عَلَى هَذَا دَخَلَ النَّاكِحُ لَمْ يَنْوِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ قلنا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا، وَمَا حُرِّمَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ بِنِيَّاتِ غَيْرِهِمْ فِيهَا، أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَإِذْ هُمْ فِي مِلْكِهِ فَهُمْ لَهُ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمْ يَقَعْ مِلْكُهُ قَطُّ عَلَيْهِمْ‏.‏ قلنا‏:‏ فَبِأَيِّ وَجْهٍ تَقْضُونَ لَهُ بِقِيمَتِهِمْ وَهَذَا ظُلْمٌ لأََبِيهِمْ بَيِّنٌ، وَإِيكَالٌ لِمَا لَهُ بِالْبَاطِلِ، وَإِبَاحَةٌ لِثَمَنِ الْحُرِّ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام‏.‏ وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ‏:‏ يَأْخُذُ قِيمَةَ الْأُمِّ فَقَطْ، أَوْ يَأْخُذُهَا فَقَطْ‏:‏ لأََيِّ شَيْءٍ يَأْخُذُهَا، أَوْ قِيمَتَهَا فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لأََنَّهَا أَمَتُهُ قلنا‏:‏ فَأَوْلاَدُ أَمَتِهِ عَبِيدُهُ بِلاَ شَكٍّ، فَلِمَ أَعْطَيْتُمُوهُ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ وَتَمْنَعُونَهُ الْبَعْضَ أَوْ لِمَ تَجْبُرُونَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَهُوَ لاَ يُرِيدُ بَيْعَهَا‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ جَارِيَةً لأََبِيهِ فَتَسَرَّاهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا فَجَاءَ أَبُوهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا وَوَلَدَهَا إلَيْهِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ دَعْ لِي وَلَدِي، فَقَالَ لَهُ‏:‏ دَعْ لَهُ وَلَدَهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَذِهِ شَفَاعَةٌ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَرَغْبَةٌ وَلَيْسَ فَسْخًا لِقَضَائِهِ بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا‏:‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ‏:‏ أَنَّ أَمَةً أَتَتْ طَيِّئًا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا ظَهَرَ عَلَيْهَا فَقَضَى بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ‏:‏ أَنَّهَا وَأَوْلاَدَهَا لِسَيِّدِهَا، وَأَنَّ لِزَوْجِهَا مَا أَدْرَكَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَجَعَلَ فِيهِمْ الْمِلَّةَ وَالسُّنَّةَ كُلُّ رَأْسٍ رَأْسَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً وَابْنًا لَهَا بَاعَا جَارِيَةً لِزَوْجِهَا وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ لِلَّذِي ابْتَاعَهَا ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَخَاصَمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ‏:‏ لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ قَدْ بَاعَ ابْنُك وَبَاعَتْ امْرَأَتُك قَالَ‏:‏ إنْ كُنْت تَرَى لِي حَقًّا فَأَعْطِنِي قَالَ‏:‏ فَخُذْ جَارِيَتَك وَابْنَهَا، ثُمَّ سَجَنَ الْمَرْأَةَ وَابْنَهَا حَتَّى تَخَلَّصَا لَهُ، فَلَمَّا رَأَى الزَّوْجُ ذَلِكَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ‏.‏ فَهَذَا عَلِيٌّ قَدْ رَأَى الْحَقَّ أَنَّهَا وَوَلَدَهَا لِسَيِّدِهَا وَقَضَى بِذَلِكَ، وَسَجَنَ الْمَرْأَةَ وَوَلَدَهَا وَهُمَا أَهْلٌ لِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِمَا، وَالأَخْذُ بِالْخَلاَصِ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ رَدَّ الثَّمَنِ وَهَذَا حَقٌّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا آخَرُ بِبَيِّنَةٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ تَرُدُّ عَلَيْهِ، وَيَقُومُ وَلَدُهَا فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَهُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُطَرِّفٌ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ وَالْمُغِيرَةُ، قَالَ مُطَرِّفٌ‏:‏ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ مُغِيرَةُ‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ،، وَإِبْرَاهِيمُ فِي وَلَدِ الْغَارَّةِ أَنَّ عَلَى أَبِيهِمْ أَنْ يَفْدِيَهُمْ بِمَا عَزَّ وَهَانَ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ‏:‏ يُفْدَوْنَ بِعَبْدٍ عَبْدٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ قَضَى عُمَرُ فِي أَوْلاَدِ الْغَارَّة بِالْقِيمَةِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ غَرَّتْ أَمَةٌ قَوْمًا وَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَتْ فِيهِمْ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا فَوَجَدُوهَا أَمَةٌ فَقَضَى عُمَرُ بِقِيمَةِ أَوْلاَدِهَا فِي كُلِّ مَغْرُورٍ غُرَّةٌ‏.‏ وَقَضَى الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِغُرَّةٍ‏.‏ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مَيْسَرَةَ، وَالْحَسَنِ‏:‏ مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ غُرَّةٌ‏.‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ عَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ وَيُهْضَمُ عَنْهُ مِنْ الْقِيمَةِ شَيْءٌ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُنَا‏:‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إِلاَّ فِي وَلَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ مِنْهَا فَقَطْ، فَإِنَّهُ نَاقَضَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَاهُ فَخَاصَمَ إلَى إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيهِ فَاسْتَحَقَّهُ فَقَضَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَبِغَلَّتِهِ، وَقَضَى لِلرَّجُلِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الْعَبْدِ، وَبِمِثْلِ غَلَّتِهِ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ‏:‏ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ‏:‏ هُوَ فَهْمٌ فَهَذَانِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، يَقُولاَنِ بِقَوْلِنَا فِي رَدِّ الْغَلَّةِ فِي الاسْتِحْقَاقِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ‏:‏ إذَا اشْتَرَيْت غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ جَاءَ أَمْرٌ بِرَدِّ الْبَيْعِ فِيهِ قَالَ‏:‏ يَرُدُّهَا وَنَمَاءَهَا، وَالْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ كَذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فَلِمَ فَرَّقْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحِقِّ فَأَلْحَقْتُمْ الْوَلَدَ بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَلَمْ تُلْحِقُوهُ بِالْغَاصِبِ‏.‏ قلنا‏:‏ نَعَمْ، لأََنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ فَأَسْلَمَ النَّاسُ وَفِيهِمْ أَوْلاَدُ الْمَنْكُوحَاتِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ وَالْمُتَمَلِّكَاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْمُتَمَلِّكُ، وَالنَّاكِحُ يَظُنَّانِ أَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ وَالْمِلْكَ حَقٌّ، فَأَلْحَقَهُمْ بِآبَائِهِمْ، وَلَمْ يُلْحِقْ قَطُّ وَلَدَ غَاصِبٍ، أَوْ زَانٍ بِمَنْ وَضَعَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بَلْ قَالَ عليه السلام‏:‏ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَالْغَاصِبُ وَالْعَالِمُ بِفَسَادِ عَقْدِهِ مِلْكًا كَانَ أَوْ زَوَاجًا عَاهِرَانِ فَلاَ حَقَّ لَهُمَا فِي الْوَلَدِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ إِلاَّ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ تُرَدُّ إلَيْهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ، فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهَذِهِ، وَقَدْ كَذَبُوا لأََنَّهُمْ لاَ يُغَرِّمُونَ الْبَائِعَ مَا يَفْدِي بِهِ وَلَدَهُ، إِلاَّ الرِّوَايَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي أَوْلاَدِ الْغَارَّةِ بِقِيمَتِهِمْ وَالْقِيمَةُ قَدْ صَحَّتْ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا عَبْدٌ مَكَانَ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَانِ مَكَانَ عَبْدٍ ‏;‏ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا‏.‏ وَخَالَفُوا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُمْ جُمْهُورُ مَنْ رَوَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْغَارَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِعَبْدٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ إنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا مَاتَ مِنْ الْوَلَدِ وَالنِّتَاجِ، وَمَا تَلِفَ مِنْ الْغَلَّةِ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ فِي الْجِسْمِ وَالْقِيمَةَ، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَكَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ كُلَّ ذَلِكَ فَهُوَ مُعْتَدٍ بِإِمْسَاكِهِ مَالَ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَ مُعْتَدِيًا، لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ غَصْبَ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِيحٍ أَلْقَتْ ثَوْبًا فِي مَنْزِلِ الْإِنْسَانِ‏.‏ قلنا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ الَّذِي رَمَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ مُتَمَلِّكًا لَهُ وَلَوْ تَمَلَّكَهُ لَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، وَهَذَا الْمُشْتَرِي أَوْ الْغَاصِبُ مُتَمَلِّكٌ لِكُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ غَلَّةٍ، أَوْ زِيَادَةٍ، أَوْ نَتَاجٍ، أَوْ ثَمَرَةٍ، حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُ إلَيْهِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ إمْسَاكَهُ عَنْهُ، فَهُوَ مُعْتَدٍ بِذَلِكَ يَقِينًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى‏.‏

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ حِينَ زَادَ ثَمَنُهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، فَكَانَ لاَزِمًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَهُوَ يُسَاوِي تِلْكَ الْقِيمَةِ، فَإِذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ رَدُّ مَا لَزِمَهُ رَدُّهُ‏.‏

وَأَمَّا الْكِرَاءُ‏:‏ فَإِنَّهُ إذْ حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِهِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنَافِعِهِ فَضَمِنَهَا، وَلَزِمَهُ أَدَاءُ مَا مَنَعَهُ مِنْ حَقِّهِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَكِرَاءُ مَتَاعِهِ مِنْ حَقِّهِ بِلاَ شَكٍّ، فَفَرْضٌ عَلَى مَانِعِهِ إعْطَاؤُهُ حَقُّهُ‏.‏

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا‏:‏ قَوْلُ الْحَنَفِيِّينَ إنَّ الْكِرَاءَ لِلْغَاصِبِ وَالْغَلَّةَ، وَلاَ يَضْمَنُ وَلَدَهَا الْمَوْتَى، ثُمَّ يَقُولُونَ فِيمَنْ صَادَ ظَبْيَةً فِي الْحَرَمِ فَأَمْسَكَهَا وَلَمْ يَقْتُلْهَا، حَتَّى إذَا وَلَدَتْ عِنْدَهُ أَوْلاَدًا فَمَاتُوا وَلَمْ يَذْبَحْهُمْ‏:‏ أَنَّهُ يَجْزِيهَا وَيَجْزِي أَوْلاَدَهَا فَلَوْ عَكَسُوا لاََصَابُوا وَمَا أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى صَائِدَ الظَّبْيَةِ ضَمَانَهَا عَاشَتْ أَوْ مَاتَتْ إِلاَّ أَنْ يَقْتُلَهَا عَامِدًا، وَإِلَّا فَلاَ، فَهُمْ أَبَدًا يُحَرِّفُونَ كَلاَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ‏.‏

وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِ مُتَصَدِّرِيهِمْ بِالْجَهْلِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ وَأَيُّ ذَنْبٍ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُسْتَرَقَّ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ مَا عَلِمْنَا ذَنْبًا يُوجِبُ الأَسْتِرْقَاقَ، وَالرِّدَّةَ، وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا، وَتْرُكَ الصَّلاَةِ، وَزِنَى الْمُحْصَنِ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِرْقَاقَ فَاعِلِهِ وَأَوْلاَدُ الْكُفَّارِ يُسْتَرَقُّونَ، وَلاَ ذَنْبَ لَهُمْ فَلَيْسَ يَعْتَرِضُ بِمِثْلِ هَذَا الْهَوَسِ إِلاَّ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ، وَلاَ دِينَ‏.‏

وَأَمَّا إسْقَاطُنَا الْمَهْرَ فِي وَطْءِ الْغَاصِبِ، وَالْمُسْتَحِقِّ، فَلأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَمَالُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ‏:‏ حَرَامٌ، إِلاَّ مَا أَوْجَبَهُ النَّصُّ، وَلاَ مَهْرَ إِلاَّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ لِلَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَقَطْ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَهُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِزِنَى الْغَاصِبِ أَوْ بِجَهْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ فَقَطْ، لأََنَّهُ اسْتَهْلَكَ بِذَلِكَ بَعْضَ قِيمَةِ أَمَةِ غَيْرِهِ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ‏:‏ فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لاَ يُعْطَى إِلاَّ الْقِيمَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ حِنْطَةً أَنَّ لَهُ طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِهِ، قَالَ سُفْيَانُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَائِنَا‏:‏ لَهُ الْقِيمَةُ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ‏:‏ أَمَّا مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ فَالْقِيمَةُ‏.‏ وَقَالَ أَصْحَابُنَا‏:‏ الْمِثْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ، فَإِنْ عُدِمَ الْمِثْلُ فَالْمَضْمُونُ لَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَتَى بِطَامَّةٍ، فَقَالَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ بِأَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ، قَالُوا‏:‏ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَبْدِ بِالْقِيمَةِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا مِنْ عَجَائِبِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَفْحَشُوا الْخَطَأَ فِي هَذَا الأَحْتِجَاجِ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ، وَالْمُعْتِقُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَسْتَهْلِكْ شَيْئًا، وَلاَ غَصَبَ شَيْئًا، وَلاَ تَعَدَّى أَصْلاً، بَلْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عِتْقَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَذَهُ لاَ لِتَعَدٍّ مِنْ الْمُعْتَقِ أَصْلاً‏.‏

وَالثَّانِي عَظِيمٌ تَنَاقُضُهُمْ، لأََنَّهُ يَلْزَمُهُمْ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ الْمَذْكُورُ مُسْتَهْلِكًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا كَمَا يَفْعَلُونَ فِي كُلِّ مُسْتَهْلَكٍ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ هَذَا فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مَنْ يَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَائِلُهُ عَنْ كَلاَمِهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ عِبَادَ اللَّهِ تَعَالَى يَتَعَقَّبُونَ كَلاَمَهُ عَلَى هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ إحَالَةِ السُّنَنِ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَسَعْيِهِمْ فِي إدْحَاضِ الْحَقِّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا هَاهُنَا إجْمَاعًا، لأََنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَزُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ يُضَمِّنُونَهُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَمَا نُبَالِي بِطَرْدِ هَذَيْنِ أَصْلُهُمَا فِي الْخَطَأِ، لأََنَّهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفَانِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُضَمِّنْ الْمُعْسِرَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ بِالأَسْتِسْعَاءِ لِلْمُعْتَقِ فَقَطْ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَهْدَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَيَوْمِهَا‏:‏ جَفْنَةً مِنْ حَيْسٍ، فَقَامَتْ عَائِشَةُ فَأَخَذَتْ الْقَصْعَةَ فَضَرَبَتْ بِهَا الأَرْضَ فَكَسَرَتْهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَصْعَةٍ لَهَا فَدَفَعَهَا إلَى رَسُولِ زَيْنَبَ، فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ مَكَانُ صَحْفَتِهَا وَقَالَ لِعَائِشَةَ‏:‏ لَكِ الَّتِي كَسَرْتِ فَهَذَا قَضَاءٌ بِالْمِثْلِ لاَ بِالدَّرَاهِمِ بِالْقِيمَةِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّهُمَا قَضَيَا عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ فُصْلاَنًا بِفُصْلاَنٍ مِثْلِهَا‏.‏ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَلِيٍّ‏:‏ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالْمِثْلِ فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ، وَرَأْسَهُ، وَسَوَاقِطَهُ‏.‏ وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْغَارَّةِ بِعَبِيدٍ لاَ بِالْقِيمَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ‏:‏ أَنَّهُ قَضَى فِي قَصَّارٍ شَقَّ ثَوْبًا أَنَّ الثَّوْبَ لَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَوْ ثَمَنُهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ إنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ، قَالَ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَجِدُ، قَالَ‏:‏ لاَ وَجَدَ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ‏:‏ أَنَّهُ قَضَى فِي ثَوْبٍ اُسْتُهْلِكَ بِالْمِثْلِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَمْ نُورِدْ قَوْلَ أَحَدٍ مِمَّنْ أَوْرَدْنَا احْتِجَاجًا بِهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِئَلَّا يَهْجُمُوا بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ جُرْأَةً عَلَى الْبَاطِلِ، فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّكُمْ لاَ تَقْضُونَ بِالْمَكْسُورِ لِلْكَاسِرِ، فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْحَدِيثَ قلنا‏:‏ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ عليه السلام لاَ يُعْطِي أَحَدًا غَيْرَ حَقِّهِ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام‏:‏ إنَّهَا لَك مِنْ أَجْلِ كَسْرِك إيَّاهَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَهُ عليه السلام‏.‏ فَصَحَّ بِذَلِكَ يَقِينًا أَنَّ تِلْكَ الْكِسَارَةَ الَّتِي أَعْطَى لِعَائِشَةَ، رضي الله عنها، لاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا‏:‏ إمَّا أَنَّهَا لَمْ تَصْلُحْ لِشَيْءٍ فَأَبْقَاهَا كَمَا يَحِلُّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنَّا مَا فَسَدَ جُمْلَةً مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وَأَمَّا أَنَّ قَصْعَةَ عَائِشَةَ الَّتِي أَعْطَى كَانَتْ خَيْرًا مِنْ الَّتِي كَانَتْ لِزَيْنَبِ، رضي الله عنها، فَجَبْرَ عليه السلام تِلْكَ الزِّيَادَةَ بِتِلْكَ الْكِسَارَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام لاَ يُعْطِي أَحَدًا مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي عَيْنِ مَالِهِ لاَ فِي غَيْرِهِ، فَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا مَوْجُودَيْنِ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ عَدِمَ جُمْلَةً فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَهُ بِالْمِثْلِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِذَا عَدِمَ الْمِثْلَ مِنْ نَوْعِهِ فَكُلُّ مَا قَاوَمَهُ وَسَاوَاهُ فَهُوَ أَيْضًا مِثْلٌ لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِثْلَيْهِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ نَوْعِهِ، فَلِذَلِكَ قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ الْمُطْلَقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏