فصل: 2304 - مَسْأَلَةٌ : فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


مَسَائِلُ التَّعْزِيرِ وَمَا لاَ حَدَّ فِيهِ

2299 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَقَدْ قلنا ‏:‏ إنَّهُ لاَ حَدَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَحْدُودٌ ، وَلاَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ ‏,‏ وَهِيَ ‏:‏ الرِّدَّةُ ‏,‏ وَالْحِرَابَةُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَالزِّنَى ‏,‏ وَالْقَذْفِ بِالزِّنَى ‏,‏ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ وَالسَّرِقَةُ ‏,‏ وَجَحْدُ الْعَارِيَّةِ‏.‏

وَأَمَّا سَائِرُ الْمَعَاصِي فَإِنَّ فِيهَا التَّعْزِيرُ فَقَطْ وَهُوَ الأَدَبُ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَشْيَاءُ ‏,‏ رَأَى فِيهَا قَوْمٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ حَدًّا وَاجِبًا نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَذْكُرُ حُجَّةَ مَنْ رَأَى فِيهَا الْحَدَّ وَحُجَّةَ مَنْ لَمْ يَرَهُ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلْنَا فِي سَائِرِ كِتَابِنَا ‏:‏ وَتِلْكَ الأَشْيَاءُ ‏:‏ السُّكْرُ ‏,‏ وَالْقَذْفُ بِالْخَمْرِ ‏,‏ وَالتَّعْرِيضُ ‏,‏ وَشُرْبُ الدَّمِ ‏,‏ وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ ‏,‏ وَفِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ ‏,‏ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ تَسْتَنْكِحُ الْبَهِيمَةَ ‏,‏ وَالْقَذْفُ بِالْبَهِيمَةِ ‏,‏ وَسُحْقُ النِّسَاءِ ‏,‏ وَتَرْكُ الصَّلاَةِ غَيْرَ جَاحِدٍ لَهَا ‏,‏ وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ كَذَلِكَ ‏,‏ وَالسِّحْرُ‏.‏ وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَاكِرُونَ كُلَّ ذَلِكَ بَابًا بَابًا‏.‏

2300 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

السُّكْرُ

قال أبو محمد ‏:‏ أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ شُرْبَ نَقِيعِ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ ‏,‏ وَشُرْبَ نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ ‏,‏ وَشُرْبَ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَإِنْ أَسْكَرَ كُلُّ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَهُ حَلاَلٌ ‏,‏ وَلاَ حَدَّ فِيهِ مَا لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْكِرُ وَإِنْ سَكِرَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏ وَإِنْ شَرِبَ نَبِيذَ تِينٍ مُسْكِرٍ ‏,‏ أَوْ نَقِيعَ عَسَلٍ مُسْكِرٍ ‏,‏ أَوْ عَصِيرَ تُفَّاحٍ مُسْكِرٍ ‏,‏ أَوْ شَرَابَ قَمْحٍ ‏,‏ أَوْ شَعِيرٍ ‏,‏ أَوْ ذُرَةٍ مُسْكِرٍ ‏:‏ فَسَكِرَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ ‏,‏ فَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلاً

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ الْحُدُودَ لاَ تُؤْخَذُ قِيَاسًا أَصْلاً فَنَقُولُ لَهُمْ ‏:‏ أَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ أَفِي قُرْآنٍ ‏,‏ أُمّ فِي سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ‏,‏ أَوْ سَقِيمَةٍ ‏,‏ أَوْ مَوْضُوعَةٍ أَوْ فِي إجْمَاعٍ ‏,‏ أَوْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ أَمْ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ ‏,‏ أَمْ فِي قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَكُمْ ‏,‏ أَمْ فِي قِيَاسٍ ‏,‏ أَمْ فِي رَأْيِ يَصِحُّ فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ ‏,‏ إنْ قَالُوا ‏:‏ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَمْرَ فِي الْقُرْآنِ

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنْتُمْ الْحَدَّ فِي السُّكْرِ مِمَّا لَيْسَ خَمْرًا عِنْدَكُمْ ‏,‏ بَلْ هُوَ حَلاَلٌ عِنْدَكُمْ طَيِّبٌ ‏,‏ وَهُوَ مَطْبُوخُ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ‏,‏ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ ‏,‏ وَنَقِيعُ التَّمْرِ إذَا طُبِخَا ‏,‏ وَلاَ خَمْرَ هَاهُنَا أَصْلاً

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّكْرَانَ إذْ أُتِيَ بِهِ‏.‏ وَرَوَوْا حَدِيثَ الْخَمْرِ بِعَيْنِهَا ‏,‏ وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا ‏,‏ أَوْ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ ‏,‏ و اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ ، وَلاَ تَسْكَرُوا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الأَخْبَارِ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ سَكْرَانَ‏.‏

وَأَيْضًا ‏:‏ فَهَلْ وَجَدْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ مِمَّاذَا سَكِرَ فَإِنْ قَالَ لَهُ ‏:‏ مِنْ نَبِيذِ عَسَلٍ ‏,‏ أَوْ شَرَابِ شَعِيرٍ ‏,‏ أَوْ شَرَابِ ذُرَةٍ ‏,‏ أَطْلَقَهُ ‏,‏ وَقَدْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا عَلَى عَهْدِهِ عليه السلام‏.‏ وَإِنْ قَالَ لَهُ ‏:‏ مِنْ نَبِيذِ تَمْرٍ ‏,‏ أَوْ نَقِيعِ زَبِيبٍ ‏,‏ أَوْ عَصِيرِ عِنَبٍ ‏:‏ حَدَّهُ‏.‏ هَلْ جَاءَ هَذَا قَطُّ فِي نَقْلٍ صَادِقٍ أَوْ كَاذِبٍ فَأَنَّى لَكُمْ هَذَا التَّقْسِيمُ السَّخِيفُ فَعَنْهُ سَأَلْنَاكُمْ ‏,‏ وَعَنْ تَحْرِيمِكُمْ بِهِ ‏,‏ وَتَحْلِيلِكُمْ ‏,‏ وَعَنْ إبَاحَتِكُمْ بِهِ الأَشْيَاءَ الْمُحَرَّمَةَ ‏,‏ أَوْ إسْقَاطِكُمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةَ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى حَدِّ الشَّارِبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ إذَا سَكِرَ ‏,‏ وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَاهُ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ الْحَدَّ عَلَى مَنْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ وَمِنْ نَبِيذِ الرُّطَبِ كَذَلِكَ ‏,‏ وَمِنْ نَبِيذِ الزَّهْوِ ‏,‏ وَمِنْ نَبِيذِ الْبُسْرِ ‏,‏ وَمِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ كَذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَقَدْ

رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى السَّكْرَانِ مِنْ النَّبِيذِ

وَكَذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَلاَ يَجِدُونَ أَبَدًا قَوْلَ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قَوْلَ تَابِعٍ بِمِثْلِ هَذَا التَّقْسِيمِ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْخَمْرِ لِعَطَشٍ ‏,‏ أَوْ لأَخْتِنَاقٍ ‏,‏ فَشَرِبَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُزِيلُ عَطَشَهُ ‏,‏ أَوْ اخْتِنَاقَهُ ‏,‏ وَذَلِكَ حَلاَلٌ لَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَسَكِرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ السُّكْرَ لاَ حَدَّ فِيهِ أَصْلاً ‏,‏ وَإِنَّمَا الْحَدُّ ‏,‏ وَالتَّحْرِيمُ ‏,‏ فِي الْمُسْكِرِ سَكِرَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ وَقَدْ نَجِدُ مَنْ يَسْكَرُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَرْطَالٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ سُكْرًا شَدِيدًا وَنَجِدُ مَنْ لاَ يَسْكَرُ مِنْ أَزِيدَ مِنْ عِشْرِينَ رِطْلاً مِنْ خَمْرٍ ‏,‏ وَلاَ تَتَغَيَّرُ لَهُ حَالَةٌ أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا الْقَذْفُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَبْوَابٍ وَقَوْلُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ وَغَيْرِهِ إيجَابُ الْحَدِّ فِيهِ ‏,‏ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْحَدَّ لاَ يَجِبُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فِي الْقَذْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كَلاَمِنَا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَتَقَصَّيْنَاهُ هُنَالِكَ أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فِيهِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ صَحِيحَةٌ ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏;‏ لأََنَّ الصَّحَابَةَ ، رضي الله عنهم ، اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ وَذَكَرْنَا صِحَّةَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي أَخْبَرَهُ ‏:‏ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ وَهُوَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ‏.‏ وَفِي الَّذِي أَخْبَرَهُ عليه السلام ‏:‏ أَنَّ امْرَأَتَهُ لاَ تَرُدُّ يَدَ لاَمِسٍ فَلَمْ يُوجِبْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2301 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

شُرْبُ الدَّمِ ‏,‏ وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ‏,‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ رَجُلٌ وُجِدَ يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ اشْتَهَيْتُهُ أَوْ مَرَّتْ بِهِ بَدَنَةٌ فَنَحَرَهَا ‏,‏ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَفْطَرَتْ فِي رَمَضَانَ أَوْ أَصَابَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَوْ قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ مُتَعَمِّدًا أَوْ شَرِبَ خَمْرًا فَتَرَكَ بَعْضَ الصَّلاَةِ فَذَكَرَ جُمْلَةً فَقَالَ عَطَاءٌ ‏:‏ مَا كَانَ اللَّهُ نَسِيًّا ‏,‏ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ ذَلِكَ شَيْئًا يُسَمِّيه ‏,‏ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ‏,‏ وَإِذَا عَاوَدَ ذَلِكَ ‏:‏ فَلْيُنَكَّلْ وَذَكَرَ الَّذِي قَبَّلَ امْرَأَتَهُ ‏,‏ وَاَلَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ‏.‏ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إذَا أَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ التَّوْبَةُ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ‏.‏ بِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إذَا كَانَ فَاسِقًا مِنْ الْفُسَّاقِ ‏:‏ نُكِّلَ نَكَالاً مُوجِعًا ‏,‏ وَيُكَفِّرْ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ انْتِحَالاً لِدِينٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ عُرِضَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ‏.‏ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏:‏ حَدٌّ كَحَدِّ الْخَمْرِ‏.‏ وَاَلَّذِي نَعْرِفُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا ‏:‏ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فَقَطْ‏.‏ فَهَذِهِ فِي الْخِنْزِيرِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ‏:‏ قَوْلٌ فِيهِ ‏:‏ الْحَدُّ كَحَدِّ الْخَمْرِ وَقَوْلٌ فِيهِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ فِيهِ أَصْلاً

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَوَّلُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ وَالثَّالِثُ ‏:‏ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ

وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالرَّابِعُ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ‏,‏ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ‏.‏ وَقَوْلَةٌ خَامِسَةٌ ‏:‏ أَنَّهُ يُعَزَّرُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا إِلاَّ الْقِيَاسَ ‏,‏ فَلَمَّا كَانَتْ الْخَمْرُ مَطْعُومَةً مُحَرَّمَةً ‏,‏ فِيهَا حَدٌّ مَحْدُودٌ ‏:‏ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَطْعُومٍ مُحَرَّمٍ ‏,‏ فِيهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ كَالْخَمْرِ ‏,‏ قِيَاسًا عَلَيْهَا وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ‏.‏ فِي الْعَالَمِ إنْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ لَمْ يَفْرِضْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِهِ فَصَارَ وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ إنَّمَا فُرِضَتْ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ ‏;‏ لأََنَّهَا تُؤَدِّي إلَى السُّكْرِ ‏,‏ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَذْفُ‏.‏

فأما الْفِرْقَةُ الَّتِي قَالَتْ ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ حَدَّ الْخَمْرِ ‏,‏ فَمِنْ أَصْلِهِمْ أَنْ يُقَاسَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَهَؤُلاَءِ يَقِيسُونَ مَسَّ الدُّبُرِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ ‏;‏ لأََنَّ كِلَيْهِمَا عِنْدَهُمْ فَرْجٌ ، وَلاَ يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ ‏,‏ فَإِنَّ قِيَاسَ شُرْبِ الدَّمِ ‏,‏ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ ‏,‏ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِ الدُّبُرِ عَلَى الذَّكَرِ وَكُلُّهُمْ يَقِيسُونَ حُكْمَ مَاءِ الْوَرْدِ ‏,‏ وَالْعَسَلِ ‏,‏ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ ‏,‏ أَوْ الْقَطَاةُ ‏,‏ فَلاَ تُغَيِّرُ مِنْهُ لَوْنًا ، وَلاَ طَعْمًا ، وَلاَ رِيحًا ‏,‏ عَلَى السَّمْنِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَقِيَاسُ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالدَّمِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ ‏,‏ عَلَى الْخَمْرِ أَصَحُّ مِنْ كُلِّ قِيَاسٍ لَهُمْ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ يَوْمًا مَا‏.‏

وَأَمَّا الْقَطَاةُ فَلَيْسَتْ كَالْفَأْرَةِ ‏;‏ لأََنَّ الْقَطَاةَ تُؤْكَلُ ‏,‏ وَالْفَأْرَةُ لاَ تُؤْكَلُ ‏,‏ وَالْقَطَاةُ تُجْزِي فِي الْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهَا هُنَالِكَ وَالْفَأْرَةُ لاَ تُجْزِي ‏,‏ وَيَحِلُّ قَتْلُهَا هُنَالِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَاءُ الْوَرْدِ وَالْعَسَلِ ‏,‏ لَيْسَ كَالسَّمْنِ ‏;‏ لأََنَّ الْعَسَلَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِيهِ الزَّكَاةُ ‏,‏ وَالسَّمْنُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ ‏,‏ وَمَاءُ الْوَرْدِ لاَ رِبَا فِيهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ‏,‏ وَالسَّمْنُ فِيهِ الرِّبَا عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَظَهَرَ تَرْكُهُمْ الْقِيَاسَ الَّذِي بِهِ يَحْتَجُّونَ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَهُ ‏,‏ وَلاَ يَطْرُدُونَهُ‏.‏

وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُولُ ‏:‏ إنَّ الصَّحَابَةَ ، رضي الله عنهم ، فَرَضُوا حَدَّ الْخَمْرِ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ أَيْضًا لاَزِمٌ لَهُمْ ‏,‏ كَمَا لَزِمَ الطَّائِفَةَ الْمَذْكُورَةَ‏.‏

وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي قَالَتْ ‏:‏ إنَّ حَدَّ الْخَمْرِ إنَّمَا فُرِضَ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ لِهَؤُلاَءِ أَلْزَمُ ‏;‏ لأََنَّهُ كَمَا جَازَ أَنْ يُفْرَضَ حَدُّ الْخَمْرِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ ‏,‏ فَكَذَلِكَ يُفْرَضُ حَدُّ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ ‏,‏ وَشُرْبِ الدَّمِ ‏,‏ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْخَمْرِ وَجُمْهُورُهُمْ يُجِيزُونَ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَقِيسِ‏.‏ فَوَضَحَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ فَسَادِ أَقْوَالِهِمْ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ حَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الرِّدَّةِ عِنْدَهُ وَهَذَا خَطَأٌ ‏;‏ لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ

برهان ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى مُسْلِمٍ بِالْكُفْرِ مِنْ أَجْلِ مَعْصِيَةٍ أَتَى بِهَا إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ صَحِيحٌ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ ‏,‏ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا ‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ كُفْرٌ ‏,‏ وَلَيْسَ مَعَنَا نَصٌّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ عَلَى أَنَّ آكِلَ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ ‏,‏ وَالدَّمِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِذَلِكَ ‏:‏ كَافِرٌ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ عَاصٍ ‏,‏ مُذْنِبٌ ‏,‏ فَاسِقٌ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ ‏,‏ فَيَكُونُ كَافِرًا حِينَئِذٍ ‏;‏ لأََنَّ مُعَانَدَةَ مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ‏,‏ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏.‏

2302 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

تَارِكُ الصَّلاَةِ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ ذَهَبَ مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ مَنْ قَالَ ‏:‏ الصَّلاَةُ حَقٌّ فَرْضٌ إِلاَّ أَنِّي لاَ أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَإِنَّهُ يُتَأَنَّى بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلاَةِ ‏,‏ ثُمَّ يُقْتَلْ

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏:‏ لاَ قَتَلَ عَلَيْهِ ‏,‏ لَكِنْ يُعَزَّرُ حَتَّى يُصَلِّيَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَمَّا مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ فَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ تَارِكَ الصَّلاَةِ الَّذِي ذَكَرْنَا مُسْلِمًا ‏;‏ لأََنَّهُمَا يُوَرِّثَانِ مَالَهُ وَلَدَهُ ‏,‏ وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَيَدْفِنَانِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَلاَ يُفَرِّقَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ‏,‏ وَيُنْفِذَانِ وَصِيَّتَهُ ‏,‏ وَيُوَرِّثَانِهِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ قَوْلُهُمَا فِي قَتْلِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ ‏:‏ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ ‏,‏ أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ ‏,‏ أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ وَتَارِكُ الصَّلاَةِ مُتَعَمِّدًا كَمَا ذَكَرْنَا لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ كَافِرًا ‏,‏ أَوْ يَكُونَ غَيْرَ كَافِرٍ فَإِنْ كَانَ كَافِرًا ‏,‏ فَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لَوْ قَالُوهُ لَلَزِمَهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ‏,‏ وَفِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ فَإِذْ لَيْسَ كَافِرًا ‏,‏ وَلاَ قَاتِلاً ‏,‏ وَلاَ زَانِيًا مُحْصَنًا ‏,‏ وَلاَ مُحَارِبًا ‏,‏ وَلاَ مَحْدُودًا فِي الْخَمْرِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ‏,‏ فَدَمُهُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ ‏,‏ فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏.‏ وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏}‏ ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ تَخْلِيَةُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ ‏,‏ وَلَمْ يُزْكِ‏.‏ وَذَكَرُوا

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحْصَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ ‏,‏ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَمَنْ رَضِيَ وَتَابِعَ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ مَا صَلُّوا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَخْبَرَنِي مَوْلَى بَنِي فَزَارَةَ زُرَيْقُ بْنُ حَيَّانَ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَ بْنَ قَرَظَةَ ابْنَ عَمِّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ يَقُولُ سَمِعْت عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ‏,‏ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تَبْغُضُونَهُمْ وَيَبْغُضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ‏,‏

قلنا ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاَةَ ‏,‏ لاَ ‏,‏ مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاَةَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏ وَالْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا نَهَيْتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ و ‏"‏ لاَ لَعَلَّهُ يَكُونُ يُصَلِّي ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي النُّعْمِ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمِ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ ‏,‏ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ ‏,‏ كَثُّ اللِّحْيَةِ ‏,‏ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمِّرُ الْإِزَارِ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ وَيْلَكَ ‏,‏ أَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ قَالَ ‏:‏ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ‏,‏ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ ‏:‏ لَعَلَّهُ يَكُونُ يُصَلِّي

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ‏:‏ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبِيَّةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَذَكَرَ الْخَبَرَ‏.‏ وَفِيهِ فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ يُطِعْ اللَّهَ إنْ لَمْ أُطِعْهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ ‏,‏ وَلاَ تَأْمَنُنِي ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ ‏,‏ فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ‏,‏ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ ‏,‏ يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ‏,‏ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لاََقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ يُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا ‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ‏,‏ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ‏,‏ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ‏,‏ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ ‏,‏ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الأَئِمَّةِ مَا صَلُّوا‏.‏ فَصَحَّ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُصَلُّوا قُوتِلُوا‏.‏ وَصَحَّ أَنَّ الْقَتْلَ بِالصَّلاَةِ حَرَامٌ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنَّهُ بِغَيْرِ الصَّلاَةِ حَلاَلٌ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ قَتْلِ غَيْرِ الْمُصَلِّينَ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لاَ يُصَلِّي غَيْرَ هَذَا وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ أَمَّا الآيَةَ فَإِنَّ نَصَّهَا قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلاَةَ ‏,‏ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو الْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِيمَانِ حَتَّى مَاتَ إلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَتِهِ وَأَنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَمْ يَثْقَفْ مَنْ أَجَابَهُ إلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ صَلاَةٍ فَيُصَلِّيَ ‏,‏ ثُمَّ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ فَيُزَكِّيَ ‏,‏ ثُمَّ يُطْلِقُهُ هَذَا مَا لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ‏.‏

وَأَمَّا الأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ ‏:‏

فأما حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ ‏,‏ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ الْوُلاَةِ مَا صَلُّوا وَلَسْنَا مَعَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقِتَالِ ‏,‏ وَإِنَّمَا نَحْنُ مَعَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ صَبْرًا وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ جَازَ قَتْلُهُ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏الْمُقْسِطِينَ‏}‏ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إلَى أَنْ يَفِيئُوا ‏,‏ ثُمَّ حَرَّمَ قَتْلَهُمْ إذَا فَاءُوا‏.‏ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا مِنْ أَيِّ حَقٍّ كَانَ وَلَوْ أَنَّهُ فِلْسٌ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ لأَدَمِيٍّ ‏,‏ وَامْتَنَعَ دُونَ أَدَائِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَلَّ قِتَالُهُ ‏;‏ لأََنَّهُ بَاغٍ عَلَى أَخِيهِ ‏,‏ وَبَاغٍ فِي الدِّينِ‏.‏

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ عَمَلٍ لِلَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ وَامْتَنَعَ دُونَهُ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ أُجْبِرُوا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ بِالتَّعْزِيرِ وَالسَّجْنِ‏.‏ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَتَى مُنْكَرًا فَلاَ يُزَالُ يُؤَدَّبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ وَحَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ‏,‏ وَتَارِكُ الصَّلاَةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ ‏,‏ إنْ امْتَنَعَ قُوتِلَ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ بَلْ يُؤَدَّبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا أَوْ يَمُوتَ كَمَا

قلنا غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ ‏,‏ وَحَدِيثُ عَوْفٍ إنَّمَا هُوَ فِي بَابِ الْقِتَالِ لِلأَئِمَّةِ ‏,‏ لاَ فِي بَابِ الْقَتْلِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لاَ يُصَلِّي‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏"‏ لَعَلَّهُ يُصَلِّي ‏"‏ فَإِنَّمَا فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ مَنْ يُصَلِّي ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ قَتْلُ مَنْ لاَ يُصَلِّي أَصْلاً ‏,‏ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ‏,‏ وَإِذَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمٍ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ ‏,‏ فَيَكْذِبُ عَلَيْهِ ‏,‏ وَيُخْبِرُ عَنْ مُرَادِهِ بِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا نَهَيْتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ و ‏"‏ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ ‏"‏ فَنَعَمْ ‏,‏ لاَ يَحِلُّ قَتْلُ مُصَلٍّ إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي قَتْلِهِ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِقَتْلِ مَنْ لَيْسَ مُصَلِّيًا إذَا أَقَرَّ بِالصَّلاَةِ ‏,‏ أَصْلاً‏.‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ‏.‏ وَيُقَالُ لِمَنْ جَسَرَ عَلَى هَذَا ‏:‏ أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ كُذِّبَ جِهَارًا ‏,‏ وَإِنْ قَالَ ‏:‏ لَمْ يَقُلْ ‏,‏ لَكِنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ ‏:‏ أَيْنَ دَلِيلُك عَلَى ذَلِكَ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ ظَنَّهُ الْكَاذِبَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ دَلِيلٌ أَصْلاً ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ وَلاَ رَأْيٍ صَحِيحٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا مِنْ الأَقْوَالِ فَهُوَ خَطَأٌ بِلاَ شَكٍّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا الْكَلاَمُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ مَعَ مَنْ قَالَ بِقَتْلِهِ ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ كَافِرٍ

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِهِ بِتَرْكِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ‏,‏ فَلَيْسَ هَذَا مَكَانُ الْكَلاَمِ فِيهِ مَعَهُمْ ‏,‏ فَسَيَقَعُ الْكَلاَمُ فِي ذَلِكَ مُتَقَصًّى فِي ‏"‏ كِتَابِ الْإِيمَانِ ‏"‏ مِنْ الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ فَإِنَّا نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنَّهُ قَدْ صَحَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالأَدَبِ عَلَى مَنْ أَتَى مُنْكَرًا وَالأَمْتِنَاعُ مِنْ الصَّلاَةِ ‏,‏ وَمِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ‏,‏ وَمِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ ‏,‏ وَمِنْ الزَّكَاةِ ‏,‏ وَمِنْ الْحَجِّ ‏,‏ وَمِنْ أَدَاءِ جَمِيعِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا وَمِنْ كُلِّ حَقٍّ لأَدَمِيٍّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ ‏,‏ بِلاَ شَكٍّ وَبِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ ‏;‏ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ‏,‏ وَالْحَرَامُ مُنْكِرٌ بِيَقِينٍ‏.‏ فَصَحَّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبَاحَةُ ضَرْبِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا بِالْيَدِ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَضْرِبَ فِي التَّعْزِيرِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى مَا نُورِدُ فِي ‏"‏ بَابِ كَمْ يَكُونُ التَّعْزِيرُ ‏"‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَشْرَ جَلَدَاتٍ فَإِنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ صَلاَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏,‏ فَقَدْ بَرِئَ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الأَمْتِنَاعِ فَقَدْ أَحْدَثَ مُنْكَرًا آخَرَ بِالأَمْتِنَاعِ الآخَرِ ‏,‏ فَيُجْلَدُ أَيْضًا عَشْرًا وَهَكَذَا أَبَدًا ‏,‏ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ يَمُوتَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ ، وَلاَ يُرْفَعُ عَنْهُ الضَّرْبُ أَصْلاً حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلاَةِ وَتَدْخُلَ أُخْرَى فَيُضْرَبُ لِيُصَلِّيَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا ‏,‏ وَهَكَذَا أَبَدًا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ‏,‏ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْعَتَمَةِ تُرِكَ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى صَلاَةٍ مَا خَرَجَ وَقْتُهَا ثُمَّ يُجَدَّدُ عَلَيْهِ الضَّرْبُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ثُمَّ يُتْرَكَ إلَى أَوَّلِ الظُّهْرِ ‏,‏ وَيَتَوَلَّى ضَرْبَهُ مَنْ قَدْ صَلَّى ‏,‏ فَإِذَا صَلَّى غَيْرُهُ خَرَجَ هَذَا إلَى الصَّلاَةِ وَيَتَوَلَّى الآخَرُ ضَرْبَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمُنْكَرَ الَّذِي يُحْدِثُ أَوْ يَمُوتُ ‏,‏ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ ‏,‏ وَهُوَ مُسْلِمٌ مَعَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2303 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْفَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَةِ ‏:‏ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ‏,‏ وَالْمَيْتَةِ ‏,‏ وَالدَّمِ ‏,‏ وَالْخَمْرِ ‏,‏ وَالزِّنَى ‏,‏ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي ‏,‏ مَنْ أَحَلَّهُ أَوْ أَحَلَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَافِرٌ ‏,‏ مُشْرِكٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ‏.‏ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُحْرَقُ بِالنَّارِ الأَعْلَى وَالأَسْفَلُ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُحْمَلُ الأَعْلَى وَالأَسْفَلَ إلَى أَعْلَى جَبَلٍ بِقَرْيَةٍ فَيُصَبُّ مِنْهُ ‏,‏ وَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُرْجَمُ الأَعْلَى وَالأَسْفَلُ سَوَاءٌ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُقْتَلاَنِ جَمِيعًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ أَمَّا الأَسْفَلُ فَيُرْجَمُ أَحْصَنَ أَمْ لَمْ يُحْصِنْ

وَأَمَّا الأَعْلَى فَإِنْ أَحْصَنَ رُجِمَ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ جَلْدَ الزِّنَى‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الأَعْلَى وَالأَسْفَلُ كِلاَهُمَا سَوَاءٌ أَيُّهُمَا أَحْصَنَ رُجِمَ ‏,‏ وَأَيُّهُمَا لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ مِائَةً ‏,‏ كَالزِّنَى‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا ، وَلاَ قَتْلَ ‏,‏ لَكِنْ يُعَزَّرَانِ‏.‏ فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ كَمَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ ‏:‏ جَاءَ نَاسٌ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخْبَرُوهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُنْكَحُ كَمَا تُوطَأُ الْمَرْأَةُ ‏,‏ وَقَدْ أَحْصَنَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ عَلَيْهِ الرَّجْمُ وَتَابَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ‏:‏

فَقَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْعَرَبَ تَأْنَفُ مِنْ عَارِ الْمِثْلِ وَشُهْرَتِهِ ‏,‏ أَنْفًا لاَ تَأْنَفُهُ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تَمْضِي فِي الأَحْكَامِ فَأَرَى أَنْ تُحْرِقَهُ بِالنَّارِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ صَدَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَكَتَبَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ‏:‏ أَنْ أُحْرِقَهُ بِالنَّارِ فَفَعَلَ‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ لاَ أَرَى خَالِدًا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ ‏,‏ لأََنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ‏:‏ مَنْ أَحْرَقَ بِالنَّارِ فَاعِلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَمْ يُخْطِئْ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ‏,‏ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ ‏:‏ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ‏:‏ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ رَجُلاً يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ ‏,‏ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ ‏,‏ فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَشَدُّهُمْ فِيهِ يَوْمئِذٍ قَوْلاً عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ مِنْ الْأُمَمِ إِلاَّ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ ‏,‏ أَرَى أَنْ تُحْرِقَهُمَا بِالنَّارِ ‏,‏ فَاجْتَمَعَ رَأْي صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُحْرِقَهُ بِالنَّارِ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ ثُمَّ حَرَقَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي زَمَانِهِ ثُمَّ حَرَقَهُمَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ حَرَقَهُمَا الْقَسْرِيُّ بِالْعِرَاقِ‏.‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ دُلَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مَيُورْقَةَ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ ني مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَسْلَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ‏,‏ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ‏,‏ وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ ‏:‏ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْبَحْرِ رَجُلاً يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ ‏:‏ كَانَ اسْمُهُ الْفُجَاءَةَ فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرْفًا حَرْفًا نَصًّا سَوَاءٌ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُصْعَدُ بِهِ إلَى أَعْلَى جَبَلٍ فِي الْقَرْيَة ‏:‏ فَكَمَا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ مَطَرٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ حَدِّ اللُّوطِيِّ فَقَالَ ‏:‏ يُصْعَدُ بِهِ إلَى أَعْلَى جَبَلٍ فِي الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَى مُنَكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُرْجَمُ الأَعْلَى وَالأَسْفَلُ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا ‏:‏ فَكَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمِهْرَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَلِيًّا رَجَمَ لُوطِيًّا‏.‏

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا ‏,‏ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثَانِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ ‏:‏ أَنَّهُ يُرْجَمُ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَكَانَ يَنْبَغِي لِلُوطِيِّ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ‏.‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُوطِيًّا رُجِمَ ‏,‏ لاَ يُلْتَمَسْ بِهِ إحْصَانٌ ‏,‏ وَلاَ غَيْرُهُ‏.‏ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ عَلَى اللُّوطِيِّ الرَّجْمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ‏.‏ وَ

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الشِّمْرُ بْنُ نُمَيْرٍ ‏,‏ وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جعدبة ‏,‏ وَمِنْ أَثِقُ بِهِ ‏,‏ وَكَتَبَ إلَى ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ ‏,‏ قَالَ الشِّمْرُ ‏:‏ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جعدبة ‏:‏ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ ‏:‏ سَمِعْت أَبَا الزِّنَادِ ‏,‏ وَقَالَ الَّذِي يَثِقُ بِهِ ‏:‏ عَنْ الْحَسَنِ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَأَبُو الزِّنَادِ ‏,‏ وَالْحَسَنُ ‏,‏ كُلُّهُمْ مِثْلَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورِ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَاللَّيْثِ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُقْتَلاَنِ ‏:‏ فَ

كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ هُوَ كَالزِّنَى يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ مِنْهُمَا وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ مِائَةَ جَلْدَةٍ ‏:‏ فَكَمَا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ ‏,‏ وَالضَّحَّاكُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ الضَّبِّيُّ عَنْ الْيَمَانِي بْنِ الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ شَهِدْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأُتِيَ بِسَبْعَةٍ أَخَذُوا فِي اللِّوَاطِ فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَوَجَدَ أَرْبَعَةً قَدْ أَحْصَنُوا ‏,‏ فَأَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ رُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا ‏,‏ وَجَلَدَ ثَلاَثَةً الْحَدَّ وَعِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ ‏,‏ فَلَمْ يُنْكِرَا ذَلِكَ عَلَيْهِ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ‏:‏ إنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّ الْفَاعِلَ إنْ كَانَ مُحْصَنًا فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُنْفَى سَنَةً ‏,‏

وَأَمَّا الْمَنْكُوحُ فَيُرْجَمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ ‏:‏ فَقَوْلٌ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ أَحَدُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَكَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ‏,‏ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ‏:‏ يُجْلَدُ دُونَ الْحَدِّ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَنْ اتَّبَعَهُ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى حَرْقَهُ بِالنَّارِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُ إجْمَاعِهِمْ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ ‏,‏ بَعْدَ ذَلِكَ الرَّجْمُ ‏,‏ وَحَدُّ الزِّنَى ‏,‏ وَغَيْرُ ذَلِكَ قِيلَ ‏:‏ هَذَا لاَ يَجُوزُ ‏,‏ لأََنَّهُ خِلاَفٌ لِمَا أَجْمَعُوا‏.‏ فَهَذَا كُلُّ مَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ ‏,‏ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا‏.‏ وَوَجَدْنَاهُ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ‏,‏ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ‏,‏ وَصَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ ‏,‏ وَدَاوُد بْنِ بَكْرٍ ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَابْنَ شَعْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ‏,‏ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ‏,‏ وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ‏,‏ وَدَاوُد بْنِ بَكْرٍ ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ‏.‏ فَهَذِهِ كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَصَفَهُ بِذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ‏.‏ وَوَجْهٌ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَاقَ بِالنَّارِ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيِّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ وَقَالَ ‏:‏ إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ ‏,‏ فَوَلَّيْت فَنَادَانِي فَرَجَعْتُ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَاقْتُلُوهُ ، وَلاَ تُحْرِقُوهُ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى قَتْلَهُمْ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ ‏:‏ بِمَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ ثني سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ‏.‏ وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ‏.‏ وَبِهِ إلَى يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ ‏,‏ وَكُلُّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ يَصِحُّ ‏:‏ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَانْفَرَدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو هُوَ ضَعِيفٌ ‏,‏ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَانْفَرَدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَهُوَ مُطْرَحٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ وَهُوَ شَرٌّ مِنْهُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الزِّيَادِ فَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ضَعِيفٌ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ‏.‏ فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ سَفْكُ دَمٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ‏,‏ نَعَمْ ‏,‏ وَلاَ دَمُ حَرْبِيٍّ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ‏,‏ فَكَيْفَ دَمُ فَاسِقٍ أَوْ تَائِبٍ وَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِمَّا

قلنا مِنْهَا لَقُلْنَا بِهِ ‏,‏ وَلَمَّا اسْتَجَزْنَا خِلاَفَهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ يُرْجَمَانِ مَعًا أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ ‏:‏ بِأَنَّهُ هَكَذَا فَعَلَ اللَّهُ بِقَوْمِ لُوطٍ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏ ‏.‏ وَاحْتَجُّوا مِنْ الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا ‏:‏ بِمَا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ ثَنْي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى ‏,‏ وَأَبِي الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رِشْدِينَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَارْجُمُوا الأَعْلَى وَالأَسْفَلَ وَقَالَ فِيهِ ‏:‏ وَقَالَ ‏:‏ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا‏.‏ فَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ أَمَّا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏إنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ‏}‏ ‏.‏ قَالَ تَعَالَى ‏{‏إنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ‏}‏ الآيَةُ ‏,‏ فَنَصَّ تَعَالَى نَصًّا جَلِيًّا عَلَى أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ كَفَرُوا ‏,‏ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ الْحَاصِبَ‏.‏ فَصَحَّ ‏:‏ أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاحِشَةِ وَحْدَهَا ‏,‏ لَكِنْ لِلْكُفْرِ وَلَهَا ‏:‏ فَلَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يَرْجُمُوا مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَهُمْ بِالآيَةِ ‏,‏ إذْ خَالَفُوا حُكْمَهَا‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ ‏:‏ أَنَّ امْرَأَةَ لُوطٍ أَصَابَهَا مَا أَصَابَهُمْ ‏,‏ وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ أَنَّهَا لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ‏.‏ فَصَحَّ ‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَحْدَهُ ‏,‏ بِلاَ مِرْيَةٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّهَا كَانَتْ تُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ

قلنا ‏:‏ فَارْجُمُوا كُلَّ مَنْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ بِدَلاَلَةٍ أَوْ قِيَادَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ احْتِجَاجَكُمْ بِالْقُرْآنِ ‏,‏ وَخَالَفْتُمُوهُ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ ‏,‏ فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ ‏,‏ فَيَلْزَمُهُمْ ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يُسْمِلُوا عُيُونَ فَاعِلِي فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْجُمْهُمْ فَقَطْ ‏,‏ لَكِنْ طَمَسَ أَعْيُنَهُمْ ‏,‏ ثُمَّ رَجَمَهُمْ ‏,‏ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا ‏,‏ فَقَدْ خَالَفُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ ‏,‏ وَأَبْطَلُوا حُجَّتَهُمْ‏.‏ وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَطْمِسُوا عَيْنَيْ كُلَّ مَنْ رَاوَدَ آخَرَ‏.‏ وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يُحْرِقُوا بِالنَّارِ مَنْ أَنْقَصَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْرَقَ بِالنَّارِ قَوْمَ شُعَيْبٍ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْ عُقْرِ نَاقَةِ آخَرَ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْلَك قَوْمَ صَالِحٍ إذْ عَقَرُوا النَّاقَةَ ‏,‏ إذْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْمَ لُوطٍ بِطَمْسِ الْعُيُونِ ‏,‏ وَالرَّجْمِ إذْ أَتَوْا تِلْكَ الْفَاحِشَةَ وَبَيْنَ إحْرَاقِ قَوْمِ شُعَيْبٍ إذْ بَخَسُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَبَيْنَ إهْلاَكِهِ قَوْمِ صَالِحٍ إذْ عَقَرُوا النَّاقَةَ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا‏}‏ إلَى آخِرِ السُّورَةِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ حَدًّا ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏إِلاَّ مَنْ تَابَ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ ‏:‏ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ نَفْسًا بِنَفْسٍ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى دَمَ كُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ إِلاَّ بِالْحَقِّ ‏,‏ وَلاَ حَقَّ إِلاَّ فِي نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ‏.‏ وَحَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّمَ إِلاَّ بِمَا أَبَاحَهُ بِهِ مِنْ الزِّنَى بَعْدَ الْحِصَانِ ‏,‏ وَالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْقَوَدِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ ثَلاَثًا ‏,‏ وَالْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ وَلَيْسَ فَاعِلُ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلاَءِ ‏,‏ فَدَمُهُ حَرَامٌ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَصِحُّ أَثَرٌ فِي قَتْلِهِ نَعَمْ ‏,‏ وَلاَ يَصِحُّ أَيْضًا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لأََنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعَلِيٍّ ‏,‏ وَالصَّحَابَةِ إنَّمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ ‏:‏ وَإِحْدَاهَا ، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ مَجْهُولٍ‏.‏ وَالْأُخْرَى عَمَّنْ لاَ يَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ فَإِحْدَاهُمَا عَنْ مُعَاذِ بْن الْحَارِث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ الضَّبِّيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ مَطَرٍ وَكُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ وَالرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ مَجْهُولِينَ‏.‏ فَبَطَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِشَيْءٍ يَصِحُّ

وَأَمَّا مَنْ رَأَى دُونَ الْحَدِّ ‏,‏ فَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذْ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ قَتْلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ حَدَّ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولَهُ عليه السلام فَحُكْمُهُ أَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا فَالْوَاجِبُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ ‏,‏ فَوَاجِبٌ أَنْ يَضْرِبَ التَّعْزِيرَ الَّذِي حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لاَ أَكْثَرَ ‏,‏ وَيَكُفُّ ضَرَرَهُ عَنْ النَّاسِ فَقَطْ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ قَالَ ‏:‏ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنْ النِّسَاءِ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ ‏,‏ وَأَخْرَجَ فُلاَنًا ‏,‏ وَأَخْرَجَ فُلاَنًا‏.‏

وَأَمَّا السِّجْنُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ ‏.‏ وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ كَفَّ ضَرَرِ فِعْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ النَّاكِحِينَ وَالْمَنْكُوحِينَ عَنْ النَّاسِ عَوْنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ‏,‏ وَإِنَّ إهْمَالَهُمْ عَوْنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏,‏ فَوَجَبَ كَفُّهُمْ بِمَا لاَ يُسْتَبَاحُ بِهِ لَهُمْ دَمٌ ‏,‏ وَلاَ بَشَرَةٌ ‏,‏ وَلاَ مَالٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِنْ شَنَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الْقِحَةِ وَالْحَمَاقَةِ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ إنْ تَرَكَ قَتْلَهُمْ ذَرِيعَةً إلَى هَذَا الْفِعْلِ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ وَتَرَكَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا كُلَّ زَانٍ ذَرِيعَةً إلَى إبَاحَةِ الزِّنَى مِنْكُمْ ‏,‏ وَتَرَكَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا الْمُرْتَدَّ وَإِنْ تَابَ تَطْرِيقٌ مِنْكُمْ وَذَرِيعَةٌ إلَى إبَاحَتِكُمْ الْكُفْرَ ‏,‏ وَعِبَادَةُ الصَّلِيبِ ‏,‏ وَتَكْذِيبُ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ عليه السلام وَتَرْكُكُمْ قَتْلَ آكِلِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ تَطْرِيقٌ مِنْكُمْ وَذَرِيعَةٌ إلَى إبَاحَتِكُمْ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا هَذَا انْتِصَارٌ مِنْهُمْ بِمِثْلِ مَا يَهْذِرُونَ بِهِ وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ الآيَةُ‏.‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ نَغْضَبَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا غَضِبَ تَعَالَى لِدِينِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ أَنْ نُشَرِّعَ بِآرَائِنَا الشَّرَائِعَ الْفَاسِدَةَ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى كَثِيرًا عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2304 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي يُرْجَمُ إنْ أَحْصَنَ ‏,‏ وَيُجْلَدُ إنْ لَمْ يُحْصِنْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُقْتَلُ ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْبَهِيمَةُ لَهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُعَزَّرُ إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لَهُ ‏,‏ وَذُبِحَتْ وَلَمْ تُؤْكَلْ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ تُذْبَحْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهَا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ فِي الْعُقُوبَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ‏.‏ فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ كَمَا ،

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمِ بْنِ فِهْرٍ الشَّاشِيُّ ثني عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مَقْدَمِهِ مِنْ الشَّامِ عَنْ رَجُلٍ أَتَى بَهِيمَةً ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ‏.‏ وَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏,‏ أَوْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏:‏ إنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ

وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي ، عَنِ ابْنِ الْهَادِي ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏:‏ لَوْ وَجَدْتُهُ لَقَتَلْتُهُ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ ‏:‏ تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ أَيْضًا‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ‏.‏ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ عَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏:‏ هُوَ الْمُبْتَغِي مَا لَمْ يُحَلِّلْ اللَّهُ لَهُ ‏,‏ فَرَأَى الْإِمَامُ فِيهِ الْعُقُوبَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ‏,‏ فَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِي الإِسْلاَمِ أَمْرًا عَظِيمًا

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ‏.‏ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مَا كَانَ اللَّهُ نَسِيًا ‏:‏ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ قَبِيحٌ ‏,‏ فَقَبَحُوا مَا قَبَّحَ اللَّهُ

وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا قَالَ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الزِّنَى ‏,‏ فَقَالُوا ‏:‏ هُوَ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَنْ أَوْلَجَ فِي حَيَاءِ بَهِيمَةٍ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ‏,‏ وَيَجْعَلُهُ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ ، هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏:‏ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ ‏,‏ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ قُلْت ‏:‏ مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ قَالَ ‏:‏ مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ لَحْمِهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلَ‏.‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ ،

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ اُقْتُلُوا مُوَاقِعَ الْبَهِيمَةَ ‏,‏ اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ ‏,‏ وَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ وَاقَعَ بَهِيمَةً ‏,‏ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ فَقِيلَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ قَالَ ‏:‏ مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا ‏,‏ وَلَكِنْ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لَحْمِهَا ‏,‏ أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ

قال أبو محمد ‏:‏ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ضَعْفُ هَذَا الآثَارِ لأََنَّ عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ ‏,‏ وَعَمْرَو بْنَ أَبِي عَمْرٍو ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ضُعَفَاءُ كُلُّهُمْ وَلَوْ صَحَّتْ لَقُلْنَا بِهَا وَلِجَارِينَا عَلَيْهَا وَلَمَا حَلَّ خِلاَفُهَا فَإِذْ لاَ تَصِحُّ فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لاَزِمًا لِلْحَنَفِيَّيْنِ ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلَ بِهَا عَلَى أُصُولِهِمْ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَسْقَطَ مِنْهَا فِي إيجَابِ حَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ فِي مَوَاضِعَ جَمَّةٍ‏.‏ ثُمَّ نَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا فَسَقَطَ‏.‏ ثُمَّ نَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ ‏"‏ يُحَدُّ وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ ‏"‏ فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَة الْفَسَادِ‏.‏ ثُمَّ نَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ ‏"‏ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ‏"‏ فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَمَّ الْأُمُورَ وَلَمْ يُهْمِلْهَا ‏,‏ وَلَمْ يُطْلِقْ الأَئِمَّةُ عَلَى دِمَاءِ النَّاسِ ‏,‏ وَلاَ أَعْرَاضِهِمْ ‏,‏ وَلاَ أَبْشَارِهِمْ ‏,‏ وَلاَ أَمْوَالِهِمْ ‏,‏ بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام فَقَالَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ وَلَعَلَّ رَأْيَ الْإِمَامِ يَبْلُغُ إلَى خِصَائِهِ ‏,‏ أَوْ إلَى أَخْذِ مَالِهِ ‏,‏ أَوْ إلَى قَتْلِهِ ‏,‏ أَوْ إلَى بَيْعِهِ ‏,‏ فَإِنْ مُنِعُوا مِنْ هَذَا ‏,‏ سُئِلُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَا مُنِعُوا مِنْ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَبَاحُوا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ ‏,‏ فَحَصَلَ هَذَا الْقَوْلُ لاَ حُجَّةَ لِقَائِلِهِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ فَقَطْ فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا ‏,‏ لأََنَّهُ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا ‏,‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏الْعَادُونَ‏}‏ ،

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ تُؤْتَى الْبَهِيمَةُ أَصْلاً ‏,‏ فَفَاعِلُ ذَلِكَ فَاعِلُ مُنْكَرٍ ‏,‏ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ ‏,‏ فَعَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

2305 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَنْ قَذَفَ آخَرَ بِبَهِيمَةٍ ‏,‏ أَوْ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ‏.‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ مَنْ قَذَفَ آخَرَ بِبَهِيمَةٍ جُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ حَدُّ الْفِرْيَةِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَنْ جَعَلَ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ ‏,‏ إذْ جَعَلَ فِي الْقَذْفِ بِهِمَا حَدَّ الزِّنَى ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَيْسَا زِنًى فَالْقَذْفُ بِهِمَا لَيْسَ هُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ أَذًى فَقَطْ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ‏.‏

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَيْسَ زِنًى ‏,‏ وَأَنَّ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ زِنًى ‏,‏ فَسَاوَوْا بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ ‏,‏ ثُمَّ إنَّهُمْ جَعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ حَدَّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حَدَّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى ‏,‏ وَهَذَا تَنَاقُضٌ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَالْكُفْرِ ‏,‏ فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ فِي الْقَذْفِ بِالْكُفْرِ حَدَّ الزِّنَى عَلَى هَذَا الأَصْلِ الْفَاسِدِ وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ هُوَ زِنًى ‏,‏ وَلَكِنَّهُ أَعْظَمُ الزِّنَى ‏,‏ فَجُعِلَ فِيهِ أَعْظَمُ حُدُودِ الزِّنَى ‏,‏ لأََنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا قَدْ تَحِلُّ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ ‏,‏ وَفِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لاَ يَحِلُّ الْمَفْعُولُ بِهِ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ أَبَدًا ‏,‏ فَهُوَ أَعْظَمُ بِلاَ شَكٍّ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ هَذَا يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ ‏:‏ أَحَدُهَا أَنَّ الزَّانِيَ بِحَرِيمَتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا ‏,‏ فَاجْعَلُوا فِيهِ أَغْلَظَ حُدُودَ الزِّنَى عَلَى هَذَا الأَصْلِ‏.‏

وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ لَهُمْ ‏:‏ وَاطِئُ أَجْنَبِيَّةٍ فِي دُبُرِهَا أَتَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا ‏,‏ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَاجْعَلُوا فِيهِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ أَغْلَظَ حُدُودَ الزِّنَى‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيْضًا ‏:‏ آتِي الْبَهِيمَةَ آتِي مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا ‏,‏ فَقَدْ سَاوَى فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلْتُمْ بِهَا قَوْلَكُمْ ‏,‏ فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ فِيهِ أَغْلَظَ الْحُدُودِ فِي الزِّنَى أَيْضًا ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِمْ ‏"‏ إنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ الزِّنَى ‏"‏ فَنَقُولُ لَهُمْ ‏:‏ إنَّنَا قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ الزِّنَى بِاللُّغَةِ ‏,‏ وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَقَعُ عَلَى فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ زِنًى ، وَلاَ أَعْظَمَ مِنْ الزِّنَى ‏,‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ فَقَالَ كَلاَمًا مَعْنَاهُ ‏:‏ الشِّرْكُ ‏,‏ ثُمَّ قَتْلُ الْمَرْءِ وَلَدَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَهُ ‏,‏ ثُمَّ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ أَعْظَمُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ رَدَّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏