فصل: فصل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1764 - مسألة‏:‏

وَلاَ تَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَصْلاً‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أُمِّهِ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجَازَ لَهَا وَصِيَّةَ غُلاَمٍ لَمْ يَحْتَلِمْ بِبِئْرِ جُشَمَ ‏,‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ ‏:‏ فَبِعْتهَا أَنَا بِثَلاَثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا ‏,‏

وَرُوِيَ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ ‏:‏ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ جَارِيَةٍ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ بِالثُّلُثِ‏.‏ وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏:‏ إذَا عَرَفَ الصَّلاَةَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ الْغُلاَمُ وَالْجَارِيَةُ سَوَاءٌ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ إجَازَةُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرَيْنِ إذَا أَصَابَا الْحَقَّ‏.‏ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ‏.‏ وَأَجَازَ مَالِكٌ وَصِيَّةَ مَنْ بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ فَصَاعِدًا‏.‏ وَقَوْلٌ آخَرُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَجُوزُ فِي قُرْبِ الثُّلُثِ ‏,‏ وَلاَ نَرَى أَنْ تَبْلُغَ الثُّلُثَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ‏.‏ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ ‏:‏ قَالَ الْقَاضِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ ‏:‏ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرَانِ سِنًّا مِنْ وَسَطِ مَا يَحْتَلِمُ لَهُ الْغِلْمَانُ ‏:‏ جَازَتْ وَصِيَّتُهُمَا‏.‏ وَقَوْلٌ رَابِعٌ ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ وَصِيَّةَ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ لاَ تَجُوزُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَا لَمْ تَحْتَلِمْ أَوْ تَحِضْ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْغُلاَمِ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَصَحَّ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَيْضًا

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا تَحْدِيدُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بِبُلُوغِ مَنْ هِيَ وَسَطُ مَا يَحْتَلِمُ لَهَا الْغِلْمَانُ وَمَنْعُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ بُلُوغِ الثُّلُثِ ‏,‏ وَإِجَازَتُهُ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ وَتَخْصِيصُ مَالِكٍ ابْنَ تِسْعٍ فَصَاعِدًا ‏:‏ فَأَقْوَالٌ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِشَيْءٍ أَصْلاً ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَدَّ ذَلِكَ قَبْلَ مَالِكٍ‏.‏ وَلَعَلَّ بَعْضَ مُقَلِّدِيهِ يَقُولُ ‏:‏ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَنَقُولُ لَهُ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ سِنِينَ ‏,‏ فَأَجِيزُوا وَصِيَّةَ ابْنِ سِتِّ سِنِينَ بِذَلِكَ‏.‏ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّغِيرَيْنِ إذَا أَصَابَا الْحَقَّ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَهَذَا عُمُومٌ ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ وَهَذَا عُمُومٌ ‏,‏ وَبِالثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ عَنْ الصَّغِيرِ أَلَهُ حَجٌّ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَلَكَ أَجْرٌ وَوَجَدْنَاهُ يَحُضُّ عَلَى الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ فَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ السَّفِيهُ ‏,‏ وَالصَّغِيرُ مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا فِي حَيَاتِهِمَا ‏,‏ وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ ‏:‏ جَائِزَةٌ ‏,‏ فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ وَقَالُوا ‏:‏ هَذَا حُكْمُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَالرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِخِلاَفِ ذَلِكَ لاَ تَصِحُّ ‏,‏ لأََنَّهَا عَنْ هَالِكِينَ ‏:‏ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى ‏,‏ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ مُتَعَلِّقَ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَلَّدَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ‏;‏ لأََنَّهُمْ خَصُّوا مَنْ دُونَ التِّسْعِ بِلاَ ‏;‏

برهان ‏,‏ فَخَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ‏:‏ أَمَّا قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏‏.‏ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ ‏,‏ لاَ بِفَرْضٍ ، وَلاَ بِتَحْرِيمٍ ، وَلاَ بِنَدْبٍ ‏,‏ وَلاَ دَاخِلاً فِي هَذَا الْخِطَابِ ‏,‏ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِقَبُولِ أَعْمَالِهِ الَّتِي هِيَ أَعْمَالُ الْبِرِّ بِبَدَنِهِ دُونَ أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ ‏,‏ فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ بِالآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّغِيرِ لَهُ حَجٌّ فَنَعَمْ ‏,‏ هُوَ حَقٌّ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إطْلاَقُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ ‏,‏ لاَ فِي حَيَاتِهِ ، وَلاَ فِي وَصِيَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الصَّغِيرِ عَلَى الْحَجِّ مِنْهُ ‏,‏ فَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْحَجِّ وَالصَّلاَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يُحَضُّ عَلَى الصَّلاَةِ ‏,‏ وَالصِّيَامِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ فَبَاطِلٌ أَيْضًا لأََنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ الصَّغِيرَ ‏,‏ وَالسَّفِيهَ مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا ‏,‏ وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ فَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ مَا شَغَبُوا بِهِ ‏,‏ لأََنَّنَا لاَ نُسَاعِدُهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا يَعْقِلُ يَكُونُ سَفِيهًا أَصْلاً ‏,‏ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ إنَّمَا السَّفِيهُ الْكَافِرُ ‏,‏ أَوْ الْمَجْنُونُ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ لَكِنْ نَقُولُ لَهُمْ ‏:‏ إنَّ الصَّغِيرَ وَالأَحْمَقَ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ ‏:‏ مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا ‏,‏ وَوَصِيَّةُ الأَحْمَقِ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ لاَ تَجُوزُ ‏,‏ فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ ‏;‏ لأََنَّ الْقَضِيَّةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّهُ فِعْلُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَمِثْلُهُ لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ ثُمَّ إنَّهَا لاَ تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَلاَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ لأََنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ مَجْهُولَةٌ ‏,‏ وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ ‏,‏ وَلاَ يُدْرَى مَنْ رَوَاهُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَالرِّوَايَةُ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ فِي ذَلِكَ لاَ تَصِحُّ‏.‏ وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الْمَجْنُونَ ‏,‏ وَالصَّغِيرَ ‏:‏ مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا حَتَّى يَعْقِلَ الأَحْمَقُ ‏,‏ وَيَبْلُغَ الصَّغِيرُ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُمَا حُكْمٌ فِي أَمْوَالِهِمَا أَصْلاً ‏,‏ وَتَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1765 - مسألة‏:

وَلاَ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ الْمَوَارِيثُ وَالْعَبْدُ لاَ يُورَثُ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَنْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّةٍ ‏"‏ مَنْ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ‏"‏ وَلَيْسَ لأََحَدٍ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ إِلاَّ مَنْ أَبَاحَ لَهُ النَّصُّ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ‏,‏ إنَّمَا لَهُ شَيْءٌ إذَا مَاتَ صَارَ لِسَيِّدِهِ لاَ يُورَثُ عَنْهُ‏.‏

فأما مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَوَصِيَّتُهُ كَوَصِيَّةِ الْحُرِّ ‏;‏ لأََنَّهُ يُورَثُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْمَأْمُورِينَ بِالْوَصِيَّةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1766 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أَوْصَى بِمَا لاَ يَحْمِلُهُ ثُلُثُهُ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ ‏,‏ فَإِذَا تَمَّ بَطَلَ سَائِرُ الْوَصِيَّةِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ أَجْمَلَ الأَمْرَ تَحَاصُّوا فِي الْوَصِيَّةِ ‏,‏ وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ‏:‏ فَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَقَتَادَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ‏:‏ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا‏.‏ وَقَوْلٌ آخَرُ ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ إنَّمَا يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ ‏,‏

فأما إذَا قَالَ ‏:‏ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً ‏,‏ فَالنَّسَمَةُ وَسَائِرُ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ ‏:‏ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ هُشَيْمٌ ‏:‏ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَابْنَ شُبْرُمَةَ يَقُولاَنِهِ‏.‏ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ ‏:‏ وَهُوَ أَنَّهُ تَتَحَاصُّ الْوَصَايَا ‏,‏ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ‏,‏ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ ‏:‏ أَنَا قَيْسٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ ‏:‏ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ ‏,‏ وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ وَأَشْيَاءَ ‏,‏ فَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ ‏:‏ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْعَتَاقَةِ ‏,‏

وقال الشافعي ‏:‏ بِالْحِصَصِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ هُشَيْمٌ ‏:‏ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏:‏ بِالْحِصَصِ

وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ ‏,‏ وَزَادَ ‏:‏ أَنَّهُ يَسْتَسْعِي فِي الْعِتْقِ فِيمَا فَضَلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ‏.‏

وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ ‏:‏ فَإِنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ وَيَتَحَاصَّانِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُمَا الثُّلُثُ ‏,‏ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا بِمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ ‏,‏ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوَصِيَّةِ ‏,‏ ثُمَّ يُتَحَاصُّ الْعِتْقُ الْمُوصَى بِهِ جُمْلَةً مَعَ سَائِرِ الْوَصَايَا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْمُعْتَقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ ‏,‏ ثُمَّ الْعِتْقُ وَسَائِرُ الْوَصَايَا سَوَاءٌ ‏,‏ يُتَحَاصُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ ‏,‏ ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمُحَابَاةِ ‏,‏ فَإِنْ أُعْتِقَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ حَابَى تَحَاصَّا جَمِيعًا ‏,‏ فَإِنْ حَابَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ ‏,‏ ثُمَّ حَابَى ‏,‏ فَلِلْبَائِعِ الْمُحَابِي أَوَّلاً نِصْفُ الثُّلُثِ ‏,‏ وَيَكُونُ نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُعْتَقِ فِي الْمَرَضِ بَتْلاً وَبَيْنَ الْمُحَابِي فِي الْمَرَضِ آخِرًا فَهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا ‏,‏ سَوَاءٌ قُدِّمَ فِي ذَلِكَ فِي الذِّكْرِ أَوْ آخِرِهِ‏.‏ فَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِحَجٍّ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصَايَا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ ‏:‏ قُسِمَ الثُّلُثُ ‏,‏ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَبَيْنَ سَائِرِ الْقُرَبِ ‏,‏ فَمَا وَقَعَ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ دَفَعَ إلَيْهِمْ وَتَحَاصُّوا فِيهِ ‏,‏ وَمَا وَقَعَ لِسَائِرِ الْقُرَبِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ ‏,‏ فَإِذَا تَمَّ فَلاَ شَيْءَ لِمَا بَقِيَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ أَبَدًا عَلَى الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ الْمُحَابَاةُ‏.‏ فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ مُطْلَقٍ ‏,‏ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ فِي مِلْكِهِ ‏,‏ وَبِمَالٍ مُسَمًّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ وَبِصَدَقَةٍ ‏,‏ وَفِي الْحَجِّ ‏,‏ وَلأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ ‏:‏ تَحَاصَّ كُلُّ ذَلِكَ ‏,‏ فَمَا وَقَعَ لِلْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ ‏,‏ وَسَائِرُ ذَلِكَ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي بِذِكْرِهِ أَوَّلاً فَأَوَّلاً ‏,‏ فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ فَلاَ شَيْءَ لِمَا بَقِيَ‏.‏ وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ ‏:‏ إنْ أُعْتِقَ بَتْلاً فِي مَرَضِهِ ‏,‏ ثُمَّ حَابَى فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِالْعِتْقِ ‏,‏ وَإِنْ حَابَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ بُدِئَ بِالْمُحَابَاةِ ‏,‏ ثُمَّ سَائِرُ الْوَصَايَا ‏,‏ سَوَاءٌ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَمَا أَوْصَى بِهِ لأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ بِالْحِصَصِ ‏,‏ لاَ يُقَدَّمُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ ‏,‏ ثُمَّ بِالْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ ‏,‏ وَالْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ ‏,‏ وَيَتَحَاصَّانِ ‏,‏ ثُمَّ عِتْقِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ‏,‏ وَعِتْقِ مَنْ سَمَّاهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبْتَاعَ فَيُعْتَقَ بِعَيْنِهِ ‏,‏ وَيَتَحَاصَّانِ ‏,‏ ثُمَّ سَائِرُ الْوَصَايَا ‏,‏ وَيَتَحَاصُّ مَعَ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ ‏:‏ أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَبْدَأُ أَبَدًا عَلَى الْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ إذَا أَعْتَقَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا بَتْلاً بُدِئَ بِمَنْ أَعْتَقَ أَوَّلاً فَأَوَّلاً ‏,‏ وَلاَ يَتَحَاصُّونَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَيُرَقُّ مَنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ ‏,‏ أَوْ يُرَقُّ مِنْهُ مَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ‏.‏ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ مُبَدَّاةٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى ‏:‏ يَتَحَاصُّ فِي الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ وَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى السَّوَاءِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ ‏:‏ إنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ فِي الْمَرَضِ مَفْسُوخٌ ‏,‏ لأََنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَرَرٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَبِي يُوسُفَ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ‏,‏ وَزُفَرَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَاللَّيْثِ ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ‏:‏ فَظَاهِرَةُ الْخَطَأِ ‏;‏ لأََنَّهَا دَعَاوَى وَآرَاءٌ بِلاَ

برهان ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ‏.‏ وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُمَوِّهَ هَاهُنَا بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا تَرَى ‏,‏ وَأَفْسَدُهَا كُلِّهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ ثُمَّ قَوْلُ مَالِكٍ لِكَثْرَةِ تَنَاقُضِهِمَا ‏,‏ وَتَفَاسُدِ أَقْسَامِهِمَا ‏,‏ وَهِيَ أَقْوَالٌ تُؤَدِّي إلَى تَبْدِيلِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَا سَمِعْت ‏,‏ وَفِي هَذَا مَا فِيهِ‏.‏

ثم نقول وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَوْلاً جَامِعًا فِي إبْطَالِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ تَبْدِيَةِ الْعِتْقِ بَتْلاً فِي الْمَرَضِ ‏,‏ وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ ‏,‏ فَنَقُولُ لَهُمْ ‏:‏ يَا هَؤُلاَءِ أَخْبِرُونَا عَنْ قَضَاءِ الْمَرِيضِ فِي عِتْقِهِ ‏,‏ وَهِبَتِهِ ‏,‏ وَمُحَابَاتِهِ فِي بَيْعِهِ ‏,‏ أَهُوَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ ‏,‏ أَمْ لَيْسَ وَصِيَّةً ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ وَصِيَّةً

قلنا ‏:‏ صَدَقْتُمْ ‏,‏ وَهَذَا قَوْلُنَا ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً فَلاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي الثُّلُثِ أَصْلاً ‏;‏ لأََنَّ الثُّلُثَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْنَدَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَصَايَا ‏,‏ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ إذْ جَعَلْتُمْ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ تَبْدِيَةُ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ‏,‏ وَإِبْطَالُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ ‏,‏ وَتَبْدِيلُهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُمُوهُ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏ وَاعْلَمُوا ‏:‏ أَنَّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَمَسْرُوقٍ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَقَتَادَةَ ثُمَّ عَنْ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ ‏,‏ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ ‏,‏ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ فِي الثُّلُثِ ‏,‏ وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ فِي الثُّلُثِ ‏,‏ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ‏,‏ إنَّمَا جَاءَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا‏.‏ وَعَنْ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا ‏:‏ تَبْدِيَةُ عِتْقِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بِاسْمِهِ وَعَيَّنَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَقَدْ خَالَفَ الْمَذْكُورُونَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا بِآرَاءٍ مُخْتَرَعَةٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ وَقَعَ ذَلِكَ لَنَا ‏;‏ لأََنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ ‏,‏ وَالْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ ‏:‏ أَوْكَدُ مِنْ سَائِرِ الْوَصَايَا

قلنا ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا ‏,‏ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةُ النَّصْرَانِيِّ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ حَرِيرٍ ‏,‏ أَوْ لِخَلِيعٍ مَاجِنٍ فِي بَيْعِ تُفَّاحٍ لِنَقْلِهِ ‏:‏ أَوْكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ثُغُورٍ مُهِمَّةٍ ‏,‏ وَمِنْ فَكِّ مُسْلِمٍ فَاضِلٍ ‏,‏ أَوْ مُسْلِمَةٍ كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ صِغَارٍ مُسْلِمِينَ مِنْ أَسْرِ الْعَدُوِّ ‏,‏ وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ ‏,‏ وَالْفَضِيحَةَ فِي النَّفْسِ ‏,‏ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ وَدَعَاوَى فَاحِشَةٌ مَفْضُوحَةٌ بِالْكَذِبِ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الْمُعْتَقُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ

قلنا ‏:‏ فَإِنْ كَانَا قَدْ اسْتَحَقَّاهُ فَلِمَ تَرُدَّانِهِمَا إلَى الثُّلُثِ إذًا ‏,‏ وَمَا هَذَا التَّخْلِيطُ تَارَةً يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ ‏,‏ وَتَارَةً لاَ يَسْتَحِقُّ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ فِي فَسَادِ تِلْكَ الأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْفَسَادِ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْلِيصِهِ إيَّانَا مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ ‏,‏ وَعَلَى عِبَادِهِ‏.‏ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْعِتْقِ جُمْلَةً عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا

وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ‏,‏ وَقَوْلُ سُفْيَانَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ احْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ‏:‏ وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ ‏,‏ حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْكِيدِ الْعِتْقِ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفَذَ عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَذَكَرُوا خَبَرًا رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ حَيْوَةِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ وَقَالُوا ‏:‏ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَهُوَ صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَقَالُوا ‏:‏ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ

وقال بعضهم ‏:‏ الْعِتْقُ لاَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ ‏,‏ وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ

وقال بعضهم ‏:‏ لَوْ أَنَّ امْرَأً أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَبَاعَهُ آخَرُ ‏,‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ السَّيِّدَ ‏,‏ فَأَجَازَ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ‏,‏ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ ‏,‏ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً وَكَّلَ رَجُلاً بِعِتْقِ عَبْدِهِ ‏,‏ وَوَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِهِ فَوَقَعَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ مِنْ الْوَكِيلِينَ مَعًا ‏:‏ أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ ‏,‏ وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا هَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ فَهُوَ نَصْرٌ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ بِالضَّلاَلِ ‏,‏ وَلِلْوَهْمِ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ بَلْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجَازَةُ عِتْقٍ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ‏,‏ وَلاَ إجَازَةُ بَيْعٍ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ‏;‏ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَمَنْ أَحَلَّ الْحَرَامَ فَتَحْلِيلُهُ بَاطِلٌ ‏,‏ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ ‏,‏ لَكِنْ إنْ أَحَبَّ إنْفَاذَ عِتْقِ عَبْدِهِ فَلْيُعْتِقْهُ هُوَ بِلَفْظِهِ مُبْتَدِئًا وَإِنْ أَحَبَّ بَيْعَهُ فَلْيَبِعْهُ كَذَلِكَ مُبْتَدِئًا ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ وَالتَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ ‏:‏ لاَ يَجُوزُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِجَازَتِهِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏.‏

وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ ‏:‏ فَجَائِزٌ بِالسُّنَّةِ ‏,‏ فَمَنْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُهُ أَصْلاً ‏,‏ وَمَنْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ ‏:‏ جَازَ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ الْعِتْقُ لاَ يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا فَسْخٌ ‏:‏ فَقَدْ كَذَبُوا ‏,‏ وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَعَ صَحِيحًا فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِإِيجَابِ فَسْخِهِ قُرْآنٌ ‏,‏ أَوْ سُنَّةٌ ‏,‏ وَالْعِتْقُ الصَّحِيحُ قَدْ يُفْسَخُ ‏,‏ وَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ النَّصْرَانِيَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَبَى وَقَسَمَ ‏,‏ فَإِنَّ عِتْقَهُ الأَوَّلَ يُفْسَخُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ كُلُّهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ‏,‏ فَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ لَيْسَ دُونَهُمْ ‏,‏ كَعَطَاءٍ ‏,‏ وَابْنِ سِيرِينَ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ ‏,‏ وَلَيْسَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ حُجَّةً ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ فَإِنَّهُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلاَّ إلَى كَلاَمِهِ ‏,‏ وَكَلاَمِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام لاَ إلَى كَلاَمِ صَاحِبٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ ‏,‏ فَمَنْ رَدَّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى غَيْرِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏.‏ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ ‏,‏ فَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ ‏,‏ وَلاَ مُرْسَلٌ أَيْضًا ‏,‏ وَمَنْ أَضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ سَعِيدٌ رحمه الله إنَّ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ حُكْمُهُ وَقَدْ يَقُولُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ ‏:‏ مِثْلَ هَذَا فِي قَوْلِ صَاحِبٍ‏.‏ وَمِنْ أَعْجَبْ مِمَّنْ لاَ يَرَى قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ إلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنَّهَا السُّنَّةُ حُجَّةً ‏,‏ ثُمَّ يَرَى قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِذَلِكَ ‏:‏ حُجَّةً ‏,‏ وَحَتَّى لَوْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ ‏:‏ إنَّ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ لَكَانَ مُرْسَلاً ‏,‏ لاَ حُجَّةَ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ فِي تَأْكِيدِ الْعِتْقِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً ‏,‏ وَإِنْفَاذُهُ عليه الصلاة والسلام عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ ‏:‏ فَهُمَا سُنَّتَا حَقٍّ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِمَا إِلاَّ فَضْلُ الْعِتْقِ وَالْحُكْمُ فِيهِ فَقَطْ ‏,‏ وَلَمْ يُخَالِفُونَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا‏.‏ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ ‏:‏ أَنَّ الْعِتْقَ أَوْكَدُ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْقُرَبِ أَصْلاً ‏,‏

وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيهِمَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَالَ الْبَاطِلَ ‏,‏ بَلْ قَدْ جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ لِمِسْكِينٍ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ‏}

وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ ‏,‏ وَهَذِهِ كَفَّارَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْحَجِّ لِمَنْ بِهِ أَذًى مِنْهُ لَوْ أَعْتَقَ فِيهِ أَلْفَ رَقَبَةٍ مَا أَجْزَأَهُ ‏,‏ وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ نُسُكٌ ‏,‏ أَفَتَرَى هَذَا دَلِيلاً عَلَى فَضْلِ النُّسُكِ عَلَى الْعِتْقِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا إنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ يُطَاعُ لَهَا ، وَلاَ يُزَادُ فِيهَا مَا لَيْسَ فِيهَا ثُمَّ قَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِأَنَّ بَعْضَ الْقُرَبِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ بِبَيَانٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ يُكَذِّبُ دَعْوَاهُمْ فِي تَأْكِيدِ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْقُرَبِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ ‏:‏ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏,‏ قِيلَ ‏:‏ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ‏:‏ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏,‏ قِيلَ ‏:‏ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ‏:‏ حَجٌّ مَبْرُورٌ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْوَزِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ وَهْبٍ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ أَنَّهُ سَمِعَ كُرَيْبًا مَوْلَى بْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ ‏:‏ سَمِعْت مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ ‏:‏ أَعْتَقْتُ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ لَوْ أَعْطَيْتِ أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأََجْرِكِ ‏"‏‏.‏ فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ يُغْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ تَقَحُّمِ الْكَذِبِ وَتَكَلُّفِ الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ قُرْبَةٍ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إبْطَالُ سَائِرِ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْمُوصِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إيثَارًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَجُوزُ ‏,‏ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ بِمَا صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ أَوْصَى إنْسَانٌ فِي أَمْرٍ فَرَأَيْتُ غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ قَالَ ‏:‏ فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِلْمَسَاكِينِ ‏,‏ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مَا لَمْ يُسَمِّ إنْسَانًا بِاسْمِهِ ‏,‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ ثُمَّ رَجَعَ عَطَاءٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ‏:‏ لِيُنَفِّذَ قَوْلَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَقَوْلُهُ الأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَنْ أَبْطَلَ شَيْئًا مِمَّا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ إيثَارًا لِلْعِتْقِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ قَوْلِ عَطَاءٍ الأَوَّلِ ‏,‏ وَقَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُمْ جَمَعُوا إلَى ذَلِكَ تَنَاقُضًا قَبِيحًا زَائِدًا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ يَرَى تَبْدِيَةَ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ ‏,‏ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا ‏,‏ أَوْ قَوْلُ مَنْ رَأَى التَّحَاصَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَوَجَدْنَا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَدْ خَالَفَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي أَيْضًا بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ أَيْضًا مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي

قلنا ‏:‏ خِلاَفُنَا لِمَا أَوْصَى غَيْرُ خِلاَفِكُمْ ‏;‏ لأََنَّكُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ‏,‏ وَنَحْنُ خَالَفْنَاهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا عُرِّيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا مِنْ الْبُرْهَانِ لَزِمَنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ‏}‏ وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُجِزْ الْوَصِيَّةَ إِلاَّ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَأَقَلَّ ‏:‏ أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَوَجَبَ إنْفَاذُ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ وَقَصْدٍ ‏,‏

وَأَمَّا مُخْطِئًا مَعْفُوًّا عَنْهُ الْإِثْمُ إنْ كَانَ جَهِلَ ذَلِكَ ‏,‏ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ إنْفَاذُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ وَلاَ إمْضَاءُ الْخَطَأِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ‏}‏‏.‏ وَوَجَدْنَا الْمُوصِيَ إذَا أَوْصَى فِي وَجْهٍ مَا بِمِقْدَارٍ مَا دُونَ الثُّلُثِ فَقَدْ وَجَبَ إنْفَاذُ كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ ‏,‏ كَمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاطِلاً لاَ يَحِلُّ إنْفَاذُهُ فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا حَرْفًا حَرْفًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام

فإن قال قائل ‏:‏ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَبْلَكُمْ

قلنا لَهُ ‏:‏ إنْ كَانَ حَنِيفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا وَمَنْ قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِأَقْوَالِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلاَّ أَنَّ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقًا ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ أَقْوَالَهُمَا لاَ يُوَافِقُهُمَا نَصٌّ ، وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَقَوْلُنَا هُوَ نَفْسُ مَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام‏.‏ وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ ‏,‏ وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَهُمْ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ ‏,‏ فَأَيْنَ أَقْوَالُ سَائِرِهِمْ فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ بِتَبْدِيَةِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْمُوصِي أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمَا ‏,‏ وَمَا نَقُولُ هَذَا مُتَكَثِّرِينَ بِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مُسْتَوْحِشِينَ إلَى سِوَاهُ ‏,‏ وَلَكِنْ لِنُرِيَ الْمُخَالِفَ فَسَادَ اعْتِرَاضِهِ ‏,‏ وَفَاحِشَ انْتِقَاضِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ الْمُوصِي بِشَيْءٍ ‏,‏ لَكِنْ قَالَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ‏:‏ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا ‏,‏ فَلَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ ذَلِكَ ‏,‏ فَهَاهُنَا يَتَحَاصُّونَ ، وَلاَ بُدَّ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ الثُّلُثُ فَيَجُوزُ لَهُمْ مَا أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَيَبْطُلُ لَهُمْ مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْقُرَبِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فصل

1767 - مسألة‏:

قال أبو محمد ‏:‏ قَدْ ذَكَرْنَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الزَّكَاةِ ‏"‏ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ‏,‏ وَفِي ‏"‏ كِتَابِ الْحَجِّ ‏"‏ مِنْهُ ‏,‏ وَفِي ‏"‏ كِتَابِ التَّفْلِيسِ ‏"‏ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَقَدْ فَرَّطَ ‏:‏ فِي زَكَاةٍ ‏,‏ أَوْ فِي حَجِّ الإِسْلاَمِ ‏,‏ أَوْ عُمْرَتِهِ ‏,‏ أَوْ فِي نَذْرٍ ‏,‏ أَوْ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ ‏,‏ أَوْ قَتْلٍ ‏,‏ أَوْ يَمِينٍ ‏,‏ أَوْ تَعَمَّدَ وَطْءً فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ‏,‏ أَوْ بَعْضَ لَوَازِمِ الْحَجِّ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ ‏,‏ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لاَ شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا ‏,‏ ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْغُرَمَاءِ ‏,‏ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ ‏,‏ ثُمَّ الْمِيرَاثُ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ وَذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى‏.‏ وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ قَوْلَ الْحَسَنِ ‏,‏ وطَاوُوس بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْهُمَا ‏:‏ أَنَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَزَكَاةَ الْمَالِ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ‏.‏ وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ ‏:‏ إنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَيِّتِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَاجِبٌ فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ إنَّ الْحَجَّ وَالنَّذْرَ يُقْضَيَانِ عَنْ الْمَيِّتِ‏.‏ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الْحَجِّ عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَوْتَى‏.‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُ طَاوُوس ‏,‏ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَعَطَاءٍ ‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَرَّةً قَالَ ‏:‏ تَتَحَاصَّ دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونُ النَّاسِ ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ كَمَا

قلنا ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِأَنْ لاَ تَخْرُجَ الزَّكَاةُ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ التَّابِعِينَ ‏,‏ إِلاَّ رَبِيعَةُ‏.‏ وَبَقِيَ أَنْ نَذْكُرَ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ إنْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِوَصَايَا ‏:‏ مِنْهَا زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ ‏,‏ وَحَجَّةُ الإِسْلاَمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ فِي الثُّلُثِ بِهَذِهِ الْفُرُوضِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا أَوَّلاً أَوْ آخِرًا وَتَتَحَاصَّ الْفُرُوضُ الْمَذْكُورَةُ ‏,‏ ثُمَّ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ فِي الْوَصَايَا‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ يُبْدَأُ بِالزَّكَاةِ ‏,‏ ثُمَّ بِحَجَّةِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ ثُمَّ بَعْدَ الزَّكَاةِ وَالْحَجَّةِ الْمَفْرُوضَةِ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ ‏,‏ وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ صَيْدٍ ‏,‏ وَفِدْيَةِ الأَذَى ‏:‏ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ بِذِكْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي وَصِيَّتِهِ ‏,‏ ثُمَّ التَّطَوُّعِ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ يُبْدَأُ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ وَمِنْ الزَّكَاةِ بِمَا بَدَأَ الْمُوصِي بِذِكْرِهِ فِي وَصِيَّتِهِ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ الْبَتِّ فِي الْمَرَضِ ‏,‏ وَالتَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ ‏,‏ ثُمَّ بَعْدَهُمَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا ‏,‏ ثُمَّ عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ‏,‏ وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى فَيُعْتَقَ ‏,‏ ثُمَّ الْكِتَابَةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ ‏,‏ ثُمَّ الْحَجِّ ‏,‏ ثُمَّ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ لِمَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ بِهِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَيُبْدَأُ بِالزَّكَاةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ عَنْ ظِهَارٍ ‏,‏ أَوْ قَتْلٍ خَطَإٍ ‏,‏ أَوْ يَتَحَاصُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ مَعَ رَقَبَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ ‏,‏ ثُمَّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ قَالَ ‏:‏ وَيُبْدَأُ بِالْإِطْعَامِ عَمَّا أَوْصَى بِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى النَّذْرِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ عِبْرَةٌ لِمَنْ اعْتَبَرَ ‏,‏ وَآيَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَطْرَدُهَا لِخَطَئِهِ ‏,‏ وَأَقَلُّهَا تَنَاقُضًا ‏,‏ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ ‏:‏ إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ‏,‏ وَحَجَّةُ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَسَائِرُ الْفُرُوضِ ‏,‏ إذَا فَرَّطَ فِيهَا وَتَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ ‏:‏ يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ مَجْرَى الْوَصَايَا ‏,‏ فَلأََيِّ شَيْءٍ قَدَّمْتهَا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ‏,‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ لأََنَّهَا أَوْكَدُ ‏,‏ قِيلَ لَهُ ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ صَارَتْ أَوْكَدَ عِنْدَك وَأَنْتَ قَدْ أَخْرَجْتهَا عَنْ حُكْمِ الْفَرْضِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ إضَاعَتُهُ إلَى حُكْمِ الْوَصَايَا فَبَطَلَ التَّأْكِيدُ عَلَى قَوْلِك الْفَاسِدِ ‏,‏ وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ وَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الْوَصَايَا ‏,‏ وَبَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الْفَرْضِ الَّذِي لاَ يَسَعُ تَعْطِيلُهُ ‏,‏ فَلِمَ جَعَلْتهَا مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِهَا أَيْضًا وَمَا هَذَا الْخَبْطُ وَالتَّخْلِيطُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ‏:‏ فَآبِدَةٌ فِي تَقْدِيمِهِ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَجِّ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ الزَّكَاةُ حَقٌّ فِي الْمَالِ ‏,‏ وَالْحَجُّ عَلَى الْبَدَنِ قِيلَ ‏:‏ فَلِمَ أَدْخَلْته فِي الْوَصَايَا إذًا وَهَلَّا مَنَعْت مِنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ‏,‏ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏,‏ وَالنَّخَعِيُّ

وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ قِيلَ ‏:‏ فَذَلِكَ النَّصُّ يُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِك الْفَاسِدِ وَهَذَا نَفْسُهُ يَدْخُلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي تَقْدِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا

وَأَمَّا قَوْلُ مَالك ‏:‏ فَأَفْحَشُهَا تَنَاقُضًا ‏,‏ وَأَوْحَشُهَا وَأَشَدُّهَا فَسَادًا ‏;‏ لأََنَّهُ قَدَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ بِلاَ

برهان ‏,‏ فَقَدَّمَ بَعْضَ التَّطَوُّعِ عَلَى بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِلاَ

برهان ‏,‏ وَصَارَ كُلُّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الأَدِلَّةِ أَصْلاً ‏,‏ مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ نَعْنِي ‏:‏ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ الَّذِي رَتَّبَ وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُهُ ‏"‏ إقْرَارُهُ لِمَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ ‏"‏ فَكَيْفَ يَجُوزُ مَا هُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

فإن قال قائل ‏:‏ لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ مَالَهُ إِلاَّ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ بِأَنْ يَضَعَ فُرُوضَهُ ‏,‏ ثُمَّ يُوصِيَ بِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ

قلنا لَهُ ‏:‏ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إثْمُهُ ‏,‏ وَلاَ تُسْقِطُ عَنْهُ مَعْصِيَتُهُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى ‏;‏ إذْ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرْتُمْ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ ‏:‏ هَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِهَذَا الأَحْتِجَاجِ نَفْسِهِ إذْ قُلْتُمْ ‏:‏ إنَّ دُيُونَ النَّاسِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَنَقُولُ لَكُمْ ‏:‏ لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ إِلاَّ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ مَالَهُ ‏,‏ ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَيُقَالُ لَكُمْ أَيْضًا ‏:‏ لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَيُهِنِّي ذَلِكَ وَرَثَتَهُ إِلاَّ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ اعْتِرَاضَهُمْ بِذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ‏;‏ لأََنَّهُ إبْطَالٌ لأََوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِهِ ‏,‏

فَإِنْ ذَكَرُوا

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لاَ أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا

وَهَا هُنَا

قلنا ‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُقُوطُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ بُخْلِهِ بِهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ إنَّمَا فِيهِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فَقَطْ ‏,‏ وَنَعَمْ ‏,‏ فَهُوَ مُنْكَرٌ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى نَافِذَةٌ فِي مَالِهِ ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1768 - مسألة‏:‏

وَجَائِزٌ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ إِلاَّ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ أَصْلاً إِلاَّ بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ عَنْ مِلْكِهِ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ ‏:‏ يُحْدِثُ اللَّهُ فِي وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ ‏,‏ وَمَلاَكُ الْوَصِيَّةِ آخِرُهَا‏.‏ وَصَحَّ عَنْ طَاوُوس ‏,‏ وَعَطَاءٍ ‏,‏ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ‏,‏ وَقَتَادَةَ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏:‏ أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ بِخِلاَفِ ذَلِكَ ‏:‏

رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى إنْ مَاتَ أَنْ يُعْتَقَ غُلاَمٌ لَهُ فَقَالَ ‏:‏ أَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ ‏,‏ وَلَيْسَ الْعِتْقُ كَسَائِرِ الْوَصِيَّةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ‏,‏ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ كُلُّ صَاحِبِ وَصِيَّةٍ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْعَتَاقَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ كُلُّ صَاحِبِ وَصِيَّةٍ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْعَتَاقَةَ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ احْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلرُّجُوعِ فِي الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ وَبِأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا تَعَلَّقُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا ‏,‏ وَكُلُّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ أَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّهُ قَوْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ فِي الْيَرْبُوعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ ‏,‏ وَفِي الأَرْنَبِ بِجَدْيٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهِ‏.‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لأََنَّ الْحَنَفِيِّينَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ لاَ يُجِيزُونَ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ ‏,‏ وَلاَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ ‏,‏ وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ فِي كُلِّ حَالٍ ‏;‏ لأََنَّهُ عِتْقٌ لِمَا لاَ يَجِبُ إِلاَّ بِالْمَوْتِ ‏,‏ وَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ وَهَذِهِ صِفَةُ سَائِرِ الْوَصَايَا‏.‏

وأعجب شَيْءٍ تَبْدِيئُهُمْ الْعِتْقَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا وَتَأْكِيدُهُمْ إيَّاهُ ‏,‏ وَتَغْلِيظُهُمْ فِيهِ ‏,‏ ثُمَّ سَوَّوْهُ هَاهُنَا بِسَائِرِ الْوَصَايَا فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الآرَاءِ وَهَذِهِ الْمَقَايِيسِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لاَ يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ‏,‏ وَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ ‏,‏ وَكُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ الْبَتَّةِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَعَادَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُهُمْ فَعَلَيْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا‏.‏ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏ وَكَانَ عَهْدُهُ بِعِتْقِهِ عَبْدَهُ إنْ مَاتَ عَقْدًا مَأْمُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ ‏,‏ وَمَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَلاَ يَحِلُّ الرُّجُوعُ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا سَائِرُ الْوَصَايَا فَإِنَّمَا هِيَ مَوَاعِيدُ ‏,‏ وَالْوَعْدُ لاَ يَلْزَمُ إنْفَاذُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ‏"‏ بَابِ النَّذْرِ ‏"‏ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ‏,‏ فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ وَهَمٌّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يُنَفِّذْهَا فَلَهُ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَيْسَ عَقْدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ ‏,‏ فَإِذْ صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ ‏:‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْعَقْدُ ‏;‏ لأََنَّ مَا بَطَلَ بِوَاجِبٍ فَلاَ يَعُودُ إِلاَّ بِنَصٍّ ، وَلاَ نَصَّ فِي عَوْدَتِهِ ‏,‏ فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ ‏,‏ وَبَقِيَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ‏.‏

1769 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أَوْصَى لأَُمِّ وَلَدِهِ مَا لَمْ تُنْكَحْ فَهُوَ بَاطِلٌ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ يُوقِفُ عَلَيْهَا وَقْفًا مِنْ عَقَارِهِ ‏,‏ فَإِنْ نَكَحَتْ فَلاَ حَقَّ لَهَا فِيهِ ‏,‏ لَكِنْ يَعُودُ الْوَقْفُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ ‏,‏ فَهَذَا جَائِزٌ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى لأَُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ بِأَرْضٍ يَأْكُلْنَهَا فَإِنْ نَكَحْنَ فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ قَالَ ‏:‏ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ عَلَى شَرْطِهِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ إنْ أَوْصَى لأَُمِّ وَلَدِهِ بِمَالٍ سَمَّاهُ عَلَى أَنْ لاَ تَتَزَوَّجَ أَبَدًا قَالَ ‏:‏ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ شَيْءَ لَهَا

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏

وَأَيْضًا ‏:‏ فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ هَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ أَمْ لاَ إِلاَّ بِمَوْتِهَا ‏,‏ وَهِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ لاَ تَمْلِكُ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْتَحِقُّهُ‏.‏

وَأَيْضًا فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلَكَتْ مَا أَوْصَى لَهَا بِهِ أَوْ لَمْ تَمْلِكْهُ فَإِنْ كَانَتْ مَلَكَتْهُ فَلاَ يَجُوزُ إزَالَةُ مِلْكِهَا عَنْ يَدِهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَمْلِكْهُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُعْطَى مَا لَيْسَ لَهَا ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

وَأَمَّا إدْخَالُهَا فِي الْوَقْفِ بِصِفَةٍ فَهَذَا جَائِزٌ ‏;‏ لأََنَّهُ تَسْبِيلُ وُقُوفٍ فِيهِ عِنْدَ حَدِّ الْمُسَبَّلِ ‏,‏ وَلَيْسَ تَمْلِيكًا لِرَقَبَةِ الْوَقْفِ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ‏,‏ لأََنَّهَا قَدْ مَلَكَتْهُ ‏,‏ فَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ بَاطِلاً‏.‏

1770 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقٍ لَهُ لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ‏,‏ أَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ لَمْ يُنَفَّذْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ صَحَّ فِيهِ الْعِتْقُ ‏,‏ سَوَاءٌ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ ‏,‏ أَوْ عَاشَ إلَى حِينِ الْقُرْعَةِ‏.‏ وَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الرِّقِّ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ عَاشَ إلَيْهَا فَإِنْ شَرَعَ السَّهْمُ فِي بَعْضِ مَمْلُوكٍ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ ‏,‏ وَعَتَقَ بَاقِيهِ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ الثُّلُثِ‏.‏ فَلَوْ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بُدِئَ بِاَلَّذِي سَمَّى أَوَّلاً فَأَوَّلاً ‏,‏ فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ فَلَوْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ مَمْلُوكٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى الثُّلُثِ ‏,‏ فَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مُسَمًّى مِنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ أُعْتِقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ إنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ وَأُعْتِقَ بَاقِيهِمْ ‏,‏ وَاسْتَسْعُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِمَّا هُوَ دُونَ الثُّلُثِ‏.‏ فَإِنْ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ أَوْ جُمْلَةً أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ إنْ أَجْمَلَهُمْ فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ إِلاَّ أَنْ يَشْرَعَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُعْتَقُ وَيَسْتَسْعِي فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ‏,‏ وَيُبْدَأُ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ إنْ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ ‏,‏ إِلاَّ مَنْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقُ ‏,‏ فَإِنَّهُ يَسْتَسْعِي فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى الثُّلُثِ‏.‏

برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا ‏:‏ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فِي وَصِيَّتِهِ الثُّلُثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَقَلَّ ‏,‏ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ فَيُنَفَّذُ قَوْلُهُ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْعِتْقِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا بِإِسْنَادِهِ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَإِنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَيَسْتَسْعِي فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَالْوَرَثَةُ هَاهُنَا شُرَكَاءُ لِلْمُوصِي ‏,‏ فَقَدْ عَتَقَ الْمَمَالِيكُ كُلُّهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام وَيَسْتَسْعُونَ فِي حِصَّةِ الْوَرَثَةِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ فِي وَصِيَّتِهِ جَمِيعَهُمْ وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ‏,‏ أَوْ أَعْتَقَ فِي وَصِيَّتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَالْيَقِينُ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سُمِّيَ مِنْهُمْ ‏,‏ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ خَالَفَ الْحَقَّ ‏,‏ بَلْ أَوْصَى كَمَا أُبِيحَ لَهُ فَهِيَ وَصِيَّةُ بِرٍّ وَتَقْوَى ‏,‏ وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ ‏,‏ فَوَجَبَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ لِصِحَّتِهَا ‏,‏ وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمُعْتَقُونَ فِي حِصَصِ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ هُمْ شُرَكَاءُ الْمُوصِي حِينَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يُعْتِقُوا حِصَصَهُمْ‏.‏ وَكَانَ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ مُبْطِلاً عَاصِيًا ‏,‏ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ إنْ كَانَ عَالِمًا ‏,‏ أَوْ مُخْطِئًا مُخَالِفًا لِلْحَقِّ فَقَطْ ‏,‏ مَعْفُوًّا عَنْهُ إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ ‏,‏ وَالْبَاطِلُ عُدْوَانٌ فَقَطْ ‏,‏ أَوْ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ سَاقِطٌ لاَ يَحِلُّ إنْفَاذُهُ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ فَوَجَبَ إبْطَالُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ فِي وَصِيَّتِهِ عِتْقَهُمْ ‏,‏ أَوْ أَجْمَلَ عِتْقَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَصِيَّتِهِ ‏,‏ فَبِالضَّرُورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ خَلَطَ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقِ مَنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ ‏,‏ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ ‏,‏ وَلاَ يَدْرِي غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَيُّهُمْ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ ‏,‏ وَأَيُّهُمْ لاَ ‏,‏ فَصَارُوا جُمْلَةً فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَحْرَارٍ ‏,‏ أَوْ فِي حُرٍّ لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ‏,‏ وَفِيهَا حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ فِي رَقِيقٍ لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ‏,‏ فَلاَ بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ لِيُمَيَّزَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالأَنْصِبَاءِ فِي الْقِسْمَةِ إِلاَّ بِالْقُرْعَةِ ‏;‏ فَوَجَبَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمْ ‏,‏ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلِمْنَا أَنَّهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي ‏,‏ وَأَنَّهُ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُوصِ فِيهِ الْمُوصِي وَصِيَّةً جَائِزَةً ‏,‏ وَأَنَّهُ هُوَ حَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ قَدْ مَلَكُوهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ لَمْ يَمُتْ‏.‏ فَإِنْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي مَمْلُوكٍ أُعْتِقَ وَاسْتَسْعَى فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى مَا عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ ‏;‏ لأََنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاءُ الْمُوصِي فِيهِ ‏,‏ وَهَكَذَا كُلُّ مَا أَوْصَى فِيهِ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ‏.‏ وَلاَ بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ حَقِّ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ بِتَعْدِيلِ الْقِيمَةِ وَالْقُرْعَةِ ‏,‏ وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا فِي هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ ‏,‏ يُؤَكِّدُ مَا

قلنا ‏,‏ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ لَكَانَ الْحُكْمُ مَا وَصَفْنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ تَمْيِيزِ حَقِّ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ الثَّقَفِيِّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَجُلاً أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ‏,‏ وَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيدًا‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏,‏ وَنَقُولُ ‏:‏ إنَّنَا لَمْ نَجِدْ لأََحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلاَ لأََحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ رحمهم الله فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ ‏,‏ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا ‏,‏ إِلاَّ لِعَطَاءٍ وَحْدَهُ ‏:‏ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ عَبْدٍ لَهُ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ‏,‏ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ ‏,‏ وَيَسْتَسْعِي لِلْوَرَثَةِ فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ سَعَى فِيمَا زَادَ

وَهُوَ قَوْلُنَا

وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَإِنَّمَا وَجَدْنَا عَنْهُمْ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ‏,‏ وَنَحْنُ مَنْ لاَ يُعْطِي نُصُوصَ الرِّوَايَاتِ نَصًّا مِمَّا يُحَرِّفُهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ كَثِيرًا‏.‏ وَقَدْ يُمْكِنُ لَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ قَوْلٌ غَيْرُ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ ‏,‏ وَمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُمْ ‏,‏ فَقَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ ‏,‏ وَأَوْقَع نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَاسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ وَالْقَطْعَ بِالظَّنِّ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُورِدُ إِلاَّ مَا رُوِّينَا ‏,‏ وَلاَ نَحْكِي مَا لَمْ نَسْمَعْ ‏,‏ وَلاَ نُخْبِرُ بِمَا لَمْ يَبْلُغْنَا وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا الرُّتْبَةِ الْمُهْلِكَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ‏,‏ وَسَنَذْكُرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي بَلَغَتْنَا فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْرَ تَمَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏"‏ فِي مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي مَالِهِ ‏"‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَإِذْ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِنَذْكُرَ مَا وَجَدْنَا عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَرِّحِينَ بِمَا قَالُوا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقٍ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمَالِيكَ لَهُ لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أُعْتِقُوا كُلُّهُمْ ‏,‏ وَاسْتَسْعُوا جَمِيعُهُمْ فِيمَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ ثُلُثِ الْمُوصِي‏.‏

وقال مالك ‏:‏ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إِلاَّ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ مِنْهُ فَقَطْ وَرَقَّ بَاقِيهِ سَوَاءٌ حَمَلَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ أَوْ قَصُرَ عَنْهُ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إِلاَّ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا أَوْصَى بِعِتْقِهِ مِنْهُ وَرَقَّ سَائِرُهُ‏.‏ فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ أَوْ دَبَّرَهُمْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَقَطْ وَيُرَقُّ سَائِرُهُ‏.‏ فَلَوْ دَبَّرَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ عَلَى رُتْبَةِ تَدْبِيرِهِ لَهُمْ ‏,‏ فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ وَرَقَّ بَاقِي مَنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقٍ لَهُ لاَ يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ قُوِّمُوا ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ مِنْهُمْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَرَقَّ سَائِرُهُمْ ‏,‏ وَيُرَقُّ بَاقِي مَنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَتَرَكَ خَبَرَ الأَسْتِسْعَاءِ ‏,‏

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْعِتْقِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِجَمِيعِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ لاَ بِحَدِيثِ الْقُرْعَةِ الَّذِي رَوَاهُ عِمْرَانُ أَخَذَ ‏,‏ وَلاَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ ‏,‏ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَخَذَ ‏,‏ وَالْمُوصِي شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أُعْتِقَ ‏,‏ وَفِي الأَسْتِسْعَاءِ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ‏.‏

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ الأَسْتِسْعَاءِ وَخَالَفَ خَبَرَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ‏.‏ وَاعْتَلُّوا فِي رَدِّ خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بِأَشْيَاءَ فَاسِدَةٍ ‏:‏ مِنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا ‏:‏ لَوْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ تُسْتَعْمَلُ كَمَا قَضَى بِهَا عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فِي الْوَلَدِ الَّذِي ادَّعَاهُ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ فَأَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ ‏,‏ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ كَذَبُوا ‏,‏ مَا نُسِخَ ذَلِكَ قَطُّ ‏,‏ وَكَيْفَ يُجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِهِ وَقَدْ قَضَى بِهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِالْيَمَنِ ‏,‏ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام وَعَلِمَهُ ‏,‏ وَمَاتَ عليه الصلاة والسلام إلَى نَحْوِ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَمَنْ ذَا الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ إجْمَاعٍ يَخْرُجُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏ وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ إنْكَارًا لِفِعْلِ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ وَحُكْمِهِ ‏,‏ فَمَنْ أَكْذَبُ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الدَّعَاوَى وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي مُخَالَفَتِهِمْ حُكْمَ عَلِيٍّ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ وَأَخْذُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ لاَ تَصِحُّ ‏,‏ نُسِبَتْ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ إلْحَاقِهِ الْوَلَدَ بِأَبَوَيْنِ وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ يُبْطِلُ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ إنَّ مَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي الْقُرْعَةِ قَدْ خَالَفَهُ فِيمَنْ بَدَأَ بِعِتْقِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ فِي وَصِيَّتِهِ ‏,‏ فَكَذَبُوا ‏,‏ مَا خَالَفْنَا خَبَرَ عِمْرَانَ لأََنَّهُ لَيْسَ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ ‏:‏ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْوَصِيَّةِ بِأَسْمَائِهِمْ اسْمًا اسْمًا ‏,‏ وَإِنَّمَا لَفْظُهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي عِتْقَهُ لَهُمْ بِالْوَصِيَّةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَمْ نَتَعَدَّ لَفْظَ الْخَبَرِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ وَجَدْنَا حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مُضْطَرِبًا فِيهِ ‏,‏ فَمَرَّةً رَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ ‏,‏ وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ

قال أبو محمد ‏:‏ فَكَانَ مَاذَا وَمَا يَتَعَلَّلُ بِهَذَا إِلاَّ قَلِيلُ الْحَيَاءِ ‏:‏ رَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ‏.‏ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَأُسْنِدَ وَثَبَتَ ‏,‏ فَأَخَذْنَا بِهِ‏.‏ وَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَبَرًا وَاحِدًا مِنْ عَشْرِ طُرُقٍ ‏,‏ مِنْهَا صَحِيحٌ وَمِنْهَا مَدْخُولٌ ‏,‏ وَكُلُّ خَبَرٍ فِي الأَرْضِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُهُ الثِّقَةُ وَغَيْرُ الثِّقَةِ ‏,‏ فَيُؤْخَذُ نَقْلُ الثِّقَةِ وَيُتْرَكُ مَا عَدَاهُ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ وَجَدْنَا مُعْتِقَ عَبِيدِهِ بِالْوَصِيَّةِ قَدْ كَانَ مَالِكًا لِثُلُثِ جَمِيعِهِمْ ‏,‏ وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْحَقِّ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُرَقَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ صَدَقْتُمْ إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْمُوصِيَ بِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ ‏,‏ لَمْ يُعْتِقْ قَطُّ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ‏,‏ إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً ‏,‏ فَكَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ جَامِعًا لِبَاطِلٍ وَحَقٍّ ‏,‏ فَلَمْ يُمْكِنْ إنْفَاذُ ذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُ إِلاَّ بِالْقُرْعَةِ ‏,‏ وَمَا وَقَعَ الْعِتْقُ قَطُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ ‏,‏ لَكِنْ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقُرْعَةِ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ‏.‏ وَنَسْأَلُهُمْ هَاهُنَا ‏:‏ عَمَّنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ غَنَمِهِ ‏,‏ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ‏,‏ أَوْ بِجَمِيعِ خَيْلِهِ ، وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ‏,‏ أَوْ بِجَمِيعِ عَبِيدِهِ فِي أَهْلِ الْجِهَادِ فِي الثُّغُورِ ، وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ‏,‏ أَيُنَفِّذُونَ ذَلِكَ بِرَغْمِ الْوَرَثَةِ فَيَنْسَلِخُوا عَنْ الإِسْلاَمِ أَمْ يُبْطِلُونَ وَصِيَّتَهُ فَيَفْسُقُوا أَمْ يَقْسِمُونَ الثُّلُثَ لِلْوَصِيَّةِ وَالثُّلُثَيْنِ لِوَرَثَتِهِ بِالْقُرْعَةِ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرُوا‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ لَمَّا تَسَاوَوْا كُلُّهُمْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِتْقِ دُونَ تَفَاضُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَابِيَ بِإِنْفَاذِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ كَذَبْتُمْ مَا اسْتَوَوْا قَطُّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِتْقِ ‏;‏ لأََنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ هُوَ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِمْ ‏,‏ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي بَعْضِهِمْ بِحَقٍّ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ ‏,‏ وَفِي بَعْضِهِمْ بِحَرَامٍ لاَ يَحِلُّ تَنْفِيذُهُ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْعَةِ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عِمْرَانَ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ أَيْ شَائِعَيْنِ فِي الْجَمِيعِ ‏,‏ كَمَا يَقُولُ ‏"‏ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ يَعْنِي شَائِعَةً فِي الْجَمِيعِ وَذَكَرُوا أَخْبَارًا لاَ تَصِحُّ فِيهَا فَأَعْتَقَ الثُّلُثَ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ جَمَعْتُمْ فِي هَذَا الْكَذِبَ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهِ ‏;‏ لأََنَّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَبَطَلَ مَا رُمْتُمْ إقْحَامَهُ فِي الْخَبَرِ وَمَا كَانَتْ الشَّاةُ قَطُّ شَائِعَةً فِي الأَرْبَعِينَ ‏,‏ بَلْ وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ‏,‏ أَيُّهَا أَعْطَى مِمَّا فِيهِ وَفَاءٌ ‏:‏ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ هَذَا قَضَاءٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عُمُومَ اسْمٍ يَتَنَاوَلُ مَا تَحْتَهُ فَنَقُولُ لَهُمْ ‏:‏ هَلَّا قُلْتُمْ هَذَا لأََنْفُسِكُمْ إذْ جَعَلْتُمْ الْخُطْبَةَ فَرْضًا فِي الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِعْلٌ لاَ عُمُومُ اسْمٍ وَإِذْ قَضَيْتُمْ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ فِي خَبَرٍ مَكْذُوبٍ ثُمَّ هُوَ فِعْلٌ وَلَيْسَ عُمُومَ اسْمٍ لاَ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُمْ هَذَا إِلاَّ تَجْوِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ هَذَا مِنْ بَابِ الْقِمَارِ ‏,‏ وَالْمَيْسِرِ

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا كُفْرٌ مَكْشُوفٌ مُجَرَّدٌ مَنْ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَكَمَ بِالْقِمَارِ ‏,‏ وَالْمَيْسِرِ ‏,‏ وَنَحْنُ بَرَاءٌ مِنْهُ وَكَفَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏ فَنَحْنُ حَكَّمْنَاهُ عليه الصلاة والسلام فِيمَا شَجَرَ بَيْنَنَا ‏,‏ ثُمَّ لَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِمَّا قَضَى وَسَلَّمْنَا تَسْلِيمًا ‏,‏ وَهُمْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ‏,‏ ثُمَّ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ الْحَرَجَ مِمَّا قَضَى ‏,‏ وَلَمْ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فَتَبًّا لَهُمْ وَسُحْقًا‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْأُصُولِ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ هَذَا أَبْرَدُ مِمَّا أَتَيْتُمْ بِهِ ‏,‏ وَمَا عَلِمْنَا فِي الدِّينِ أُصُولاً إِلاَّ الْقُرْآنَ وَبَيَانَهُ ‏,‏ مِمَّا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ بِنَقْلِ ثِقَةٍ عَنْ مِثْلِهِ مُسْنَدًا ‏,‏ أَوْ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ

وَأَمَّا فَرْقُكُمْ فَضَلاَلٌ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ ‏,‏ وَإِفْكٌ مُطَّرَحٌ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

1771 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ ‏,‏ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ كُلِّهِ ‏:‏ بَطَلَ كُلُّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْعِتْقِ جُمْلَةً ‏,‏ وَبِيعُوا فِي الدَّيْنِ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ ‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ وَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمُوصِي ‏,‏ وَأَنَّ لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَيْنِ ‏,‏ أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ‏.‏ فَصَحَّ ضَرُورَةً ‏:‏ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَاجِبًا لِلْغُرَمَاءِ

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَ ‏,‏ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مَا لاَ يُوصِي فِيهِ ‏,‏ وَأَنَّ مَا تَخَلَّفَهُ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ إثْرَ مَوْتِهِ بِلاَ فَصْلٍ ‏,‏ وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ غَيْرِهِ ‏:‏ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَيَعْتِقُ وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَمَوَّهُوا فِي الأَحْتِجَاجِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ ذِكْرٌ ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ ‏"‏ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَهَذَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ‏:‏ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ ‏,‏ إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ أَعْتَقَ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ الأَمْرُ سَوَاءٌ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ

قلنا ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ لأََنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لأََنَّ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ فِعْلِ الْحَيِّ عِلَّةً تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ لاَ يَصِحُّ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ وَهَذَا فِيهِ أَرْبَعُ فَضَائِحَ ‏:‏ إحْدَاهَا يَكْفِي ‏:‏

أَوَّلُهَا ‏:‏ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ‏.‏ وَثَانِيهَا ‏:‏ أَنَّهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُطْرَحٌ‏.‏ وَثَالِثُهَا ‏:‏ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ وَهُوَ هَالِكٌ مَتْرُوكٌ‏.‏ وَرَابِعُهَا ‏:‏ أَنَّهُ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ يُحِيطُ بِمَا تَرَكَ وَكَانَ يَفْضُلُ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَضْلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ أُعْتِقَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ‏,‏ وَيَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ ‏,‏ ثُمَّ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِلاَ اسْتِسْعَاءٍ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي حَقِّهِمْ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْفَاذِ عِتْقِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ‏,‏ وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمَمْلُوكُ الْمُعْتَقُ لِشَرِيكِ مُعْتِقِهِ ‏,‏ وَهَذَا الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لِلْمُوصِي فِيهِ حَقٌّ وَقَدْ شَرِكَهُ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ فَيُعْتَقُ وَيَسْعَى‏.‏ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ‏,‏ فَمَنْ خَرَجَ لِلدَّيْنِ رَقَّ ‏,‏ وَمَنْ خَرَجَ لِلْوَصِيَّةِ عَتَقَ ‏,‏ وَرَقَّ الْبَاقُونَ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَشْرَعَ بَيْنَهُمْ لِلْعِتْقِ فِي مَمْلُوكٍ فَيُعْتَقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِالأَسْتِسْعَاءِ‏.‏

لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ تَمَّ ‏"‏ كِتَابُ الْوَصَايَا ‏"‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ