فصل: ذكر غزوات نصر بن سيار ما وراء النهر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر غزوات نصر بن سيار ما وراء النهر:

وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار ما وراء النهر مرتين، وإحدهما من نحو الباب الجديد، فسار من بلخ من تلك الناحية ثم رجع إلى مرو فخطب الناس وأخبرتهم أنه قد أقام منصور بن عمر بن أبي الخرقاء على كشف المظالم وأنه قد وضع الجزية عمن قد أسلم وجعلها على من كان يخفف عنه من المشركين. فلم تمضى جمعة حتى أتاه ثلاثنون ألف مسلم كانوا يؤدون الجزية عن رؤوسهم، وثمانون ألفاً من المشركين كانت قد ألقيت عنهم، فحول ما كان على المسلمين غليهم ووضعه عن المسلمين ثم صنف الخراج ووضعه مواضعه. ثم غزا الثانية إلى ورغسر وسمرقند ثم رجع. ثم غزا الثالثة إلى الشاش من مرو، فحال بينه وبين عبور نهر الشاش كورصول في خمسة عشر ألفاً، وكان معهم الحارث بن سريج. وعبر كورصول في أربعين رجلاًن فبيت أهل العسكر في ليلة مظلمة ومع نصر بخار أخذاه في أهل بخارى ومعه أهل سمر قند وكش ونسف، وهم عشرون ألفاً، فنادى نصر: أى يخرج أحد واثبتوا على مواضعكم. فخرج عاصم بن عمير، وهو على جند سمرقند، فمرت به خيل الترك، فحمل على رجل في آخرهم فأسره، فإذا هو ملك من مولكهم صاحب أربعة آلاف قبة، فأتي به إلى نصر، فقال له نصر: من أنت؟ قال: كورصول. فقال نصر: الحمد الله الذي أمكن منك يا عدوا الله. قال: ما ترجو من قتل شيخ؟ وأنا أعطيك أربعة آلاف بعي من إبل الترك وألف برذون تقوي بها جندك وطلق سبيلي. فاستشار نصر أصحابه، فاشارو وابإطلاقه، فسأله عن عمره، قال: لا أدري. قال: كم غزوت؟ قا: اثنيتن وسبعين غزوة. قال: أشهدت يوم العطش؟ قال: نعم. قال: لو أعطيتني ما طلعت عليه الشمس ما أفلت من يدي بعد ما ذكرت من شماهك. وقال لعاصم بن عمير السعدي: قم إلى سلبه فخذه. فقال: من أسرنيظ قال نصر، وهو يضحك: أسرك يزيد بن قران الحنظلي، وأشار إليه: قال: هذا لا يستطيع أن يغسل استه أو لا يستطيع أن يتم له بوله فكيف يأسنري؟ أخبرني من أسرني؟ قال: أسرك عاصم بن عمير. قال: لست أجد ألم القتل إذا كان أسرني فارس من فرسان العرب. فقتله وصلبه على شاطئ النهر.
وعاصم بن عمير هو الهزارمرد، قتل بنهاوند أيام قحطبة.
فلما قتل كورصول أحرقت الترك أبنيته وقطعوا آذانهم وقصوا شعورهم وأذناب خيلهم. فلما أراد نصر الرجوع أحرقه لئلا يحملوا عظامه، فكان ذلك أشد عليهم من قتله، وارتفع إلى فرغانة فسبى بها ألف رأس.
وكتب يوسف بن عمر إلى نصر: سر إلى هذا الغادر دينه في الشاش، يعني الحارث بن سريج، فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش فخرج بلادهم واسب ذراريهم، وإياك وورطة المسلمين. فقرأ الكتاب على الناس واستشارهم، فقال يحي بن الحضين: انظر أمن لأمير المؤمنين أو من الأمير؟ فقال نصر: يا يحى تكلمت بكلمة أيام عاصم بلغت الخيلفة فحظيت بها وبلغت الدرجة الرفيعة، فقلت أقول مثلها، سر يا يحيى فقد وليتك مقدمتي. فلام الناس يحيى فسارإلى الشاش، فأتاهم الحارث فنصب عليهم عرادتين، وأغار الأخرم، وهو فارس الترك على المسلمين فقتلوه وأقوا رأسه إلى الترك، فصاحوا وانهزموا.
وسار نصر إلى الشاش، فلتقاه ملكها بالصلح والهدية والرهن، واشترط عليه نصر إخراج الحارث بن سريج عن بلده، فأخرجه إلى فاراب، واستعمل على الشاش نيزك بن صالح مولى عمرو بن العاص، ثم سار حتى نزل قبا من أرض فرغانة، وكانوا أحسوا بمجيئة فأحرقوا الحشيش وقطعوا الميرة، فوجه نصر إلى ولي عهد صاحب فرغانة فحاصره في حصن، وغفلوا عنه فخرج وغنم دواب المسلمين، فوجه إليهم نصر بجالاً من تميم ومعهم محمد بن المثنى، وكان المسلمون ودوابهم كمنوا لهم، فخرجوا واستاقوا بعضها، وخرج عليهم المسلمون فهزموهم وقتلوا الدهقان وأسروا منهم وأسروا ابن الدهقان فقتله نصر، وأرسل نصر سليمان بن صول بكتاب الصلح إلى صاحب فرغانة، فأمر به فأدخا الخزائن ليراها ثم رجع إليه، فقال: كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم.؟ قال: سهلاً كثر الماء والمرعى، فكره ذلك وقال: كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم؟ قال: سهلاً كثير الماء والمرعى، فكره ذلك وقال: ما علمك؟ فقال سليمان: قد غزوت غرشستان وغور والختل وطبرستان فكيف لا أعلم؟ قال: فكيف رأيت ما أعددنا؟ قال: عدة حسنة، ولكن أما علمت أن المحصور لا يسلم من خصال، لا يأمن أقرب الناس إليه وأوثقهم في نفسه أن يثبت به يطلب مرتبته ويتقرب بذلك أو يفنى ما قد جمع فيسلم برمته أو يصيبه داء فيموت. فكره ما قال له وأمره فأحضر كتاب الصلح، فأجاب إليه وسير أمه معه، وكانت صاحبة أمره، فقدمت على نصر، فأذن لها وجعل يكلمها، وكان مما قالت له كل مالك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك، وزير يبث إليه ما في نفسه ويشاوره ويثق بنصيحته، وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهي، وزوجة إذا دخل عليها مغتماً فنظر إلى وجهها زال غمه، وحصن إذا فزغ أتاه فأنجاه، تعني البرذون، وسيف إذا قاتل لا يخشى خيانته، وذخيرة إذا حملها عاش بها أين كان من الأرض.
ثم دخل تميم بن نصر في جماعة فقالت: من هذا؟ قالوا: هذا فتى خراسان تميم بن نصر. قالت: ما له نبل الكبير ولا حلاوة الصغير؛ ثم دخل الحجاج بن قتيبة فقالت: من هذا؟ فقالوا: الحجاج بن قتيبة، فحيته وسألت عنه وقالت: يا معشر العرب ما لكم وفاء ولا يصلح بعضكم بعضاً، قتيبة الذي ذلل لكم ما أرى وهذا ابنه تقعده دونك فحقه أن تجلسه أنت هذا المجلس وتجلس أنت مجلسه.

.ذكر غزو مروان بن محمد بن مروان:

وفي سنة إحدى ووعشرين غزا مروان بن محمد من أرمينة وهو اليها، فأتى قلعة بين السرير فقتل وسبى، ثم أتى قلعة ثانية فقتل وسبى ودخل غوميك وهو حصن فيه بيت الملك وسريره، فهرب الملك منه حتى أتى حصناً يقال له خيزج فيه السرير الذهب، فسار إليه مروان ونازله صيفية وشتويته، فصالح الملك على ألف رأس كل سنة ومائة ألف مدي، وسار مروانفدخل أرض ارزو بطران، فصالحه ملكها، ثم سار في أرض تومان فصالحه، وسار حتى أتى خمزين فأخرب بلاده وحصر حصناً له شهراً فصالحه، طبرسران وفيلان، وكل هذه الولايات على شاطئ البحر من أرمينية إلى طبرستان.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة غزا مسلمة بن هشام الروم فافتتح بها مطامير. وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي، وهو كان عامل المدينة ومكة والطائف. وعلى العراق يوسف بن عمر، وعلى خراسان نصر بن سيار، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد، وعلى قضاء البصرة عامر بن عبيدة، وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة. وفيها فرغ الوليد بن بكير عامل الموصل من حفر النهر الذي أدخله البلد، وكان مبلغ النفقة عليه ثمانية آلاف ألف درهم، وجعل عليه ثمانية أحجار تطحن، ووقف هشام هذه الأرحاء على عمل النهر.
وفيها مات سلمة بن سهيل، وقيل سنة اثنتين وعشرين. وفيها مات عامر بن عبيد الله بن الزبير، وقيل سنة اثنتين وعشرين، وقيل سنة أربع وعشرين بالشام. وفيها مات محمد بن يحيى بن حبان وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة، حبان بفتح الحاء، وبالباء الموحدة. وقتل يعقوب بن عبد الله ابن الأشج سهيداً بأرض الروم. ثم دخلت:

.سنة اثنتين وعشرين ومائة:

.ذكر مقتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:

في هذه السنة قتل زيد بن علي بن الحسن، قد ذكر سبب مقامه بالكوفة وبيعته بها.
فلما أمر أصحابه بالاستعداد للخروج وأخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة يتجهز انطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر فأخربه، فبعث يوسف في طلب زيد، فلم يوجد، وخاف زيد أن يؤخذ فتيعجل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة، وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن الصلت، وعلى شرطته عمرو بن عبد الرحمن من القارة ومعه عبيد الله بن العاباس الكندي في ناس من أهل الشام، ويوسف بن عمر بالحيرة، قال: فلما رأى أصحاب زيد بن علي من يوسف بن عمر أنه قد بلغه أمره وأنه يبحث عن أمره اجتمع إليه حماعة من رؤوسهم وقالوا: رحمك الله، ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمها الله وغفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يقول فيهما إلا خيراً، وإن أشد ما أقول فيما ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان ما ذكرتم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الناس أجمعين، فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، وقد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا: فلم يظلمك هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ، فإن اجبتمونا سعدتم، وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الإمام، يعنون محمداً الباقر، وكان قد مات، وقالوزا: جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه، فسماهم زيد الرافضة، وهم يزعمون أن المغيرة سماهم الرافضة حيث فارقوه.
وكانت طائفة أتت جعفر بن محمد الصادق قبل خروج زيد، فأخبره ببيعة زيد، فقال: بايعوه فهو والله أفضلنا وسدنا، فعادوا وكتموا ذلك. وكان زيد واعد أصحابه أول ليلة من صفر، وبلغ ذلك يوسف بن عمر، فبعث إلى الحكم يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرهم فيه، فجمعهم فيه، وطلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج منها ليلاً، ورفعوا الهرادي فيها النيران ونادوا: يا منصور أمت أمت، حتى طلع الفجر، فلما أصبحوا بعث زيد القاسم التبعي ثم الحضرمي وآخر من أصحابه يناديان بشعارهم، فملا كانا بصحراء عبد القيس لقيهما جعفر ابن العباس الكندي فحملا عليه وعلى أصحابه، فقتل الذي كان مع القاسم التبعي وارتث القاسم وأتي به الحكم، فضرب عنقه. فكانا أول من قتل من أصحاب زيد. وأغلق الحكم دروب السوق وأبواب المسجد على الناس.
وبعث الحكم إلى يوسف بالحيرة فأخبره الخبر، فأرسل جعفر بن العباس ليأتيه بالخبر، فسار في خمسين فارساً حتى بلغ جبانة سالم فسال ثم رجع إلى يوسف فأخبره، فسار يوسف إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومع أشراف الناس، فبعث الريان بن سلمة الأراني في القين ومعه ثلاثمائة من القيقانية رجالة معهم النشاب.
وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلاً، فقال زيد: سبحان الله أين الناس؟ فقيل: غنهم في المسجد الأعظم محصورون. فقال: والله ما هذا بعذر لمن بايعنا! وسمع نصر بن خزيمة العبسي النداء فأقبل إليه، فلقي عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم في خيله من جهينة في الطريق، فحمل عليه نصر وأصحابه فقتل عمرو وانهزم من كان معه، وأقبل على جبانة سالم حتى انتهى زيد إلى دار أنس بن عمرو الأزدي، وكان في من بايعه وهو في الدار، فنودي فلم يجبهم، وناداه زيد فلم يخرج إليه، فقال زيد: ما أخلفكم؟ قد فعلتموها، والله حسيبكم، ثم انتنهى زيد إلى الكناسة فحمل على من بها من أهل الشام فهزمهم، ثم سار زيد يوسف ينظر إليه في مائتي رجل، فو قصده لقتله، والريان يتبع أثر زيد بن علي بالكوفة في أهل الشام، فأخذ زيد على مصلى خالد حتى دخل الكوفة، وسار بعض أصحابه نحو جبانة مخنف بن سليم فلقوا أهل الشام فقاتلوهم، فأسر أهل الشام منهم رجلاً، فأمر به يوسف بن عمر فقتل.
فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال: يا نصر بن خزيمة أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية. قال: أما أنا والله لأقاتلن معك حتى أموت، وإن الناس في المسجد فامض بنا نحوهم. فلقيهم عبيد الله بن العباس الكندي عند ار عمر بن سعد، فاقتتلوا، فانهزم عبيد الله وأصحابه، وجاء زيد حتى انتهى إلى باب المسجد، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا. فرماهم أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد وانصرف الريان عند المساء إلى الحيرة، وانصرف زيد في من معه، وخرج إليه ناس من أهل الكوفة فنزل دار الرزق، فاتاه الريان بن سلمة فقالتله عند دار الرزق وجرح أهل الشام ومعهم ناس كثير، ورجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء أسوأ شيء ظناً.
فلما كان الغد أرسل يوزسف بن عمر العباس بن سعيد المظزني في أهل الشام فانتهى إى زيد في دار الرزق، فلقيه زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن ثابت فاقتتلوا قتالاُ شديداً، وحمل نابل بن فروة العبسي من اهل الششام على نصر بن خزيمة فضربه بالسيف فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ولم يلبث نصر أن مات واشتد قتالهم، فانهزم أصحاب العباس وقتل منهم نحو من سبعين رجلاً.
فلما كان العشاء عباهم يوسف بن عمر ثم سرحهم، فالتقوا هم وأصحاب زيد، فحمل عليهم زيد فياصحابه فكشفهم وتبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة، ثم حمل عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بني سليم، وجعلت خيلهم لا تثبت لخيله، فبعث العاب إلى يوزسف يعلمه ذلك وقال له: ابعث إلي الناشبية، فبعثهم إليه، فجعلوا يرمون أصحاب زيد، فقاتل معاوية ابن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد قتالاً شديداً، فقتل وثبت زيد ابن علي ومن معه إلى الليل، فرمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه، ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رحعوا إلا للمساء والليل، ونزل زيد في دار من دور أرحب، وأحضر أصحابه طبيباً، فانتزع النصل، فضج زيد، فلما نزع النصل مات زيد، فقال أصحابه: اين ندفنه؟ قال بعضهم: نطرحه في الماء. وقال بعضهم: بل نحتز رأسه ونلقيه في القتلى. فقال ابنه يحيى: والله لا تأكل لحم أبي الكلاب. وقال بعضهم: ندفنه في الخحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماءن ففعلوا، فلما دفنوه أجروا عليه الماء، وقيل: دفن بنهر يعقوب، سكر أصحابه الماء ودفنوه وأجروا الماء وكان معهم مولى لزيد سندي، وقيل رآهم فسار فدل عليه، وتفرق الناس عنه، وسار ابنه يحيى نحو كربلاء فنزل بنينوى على سابق مولى بشر بن عبد الملك بن بشر.
ثم إن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور، فدله السندي مولى زيد يوم الجمعه على زيد، فاستخرجه من قبره وقطع رأسه وسير إلى يوسف ابن عمر وهو بالحيرة، وسيره الحكم بن الصلت، فأمر بحراستهم، وبعث الرأس إلى هشام وولي الوليد فأمر بانزاله وإحراقه. وقيل: كان خراش بن خشب بن يزيد الشيباني على شرطة زيد، وهو الذي نبش زيداً وصلبه؛ فقال السيد الحوي:
بت ليلاً مسهدا ** ساهر العين مقصدا

ولقد قلت قولةً ** وأطلت التبلدا

لعن الله حوشباً ** وخراشاً ومزيدا

وزيداً فإنه ** كان أعتى وأعتدا

ألف ألفٍ وألف ألف ** فٍ من اللعن سرمدا

إنهم حاربوا الإل ** ه وآذوا محمدا

شركوا في دم الحس ** ين وزيدٍ تعندا

ثم عالوه فوق جذ ** عٍ صريعاً مجردا

يا خراش بن حوشبٍ ** أنت أشقى الورى غدا

وقيل في أمر يحيى بن زيد غير ما تقدم، وذلك أن أباه زيداً لما قتل قال له رجل من بني أسد: إن أهل خراسان لكم شيعة، والرأي أن تخرج إليها. قال: وكيف لي بذلك؟ قال: تتوارى حتى يسكن عنك الطلب ثم تخرج. فواراه عنده ليلةً، ثم خاف فأتى به عبد الملك بن بشر بن مروان فقال له: إن قرابة زيد بك قريبة زحقه عليك واجب. قال: أجل ولقد كان العفوعنه أقرب للتقوى. قال فقد قتل وهذا ابنه غلام حدث لا ذنب له، فإن علم يوسف به قتله، أفتجيره؟ قال: نعم، فأتاه به فأقام عنده، فملا سكن الطلب سار في نفر من الزيدية إلى خراسان. فغضب يوسف بن عمر بعد قتل زيد فقال: يا أهل العراق، إن يحيى بن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه، والله لو بدا لي لعرقت خصييه كما عرقت خصيي أبيه! وتهددهم وذمهم وترك.

.ذكر قتل البطال:

في هذه اسنة قتل البطال، واسمه عبد الله أبو الحسين الأنطاكي، في جماعة من المسلمين ببلاد الروم، وقيل: سنة ثلاث وعشرين ومائة، وكان كثير الغزاة إلى الروم والإغارة على بلادهم، وله عندهم ذكر عظيم وخوف شديد.
حكي أنه دخل بلادهم في بعض غزاته هو وأصحابه، فدخل قرية لهم ليلاً وامرأة تقول لصغير لها يبكي: تسكت وإلا سلمتك إلى البطال! ثم رفعته بيدها وقالت: خذه يا بطال! فتناوله من يدها.
وسيره عبد الملك مع ابنه مسلمة إلى بلاد الروم وأمره على رؤساء أهل الجزيرة والشام، وأمر ابنه أن يجعله على مقدمته وطلائعه، وقلا: إنه ثقة شجاع مقدام، فجعله مسلمة على عشرة آلاف فارس، فكان بينه وبين الروم، وكان العلافة والسابلة يسيرون آمينين، وسار مرة مع عسكر للمسلمين، فلما صار بأطراف الروم سار وحده فدخل بلادهم، فرأى مبقله فنزل فأكل من ذلك البقل، فجاءت جوفه وكثر إسهاله، فخاف أن يضعف عن الركوب فركب وصار تجيء جوفة في سرجه ولا يجسر ينزل لئلا يضعف عن الركوب، فاستولى عليه الضعف، فاعتنق رقية فرسه وسار عليه ولا يعلم أين هو، ففتح عينه فإذا هو في دير فيه نساء، فاجتمعن عليه وانزلته إحداهن عن فرسهوعسلته وسقته دواء فانقطع عنه ما به، وأقام في الدير ثلاثة أيام، ثم إن بطريقاً حضر الدير فخطب تلك المرأة وبلغه خبر البطال وتبعه فقتله وانهزم أصحاب البطريق وعاد إلى الدير وأقى الرأس إلى النساء وأخذهن وساقهن إلى العسكر، فنقل أمير العسكر تلك المرأة، فهي أم أولاد البطال.

.ذكرة عدة حوادث:

قيل: وفي هذه السنة قتل كلثوم بن عياض القشيري الذي كان هشام بعثه في أهل الشام إلى أفريقية حيث وقعت الفتنة بالبربر. وفيها ولد الفضل بن صالح ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن علي. وفيها وجه يوسف بن عمر ابن شبرمة على سجستان فاتقضى محمد بن عبيد الرحمن بن أبي ليلى.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام المخزومي، وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم، قيل: وكان على الموصل أبو قحافة ابن أخي الوليد بن تليد العبسي.
وفيها مات إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة، وهو الموصوف بالذكاء. وزيد بن الحارث اليامي. ومحمد بن المنكدر بن عبد الله أبو بكر التميم تيم قريش، وقيل: مات سنة ثلاثين، وقيل: إحدى وثلاثين، وكتبه أبو بكر. ويزيد بن عبد الله بن قسط، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج. ثم دخلت:

.سنة ثلاث وعشرين ومائة:

.ذكر صلح نصر بن سيار مع الصغد:

وسبب ذلك أن خاقان لما قتل في ولاية أسد تفرقت الترك في غارة بعضها على بعض، فطمع أهل الصغد في الرجعة إليها، وانحاز قوم منهم إلى الشاش، فلما ولي نصر بن سيار أرسل إليهم يدعوهم إلى الرجوع إلى بلادهم وأعطاهم ما أرادوا، كانوا ينالون شروطاً أنكرها أمراء خراسان، منها: أن لا يعاقب من كان مسلماً فارتد عن الإسلام، ولا يعدى عليهم في دين لأحد منن الناس، ولا يؤخذ أسراء المسلمين من ايديهم إلا بقضية قاضٍ وشهادة عدول. فعاب الناس ذلك على نصر بن سيار وقالوا له فيه، فقال: لو عاينتم شوكتهم في المسلمين مثل ما عاينت ما أنكرتم ذلك. وأرسل رسولاً إلى هشام بن عبيد الملمك في ذلك، فأجابه إليه.

.ذكر وفاة عقبة بن الحجاج ودخول بلج الأندلس:

في هذه السنة توفي عقبة بن الحجاج السلولي أمي رالأندلس، فقيل: بل ثار به أهل الأندلس فخلعوه وولوا بعده عبد الملك بن قطن، وهي ولايته الثانية، وكانت ولايته في صفر من هذه السنة، وكانت البربر قد فعلت بإفريقية ما ذكرناه سنة سبع عشرة ومائة، وقد حصروا بلج بن بشر العبسي حتى ضاق عليه وعلى من معه الأمر واشتد الحصر، وهم صابرون إلى هذه السنة، فأرسل إلى عبد الملك بن قطن يطلب منه أن يرسل إليه مراكب يجوز فيها هو ومن معه إلى الأندلس، وذكر ما أنزل عليه من الشدة وأنهم أكلوا دوابهم. فامتنه عبد الملك من إدخالهم الأندلس ووعدهم بإرسال المدد إليهم، فلم يفعل.
فاتفق أن البربر قويت بالأندلس، فاظطر عبد الملك إلى إدخال بلج ومن معه، وقيل: إن عبد الملك استشار أصحابه في جواز بلج فخوفوه من ذلك، فقال: أخاف أمير المؤمنين أن يقول: أهلكت جندي، لإأجازهم وشرط عليهم أن يقيموا سنة ويرجعوا إلى إفريقية، فأجابوه إلى ذلك، وأخذ وهائتنهم وأجازهم.
فلما وصوا إليه رأى هو والمسلمون ما بهم من سوء الحال والفقر والعري لشدة الحصار عليهم، فكسوهم وأحسنوا إليهم، وقصدوا جمعاً من البربر بشدونة فقاتلوهم فظفروا بالبربر فأهلكوهم وغنموا مالهم ودوابهم وسلاحهم، فصلت أحوال أصحاب بلج وصار لهم دواب يركبونها.
ورجع عبد الملك بن قطن إلى قرطبة وقال لبلج ومن معه ليخرجوا من الأندلس، فأجابوه إلى ذلك، فطلبوا منه مراكي يسيرون فيها من غير الجزيرة الخضراء لئلا يلقوا البرابر الذين حصروهم. فامتنع عبد الملك وقال: ليس لي مراكب إلا في الجزيرة. فقالوا: إننا لا نرجع نتعرض إلى البربر ولا نقصد الجهة التي هم فيها لأننا نخاف أن يقتلونا في بلادهم. فألح عليهم في العود، فلما رأوا ذلك ثاروا به وقاتلوه، فظفروا به وأخرجوه من القصر، وذلك أوائل ذي القعدة من هذه السنة.
فلما ظفر بلج بعبد الملك أشار عليه أصحابه بقتل عبد الملك، فأخرجه من داره وكأنه فرخ لكبر سنة فقتله وصلبه، وولي الأندلس، وكان عمر عبد الملك تسعين سنة، وهرب ابناه قطن وأمية، فلحق أحدهما بماردة والآخر بسر قسطة، وكان هربهما قبل قتل أبيهما، فلما قتل فعلا ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة أوفد يوسف بن عمر الحكم بن الصلت إلى هشام يطلب إليه أن يستعمله على خراسان ويذكر أنه خبير بها وأنه عمل بها الأعمال الكثيرة ويقع في نصر بن سيار، فوجه هشام إلى دار الضيافة فأحضر مقاتل بن علي السعدي وقد قدم من خاسان ومعه مائة وخمسون من الترك، فسأله عن الحكم وما ولي بخراسان، فقال: ولي قرية يقال لها لفارياب سبعون ألفاً خراجها، فأسره الحارث بن سريج فعرك أذنه وأطلقه وقا: أنت أهون من أن قتلك. فلم يعزل هشام نصر بن سيار عن خراسان.
وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار فرغنة غزوته الثانية، فأوفد وفداً إلى العراق عليهم معن بن أحمر النميري، ثم إلى هشام، فاجتاز بيوسف بن عمر وقال له: يا بن أحمر أبلغبكم الأقطع على سلطانكم يا معشر قريش! قال: قد كان ذاك، فأمره أن يعيبه عند هشام، فقال: كيف أعيبه مع بلائه وآثاره الجميلة عند وعند قومي؟ فلم يزل به، قال: فيم أعيبه؟ أعيب تجربته أم طاعته أم يمن نقيبته أو سياسته؟ قال: عبه بالكبر.
فلما دخل على هشام ذكر جند خراسان ونجدتهم وطاعتهم، فقال: إلا أنهم ليس لهم قائد. قال: ويحك! فما فعل الكناني؟ يعني نصراً. قال: له بأس ورأي إلا أنه لا يعرف الرجل ولا يسمع صوته حتى يدني منه، وما يكاد يفهم منه من الضعف لأجل كبره، فقال شبيل بن عبد الرحمن المازني: كذب والله، وإنه ليس بالشيخ يخشى خرفه، ولا الشاب يخشى سفهه، بل هو المجرب وقد ولي عامة ثغور خراسان قد آثر معناً وأعلى منزلته وشفعه في حوائجه، فلما فعل هذا أجفى القيسية فحضروا عنده واعتذروا إليه.
وحج بالناس هذه السنة يزيد بن هشام بن عبد الملك. وكان العمال في الأمصارهم العمال في السنة التي قبلها.
وفيها مات محمد بن زاسع الأزدي البصري، وقيل: سنة سبع وعشرين. وفيها توفي جعفر بن إباس. وفيها مات ثابت البناني، وقيل: سنة سبع وعشرين، وله ست وثمانون سنة. وفيها توفي سعيد بن أبي سعد المقبري، واسم أبي سعيد كيسان، وقيل: مات سنة خمس وعشرين، وقيل ست وعشرين. ومالك ابن دينار لزاهد. ثم دخلت: