فصل: ذكر بيعة المثنى العبدي للمختار بالبصرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر بيعة المثنى العبدي للمختار بالبصرة:

وفي هذه السنة دعا المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة إلى بيعة المختار، وكان ممن شهد عين الوردة مع سليمان بن صرد، ثم رجع فبايع للمختار، فسيره إلى البصرة يدعو بها إليه، فقدم البصرة ودعا بها، فأجابه رجال من قومه وغيرهم، ثم أتى مدينة الرزق فعسكر عندها، وجمعوا الميرة بالمدينة، فوجه إليهم القباع أمير البصرة، ودعا بها عباد بن حصين، وهو على شرطته، وقيس بن الهيثم في الشرط والمقاتلة، فخرجوا إلى السبخة، ولزم الناس بيوتهم فلم يخرج أحد، وأقبل عباد فيمن معه، فتواقف هو والمثنى، فسار عباد نحو مدينة الرزق وترك قيساً مكانه.
فلما أتى عباد مدينة الرزق أصعد على سورها ثلاثين رجلاً وقال لهم: إذا سمعتم التكبير فكبروا، ورجع عباد إلى قيس، وأنشبوا القتال مع المثنى، وسمع الرجال الذين في دار الرزق التكبير فكبروا، وهرب من كان بالمدينة، وسمع المثنى التكبير من ورائهم فهرب فيمن معه، فكف عنهم قيس وعباد ولم يتبعاهم.
وأتى المثنى قومه عبد القيس، فأرسل القباع عسكراً إلى عبد القيس ليأتوه بالمثنى ومن معه. فلما رأى زياد بن عمرو العتكي ذكل أقبل إلى القباع فقال له: لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنهم. فأرسل القباع الأحنف بن قيس وعمر بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا بين الناس، فأصلح الأحنف الأمر على أن يخرج وأصحابه عنهم، فأجابوه إلى ذلك وأخرجوهم عنهم، فسار المثنى إلى الكوفة في نفر يسير من أصحابه.
مخربة بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وتشديد الراء وكسرها، ثم باء مفتوحة.

.ذكر مكر المختار بابن الزبير:

فلما أخرج المختار عامل ابن الزبير عن الكوفة، وهو ابن مطيع، سار إلى البصرة وكره أن يأتي ابن الزبير مهزوماً، فلما استجمع للمختار أمر الكوفة أخذ يخادع ابن الزبير، فكتب إليه: قد عرفت مناصحتي إياك وجهدي على أهل عداوتك وما كنت أعطيتني إذا أنا فعلت ذلك من نفسك، فلما وفيت لك لم تف بما عاهدتني عليه، فإن ترد مراجعتي ومناصحتي فعلت، والسلام.
وكان قصد المختار أن يكف ابن الزبير عنه ليتم أمره، والشيعة لا يعلمون بشيء من أمره، فأراد ابن الزبير أن يعلم أسلم هو أم حب، فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي فولاه الكوفة وقال له: إن المختار سامع مطيع؛ فتجهز بما بين ثلاثين ألف درهم إلى أربعين ألفاً وسار نحو الكوفة. وأتى الخبر إلى المختار بذلك، فدعا المختار زائدة بن قدامة وأعطاه سبعين ألف درهم وقال له: هذا ضعف ما أنفق عمر بن عبد الرحمن في طريقه إلينا، وأمره أن يأخذ معه خمسمائة فارس ويسير حتى يلقاه بالطريق ويعطيه النفقة ويأمره بالعود، فإن فعل وإلا فليره الخيل.
فأخذ زائدة بن قدامة المال وسار حتى لقي عمر فأعطاه المال وأمره بالانصراف، فقال له: إن أمير المؤمنين قد ولاني الكوفة ولابد من إتيانها. فدعا زائدة بالخيل، وكان قد كمنها، فلما رآها قد أقبلت أخذ المال وسار نحو البصرة، فاجتمع هو وابن مطيع في إمارة الحارث بن أبي ربيعة، وذلك قبل وثوب المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة.
وقيل: إن المختار كتب إلى ابن الزبير: إني اتخذت الكوفة داراً، فإن سوغتني ذلك وأمرت لي بألف ألف درهم سرت إلى الشام فكفيتك ابن مروان. فقال ابن الزبير: إلى متى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني؟ ثم تمثل، شعر:
عاري الجواعر من ثمود أصله ** عبدٌ ويزعم أنه من يقدم

وكتب إليه: والله ولا درهم:
ولا أمتري عبد الهوان ببدرتي ** وإني لآتي الحتف ما دمت أسمع

ثم إن عبد الملك بن مروان بعث عبد الملك بن الحارث بن أبي الحكم بن أبي العاص إلى وادي القرى، وكان المختار قد وادع ابن الزبير ليكف عنه ليتفرغ لأهل الشام. فكتب المختار إلى ابن الزبير: قد بلغني أن ابن مروان قد بعث إليك جيشاً، فإن أحببت أمددتك بمدد.
فكتب إليه ابن الزبير: إن كنت على طاعتي فبايع لي الناس قبلك وعجل إنفاذ الجيش ومرهم ليسيروا إلى من بوادي القرى من جند ابن مروان فليقاتلوهم، والسلام.
فدعا المختار شرحبيل بن ورس الهمداني فسيره في ثلاثة آلاف أكثرهم من الموالي وليس فيهم من العرب إلا سبعمائة رجل، وقال: سر حتى تدخل المدينة، فإذا دخلتها فاكتب إلي بذلك حتى يأتيك أمري. وهو يريد إذا دخلوا المدينة أن يبعث عليهم أميراً ثم يأمر ابن ورس بمحاصرة ابن الزبير بمكة. وخشي ابن الزبير أن يكون المختار إنما يكيده، فبعث من مكة عباس بن سهل بن سعد في ألفين، وأمره أن يستنفر الأعراب، وقال له: إن رأيت القوم على طاعتي وإلا فكايدهم حتى تهلكهم.
فأقبل عباس بن سهل حتى لقي ابن ورس بالرقيم وقد عبأ ابن ورس أصحابه، وأتى عباس وقد تقطع أصحابه، ورأى ابن ورس على الماء وقد عبأ أصحابه، فدنا منهم وسلم عليهم ثم قال لابن ورس سراً: ألستم على طاعة ابن الزبير؟ قال: بلى. قال: فسر بنا على عدوه الذي بوادي القرى. فقال ابن ورس: ما أمرت بطاعتكم إنما أمرت أن آتي المدينة، فإذا أتيتهما رأيت رأيي. فقال له عباس: إن كنتم في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسيركم إلى وادي القرى. فقال: لا أتبعك، أقدم المدينة وأكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره. فقال عباس: رأيك أفضل، وفطن لما يريد وقال: إما أنا فسائرٌ إلى وادي القرى.
ونزل عباس أيضاً وبعث إلى ابن ورس بجزائر وغنم مسلخة، وكانوا قد ماتوا جوعاً، فذبحوا واشتغلوا بها واختلطوا على الماء، وجمع عباس من أصحابه نحو ألف رجل من الشجعان وأقبل نحو فسطاط ابن ورس، فلما رآهم نادى في أصحابه، فلم يجتمع إليه مائة رجل حتى انتهى إليه عباس واقتتلوا يسيراً، فقتل ابن ورس في سبعين من أهل الحفاظ، ورفع عباس راية أمانٍ لأصحاب ابن ورس، فأتوها إلا نحو من ثلاثمائة رجل من سليمان بن حمير الهمداني وعباس بن جعدة الجدلي، فظفر ابن سهل منهم بنحو من مائتين فقتلهم وأفلت الباقون فرجعوا، فمات أكثرهم في الطريق.
وكتب المختار بخبرهم إلى ابن الحنفية يقول: إني أرسلت إليك جيشاً ليذلوا لك الأعداء ويحرزوا البلاد فلما قاربوا طيبة فعل بهم كذا وكذا، فإن رأيت أن أبعث إلى المدينة جيشاً كثيفاً وتبعث إليهم من قبلك رجلاً يعلموا أني في طاعتك فافعل فإنك ستجدهم بحقك أعرف وبكم أهل البيت أرأف منهم بآل الزبير، والسلام.
فكتب إليه ابن الحنفية: أما بعد فقد قرأت كتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع الله فيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان لي كثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. وأمره بالكف عن الدماء.

.ذكر حال ابن الحنفية مع ابن الزبير ومسير الجيش من الكوفة:

ثم إن ابن الزبير دعا محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة، منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة، له صحبة، ليبايعوه، فامتنعوا وقالوا: لا نبايع حتى تجتمع الأمة؛ فأكثر الوقيعة في ابن الحنفية وذمه، فأغلظ له عبد الله بن هانىء الكندي وقال: لئن لم يضرك إلا تركنا ببيعتك لا يضرك شيء، وإن صاحبنا يقول: لو بايعتني الأمة كلها غير سعد مولى معاوية ما قبلته. وإنما عرض بذكر سعد لأن ابن الزبير أرسل إليه فقتله، فسبه عبد الله وسب أصحابه وأخرجهم من عنده، فأخبروا ابن الحنفية بما كان منهم، فأمرهم بالصبر، ولم يلح عليهم ابن الزبير.
فلما استولى المختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به فألح عليه وعلى أصحابه في البيعة له، فحبسهم بزمزم وتوعدهم بالقتل والإحراق وإعطاء الله عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضرب لهم في ذلك أجلاً.
فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار يعلمه حالهم، فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة. فقرأ المختار الكتاب على الناس وقال: إن هذا مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تركوا محظوراً عليهم كما يحظر على الغنم ينتظرون القتل والتحريق في الليل والنهار، لست أبا إسحاق إن لم أنصرهم نصراً مؤزراً، وإن لم أسرب في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل! يعني ابن الزبير، وذلك أن أم خويلد أبي العوام زهرة بنت عمرو من بني كاهل بن أسد بن خزيمة.
فبكى الناس وقالوا: سرحنا إليه وعجل. فوجه أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكباً من أهل القوة، ووجه ظبيان بن عمارة أخا بني تميم ومعه أربعمائة، وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم، وسير أبا المعمر في مائة، وهانىء بن قيس في مائة، وعمير بن طارق في أربعين، ويونس بن عمران في أربعين. فوصل أبو عبد الله الجدلي إلى ذات عرق، فأقام بها حتى أتاه عمير ويونس في ثمانين راكباً، فبلغوا مائةً وخمسين رجلاً، فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام، ومعهم الرايات، وهم ينادون: يا لثارات الحسين! حتى انتهوا إلى زمزم، وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قد بقي من الأجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا: خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير! فقال لهم: إني لا أستحل القتال في الحرم. فقال ابن الزبير: واعجباً لهذه الخشبية! ينعون الحسين كأني أنا قتلته، والله لو قدرت على قتلته لقتلتهم.
وإنما قيل لهم خشبية لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم، وقيل: لأنهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير.
وقال ابن الزبير: أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ فقال الجدلي: إي ورب الركن والمقام لتخلين سبيله أو لنجادلنك بأسيافنا جدالاً يرتاب منه المبطلون! فكف ابن الحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة.
ثم قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجد الحرام فكبروا وقالوا: يا لثارات الحسين! فخافهم ابن الزبير، وخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب علي وهم يسبون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه، فأبى عليهم. فاجتمع مع محمد في الشعب أربعة آلاف رجل، فقسم بينهم المال وعزوا وامتنعوا.
فلما قتل المختار تضعضعوا واحتاجوا. ثم إن البلاد استوثقت لابن الزبير بعد قتل المختار، فارسل إلى ابن الحنفية: ادخل في بيعتي وإلا نابذتك. وكان رسوله عروة بن الزبير. فقال ابن الحنفية: بؤساً لأخيك ما ألجه فيما أسخط الله وأغفله عن ذات الله! وقال لأصحابه: إن ابن الزبير يريد أن يثور بنا وقد أذنت لمن أحب الانصراف عنا فإنه لا ذمام عليه منا ولا لوم، فإني عبد الرحمن بن أم الحكم لقيه أصحاب المختار معهم الكرسي يحملونه على بغل أشهب وهم يدعون الله له بالنصر ويستنصرونه، وكان سادن الكرسي حوشب البرسمي، فلما رآهم المختار قال: مقيم حتى يفتح الله بيني وبين ابن الزبير، وهو خير الفاتحين.
فقام إليه أبو عبد الله الجدلي وغيره فأعلموه أنهم غير مفارقيه. وبلغ خبره عبد الملك بن مروان، فكتب إليه يعلمه أنه إن قدم عليه أحسن إليه وأنه ينزل إلى الشام إن أراد حتى يستقيم أمر الناس، فخرج ابن الحنفية وأصحابه إلى الشام، وخرج معه كثير عزة، وهو يقول، شعر:
هديت يا مهدينا ابن المهتدي

أنت الذي نرضى به ونرتجي

أنت ابن خير الناس بعد النبي

أنت إمام الحق لسنا نمتري

يا بن عليٍ سر ومن مثل علي

فلما وصل مدين بلغه غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد، فندم على إتيانه وخافه، فنزل أيلة، وتحدث الناس بفضل محمد وكثرة عبادته وزهده وحسن هديه. فلما بلغ ذلك عبد الملك ندم على إذنه له في قدومه بلده، فكتب إليه: إنه لا يكون في سلطاني من لم يبايعني.
فارتحل إلى مكة ونزل شعب بن أبي طالب، فأرسل إليه ابن الزبير يأمره بالرحيل عنه، وكتب إلى أخيه مصعب بن الزبير يأمره أن يسير نساء من مع ابن الحنفية، فسير نساء، منهن امرأة أبي الطفيل عامر بن واثلة، فجاءت حتى قدمت عليه، فقال الطفيل، شعر:
إن يك سيرها مصعب ** فإني إلى مصعب متعب

اقود الكتيبة مستلئماً ** كأني أخو عزةٍ أحرب

وهي عدة أبيات.
وألح ابن الزبير على ابن الحنفية بالانتقال إلى مكة، فاستأذنه أصحابه في قتال ابن الزبير، فلم يأذن لهم وقال: اللهم ألبس ابن الزبير لباس الذل والخوف وسلط عليه وعلى أشياعه من يسومهم الذي يسوم الناس.
ثم سار إلى الطائف، فدخل ابن عباس على ابن الزبير وأغلظ له، فجرى بينهما كلام كرهنا ذكره. وخرج ابن عباس أيضاً فلحق بالطائف، ثم توفي، فصلى عليه ابن الحنفية وكبر عليه أربعاً، وبقي ابن الحنفية حتى حصر الحجاج ابن الزبير، فأقبل من الطائف فنزل الشعب، فطلبه الحجاج ليبايع عبد الملك، فامتنع حتى يجتمع الناس.
فلما قتل ابن الزبير كتب ابن الحنفية إلى عبد الملك يطلب منه الأمان له ولمن معه، وبعث إليه الحجاج يأمره بالبيعة، فأبى وقال: قد كتبت إلى عبد الملك فإذا جاءني جوابه بايعت.
وكان عبد الملك كتب إلى الحجاج يوصيه بابن الحنفية، فتركه، فلما قدم رسول ابن الحنفية، وهو أبو عبد الله الجدلي، ومعه كتاب عبد الملك بأمانه وبسط حقه وتعظيم أهله، حضر عند الحجاج وبايع لعبد الملك بن مروان، وقدم عليه الشام وطلب منه أن لا يجعل للحجاج عليه سبيلاً، فأزال حكم الحجاج عنه.
وقيل: إن ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس وابن الحنفية أن يبايعا، فقالا: حتى يجتمع الناس على إمام ثم نبايع، فإنك في فتنة. فعظم الأمر بينهما وغضب من ذلك وحبس ابن الحنفية في زمزم وضيق على ابن عباس في منزله واراد إحراقهما، فأرسل المختار جيشاً، كما تقدم، فأزال عنهما ضرار ابن الزبير.
فلما قتل المختار قوي عليهما ابن الزبير وقال: لا تجاوراني. فخرجا إلى الطائف، وأرسل ابن عباس ابنه علياً إلى عبد الملك بالشام وقال: لئن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني رجل من بني أسد؛ يعني ببني عمه بني أمية لأنهم جميعهم من ولد عبد مناف، ويعني برجل من بني أسد ابن الزبير، فإنه من بني أسد بن عبد العزى بن قصي. ولما وصل علي بن عبد الله بن عباس إلى عبد الملك، سأله عن اسمه وكنيته، فقال: اسمي علي، والكنية أبو الحسن. فقال: لا يجتمع هذا الاسم وهذه الكنية في عسكري، أنت أبو محمد.
ولما وصل ابن عباس إلى الطائف توفي به، وصلى عليه ابن الحنفية.

.ذكر الفتنة بخراسان:

في هذه السنة كان حصار عبد الله بن خازم من كان بخراسان من بني تميم بسبب قتلهم ابنه محمداً، وقد تقدم ذكره، فلما تفرقت بنو تميم بخراسان، على ما تقدم، أتى قصر فرتنا عدة من فرسانهم ما بين السبعين إلى الثمانين فولوا أمرهم عثمان بن بشر بن المحتفز المازني ومعه شعبة بن ظهير النهشلي وورد بن الفلق العنبري وزهير بن ذؤيب العدوي وجيهان بن مشجعة الضبي والحجاج بن ناشب العدوي ورقية بن الحر في فرسان من تميم وشجعانهم، فحاصرهم ابن خازم، فكانوا يخرجون إليه فيقاتلونه ثم يرجعون إلى القصر.
فخرج ابن خازم يوماً في ستة آلاف، وخرج إليه أهل القصر، فقال لهم عثمان بن بشر: ارجعوا فلن تطيقوه، فحلف زهير بن ذؤئب بالطلاق أنه لا يرجع حتى يتعرض صفوفهم. فاستبطن نهراً قد يبس، فلم يشعر به أصحاب عبد الله حتى حمل عليهم فحط أولهم على آخرهم واستدار وكر راجعاً، واتعبوه يصيحون به، ولم يجسر أحد أن ينزل إليه حتى رجع إلى موضعه، فحمل عليهم فافرجوا له حتى رجع.
فقال ابن خازم لأصحابه: إذا طاعنتم زهيراً فاجعلوا في رماحكم كلاليب ثم علقوها في سلاحه. فخرج إليهم يوماً فطاعنهم فأعلقوا فيه أربعة أرماح بالكلاليب، فالتفت إليهم ليحمل عليهم فاضطربت أيديهم وخلوا رماحهم فعاد يجر اربعة أرماح حتى دخل القصر.
فأرسل ابن خازم إلى زهير يضمن له مائة ألف وميسان طعمة ليناصحه، فلم يجبه. فلما طال الحصار عليهم أرسلوا إلى ابن خازم ليمكنهم من الخروج ليتفرقوا، فقال: لا إلا على حكمي، فأجابوا إلى ذلك. فقال زهير: ثكلتكم أمهاتكم! والله ليقتلنكم عن آخركم، وإن طبتم بالموت نفساً فموتوا كراماً، اخرجوا بنا جميعاً فإما أن تموتوا كرماً وإما أن ينجو بعضكم ويهلك بعضكم، وايم الله لئن شددتم عليهم شدةً صادقةً ليفرجن لكم، فإن شئتم كنت أمامكم، وإن شئتم كنت خلفكم. فأبوا عليه. فقال: ساريكم. ثم خرج هو ورقبة ابن الحر وغلام تركي وابن ظهير فحملوا على القوم حملةً منكرةً، فأفرجوا لهم، فمضوا، فأما زهير فرجع ونجا أصحابه.
فلما رجع زهير إلى من بالقصر قال: قد رأيتم، أطيعوني: قالوا: إنا نضعف عن هذا ونطمع في الحياة. فقال: لا أكون أعجزكم عند الموت. فنزلوا على حكم ابن خازم، فأرسل إليهم فقيدهم وحملوا إليه رجلاً رجلاً، فأراد أن يمن عليهم فأبى عليه ابنه موسى وقال له: إن عفوت عنهم قتلت نفسي، فقتلهم إلا ثلاثة: أحدهم الحجاج بن ناشب، فشفع فيه بعض من معه، فأطلقه، والآخر جيهان بن مشجعة الضبي الذي ألقى نفسه على محمد بن عبد الله، كما تقدم، والآخر رجل من بني سعد من تميم، وهو الذي رد الناس عن ابن خازم يوم لحقوه، وقال: انصرفوا عن فارس مضر.
وقال: ولما أرادوا حمل زهير بن ذؤيب وهو مقيد أبى واعتمد على رمحه فوثب الخندق، ثم أقبل إلى ابن خازم يحجل في قيوده، فجلس بين يديه، فقال له ابن خازم: كيف شكرك إن أطلقتك وأطعمتك ميسان؟ قال: لو لم تصنع بي إلا حقن دمي لشكرتك. فلم يمكنه ابنه موسى من إطلاقه، فقال له أبوه: ويحك نقتل مثل زهير! من لقتال عدو المسلمين؟ من لحمى نساء العرب؟ فقال: والله لو شركت في دم أخي لقتلتك! فأمر بقتله. فقال زهير: إن لي حاجة، لا تقتلني ويخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام، فقد نهيتهم عما صنعوا وأمرتهم أن يموتوا كراماً ويخرجوا عليكم مصلتين، وايم الله لو فعلوا لأذعروا بنيك هذا وشغلوه بنفسه عن طلب ثأر أخيه، فأبوا، ولو فعلوا ما قتل منهم رجل حتى يقتل رجالاً. فأمر به ابن خازم فقتل ناحيةً.
فلما بلغ الحريش قتلهم قال:
أعاذل إني لم ألم في قتالهم ** وقد عض سيفي كبشهم ثم صمما

أعاذل ما وليت حتى تبددت ** رجالٌ وحتى لم أجد متقدما

أعاذل أفناني السلاح، ومن يطل ** مقارعة الأبطال يرجع مكلما

أعيني إن أنزفتما الدمع فاسكبا ** دماً لازماً لي دون أن تسكبا دما

أبعد زهيرٍ وابن بشرٍ تتابعا ** ووردٍ أرجي في خراسان مغنما

أعاذ كم من يوم حربٍ شهدته ** أكر إذا ما فارس السوء أحجما

يعني زهير بن ذؤيب، وابن بشر هو عثمان، وورد بن الفلق.

.ذكر مسير ابن الأشتر إلى قتال ابن زياد:

وفي هذه السنة لثمان بقين من ذي الحجة يوم السبت سار إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد، وكان مسيره بعد فراغ المختار من وقعة السبيع بيومين، وأخرج المختار معه فرسان أصحابه ووجوههم وأهل البصائر منهم ممن له تجربة، وخرج معه المختار يشيعه، فلما بلغ دير:
أما ورب المرسلات عرفا

لنقتلن بعد صفٍ صفا

وبعد ألف قاسطين ألف

ثم ودعه المختار وقال له: خذ عني ثلاثاً: خف الله، عز وجل، في سر امرك وعلانيتك، وعجل السير، وإذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم.
ورجع المختار وسار إبراهيم فانتهى إلى أصحاب الكرسي، وهم عكوف عليه قد رفعوا أيديهم إلى السماء يدعون الله، فقال إبراهيم: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، هذه سنة بني إسرائيل، والذي نفسي بيده، إذ عكفوا على عجلهم، ثم رجعوا وسار إلى قصده.

.ذكر حال الكرسي الذي كان المختار يستنصر به:

قال الطفيل بن جعدة بن هبيرة: أضقنا إضاقةً شديدة فخرجت يوماً فإذا جار لي زيات عنده كرسيٌّ ركبه الوسخ، فقلت في نفسي: لو قلت للمختار في هذا شيئاً فأخذته من الزيات وغسلته فخرج عود نضار قد شرب الدهن وهو يبص، قال فقلت للمختار: إني كنت أكتمك شيئاً وقد بدا لي أن أذكره لك، إن أبي جعدة كان يجلس على كرسي عندنا ويروي أن فيه أثراً من علي. قال: سبحان الله أخرته إلى هذا الوقت! ابعث به، فأحضرته عنده وقد غشي، فأمر لي باثني عشر ألفاً ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال المختار: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن هذا فينا مثل التابوت. فكشفوا عنه، وقامت السبئية فكبروا.
ثم لم يلبثوا أن أرسل المختار الجند لقتال ابن زياد، وخرج بالكرسي على بغل وقد غشي، فقتل أهل الشام مقتلة عظيمة، فزادهم ذلك فتنة، فارتفعوا حتى تعاطوا الكفر، فندمت على ما صنعت وتكلم الناس في ذلك تعيبه.
وقيل: إن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة، وكانت أم جعدة أم هانىء أخت علي بن أبي طالب لأبويه: إيتوني بكرسي علي. فقالوا: والله ما هو عندنا. فقال: لتكونن حمقى، اذهبوا فأتوني به. قال: فظنوا أنهم لا يأتونه بكرسي غلا قال هذا هو وقبله منهم. فأتوه بكرسي، وقبضه منهم، وخرجت شبام وشاكر ورؤوس أصحاب المختار وقد جعلوا عليه الحرير، وكان أول من سدنه موسى بن أبي موسى الأشعري، كان يلم بالمختار لأن أمه أم كلثوم بنت الفضل بن العباس، فعتب الناس على موسى، فتركه وسدنه حوشب البرسمي حتى هلك المختار؛ وقال أعشى همدان في ذلك، شعر:
شهدت عليكم أنكم سبئيةٌ ** وإني بكم يا شرطة الشرك عارف

فأقسم ماكرسيكم بسكينةٍ ** وإن كان قد لفت عليه اللفائف

وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت ** شبامٌ حواليه ونهدٌ وخارف

وإني امرؤٌ أحببت آل محمدٍ ** وتابعت وحياً ضمنته المصاحف

وبايعت عبد الله لما تتابعت ** عليه قريشٌ شمطها والغطارف

وقال المتوكل الليثي:
أبلغ أبا إسحاق إن جئته ** أني بكرسيكم كافر

تروا شبام حول أغواده ** وتحمل الوحي له شاكر

محمرةً أعينهم حوله ** كأنهن الحمص الحادر