فصل: حوادث سنة ثمان وثمانين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

وفيها سار المعتضد من آمد بعد أن ملكهأن كما ذكرناه، إلى الرقة، فولى ابنه علياً المكتفي قنسرين، والعواصم، والجزيرة، وكاتبه النصراين واسمه الحسين بن عمرو، فكان ينظر في الأموال، فقال الخليع في ذلك:
حسين ن عمروعدوالقرآن ** يصنع في العرب ما يصنع

يقوم لهيبته المسلمون ** صفوفاً لفرد إذا يطلع

فإن قيل قد أقبل الجاثليق ** تحفى له ومشى يظلع

وفيها توفي ابن الإخشيد أمير طرسوس واستخلف أبا ثابت على طرسوس.
وفيها سار إلى الأنبار جماعة أعراب من بني شيبان، وأغاروا على القرى، وقتلوا من لحقوا من الناس، وأخذوا المواشي، فخرج إليهم أحمد بن محمد بن كمشجور متوليهأن فلم يطقهم، فكتب إلى المعتضد بذلك، فأمده بجيش، فأدركوا الأعراب وقاتلوهم، فهزمهم الأعراب وقتلوا فيهم، وغرق أكثرهم وتفرقوأن وعاث الأعراب في تلك الناحية. وبلغ خبر الهزيمة إلى المعتضد، فسير جيشاً آخر، فرحل الأعراب إلى عين التمر فأفسدوا وعاثوأن وذلك في شعبان وشهر رمضان، فوجه إليهم عسكراً آخر إلى عين التمر، فسلكوا البرية إلى نواحي الشام، فعاد العسكر إلى بغداد ولم يلقهم.
وفيها استدعى المعتضد راغباً مولى الموفق من طرسوس، فقدم عليه وهوبالرقة، فحبسه وأخذ جميع ما كان له، فمات بعد أيام من حبسه، وكان ذلك في شعبان، وقبض على بكنون غلام راغب، وأخذ ما له بطرسوس. وفيها قلد المعتضد ديوان المشرق محمد بن داود بن الجراح، وعزل عنه أحمد بن محمد بن الفرات، وقلد ديوان المغرب علي بن عيسى بن داود ابن الجراح.
وفيها توفي أبوجعفر بن إبراهيم الأمناطي، المعروف بمربع، صاحب يحيى بن معين، وكان حافظاً لحديث؛ ومحمد بن يونس الكريمي البصري.

.حوادث سنة سبع وثمانين ومائتين:

.ذكر قتل أبي ثابت أمير طرسوس وولاية ابن الأعرابي:

في هذه السنة اجتمعت الروم، وحشدت في ربيع الآخر، ووافت باب قلمية من طرسوس، فنفر أبوثابت أمير طرسوس بعد كوت ابن الإخشيد، وكان استخلفه عند موته، فبلغ أبوثابت في نفيره إلى نهر الرجان في طلبهم، فاسر أبوثابت، وأصيب الناس معه.
وكان ابن كلوب غازياً في ردب السلامة، فلما عاد جمع مشايخ الثغر ليتراضوا بأمير، فأجمعوا رأيهم على ابن الأعرابي، فولوه أمرهم، وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة.

.ذكر ظفر المعتضد بوصيف ومن معه:

في هذه السنة هرب وصيف خادم محمد بن أبي الساج من برذعة إلى ملطية من أعمال مولاه، وكتب إلى المعتضد يسأله أن يوليه الثغور، فأخذ رسله وقررهم عن سبب مفارقة وصيف مولاه، فذكروا له أنه فارقه على مواطأة منهما أنه متى ولي وصيف الثغور سار إليه مولاه، وقصدا ديار مصر وتغلبا عليها.
فسار المعتضد نحوه، فنزل العين السوداء وأراد الرحيل في طريق المصيصة، فأتته العيون فأخبروه أن وصيفاً يريد عين زربة، فسأل أهل المعرفة بذلك الطريق، وسألهم عن أقرب الطرق إلى لقاء وصيف، فأخذوه وساروا به نحوه، وقدم جمعاً من عسكره بين يديه، فلقوا وصيفاً فقاتلوه، وأخذوه أسيرأن فأحضروه عند المعتضد فحبسه، وأمر فنودي في أصحاب وصيف بالأمان، وأمر العسكر برد ما نهبوه منهم، ففعلوا ذلك.
وكانت الوقعة لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة؛ فلما فرغ منه رحل إلى المصيصة، واحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم لأنهم كاتبوا وصيفأن وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيهأن وجميع آلاتهأن وكان من جملتها نحومن خمسين مركباً قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يحصى، ولا يمكن عمل مثلهأن فأضر ذلك المسلمين، وفت في أعضادهم، وأمر الروم أن يغزوا في البحر، وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام بازمار لشيء كان في نفسه على أهل طرسوس، واستعمل على أهل الثغور الحسن بن علي كورة، وسار المعتضد إلى أنطاكية وحلب وغيرهمأن وعاد إلى بغداد.
وفيها توفيت ابنة خمارويه زوج المعتضد.

.ذكر أمر القرامطة وانهزام العباس الغنوي منهم:

في هذه السنة، في ربيع الآخر، عظم أمر القرامطة بالبحرين، وأغاروا على نواحي هجر، وقرب بعضهم من نواحي البصرة، فكتب أحمد الواثقي يسأل المدد، فسير إليه سميريات فيها ثلاثمائة رجل، وأمر المعتضد باختيار رجل ينفذه إلى البصرة، وعزل العباس بن عمرواللغوي عن بلاد فارس، وأقطعه اليمامة والبحرين، وأمره بمحاربة القرامطة وضم إليه زهاء ألفي رجل، فسار إلى البصرة، واجتمع إليه جمع كثير من المتطوعة والجند والخدم.
ثم سار إلى أبي سعيد الجنابي، فلقوه مساء، وتناوشوا القتال، وحجز بينهم الليل، فلما كان الليل انصرف عن العباس من كان معه من أعراب بني ضبة وكانوا ثلاثمائة إلى البصرة، وتبعهم مطوعة البصرة، فلما أصبح العباس باكر الحرب، فاقتتلوا قتالاً شديدأن ثم حمل نجاح غلام أحمد بن عيسى بن الشيخ من ميسرة العباس في مائة رجل على ميمنة أبي سعيد، فتوغلوا فيهم، فقتلوا عن آخرهم، وحمل الجنابي ومن معه على أصحاب العباس، فانهزموا وأسر العباس، واحتوى الجنابي على ما كان في عسكره، فلما كان من الغد أحضر الجنابي الأسرى فقتلهم جميعاً وحرقهم، وكانت الوقعة آخر شعبان.
ثم سار الجنابي إلى هجر بعد الوقعة، فدخلها وأمن أهلهأن وانصرف من سلم من المنهزمين، وهم قليل، نحوالبصرة بغير زاد، فخرج إليهم من البصرة نحوأربعمائة رجل على الرواحل، ومعهم الطعام والكسوة والماء، فلقوا بها المنهزمين، فخرج عليهم بنوأسد وأخذوا الرواحل وما عليهأن وقتلوا من سلم من المعركة، فاضطربت البصرة لذلك، وعزم أهلها على الانتقال منهأن فمنعهم الواثقي.
وبقي العباس عند الجنابي أياماً ثم أطلقه، وقال له: امض إلى صاحبك وعرفه ما رأيت؛ وحمله على رواحل، فوصل إلى بعض السواحل وركب البحر فوافى الأبلة، ثم سار منها إلى بغداد فوصلها في رمضان، فدخل على المعتضد فخلع عليه.
بلغني أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: عجائب الدنيا ثلاث: جيش العباس بن عمرو يؤسر وحده، وينجووحده، ويقتل جميع جيشه؛ وجيش عمروبن الصفار يؤسر وحده، ويسلم جميع جيشه؛ وأنا أنزل في بيتي، وتولى ابني أبوالعباس الجسرين ببغداد.
ولما أطلق أبوسعيد العباس أعطاه درجاً ملصقاً وقال له: أوصله إلى المعتضد فإن لي فيه أسراراً. فلما دخل العباس على المعتضد عاتبه المعتضد، فأوصل إليه العباس الكتاب، فقال: والله ليس فيه شيء، وإمنا أراد أن يعلمني أني أنفذتك إليه في العدد الكثير، فردك فردتً؛ وفتح الكتاب وإذ ليس فيه شيء.
وفيهأن في ذي القعدة، أوقع بدر غلام الطائي بالقرامطة، على غرة منهم، فنواحي ميسن وغيرهمأن وقتل منهم مقتلة، ثم تركهم خوفاً أن تخرب السواد، وكانوا فلاحية، وطلب رؤساءهم فقتل من ظفر به منهم.

.ذكر أسر عمرو الصفار وملك إسماعيل خراسان:

في هذه السنة، في ربيع الأول، أسر عمروبن الليث الصفار؛ وكان سبب ذلك أن عمراً أرسل إلى المعتضد برأس رافع بن هرثمة، وطلب منه أن يوليه ما وراء النهر، فوجه إليه الخلع والواء بذلك، وهوبنيسابور، فوجه لمحاربة إسماعيل بن أحمد الساماني، صاحب ما وراء النهر، محمد بن بشير، وكان خليفته وحاجبه، وأخص أصحابه بخدمته، وأكبرهم عنده، وغيره من قواده إلى آمل، فعبر إليهم إسماعيل جيجون، فحاربهم، فهزمهم، وقتل محمد بن بشير في نحوستة آلاف رجل.
وبلغ المنهزمون إلى عمرو، وهو بنيسابور، وعاد إسماعيل إلى بخارى فتجهز عمرولقصد إسماعيل، فأشار عليه أصحابه بإنفاذ الجيوش، ولا يخاطر بنفسه، فلم يقبل منهم، وسار عن نيسابور نحوبلخ، فأرسل إليه إسماعيل: أنك قد وليت دنيا عريضة، وأما في يدي ما وراء النهر، وأنا في يغر، فاقنع بما في يدك، واركني في هذا الثغر. فأبى، فذكر لعمرووأصحابه شدة العبور بنهر بلخ، فقال: لوشئت أن أسكره ببذر الأموال واعبره لفعلت.
فسار إسماعيل نحوه وعبر النهر إلى الجانب الغربي، وجاء عمروفنزل بلخ، وأخذ إسماعيل عليه النواحي لكثرة جمعه، وصار عمروكالمحاصر، وندم على ما فعل، وطلب المحاجزة، فأبى إسماعيل عليه، فاقتتلوأن فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم عمروفولى هاربأن ومر بأجمة في طريقه، فقيل له: إنها أقرب الطرق، فقال لعامة من معه: امضوا في الطريق الواضح؛ وسار هوفي نفر يسير، فدخل الأجمة، فوحلت به دابته فلم يكن له في نفسه حيلة، ومضى من معه ولم يعرجوا عليه، وجاء أصحاب إسماعيل فأخذوه أسيرأن فسيره إسماعيل إلى سمرقند.
ولما وصل الخبر إلى المعتضد ذم عمراً ومدح إسماعيل، ثم إن إسماعيل خبير عمراً بين مقامه عنده، أوإنفاذه إلى المعتضد، فاختار المقام عند المعتضد، فسيره إليه، فوصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين، فلما وصل ركب على جمل وأدخل بغداد، ثم حبس، فبقي محبوساً حتى قتل سنة تسع وثمانين على ما نذكره.
وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بالخلع، وولاه ما كان بيد عمرو، وخلع على نائبه بالحضرة المعروف بالمرزباني، واستولى إسماعيل على خراسان وصارت بيده.
وكان عمروأعور شديد السمرة، عظيم السياسة، قد منع أصحابه وقواده أن يضرب أحد منهم غلاماً إلا بأمره، أويتولى عقوبة الغلام نائبه، أوأحد حجابه، وكان يشتري المماليك الصغار، ويربيهم، ويهبهم لقواده ويجري عليهم الجرايات الحسنة سرأن ليطالعوا بأحوال قواده، ولا ينكتم عنه من أخبارهم شيء، ولم يكونوا يعلمون من ينقل إليه عنهم، فكان أحدهم يحذره وهووحده.
حكي عنه أنه كان له عامل بفارس يقال له أبوحصين، فسخط عليه بمرو، وألزمه أن يبيع أملاكه ويوصل ثمنها إليه، ففعل ذلك، ثم طلب منه مائة ألف درهم، فإن أداها في ثلاثة أيام وإلا قتله، فلم يقدر على شيء منهأن فأرسل إلى أبي سعيد الكاتب يطلب منه أن يجتمع به، فأذن له، فاجتمع به، وعرفه ضيق يده وسأله أن يضمنه ليخرج من محبسه ويسعى في تحصيل المبلغ المطلوب منه، ففعل وأخرجه، فلم يفتح عليه بشيء، فعاد إلى أبي سعيد الكاتب، فبلغ خبره عمرأن فقال: والله ما أدري من أيهما أعجب، من أبي سعيد فيما فعل من بذل مائة ألف درهم، أم من أي حصين كيف عاد وقد علم أنه القتل! ثم أمر بإطلاق ما عليه ورده إلى منزله.
وحكي عنه أنه كان يحمل أحمالاً كثيرة من الجرب، ولا يعلم أحد ما مراده، فاتفق في بعض السنين أنه قصد طائفة من العصاة عليه للإيقاع بهم، فسلك طريقاً لا تظن العصاة أنهم يؤتون منه، وكان في طريقه واد، فأمر بتلك الجرب فملئت تراباً وحجارأن ونضد بعضها إلى بعض، وجعلها طريقاً في الوادي، فعبر أصحابه عليهأن وأتاهم وهم آمنون فأثخن فيهم وبلغ منهم ما أراد.
وحكي أيضاً أن أكفر حجابه كان اسمه محمد بن بشير، وكان يخلفه في كثير من أموره العظام، فدخل عليه يومأن وأخذ يعدد عليه ذنوبه، فحلف محمد بالله والطلاق والعتق أنه لا يملك إلا خمسين بدرة، وهويحملها إلى الخزانة، ولا يجعل له ذنباً لم يعلمه، فقال عمرو: ما أعقلك من رجل! احملها إلى الخزانة فحملهأن فرضي عنه، وما أقبح هذا من فعل وشره إلى أموال من أذهب عمره في خدمته!

.ذكر قتل محمد بن زيد العلوي:

في هذه السنة قتل محمد بن زيد العلوي، صاحب طبرستان والديلم.
وكان سبب قتله أنه لما اتصل به أسر عمروبن الليث الصفار خرج من طبرستان نحوخراسان ظناً منه أن إسماعيل الساماني لا يتجاوز عمله، ولا يقصد خراسان، وانه لا دافع له عنها.
فلما سار إلى جرجان أرسل إليه إسماعيل، وقد استولى على خراسان، يقول له: الزم عملك، ولا تتجاوز عمله، ولا تقصد خراسان؛ وترك جرجان له، فأبى ذلك محمد، فندب إليه إسماعيل بن أحمد محمد بن هارون، ومحمد هذا كان يخلف رافع بن هرثمة أيام ولايته خراسان، فجمع محمد جمعاً كثيراً من فارس وراجل، وسار نحومحمد بن زيد، فالتقوا على باب جرجان، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزم محمد بن هارون أولاً ثم رجع وقد تفرق أصحاب محمد بن زيد في الطلب، فلما رأوه قد رجع إليهم ولوا هاربين، وقتل منهم بشر كثير، وأصابت ابن زيد ضربات، وأسر ابنه زيد، وغمن ابن هارون عسكره وما فيه، ثم مات محمد بن زيد بعد أيام من جراحاته التي أصابته، فدفن على باب جرجان.
وحمل ابنه زيد بن محمد إلى إسماعيل بن احمد، فأكرمه ووسع في الإنزال عليه، وأنزله بخارى، وسار محمد ين هارون إلى طبرستان.
وكان محمد بن زيد فاضلأن أديبأن شاعرأن عارفأن حسن السيرة، قال أبوعمر الأسترباذي: كنت أورد على محمد بن زيد أخبار العباسيين، فقلت له: إنهم قد لقبوا أنفسهم، فإذا ذكرتهم عندك أسميهم أوألقبهم؟ فقال: الأمر موسع عليك، سمهم ولقبهم بأحسن ألقابهم وأسمائهم، وأحبها إليهم.
وقيل: حضر عنده خصمان أحدهما اسمه معاوية والآخر اسمه علي، فقال: الحكم بينكما ظاهر، فقال معاوية: إن تحت هذين الاسمين خبرأن قال محمد: وما هو؟ قال: إن أبي كان من صادقي الشيعة، فسماني معاوية لينفي شر النواصب، وإن أبا هذا كان ناصبيأن فسماع علياً خوفاً من العلوية والشيعة، فتبسم إليه محمد، واحسن إليه وقربه.
وقيل: استأذن عليه جماعة من أضراء الشيعة وقرائهم، فقال: ادخلوأن فإنه لا يحبنا كل كسير وأعور.

.ذكر ولاية أبي العباس صقلية:

كان إبراهيم ابن الأمير أحمد أمير إفريقية قد استعمل على صقلية أبا مالك أحمد بن عمر بن عبد الله، فاستضعفه، فولى بعده ابنه أبا العباس بن إبراهيم ابن أحمد بن الأغلب، فوصل إليها غرة شعبان من هذه السنة في مائة وعشرين مركباً وأربعين حربي، وحصر طرابلس.
واتصل خبره بعسكر المسلمين بمدينة بلرم وهم يقاتلون أهل جرجنت، فعادوا إلى بلرم، وأرسلوا جماعة من شيوخهم إليه بطاعتهم، واعتذروا من قصدهم جرجنت، ووصل إليه جماعة من أهل جرجنت، وشكوا منهم واخبروه أنهم خالفون عليه، وانهم إمنا سيروا مشايخهم خديعة ومكرأن وأنهم لا إيمان لهم ولا عهد؛ وإن شئت أن تعلم مصداق هذا فاطلب إليك منهم فلاناً وفلاناً.
فأرسل إليهم يطلبهم فامتنعوا من الحضور عنده، وخالفوا عليه، واظهروا ذلك، فاعتقل الشيوخ الواصلين إليه منهم، واجتمع أهل بلرم وساروا إليه منتصف شعبان، ومقدمهم مسعود الباجي، وأمير السفهاء منهم ركموية، وصحبهم ثم أسطول في البحر نحوثلاثين قطعة، فهاج البحر على الأسطول، فعطب أكثره، وعاد الباقي إلى بلرم.
وأما العسكر الذين في البر فإنهم وصلوا إليه وهوعلى طرابلس، فاقتتلوا أشد قتال، فقتل من الفريقين جماعة وافترقوأن ثم عاودوا القتال في الثاني والعشين، فانهزم أهل بلرم وقت العصر وتبعهم أبوالعباس إلى بلرم براً وبحراً فعاودوا قتاله عاشر رمضان من بكرة إلى العصر، فانهزم أهل البلد، ووقع القتل فيهم إلى المغرب، واستعمل أبوالعباس على أرباضهأن ونهبت الأموال، وهرب كثير من الرجال والنساء إلى طبرمين، وهرب ركمويه وأمثاله من رجال الحرب إلى بلاد النصرانية، كالقسطنطينية وغيرهأن وملك أبوالعباس المدينة، ودخلهأن وأمن أهلهأن وأخذ جماعة من وجوه أهلها فوجههم إلى أبيه بإفريقية.
ثم رحل إلى طبرمين، فقطع كرومها وقاتلهم، ثم رحل إلى قطانية فحصرهأن فلم ينل منها غرضأن فرجع إلى المدينة وأقام إلى أد دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين فتجهز للغزو، وطاب الزمان، وعمر الأسطول وسيره أول ربيع الآخر ونزل على دمنش، ونصب عليها المجانيق، وأقام أياماً.
ثم انصرف إلى مسيني، وجاز في الحربية إلى ريو، وقد اجتمع بها كثير من الروم، فقاتلهم على باب المدينة، وهزمهم، وملك المدينة بالسيف في رجب، وغمن من الذهب والفضة ما لأحد، وشحن المراكب بالدقيق والأمتعة، ورجع إلى مسيني وهدم سورهأن ووجد بها مراكب قد وصلت من القسطنطينية، فأخذ منها ثلاثين مركباً ورجع إلى المدينة، وأقام إلى سنة تسع وثمانين، فأتاه كتاب أبيه إبراهيم يأمره بالعود إلى إفريقية، فرجع إليها جريدة في خمس قطع شواني، وترك العسكر مع ولديه أبي مضر وأبي معد.
فلما وصل إلى إفريقية استخلفه أبوه بهأن وسار هوإلى صقلية مجاهدأن عازماً على الحج بعد الجهاد، فوصلها في رجب سنة سبع وثمانين ومائتين، وقد ذكرنا خبره سنة إحدى وستين ومائتين.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة جمعت طي من قدرت عليه من الأعراب، وخرجوا على قفل الحاج، فواقعوهم بالمعدن، وقاتلوهم يومين بين الخميس والجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة، فانهزم العرب وقتل كثير وسلم الحاج.
وفيها مات إسحاق بن أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب العدوي، عدي ربيعة، أمير ديار ربيعة من بلاد الجزيرة، فولي مكانه عبد الله بن الهيثم ابن عبد الله بن المعتمر.
وفيها توفيت قطر الندى ابنة خمارويه بن احمد بن طولون، صاحب مصر، وهي امرأة المعتضد. وحج بالناس هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود.
وفيها استعمل المعتضد عيسى النوشري، وهوأمير أصبهان، على بلاد فارس، وأمره بالمسير إليه.
وفيها توفي فهد بن أحمد فهد الأزدي الموصلي، وكان من الأعيان؛ وعلي بن عبد العزيز البغوي، توفي صاحب أبي عبيد القاسم ابن سلام، بالتشديد.

.حوادث سنة ثمان وثمانين ومائتين:

في هذه السنة وقع الوباء بأذربيجان فمات منه خلق كثير إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى، وكانوا يتركونهم على الطرق غير مكفنين ولا مدفنين. وفيها توفي محمد بن أبي الساج بأذربيجان في الوباء الكثير المذكور، فاجتمع أصحابه، فولوا ابنه ديوداد، واعتزلهم عمه يوسف بن أبي الساج مخالفاً لهم، فاجتمع إليه نفر يسير، فأوقع بابن أخيه ديوداد وهوعسكر أبيه فهزمه، وعرض عليه يوسف المقام معه فأبى، وسلك طريق الموصل إلى بغداد، وكان ذلك في رمضان.
وفيهأن في صفر، دخل طاهر بن محمد بن عمروبن الليث بلاد فارس في عسكره وأخرجوا عنها عامل الخليفة، فكتب الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني إلى طاهر يذكر له أن الخليفة المعتضد قد ولاه سجستان، وأنه سائر إليهأن فعاد طاهر لذلك.
وفيها ولى المعتضد مولاه يدراً فارس، وأمره بالشخوص إليها لما بلغه أن طاهراً تغلب عليهأن فسار إليها في جيش عظيم في جمادى الآخرة، فلما قرب من فارس تنحى عنها من كان بها من أصحاب طاهر، فدخلها بدر، وجبى خراجهأن وعاد طاهر إلى سجستان، كما ذكرناه من مراسلة إسماعيل الساماني إليه بأنه يريد يقصد سجستان.
وفيها تغلب بعض العلويين على صنعاء، فقصده بنويعفر في جمع كثير فقاتلوه، فهزموه، ونجا هارباً في نحوخمسين فارسأن وأسروا ابناً له، ودخلها بنويعفر، وخطبوا فيها للمعتضد.
وفيها سير الحسين بن علي كورة صاحبه نزار بن محمد إلى صائفة الروم، فغزأن وفتح حصوناً كثيرة للروم، وعاد ومعه الأسرى، ثم إن الروم ساروا في البر والبحر إلى ناحية كيسوم، فأخذوا من المسلمين أكثر من خمسة عشر ألفاً وعادوا.
وفيها قرب أصحاب أبي سعيد الجنابي من البصرة، فخاف أهلهأن وهموا بالهرب منهم، فمنعهم من ذلك واليهم.
وفيهأن في ذي الحجة، قتل وصيف خادم ابن أبي الساج، وصلبت جثته ببغداد، وقيل إنه مات ولم يقتل. وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد المكنى أبا بكر.
وفيهأن في ربيع الآخر، توفي عبيد الله بن سليمان الوزير، فعظم موته على المعتضد، وجعل ابنه أبا الحسين بن عبيد الله بعد أبيه في الوزارة.
وفيها توفي إبراهيم وبشر بن موسى الأسدي، وهومن الحفاظ للحديث.
وفيهأن في صفر، توفي ثابت بن قرة بن سنان الصابي الطبيب المشهور، ومعاذ بن المثنى.

.حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين:

.ذكر أخبار القرامطة بالشام:

في هذه السنة ظهر بالشام رجل من القرامطة، وجمع جموعاً من الأعراب، وأتى دمشق، وأميرها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون، وكانت بينهما وقعات.
وكان ابتداء حال هذا القرمطي أن زكرويه بن مهرويه الذي ذكرنا أنه داعية قرمط هذأن لما رأى أن الجيوش من المعتضد متتابعة إلى من بسواد الكوفة من القرامطة، فإن القتل قد أبادهم، سعي باستغواء من قرب من الكوفة عن الأعراب: أسد وطي وغيرهم، فلم يجبه منهم أحد، فأرسل أولاده إلى كلب بن وبرة فاستعوزهم، فلم يجبهم منهم إلا الفخذ المعروف ببني العليص بن ضمضم بن عدي بن خباب ومواليهم خاصة، فبايعوا في سنة تسع وثمانين ومائتين، بناحية السماوة، ابن زكرويه، المسمى بيحيى، المكنى أبا القاسم، فلقبوه الشيخ، وزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقيل: لم يكن لمحمد بن إسماعيل ولد اسمه عبد الله، وزعم أن له بالبلاد مائة ألف تابع، وأن ناقته التي يركبها مأمورة، فإذا تبعوها في مسيرها نصروأن وأظهر عضداً له ناقصة وذكر أنه ابنه، وأتاه جماعة من بني الأصبع، وسموا الفاطميين، ودانوا بدينه، فقصدهم شبل غلام المعتضد من ناحية الرصافة فاغتروه فقتلوه، وأحرقوا مسجد الرصافة، واعترضوا كل قرية اجتازوا بهأن حتى بلغوا هارون بن خمارويه التي قوطع عليها طغج بن جف، فأكثروا القتل بها والغارة، فقاتلهم طغج، فهزموه غير مرة.

.ذكر أخبار القرامطة بالعراق:

وفيها انتشر القرامطة بسواد الكوفة، فوجه المعتضد شبلاً غلام أحمد بن محمد الطائي، وظفر بهم، وأخذ رئيساً لهم يعرف بأبي الفوارس، فسيره إلى المعتضد، فأحضره بين يديه وقال له: أخبرني! هل تزعمون أن روح الله تعالى وروح أنبيائه تحل في أجسادكم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل؟ فقال له: يا هذا إن حلت روح الله فينا فيما يضرك؟ وإن حلت روح إبليس فما ينفعك؟ فلا تسأل عما لا يعنيك وسل عما يخصك.
فقال: ما تقول فيما يخصني؟ قال أقول: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما ت وأبوكم العباس حي، فهل طالب بالخلافة أم هل بايعه أحد من الصحابة على ذلك؟ ثم مات أبوبكر فاستخلف عمر، وهويرى موضع العباس، ولم يوص إليه، ثم مات عمر وجعلها شورى في ستة أنفس، ولم يوص إليه، ولا أدخله فيهم، فبماذا تستحقون أنتم الخلافة؟ وقد اتفق الصحابة على دفع جدل عنها.
فأمر به المعتضد فعذب، وخلعت عظامه، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم قتل.