فصل: حوادث سنة تسع وعشرين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة أعطى الواثق أشناس تاجاً ووشاحين.
وفيها مات أبوتمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر.
وفيها غلا السعر بطريق مكة، فبلغ الخبز كل رطل بدرهم، وراوية الماء بأربعين درهمأن وأصاب الناس في الموقف حر شديد، ثم أصابهم مطر فيه برد، واشتد البرد عليهم بعد ساعة من ذلك الحر وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة، فقتلت عدة ن الحجاج.
وحج بالناس محمد بن داود.
وفيها توفي عبد الملك بن مالك بن عبد العزيز أبونصر التمار الزاهد، وكان عمره إحدى وتسعين سنة، وكان قد أضر، ومحمد بن عبد الله بن عمر ابن معاوية بن عمروبن عتبة بن أبي سفيان العتبي الأموي البصري أبوعبد الرحمن، وكان عالماً بالأخبار والآداب، وأبوسليمان داود الأشقر السمسار المحدث.

.حوادث سنة تسع وعشرين ومائتين:

في هذه السنة حبس الواثق الكتاب، وألزمهم أموالاً عظيمة، وأخذ من أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن ضربه، ومن سليمان بن وهب كاتب إيتاخ أربع مائة ألف دينار، ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار، ومن إبراهيم بن رياح وكتابه مائة ألف دينار، ومن أحمد بن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار، ومن نجاح ستين ألف دينار، ومن أبي الوزير مائة ألف وأربعين ألف دينار.
وكان سبب ذلك أنه جلس ليلة مع أصحابه، فسألهم عن سبب نكبة البرامكة، فحكى له عرود بن عبد العزيز الأنصاري أن جارية لعدول الخياط أراد الرشيد شراءهأن فاشتراها بمائة ألف دينار، وأرسل إلى يحيى ابن خالد أن يعطيه ذلك، فقال يحيى: هذا مفتاح سوء، إذا أخذ ثمن جارية بمائة ألف دينار، فهوأحرى أن يطلب المال على قدر ذلك، فأرسل يحيى إليه: إنني لا أقدر على هذا المال؛ فغضب الرشيد، وأعاد: لا بد منهأن فأرسل يحيى قيمتها دراهم، فأمر أن تجعل على طريق الرشيد ليستكثرهأن ففعل ذلك، فاجتاز الرشيد بهأن فسأل عنهأن فقيل: هذا ثمن الجارية، فاستكثرها فأمر برد الجارية، وقال لخادم له: اضمم إليك هذا المال، واجعل لي بيت مال لأضم إليه ما أريد، وسماه بيت مال العروس، واخذ في التفتيش عن الأموال، فوجد البرامكة قد فرطوا فيها.
وكان يحضر عنده مع سماره رجل يعرف بأبي العود له أدب، فأمر ليلة له بثلاثين ألف درهم، فمطله بها يحيى، فاحتال أبوالعود في تحريض الرشيد على البرامكة وكان قد شاع تغير الرشيد عليهم، فبيمنا هوليلة عند الرشيد يحدثه، وساق الحديث إلى أن أنشده قول عمر بن أبي ربيعة:
وعدت هند، وما كانت تعد ** ليت هنداً أنجزتنا ما تعد

واستبدت مرة واحدة ** إمنا العاجز من لا يستبد

فقال الرشيد: أجل إمنا العاجز من لا يستبد.
وكان يحيى قد اتخذ من خدام الرشيد خادماً يأتيه بأخباره، فعرفه ذلك، فأحضر أبا العود، وأعطاه ثلاثين ألف درهم، ومن عنده عشرين ألف درهم، وأرسل إلى ابنيه الفضل وجعفر، فأعطاه كل واحد منهما عشرين ألفاً؛ وجد الرشيد في أمرهم حتى أخذهم، فقال الواثق: صدق والله جدي، إمنا العاجز من لا يستبد، وأخذ في ذكر الخيانة وما يستحق أهلهأن فلم يمض غير أسبوع حتى نكبهم.
وفيها ولي شيرياسبان لإيتاخ اليمن، وسار إليها.
وفيها تولى محمد بن صالح بن العباس المدينة، وحج بالناس محمد بن داود.
وفيها توفي خلف بن هشام البزار المقرئ في جمادى الأولى. البزار بالزاي المعجمة والراء المهملة.

.حوادث سنة ثلاثين ومائتين:

.ذكر مسير بغا إلى الأعراب:

وفي هذه السنة وجه الواثق بغا الكبير إلى الأعراب الذين أغاروا بنواحي المدينة.
وكان سبب ذلك أن بني سليم كانت تفسد حول المدينة بالشر، ويأخذون مهما أرادوا من الأسواق بالحجاز بأي سعر أرادوأن وزاد الأمر بهم إلى أن وقعوا بناس من بني كنانة وباهلة، فأصاوهم، وقتلوا بعضهم في جمادى الآخرة من سنة ثلاثين ومائتين، فوجه محمد بن صالح عامل المدينة إليهم حماد بن جرير الطبري، وكان مسلحة لأهل المدينة، في مائتي فارس، وأضاف إليهم جنداً غيرهم، وتبعهم متطوعة، فسار إليهم حماد، فلقيهم بالرويثة، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزمت سودان المدينة بالناس، وثبت حماد وأصحابه، وقريش والأنصار، وقاتلوا قتالاً عظيمأن فقتل حماد وعامة أصحابه وعدد صالح من قريش والأنصار، وأخذ بنوسليم الكراع، والسلاح، والثياب، فطعموأن ونهبوا القرى والمناهل ما بين مكة والمدينة، وانقطع الطريق.
فوجه إليهم الواثق بغا الكبير أبا موسى في جمع من الجند، فقدم المدينة في شعبان، فلقيهم ببعض مياه الحرة من رواء السوارقية قريتهم التي يأوون إليهأن وبها حصون، فقتل بغا منهم نحواً من خمسين رجلأن وأسر مثلهم، وانهزم الباقون، وأقام بغا بالسوارقية، ودعاهم إلى الأمان على حكم الواثق، فأتوه متفرقين، فجمعهم، وترك من يعرف بالفساد، وهم زهاء ألف رجل، وخلى سبيل الباقين، وعاد بالأسرى إلى المدينة في ذي العقدة سنة ثلاثين، فحبسهم ثم سار إلى مكة.
فلما قضى حجه سار إلى ذات عرق بعد انقضاء الموسم،وعرض على بني هلال مثل الذي عرض على بني سليم، فأقبلوأن وأخذ من المفسدين نحواً من ثلاثمائة رجل، وأطلق الباقين، ورجع إلى المدينة، فحبسهم.

.ذكر وفاة عبد الله بن طاهر:

وفيها مات عبد الله بن طاهر بنيسابور في ربيع الأول، وهوأمير خراسان، وكان إليه الحرب، والشرطة، والسواد، والري، وطبرستان، وكرمان، وخراسان، وما يتصل بها؛ وكان خراج هذه الأعمال، يوم مات، ثمانية وأربعين ألف ألف درهم، وكان عمره ثمانياً وأربعين سنة، وكذلك عمر والده طاهر، واستعمل الواثق على أعماله كلها ابنه طاهر بن عبد الله.

.ذكر شيء من سيرة عبد الله بن طاهر:

لما ولي عبد الله خراسان استناب بنيسابور محمد بن حميد الطاهري، فبنى داراً وخرج بحائطها في الطريق، فلما قدمها عبد الله جمع الناس، وسألهم عن سيرة محمد، فسكتوأن فقال بعض الحاضرين: سكوتهم يدل على سوء سيرته، فعزله عنهم، وأمره بهدم ما بنى في الطريق.
وكان يقول: ينبغي أن يبذل العلم لأهله وغير أهله، فإن العلم أمنع لنفسه من أن يصير إلى غير أهله.
وكان يقول: سمن الكيس، ونيل الذكر لا يجتمعان أبداً.
وكان له جلساء منهم الفضل بن محمد بن منصور، فاستحضرهم يومأن فحضروأن وتأخر الفضل، ثم حضر، فقال له: أبطأت عني، فقال: كان عندي أصحاب حوائج وأردت دخول الحمام، فأمره عبد الله بدخول حمامه، وأحضر عبد الله الرقاع التي في حقه، فوقع فيها كلها بالإجابة، وأعادهأن ولم يعلم الفضل.
وخرج من الحمام، واشتغلوا يومهم، وبكر أصحاب رقاع إليه، فاعتذر إليهم، فقال بعضهم: أريد رقعتي، فأخرجها ونظر فيهأن فرأى خط عبد الله فيهأن فنظر في الجميع، فرأى خطه فيهأن فقال لأصحابه: خذوا رقاعكم، فقد قضيت حاجاتكم، واشكروا الأمير دوني، فما كان لي فيها سبب. وكان عبد الله أديباً شاعرأن فمن شعره:
إسم من أهواه اسم حسن ** فإذا صحفته فهوحسن

فإذا أسقطت منه فاءه، ** كان نعتاً لهواه المختزن

فإذا أسقطت منه ياءه، ** صار فيه بعض أسباب الفتن

فإذا أسقطت منه راءه، ** صار شيئاً يعتري عند الوسن

فإذا أسقطت منه طاءه، ** صار منه عيش سكان المدين

فسروا هذا فلن يعرفه ** غير من يسبح في بحر الفطن

وهذا الاسم هواسم طريف غلامه.
وكان من أكثر الناس بذلاً للمال مع علم، ومعرفة، وتجربة، واكثر الشعراء في مراثيه، فمن أحسن ما قيل فيه، في ولاية أبيه طاهر، قول أبي الغمر الطبري:
فأيامك الأعياد صارت مآتماً ** وساعاتك الغضبات صارت خواشعا

على أننا لم نفتقدك بطاهر ** وإن كان خطباً يقلق القلب راتعاً

وما كنت إلا الشمس غابت وأطلعت ** على إثرها بدراً على الناس طالعاً

وما كنت إلا الطود زال مكانه ** وأثبت في مثواه ركناً مدافعاً

فلولا التقى قلنا تناسختما معاً ** بديعي معان يفضلان البدائعا

.ذكر خروج المشركين إلى بلاد المسلمين بالأندلس:

في هذه السنة خرج المجوس من أقاصي بلاد الأندلس في البحر إلى بلاد المسلمين، وكان ظهورهم في ذي الحجة سنة تسع وعشرين، عند أشبونة، فأقاموا ثلاثة عشر يومأن بينهم وبين المسلمين بها وقائع، ثم ساروا إلى قادس ثم إلى شدونة، فكان بينهم وبين المسلمين بها وقائع.
ثم ساروا إلى إشبيلية ثامن المحرم، فنزلوا على اثني عشر فرسخاً منهأن فخرج إليهم كثير من المسلمين، فالتقوأن فانهزم المسلمون ثاني عشر المحرم، وقتل كثير منهم، ثم نزلوا على ميلين من إشبيلية، فخرج أهلها إليهم، وقاتلوهم، فانهزم المسلمون رابع عشر المحرم، وكثر القتل والأسر فيهم، ولم ترفع المجوس السيف عن أحد، ولا عن دابة، ودخلوا حاجز إشبيلية وأقاموا به يوماً وليلة وعادوا إلى مراكبهم.
وأقام عسكر عبد الرحمن؛ صاحب البلاد، مع عدة من القواد، فتبادر إليهم المجوس، فثبت المسلمون، وقاتلوهم، فقتل من المشركين سبعون رجلاً وانهزموأن حتى دخلوا مراكبهم، وأحجم المسلمون عنهم؛ فسمع عبد الرحمن، فسير جيشاً آخر غيرهم، فقاتلوا المجوس قتالاً شديدأن فرجع المجوس عنهم، فتبعهم العسكر ثاني ربيع الأول، وقاتلوهم، وأتاهم المدد من كل ناحية، ونهضوا لقتال المجوس من كل جانب، فخرج إليهم المجوس وقاتلوهم، فكاد المسلمون ينهزمون، ثم ثبتوأن فترجل كثير منهم فانهزم المجوس، وقتل نحوخمس مائة رجل، وأخذوا منهم أربعة مراكب، فأخذوا ما فيهأن واحرقوهأن وبقوا أياماً لا يصلون إلى المجوس، لأنهم في مراكبهم.
ثم خرج المجوس إلى لبلة، فأصابوا سبياً؛ ثم نزل المجوس إلى جزيرة قريب قوريس، فنزلوهان وقسموا ما كان معهم من الغنيمة، فحمي المسلمون، ودخلوا إليهم في النهر، فقتلوا من المجوس رجلين، ثم رحل المجوس، فطرقوا شدونة فغمنوا طعمة وسبيأن وأقاموا يومين.
ثم وصلت مراكب لعبد الرحمن، صاحب الأندلس، إلى إشبيلية، فلما أحس بها المجوس لحقوا بلبلة، فأغاروأن وسبوأن ثم لحقوا بأكشونية. ثم مضوا إلى باجة، ثم انتقلوا إلى مدينة أشبونة، ثم ساروأن فانقطع خبرهم عن البلاد فسكن الناس.
وقد ذكر بعض مؤرخي العرب سنة ست وأربعين خروج المجوس إلى إشبيلية أيضأن وهي شبيهة بهذه ثم فلا أعلمه أهي هذه وقد اختلفوا في وقتها أم هي غيرهأن وما أقرب أن تكون هي هي، وقد ذكرتها هناك لان في كل واحدة منهما شيئاً ليس في الأخرى.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة مات محمد بن سعد بن منيع أبوعبد الله، كاتب الواقدي، صاحب الطبقات، ومحمد بن يزداد بن سويد المروزي، كاتب المأمون، وعلي بن الجعد أبوالحسن الجوهري، وكان عمره ستاً وتسعين سنة، وهومن مشايخ البخاري، وكان يتشيع.
وفيها مات أشناس التركي، بعد موت عبد الله بن طاهر بتسعة أيام، وحج هذه السنة إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وإليه أحداث الموسم، وحج بالناس هذه السنة محمد بن داود.

.حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين:

.ذكر ما فعله بغا بالأعراب:

في هذه السنة قتل أهل المدينة من كان في حبس بغا من بني سليم وبني هلال.
وكان سبب ذلك أن بغا لما حبس من أخذه من بني سليم وبني سليم وبني هلال بالمدينة، وهم ألف وثلاثمائة، وكان سار عن المدينة إلى بني مرة، فنقبت الأسرى الحبس ليخرجوأن فرأت امراة النقب، فصرخت بأهل المدينة، فجاؤوأن فوجدوهم قد قتلوا المتوكلين، وأخذوا سلاحهم، فاجتمع عليهم أهل المدينة، ومنعوهم الخروج، وباتوا حول الدار، فقاتلوهم، فلما كان الغد قتلهم أهل المدينة، وقتل سودان المدينة كل من لقوه بها من الأعراب ممن يريد المبرة، فلما قدم بغا وعلم بقتلهم شق ذلك عليه.
وقيل إن السجان كان قد ارتشي منهم ليفتح لهم الباب، فجعلوا قبل ميعاده، وكانوا يرتجزون:
الموت خير للفتى من العار ** قد اخذ البواب ألف دينار

وكان سبب غيبة بغا عنهم أن فزارة ومرة تغلبوا على فدك، فلما قاربهم أرسل إليهم رجلاً من قواده يعرض عليهم الأمان، ويأتيه بأخبارهم، فلما أتاهم الفزاري حذرهم سطوته، فهربوأن وخلوا فدك، وقصدوا الشام.
وأقام بغا بحيفا، وهي من حد عمل الشام مما يلي الحجاز، نحواً من أربعين ليلة، ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر به من بني مرة وفزارة.
وفيها سار إلى بغا من بطون غطفان، وفزارة، وأشجع، وثعلبة، جماعة، وكان أرسل إليهم، فلما أتوه استحلفهم الأيمان المؤكدة أن لا يتخلفوا عنه متى دعاهم، فحلفوأن ثم سار إلى ضرية لطلب بني كلاب، فأتاه منهم نحومن ثلاثة آلاف رجل، فحبس من أهل الفساد نحواً من ألف رجل، وخلى سائرهم، ثم قدم بهم المدينة في شهر روضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، فحبسهم، ثم سار إلى مكة فحج، ثم رجع إلى المدينة.

.ذكر أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي:

وفي هذه السنة تحرك ببغداد قوم مع احمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي، وجده مالك أحد نقباء بني العباس، وقد تقدم ذكره.
وكان سبب هذه الحركة أن أحمد بن نصر كان يغشاه أصحاب الحديث كابن معين، وابن الدورقي، وأبي زهير، وكان يخالف من يقول القرآن مخلوق، ويطلق لسانه فيه، مع غلظة بالواثق، وكان يقول، إذا ذكر الواثق: فعل هذا الخنزير، وقال هذا الكافر، وفشا ذلك؛ فكان يغشاه رجل يعرف بأبي هارون الشداخ وآخر يقال له طالب، وغيرهمأن ودعوا الناس إليه، فبايعوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرق أبوهارون وطالب في الناس مالاً فأعطيا كل رجل دينارأن واتعدوا ليلة الخميس لثلاث خلت من شعبان ليضربوا الطبل فيهأن ويثوروا على السلطان.
وكان أحدهما في الجانب الشرقي من بغداد والآخر في الجانب الغربي، فاتفق أن ممن بايعهم رجلين من بني الأشرس شربا نبيذاً ليلة الأربعاء، قبل الموعد بليلة، فلما اخذ منهم ضربوا الطبل فلم يجبهم أحد.
وكان إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة غائباً عن بغداد، وخليفته أخوه محمد بن إبراهيم، فأرسل إليهم محمد يسألهم عن قصتهم، فلم يظهر أحد، فدل على رجل يكون في الحمام مصاب العين، يعرف بعيسى الأعور، فأحضره وقرره، فأقر على بني الأشرس، وعلى أحمد بن نصر، وغيرهمأن فأخذ بعض من سمي، وفيهم طالب، وأبوهارون، ورأى في منزل بني الأشرس علمين أخضرين، ثم أخذ خادماً لأحمد بن نصر، فقرره، فأقر بمثل ما قال عيسى، فأرسل إلى أحمد بن نصر فأخذه وهوفي الحمام، وحمل إليه، وفتش بيته، فلم يوجد فيه سلاح، ولا شيء من الآلات، فسيرهم محمد بن إبراهيم إلى الواثق مقيدين على أكف بغال ليس تحتهم وطاء إلى سامرا.
فلما علم الواثق بوصولهم جلس لهم مجلساً عاماً فيه أحمد بن أبي دؤاد، وكان كارهاً لقتل احمد بن نصر، فلما حضر أحمد عند الواثق، لم يذكر له شيئاً من فعله والخروج عليه، ولكنه قال له: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله، وكان أحمد قد استقتل، فتطيب، وتنور؛ وقال الواثق: أمخلوق هو؟ قال: كلام الله. قال: فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة؟ قال: يا أمير المؤمنين! قد جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر، قال: لا تضامون في رؤيته، فنحن على الخبر، وحدثني سفيان بحديث رفعه: أن قبل ابن آدم المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يدعو: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك.
قال إسحاق بن إبراهيم: انظر ما يقول. قال: أنت أمرتني بذلك، فخاف إسحاق وقال: أنا أمرتك؟ قال: نعم، أمرتني أن أنصح له، ونصيحتي له أن لا يخالف حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون فيه؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق، وكان قاضياً على الجانب الغربي: وعزك يا أمير المؤمنين هوحلال الدم.
وقال بعض أصحاب ابن أبي دؤاد: اسقني دمه، وقال ابن أبي دؤاد: هوكافر يستتاب لعل به عاهة ونقص عقل، كأنه كره أن يقتل بسببه، فقال الواثق: إذا رأيتموني قد قمت إليه فلا يقومن أحد، فإني أحتسب خطاي إليه.
ودعا بالصمصامة سيف عمروبن معدي كرب الزبيدي، ومشى إليه، وهوفي وسط الدار على نطع، فضربه على حبل عاتقه، ثم ضربه خر على رأسه، ثم ضرب سيما الدمشقي رقبته، وحز رأسه، وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه، وحمل حتى صلب عند بابك، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب بهأن وأقيم عليه الحرس، وكتب في أذنه رقعة: هذا رأس الكافر، المشرك الضال، احمد بن نصر؛ وتتبع أصحابه، فجعلوا في الحبوس.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة أراد الواثق الحج، فوجه عمر بن فرج لإصلاح الطريق، فرجع وأخبره بقلة الماء فبدا له.
وفيها ولى جعفر بن دينار اليمن، فسار في شعبان، وحج في طريقه، وكان معه أربعة آلاف فارس وألفا رجل.
وفيها نقب اللصوص بيت المال الذي في دار العامة، وأخذوا اثنين وأربعين ألف درهم وشيئاً يسيراً من الدنانير، ثم تتبعوا وأخذوا بعد ذلك.
وفيها خرج محمد بن عبد الله الخارجي التغلبي في ثلاثة عشر رجلاً في ديار ربيعة، فخرج إليه غامن بن أبي مسلم بن أحمد الطوسي، وكان على حرب الموصل، في مثل عدته، فقتل من الخوارج أربعة، وأخذ محمد بن عبد الله أسيرأن فبعث به إلى سامرا فحبس.
وفيها قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان، والجبال، وفارس، وكان قد سار في طلب الأكراد لأنهم كانوا قد أفسدوا بهذه النواحي، وقدم معه نحومن خمس مائة نفس فيهم غلمان صغار، فحبسوأن وأجيز بخمسة وسبعين ألف دينار وقلد سيفاً.
وفيها سار جيش للمسلمين إلى بلاد المشركين، فقصدوا جليقية وقتلوأن وأسروأن وسبوأن وغمنوأن ووصلوا إلى مدينة ليون، فحصروها ورموها بالمجانيق، فخاف أهلهأن فتركوها بما فيها وخرجوا هاربين، فغمن المسلمون منهم ما أرادوأن وأخربوا الباقي، ولم يقدروا على هدم سورهأن فتركوها ومضوأن لأن عرضه سبعة عشر ذراعأن وقد ثلموا فيه ثلماً كثيرة.
وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم، واجتمع المسلمون فيها على نهر اللامس، على مسيرة يوم من طرسوس، واشترى الواثق من بغداد وغيرها من الروم، وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء هووخاقان الخادم، وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين، فمن قال: القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة، فودي به، وأعطي دينارأن ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم.
فلما كان في عاشوراء سنة إحدى وثلاثين اجتمع المسلمون ومن معهم من الأسرى على النهر، وأتت الروم ومن معهم من الأسرى، وكان النهر بين الطائفتين، فكان المسلمون يطلقون الأسير فيطلق الروم من المسلمين فيلتقيان في وسط النهر، ويأتي هذا أصحابه، فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروأن وإذا وصل الأسير إلى الروم صاحوأن حتى فرغوأن وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربع مائة وستين نفسأن والنساء والصبيان ثماني مائة، وأهل ذمة المسلمين مائة نفس، وكان النهر مخاضة تعبره الأسرى، وقيل بل كان عليه جسر.
ولما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي شاتيأن فأصاب الناس ثلج ومطر، فمات منهم مائتا نفس، وأسر نحوهم، وغرق بالبدندون خلق كثير، فوجد الواثق على أحمد، وكان قد جاء إلى أحمد بطريق من الروم، فقال وجوه الناس لأحمد: إن عسكراً فيه سبعة آلاف لا تتخوف عليه، فإن كنت كذلك فواجه القوم واطرق بلادهم، ففعل، وغمن نحواً من ألف بقرة وعشرة آلاف شاة وخرج، فعزله الواثق، واستعمل مكانه نصر بن حمزة الخزاعي في جمادى الأولى.
وفيها مات الحسن بن الحسين بطبرستان.
وفيها كان بإفريقية حرب بين أحمد بن الأغلب وأخيه محمد بن الأغلب، وكان مع أحمد جماعة، فهجموا على محمد في قصره، وأغلق أصحاب محمد ابن الأغلب الباب، واقتتلوا ثم كفوا عن القتال، واصطلحوأن وعظم أمر محمد، ونقل الدواوين إليه، ولم يبق لمحمد من الإمارة إلا اسمهأن ومعناها لأحمد أخيه، فبقي كذلك إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فاتفق مع محمد من بني عمه ومواليه جماعة، قاتل أخاه أحمد فظفر به ونفاه إلى الشرق، واستقام أمر محمد بإفريقية، وما ت أخوه أحمد بالعراق.
وفيها مات أبوعبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الرواية في شعبان وهوابن ثمانين سنة.
وفيها ماتت أم أبيها بنت موسى بن جعفر، أخت علي الرضأن عليه السلام.
وفيها مات مخارق المغني، وأبونصر أحمد بن حاتم رواية الأصمعي، وعمروبن أبي عمروالشيباني، ومحمد بن سعدان النحوي الضرير توفي في ذي الحجة.
وفيها توفي إبراهيم بن عرعرة، وعاصم بن علي بن عصم بن صهيب الواسطي، ومحمد بن سلام بن عبد الله الجمحي البصري، وكان عالماً بالأخبار وأيام الناس، سلام بالتشديد؛ وعاصم بن عمروبن علي بن مقدم أبوبشر المقدمي، وأبويعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه، صاحب الشافعي، وكان قد حبس في محنة الناس بخلق القرآن، فلم يجب، وكان من الصالحين، وهارون بن معروف البغدادي وكان حافظاً للحديث.