فصل: حوادث سنة اثنتين وأربعين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر ابتداء أمر يعقوب بن الليث:

وفيها تغلب إنسان من أهل بست، اسمه صالح بن النضر الكناني، على سجستان، ومعه يعقوب بن الليث، فعاد طاهر بن عبد الله بن طاهر أمير خراسان واستنقذها من يده.
ثم ظهر بها إنسان اسمه درهم بن الحسين، من المتطوعة، فتغلب عليهأن وكان غير ضابط لعسكره، وكان يعقوب بن الليث هوقائد عسكره، فلما رأى أصحاب درهم ضعفه وعجزه، اجتمعوا على يعقوب بن الليث، وملكوه أمرهم، لما رأوا من تدبيره، وحسن سياسته، وقيامه بأمورهم، فلما تبين ذلك لدرهم لم ينازعه في الأمر، وسلمه إليه، واعتزل عنه، فاستبد يعقوب بالأمر، وضبط البلاد، وقويت شوكته وقصدته العساكر من كل ناحية، وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة ولي عبيد بن إسحاق بن إبراهيم بغداد ومعاون السواد.
وفيها قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان في ربيع الأول فولي الحربة، والشرطة، وخلافة المتوكل ببغداد، وأعمال السواد وأقام بها.
وفيها عزل أبوالوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد عن المظالم، وولاها محمد بن يعقوب المعروف بابن الربيع.
وفيها أمر المتوكل جثة أحمد بن نصر الخزاعي، ودفعه إلى أوليائه، فحمل إلى بغداد، وضم رأسه إلى بدنه، وغسل، وكفن، ودفن، واجتمع عليه من العامة ما لا يحصى يتمسحون به؛ وكان المتوكل لما ولي نهى عن الجدال في القرآن وغيره، وكتب إلى الآفاق بذلك.
وغزا الصائفة في هذه السنة علي بن يحيى ارمني، وحج بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور وكن والي مكة.
وفيها قام رجل بالأندلس بناحية الثغور وادعى النبوة، وتأول القرآن على غير تأويله، فتبعه قوم من الغوغاء، فكان من شرائعه أنه كان ينهى عن قص الشعر وتقليم الأظافر، فبعث إليه عامل ذلك البلد، فأتي به، وكان أول ما خاطبه به من دعاه إلى أتباعه، فأمره العامل بالتوبة، فامتنع فصلبه.
وفيها سارت جيوش المسلمين إلى بلاد المشركين، فكانت بينهم وقعة عظيمة كان الظفر فيها للمسلمين، وهي الوقعة المعروفة بوقعة البيضاء، وهي مشهورة بالأندلس.
وفيها توفي العباس بن الوليد المديني بالبصرة، وعبد الأعلى بن حماد النرسي وعبيد الله بن معاذ العنبري.
النرسي بالنون والراء والسين المهملة.

.حوادث سنة ثمان وثلاثين ومائتين:

.ذكر ما فعله بغا بتفليس:

قد ذكرنا مسير بغا إلى تفليس ومحاصرتها؛ وكان بغا لما سار إليها وجه زيرك التركي، فجاز نهر الكر، وهونهر كبير، ومدينة تفليس على حافته، وصغدبيل على جانبه الشرقي، فلما عبر النهر نزل بميدان تفليس، ووجه بغا أيضاً أبا العباس الوارثي النصراني إلى أهل أرمينية عربها وعجمهأن فأتى تفليس مما يلي باب المرفص، فخرج إسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية من تفليس إلى زيرك، فقابل عند الميدان، ووقف بغا على تل مشرف ينظر ما يصنع زيرك وأبوالعباس، فدعا بغا النفاطين، فضربوا المدينة بالنار، فاحرقوها وهي من خشب الصنوبر.
وأقبل إسحاق بن إسماعيل إلى المدينة، فرأى قد أحرقت قصره وجواريه وأحاطت به، فأتاه الأتراك، والمغاربة، فأخذوه أسيراً وأخذوا ابنه عمرأن فأتوا بهما بغأن فأمر بإسحاق فضربت عنقه، وصلبت جثته على نهر الكر، وكان شيخاً محدورأن ضخم الرأس، أحول، واحترق بالمدينة نحوخمسين ألف إنسان، وأسروا من سلم من النار، وسلبوا الموتى.
وأخذ أهل إسحاق ما سلم من ماله بصغدبيل، وهي مدينة حصينة حذاء تفليس بناها كسرى أنوشروان، وحصنها إسحاق، وجعل أمواله فيها مع امرأته ابنه صاحب السرير.
ثم إن بغا وجه زيرك إلى قلعة الحرزمان، وهي بين برذعة وتفليس، في جماعة من جنده ففتحهأن واخذ بطريقها أسيراً؛ ثم سار بغا إلى عيسى ابن يوسف، وهوفي قلعة كبيش، في كورة البيلقان، ففتحها وأخذه فحمله، وحمل معه أبا العباس الوارثي، واسمه سنباط بن أشوط، وحمل معاوية بن سهل بن سنباط بطريق أران.

.ذكر مسير الروم إلى ديار مصر:

في هذه السنة جاء ثلاثمائة مركب للروم مع ثلاثة رؤساء فأناخ أحدهم في مائة مركب بدمياط، وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة، يكون ماؤها إلى صدر الرجل، فمن جازها إلى الأرض أمن من مراكب البحر، فجازه قوم فسلموأن وغرق كثير من نساء وصبيان، ومن كان به قوة سار إلى مصر.
وكان على معونة مصر عنبسة بن إسحاق الضبي، فلما حضر العيد أمر الجند الذين بدمياط أن يحضروا مصر، فساروا منهأن فاتفق وصول الروم وهي فارغة من الجند فنهبوأن وأحرقوأن وسبوأن وأحرقوا جامعهأن وأخذوا ما بها من سلاح ومتاع، وقند، وغير ذلك، وسبوا من النساء المسلمات والذميات نحوستمائة امرأة، وأوقروا سفنهم من ذلك.
وكان عنبسة قد حبس بن الأكشف بدمياط، فكسر قيده، وخرج يقاتلهم، وتبعه جماعة، وقتل من الروم جماعة، وسارت الروم إلى أشنوم تنيس، وكان عليه سور وبابان من حديد قد عمله المعتصم، فنهبوا ما فيه من سلاح، وأخذوا البابين، ورجعوا ولم يعرض لهم أحد.

.ذكر وفاة عبد الرحمن بن الحكم وولاية ابنه محمد:

وفيها توفي عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية ابن هشام الأموي، صاحب الأندلس، في ربيع الآخر، وكان مولده سنة ست وسبعين ومائة، وولايته إحدى وثلاثين سنة وثلاثة أشهر.
وكان أسمر طويلأن أقنى، أعين، عظيم اللحية، مخضباً بالحناء، وخلف خمسة وأربعين ولداً ذكورأن وكان أديبأن شاعرأن وهومعدود في جملة من عشق جواريه، وكان يعشق جارية له اسمها طروب، وشهر بهأن وكان عالماً بعلوم الشريعة وغيرها من علوم الفلاسفة وغيرهم أيامه أيام عافية وسكون، وكثرت الأموال عنده، وكان بعيد الهمة واخترع قصورأن ومنتزهات كثيرة، وبنى الطرق، وزاد في الجامع بقرطبة رواقين، وتوفي قبل أن يستتم زخرفته، وأتمه ابنه، وبنى جوامع كثيرة بالأندلس.
ولما مات ملك ابنه محمد، فجرى على سيرة والده، وأتم بناء الجامع بقرطبة، وأمه تسمى بهتر، وولد له مائة ولد كلهم ذكور، وهوأول من أقام أبهة الملك بالأندلس، ورتب رسوم المملكة، وعلا عن التبذل للعامة، فكان يشبه بالوليد بن عبد الملك في أبهة الملك، وهوأول من جلب الماء العذب إلى قرطبة، وأدخله إليهأن وجعل لفصل الماء مصنعاً كبيراً يرده الناس.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة سار المتوكل نحوالمدائن، فدخل بغداد، وسار منها إلى المدائن، وغزا الصائفة على علي بن يحيى الأرمني.
وفيها مات إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهويه، وكان إماماً عالمأن وجرى له مع الشافعي مناظرة في بيوت مكة، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة؛ ومحمد بن بكار المحدث.

.حوادث سنة تسع وثلاثين ومائتين:

في هذه السنة أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس ذراعين عسليتين على الأقبية والدراريع، وبالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين.
فيها نفى المتوكل علي بن الجهم إلى خراسان.
وفيها أمر المتوكل بهدم البيع المحدثة في الإسلام.
وفيها سير محمد بن عبد الرحمن جيشاً مع أخيه الحكم إلى قلعة رباح، وكان أهل طليطلة قد خربوا سورهأن وقتلوا كثيراً من أهلهأن وأصلح الحكم سورهأن وأعاد من فارقها من أهلها إليهأن وأصلح حالهأن وتقدم إلى طليطلة فأفسد في نواحيها وشعثهأن وسير محمد أيضاً جيشاً آخر إلى طليطلة، فلما قاربوها خرجت عليهم الجنود من المكامن، فانهزم العسكر، وأصيب أكثر من فيه.
وفيها مات أبوالوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد القاضي ببغداد في ذي الحجة، وغزا الصائفة علي بن يحيى الأرمني.
وفيها حج جعفر بن دينار على الأحداث بطريق مكة والموسم، وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى وكان والي مكة.
وفيها اتفق الشعانين للنصارى ويوم النيروز، وذلك يوم الأحد لعشرين ليلة خلت من ذي القعدة، فزعمت النصارى أنهما لم يجتمعا في الإسلام قط.
وفيها توفي محمود بن غيلان المروزي أبوأحمد، وهومن مشايخ البخاري ومسلم والترمذي.

.حوادث سنة أربعين ومائتين:

.ذكر وثوب أهل حمص بعاملهم:

في هذه السنة وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي، وكان قتل رجلاً من رؤسائهم، فقتلوا جماعة من أصحابه، وأخرجوه، وأخرجوا عامل الخراج، فبعث المتوكل إليهم عتاب بن عتاب، ومحمد بن عبدويه الأنباري، وقال لعتاب: قل لهم إن أمير المؤمنين قد بدلكم بعاملكم، فإن أطاعوا فول عليهم محمد بن عبدويه، فإن أبوا فأقم وأعلمني، حتى أمدك برجال وفرسان.
فساروا إليهم، فوصلوا في ربيع الآخر، فرضوا بمحمد بن عبدويه، فعمل فيهم الأعاجيب، حتى أحوجهم إلى محاربته، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.ذكر الحرب بين المسلمين والفرنج بالأندلس:

وفي هذه السنة، في المحرم، كان بين المسلمين والفرنج حرب شديدة.
وسبب ذلك أن أهل طليطلة كانوا على ما ذكرنا من الخلاف على محمد ابن عبد الرحمن، صاحب الأندلس، وعلى أبيه من قبله، فلما كان الآن سار محمد في جيوشه إلى طليطلة، فلما سمع أهلها بذلك أرسلوا إلى ملك جليقية يستمدونه وإلى ملك بشكنس فأمداهم بالعساكر الكثيرة.
فلما سمع محمد بذلك، وكان قد قارب طليطلة، عبأ أصحابه، وقد كمن لهم الكمناء بناحية وادي سليط، وتقدم هوإليهم في قلة من العسكر، فلما رأى أهل طليطلة ذلك أعلموا الفرنج بقلة عددهم، فسارعوا إلى قتالهم، وطمعوا فيهم، فلما تراءى الجمعان، وانتشب القتال، خرجت الكمناء من كل جهة على المشركين، وأهل طليطلة، فقتل منهم ما لا يحصى، وجمع من الرؤوس ثمانية آلاف رأس فرقت في البلاد، فذكر أهل طليطلة أن عدة القتلى من الطائفتين عشرون ألف قتيل، وبقيت القتلى على وادي سليط دهراً طويلاً.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة عزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار، وأربعة آلاف جريت بالبصرة.
وفيها جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي قضاء القضاة؛ وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن محمد بن داود، وكان على أحداث الموسم جعفر بن دينار.
وفيها توفي القاضي أبوعبد الله بن أبي دؤاد في المحرم بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يومأن وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة، وأخذ ذلك عن بشر المريسي، وأخذه بشر من الجهم بن صفوان، وأخذه جهم من الجعد بن أدهم، وأخذه الجعد من أبان بن سمعان، وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد الأعصم وختنه، وأخذه طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان لبيد يقول بخلق التوراة، وأول من صنف في ذلك طالوت، وكان زنديقأن فأفشى الزندقة.
وفيها توفي قتيبة بن سعيد بن حميد أبورجاء الثقفي وله تسعون سنة، وهوخراساني من مشايخ البخاري، ومسلم، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من الأئمة، وتوفي أبوثور إبراهيم بن خالد البغدادي الكلبي الفقيه، وهومن أصحاب الشافعي، وأبوعثمان محمد بن الشفعي، وكان قاضي الجزيرة جميعها، وروى عن أبيه، وعن ابن عنبسة، وقيل مات بعد سنة أربعين. وكان للشافعي ولد آخر اسمه محمد مات بمصر سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

.حوادث سنة إحدى وأربعين ومائتين:

.ذكر وثوب أهل حمص بعاملهم:

في هذه السنة وثب أهل حمص بعاملهم محمد بن عبدويه، وأعانهم عليه قوم من نصارى حمص، فكتب إلى المتوكل، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم، وأمده بجند من دمشق والرملة، فظفر بهم، فضرب منهم رجلين من رؤسائهم حتى ماتا وصلبهما على باب حمص وسير ثمانية رجال المتوكل بإخراج النصارى منهأن وهدم كنائسهم، وبإدخال البيعة التي إلى جانب الجامع إلى الجامع، ففعل ذلك.

.ذكر الفداء بين المسلمين والروم:

وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم، بعد أن قتلت تدورة، ملكة الروم، من أسرى المسلمين اثني عشر ألفأن فإنها عرضت النصرانية على الأسرى، فمن تنصر جعلته أسوة من قبله من المنتصرة، ومن أبى قتلته، وأرسلت تطلب المفاداة لمن بقي منهم، فأرسل المتوكل شنيفاً الخادم القضاء من يقوم مقامه، فأذن له فحضره واستخلف على القضاء ابن أبي الشوارب، وهوشاب، ووقع الفداء على نهر اللامس، فكان أسرى المسلمين من الرجال سبع مائة وخمسة وثمانين رجلأن ومن النساء مائة وخمساً وعشرين امرأة.
وفيها جعل المتوكل كل كورة شمشاط عشرية وكانت خراجية.

.ذكر غارات البجاة بمصر:

وفيها أغارت البجاة على أرض مصر، وكانت قبل ذلك لا تغور بلاد الإسلام لهدنة قديمة، وقد ذكرناها فيما مضى، وفي بلادهم معادن يقاسمون المسلمين عليهأن ويؤدون إلى عمال مصر نحوالخمس.
فلما كانت أيام المتوكل امتنعت عن أداء ذلك، فكتب صاحب البريد بمصر بخبرهم، وأنهم قتلوا عدة من المسلمين ممن يعمل في المعادن، فهرب المسلمون منها خوفاً على أنفسهم، فأنكر المتوكل ذلك، فشاور في أمرهم، فذكر له أنهم أهل بادية، أصحاب إبل وماشية، وأن الوصول إلى بلادهم صعب لأنها مفاوز، وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة، وأن كل من يدخلها من الجيوش يحتاج إلى أن يتزود لمدة يتوهم أنه يقيمها إلى أن يخرج إلى بلاد الإسلام، فإن جاوز تلك المدة هلك، وأخذتهم البجاة باليد، وأن أرضهم لا ترد على سلطان شيئاً.
فأمسك المتوكل عنهم، فطمعوا وزاد شرهم حتى خاف أهل الصعيد على أنفسهم منهم، فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي محاربتهم، وولاه معونة تلك الكور، وهي قفط والأقصر وأسنا وأرمنت وأسوان، وأمره بمحاربة البجاة، وكتب إلى عبسنة بن إسحاق الضبي، عامل حرب مصر، بإزاحة علته وإعطائه من الجند ما يحتاج إليه، ففعل ذلك.
وسار محمد إلى أرض البجاة وتبعه ممن يعمل في المعادن والمتطوعة عالم كثير، فبلغت عدتهم نحواً من عشرين ألفاً بين فارس وراجل، ووجه إلى القلزم، فحمل في البحر سبعة مراكب موقورة بالدقيق، والزيت، والتمر، والشعير، والسويق، وأمر أصحابه أن يوافوه بها في ساحل البحر مما يلي بلاد البجاة، وسار حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذهب، وسار إلى حصونهم وقلاعهم، وخرج إليه ملكهم، واسمه علي بابأن في جيش كثير أضعاف من مع القمي، فكانت البجاة على الإبل، وهي إبل فرة تشبه المهاري، فتحاربوا أيامأن ولم يصدقهم علي بابا القتال لتطول الأيام، وتفنى أزواد المسلمين وعلوفاتهم، فيأخذهم بغير حرب، فأقبلت تلك المراكب التي فيها الأقوات في البحر، ففرق القمي ما كان فيها في أصحابه فامتنعوا فيها.
فلما رأى علي بابا ذلك صدقهم القتال، وجمع لهم، فالتقوا قتالاً شديدأن وكانت إبلهم ذعرة تنفر من كل شيء، فلما رأى القمي ذلك جمع كل جرس في عسكره وجعلها في أعناق خيله، ثم حملوا على البجاة، فنفرت إبلهم لأصوات الأجراس، فحملتهم على الجبال والأودية، وتبعهم المسلمون قتلاً وأسرأن حتى أدركهم الليل، وذلك أول سنة إحدى وأربعين ومائتين، ثم رجع إلى معسكره ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم.
ثم إن ملكهم علي بابا طلب الأمان فأمنه على أن يرد مملكته وبلاده، فأدى إليهم الخراج للمدة التي كان منعهأن وهي أربع سنين، وسار مع القمي إلى المتوكل، واستخلف على مملكته ابنه بغش، فلما وصل إلى المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه، وكسا جمله رحلاً كليحاً وجلال ديباج، وولى المتوكل البجاة طريق مصر، ما بين مصر ومكة، سعداً الخادم الإيتاخي، فولى الإيتاخي محمداً القمي، فرجع إليها ومعه علي بابا وهوعلى دينه، وكان معه صمن من حجارة كهيئة الصبي يسجد له.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها مطر الناس بسامرا مطراً شديداً في آب.
وقيل فيها: إنه أنهي إلى المتوكل أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم، صاحب خان عاصم ببغداد، يشتم أبا بكر، وعمر، وعائشة، وحفصة، فكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن يضربه بالسياط، فإذا مات ورمى به في دجلة، ففعل ذلك وألقي في دجلة. وفيها وقع بها الصدام فنفقت الدواب والبقر.
وفيها أغارت الروم على عين زربة، فأخذت من كان أسيراً من الزط مع نسائهم وذراريهم ودوابهم.
وفيها اكثر محمد، صاحب الأندلس، من الرجال بقلعة رباح، وتلك النواحي، ليقفوا على أهل طليطلة، وسير الجيوش إلى غزوالفرنج إلى موسى، فدخلوا بلادهم ووصلوا إلى ألبة والقلاع، وافتتحوا بعض حصونها وعادوا.
ومات في هذه السنة يعقوب بن إبراهيم، المعروف بقوصرة، صاحب بريد مصر والغرب، وحج بالناس عبد الله بن محمد بن داود، وحج جعفر ابن دينار، وهووالي الطريق وأحداث الموسم. وفيها كثر انقضاض النجوم، فكانت كثيرة لا تحصى، فبقيت ليلة من العشاء الآخرة إلى الصبح.
وفيها كانت بالري زلزلة شديدة هدمت المساكن، ومات تحتها خلق كثير لا يحصون، وبقيت تتردد فيها أربعين يوماً.
وفيها خرجت ريح من بلاد الترك، فقتلت خلقاً كثيرأن وكان يصيبهم بردها فيزكمون، فبلغت سرخس، ونيسابور، وهمذان، والري، فانتهت إلى حلوان.
وفيها توفي الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الفقيه المحدث في شهر ربيع الأول.

.حوادث سنة اثنتين وأربعين ومائتين:

في هذه السنة كانت زلازل هائلة بقومس ورساتيقها في شعبان، فتهدمت الدور، وهلك تحت الهدم بشر كثير، قيل كانت عدتهم خمسة وأربعين ألفاً وستة وتسعين نفسأن وكان أكثر ذلك بالدامغان، وكان بالشام، وفارس، وخراسان في هذه السنة زلازل، وأصوات منكرة، وكان باليمن مثل ذلك مع خسف.
وفيها خرجت الروم من ناحية سميساط بعد خروج علي بن يحيى الأرمني من الصائفة حتى قاربوا آمد، وخرجوا من الثغور والجزرية فانتهبوأن وأسروا نحواً من عشرة آلاف، وكان دخولهم من ناحية أرين قرية قريباس ثم رجعوا فخرج قريباس، وعمر بن عبد الله الأقطع، وقوم من المتطوعة في آثارهم، فلم يلحقوهم، فكتب المتوكل إلى علي بن يحيى الأرمني أن يسير إلى بلادهم شاتياً.
وفيها قتل المتوكل رجلاً عطارأن وكان نصرانياً فأسلم، فمكث مسلماً سنين كثيرة، ثم ارتد، واستتيب، فأبى الرجوع إلى الإسلام، فقتل وأحرق.
وفيها سير محمد بن عبد الرحمن بالأندلس جيشاً إلى بلد المشركين، فدخلوا إلى برشلونة، وحارب قلاعها وجازها إلى ما وراء أعمالهأن فغمنوا كثيرأن وافتتحوا حصناً من أعمال برشلونة يسمى طراجة، وهومن آخر حصون برشلونة.
وفيها مات أبوالعباس محمد بن الأغلب، أمير إفريقية، عاشر المحرم، كان عمره ستاً وثلاثين سنة، وولي بعده ابنه أبوإبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب، وقد ذكرنا ذلك سنة ست وعشرين ومائتين.
وفيها مات أبوحسان الزيادي قاضي الشرقية، ومات الحسن بن علي بن الجعد، قاضي مدينة المنصور، وحج بالناس عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام، وهوعلى مكة؛ وحج جعفر بن دينار على الطريق وأحداث الموسم؛ وتوفي القاضي يح بن أكثم التميمي بالربذة عائداً من الحج؛ ومحمد بن مقاتل الرازي، وأبوحصين يحيى بن سليم الرازي المحدث.