فصل: المسألة الثانية: سببها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.الباب الثاني عشر: في صلاة العيدين:

وفيه مسائل:
والعيدان هما: عيد الأضحى وعيد الفطر، وكلاهما له مناسبة شرعية، فعيد الفطر بمناسبة انتهاء المسلمين من صيام شهر رمضان، والأضحى بمناسبة اختتام عشر ذي الحجة، وسُمِّي عيداً؛ لأنه يعود، ويتكرر في وقته.

.المسألة الأولى: حكمها، ودليل ذلك:

صلاة العيد فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركت من الكل أثم الجميع؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داوم عليها، وكذلك أصحابه من بعده. وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها حتى النساء، إلا أنه أمر الحُيَّض باعتزال المصلى، وهذا مما يدلُّ على أهميتها، وعظيم فضلها؛ لأنه إذا أمر بها النساء مع أنهن لسن من أهل الاجتماع فالرجال من باب أولى. ومن أهل العلم مَنْ يُقَوِّي كونها فرض عين.

.المسألة الثانية: شروطها:

ومن أهم شروطها: دخول الوقت، ووجود العدد المعتبر، والاستيطان.
فلا تجوز قبل وقتها، ولا تجوز في أقل من ثلاثة أشخاص، ولا تجب على المسافر غير المستوطن.

.المسألة الثالثة: المواضع التي تصلى فيها:

يسن أن تصلى في الصحراء خارج البنيان؛ لحديث أبي سعيد: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى»، والقصد من ذلك- والله أعلم- إظهار هذه الشعيرة، وإبرازها. ويجوز صلاتها في المسجد الجامع، مِنْ عذر كالمطر والريح الشديدة، ونحو ذلك.

.المسألة الرابعة: وقتها:

ووقتها كصلاة الضحى بعد ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاءه كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس، ولأن ما قبل ارتفاع الشمس وقت نهي. ويسن تعجيل الأضحى في أول وقتها، وتأخير الفطر؛ لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأن الناس في حاجة إلى تعجيل الأضحى لذبح الأضاحي، وهم في حاجة إلى امتداد وقت صلاة الفطر ليتسع لأداء زكاة الفطر.

.المسألة الخامسة: صفتها وما يقرأ فيها:

وصفتها: ركعتان قبل الخطبة لقول عمر: (صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم. وقد خاب من افترى).
يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ ستاً. وفي الثانية قبل القراءة خمساً، غير تكبيرة القيام. لحديث عائشة مرفوعاً: «التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع». ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان يرفع يديه مع التكبير»، ثم يقرأ بعد الاستعاذة جهراً بغير خلاف، ويقرأ الفاتحة، وفي الأولى بسبح اسم ربك الأعلى. وفي الثانية بالغاشية لقول سمرة: كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في العيدين {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، وصحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقرأ في الأولى بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وفي الثانية {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، فيراعى الإتيان بهذا مرة، وهذا مرة، عملاً بالسنة، مع مراعاة ظروف المصلين، فيأخذهم بالأرفق.

.المسألة السادسة: موضع الخطبة:

موضع الخطبة في صلاة العيد بعد الصلاة؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة».

.المسألة السابعة: قضاء العيد:

لا يسن لمن فاتته صلاة العيد قضاؤها؛ لعدم ورود الدليل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه.

.المسألة الثامنة: سننها:

1- يسن أن تؤدى صلاة العيد في مكان بارز وواسع، خارج البلد، يجتمع فيه المسلمون لإظهار هذه الشعيرة، وإذا صليت في المسجد لعذر فلا بأس بذلك.
2- ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، كما تقدَّم بيان ذلك عند الكلام على وقتها.
3- وأن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وألا يطعم يوم النحر حتى يصلي، لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر على تمرات يأكلهن وتراً. ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي.
4- ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد بعد صلاة الصبح ماشياً؛ ليتمكن من الدنو من الإمام، وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة.
5- ويسن أن يتجمل المسلم، ويغتسل، ويلبس أحسن الثياب، ويتطيب.
6- ويسن أن يخطب في صلاة العيد بخطبة جامعة شاملة لجميع أمور الدين، ويحثهم على زكاة الفطر، ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحية، ويبين لهم أحكامها، وتكون للنساء فيها نصيب؛ لأنهن في حاجة لذلك واقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أتى النساء بعد فراغه من الصلاة والخطبة فوعظهن وَذَكرَهُن. وتكون بعد الصلاة كما سبق.
7- ويسن كثرة الذكر بالتكبير والتهليل لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، ويجهر به الرجال في البيوت والمساجد والأسواق، ويُسِرُّ به النساء.
8- مخالفة الطريق، فيذهب إلى العيد من طريق، ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان يوم عيد خالف الطريق».
وقيل في الحكمة من ذلك: ليشهد له الطريقان جميعاً، وقيل: لإظهار شعيرة الإسلام فيهما، وقيل غير ذلك.
ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً يوم العيد، بأن يقول لغيره: تَقَبَّلَ الله منا ومنك صالح الأعمال، فكان يفعله أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع إظهار البشاشة والفرح في وجه من يلقاه.

.الباب الثالث عشر: في صلاة الاستسقاء:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: تعريفها، وحكمها ودليل ذلك:

1- تعريفها: الاستسقاء هو طلب السقي من الله تعالى عند حاجة العباد إليه، على صفة مخصوصة؛ وذلك إذا أجدبت الأرض، وقحط المطر؛ لأنه لا يسقي ولا ينزل الغيث إلا الله وحده.
2- حكمها: حكم صلاة الاستسقاء أنها سنة مؤكدة؛ لقول عبد الله بن زيد: «خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقي فتوجَّه إلى القبلة، يدعو وحَوَّل رداءه، وصلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة».

.المسألة الثانية: سببها:

وسببها القحط، وهو انحباس المطر؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعلها لذلك.

.المسألة الثالثة: وقتها وكيفيتها:

وقت صلاة الاستسقاء وصفتها كصلاة العيد، لقول ابن عباس: «صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين كما يصلي في العيدين». فيستحب فعلها في المصلى، كصلاة العيد، وتصلى ركعتين، ويجهر بالقراءة فيهما كصلاة العيد، وتكون قبل الخطبة، وكذلك في عدد التكبيرات وما يقرأ فيها. ويجوز الاستسقاء على أي صفة كانت، فيدعو الإنسان، ويستسقي في صلاته إذا سجد، ويستسقي الإمام على المنبر في صلاة الجمعة، فقد استسقى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يوم الجمعة.

.المسألة الرابعة: الخروج إليها:

إذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس، وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وترك التباغض والتشاحن؛ لأنه سبب في منع الخير من الله سبحانه، ولأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات. قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]. ويتنظف لها، ولا يتطيب، ولا يلبس الزينة؛ لأنه يوم استكانة وخشوع، ويخرج متواضعاً، متخشعاً، متذللاً، متضرعاً؛ لقول ابن عباس: «خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للاستسقاء متذللاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً».

.المسألة الخامسة: الخطبة فيها:

يسن أن يخطب الإمام في صلاة الاستسقاء بخطبة واحدة بعد الصلاة، تكون جامعة وشاملة، يأمر فيها بالتوبة، وكثرة الصدقة، والرجوع إلى الله، وترك المعاصي.
وينبغي أن يكثر في الخطبة من الاستغفار، وقراءة الآيات التي تأمر به، ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى كقوله: «اللهم أغثنا»، وقوله: «اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً، مَرِيئاً مَرِيعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار».
ومعنى مريئاً: سهلاً طيباً، ومريعاً: مخصباً. وقوله: «اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين». ونحو ذلك، ويرفع يديه؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك، حتى كان يرى بياض إبطه، ويرفع الناس أيديهم؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رفع يديه يستسقي في صلاة الجمعة، رفع الناس أيديهم. ويكثر من الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن ذلك من أسباب الإجابة.

.المسألة السادسة: السنن التي ينبغي فعلها فيها:

1- أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، ويستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحوِّل رداءه، فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين، وكذلك ما شابه الرداء كالعباءة ونحوها. فقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حوَّل رداءه. وقيل: الحكمة من تحويل الرداء التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه.
2- يسن أن يخرج إلى صلاة الاستسقاء جميع المسلمين، حتى النساء والصبيان.
3- يسن الخروج إليها بخضوع، وخشوع، وتذلل، فقد خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للاستسقاء متذللاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً.
4- يسن عند نزول المطر أن يقف في أوله ليصيبه منه ويقول: «اللهم صَيِّباً نافعاً». والصيِّب: المنهمر المتدفق. ويقول: «مُطرنا بفضل الله ورحمته».
5- وإذا كثر المطر، وخيف من الضرر، يسن أن يقول: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر». والظراب: الجبال الصغار. والآكام: جمع أَكَمة، وهي التلّ، وهو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد.

.الباب الرابع عشر: في صلاة الكسوف:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: تعريف الكسوف، والحكمة منه:

الكسوف: هو انحجاب ضوء أحد النَّيِّرين- الشمس والقمر- بسبب غير معتاد، والكسوف والخسوف بمعنى واحد. ويحدث الله- عز وجل- ذلك تخويفاً لعباده حتى يرجعوا إليه سبحانه، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يُخَوِّف الله بهما عباده».

.المسألة الثانية: حكم صلاة الكسوف ودليلها:

وصلاة الكسوف واجبة على ما صرح به أبو عوانة في صحيحه، وَحُكي عن أبي حنيفة، وأجراها مالك مجرى الجمعة، وقَوَّى ابن القيم رحمه الله القول بوجوبها، وأيده الشيخ ابن عثيمين؛ وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بها، وخرج فزعاً إليها، وأخبر أنها تخويف للعباد.

.المسألة الثالثة: وقتها:

وقتها من ابتداء الكسوف إلى ذهابه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي».

.المسألة الرابعة: كيفيتها وما يقرأ فيها:

وكيفيتها: ركعتان. يقرأ في الأولى جهراً- ليلاً كانت أو نهاراً- الفاتحة، وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع، فيسمع، ويحمد، ولا يسجد. بل يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلى الثانية كالأولى، لكن دونها في كل ما يفعل، ثم يتشهد ويسلم. لقول جابر: «كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم شديد الحر، فصلى بأصحابه، فأطال القيام، حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام، فصنع نحو ذلك، فكانت أربع ركعات وأربع سجدات».
ويسن أن يعظ الإمام الناس بعد صلاة الكسوف ويحذِّرهم من الغفلة والاغترار بالدنيا ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار؛ لفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد خطب الناس بعد الصلاة وقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكَبِّروا، وصلوا وتصدقوا».
فإذا انتهت الصلاة قبل الانجلاء فلا تعاد، بل يذكر الله، ويكثر من دعائه؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم». فدلَّ على أنه إنْ سَلَّمَ من الصلاة قبل الانجلاء تشاغل بالدعاء. وإذا تم الانجلاء وهو في الصلاة أتمها خفيفة، ولا يقطعها.