فصل: المسألة الثامنة: ما يكره في الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.المسألة الثامنة: ما يكره في الصلاة:

يكره في الصلاة الأمور التالية:
1- الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأوليين، لمخالفة ذلك لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهديه في الصلاة.
2- تكرار الفاتحة: لمخالفة ذلك- أيضاً- لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن إن كررها لحاجة؛ كأن يكون فاته الخشوع وحضور القلب عند قراءتها، فأراد تكرارها ليحضر قلبه، فلا بأس بذلك، لكن بشرط ألا يَجُرَّهُ ذلك إلى الوسواس.
3- يكره الالتفات اليسير في الصلاة بلا حاجة: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل عن الالتفات في الصلاة: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد».
والاختلاس: السرقة والنهب.
أما إذا كان الالتفات لحاجة فلا بأس به، كمن احتاج إلى أن يتفُل عن يساره في الصلاة ثلاثاً إذا أصابه الوسواس، فهذا التفات لحاجة، أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكمن خافت على صبيّها الضياع، فصارت تلتفت في الصلاة؛ ملاحِظة له.
هذا كله في الالتفات اليسير، أما إذا التفت الشخص بكليته أو استدبر القبلة، فإنه تبطل صلاته، إذا كان ذلك بغير عذر من شدة خوف ونحوه.
4- تغميض العينين في الصلاة: لأن ذلك يشبه فعل المجوس عند عبادتهم النيران. وقيل: يشبه فعل اليهود أيضاً، وقد نُهينا عن التشبه بالكفار.
5- افتراش الذراعين في السجود: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب». فينبغي للمصلي أن يجافي بين ذراعيه، ويرفعهما عن الأرض، ولا يتشبه بالحيوان.
6- كثرة العبث في الصلاة: لما فيه من انشغال القلب المنافي للخشوع المطلوب في الصلاة.
7- التَخَصُّرُ: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «نُهي أن يصلي الرجل مختصراً». والتخصُّر والاختصار في الصلاة: وَضْعُ الرجل يده على الخَصْرِ والخاصِرَة، وهي وسط الإنسان المُستَدقّ فوق الوركين. وقد عللت عائشة رضي الله تعالى عنها الكراهة: بأن اليهود تفعله.
8- السَّدْلُ وتغطية الفم في الصلاة: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه». والسدل: أن يطرح المصلي الثوب على كتفيه، ولا يردَّ طرفيه على الكتفين. وقيل: إرسال الثوب حتى يصيب الأرض، فيكون بمعنى الإسبال.
9- مسابقة الإمام: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار».
10- تشبيك الأصابع: لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من توضأ وأتى المسجد يريد الصلاة عن فعل ذلك، فكراهته في الصلاة من باب أولى. والتشبيك بين الأصابع: إدخال بعضها في بعض. وأما التشبيك خارج الصلاة فلا كراهة فيه، ولو كان في المسجد، لِفِعْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه في قصة ذي اليدين.
11- كَفُّ الشعر والثوب: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أُمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسجد على سبعة أعظم، ولا يكفَّ ثوبه ولا شعره». والكفّ: قد يكون بمعنى الجمع، أي: لا يجمعهما ويضمهما، وقد يكون بمعنى المنع، أي: لا يمنعهما من الاسترسال حال السجود. وكله من العبث المنافي للخشوع في الصلاة.
12- الصلاة بحضرة الطعام، أو وهو يدافع الأخبثين: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان». أما كراهة الصلاة بحضرة الطعام: فذلك مشروط بتوقان نفسه إليه ورغبته فيه، مع قدرته على تناوله، وكونه حاضراً بين يديه. فلو كان الطعام حاضراً، لكنه صائم، أو شبعان لا يشتهيه، أو لا يستطيع تناوله لشدة حرارته، ففي ذلك كله لا يكره له الصلاة بحضرته. وأما الأخبثان: فهما البول والغائط. وقد نهي عن ذلك كله؛ لما فيه من انشغال قلب المصلي، وتشتت فكره، مما ينافي الخشوع في الصلاة. وقد يتضرر بحبس البول والغائط ومدافعتهما.
13- رفع البصر إلى السماء: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم».

.المسألة التاسعة: حكم تارك الصلاة:

من ترك الصلاة جاحِداً لوجوبها، فهو كافر مرتد، لأنه مُكذِّبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين.
أمَّا من تركها تهاوناً وكسلاً: فالصحيح أنه كافر إذا كان تاركاً لها دائماً وبالكلية، لقوله تعالى عن المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. فدلَّ على أنهم إن لم يحققوا شرط إقامة الصلاة فليسوا بمسلمين، ولا إخوة لنا في الدين. ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر». وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر تَرْكَ الصلاة».
أمَّا من كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً، أو يصلي فرضاً أو فرضين، فالظاهر أنه لا يكفر؛ لأنه لم يتركها بالكلية، كما هو نص الحديث: «ترك الصلاة» فهذا ترك (صلاة) لا (الصلاة). والأصل بقاء الإسلام، فلا نخرجه منه إلا بيقين، فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.

.الباب الخامس: في صلاة التطوع:

وفيه مسائل:
والمراد بالتطوع: كل طاعة ليست بواجبة.

.المسألة الأولى: فضلها، والحكمة من مشروعيتها:

1- فضلها: التطوع بالصلاة من أفضل القربات بعد الجهاد في سبيل الله وطلب العلم؛ لمداومة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التقرب إلى ربه بنوافل الصلوات، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...» الحديث.
2- الحكمة من مشروعيتها: وقد شرع سبحانه التطوع رحمة بعباده، فجعل لكل فرض تطوعاً من جنسه؛ ليزداد المؤمن إيماناً ورفعة في الدرجات بفعل هذا التطوع، ولتكمل الفرائض، وتجبر يوم القيامة بهذا التطوع؛ فإن الفرائض يعتريها النقص، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة منْ تطوُّعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك».

.المسألة الثانية: في أقسامها:

صلاة التطوع على نوعين:
النوع الأول: صلوات مؤقتة بأوقات معينة، وتسمى بالنوافل المقيدة، وهذه منها ما هو تابع للفرائض، كالسنن الرواتب، ومنها ما ليس بتابع كصلاة الوتر، والضحى والكسوف.
النوع الثاني: صلوات غير مؤقتة بأوقات معينة، وتسمى بالنوافل المطلقة.
والنوع الأول أنواع متعددة بعضها آكد من بعض، وآكد أنواعه الكسوف، ثم الوتر، ثم صلاة الاستسقاء، ثم صلاة التراويح، وأما النوع الثاني فيشرع في الليل كله، وفي النهار- ما عدا أوقات النهي- وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار.

.المسألة الثالثة: ما تُسَنُّ له الجماعة من صلاة التطوع:

تسن صلاة الجماعة: للتراويح، والاستسقاء، والكسوف.

.المسألة الرابعة: في عدد الرواتب:

والرواتب: جمع راتبة، وهي الدائمة المستمرة، وهي التابعة للفرائض.
وفائدة هذه الرواتب أنها تجبر الخلل والنقص الذي يقع في الفرائض، كما مضى بيانه.
وعدد الرواتب عشر ركعات، وهي المذكورة في حديث ابن عمر: «حفظت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة، كانت ساعة لا أدخل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فحدثتني حفصة أنه كان إذا طلع الفجر، وأذَّن المؤذن، صلَّى ركعتين».
ويتأكد للمسلم أن يحافظ على ثنتي عشرة ركعة؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة، إلا بنى الله له بيتاً- أو إلا بُنِيَ له بيت- في الجنة».
وهي العشر المذكورة سابقاً، إلا أنه يكون قبل الظهر أربع ركعات، فقد زاد الترمذي في رواية حديث أم حبيبة الماضي: (أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)، ولما ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يدع أربعاً قبل الظهر».
وآكد هذه الرواتب: ركعتا الفجر- وهما سنة الفجر القبلية- لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها». ولقول عائشة- رضي الله عنها- عن هاتين الركعتين: «ولم يكن يدعهما أبداً».

.المسألة الخامسة: حكم الوتر وفضله ووقته:

حكمه: سنة مؤكدة، حثَّ عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورغَّب فيه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله وتر يحب الوتر». وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر».
ووقته: ما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر بإجماع العلماء؛ لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقوله: «إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: صلاة الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر».
فإذا طلع الفجر فلا وتر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى». فهذا دليل على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر.
قال الحافظ ابن حجر: (وأصرح منه- يعني في الدلالة- ما رواه أبو داود والنسائي، وصححه أبو عوانة وغيره... أن ابن عمر كان يقول: من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً؛ فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر).
وصلاة الوتر آخر الليل أفضل منه في أوله، لكن يستحب تعجيله أول الليل لمن ظن أنه لا يقوم آخر الليل، وتأخيره لمن ظن أنه يقوم آخر الليل؛ لما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل».

.المسألة السادسة: صفة الوتر وعدد ركعاته:

الوتر أقله ركعة واحدة، لحديث ابن عمر وابن عباس مرفوعاً: «الوتر ركعة من آخر الليل». ولحديث ابن عمر الماضي قريباً: (صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى).
ويجوز الوتر بثلاث ركعات؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان «يصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلِّي ثلاثاً».
وتجوز هذه الثلاث بسلامين؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كان يُسَلِّم من ركعتين حتى يأمر ببعض حاجته). وتجوز سرداً بتشهد واحد وسلام واحد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن». ولا تصلَّى بتشهدين وسلام واحد؛ حتى لا تُشْبه صلاة المغرب، وقد نهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
ويجوز الوتر بسبع ركعات وبخمس، لا يجلس إلا في آخرها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها»، ولحديث أم سلمة رضي الله عنها: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بسبع أو بخمس، لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام».