فصل: المسألة الثالثة: زمان الاعتكاف ومستحباته وما يباح للمعتكف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.المسألة الثالثة: زمان الاعتكاف ومستحباته وما يباح للمعتكف:

1- زمن الاعتكاف ووقته: المكث في المسجد مقداراً من الزمن هو ركن الاعتكاف، فلو لم يقع المكث في المسجد لم ينعقد الاعتكاف، وفي أقل مدة الاعتكاف خلاف بين أهل العلم. والصحيح- إن شاء الله- أن وقت الاعتكاف ليس لأقله حد، فيصح الاعتكاف مقداراً من الزمن، وإن قل، إلا أن الأفضل ألا يقل الاعتكاف عن يوم أو ليلة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من أصحابه الاعتكاف فيما دون ذلك.
وأفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله". فإن اعتكف في غير هذا الوقت، جاز ذلك لكنه خلاف الأولى والأفضل.
ومن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان صلى الفجر من صبيحة اليوم الحادي والعشرين في المسجد الذي ينوي الاعتكاف فيه، ثم يدخل في اعتكافه، وينتهي بغروب شمس آخر يوم من رمضان.
2- مستحباته: والاعتكاف عبادة يخلو فيها العبد بخالقه، ويقطع العلائق عما سواه، فيستحب للمعتكف أن يتفرغ للعبادة، فيكثر من الصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والتوبة، والاستغفار، ونحو ذلك من الطاعات التي تقربه إلى الله تعالى.
3- ما يباح للمعتكف: ويباح للمعتكف الخروج من المسجد لما لابد منه؛ كالخروج للأكل والشرب، إذا لم يكن له من يحضرهما، والخروج لقضاء الحاجة، والوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة.
ويباح له التحدث إلى الناس فيما يفيد، والسؤال عن أحوالهم، أما التحدث فيما لا يفيد، وفيما لا ضرورة فيه، فإنه ينافي مقصود الاعتكاف وما شرع من أجله. ويباح له أن يزوره بعض أهله وأقاربه، وأن يتحدث إليه ساعة من زمان، والخروج من معتكفه لتوديعهم؛ لحديث صفية رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معتكفاً فأتيت ليلاً، فحدَّثته، ثم قمت، فانقلبت، فقام معي ليَقْلِبَني...» الحديث. ومعنى ليقلبني: يردني إلى بيتي.
وللمعتكف أن يأكل، ويشرب، وينام في المسجد، مع المحافظة على نظافة المسجد، وصيانته.

.المسألة الرابعة: مبطلات الاعتكاف:

يبطل الاعتكاف بما يلي:
1- الخروج من المسجد لغير حاجة عمداً، وإن قلَّ وقت الخروج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً)، ولأن الخروج يفوت المكث في المعتكف، وهو ركن الاعتكاف.
2- الجماع، ولو كان ذلك ليلاً، أو كان الجماع خارج المسجد؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
وفي حكمه الإنزال بشهوة بدون جماع كالاستمناء، ومباشرة الزوجة في غير الفرج.
3- ذهاب العقل، فيفسد الاعتكاف بالجنون والسكر، لخروج المجنون والسكران عن كونهما من أهل العبادة.
4- الحيض والنفاس؛ لعدم جواز مكث الحائض والنفساء في المسجد.
5- الردة؛ لمنافاتها العبادة، ولقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65].

.خامساً: كتاب الحج:

ويشتمل على سبعة أبواب:

.الباب الأول: في مقدمات الحج:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في تعريف الحج:

الحَجُّ في اللغة: القصد.
وفي الشرع: التعبد لله بأداء المناسك في مكان مخصوص في وقت مخصوص، على ما جاء في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.المسألة الثانية: حكم الحج وفضله:

1- حكم الحج: الحج أحد أركان الإسلام وفروضه العظام، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]. ولقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «بني الإسلام على خمس...»، وذكر منها الحج.
وقد أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع مرة واحدة في العمر.
2- فضله: ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة، منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حج لله، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه». إلى غير ذلك من الأحاديث.

.المسألة الثالثة: هل يجب الحج في العمر أكثر من مرة؟

لا يجب الحج في العمر إلا مرة واحدة وما زاد على ذلك فهو تطوع؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فقال: «لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم»، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة. وقد أجمع العلماء على أن الحج لا يجب على المستطيع إلا مرة واحدة.
وعليه أن يبادر بأدائه إذا تحققت شروطه، ويأثم بتأخيره لغير عذر؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تعجلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يَعْرِضُ له». وقد رُوي مرفوعاً وموقوفاً، من طرق يقوّي بعضها بعضاً: «من استطاع الحج فلم يحج، فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً».

.المسألة الرابعة: شروط الحج:

يشترط لوجوب الحج خمسة شروط:
1- الإسلام: فلا يجب الحج على الكافر ولا يصح منه؛ لأن الإسلام شرط لصحة العبادة.
2- العقل: فلا يجب الحج على المجنون ولا يصح منه في حال جنونه؛ لأن العقل شرط للتكليف، والمجنون ليس من أهل التكليف، ومرفوع عنه القلم، حتى يفيق، كما في حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق».
3- البلوغ: فلا يجب الحج على الصبي؛ لأنه ليس من أهل التكليف ومرفوع عنه القلم حتى يبلغ للحديث الماضي: «رفع القلم عن ثلاثة...»، لكن لو حج فحجه صحيح، وينوي له وليه إذا لم يكن مميزاً، ولا يكفيه عن حجة الإسلام، بلا خلاف بين أهل العلم؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر». ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيما صبيٍّ حج ثم بلغ، فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق، فعليه حجة أخرى».
4- الحرية: فلا يجب الحج على العبد؛ لأنه مملوك لا يملك شيئاً، لكن لو حج صحَّ حجه إن كان بإذن سيده. وقد أجمع أهل العلم على أن المملوك إذا حج في حال رقه، ثم أعتق، فعليه حجة الإسلام، إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، ولا يجزئ عنه ما حَجَّ في حال رقه؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الماضي ذكره: «وأيما عبد حج ثم عتق، فعليه حجة أخرى».
5- الاستطاعة: لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. فغير المستطيع مالياً، بأن كان لا يملك زاداً يكفيه ويكفي من يعوله، أو كان لا يملك راحلة توصله إلى مكة وترده. أو بدنياً بأن كان شيخاً كبيراً، أو مريضاً ولا يتمكن من الركوب وتحمل مشاق السفر، أو كان الطريق إلى الحج غير آمن، كأن يكون به قطاع طرق، أو وباء، أو غير ذلك مما يخاف الحاج معه على نفسه وماله، فإنه لا يجب عليه الحج حتى يستطيع، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] والاستطاعة من الوسع الذي ذكره الله، ومن الاستطاعة في حج المرأة: وجود المحرم الذي يرافقها في سفر الحج؛ لأنه لا يجوز لها السفر للحج ولا لغيره بدون محرم؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها»، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل الذي قال: إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا: «انطلق فحج معها». فإذا حجت بدون محرم فحجها صحيح، وتكون آثمة.

.المسألة الخامسة: حكم العمرة وأدلة ذلك:

تجب العمرة على المستطيع مرة واحدة في العمر؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة لما سألته: هل على النساء جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي رزين لما سأله أن أباه لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن. قال: «حج عن أبيك واعتمر».
وأركانها ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي.

.المسألة السادسة: مواقيت الحج والعمرة:

الميقات لغة: هو الحد. وشرعاً: هو موضع العبادة أو زمنها، فتنقسم المواقيت إلى: زمانية ومكانية.
أما المواقيت الزمانية للحج والعمرة:
فالعمرة يجوز أداؤها في جميع أوقات السنة.
وأما الحج فله أشهر معلومات لا يصح شيء من أعمال الحج إلا فيها؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
وأما المواقيت المكانية للحج والعمرة: فهي الحدود التي لا يجوز للحاج والمعتمر أن يتجاوزها إلا بإحرام. وقد بيَّنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «وَقَّتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة». فمن تعدى هذه المواقيت بدون إحرام وجب عليه الرجوع إليها إن أمكن، وإن لم يتمكن من الرجوع فعليه فدية، وهي شاة يذبحها في مكة، ويوزِّعها على مساكين الحرم.
أما من كانت منازلهم دون المواقيت، فإنهم يُحرمون من أماكنهم؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث السابق: «ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ».

.الباب الثاني: في أركان، الحج وواجباته، وفيه مسألتان:

.المسألة الأولى: في أركان الحج:

أركان الحج أربعة، هي:
1- الإحرام: وهو نية الحج وقصده؛ لأن الحج عبادة محضة فلا يصح بغير نية بإجماع المسلمين، والأصل في ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنيات»، والنية محلها القلب، لكن الأفضل في الحج النطق بها، مُعَيِّناً النسك الذي نواه، لثبوت ذلك من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- الوقوف بعرفة: وهو ركن بالإجماع، ودليله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحج عرفة»، ووقت الوقوف: من بعد الزوال يوم عرفة، إلى طلوع فجر يوم النحر.
3- طواف الزيارة: ويسمى طواف الإفاضة، لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفة، ويسمى طواف الفرض، وهو ركن بالإجماع؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
4- السعي بين الصفا والمروة: وهو ركن؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي».
وهذه الأركان لا يتم الحج إلا بها، فمن ترك ركناً منها لم يتم حجه، حتى يأتي به.