فصل: المسألة الأولى: قضاء الصيام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.المسألة الثانية: مكروهات الصيام:

يكره في حق الصائم بعض الأمور التي قد تؤدي إلى جرح صومه، ونقص أجره، وهي:
1- المبالغة في المضمضة والاستنشاق: وذلك خشية أن يذهب الماء إلى جوفه؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً».
2- القُبْلَة لمن تحرك شهوته، وكان ممن لا يأمن على نفسه: فيكره للصائم أن يقبل زوجته، أو أمته؛ لأنها قد تؤدي إلى إثارة الشهوة التي تجر إلى فساد الصوم بالإمناء أو الجماع، فإن أمن على نفسه من فساد صومه فلا بأس؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبِّل وهو صائم، قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان أملككم لأَرَبِه)- أي: حاجته-. وكذلك عليه تجنب كل ما من شأنه إثارة شهوته وتحريكها؛ كإدامة النظر إلى الزوجة، أو الأمة، أو التفكر في شأن الجماع؛ لأنه قد يؤدي إلى الإمناء، أو الجماع.
3- بلع النخامة: لأن ذلك يصل إلى الجوف، ويتقوى به، إلى جانب الاستقذار والضرر الذي يحصل من هذا الفعل.
4- ذوق الطعام لغير الحاجة: فإن كان محتاجاً إلى ذلك- كأن يكون طبَّاخاً يحتاج لذوق ملحه وما أشبهه- فلا بأس، مع الحذر من وصول شيء من ذلك إلى حلقه.

.الباب الرابع: في القضاء، والصيام المستحب، وما يكره ويحرم من الصيام:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: قضاء الصيام:

إذا أفطر المسلم يوماً من رمضان بغير عذر، وجب عليه أن يتوب إلى الله، ويستغفره؛ لأن ذلك جرم عظيم، ومنكر كبير، ويجب عليه مع التوبة والاستغفار القضاء بقدر ما أفطر بعد رمضان، ووجوب القضاء هنا على الفور على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأنه غير مرخَّص له في الفطر، والأصل أن يؤديه في وقته.
أما إذا أفطر بعذر كحيض أو نفاس أو مرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للفطر فإنه يجب عليه القضاء، غير أنه لا يجب على الفور، بل على التراخي إلى رمضان الآخر، لكن يندب له، ويستحب التعجيل بالقضاء، لأن فيه إسراعاً في إبراء الذمة، ولأنه أحوط للعبد؛ فقد يطرأ له ما يمنعه من الصوم كمرض ونحوه. فإن أخَّره حتى رمضان الثاني، وكان له عذر في تأخيره، كأن استمر عذره، فعليه القضاء بعد رمضان الثاني.
أما إن أخَّره إلى رمضان الثاني بغير عذر، فعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم.
ولا يشترط في القضاء التتابع، بل يصح متتابعاً ومتفرقاً، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فلم يشترط سبحانه في هذه الأيام التتابع، ولو كان شرطاً لبيَّنه سبحانه وتعالى.

.المسألة الثانية: الصيام المستحب:

من حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده: أن جعل لهم من التطوع ما يماثل الفرائض، وذلك زيادة في الأجر والثواب للعاملين، وجبراً للنقص والخلل الذي قد يطرأ على الفريضة، فقد سبق معنا: أن الفرائض تكمل من النوافل يوم القيامة. والأيام التي يستحب صيامها هي:
1- صيام ستة أيام من شوال: لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر».
2- صيام يوم عرفة لغير الحاج: لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده». أما الحاجُّ فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر في ذلك اليوم والناس ينظرون إليه، ولأنه أقوى للحاج على العبادة والدعاء في ذلك اليوم.
3- صيام يوم عاشوراء: فقد سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم عاشوراء؟ فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله». ويستحب صيام يوم قبله أو يوم بعده؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، خالفوا اليهود».
4- صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع: لحديث عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحرى صيام الاثنين والخميس»، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم».
5- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن عمرو: «صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام». ويستحب أن تكون الأيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كان منكم صائماً من الشهر فليصم الثلاث البيض».
6- صوم يوم وإفطار يوم: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفضل الصيام صيام داود عليه السلام؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً». وهذا من أفضل أنواع التطوع.
7- صيام شهر الله المحرم: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».
8- صيام تسع ذي الحجة: وتبدأ من أول يوم من شهر ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في فضل العمل فيها؛ فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر». والصوم من العمل الصالح.

.المسألة الثالثة: ما يكره ويحرم من الصيام:

1- يكره إفراد شهر رجب بالصيام؛ لأن ذلك من شعائر الجاهلية، وقد كانوا يعظمون هذا الشهر، فلو صامه مع غيره لم يكره؛ لأنه لا يكون حينئذ مُخَصِّصاً له بالصيام. روى أحمد بن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف المترجِّبين، حتى يضعوها في الطعام، ويقول: (كلوا، فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية).
2- يكره إفراد يوم الجمعة بصيام؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تصوموا يوم الجمعة، إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده». فإن صامه مع غيره فلا بأس بذلك، للحديث الماضي.
3- يكره إفراد يوم السبت بصيام؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم». والمقصود: النهي عن إفراده، وتخصيصه بالصيام، أما إذا ضُمَّ إلى غيره فلا بأس، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأم المؤمنين جويرية وقد دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة: «أصمتِ أمس؟» قالت: لا. قال: «تريدين أن تصومي غداً؟» قالت: لا. قال: «فأفطري». فدل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تريدين أن تصومي غداً» على جواز صيام يوم السبت مع غيره. قال الإمام الترمذي- رحمه الله- عقب إخراجه حديث النهي الماضي: ومعنى الكراهية في هذا: أن يختص الرجل يوم السبت بصيام؛ لأن اليهود يعظِّمون يوم السبت.
4- تحريم صيام يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال، فإن كانت السماء صحواً فلا شك. ودليل تحريمه: حديث عمار رضي الله عنه قال: (من صام اليوم الذي يشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم).
ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يتقدمَن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم». والمعنى: لا يتقدم أحد رمضان بصوم يوم يُعَدُّ منه بقصد الاحتياط، فإن صومه مرتبط بالرؤية، فلا حاجة إلى التكلف، أما من كان له ورد يصومه فلا شيء عليه؛ لأن ذلك ليس من استقبال رمضان. ويستثنى من ذلك أيضاً: القضاء والنذر لوجوبهما.
5- يحرم صوم يومي العيدين، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم يوم الفطر والنحر»، ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «هذان يومان نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم».
6- يكره صوم أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها: «أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل». ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب». ورُخِّص في صيامها للمتمتع والقارن إذا لم يجدا ثمن الهدي؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، قالا: (لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمن إلا لمن لم يجد الهدي).

.الباب الخامس: في الاعتكاف:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: تعريف الاعتكاف وحكمه:

1- تعريفه: الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه.
وفي الشرع: لزوم المسلم المميز مسجداً لطاعة الله عز وجل.
2- حكمه: وهو سنة وقربة إلى الله تعالى؛ لقوله عز وجل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]. وهذه الآية دليل على مشروعيته حتى في الأمم السابقة. وقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
وعن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله».
وأجمع المسلمون على مشروعيته، وأنه سنة، لا يجب على المرء إلا أن يوجبه على نفسه كأن ينذره.
فثبتت سُنيَّة الاعتكاف ومشروعيته، بالكتاب، والسنة، والإجماع.

.المسألة الثانية: شروط الاعتكاف:

الاعتكاف عبادة لها شروط لا تصح إلا بها، وهي:
1- أن يكون المعتكف مسلماً مميزاً عاقلاً: فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصبي غير المميز؛ أما البلوغ والذكورية فلا يشترطان، فيصح الاعتكاف من غير البالغ إذا كان مميزاً، وكذلك من الأنثى.
2- النية: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنيات». فينوي المعتكف لزوم معتكفه؛ قربةً وتعبداً لله عز وجل.
3- أن يكون الاعتكاف في مسجد: لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} ِ [البقرة: 187]. ولفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل عنه أنه اعتكف في غيره.
4- أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه صلاة الجماعة: وذلك إذا كانت مدة الاعتكاف تتخللها صلاة مفروضة، وكان المعتكف ممن تجب عليه الجماعة، لأن الاعتكاف. في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة يقتضي ترك الجماعة وهي واجبة عليه، أو تكرار خروج المعتكف كل وقت، وهذا ينافي المقصود من الاعتكاف، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد سواء أقيمت فيه الجماعة أم لا. هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة منعت. والأفضل أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه الجمعة، لكن ذلك ليس شرطاً للاعتكاف.
5- الطهارة من الحدث الأكبر: فلا يصح اعتكاف الجنب، ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد.
أما الصيام فليس بشرط في الاعتكاف؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: «أوف بنذرك». فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل، لأنه لا صيام فيه. ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لإحداهما وجود الأخرى.