فصل: الباب التاسع: في صلاة أهل الأعذار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.المسألة الخامسة: ما يتحمله الإمام عن المأموم:

يتحمل الإمام عن المأموم القراءة في الصلاة الجهرية، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: «وإذا قرأ فأنصتوا». ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كان له إمام فقراءته له قراءة». أما في السرية فإن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم.

.المسألة السادسة: مسابقة الإمام:

لا يجوز للمأموم مسابقة إمامه، فمن أحرم قبل إمامه لم تنعقد صلاته؛ لأن شرطه أن يأتي بها بعد إمامه وقد فاته. وعلى المأموم أن يشرع في أفعال الصلاة بعد إمامه؛ لحديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا».
فإن وافقه فيها أو في السلام كره لمخالفته السنة، ولم تفسد صلاته؛ لأنه اجتمع معه في الركن. وإن سبقه حرم؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام». والنهي يقتضي التحريم. وعن أبي هريرة مرفوعاً: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟».

.المسألة السابعة: أحكام متفرقة في الإمامة والجماعة:

ومن الأحكام المتعلقة بالإمامة والجماعة غير ما تقدَّم:
1- استحباب قرب أولي الأحلام والنهى من الإمام: فيقدم أولو الفضل والعقل والحلم والأناة خلف الإمام وقريباً منه، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليلني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
والحكمة في ذلك: أن يأخذوا عن الإمام، ويفتحوا عليه في القراءة إذا احتاج إلى ذلك، ويستخلف منهم من شاء إذا نابه شيء في الصلاة.
2- الحرص على الصف الأول: يستحب للمأمومين أن يتقدموا إلى الصف الأول ويحرصوا عليه ويحذروا من التأخر؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا».
أما النساء فيستحب أن يَكُنَّ في الصفوف المتأخرة، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها».
3- تسوية الصفوف والتراص فيها، وسد الفرج، وإتمام الصف الأول فالأول: يستحب للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الفرج قبل الدخول في الصلاة، لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، ولقوله. «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة». وعن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم وتراصُّوا، فإني أراكم من وراء ظهري». وقال أنس رضي الله عنه: (كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه).
ويستحب إتمام الصف الأول فالذي يليه، فإذا كان نقص فليكن في آخر الصفوف؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا تصفُّون كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأُول، ويتراصون في الصف».
4- صلاة المنفرد خلف الصف: لا تصح صلاة الرجل وحده منفرداً خلف الصف، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف». ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة.

.الباب التاسع: في صلاة أهل الأعذار:

أهل الأعذار: هم المرضى والمسافرون والخائفون الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة، على الصفة التي يؤديها غير المعذور، فقد خفف الشارع عنهم، فيصلون حسب استطاعتهم. قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. فكلما وُجدت المشقة وُجد التيسير.
أ- كيفية صلاة المريض:
والمريض: هو الذي اعتلت صحة بدنه، سواء كان ذلك كلياً أو جزئياً.
ويلزم المريض أن يصلي المكتوبة قائماً على أيّ صفة كان، ولو على هيئة الراكع لمن بظهره مرض لا يستطيع أن يمد ظهره، أو مستنداً إلى جدار أو عمود أو على عصا؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه»؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمران بن حصين: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب». فإن عجز عن ذلك كله صلى على حسب حاله لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ولا تسقط الصلاة عن المريض ما دام عقله ثابتاً، حتى لو صَلَّاها بالإيماء؛ لقدرته على ذلك مع النية.
ويومئ المريض المصلي جالساً في الركوع والسجود برأسه إيماءً، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بعينه.
ب- صلاة المسافر وتشتمل على:
أولاً: قصر الصلاة الرباعية، وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في حكم القصر:

لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قصر الصلاة الرباعية للمسافر، ودليل ذلك: القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن: فقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101].
والقصر جائز في السفر في حال الخوف وغيره، فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن القصر وقد أمن الناس: «صدقة تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته»، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاءه داوموا عليه. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إني صحبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله...». ثم ذكر عمر وعثمان رضي الله عنهم. وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً: «إن الله يحب أن تُؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته».
وأما الإجماع: فالقصر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وقد أجمعت عليه الأمة. وعلى هذا: فالمحافظة على هذه السنة والأخذ بهذه الرخصة أولى وأفضل من تركها، بل كره بعض أهل العلم الإتمام في السفر؛ وذلك لشدة مداومة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه على هذه السنة، وأن ذلك كان هديه المستمر الدائم.

.المسألة الثانية: في تحديد الصلاة التي يجوز فيها القصر:

الصلاة التي يجوز فيها القصر هي الصلاة الرباعية، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء، ولا تقصر صلاة الصبح ولا المغرب إجماعاً؛ لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من بعده، ولقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين...). فدلَّ على أن الرباعية هي المقصودة.

.المسألة الثالثة: في حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ونوعه:

حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ستة عشر فرسخاً تقريباً، وهي أربعة بُرُد، وبالأميال ثمانية وأربعون ميلاً، وهو ما يقارب ثمانين كيلو متراً. وهي يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام. وسمى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً وليلة سفراً. وكان ابن عباس وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً.
وأما نوعه: فهو السفر المباح؛ كالسفر للتجارة والنزهة، والسفر الواجب؛ كالسفر للحج والجهاد، والسفر المسنون المستحب؛ كالسفر للزيارة، والسفر للمرة الثانية في الحج، وعلى هذا فالسفر المحرم لا يجوز فيه القصر، على رأي كثير من العلماء.

.المسألة الرابعة: هل يقصر من نوى الإقامة؟

من نوى الإقامة يحتاج إلى تفصيل، وبيان ذلك: أنه إن نوى الإقامة المطلقة لم يقصر؛ لانعدام السبب المبيح للقصر في حقه. كذلك إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام، أو أقام لحاجة وظن ألَّا تنقضي إلا بعد الأربعة؛ «لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها، وذلك أنه قدم صبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية، فصلى الصبح، ثم خرج». فمن أقام أربعة أيام أو أقل مثل إقامته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصر ومن زاد أتم. ذكره الإمام أحمد. قال أنس: (أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة). ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشر. ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام، ولا يدري: متى تنقضي؛ أو حبس ظلماً أو بمطر ولو أقام سنين. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر ما لم يُجْمع إقامة.

.المسألة الخامسة: الحالات التي يجب على المسافر فيها إتمام الصلاة:

هناك صور وحالات تستثنى من جواز القصر في السفر، منها:
1- إذا ائتم المسافر بمقيم: فيلزمه الإتمام، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به»، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن الإتمام خلف المقيم: (تلك سُنَّة أبي القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
2- إذا ائتم بمن يشك فيه هل هو مسافر أو مقيم: فإذا دخل في الصلاة خلف إمام ولا يدري أهو مسافر أم مقيم- كأن يكون في الطار ونحوه- فإنه يلزمه الإتمام؛ لأن القصر لابد له من نية جازمة، أما مع التردد فإنه يتم.
3- إذا ذكر صلاة حضر في السفر: كرجل مسافر، وفي أثناء سفره تذكر أنه صلى الظهر في بلده بغير وضوء أو تذكر صلاة فائتة في الحضر، هنا يلزمه أن يصليها تامة؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها».
يعني: يصليها كما هي؛ ولأن هذه الصلاة لزمته تامة فيجب عليه قضاؤها تامة.
4- إذا أحرم المسافر بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها: كأن يصلي المسافر خلف مقيم فيلزمه في هذه الحالة الإتمام، فإذا فسدت عليه هذه الصلاة، ثم أعادها، لزمه إعادتها تامة؛ لأنها إعادة لصلاة واجبة الإتمام.
5- إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة أو الاستيطان: إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة في البلد الذي سافر إليه دون أن يقيد ذلك بزمن معين أو عمل معين، وكذلك إذا نوى اتخاذ هذه البلد وطناً له، فإنه يلزمه إتمام الصلاة؛ لأنه قد انقطع حكم السفر في حقه. فإذا قيد السفر بزمن معين ينتهي، أو عمل ينقضي، فإنه مسافر يقصر الصلاة.
ثانياً: الجمع بين الصلاتين، وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في مشروعية الجمع بين الصلاتين، ومن يباح له ذلك:

يباح بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما؛ لحديث معاذ: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أَخَّرَ الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار. وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء». وسواء أكان سائراً أم نازلاً؛ لأنها رخصة من رخص السفر فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه. إلا أن الأفضل للنازل عدم الجمع؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجمع بمنى وقد كان نازلاً.
ويباح الجمع لمقيم مريض يلحقه بتركه مشقة؛ لقول ابن عباس: «جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر» وفي رواية «من غير خوف ولا سفر» فلم يبق إلا عذر المرض، ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين». والاستحاضة نوع من المرض، وقد قيل لابن عباس في الحديث الماضي: لمَ فعل ذلك؟ قال: «كي لا يُحرِجَ أمَّتَه». فمتى لحق الإنسان مشقة وحرج بترك الجمع جاز له الجمع، مريضاً كانأو معذوراً بغير المرض، مقيماً كان أو مسافراً. فمن الأعذار التي تبيح الجمع أيضاً غير السفر والمرض:
1- المطر الكثير الغزير الذي يبل الثياب، ويلحق المكلف بسببه مشقة.
2- الوحل والطين، وذلك إذا كان يشق على الناس بسببه المشي.
3- الريح الشديدة الباردة التي تخرج عن العادة، وغير ذلك من الأعذار التي يلحق بالمكلف مشقة إذا ترك الجمع معها.

.المسألة الثانية: في حد الجمع المشروع:

وحدّ الجمع المشروع هو الجمع بين صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالنسبة للمسافر ومن في حكمه، وكذا الجمع في الحضر بسبب المطر وما في حكمه، فيجوز بين العشاءين والظهرين؛ لحديث ابن عباس الماضي قبل قليل، وقد فعله أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولأن العلة من الجمع بين العشاءين وجود المشقة، وهي في الظهرين أيضاً.