فصل: وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا فَصْلُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا فَصْلُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ:

قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ وَفِي يَدِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ يَزْرَعُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ الْبَذْرَ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ وَأَنَّهُ شَرَطَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الزَّرْعِ، ثُمَّ مَاتَ وَأَنْكَرَ الْغُرَمَاءُ ذَلِكَ، يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَرِيضُ أَقَرَّ بِهَذَا بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى إقْرَارِهِ وَبُدِئَ بِدَيْنِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، وَإِذَا قَضَى دَيْنَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ يُعْطَى لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ أَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ يَكُونُ وَصِيَّةً لِرَبِّ الْأَرْضِ فَيُسَلَّمُ لَهُ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ.
وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِذَلِكَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ صُدِّقَ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، فَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ فَبَقِيَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ أَعْطَى صَاحِبَ الْأَرْضِ تَمَامَ الْمَشْرُوطِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنُ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنُ الْمَرَضِ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ وَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ أَقَرَّ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ بُدِئَ بِحَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ فَيُعْطَى لَهُ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ مِنْ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ إنْ كَانَ ثُلُثَا الْخَارِجِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَرِيضِ بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالْمُزَارَعَةِ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يُعْطَى لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ سَابِقًا فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُحَاصُّ الْمُقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ بِمِقْدَارِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ، هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمُزَارَعُ بِمَا ذَكَرْنَا وَالْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارَعِ،
فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ صُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ اسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ رَبَّ الْأَرْضِ وَأَقَرَّ بِمَا قُلْنَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْمُزَارِعِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ نَخِيلًا مُعَامَلَةً فَلَمَّا صَارَ تَمْرًا مَرِضَ الْعَامِلُ فَقَالَ: شَرَطَ لِي رَبُّ النَّخِيلِ السُّدُسَ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ رَبُّ النَّخِيلِ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ.
فَإِنْ قَالَ وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَوْ غُرَمَاؤُهُ: نَحْنُ نُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ، وَلَوْ طَلَبُوا اسْتِحْلَافَ رَبِّ النَّخِيلِ عَلَى دَعْوَاهُمْ لَمْ يَحْلِفْ رَبُّ النَّخِيلِ عَلَى دَعْوَاهُمْ قَالُوا: مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ لَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى دَعْوَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُ مَا شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَيُسْتَحْلَفُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ حَيًّا وَأَقَرَّ أَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ شَرَطَ لَهُ السُّدُسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ رَبُّ النَّخِيلِ مَا شَرَطَ لَهُ السُّدُسَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ وَأَنِّي أَقْرَرْتُ بِالسُّدُسِ كَاذِبًا وَطَلَبِ يَمِينَ رَبِّ النَّخِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ رَبُّ النَّخِيلِ.
هَذَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ أَجْنَبِيًّا مِنْ رَبِّ النَّخِيلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ وَارِثَ رَبِّ النَّخِيلِ فَأَقَرَّ الْعَامِلُ أَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ شَرَطَ لَهُ السُّدُسَ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ الثَّمَرُ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَوْ غُرَمَاؤُهُ: نَحْنُ نُقِيمُ بَيِّنَةً أَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ سَمِعَ بَيِّنَتَهُمْ، وَلَوْ طَلَبُوا يَمِينَ رَبِّ النَّخِيلِ عَلَى ذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ رَبُّ النَّخِيلِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ دَفَعَ إلَى وَارِثِهِ نَخْلًا مُعَامَلَةً وَالثَّمَرُ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدُ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ بُدِئَ بِدَيْنِ الْعَامِلِ فَيُعْطَى لَهُ مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ، ثُمَّ يُقْضَى الدَّيْنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِمَرِيضٍ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلُهُمَا، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، فَإِنْ قَالَ الْوَارِثُ الْعَامِلُ: بَقِيَ لِي إلَى تَمَامِ حَقِّي شَيْءٌ لَمْ يَصِلْ إلَيَّ، وَقَالَ بَاقِي الْوَرَثَةِ: لَمْ يَبْقَ لَكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَقَّكَ كَانَ أَجْرَ الْمِثْلِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ، فَأَرَادَ الْعَامِلُ اسْتِحْلَافَ بَاقِي الْوَرَثَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ قَالَ الْوَارِثُ الْعَامِلُ: كَانَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَالْإِقْرَارُ كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمْ، وَإِنْ قَالَ: كَانَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ فِي حَالِ الْمَرَضِ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الرَّهْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ):

رَهَنَ أَرْضًا وَنَخْلًا لَهُ فَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ: اسْقِهِ وَأَلْقِحْهُ وَاحْفَظْهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَانِ فَقَبِلَ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي التَّلْقِيحِ وَالسَّقْيِ دُونَ الْحِفْظِ وَالْأَرْضُ وَالْخَارِجُ رَهْنٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَرْضًا مَزْرُوعَةً صَارَ الزَّرْعُ بَقْلًا فِيهَا، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَمُزَارَعَةُ الرَّاهِنِ وَالْبَذْرُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ جَائِزَةٌ وَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِتَجْدِيدٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الرَّاهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهَا رَهْنًا بَعْدَ الزَّرْعِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ أَرْضًا بَيْضَاءَ وَفِيهَا نَخِيلٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ سَنَةً بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِالنِّصْفِ وَيَقُومُ عَلَى النَّخِيلِ وَيَسْقِيهِ وَيُلَقِّحُهُ وَيَحْفَظُهُ بِالنِّصْفِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْمُزَارَعَةَ عَلَى الْأَرْضِ جَازَتْ وَتَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْمُعَامَلَةَ عَلَى النَّخِيلِ لَا تَجُوزُ فَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا جَازَ مَا يَجُوزُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَبَطَلَ مَا يَبْطُلُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَفَسَادُ الْمُعَامَلَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمُزَارَعَةِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ مَعَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ):

إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ أَرْضَهُ عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى- مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْعَبْدُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُزَارَعَةٌ شُرِطَ فِيهَا عِتْقٌ وَعِتْقٌ شُرِطَ فِيهِ مُزَارَعَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ عَقْدٍ آخَرَ فِيهَا وَالْعِتْقُ لَا يَبْطُلُ، فَإِنْ زَرَعَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْعَبْدِ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِمَوْلَاهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُزَارَعَاتِ الْفَاسِدَاتِ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا قِيمَةُ نَفْسِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي): أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى وَمِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا وَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْخَارِجُ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ أَجْرُ مِثْلِ الْعَبْدِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ الْمُكَاتَبُ أَرْضَ الْمَوْلَى سَنَتَهُ هَذِهِ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى وَمَنْ جَانِبِ الْمُكَاتَبِ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ.
وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا، وَإِذَا فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْقُضَهَا كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُضْهَا حَتَّى زَرَعَ الْمُكَاتَبُ الْأَرْضَ وَأَخْرَجَتْ زَرْعًا فَجَمِيعُ مَا خَرَجَ لِلْمَوْلَى، وَلِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّهُ أَوْجَدَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ زِرَاعَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ هَذِهِ السَّنَةَ وَزِرَاعَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ هَذِهِ السَّنَةَ مَعْلُومَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَإِذَا كَانَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ مَعْلُومًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقَدْ أَوْجَدَهُ الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى رِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ وَأَدَّى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ قِيمَتُهُ، وَلِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً تَقَاصَّا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرٍ مِثْلِ عَمَلِ الْمُكَاتَبِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ أَكْثَرَ لَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ قِبَلِ الْمُكَاتَبِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ فَاسِدَتَانِ أَيْضًا، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْقُضَ الْكِتَابَةَ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُضْهَا حَتَّى أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا لَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ، وَالْجَوَابُ فِي الْمُعَامَلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي التَّزْوِيجِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ):

وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمُزَارَعَةِ أَرْضِهِ هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا الْمَرْأَةُ بِبَذْرِهَا وَعَمَلِهَا فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَصَدَاقُهَا مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ، فَإِنْ زَرَعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ فَأَخْرَجَتْ أَوْ لَمْ تُخْرِجْ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فَالْخَارِجُ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَلَيْهَا نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ أَجْرِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ اسْتَوْفَتْ مَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ فَصَارَ قِصَاصًا، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ تَرُدُّ عَلَيْهِ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا إلَى تَمَامِ أَجْرِ الْأَرْضِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ رُبْعُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا الْمُتْعَةُ.
وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا رُبْعُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ صَدَاقًا وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ تَمَامُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ لِفَسَادِ الْمُزَارَعَةِ فَيَتَقَاصَّانِ بِقَدْرِ الرُّبْعِ وَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ إلَى تَمَامِ أَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا الْمُتْعَةُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ لَمَّا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَوَجَبَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَلَا يَتَقَاصَّانِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ جَمِيعِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَدْ وَجَبَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ.
وَقَدْ وَجَبَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، فَبِقَدْرِ النِّصْفِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الْأَجْرِ عَلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ أَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ أَجْرِ جَمِيعِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا لَا تَرُدُّ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَمِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ الْأَرْضُ لَا غَيْرُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ مِنْ جَانِبِهَا الْأَرْضُ وَمِنْ جَانِبِهِ الْبَذْرُ وَالْعَمَلُ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ.
وَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ، وَإِذَا زَرَعَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلزَّوْجِ، وَعَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِلْمَرْأَةِ، وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بَذَلَ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا نِصْفَ الْخَارِجِ وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَتَسْمِيَةُ مَا هُوَ مَجْهُولٌ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا.
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ هُنَاكَ الزَّوْجُ بَذَلَ بِإِزَاءِ بُضْعِهَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَيُمْنَعُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ قَبْلَ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ فَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ الْمُتْعَةُ وَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ فَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمُتْعَةُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَأَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْأَرْضُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَمِنْ جَانِبِهَا مُجَرَّدُ الْعَمَلِ فَهَذَا وَمَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ جَانِبِهَا وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ فَهَذَا وَمَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبِهَا سَوَاءٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا نَخْلًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَعَمَلِهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَ الْعَمَلَ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَنِصْفِ الْخَارِجِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(وَأَمَّا مَسَائِلُ الْخُلْعِ) فَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي بَابِ الْخُلْعِ نَظِيرُ الرَّجُلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْبَذْلُ فِي الْخُلْعِ الْمَرْأَةُ، وَمَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْبَذْلُ فِي بَابِ النِّكَاحِ الزَّوْجُ، فَإِنْ بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ مَنْفَعَةَ أَرْضِهَا أَوْ مَنْفَعَةَ نَفْسِهَا فَلِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِسَبَبِ الْخُلْعِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمَهْرِ الَّذِي سَمَّى لَهَا وَمِنْ أَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَإِنْ بَذَلَتْ نِصْفَ الْخَارِجِ مِنْهَا يَقَعُ الْخُلْعُ بِالْمَهْرِ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَالْجَوَابُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْخُلْعِ إنْ كَانَ مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْبَذْلُ وَهُوَ الْقَاتِلُ بَذَلَ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ أَوْ نَفْسِهِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَنِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ وَمِنْ أَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَإِنْ بَذَلَ الْقَاتِلُ نِصْفَ الْخَارِجِ بِأَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ عَلَى الْقَاتِلِ جَمِيعُ الدِّيَةِ وَالْعَفْوُ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ، هَذَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْخَطَأِ أَوْ عَنْ عَمْدٍ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ حَتَّى كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْمَالُ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالصُّلْحَ جَمِيعًا يَفْسُدَانِ وَيَبْقَى حَقُّ الْوَلِيِّ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ قِبَلَ الْجَانِي كَمَا قَبْلَ الصُّلْحِ، وَإِذَا فَسَدَ الصُّلْحُ صَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَيَبْقَى حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي التَّوْكِيلِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ):

لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً أَوْ نَخِيلَهُ مُعَامَلَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ جَازَ إنْ عَيَّنَ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ فِي التَّوْكِيلِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ يَنْصَرِفُ إلَى أَوَّلِ زِرَاعَةِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْخَارِجَ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَكَذَا فِي مُعَامَلَةِ النَّخِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ جَازَ دَفْعُهُ بِقَلِيلٍ وَكَثِيرٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ، وَإِنْ خَالَفَ الْأَمْرَ صَارَ غَاصِبًا، وَإِنْ وَافَقَ فَحَقُّ قَبْضِ الْخَارِجِ لِلْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ، وَكَذَا فِي مُعَامَلَةِ الْأَشْجَارِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ هَذِهِ مُزَارَعَةً فَأَعْطَاهَا رَجُلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ سِمْسِمًا أَوْ أُرْزًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ هَذِهِ الْأَرْضَ وَبَذْرًا مَعَهَا مُزَارَعَةً فَأَخَذَهَا مَعَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبَاتِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً فَأَخَذَهَا مِنْ صَاحِبِهَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ شَعِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ إلَّا مَا شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ أَرْضًا لَهُ مُزَارَعَةً هَذِهِ السَّنَةَ فَآجَرَهَا لِيَزْرَعَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا بِكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ أَوْ بِكُرٍّ مِنْ شَعِيرٍ وَسَطٍ أَوْ سِمْسِمٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ فَذَلِكَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ مُخَالِفٌ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُزَارَعَةِ لِيَكُونَ شَرِيكًا فِي الْخَارِجِ.
وَقَدْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ حِينَ آجَرَهَا بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَنْفَعَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً فَلَمْ يَزْرَعْهَا أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ شَيْءٌ، وَهُنَا نُقَرِّرُ حَقَّ رَبِّ الْأَرْضِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ زِرَاعَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ أَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ آفَةٌ، وَمَتَى أَتَى الْوَكِيلُ بِجِنْسِ مَا أَمَرَ بِهِ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْآمِرِ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا بَدَا لَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ غَيْرُ مُفِيدٍ هُنَا فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الدَّفْعِ مُزَارَعَةً، وَإِنْ آجَرَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يَزْرَعُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْجِنْسِ فَرَبُّ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً وَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ، فَإِذَا آجَرَهَا الْوَكِيلُ بِشَيْءٍ لَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ كَانَ مُخَالِفًا فِي جِنْسِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَاسْتَأْجَرَهَا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ كُرُّ حِنْطَةٍ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الْآمِرُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَهَا لَهُ مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا الْمُزَارِعُ، وَيَكُونُ لِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَاهُ لَمْ يَجُزْ هَذَا عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْمُزَارِعُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، فَمَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ يَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ الْخَارِجِ وَقَدْ أَتَى بِضِدِّهِ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ وَالثُّلُثَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا عَمَلُ الْعَامِلِ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَإِذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُؤَجِّرَ أَرْضَهُ سَنَةً بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا كَانَ الْوَكِيلُ مُخَالِفًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَدَفَعَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثُ جَازَ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: إنَّمَا عَيَّنْتُ لِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُزَارِعِ):

وَلَوْ كَانَ الْأَكَّارُ تَرَكَ سَقْيَ الْأَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِسَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الزَّرْعِ نَابِتًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ حِينَ صَارَ الزَّرْعُ بِحَالٍ يَضُرُّهُ تَرْكُ السَّقْيِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّرْعِ قِيمَةٌ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ فَيَضْمَنُ نِصْفَ فَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
أَخَّرَ الْأَكَّارُ السَّقْيَ إنْ كَانَ تَأْخِيرًا مُعْتَادًا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَإِذَا تَرَكَ الْأَكَّارُ حِفْظَ الزَّرْعِ حَتَّى أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَضْمَنُ، وَإِذَا لَمْ يَطْرُدْ الْجَرَادَ حَتَّى أَكَلَ الزَّرْعَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْجَرَادُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ طَرْدُهُ وَدَفْعُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَرَكَ الْأَكَّارُ الْحِفْظَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَجِبُ الضَّمَانُ وَمَا لَا فَلَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الزَّرْعَ فَأَمَّا إذَا أَدْرَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
الذَّارِيُّ: يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ كَدَسِّهِ لَيْلًا إذَا كَانَ الْحِفْظُ عَلَيْهِ مُتَعَارَفًا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَوْ أَنَّ الْمُزَارِعَ حَصَدَ الزَّرْعَ وَجَمَعَ وَدَاسَ بِغَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَحِصَّةُ الدَّافِعِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتَغَافَلَ عَنْهُ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَضْمَنُ الْهَالِكَ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ تَأْخِيرًا لَا يَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَهُ يَضْمَنُ، وَإِذَا أَخَّرَ تَأْخِيرًا يَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَهُ لَا يَضْمَنُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ بَلْخٍ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- مِنْ صِحَّةِ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ عَلَى الْمُزَارِعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَكَذَا هَذَا فِي اجْتِنَاءِ الْقُطْنِ إذَا انْفَتَقَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
تَرَكَ الْأَكَّارُ إخْرَاجَ الْجَزَرِ وَالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَكَانَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حَرْثٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَسَدَ الزَّرْعُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَأَمَرَهُ الْقَاضِي فَامْتَنَعَ ضَمِنَ إذَا فَسَدَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ إذَا كَانَ بَقَرُ الْمَالِكِ فِي يَدِ الْأَكَّارِ فَبَعَثَ إلَى الرَّاعِي إلَى السَّرْحِ لَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا الرَّاعِي وَالْبَقَرُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَى هَذَا، قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُفْتَى بِهَذَا لِأَنَّ الْمُودَعَ يَحْفَظُ مَالَ الْوَدِيعَةِ كَمَا يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَحْفَظُ بَقَرَهُ فِي السَّرْحِ فَكَذَا بَقَرُ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ تَرَكَ الْبَقَرَ يَرْعَى فَضَاعَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْأَصْلِ: إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ وَجَعَلَ الْبَدَلَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْمُزَارَعِ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ زَرَعَ الْمُزَارَعُ سَنَتَهُ هَذِهِ كُلَّهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ السَّنَةُ وَاسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ اسْتَهْلَكَ الْمُزَارَعُ الْكُرَّ الَّذِي بِهِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ طَعَامُ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ، وَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُزَارِعِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَتَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا وَقِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ اسْتَسْقَى أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ قِيلَ: يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
سُئِلَ (مُعْتَاد آنَسَتْ كه كديوران بتابستان درباغ باشند وَاكَرٍ كديوري بتابستان درباغ نباشد وَبَاغٍ راضايع ماند تادرخت بركند نديا جوب وارنج بردند) اتَّفَقَتْ الْأَجْوِبَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الكديور الضَّمَانَ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ (مُعْتَادُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ آنست كه كديوران درز مستان در محلها ميبا شندنه درباغها أَمَّا وَقْت تابستان درباغها در آيند وباغ را مطالعه كنندو آن مطالعه را از جُمْلَة حفظ دانندوا كر بزمستان كسي درباغ بيايد وُجُوبهَا وارنج ببرديا درختان بركند حُكْم مَسْأَلَة آنست كه أكر كديور مطالعه مُعْتَاد كرد تاوان دَار نشودو اكر مطالعه مُعْتَاد نكرده باشد تاوان دَار شود)، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْعِشْرُونَ فِي الْكَفَالَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ):

وَلَوْ شَرَطَ الْكَفَالَةَ بِالزِّرَاعَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْبَذْرِ مِنْ الْعَامِلِ فَسَدَتَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكَفَالَةُ مَشْرُوطَةً فِيهَا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَصَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ مَتَى كَانَ مِنْ الْعَامِلِ فَالْعَمَلُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ عَمِلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَالْكَفَالَةُ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ فَاسِدَةٌ، وَمَتَى شَرَطَا فِي الْمُزَارَعَةِ فَقَدْ شَرَطَا شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَمَتَى لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهَا فَقَدْ خَلَا الْعَقْدُ عَنْ الْمُفْسِدِ فَصَحَّ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلَ الْمُزَارَعِ بِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، فَإِنْ شَرَطَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالْمُزَارَعَةُ جَمِيعًا كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَضْمُونٍ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُزَارَعِ يُجْبَرُ عَلَى إيفَائِهِ وَقَدْ لَزِمَهُ هَذَا الْعَمَلُ بِحُكْمِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَكْفُولُ لَهُ وَالْكَفِيلُ بِالْعَمَلِ وَعَمِلَ ذَلِكَ الْكَفِيلُ فَلِلْكَفِيلِ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِهِ، فَأَمَّا إذَا شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلَ الْمُزَارَعِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ فَسَدَتَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُزَارَعِ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَتْ هَذِهِ كَفَالَةً بَاطِلَةً كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَالْجَوَابُ فِي الْمُعَامَلَةِ إذَا أَخَذَ رَبُّ النَّخِيلِ مِنْ الْعَامِلِ كَفِيلًا بِالْعَمَلِ نَظِيرَ الْجَوَابِ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ وَأَخَذَ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ الْمُزَارِعِ كَفِيلًا بِحِصَّتِهِ أَوْ أَخَذَ الْمُزَارِعُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ كَفِيلًا بِحِصَّتِهِ فَهَذِهِ الْكَفَالَةُ حَصَلَتْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ، فَإِنْ شُرِطَتْ فِي الْمُزَارَعَةِ تُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ وَمَا لَا فَلَا وَإِنْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْمُزَارَعَةِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِي الْمُزَارَعَةِ فَالْمُزَارَعَةُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي مُزَارَعَةِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ):

الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً بِشَرَائِطِهَا فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارَعِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مُزَارَعَةً بِشَرَائِطِهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ يَمْلِكُ أَخْذَ الْأَرْضِ وَدَفْعَهَا مُزَارَعَةً، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
دَفَعَ الْمَأْذُونُ لَهُ أَرْضًا لَهُ مُزَارَعَةً، ثُمَّ حَجَرَهُ الْمَوْلَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارَعِ، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارَعِ بَقِيَتْ الْمُزَارَعَةُ حَجَرَهُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَمْ بَعْدَهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَبْدِ إنْ حَجَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ بَقِيَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَلَوْ أَخَذَ الْمَأْذُونُ أَرْضًا مُزَارَعَةً فَحَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَقِيَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ فَلَا يَعْمَلُ الْحَجْرُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَازِمَةً وَقَبْلَهَا بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فَعَمِلَ الْحَجْرُ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ مَعَ الْحَجْرِ فَفَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَيُفْسَخُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
فَإِذَا دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى نَهَى عَنْ الزِّرَاعَةِ وَفَسَخَ الْمُزَارَعَةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَى عَبْدِهِ فَالْمُزَارَعَةُ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَعْمَلُ نَهْيُ الْمَوْلَى حَتَّى كَانَ لِلْمُزَارِعِ أَنْ يَزْرَعَ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ وَرَدَ عَلَى إذْنٍ عَامٍّ فَلَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَرْضًا مُزَارَعَةً وَالْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ فَمَنَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ مَنْعُهُ وَكَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَزْرَعَهَا لِمَا قُلْنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ مَحْجُورٌ دَفَعَ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا الْعَامِلُ بِبَذْرِهِ وَالْخَارِجُ نِصْفَانِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، فَإِنْ عَمِلَ وَأَخْرَجَتْ وَلَمْ تَنْقُصْ فَالْخَارِجُ نِصْفَانِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ، وَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ رَجَعَ الْمُزَارِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ إلَى مَوْلَاهُ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُزَارِعِ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ، وَيَكُونُ لَهُ مِقْدَارُ مَا غَرِمَ لِلْمُزَارِعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَالْفَضْلُ لِمَوْلَاهُ، فَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى: لَا آخُذُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ وَأَرْضَى بِنِصْفِ الْخَارِجِ فَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ عِتْقِ الْعَبْدِ وَبَعْدَهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ أَوْجَبَتْ الْمُزَارَعَةُ نُقْصَانًا فِي الْأَرْضِ أَوْ لَمْ تُوجِبْ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ الْحُرُّ إلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَوْ إلَى الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الَّذِي يَعْقِلُ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِشَرَائِطِهَا، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَسَلِمَ الْعَبْدُ عَنْ الْعَمَلِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْمُزَارَعَةُ بَاطِلَةً وَيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ وَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ قَدْ مَاتَ بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ مَاتَا حَتْفَ أَنْفِهِمَا لَا مِنْ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فِي الْعَبْدِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَفِي الصَّبِيِّ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ، وَأَمَّا فِي الصَّبِيِّ فَالْخَارِجُ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَوَرَثَةِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَأَمَّا إذَا مَاتَا مِنْ عَمَلِهِمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ عَبْدًا فَإِنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ سَوَاءٌ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلٍ كَانَ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الِاسْتِحْصَادِ أَوْ مِنْ عَمَلٍ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ، وَيَكُونُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ صَبِيًّا، فَإِنْ مَاتَ مِنْ عَمَلٍ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ اسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ فَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ دِيَةُ الصَّبِيِّ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ عَمَلِهِ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ أَوْ الصَّبِيِّ فَجَمِيعُ الْخَارِجِ يَكُونُ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَانَ النُّقْصَانِ، أَمَّا النُّقْصَانُ فَلِأَنَّ الزِّرَاعَةَ حَصَلَتْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ،
وَقَوْلُهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِمَا أَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ نَفْيَ الْأَجْرِ فِي الْحَالِ أَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَيُخَاطَبُ بِالْأَجْرِ وَأَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ نَفْيَ الْأَجْرِ فِي الْحَالِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَقْوَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَصِيٌّ يَأْخُذُ أَرْضَ الْيَتِيمِ مُزَارَعَةً، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى آخَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ بَذْرِهِ حَالًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَصِيِّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا أَرْضَ الْيَتِيمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْجَارِ الْوَصِيِّ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لِلْيَتِيمِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ أَوْ ضَمَانُ الْمِثْلِ أَوْ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَالْبَذْرُ لَوْ كَانَ مِنْ الْيَتِيمِ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ الْخَارِجِ لَمْ تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ، وَإِنْ كَانَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْخَارِجِ خَيْرًا لَهُ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّظَرِ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا، عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَخَذَ بَذْرَ الْيَتِيمِ فَزَرَعَهُ فِي أَرْضِ الْيَتِيمِ وَأَشْهَدَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ وَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ قَرْضًا وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ، فَإِنْ كَانَ الرِّيعُ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ فَلَهُ الرِّيعُ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ خَيْرًا لَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.