فصل: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا:

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْغَنَائِمِ:

الْغَنِيمَةُ اسْمٌ لِمَالٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْكَفَرَةِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا مَا أُخِذَ لَا عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ بَلْ بِالْمُهَادَاةِ وَالْهِبَةِ مِنْهُمْ أَوْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ الْخِلْسَةِ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ غَنِيمَةً، وَيَكُونُ لِلْأَخْذِ خَاصَّةً فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَمُتَعَارَفِ الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ مَا خَصَّهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الْغُزَاةِ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الْقِتَالِ لِزِيَادَةِ قُوَّةِ وَجَرَاءَةٍ مِنْهُمْ بِأَنْ قَالَ لِسَرِيَّةٍ: مَا أَصَبْتُمْ، فَهُوَ لَكُمْ أَوْ قَالَ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ: مَا أَصَبْتَ فَهُوَ لَكَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَفِي الْغَنِيمَةِ خُمْسٌ دُونَ الْفَيْءِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ هَدِيَّةً أَوْ سَرِقَةً أَوْ خِلْسَةً أَوْ هِبَةً فَلَيْسَ بِغَنِيمَةٍ وَهُوَ لِلْآخِذِ خَاصَّةً كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا أَسْلَمَ أَهْلُ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ أَهْلِ الْحَرْبِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ كَانُوا أَحْرَارًا لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَلَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُوضَعُ عَلَى أَرَاضِيهمْ الْعُشْرُ دُونَ الْخَرَاجِ، وَكَذَلِكَ إذَا صَارُوا ذِمَّةً قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّ هَهُنَا عَلَى أَرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ، وَيُوضَعُ عَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةُ أَيْضًا، وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَ رِقَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ بَعْدَ مَا أَسْلَمُوا رَفَعَ الْخُمُسَ أَوَّلًا وَجَعَلَهُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَيَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ الْعُشْرَ وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ يُسْلِمُ لَهُمْ رِقَابَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيَضَعُ عَلَى أَرَاضِيهمْ الْعُشْرَ، وَإِنْ شَاءَ وَظَّفَ الْخَرَاجَ، وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُسْلِمُوا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ وَقَسَّمَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَإِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ فِي مَوْضِعِ الْخُمُسِ وَقَسَّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَيَضَعُ عَلَى الْأَرَاضِيِ الْعُشْرَ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الرِّجَالَ، وَقَسَّمَ النِّسَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَالذَّرَارِيَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَوَضَعَ عَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَاءُ الْعُشْرِي نَحْوَ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْخَرَاجِيِّ نَحْوَ مَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي حَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
.
وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ، وَقَسَّمَ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيَّ وَسَائِرَ الْأَمْوَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا إذَا تَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا يُمْكِنُهُمْ الزِّرَاعَةَ بِهِ، كَذَلِكَ إذَا مِنْ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَقَسَّمَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ تَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ مَا يُمْكِنُهُمْ الزِّرَاعَةَ بِهِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ خَاصَّةً، وَقَسَّمَ الْأَرَاضِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْأَرَاضِي، فَأَرَادَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ شَاءَ قَسَّمَ الْكُلَّ، وَتَرَكَ الْأَرَاضِيَ، وَجَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَلَ إلَيْهَا قَوْمًا آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَجَعَلَهَا خَرَاجِيَّةً خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ أَوْ مُقَاطَعَةٍ فَيَنْصَرِفُ خَرَاجُهَا إلَى الْمُقَاتِلَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَإِذَا نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْعَهْدَ، وَغَلَبُوا عَلَى دَارِهِمْ أَوْ عَلَى دَارٍ مِنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَارَتْ الدَّارُ دَارَ حَرْبٍ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَثَبَتَ الْخِيَارُ فِيهِمْ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَوَضَعَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ الْعُشْرَ، وَهَذَا تَسْمِيَةٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ خَرَاجٌ، وَلِهَذَا يُصْرَفُ هَذَا الْعُشْرُ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ مُضَاعَفًا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَنِي تَغْلِبَ وَإِنْ قَتَلَ الرِّجَالَ وَقَسَّمَ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيَّ وَالْأَمْوَالَ، وَبَقِيَتْ الْأَرَاضِي بِلَا مُلَّاكٍ، فَنَقَلَ إلَيْهَا قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونُوا رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَ الْأَرَاضِيَ لَهُمْ لَيُؤَدُّوا الْمُؤْنَةَ عَنْهَا جَازَ وَلَكِنْ يَفْعَلُ بِرِضَا أُولَئِكَ الَّذِينَ يُرِيدُ الْإِمَامُ نَقْلَهُمْ إلَيْهَا وَإِذَا نَقَلَ إلَيْهَا قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَصَارَتْ الْأَرَاضِي مَمْلُوكَةً لَهُمْ جَعَلَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ارْتَدُّوا، وَغُلِبُوا عَلَى دَارِهِمْ أَوْ عَلَى دَارٍ مِنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْ رِجَالِهِمْ إلَّا السَّيْفَ أَوْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا قُتِلُوا، وَقَسَّمَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَيُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقُسِّمَتْ الْأَمْوَالُ وَالْأَرَاضِي بَيْنَ الْغَانِمِينَ أَيْضًا، وَيُوضَعُ عَلَى الْأَرَاضِي الْعُشْرُ، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَقْتُلَ الرِّجَالَ، وَيُقَسِّمَ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ دُونَ الْأَرَاضِي، وَرَأَى ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُلَ إلَى الْأَرَاضِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِيُؤَدُّوا الْخَرَاجَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَعَنْ الْأَرَاضِي فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَتْ الْأَرَاضِي مَمْلُوكَةً لَهُمْ يَتَوَارَثُونَهَا وَيُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ عَنْهَا، فَقَدْ ذَكَرَ هَهُنَا نَقْلَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ الْغَيْظُ بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّينَ، وَلَا كَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ.
فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّونَ بَعْدَ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ كَانُوا أَحْرَارًا لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهِمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَالْإِمَامُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَجَعَلَ عَلَى الْأَرَاضِي الْعُشْرَ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَرَاضِيِ، وَوَضَعَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ مَا كَانَ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ عُشْرِيًّا عَلَى حَالِهِ، وَمَا كَانَ خَرَاجِيًّا عَلَى حَالِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَالنَّاقِضِينَ الْعَهْدَ أَهْلَ ذِمَّةٍ يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ، وَقَدْ أَصَابَ مِنْهُمْ مَالًا فِي الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِعُذْرٍ وَالْعُذْرُ أَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى عِمَارَةِ الْأَرَاضِي وَزِرَاعَتِهَا إلَّا بِذَلِكَ الْمَالِ فَأَمَّا مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهَا لِعِمَارَةِ الْأَرَاضِيِ وَزِرَاعَتِهَا لَمْ يَأْخُذْ الْإِمَامُ مِنْهُمْ، وَإِنْ اسْتَغْنُوا عَنْهَا، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُمْ، وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَهَا فِي أَيْدِيهِمْ تَأْلِيفًا لَهُمْ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، فَيُسْلِمُوا، وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ لَا يُرَدُّ وَمَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ.
وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً مِنْ بِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَسَّمَهَا وَأَهْلَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَلِكَ إذَا مَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ فِي الْأَسْرَى إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ، وَلَيْسَ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا تَجُوزُ مُفَادَاةُ أُسَارَاهُمْ بِأُسَارَانَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْكَافِي.
وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الزَّادِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَادِيَ أُسَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِأُسَرَاءِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَبِهَا قَالَ الْعَامَّةُ هَكَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
ثُمَّ فِي الْمُفَادَاةِ يُشْتَرَطُ رِضَا أَهْلِ الْعَسْكَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِمْ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ أَبَى أَهْلُ الْعَسْكَرِ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الرِّجَالِ لَيْسَ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُفَادِيَهُمْ وَفِي الرِّجَالِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَهُ أَنْ يُفَادِيَهُمْ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمْ، وَإِذَا جَاءَ رَسُولُ مَلِكِهِمْ يَطْلُبُ الْمُفَادَاةَ بِالْأُسَارَى فِي مَكَانٍ فَأَخَذُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَهْدًا بِأَنْ يُؤَمِّنُوهُمْ عَلَى مَا يَأْتُوا بِهِ مِنْ الْأُسَارَى حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ أَمْرِ الْفِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ رَجَعُوا بِمَنْ مَعَهُمْ مِنْ أُسَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُفَادُوهُمْ كَمَا شَرَطُوا لَهُمْ شَرَطُوا مَالًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ بَيْنَهُمْ التَّرَاضِي بِالْمُفَادَاةِ وَأَرَادُوا الِانْصِرَافَ بِأُسَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدْعُوَهُمْ حَتَّى يَرُدَّ الْأُسَرَاءَ إلَى بِلَادِهِمْ وَيَحِقُّ عَلَيْهِمْ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَنَزْعُ الْأُسَرَاءِ مِنْ أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لَهُمْ بِشَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَلَمْ تَجُزْ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِمُسْلِمٍ أَسِيرٍ فِي أَيْدِيهِمْ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الْأُسَارَى وَهُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالصِّبْيَانُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا سُبُوا وَمَعَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، فَلَا بَأْسَ بِالْمُفَادَاةِ بِهِمْ، وَأَمَّا إذَا سُبِيَ الصَّبِيُّ وَحْدُهُ وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ أَوْ بِيعَتْ الْغَنَائِمُ، فَقَدْ صَارَ الصَّبِيُّ مَحْكُومًا لَهُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا لِمَنْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ أَوْ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ إذَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ، فَطَلَبُوا مُفَادَاتَهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبُوا أَنْ يُعْطُونَا رَجُلًا مُشْرِكًا عِوَضًا عَنْ أَسِيرِهِمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مُشْرِكَيْنِ عِوَضًا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَادِيَ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُفَادَوْنَ بِالسِّلَاحِ، وَلَا بِالْخَيْلِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا أُسِرَ الْحُرُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فِيهِمْ: افْتَدِ لِي مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ اشْتَرِنِي مِنْهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَالْمَالُ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ الْمَأْمُورُ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْآمِرِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا أَدَّى فِي فِدَائِهِ إلَى مِقْدَارِ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ فَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِقَدْرِ الدِّيَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا أَدَّى قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَأْسُورُ قَالَ افْتَدِ: لِي مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَأْمُورُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى زَادَ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ خَاصَّةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَأْسُورُ قَالَ لِلْمَأْمُورِ: افْتَدِ لِي مِنْهُمْ بِمَا رَأَيْتَ أَوْ بِمَا شِئْتَ أَوْ أَمْرُكَ جَائِزٌ فِيمَا تَفْدِينِي بِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا فَدَى بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْسُورُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، فَأَمَرَ مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ مِنْهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ عَبْدٌ لِهَذَا الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ اشْتَرِنِي لِنَفْسِي، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ، فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْفِدَاءِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَفْدِيَهُ فَفَدَاهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا فَدَاهُ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْدِيَهُ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا بِقَدْرِ الْأَلْفِ مَا لَمْ يُعْتَقْ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْمَأْذُونُ أَنْ يَفْدِيَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَوْلَاهُ وَيَلْزَمُهُ إذَا أُعْتِقَ، وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِهِ لِي أَوْ قَالَ: اشْتَرِهِ مِنْ مَالِي، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ مَالِي، وَلَا لِي، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلِيطًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَ الْمَأْسُورُ رَجُلًا بِأَنْ يَفْدِيَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ لِرَجُلٍ آخَرَ: اشْتَرِهِ لِي جَازَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِهِ لِي بِمَالِي: وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: اشْتَرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ لِي، وَلَا بِمَالِي، فَفَعَلَ الْوَكِيلُ الثَّانِي صَارَ مُتَطَوِّعًا حَتَّى لَا يَرْجِعَ الثَّانِي عَلَى أَحَدٍ، وَلَا رُجُوعَ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْآمِرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَمَعُوا مَالًا وَدَفَعُوهُ إلَى رَجُلٍ لِيَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ وَيَشْتَرِيَ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ يَسْأَلُ التُّجَّارَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ حُرٌّ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهمْ يَشْتَرِيهِ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَلَا يُجَاوِزُ قِيمَةَ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِيه بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَأْمُورُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَسِيرًا، فَقَالَ لَهُ الْأَسِيرُ: اشْتَرِ لِي فَاشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ ذَلِكَ الْمَالَ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَسِيرِ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ بِشِرَاءِ الْأَسِيرِ قَالَ لِلْأَسِيرِ: بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ الْأَسِيرُ: اشْتَرِ لِي بِكَذَا اشْتَرَيْتُكَ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيَّ حِسْبَةً فَاشْتَرَاهُ كَانَ مُشْتَرِيًا لِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ حُرًّا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِعَيْنِهِ بِمَالٍ سَمَّاهُ فَاشْتَرَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْحُرِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَكَانَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ إنْ كَانَ ضَمِنَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ قَالَ: اشْتَرِهِ لِي، فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِهِ لِنَفْسِهِ، وَاحْتَسَبَ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يُمْكِنُهُ شِرَاءَ أَسِيرٍ وَاحِدٍ، فَشِرَاءُ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ شِرَاءِ الْجَاهِلِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
.
وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِرُهَا، وَلَا يَتْرُكُهَا بَلْ يَذْبَحُهَا، وَيَحْرُقُهَا، وَيَحْرِقُ الْأَسْلِحَةَ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَيُكَسِّرُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ آنِيَتِهِمْ وَأَثَاثِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الْكَسْرِ وَيُرَاقُ جَمِيعُ الْمَائِعَاتِ وَالْأَدْهَانِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، فَيَفْعَلُ هَذَا كُلَّهُ مُغَايَظَةً لَهُمْ، وَأَمَّا السَّبْيُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَقْلِهِمْ، فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الرِّجَالَ مِنْهُمْ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا، وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ فِي أَرْضٍ مَضْيَعَةٍ لِيَهْلَكُوا جُوعًا وَعَطَشًا؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُتَعَذِّرٌ لِلنَّهْيِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إبْقَائِهِمْ، وَلِهَذَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَيَكْسِرُونَ أَنْيَابَ الْحَيَّةِ، وَلَا يَقْتُلُونَهُمَا قَطْعًا لِضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ مَا دَامُوا فِيهَا وَإِبْقَاءً لِنَسْلِهِمَا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
.
الْغَنَائِمُ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ:
(مِنْهَا): أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَتُقَسَّمُ الْأَمَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
(وَمِنْهَا) إذَا مَاتَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَا يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ.
(وَمِنْهَا) مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا.
(وَمِنْهَا) مَا لَوْ قَسَّمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ، وَلَا لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَفَتَحَهَا، وَأَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، فَلَا بَأْسَ بِالْقِسْمَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا قَسَّمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا أَوْ قَسَّمَ لِحَاجَةِ الْغَانِمِينَ فَصَحِيحَةٌ.
وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْغَنِيمَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِذَا لَحِقَهُمْ مَدَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، شَارَكُوهُمْ فِيهَا، وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ شَرِكَتُهُمْ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ فِيهَا، وَلَوْ فَتَحَ الْعَسْكَرُ بَلَدًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَاسْتَظْهَرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ، لَمْ يُشَارِكُوهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِلسُّوقِيَّةِ سَهْمٌ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا، وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ عِنْدَ الْقِتَالِ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ، وَالْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ، وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ وَالتَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا لَحِقَ بِالْعَسْكَرِ إذَا قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ فِي الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مَعَ الْعَسْكَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ تَرَكَ خِدْمَةَ صَاحِبِهِ، وَقَاتَلَ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْخِدْمَةَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ لِلْقِتَالِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ الْقِتَالِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَمَنْ دَخَلَ مُقَاتِلًا مَعَ الْعَسْكَرِ فَقَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَهُ سَهْمُهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَمَنْ دَخَلَ مُقَاتِلًا، ثُمَّ أُسِرَ، ثُمَّ تَخَلَّصَ قَبْلَ إخْرَاجِ الْغَنِيمَةِ، فَلَهُ سَهْمُهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
إذَا احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى حَمْلِ الْغَنِيمَةِ، وَفِي الْغَنِيمَةِ دَوَابُّ، فَإِنَّهُ يَحْمِلُ الْغَنِيمَةَ عَلَيْهَا، وَيَنْقُلُهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْغَنِيمَةِ دَوَابُّ وَلَكِنْ مَعَ الْإِمَامِ فَضْلُ حُمُولَةٍ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْإِمَامِ فَضْلُ حُمُولَةٍ إلَّا أَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ فَضْلُ حُمُولَةٍ إنْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِأَجْرٍ، أَمَّا إذَا لَمْ تَطِبْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ فَلَا يُكْرِهْهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرٍ هَكَذَا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَضْلُ حُمُولَةٍ وَلَكِنْ مَعَ الْبَعْضِ مِنْهُمْ فَضْلُ حُمُولَةٍ إنْ طَابَتْ نَفْسُ الْمَالِكِ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا بِأَجْرٍ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَطِبْ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ لَا يُكْرِهُهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ يُكْرِهُهُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَيَأْكُلُونَ مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ، وَهَذَا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ، وَيَدْهُنُونَ بِالدُّهْنِ الْمَأْكُولِ مِثْلَ السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْهُنَ بِهِ وَيُوقِحَ بِهِ دَابَّتَهُ، وَمَا لَا يُؤْكَلْ مِنْ الْأَدْهَانِ مِثْلَ الْبَنَفْسَجِ وَالْخَيْرِيِّ وَهُوَ دُهْنُ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْهِنَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُؤْكَلُ، وَلَا يُشْرَبُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ دَخَلَ التُّجَّارُ مَعَ الْعَسْكَرِ لَا يُرِيدُونَ الْقِتَالَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ، وَلَا يَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ.
أَمَّا الْعَسْكَرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطْعِمُوا عَبِيدَهُمْ إذَا دَخَلُوا مَعَهُمْ لِيُعِينُوهُمْ عَلَى سَفَرِهِمْ، وَكَذَلِكَ نِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ لِلْخِدْمَةِ، فَلَا يَأْكُلُ وَإِذَا دَخَلَتْ النِّسَاءُ لِمُدَاوَاةِ الْمَرْضَى وَالْجَرْحَى أَكَلْنَ وَعَلَفْنَ وَأَطْعَمْنَ رَقِيقَهُنَّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَلَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْجَزُورِ، وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ، كَذَا أَكْلُ الْحُبُوبِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ مَأْكُولٌ عَادَةً، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْغَنِيمَةُ أَوْ يُرْضَخُ مِنْهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، وَلَا يُطْعَمُ الْأَجِيرُ، وَلَا التَّاجِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُبْزًا لِحِنْطَةٍ أَوْ طَبِيخَ اللَّحْمِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
إذَا أَخَذَ الْعَسْكَرُ الْعَلَفَ لِأَجْلِ دَوَابِّهِمْ وَالطَّعَامَ لِمَأْكَلِهِمْ وَالْحَطَبَ لِلِاسْتِعْمَالِ وَالدُّهْنَ لِلِادِّهَانِ وَالسِّلَاحَ لِلْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَمَوُّلُهُمْ وَهُوَ صِيَانَةُ ذَلِكَ وَادِّخَارُهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ بَاعُوا رَدُّوا الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَإِنْ أَصَابُوا سِمْسِمًا أَوْ بَصَلًا أَوْ بَقْلًا أَوْ فِلْفِلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُؤْكَلُ عَادَةً لِلتَّعَيُّشِ، فَلَا بَأْسَ بِالتَّنَاوُلِ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلُوا شَيْئًا مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاع بِالْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ، وَأَمَّا إذَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِذَا احْتَاجُوا إلَى الْوُقُودِ إمَّا لِلطَّبْخِ أَوْ لِلِاصْطِلَاءِ لِبَرْدٍ أَصَابَهُمْ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُوقِدَ مَا وَجَدَ مِنْ خَشَبِهِمْ وَقَصَبِهِمْ إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلْوَقُودِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَدٍّ لِذَلِكَ بَلْ هُوَ مُعَدٌّ لِاِتِّخَاذِ الْقِصَاعِ وَالْأَقْدَاحِ، وَلَهُ قِيمَةٌ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الدَّابَّةَ الْحِنْطَةَ إذَا كَانَ لَا يَجِدُ الشَّعِيرَ وَإِنْ وَجَدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَابُونًا أَوْ حَرَضَا مُحَرَّزًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَرَضُ نَابِتًا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إنْ كَانَ لِلْمَأْخُوذِ قِيمَةٌ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ جَازَ الِانْتِفَاعُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَعْتَلِفَ لَهُ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ إلَى بَعْضِ الْمَطَامِيرِ، وَأَتَاهُ بِالْعَلَفِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: بَدَا لِي أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا، وَلَكِنِّي آخُذُهُ لِنَفْسِي وَأَرُدُّ عَلَيْك أَجْرَكَ وَأَبَى الْمُسْتَأْجِرُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَقَرَّ الْأَجِيرُ أَنَّهُ جَاءَ لَهُ عَلَى الْإِجَارَةِ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَيْهِ أَوْ غَنِيَّيْنِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَا الْأَجِيرُ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ وَالْمُسْتَأْجِرُ غَنِيًّا عَنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْتَشَّ لَهُ حَشِيشًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ غَنِيًّا عَنْهُ، وَالْأَجِيرُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ احْتَشَّهُ لَهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِنْ أَصَابُوا شَجَرًا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَأَخَذُوا مِنْهُ خَشَبًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا إلَّا لِلْوَقُودِ لِطَبْخِ الْمَطْعُومِ أَوْ لِاصْطِلَاءٍ بِهِ لِبَرْدٍ أَصَابَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَكِنْ أَحْدَثُوا فِيهِ صَنْعَةً صَارَ لَهُ قِيمَةً بِسَبَبِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ، فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنْ خَرَجُوا بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَرَادَ الْإِمَامُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ الْمَعْمُولِ مِنْ ذَلِكَ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ الْإِمَامُ الْقِسْمَةَ فِيهِ، فَالْإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَصْنُوعَ مِنْهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا زَادَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ وَيَرُدُّ الْمَصْنُوعَ إلَى الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَ وَقَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِ مَعْمُولًا، وَغَيْرَ مَعْمُولٍ فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الْعَمَلِ يُعْطَى الْعَامِلَ وَمَا أَصَابَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ يُرَدُّ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْغَانِمِينَ بِمَا أَحْدَثُوا مِنْ الصَّنْعَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ سُلِّمَ لَهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ الْجُنْدِ فِي دَارٍ طَعَامًا كَثِيرًا، فَاسْتَغْنَى عَنْ بَعْضِهِ، وَأَرَادَ حَمْلَهُ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَطَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَحَاوِيجِ مَكَّنَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ طَعَامًا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ هَذَا الطَّالِبِ وَيَسْتَصْحِبَهُ مَعَ نَفْسِهِ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَإِلَّا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ الطَّالِبُ مِنْهُ مَعَ حَاجَةِ الْأَوَّلِ إلَى ذَلِكَ، فَخَاصَمَهُ الْأَوَّلُ إلَى الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ، وَقَدْ عَرَفَ الْإِمَامُ حَاجَةَ الْأَوَّلِ إلَى ذَلِكَ رَدَّهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مُحْتَاجًا إلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ الْإِمَامُ، أَمَّا إذَا كَانَا غَنِيَّيْنِ عَنْهُ فَالْإِمَامُ يَأْخُذُهُ مِنْ الثَّانِي، وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِمَا، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ فِي كُلِّ مَا يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ شَرْعًا سَوَاءٌ كَالنُّزُولِ فِي الرِّبَاطَاتِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالنُّزُولِ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ لِلْحَجِّ حَتَّى إذَا أَخَذَ مَوْضِعًا مِنْ الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِذَا بَسَطَ إنْسَانٌ حَصِيرًا إنْ بَسَطَهُ بِأَمْرِ غَيْرِهِ، فَهُوَ وَمَا لَوْ بَسَطَهُ الْآمِرُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بُسِطَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ لِلَّذِي بَسَطَ أَنْ يُعْطِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مَنْ شَاءَ، وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ رَجُلٌ فُسْطَاطًا فِي مَكَانٍ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ يَنْزِلُ فِيهِ غَيْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ فَاَلَّذِي بَدَرَ إلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْهُ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ مَوْضِعًا وَاسِعًا فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نَاحِيَةً هُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، فَيَنْزِلُهَا مَعَهُ وَلَوْ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ، فَأَرَادَ الَّذِي بَدَرَ إلَيْهِ أَيْ سَبَقَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ بَدَرَ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا، فَنَزَلَهُ، فَأَرَادَ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ عَنْهُ غَنِيٌّ أَنْ يُزْعِجَهُ عَنْهُ، وَيُنْزِلَهُ مُحْتَاجًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا كُنْتُ أَخَذْتُهُ لِهَذَا الْآخَرِ بِأَمْرِهِ لَا لِنَفْسِي اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَبَعْدَ الْحَلِفِ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ إذَا قَالَ أَخَذْتُهُ لِفُلَانٍ بِأَمْرِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ أَصَابَ أَحَدُهُمَا شَعِيرًا وَالْآخَرُ قَصَبًا فَتَبَادَلَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى مَا اشْتَرَى فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَنَاوَلَ مَا اشْتَرَى مِنْ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ هَذَا بَيْعٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُصِيبَ مِنْ الْعَلَفِ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ إلَّا أَنَّ قِيَامَ حَاجَةِ صَاحِبِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِصَابَةِ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَسْتَرْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِهَذِهِ الْمُبَايَعَةِ، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ بِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَضْيَافِ عَلَى الْمَائِدَةِ يُمْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَضْيَافِ مِنْ مَدِّ يَدِهِ إلَى مَا بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَبَعْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِهِ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِلْكِ الْمُضِيفِ بِاعْتِبَارِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَاجًا إلَى مَا أَعْطَاهُ صَاحِبُهُ وَصَاحِبُهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَ مَا صَنَعَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُحْتَاجًا إلَى مَا أَعْطَاهُ وَالْمُشْتَرِي يَسْتَغْنِي عَنْهُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَعْطَى وَيَرُدَّ مَا أَخَذَ، فَإِنْ كَانَ حِينَ قَصَدَ الْبَائِعُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْ صَاحِبِهِ أَعْطَاهُ صَاحِبُهُ رَجُلًا آخَرَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ تَبَايَعَا، وَهُمَا غَنِيَّانِ أَوْ مُحْتَاجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَنِيٌّ وَالْآخَرُ مُحْتَاجٌ، فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى بَدَا لِأَحَدِهِمَا تَرْكُ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَوْ أَقْرَضَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَهُ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَنِيًّا عَنْ ذَلِكَ أَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ شَيْءٌ إذَا اسْتَهْلَكَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ بَعْدُ، فَالْمُقْرِضُ أَحَقُّ بِهِ إذَا أَرَادَ اسْتِرْدَادَهُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَالْمُعْطِي غَنِيٌّ عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ عَنْهُ حِينَ أَقْرَضَهُ، ثُمَّ احْتَاجَا إلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ، فَالْمُعْطِي أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْآخِذُ أَوَّلًا، ثُمَّ احْتَاجَ إلَيْهِ الْمُعْطِي أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْآخِذِ، وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا حِنْطَةً مِنْ صَاحِبِهِ مِمَّا هُوَ غَنِيمَةٌ بِدَرَاهِمَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي فَدَفَعَ الدَّرَاهِمَ، وَقَبَضَ الْحِنْطَةَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَ الْبَيْعِ وَالْحِنْطَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَلَهُ ذَلِكَ، فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْحِنْطَةَ، وَيَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ إنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ عَنْهَا، أَوْ كَانَ الْبَائِعُ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَالْمُشْتَرِي غَنِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا، فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ وَالْحِنْطَةَ سَالِمَةً لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَهْلَكَهَا فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي سَالِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ ذَهَبَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْبَائِعُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ، فَهِيَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ إلَّا أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي يَدِهِ.
فَإِنْ رَفَعَ أَمْرَهَا إلَى صَاحِبِ الْمَغَانِمِ وَالْمَقَاسِمِ فَقَالَ: قَدْ أَجَزْتُ بَيْعَكَ فَهَاتِ الثَّمَنَ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى صَاحِبِ الْمَغَانِمِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ ذَلِكَ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الْبَيْعَ فَالدَّرَاهِمُ مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَهْلِكْهَا إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ، فَالدَّرَاهِمُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ كُنْتُ أَكَلْتُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزَ الْبَيْعَ فَرُدَّ عَلَيَّ الدَّرَاهِمَ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ إجَازَةِ الْبَيْعِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَصَابَ أَحَدُهُمَا حِنْطَةً وَالْآخَرُ ثَوْبًا، فَأَرَادَا أَنْ يَتَبَايَعَا فَلَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَا، وَاسْتَهْلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ بَائِعَ الثَّوْبِ مُسِيءٌ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكَا ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَا دَارَ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدُ، وَلَمْ يَسْتَهْلِكَا ذَلِكَ فَعَلَى الَّذِي قَبَضَ الثَّوْبَ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الَّذِي قَبَضَ الْحِنْطَةَ، فَالْحُكْمُ فِي حَقِّهِ مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَاجَتِهِمَا أَوْ غِنَائِهِمَا أَوْ حَاجَةِ الْآخِذِ دُونَ الْمُعْطِي أَوْ حَاجَةِ الْمُعْطِي دُونَ الْآخِذِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِلْحِنْطَةِ قَدْ ذَهَبَ بِهَا، وَلَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الثَّوْبَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ لِلثَّوْبِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَغَانِمِ لَا يَتَعَرَّضُ لِمُشْتَرِي الْحِنْطَةِ بِشَيْءٍ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ صَاحِبُ الْمَغَانِمِ، وَيَجْعَلُهَا فِي الْغَنِيمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
مَنْ رَكِبَ فَرَسًا أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا أَوْ رَفَعَ سِلَاحًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَرْبِ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ وَلَكِنْ رَكِبَ لَيَصُونَ فَرَسَهُ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لَيَصُونَ ثِيَابَهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِلَا حَاجَةٍ لَاشْتَرَاك الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنَّهُ يُقَسِّمُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا احْتَاجُوا إلَى الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ وَالْمَتَاعِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ وَاحِدٌ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَإِنْ احْتَاجَ الْكُلُّ يُقَسِّمُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَاجُوا إلَى السَّبْيِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَسِّمُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى السَّبْيِ لِلْوَطْءِ أَوْ الْخِدْمَةِ وَذَا مِنْ فُضُولِ الْحَاجَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ أَجْمَعُوا وَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ مِنْ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُعْطِيهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلُوا عَطِيَّتَهُ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْإِمَامِ حُمُولَةٌ يَحْمِلُ الْغَنِيمَةَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ يُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَتَكَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي حَمْلِ نَصِيبِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا الدَّوَابَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا.
وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ تُقَسَّمْ، وَبَعْدَ الْقَسِيمَةِ تَصَدَّقَ بِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَانْتَفَعَ بِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ رَدَّ قِيمَتَهُ إلَى الْمَغْنَمِ إنْ لَمْ يُقَسَّمْ وَإِنْ قُسِّمَتْ، فَالْغَنِيُّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ هَذَا إذَا أَسْلَمَ قَبْل أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا أُخِذَ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ وَمَالُهُ، وَلَمْ يُؤْخَذْ هُوَ حَتَّى أَسْلَمَ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ فَحَسْب، وَكَذَا أَحْرَزَ كُلَّ مَالٍ مَعَهُ أَوْ وَدِيعَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ دُونَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَزَوْجَتِهِ وَحَمْلِهَا وَعَقَارِهِ وَعَبْدِهِ الْمُقَاتِلِ، وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ حَرْبِيٍّ أَوْ وَدِيعَةٍ، وَيَكُونُ فَيْئًا، كَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ غَصْبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَأَصَابَ مَالًا، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ مَالٍ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَكُونُ فَيْئًا وَقَالُوا: رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَصَحُّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِهِمْ، أَمَّا إذَا أَغَارُوا عَلَيْهَا، وَلَمْ يَظْهَرُوا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِيرُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا إلَّا نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَحُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَخَرَجَ إلَيْنَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.