فصل: الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ:

يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنْ يَعْرِضَ الْعَسْكَرَ لِيَعْرِفَ عَدَدَهُمْ فَارِسَهُمْ وَرَاجِلَهُمْ، فَيَكْتُبَ أَسَامِيَهُمْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ.
فَإِنْ أَجَابُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا كَذَا فِي الْكَنْزِ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، أَمَّا مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ، فَلَا نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ الْكُفَّارُ أَصْنَافٌ: صِنْفٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَلَا إعْطَاءُ الذِّمَّةِ لَهُمْ وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْعَرَبِ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ، فَإِذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَا نَقْبَلُ مِنْ رِجَالِهِمْ إلَّا السَّيْفَ أَوْ الْإِسْلَامَ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ وَصِنْفٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ بِالْإِجْمَاعِ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَرَبِيٍّ، وَصِنْفٌ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُ الْعَرَبِ، وَغَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسُ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عِنْدَنَا هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتَلَ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدْعُوَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَاتَلُوهُمْ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ كَانُوا آثِمِينَ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا مِمَّا أَتْلَفُوا مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ كَمَا فِي النِّسَاءِ وَالْوَالِدَانِ مِنْهُمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ الدَّعْوَةُ مَرَّةً أُخْرَى لِلتَّأَكُّدِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَوْ قَدَّمُوا الدَّعْوَةَ يَسْتَعِدُّونَ لِلْقِتَالِ أَوْ يَحْتَالُونَ بِحِيلَةٍ أَوْ يَتَحَصَّنُونَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَطْمَعَ فِيهِمْ مَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَطْمَع فِيهِمْ مَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ فَلَا يَشْتَغِلُونَ بِالدَّعْوَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِغَيْرِ دَعْوَةٍ، وَهَذَا فِي أَرْضٍ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، فَإِنْ أَبَوْا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ اسْتَعَانُوا بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَحَارَبُوهُمْ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ وَحَرَقُوهُمْ، وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ، وَقَطَعُوا شَجَرَهُمْ وَأَفْسَدُوا زَرْعَهُمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُخَرِّبُوا حُصُونَهُمْ، وَيُغْرِقُونَهَا، وَيُخْرِبُونَ الْبُنْيَانَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ: هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْحِصْنِ أَسِيرٌ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ التَّحْرِيقُ وَالتَّغْرِيقُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَوْ مَنَعْنَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ وَالظُّهُورُ عَلَيْهِمْ وَالْحُصُونُ قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ أَسِيرٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ، وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ، وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ عَلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا، فَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَجَائِزِ لِلْخِدْمَةِ، أَمَّا الشَّوَابُّ مِنْهُنَّ فَقَرَارُهُنَّ فِي الْبَيْتِ أَسْلَمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَخْرُجَ النِّسَاءُ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِخْرَاجِ لِلْمُبَاضَعَةِ، فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
.
قَوْمٌ مِنْ الصُّلَحَاءِ يُرِيدُونَ الْغَزْوَ وَمَعَهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ يَخْرُجُونَ إلَى الْغَزْوِ وَمَعَهُمْ مَزَامِيرُ، فَإِنْ أَمْكَنَ لِلصُّلَحَاءِ الْخُرُوجُ بِدُونِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْخُرُوجُ إلَّا مَعَهُمْ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا، وَلَا يَغُلُّوا، وَلَا يُمَثِّلُوا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا مَجْنُونًا، وَلَا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَلِكَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَلِكُهُمْ صَبِيًّا صَغِيرًا وَأَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ الْوَقْعَةَ وَكَانَ فِي قَتْلِهِ تَفْرِيقُ جَمْعِهِمْ، فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ مَالٍ تَحُثُّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ بِمَالِهَا تُقْتَلُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَغَيْرَهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ، وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَا يُقْتَلُ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدِ الْيُمْنَى خَاصَّةً إذَا كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ بِمَالٍ، وَلَا رَأْيٍ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ، فَإِنْ قَاتَلَ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ، كَذَا الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي إذَا حَضَرُوا، وَحَرَّضُوا عَلَى الْقِتَالِ، وَمَنْ قَتَلَ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
أَمَّا أَقْطَعُ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُقَاتِلُ فَيُقْتَلُ، وَكَذَا الْأَخْرَسُ وَالْأَصَمُّ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَا دَامَا يُحَرِّضَانِ، فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمَا وَبَعْدَ مَا صَارَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتُلُوهُمَا، وَإِنْ كَانَا قَتَلَا غَيْرَ وَاحِدٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَبْتَدِئُ بِهِ إلَّا الْوَالِدَ وَالْوَالِدَةَ وَالْأَجْدَادَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَالْجَدَّاتِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَضْطَرُّهُ الْوَالِدُ إلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبُ مِنْهُ، وَإِذَا ظَفِرَ الِابْنُ بِأَبِيهِ فِي الصَّفِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَهُ بِالْقَتْلِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَوْضِعٍ وَيَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
وَلَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ إلَّا أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
فَإِنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى حَمْلِ مَنْ لَا يَقْتُلُ وَإِخْرَاجُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا مَعْتُوهًا، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدًا، وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُمْ يُولَدُ لَهُمْ فَفِي تَرْكِهِمْ عَوْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُلَقِّحُ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، كَذَلِكَ الرُّهْبَانُ، وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يُصِيبُونَ النِّسَاءَ، وَكَذَلِكَ الْعَجُوزُ الَّتِي لَا يُرْجَى وَلَدُهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ نَاقِلًا عَنْ الْبَدَائِعِ.
قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ: الْكُفَّارُ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ يَجْحَدُ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ يُنْكِرُ وَحْدَانِيَّتَهُ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَمَنْ أَنْكَرَهُ: إذَا أَقَرَّ بِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَمَنْ أَقَرَّ وَجَحَدَ وَحْدَانِيَّتَهُ إذَا أَقَرَّ بِوَحْدَانِيِّتِهِ بِأَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَحَدَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَقَرَّ بِرِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
الْوَثَنِيُّ أَوْ الَّذِي لَا يُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ قَالَ: اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ أَنِّي عَلَى الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَالْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا مَا لَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْيَوْمَ بَيْنَ ظَهَرَانِي الْمُسْلِمِينَ إذَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ عَنْ دِينِهِ إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا يَقُولُ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا يَقُولُ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: دَخَلْتُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمُسْلِمُ مَنْ كَانَ مُنْقَادًا لِلْحَقِّ مُسْتَسْلِمًا، وَنَحْنُ عَلَى الْحَقِّ، فَإِذَا قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ يُسْأَلُ عَنْهُ إنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِهِ تَرْكَ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ وَالدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْتَلُ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ أَنِّي مُسْتَسْلِمٌ، وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، فَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مُسْلِمًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ وَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَلَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ تَبَرَّأْتُ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الْكِتَابِيِّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا كَانَ دُخُولًا فِي الْإِسْلَامِ، وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قِيلَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِحَقٍّ قَالَ: نَعَمْ إنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لَهُ أَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِحَقٍّ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَقَالَ: نَعَمْ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقَعَتْ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ قِيلَ لِنَصْرَانِيٍّ أَدِينُ الْإِسْلَامِ حَقٌّ، فَقَالَ: نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ: أَدِينُ النَّصْرَانِيَّةِ بَاطِلٌ فَقَالَ: نَعَمْ فَأَفْتَى بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ أَوْ الْيَهُودِيُّ: أَنَا عَلَى دِينِ الْحَنِيفِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ الْيَهُودِيُّ: دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْتُ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ إذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ أَوْ قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَصْفَ الْإِسْلَامِ بَلْ يَعُدُّونَهُ شَتِيمَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا صَلَّى الْكِتَابِيُّ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي جَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فَمِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَأْوِيلُهُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَتَأْوِيلُ مَا قَالَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْأَجْنَاسِ إذَا شَهِدُوا أَنَّا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي سُنَّةً، وَلَمْ يَقُولُوا بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ: صَلَّيْتُ صَلَاتِي لَا يَكُونُ إسْلَامًا حَتَّى يَقُولُوا صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ الْأَذَانُ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ قَالُوا: سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ، فَإِذَا قَالُوا: ذَلِكَ، فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا: إنَّهُ مُؤَذِّنٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً فَيَكُونُ مُسْلِمًا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ نَاقِلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ صَامَ أَوْ حَجَّ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ حَجَّ الْبَيْتَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ بِأَنْ رَأَوْهُ تَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ، وَلَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ أَوْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ، وَلَمْ يَحُجَّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فِي جَمَاعَةٍ، وَشَهِدَ آخَرُ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ كَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَمْ يُقْتَلْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِذِمِّيٍّ أَسْلِمْ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ كَانَ إسْلَامًا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا حَمَلَ مُسْلِمٌ عَلَى مُشْرِكٍ لِيَقْتُلَهُ، فَلَمَّا رَهَقَهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَقُولُونَ هَذَا فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ وَجَاءَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ قَبْلَ أَنْ يَقْهَرَهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ قَالَ بَعْدَ مَا قَهَرَهُ الْمُسْلِمُ، فَهُوَ فَيْءٌ، وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ، فَإِنْ قَالَ: مَا أَرَدْتُ الْإِسْلَامَ بِمَا قُلْتُ بَلْ إنَّمَا أَرَدْتُ الدُّخُولَ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ أَرَدْتُ التَّعَوُّذَ لِئَلَّا يَقْتُلَنِي لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَفَّ عَنْهُ فَانْفَلَتَ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ عَادَ يُقَاتِلُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَهَقَهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِئَةٌ يَلْجَأُ إلَيْهَا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْفِئَةُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَكِنَّهُ يُؤَدِّبَهُ عَلَى مَا صَنَعَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَكِنْ لَا يُقِرُّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَإِنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ صَحَّ الْإِسْلَامُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ أَنَّ إسْلَامَ السَّكْرَانِ إسْلَامٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
وَإِذَا قَالَ الْوَثَنِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَكُونُ مُسْلِمًا، كَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ أَوْ عَلَى الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ مَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ.
كَافِرٌ لَقَّنَ كَافِرًا آخَرَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، كَذَا إذَا عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ، كَذَا إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمُوَادَعَةِ وَالْأَمَانِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ:

إذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا، فَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ، فَلَا يَجُوزُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ بَلْ أَرْسَلُوا رَسُولًا أَمَّا إذَا أَحَاطَ الْجَيْشُ بِهِمْ، ثُمَّ أَخَذُوا الْمَالَ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا، وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ وَادَعَهُمْ فَرِيقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَالْمُوَادَعَةُ جَائِزَةٌ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا أَمَانٌ وَأَمَانُ الْوَاحِدِ كَأَمَانِ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا وَادَعَ أَهْلَ الْحَرْبِ سَنَةً عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ جَازَتْ مُوَادَعَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ مُوَادَعَتُهُ أَخَذَ الْمَالَ، وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ عَلِمَ بِمُوَادَعَتِهِ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إمْضَائِهَا أَمْضَاهَا، وَأَخَذَ الْمَالَ، فَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إبْطَالِهَا رَدَّ الْمَالَ إلَيْهِمْ، ثُمَّ نَبَذَ إلَيْهِمْ، وَقَاتَلَهُمْ، فَإِنْ مَضَى نِصْفُ السَّنَةِ يَرُدُّ كُلَّهُ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ: وَادَعَتْكُمْ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ نَبَذَ الْإِمَامُ إلَيْهِمْ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ السَّنَةِ بَعْضُهَا، وَبَقِيَ الْبَعْضُ كَانَ لِلْأَمِيرِ الْمَالُ بِحِسَابِ مَا مَضَى مِنْ السَّنَةِ وَرَدَّهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَإِنْ كَانَ وَادَعَهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ كُلُّ سَنَةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ الْمَالَ كُلَّهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْإِمَامُ نَقْضَ الْمُوَادَعَةِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ الْعُقُودَ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَقْدُ وَاحِدٌ فِي السَّنَةِ، وَالْمَالُ مَذْكُورٌ بِحَرْفِ عَلَى، وَهُوَ حَرْفُ الشَّرْطِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَتَجُوزُ الْمُوَادَعَةُ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ، وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِذَا طَلَبُوا مِنْ الْإِمَامِ الْمُوَادَعَةَ سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إلَى الْمُسْلِمِينَ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي بِلَادِهِمْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ صَالَحُوا عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ أَوْ بِأَعْيَانِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ الْمِائَةُ الْمَشْرُوطَةُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمِائَةُ الْمَشْرُوطَةُ مِنْ أَرِقَّائِهِمْ جَازَ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَوْلَادِهِمْ بِأَنْ قَالُوا أَوَّلَ السَّنَةِ: آمِنُوا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَكُمْ، وَنُصَالِحُكُمْ لِثَلَاثِ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً عَلَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِنَا، فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
وَإِنْ شَرَطُوا فِي الْمُوَادَعَةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا مِنْهُمْ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ، ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحُ نَبَذَ إلَيْهِمْ، وَقَاتَلَهُمْ وَيَكُونُ النَّبْذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْأَمَانُ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّبْذُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يَكْتَفِي بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ، ثُمَّ بَعْدَ النَّبْذِ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِمْ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ وَإِنْ كَانُوا أُخْرِجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَفِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ، فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيُعَمِّرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ، وَهَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً، فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا، فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ مَا دَامَ الصُّلْحُ بَاقِيًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْمُوَادَعَةِ جَمَاعَةٌ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَيْسَ هَذَا نَقْضُ الْعَهْدِ، وَإِنْ خَرَجَ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِ مَلِكِهِمْ، وَلَا أَمْرِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فَالْمَلِكُ، وَأَهْلُ مَمْلَكَتِهِ عَلَى مُوَادَعَتِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَطَعُوا الطَّرِيقَ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ فَهَذَا نَقْضُ الْعَهْدِ فِي حَقِّ الْكُلِّ كَذَا فِي فَتَاوَى الْكَرْخِيِّ.
وَإِذَا كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ قَائِمَةً بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَخَرَجَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةً فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْبَلَدَ، فَأَخَذُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ فَهُوَ آمِنٌ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَرَقِيقِهِ وَحَيْثُ مَضَى أَهْلُ الْبَلَدِ الَّذِينَ وَادَعْنَاهُمْ وَحَيْثُ رَحَلُوا مِنْ الْبِلَادِ فَهُمْ آمِنُونَ، وَإِنْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ دَارًا غَيْرَ دَارِ الْمُوَادِعِينَ، فَأَسَرُوا مِنْهَا رَجُلًا مِنْ الْمُوَادِعِينَ كَانَ أَسِيرًا فِي الدَّارِ الَّتِي غَزَاهَا الْمُسْلِمُونَ كَانَ فَيْئًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَأَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ كَالْمُشْرِكِينَ فِي الْمُوَادَعَةِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُمْ بِالْجِزْيَةِ هَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَيُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يُغْلَبُونَ، وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ عِنْدَ الْخَوْفِ لَوْ خُيِّرَا بِلَا أَخْذِ مَالٍ مِنْهُمْ وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُمْ لَمْ يُرَدَّ؛ لِأَنَّ مَالَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ حَيْثُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا لَيْسَ فَيْئًا إلَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ وَهَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ كَالْمُرْتَدِّينَ فِي الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَيُكْرَهُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ قَائِدٍ مِنْ قُوَّادِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَيَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَجْعَلُهَا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَجْهِيزُهُ إلَيْهِمْ قَبْلَ الْمُوَادَعَةِ وَبَعْدَهَا، كَذَلِكَ الْحَدِيدُ، وَكُلُّ مَا هُوَ أَصْلٌ فِي آلَاتِ الْحَرْبِ، وَلَا يُكْرَهُ إدْخَالُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَلَوْ جَاءَ حَرْبِيٌّ بِسَيْفٍ، فَاشْتَرَى مَكَانَهُ قَوْسًا أَوْ رُمْحًا أَوْ تُرْسًا لَمْ يَتْرُكْ أَنْ يَخْرُجَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى غَيْرَهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
.
طَلَبَ مَلِكٌ مِنْهُمْ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ أَنْ يَحْكُمَ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ظُلْمٍ لَا يَصِحُّ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ هُمْ عَبِيدُهُ يَبِيعُ مِنْهُمْ مَا شَاءَ، فَصَالَحَ وَصَارَ ذِمَّةً فَهُمْ عَبِيدٌ لَهُ كَمَا كَانُوا يَبِيعُهُمْ إنْ شَاءَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنْ ظَفِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ، ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَيْدِي أُولَئِكَ، فَإِنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى هَذَا الْمَلِكِ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْمَلِكُ وَأَهْلُ أَرْضِهِ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ أَرْضِهِ دُونَهُ، فَهُمْ عُبَيْدٌ لَهُ كَمَا كَانُوا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
.
فَصْلٌ فِي الْأَمَانِ إذَا أَمَّنَّ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةً صَحَّ أَمَانُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ فَيَنْبُذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ، وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمَّنَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ، وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ يَنْبُذُ الْأَمَانَ وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَيَبْطُلُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ إلَّا إذَا أَمَرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَنْ يُؤْمِنَهُمْ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَيَصِحُّ أَمَانُ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْمُسْلِمِ التَّاجِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا أَمَانُ الْمُسْلِمِ الْأَسِيرِ فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَا أَمَانُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الْعَبْدُ إذَا أَمَّنَ إنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي الْقِتَالِ فِي جِهَةِ الْمَوْلَى يَصِحُّ أَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَنْ الْقِتَالِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِحُّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُضْطَرِبٌ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا لَمْ يَجِئْ النَّفِيرُ أَمَّا إذَا جَاءَ النَّفِيرُ، فَيَصِحُّ أَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: الْكُلُّ عَلَى الْخِلَافِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْجَوَابُ فِي الْأَمَةِ كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ تُقَاتِلُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَأَمَانُهَا صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقَاتِلُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَمَانُهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إنْ أَمَّنَ الصَّبِيُّ، وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ، وَيَصِفُهُ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُخْتَلِطُ الْعَقْلِ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ، وَيَصِفُهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَبُرَ الْغُلَامُ وَبَلَغَ وَهُوَ لَا يَصِفُ الْإِسْلَامَ، وَلَا يَعْقِلُهُ، وَيَعْقِلُ أَمْرَ مَعِيشَتِهِ، فَأَمَانُهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُنَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَأَصَابُوا النِّسَاءَ وَالْأَمْوَالَ، وَاقْتَسَمُوا ذَلِكَ وَوُلِدَ لَهُمْ مِنْهُنَّ الْأَوْلَادُ، ثُمَّ عَلِمُوا بِالْأَمَانِ فَعَلَى الْقَاتِلِينَ دِيَةُ مَنْ قَتَلُوا وَتُرَدُّ النِّسَاءُ وَالْأَمْوَالُ إلَى أَهْلِهَا وَيَغْرَمُونَ لِلنِّسَاءِ أَصْدِقَتَهُنَّ بِمَا أَصَابُوا مِنْ فُرُوجِهِنَّ وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ بِغَيْرِ قِيمَةٍ مُسْلِمُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ لَكِنْ إنَّمَا تُرَدُّ النِّسَاءُ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَفِي زَمَانِ الِاعْتِدَادِ يُوضَعْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَالْعَدْلُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ ثِقَةٌ لَا الرَّجُلُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا نَادَى الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِالْأَمَانِ فَهُمْ آمِنُونَ جَمِيعًا إذَا سَمِعُوا صَوْتَهُمْ بِالْأَمَانِ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانُوا نَادَوْهُمْ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ إنْ عَرَفُوا، وَفَهِمُوا بِالْأَمَانِ أَوْ لَمْ يَعْرِفُوا، وَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ الْأَمَانَ بِأَنْ نَادَوْهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَهُمْ رُومٌ لَا يُحْسِنُونَ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ نَادَوْهُمْ بِالنَّبَطِيَّةِ، وَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ النَّبَطِيَّة وَأَمْثَالُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهُمْ بِالْأَمَانِ، فَلَا أَمَانَ لَهُمْ، وَيَحِلُّ قَتْلُهُمْ وَسَبْيُهُمْ، وَلَوْ نَادَوْهُمْ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ إلَّا أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ أَحَاطَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا بِأَنْ كَانُوا نِيَامًا أَوْ مَشْغُولِينَ بِالْحَرْبِ فَذَلِكَ أَمَانٌ، وَأَرَادَ بِالْعِلْمِ غَالِبَ الرَّأْيِ لَا حَقِيقَةَ الْعِلْمِ وَسَمَاعُ الْكُلِّ لِلْأَمَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْأَمَانِ فِي حَقِّ الْكُلِّ بَلْ سَمَاعُ الْأَكْثَرِ يَكْفِي، وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ سَمَاعِ الْكُلِّ، وَإِذَا قَالُوا لِحَرْبِيٍّ: لَا تَخَفْ أَوْ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ آمِنٌ أَوْ قَالُوا لَهُ لَا بَأْسَ عَلَيْك، فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ، وَلَوْ قَالُوا لَهُ لَك أَمَانُ اللَّهِ كَانَ أَمَانًا، كَذَلِكَ إذَا قَالُوا: لَك عَهْدُ اللَّهِ أَوْ لَك ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ قَالُوا: تَعَالَى تَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ قَالُوا أَجَرْنَاكَ وَلَوْ أَنَّ الْأَمِيرَ قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مُعَيَّنِينَ، وَهُمْ فِي الْحِصْنِ مَحْصُورُونَ اُخْرُجُوا إلَيْنَا نُرَاوِدُكُمْ عَلَى الصُّلْحِ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ، فَخَرَجُوا، فَهُمْ آمِنُونَ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ: اُخْرُجُوا إلَيْنَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَخَرَجُوا فَلَا أَمَانَ وَلَوْ قَالَ: لَهُمْ انْزِلُوا إلَيْنَا كَانَ أَمَانًا، وَلَوْ قَالَ: اُخْرُجُوا إلَيْنَا، فَبِيعُونَا وَاشْتَرُوا مِنَّا كَانَ أَمَانًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ فِي حِصْنٍ أَوْ مَنَعَةٍ أَنْ تَعَالَ أَوْ أَشَارَ إلَى أَهْلِ الْحِصْنِ أَنْ افْتَحُوا الْحِصْنَ، فَفَتَحُوا أَوْ أَشَارَ إلَى السَّمَاءِ، فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ ذَلِكَ أَمَانٌ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الرَّجُلُ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الَّذِي صَنَعَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ أَنَّهُمْ إذَا صَنَعُوا كَانَ أَمَانًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، فَهُوَ أَمَانٌ جَائِزٌ.
وَإِذَا أَشَارَ إلَى الْعَدُوِّ بِأُصْبُعِهِ بِإِشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهُ الدُّعَاءُ إلَى نَفْسِهِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَجِيءِ إلَيْهِ، وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ مَعَ ذَلِكَ إنْ جِئْتَ قَتَلْتُكَ، فَجَاءَهُ فَهُوَ آمِنٌ هَذَا إذَا فَهِمَ الْكَافِرُ الْإِشَارَةَ، وَعَرَفَهَا أَمَانًا، وَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْمُشِيرِ إنْ جِئْتَ قَتَلْتُكَ أَوْ سَمِعَ، وَلَكِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ، فَأَمَّا إذَا سَمِعَ، وَفَهْمَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمَانًا، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ: تَعَالَ حَتَّى أَقْتُلَكَ فَسَمِعَ الْكَافِرُ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَفَهِمَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ آخِرَ الْكَلَامِ أَوْ سَمِعَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهُ كَانَ أَمَانًا، وَلَوْ سَمِعَ آخِرَ الْكَلَامِ، وَفَهِمَهُ لَا يَكُونُ أَمَانًا، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ لَهُ: تَعَالَ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْقِتَالَ تَعَالَ إنْ كُنْتَ رَجُلًا، فَسَمِعَ أَوَّلَ الْكَلَامِ، وَفَهِمَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ آخِرَ الْكَلَامِ، أَوْ سَمِعَ آخِرَ الْكَلَامِ وَلَمْ يَفْهَمْهُ، فَجَاءَهُ كَانَ أَمَانًا وَلَوْ سَمِعَ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَآخِرَهُ، وَفَهِمَهُ، فَجَاءَهُ لَا يَكُونُ أَمَانًا وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ: تَعَالَ حَتَّى تَرَى مَا أَصْنَعُ بِك هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْكُفَّارِ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَمِّنُونَا عَلَى ذَرَارِيِّنَا فَأَمَّنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَهُمْ آمِنُونَ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الرِّجَالِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا قَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى أَوْلَادِي فَأَمَّنُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ آمِنٌ وَأَوْلَادُهُ الصُّلْبِيَّةُ وَأَوْلَادُهُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ، أَمَّا أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، فَلَا يَدْخُلُونَ، وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى أَوْلَادِي ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ بَنُو الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ رِوَايَةً وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى آبَائِي، وَلَهُ أَبٌ وَأُمٌّ دَخَلَا فِي الْأَمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَأُمٌّ، وَإِنَّمَا لَهُ جَدٌّ وَجَدَّةٌ فَلَا أَمَانَ لَهُمَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ لِسَانُهُمْ الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ أَنَّ الْجَدَّ وَالِدٌ كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ ابْنٌ، فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ الِابْنِ يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى أَبْنَائِنَا، وَلَهُمْ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَهُمْ آمِنُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَكَرٌ وَإِنَّمَا لَهُمْ بَنَاتٌ خَاصَّةً، فَهُوَ فَيْءٌ جَمِيعًا، وَإِنْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى بَنَاتِنَا وَأَخَوَاتِنَا، فَهَذَا عَلَى الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى إخْوَتِي، وَلَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ دَخَلَ الْكُلُّ فِي الْأَمَانِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَخَوَاتٌ لِاذَّكَرَ مَعَهُنَّ يَدْخُلْنَ فِي الْأَمَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى أَبْنَائِنَا، وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ وَأَبْنَاءُ أَبْنَاءٍ فَالْأَمَانُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبْنَاءٌ وَلَكِنْ لَهُمْ أَبْنَاءُ أَبْنَاءٍ فَهُمْ آمِنُونَ أَيْضًا، وَإِنْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى آبَائِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ آبَاءٌ وَلَهُمْ أَجْدَادٌ، فَلَيْسَ يَدْخُلُ الْأَجْدَادُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى أُمَّهَاتِنَا، وَلَيْسَ لَهُمْ أُمَّهَاتٌ لَكِنْ لَهُمْ جَدَّاتٌ، فَإِنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْأَمَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى مُوَالِيَّ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْمَوْلَيَاتِ، وَلَا ذَكَرَ فِيهِنَّ، فَهُنَّ آمِنَاتٌ مَعَهُ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
إذَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ: أَمِّنُونِي عَلَى مَتَاعِي، فَأَمَّنُوهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَتَاعُهُ سَالِمٌ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَتَاعِ دَرَاهِمُ، وَلَا دَنَانِيرُ، وَلَا ذَهَبٌ، وَلَا فِضَّةٌ، وَلَا حُلِيٌّ، وَلَا جَوَاهِرُ، وَلَا كُرَاعٌ، وَلَا سِلَاحٌ وَيَدْخُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ وَالْفِرَاشِ وَجَمِيعِ مَتَاعِ الْبَيْتِ فِي الْبُيُوتِ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَتَاعِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
إنْ قَالَ: أَمِّنُونِي مَعَ عَشْرَةٍ فَالْعَشَرَةُ سِوَاهُ، وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ إلَى الْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ حِصْنِي، فَالْأَمَانُ لَهُ، وَتِسْعَةٌ سِوَاهُ وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي فِي عَشَرَةٍ مِنْ إخْوَانِي، فَهُوَ آمِنٌ وَعَشَرَةٌ سِوَاهُ مِنْ إخْوَانِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فِي عَشَرَةٍ مِنْ وَلَدِي وَلَوْ قَالَ أَمِّنُوا عَشَرَةً مِنْ إخْوَانِي أَنَا فِيهِمْ أَوْ عَشْرَةٌ مِنْ وَلَدِي أَنَا فِيهِمْ، فَالْأَمَانُ لِعَشَرَةٍ سِوَاهُ، وَلَوْ قَالَ: عَشَرَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَنَا فِيهِمْ أَوْ عَشَرَةٌ مِنْ أَهْلِ حِصْنِي أَنَا فِيهِمْ، فَالْأَمَانُ لِعَشَرَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ.
وَلَوْ قَالَ: أَمِّنُونِي فِي مَوَالِيَّ، وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ وَمَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ، فَالْأَمَانُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَرِيقَيْنِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَمَانُ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ، وَيَكُونُ الْأَمَانُ عَلَى مَا نَوَاهُ الْمُسْتَأْمِنُ، فَإِنْ قَالَ: مَا نَوَيْتُ شَيْئًا، فَهُمْ جَمِيعًا آمِنُونَ اسْتِحْسَانًا.
وَإِنْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَأْسُ الْحِصْنِ فَقَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ عَلَى أَنْ أَفْتَحَهُ لَكُمْ فَقَالُوا: لَك ذَلِكَ، فَفَتْحَ الْحِصْنَ، فَهُوَ آمِنٌ وَعَشَرَةٌ مَعَهُ، ثُمَّ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ إلَى رَأْسِ الْحِصْنِ، وَلَوْ قَالَ: اعْقِدُوا لِي الْأَمَانَ عَلَى أَهْلِ حِصْنِي عَلَى أَنْ تَدْخُلُوهُ، فَتُصَلُّوا فِيهِ، فَعَقَدُوا لَهُ الْأَمَانَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُمْ قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ مِنْ النُّفُوسِ، وَلَا مِنْ الْأَمْوَالِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
.
إذَا اسْتَأْمَنَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ مَعَهُ بِامْرَأَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَتِي، وَخَرَجَ مَعَهُ بِأَطْفَالٍ صِغَارٍ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَوْلَادِي، وَلَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُمْ فِي أَمَانِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَمِّنُونِي حَتَّى أَخْرُجَ إلَيْكُمْ أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِكُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ فَيْئًا غَيْرَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا قَبِيحٌ، فَنَجْعَلُهُمْ آمِنِينَ بِأَمَانِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا كَانَ مَعَهُ سَبْيٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ رَقِيقِي وَصَدَّقُوهُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَانُوا صِغَارًا لَا يُعَبِّرُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى تَصْدِيقِهِمْ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَيْئًا، كَذَلِكَ الدَّوَابُّ وَالْأُجَرَاءُ الَّذِينَ مَعَهُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَوْلَادِي، وَصَدَّقُوهُ فِي ذَلِكَ، فَهُمْ فَيْءٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ صِغَارٌ، وَهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَوْلَادِي، وَصَدَّقُوهُ فِي ذَلِكَ، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونُوا فَيْئًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَصِيرُونَ فَيْئًا، وَإِنْ كَذَّبُوهُ، فَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ قَدْ بَلَغْنَ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي فَصَدَّقْنَهُ.
فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُنَّ فَيْئًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هُنَّ آمِنَاتٌ، وَصَارَ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَأْمِنُ لِنَفْسِهِ فِي الْغَالِبِ بِنَفْسِهِ لَا يُجْعَلُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فِي الْأَمَانِ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَأْمِنُ لِنَفْسِهِ فِي الْغَالِبِ بِنَفْسِهِ يُجْعَلُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فِي الْأَمَانِ، فَعَلَى هَذَا أُمُّهُ وَجَدَّتُهُ وَإِخْوَتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ، وَكُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ مِنْ النِّسَاءِ يَدْخُلْنَ فِي أَمَان الْمُسْتَأْمَنِ تَبَعًا لِلْمُسْتَأْمَنِ، فَأَمَّا أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَأَخُوهُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي أَمَانِ الْمُسْتَأْمَنِ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ كَانَ آمِنًا بِأَمَانٍ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ، وَصَدَّقَهُ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ، فَهُوَ سَوَاءٌ، وَهُوَ آمِنٌ بِأَمَانِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ كَانَ فَيْئًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ صَدَّقَهُ كَانَ فَيْئًا، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ كَذَّبَهُ فَرَقِيقُهُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ الَّذِينَ يُعَبِّرُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ آمِنُونَ، فَأَمَّا أَجِيرُهُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ بِتَصْدِيقِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَمَا أَقَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالرِّقِّ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِمَا الرِّقَّ، فَبَقُوا أَحْرَارًا، فَإِذَا كَذَّبُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالرِّقِّ، وَالْحَرْبِيُّ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْصُورِ إذَا اسْتَأْمَنَ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ لِبَاسُهُ وَسِلَاحُهُ الَّذِي لَبِسَهُ وَمَرْكَبُهُ وَمَا خَرَجَ بِهِ مَعَهُ مِنْ وَرِقٍ أَوْ دَنَانِيرَ نَفَقَتُهُ فِي حُقُوقِهِ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَيْءٌ، ثُمَّ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ مِنْ سِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ سِلَاحُ مِثْلِهِ وَثِيَابُ مِثْلِهِ حَتَّى لَوْ تَنَكَّبَ بِقِسِيٍّ أَوْ تَقَلَّدَ بِسُيُوفٍ أَوْ ظَاهَرَ بَيْنَ الْأَقْبِيَةِ أَوْ الْعَمَائِمِ حَتَّى جَعَلَهَا كَالْكَارَّةِ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَكُونُ لَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
إذَا أَرْسَلَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ رَسُولًا إلَى أَمِيرِ حِصْنٍ فِي حَاجَةٍ، فَذَهَبَ الرَّسُولُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمَّا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ قَالَ: إنَّهُ أَرْسَلَ عَلَى لِسَانِي إلَيْكَ الْأَمَانَ لَك وَلِأَهْلِ مَمْلَكَتِكَ فَافْتَحْ الْبَابَ، وَأَتَاهُ بِكِتَابٍ زَوَّرَهُ، وَافْتَعَلَهُ عَلَى لِسَانِ الْأَمِيرِ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ قَوْلًا وَحَضَرَ الْمَقَالَةَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا فَتَحَ الْبَابَ وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَجَعَلُوا يَسْبُونَ فَقَالَ أَمِيرُ الْحِصْنِ: إنَّ رَسُولَكُمْ أَخْبَرَنَا أَنَّ أَمِيرَكُمْ أَمَّنَنَا، وَشَهِدَ أُولَئِكَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَقَالَتِهِ فَالْقَوْمُ آمِنُونَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُمْ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ رَجُلًا لَيْسَ بِرَسُولٍ، وَلَكِنَّهُ افْتَعَلَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ كِتَابًا فِيهِ أَمَانُهُمْ وَدَخَلَ بِهِ إلَيْهِمْ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ قَوْلًا وَقَالَ: إنِّي رَسُولُ الْأَمِيرِ وَرَسُولُ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ فَيْءٌ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ مَقَالَتَهُمْ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَنَّ رَسُولَ الْأَمِيرِ حِينَ بَلَّغَ رِسَالَةَ الْأَمِيرِ لِحَاجَةٍ، فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا الْقَائِدَ قَدْ أَمَّنَكُمْ، وَأَرْسَلَنِي بِذَلِكَ وَإِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَابِ الْأَمِيرِ أَمَّنُوكُمْ وَإِنِّي كُنْتُ أَمَّنْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْكُمْ وَنَادَيْتُكُمْ، وَشَهِدَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ فَيْءٌ أَجْمَعُونَ إذَا كَانَ مَا أَخْبَرَ بِهِ كَذِبًا، وَلَوْ أَرْسَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حَاجَةٍ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ أَمَّنَهُمْ، فَهُوَ بَاطِلٌ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الْإِمَامُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا أَمَرَ الذِّمِّيَّ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَمِّنْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ الذِّمِّيُّ: أَمَّنْتُكُمْ أَوْ قَالَ: إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ، فَهُوَ سَوَاءٌ وَصَارُوا آمِنِينَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: قُلْ إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ فَقَالَ لَهُمْ الذِّمِّيُّ: إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ، فَهُمْ آمِنُونَ وَإِنْ قَالَ لَهُمْ: قَدْ أَمَّنْتُكُمْ فَهُوَ بَاطِلٌ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا فَقَالَ أَمِيرُهُمْ لِأَهْلِ الْحِصْنِ مَتَى أَمَّنْتُكُمْ، فَأَمَانِي بَاطِلٌ أَوْ فَلَا أَمَانَ لَكُمْ، أَوْ قَدْ نَبَذْتُ إلَيْكُمْ، ثُمَّ أَمَّنَهُمْ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ أَمَرَ الْأَمِيرُ مُنَادِيًا، فَنَاي فِي الْعَسْكَرِ مَنْ أَمَّنَ مِنْكُمْ أَهْلَ الْحِصْنِ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَمَّنَهُمْ مُسْلِمٌ فَأَمَانُهُ جَائِزٌ، وَلَوْ أَمَرَ بِأَنْ يُنَادَى أَهْلُ الْحِصْنِ أَوْ كَتَبَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ إنْ أَمَّنَكُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَعْتَمِدُوا بِأَمَانِهِ، فَإِنَّ أَمَانَهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَمَّنَهُمْ رَجُلٌ فَنَزَلُوا عَلَى أَمَانِهِ، فَهُمْ فَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ: لَا أَمَانَ لَكُمْ إنْ أَمَّنَكُمْ رَجُلٌ مُسْلِمٌ حَتَّى أُؤَمِّنَكُمْ أَنَا، ثُمَّ أَتَاهُمْ مُسْلِمٌ، وَقَالَ: إنِّي رَسُولُ الْأَمِيرِ إلَيْكُمْ، فَقَدْ أَمَّنَكُمْ، فَنَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ، فَهُمْ آمِنُونَ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ كَاذِبًا فِي ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ الْأَمِيرُ: لَا أَمَانَ لَكُمْ إنْ أَمَّنَكُمْ مُسْلِمٌ أَوْ أَتَاكُمْ بِرِسَالَةٍ مِنِّي حَتَّى أُؤَمِّنُكُمْ بِنَفْسِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَهُمْ فَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا لِيُبَلِّغَهُمْ فَفَعَلَ، فَهُمْ آمِنُونَ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ: إذَا أَمَّنْتُكُمْ فَأَمَّانِي بَاطِلٌ، ثُمَّ أَمَّنَهُمْ كَانَ ذَلِكَ أَمَانًا صَحِيحًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا أَوْ مَدِينَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَطَلَبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَإِنْ أَنْزَلُوهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْرِضَ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا كَانُوا أَحْرَارًا يُسَلِّمُ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَتَصِيرُ دَارُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَيَكُونُ فِي أَرْضِهِمْ الْعُشْرُ، فَإِنْ أَبَوْا الْإِسْلَامَ جَعَلَهُمْ ذِمَّةً وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، وَلَا يُسْتَرَقُّونَ، وَلَا يُقْتَلُونَ، وَلَا يَرُدُّونِ إلَى مَأْمَنِهِمْ، وَلَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِهِ جَازَ، فَإِنْ حَكَمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِيهِمْ بِقَتْلٍ أَوَسَبْي أَوْ أَنْ يَصِيرُوا ذِمَّةً جَازَ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَإِنْ حَكَمَ بِالرَّدِّ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ صَارُوا كَمَا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْحُكُومَةِ يَخْرُجُ، فَإِنْ حَكَمَ فُلَانٌ بِالرَّدِّ، ثُمَّ حَكَمَ بِالْقَتْلِ لَا يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إنْ كَانَ الْحَكَمُ رَجُلًا مُسْلِمًا إلَّا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَحُكْمُهُ جَائِزٌ إنْ حَكَمَ عَلَيْهَا بِقَتْلٍ أَوَسَبْيً أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ مَحْدُودٍ فِي الْقَذْفِ أَوْ أَعْمَى لَا يَجُوزُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ حَكَّمُوا عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا حُرًّا قَدْ عَقَلَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ، فَإِنْ نَزَلُوا مَعَ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِهِ بِجَعْلِ ذِمَّةٍ كَمَا لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ حَكَّمُوا ذِمِّيًّا، فَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: فَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُحَكِّمُوا الذِّمِّيَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِقَتْلٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ يَجْعَلُهُمْ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَحْرَارًا لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ حَكَّمُوا امْرَأَةً جَازَ حُكْمُهَا فِي جَمِيعِ مَا حَكَمَتْ إلَّا أَنْ تَحْكُمَ بِقَتْلٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ.
وَلَا يَصْلُحُ لِلْحُكُومَةِ أَسِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَكَذَلِكَ تَاجِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَسْلَمَ، وَهُوَ فِي دَارِهِمْ، كَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هُوَ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا شَرَطُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ، فَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ شَرَطُوا أَنَّا نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَكَمَ فِينَا أَنْ تُبْلِغُونَا إلَى مَأْمَنِنَا أَمْضَيْتُمْ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْزِلُوهُمْ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَإِذَا أَنْزَلُوهُمْ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ بِرَدِّهِمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَنْزَلُوهُمْ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالرَّدِّ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَمْضَيْنَا حُكْمَهُ، وَنَرُدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمِيرُ الْعَسْكَرِ إذَا أَمَّنَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِفُلَانٍ، وَرَضُوا بِذَلِكَ وَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَهُمْ فَيْءٌ لِمَنْ غَنِمَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِفُلَانٍ، وَإِنْ سَأَلُوا الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْأَمَانُ؛ فَإِنْ قَبِلُوا، وَإِلَّا رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ، فَعَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ، وَلَوْ نَزَلُوا عَلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ، فَعُرِضَ فَأَبَوْا، فَلَهُمْ اللِّحَاقُ بِحِصْنِهِمْ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ وَسَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَلَوْ رَضُوا بِأَدَاءِ الْخَرَاجِ لَزِمَهُمْ، وَلَا يُجْلَوْنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ فُلَانٌ فَافْتُتِحَتْ الْقَلْعَةُ بَعْدَ انْفِصَالِهِمْ مِنْهَا، وَقُتِلَ مَنْ فِي الْقَلْعَةِ فَمَنْ نَزَلَ، فَعَلَى مَا نَزَلَ، فَإِنْ كَانُوا شَرَطُوا رَدَّهُمْ إلَى الْحِصْنِ إنْ لَمْ يَرْضَوْا، وَقَدْ هُدِمَتْ الْقَلْعَةُ رُدُّوا إلَى أَدْنَى مَوْضِعٍ يَأْمَنُونَ فِيهِ.
فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحِصْنِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى نُزُولِ هَؤُلَاءِ بِهَذَا الصُّلْحِ لَمْ يَقْتُلْ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْقَلْعَةِ، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَسَاءُوا وَإِذَا نَزَلُوا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ الْوَالِي بِنَفْسِهِ فِيهِمْ، فَهُوَ كَرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَلَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ فُلَانٍ، فَهَذَا وَمَا لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ حُكْمُ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْفَرِيقَانِ بِحُكْمِهِ قَالَ ثَمَّةَ: وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ، وَهُمَا حَيَّانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْفَرِيقَانِ بِحُكْمِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حَكَمَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، وَحَكَمَ الْآخَرُ بِسَبْيِ الْكُلِّ، فَإِنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ، وَيَكُونُونَ فَيْئًا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا، وَلَوْ حَكَمَا جَمِيعًا بِقَتْلِ مُقَاتِلِيهِمْ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ كَانَ الْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْكُلَّ فَيْئًا وَإِذَا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُ، فَذَلِكَ إلَى الْإِمَام يَتَخَيَّرُ أَفْضَلَهُمْ وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ التَّحْكِيمِ قَبْلَ إمْضَاءِ الْحُكْمِ فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ صَيَّرَهُمْ الْحُكْمُ ذِمَّةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَالْأَرْضُ لَهُمْ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِقَتْلِ قُوَّادٍ مِنْهُمْ يَخَافُ غَدْرَهُمْ وَسَبْىِ الْبَاقِي مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلِ الرِّجَالِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ فَقَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ، فَالْأَرْضُ فَيْءٌ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ خَمَّسَهَا، وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى حَالِهَا فِي يَدِ الْوَالِي وَدَعَا إلَيْهَا مَنْ يَعْمُرُهَا وَيُؤَدِّي خَرَاجَهَا كَمَا يُعْمَلُ فِي مُعَطَّلِ أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ مَاتَ الْحَكَمُ بَعْدَ نُزُولِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ مَا خَلَا الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْأَحْرَارَ مِنْهُمْ يُنْزَعُونَ مَجَّانًا وَالْعَبِيدُ بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ ذِمَّتِنَا عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ إذَا اسْتَعَانُوا بِالْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ رَدُّهُمْ، فَإِنَّمَا يُرَدُّونَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ إلَيْنَا، وَلَا يُرَدُّونَ إلَى مَا أُحْصِنَ مِنْهُ، وَلَا إلَى جَيْشٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ إنْ دَلَلْتنَا عَلَى كَذَا كَذَا فَأَنْت آمِنٌ أَوْ قَالُوا أَمَّنَّاكَ، فَلَمْ يَدُلَّهُمْ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ سَبَاهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَمَّنَّاك عَلَى أَنْ تَدُلَّنَا عَلَى كَذَا كَذَا وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا، فَلَمْ يَدُلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْفَصْلَ فِي الْكِتَابِ، وَالْجَوَابُ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى أَمَانِهِ لَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ، وَلَا أَسْرُهُ وَإِذَا دَخَلَ عَسْكَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ، فَمَرُّوا بِبَعْضِ حُصُونِهِمْ أَوْ مَدَائِنِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِمْ طَاقَةٌ، وَأَرَادُوا أَنْ يَنْفِرُوا إلَى غَيْرِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: أَعْطُونَا عَلَى أَنْ لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَاءٍ نَهَرِنَا هَذَا حَتَّى تَرْتَحِلُوا عَنَّا عَلَى أَنْ لَا نُقَاتِلَكُمْ، وَلَا نَتْبَعُكُمْ إذَا ارْتَحَلْتُمْ، فَإِنْ كَانَ فِي الْإِعْطَاءِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْطُوهُمْ وَبَعْدَ مَا أَعْطُوهُمْ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا وَأَنْ يَسْقُوا دَوَابَّهُمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ فِي مَائِهِمْ بِيَقِينٍ أَوْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهِمْ، وَإِنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى الْمَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ، وَيُعْلِمُوهُمْ بِالنَّبْذِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي مَائِهِمْ بِيَقِينٍ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا، فَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْرَبُوا، وَيَسْقُوا دَوَابَّهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ وَالْجَوَابُ فِي الْكَلَأِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْمَاءِ، وَإِنْ قَالُوا: أَعْطُونَا عَلَى أَنْ لَا تَتَعَرَّضُوا لِشَيْءٍ مِنْ زُرُوعِنَا وَأَشْجَارِنَا وَأَثْمَارِنَا فَأَعْطُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا مَا لَمْ يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ، وَيُعْلِمُوهُمْ بِالنَّبْذِ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، أَوْ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ قَالُوا: أَعْطَوْنَا عَلَى أَنْ لَا تُحْرِقُوا زُرُوعنَا وَكَلَأَنَا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَفْيِ بِهِ فَلَا نُحَرِّقَ زُرُوعَهُمْ وَكَلَأَهُمْ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ نَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ وَنَعْلِفَ دَوَابَّنَا، وَيُمَثِّلُهُ لَوْ قَالَ: أَعْطُونَا عَلَى أَنْ لَا تَأْكُلُوا زُرُوعَنَا وَكَلَأَنَا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ نَعْلِفَ دَوَابَّنَا، وَأَنْ نُحَرِّقَ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْأَمَانَ عَلَى الشَّيْءِ أَمَانٌ عَلَى مِثْلِهِ وَعَلَى مَا فَوْقَهُ ضَرَرٌ أَوْ لَا يَكُونُ أَمَانًا عَلَى مَا دُونَهُ ضَرَرًا، وَلِهَذَا إنْ قَالُوا أَعْطَوْنَا عَلَى أَنْ لَا تُحَرِّقُوا زُرُوعَنَا، فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُغْرِقَهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِنْ قَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَعْطَوْنَا عَلَى أَنْ لَا تَمُرُّوا فِي هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، وَلَا نَأْسِرَهُ، فَإِنْ كَانَ الْإِعْطَاءُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطُوا ذَلِكَ، وَيَأْخُذُوا فِي طَرِيقٍ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ الْآخَرُ أَبْعَدُ وَأَشَقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمُرُّوا فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَلَا يَمُرُّونَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ، لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ، وَيُعْلِمُوهُمْ بِالنَّبْذِ، وَلَا يَقْتُلُ الْمُسْلِمُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا يَأْسِرُونَ، وَيَكُونُ الْأَمَانُ عَلَى الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي عَيَّنُوهُ أَمَانًا عَلَى الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَإِنْ شَرَطُوا عَلَيْنَا أَنْ لَا نُخَرِّبَ قُرَاهُمْ، فَلَا بَأْس بِأَنْ نَأْخُذَ مَا وَجَدْنَا فِي قُرَاهُمْ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِبِنَاءٍ وَالْأَمَانُ عَلَى التَّخْرِيبِ لَا يَكُونُ أَمَانًا عَلَى أَخْذِ الْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ لَا نَقْتُلَ أُسَارَاهُمْ إذَا أَصَبْنَاهُمْ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ نَأْسِرَهُمْ، وَلَوْ شَرَطُوا عَلَيْنَا أَنْ لَا نَأْسِرَ مِنْهُمْ، فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُمْ، وَلَا أَنْ نَأْسِرَهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
.
وَلَوْ قَالُوا أَمِّنُونَا حَتَّى نَفْتَحَ لَكُمْ الْحِصْنَ، فَتَدْخُلُونَ عَلَى أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَنُسْلِمَ، ثُمَّ أَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا، فَهُمْ آمِنُونَ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ حِصْنِهِمْ، ثُمَّ يَنْبِذُونَ إلَيْهِمْ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ إنْ أَبَيْتُمْ الْإِسْلَامَ، فَلَا أَمَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَرَضُوا بِذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا بَأْسَ بِاسْتِرْقَاقِهِمْ وَقَتْلِ مُقَاتِلِهِمْ إنْ أَبَوْا الْإِسْلَامَ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى الْبَعْضُ فَمَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ، وَمَنْ أَبَى فَهُوَ فَيْءٌ، فَإِنْ جَعَلَهُ الْإِمَامُ فَيْئًا بَعْدَ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَبَى، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَكِنْ يَجْعَلُهُ فَيْئًا، فَإِنْ عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ، فَأَبَى، وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فَيْءٌ حَتَّى أَسْلَمَ، فَهُوَ حُرٌّ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ حِينَ أَرَادَ النُّزُولَ: أَمِّنُونِي عَلَى أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمْتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لِي، ثُمَّ عَرَضُوا عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَهُ مُهْلَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا مِنْ حِينِ عَرَضُوا عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَ فَيْئًا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَإِلَّا كُنْتُ عَبْدًا لَكُمْ أَوْ قَالَ ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ الْحِصْنِ فَهُمْ ذِمَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا الْتَزَمُوا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ آمِنٌ عَلَى أَنْ تَنْزِلَ فَتُسْلِمَ، فَهُوَ آمِنٌ بَعْدَ النُّزُولِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتَ آمِنٌ عَلَى أَنْ تَنْزِلَ فَتُعْطِيَنَا مِائَةَ دِينَارٍ فَقَبِلَ ذَلِكَ وَنَزَلَ، ثُمَّ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمَانَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ أَدَاءِ الدَّنَانِيرِ، وَفِي الْأَوَّلِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْقَبُولِ.
فَإِذَا نَزَلَ وَقَبِلَ كَانَ آمِنًا وَكَانَتْ الدَّنَانِيرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حُبِسَ لِيُؤَدِّيَهَا، وَلَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَجَلِ الْأَمَانِ الثَّابِتِ لَهُ فَمَتَى مَا أَعْطَى الدَّنَانِيرَ وَجَبَ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهِ حَتَّى يَلْتَحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ رَأْسًا، فَعَلَيْهِ وَسَطٌ أَوْ قِيمَتُهُ وَإِنْ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: أَمَّنُونِي عَلَى أَنْ أَنْزَلَ إلَيْكُمْ فَأُعْطِيَكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ أُعْطِكُمْ فَلَا أَمَانَ لِي أَوْ قَالَ إنْ نَزَلْتُ إلَيْكُمْ فَأَعْطَيْتُكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَنَا آمِنٌ، ثُمَّ نَزَلَ فَطَلَبُوهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ يَكُونُ فَيْئًا قِيَاسًا، وَلَا يَكُونُ فَيْئًا اسْتِحْسَانًا حَتَّى يُرْفَعَ إلَى الْإِمَامِ، فَيَأْمُرَهُ بِالْأَدَاءِ، فَإِنْ أَبَى يَجْعَلُهُ فَيْئًا وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَحْصُورِينَ: أَمِّنُونِي حَتَّى أَنْزِلَ إلَيْكُمْ عَلَى أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ مِنْ السَّبْيِ فِي مَوْضِعٍ، فَأَمَّنُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا نَزَلَ أَتَى بِهِمْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَقَالَ: قَدْ كَانُوا هُنَا فَذَهَبُوا، وَلَا أَدْرِي أَيْنَ ذَهَبُوا يُرَدُّ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَوْ قَالَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِينَا: أَمِّنُونِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، ثُمَّ لَمْ يَدُلَّهُمْ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنْ قَالَ الْمَحْصُورُ: عَلَى أَنِّي إنْ لَمْ أَدُلَّكُمْ كُنْتُ لَكُمْ فَيْئًا أَوْ رَقِيقًا، ثُمَّ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ قَتْلُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَمِّنُونِي عَلَى أَنْ أَنْزِلَ فَأَدُلَّكُمْ عَلَى قَرْيَةٍ فِيهَا مِائَةُ رَأْسٍ، فَقَدْ أَصَابَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ عَلِمُوا بِهَا قَبْلَ دَلَالَتِهِ، وَلَمْ يُصِيبُوهَا فَلَيْسَتْ هَذِهِ بِدَلَالَةٍ وَيَكُونُ فَيْئًا، وَلَوْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى عَرَفُوا مَكَانَهَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَيْهَا أَوْ وَصَفَ لَهُمْ مَكَانًا، وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمْ فَذَهَبُوا بِصِفَتِهِ حَتَّى أَصَابُوا فَهَذِهِ دَلَالَةٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ:
أَمِّنُونِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَى طَرِيقٍ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فَلَا أَمَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ وَجَدَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَصَابُوا بِطَرِيقٍ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ أَدُلَّكُمْ بِطَرِيقِ هَذَا الْحِصْنِ، وَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ هَادِيًا مِنْ الْحِصْنِ، فَلَمَّا نَزَلَ وَجَدَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَصَابُوا بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، فَهُوَ آمِنٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ الْتَزَمَ أَنْ يَدُلَّهُمْ عَلَى حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْحِصْنِ أَوْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.