فصل: لبن المعز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الطب النبوي **


 الجراد

في الصحيحين‏:‏ عن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ غزونا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبع غزوات نأكل الجراد‏.‏

وفي المسند عنه‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان‏:‏ الحوت والجراد، والكبد والطحال‏)‏‏.‏ يروى مرفوعًا وموقوفًا على ابن عمر رضي الله عنه‏.‏

وهو حار يابس، قليل الغذاء، وإدامة أكله تورث الهزال، وإذا تبخر به نفع من تقطير البول وعسره، وخصوصًا للنساء، ويتبخر به للبواسير، وسمانه يشوى ويؤكل للسع العقرب، وهو ضار لأصحاب الضرع، رديء الخلط، وفي إباحة ميتته بلا سبب قولان، فالجمهور على حله، وحرمه مالك، ولا خلاف في إباحة ميتته إذا مات بسبب، كالكبس والتحريق ونحوه‏.‏

 فصل‏:‏ وينبغي ألا يداوم على أكل اللحم

فإنه يورث الأمراض الدموية والامتلائية، والحميات الحادة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر، ذكره مالك في الموطأ عنه‏.‏ وقال أبقراط‏:‏ لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان‏.‏

 اللبن

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 66‏]‏ وقال في الجنة‏:‏ ‏{‏فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 15‏]‏‏.‏ وفي السنن مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من أطعمه الله طعامًا‏.‏ فليقل‏:‏ اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل‏:‏ اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن‏)‏‏.‏

 اللبن

وإن كان بسيطًا في الحس، إلا أنه مركب في أصل الخلقة تركيبًا طبيعيًا من جواهر ثلاثة‏:‏ الجبنية، والسمنية، والمائية، فالجبنية‏:‏ باردة رطبة، مغذية للبدن، والسمنية‏:‏ معتدلة الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح، كثيرة المنافع، والمائية‏:‏ حارة رطبة، مطلقة للطبيعة، مرطبة للبدن، واللبن على الإطلاق أبرد وأرطب من المعتدل‏.‏

وقيل‏:‏ قوته عند حلبه الحرارة والرطوبة، وقيل‏:‏ معتدل في الحرارة والبرودة‏.‏

وأجود ما يكون اللبن حين يحلب، ثم لا يزال تنقص جودته على ممر الساعات، فيكون حين يحلب أقل برودة، وأكثر رطوبة، والحامض بالعكس، ويختار اللبن بعد الولادة بأربعين يومًا، وأجوده ما اشتد بياضه، وطاب ريحه، ولذ طعمه، وكان فيه حلاوة يسيرة، ودسومة معتدلة، واعتدل قوامه في الرقة والغلظ، وحلب من حيوان فتي صحيح، معتدل اللحم، محمود المرعى والمشرب‏.‏

وهو محمود يولد دمًا جيدًا، ويرطب البدن اليابس، ويغذو غذاء حسنًا، وينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية، وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنة من الأخلاط العفنة، وشربه مع السكر يحسن اللون جدًا، والحليب يتدارك ضرر الجماع، ويوافق الصدر والرئة، جيد لأصحاب السل، رديء للرأس والمعدة، والكبد والطحال، والإكثار منه مضر بالأسنان واللثة، ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء، وفي الصحيحين ‏:‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرب لبنًا، ثم دعا بماء فتمضمض وقال‏:‏ ‏(‏إن له دسمًا‏)‏‏.‏ وهو رديء للمحمومين، وأصحاب الصداع، مؤذ للدماغ، والرأس الضعيف، والمداومة عليه تحدث ظلمة البصر والغشاء، ووجع المفاصل، وسدة الكبد، والنفخ في المعدة والأحشاء، وإصلاحه بالعسل والزنجبيل المربى ونحوه، وهذا كله لمن لم يعتده‏.‏

 لبن الضأن

أغلظ الألبان وأرطبها، وفيه من الدسومة والزهومة ما ليس في لبن الماعز والبقر، يولد فضولًا بلغميًا، ويحدث في الجلد بياضًا إذا أدمن استعماله، ولذلك ينبغي أن يشرب هذا اللبن بالماء ليكون ما نال البدن منه أقل، وتسكينه للعطش أسرع، وتبريده أكثر‏.‏

 لبن المعز‏

لطيف معتدل، مطلق للبطن، مرطب للبدن اليابس، نافع من قروح الحلق، والسعال اليابس، ونفث الدم‏. واللبن المطلق أنفع المشروبات للبدن الإنساني لما اجتمع فيه من التغذية والدموية، ولاعتياده حال الطفولية، وموافقته للفطرة الأصلية، وفي الصحيحين ‏:‏ ‏(‏أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتي ليلة أسري به بقدح من خمر، وقدح من لبن، فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل‏:‏ الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر، غوت أمتك‏)‏‏.‏ والحامض منه بطيء الاستمراء، خام الخلط، والمعدة الحارة تهضمه وتنتفع به‏.‏

لبن البقر‏:‏ يغذو البدن، ويخصبه، ويطلق البطن باعتدال، وهو من أعدل الألبان وأفضلها بين لبن الضأن، ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسم، وفي السنن ‏:‏ من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه‏:‏ ‏(‏عليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر‏)‏‏.‏

لبن الإبل‏:‏ تقدم ذكره في أول الفصل، وذكر منافعه، فلا حاجة لإعادته‏.‏

 لبان‏:‏ هو الكندر

قد ورد فيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏بخروا بيوتكم باللبان والصعتر‏)‏‏.‏ ولا يصح عنه، ولكن يروى عن علي أنه قال لرجل شكا إليه النسيان‏:‏ عليك باللبان، فإنه يشجع القلب، ويذهب بالنسيان‏.‏ ويذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن شربه مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان‏.‏ ويذكر عن أنس رضي الله عنه، أنه شكا إليه رجل النسيان، فقال‏:‏ عليك بالكندر وانقعه من الليل، فإذا أصبحت، فخذ منه شربة على الريق، فإنه جيد للنسيان‏.‏

ولهذا سبب طبيعي ظاهر، فإن النسيان إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلب على الدماغ، فلا يحفظ ما ينطبع فيه، نفع منه اللبان، وأما إذا كان النسيان لغلبة شيء عارض، أمكن زواله سريعًا بالمرطبات‏.‏ والفرق بينهما أن اليبوسي يتبعه سهر، وحفظ الأمور الماضية دون الحالية، والرطوبي بالعكس‏.‏

وقد يحدث النسيان أشياء بالخاصية، كحجامة نقرة القفا، وإدمان أكل الكسفرة الرطبة، والتفاح الحامض، وكثرة الهم والغم، والنظر في الماء الواقف، والبول فيه، والنظر إلى المصلوب، والإكثار من قراءة ألواح القبور، والمشي بين جملين مقطورين، وإلقاء القمل في الحياض وأكل سؤر الفأر، وأكثر هذا معروف بالتجربة‏.‏

والمقصود‏:‏ أن اللبان مسخن في الدرجة الثانية، ومجفف في الأولى، وفيه قبض يسير، وهو كثير المنافع، قليل المضار، فمن منافعه‏:‏ أن ينفع من قذف الدم ونزفه، ووجع المعدة، واستطلاق البطن، ويهضم الطعام، ويطرد الرياح، ويجلو قروح العين، وينبت اللحم في سائر القروح، ويقوي المعدة الضعيفة، ويسخنها، ويجفف البلغم، وينشف رطوبات الصدر، ويجلو ظلمة البصر، ويمنع القروح الخبيثة من الإنتشار، وإذا مضغ وحده، أو مع الصعتر الفارسي جلب البلغم، ونفع من اعتقال اللسان، ويزيد في الذهن ويذكيه، وإن بخر به ماء، نفع من الوباء، وطيب رائحة الهواء‏.‏

 حرف الميم

 ماء

مادة الحياة، وسيد الشراب، وأحد أركان العالم، بل ركنه الأصلي، فإن السماوات خلقت من بخاره، والأرض من زبده، وقد جعل الله منه كل شيء حي‏.‏

وقد اختلف فيه‏:‏ هل يغذو، أو ينفذ الغذاء فقط‏؟‏ على قولين، وقد تقدما، وذكرنا القول الراجح ودليله‏.‏

وهو بارد رطب، يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته، ويرد عليه بدل ما تحلل منه، ويرقق الغذاء، وينفذه في العروق‏.‏

وتعتبر جودة الماء من عشرة طرق‏:‏

أحدها‏:‏ من لونه بأن يكون صافيًا‏.‏

الثاني‏:‏ من رائحته بأن لا تكون له رائحة البتة‏.‏

الثالث‏:‏ من طعمه بأن يكون عذب الطعم حلوه، كماء النيل والفرات‏.‏

الرابع‏:‏ من وزنه بأن يكون خفيفًا رقيق القوام‏.‏

الخامس‏:‏ من مجراه‏.‏ بأن يكون طيب المجرى والمسلك‏.‏

السادس‏:‏ من منبعه بأن يكون بعيد المنبع‏.‏

السابع‏:‏ من بروزه للشمس والريح، بأن لا يكون مختفيًا تحت الأرض، فلا تتمكن الشمس والريح من قصارته‏.‏

الثامن‏:‏ من حركته بأن يكون سريع الجري والحركة‏.‏

التاسع‏:‏ من كثرته بأن يكون له كثرة يدفع الفضلات المخالطة له‏.‏

العاشر‏:‏ من مصبه بأن يكون آخذًا من الشمال إلى الجنوب، أو من المغرب إلى المشرق‏.‏

وإذا اعتبرت هذه الأوصاف، لم تجدها بكمالها إلا في الأنهار الاربعة‏:‏ النيل، والفرات، وسيحون، وجيحون‏.‏

وفي الصحيحين ‏:‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏سيحان، وجيحان، والنيل، والفرات، كل من أنهار الجنة‏)‏‏.‏

وتعتبر خفة الماء من ثلاثة أوجه، أحدها‏:‏ سرعة قبوله للحر والبرد، قال أبقراط‏:‏ الماء الذي يسخن سريعًا، ويبرد سريعًا أخف المياه‏.‏ الثاني‏:‏ بالميزان، الثالث‏:‏ أن تبل قطنتان متساويتا الوزن بماءين مختلفين، ثم يجففا بالغًا، ثم توزنا، فأيتهما كانت أخف، فماؤها كذلك‏.‏

والماء وإن كان في الأصل باردًا رطبًا، فإن قوته تنتقل وتتغير لأسباب عارضة توجب انتقالها، فإن الماء المكشوف للشمال المستور عن الجهات الأخر يكون باردًا، وفيه يبس مكتسب من ريح الشمال، وكذلك الحكم على سائر الجهات الأخر‏.‏

والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المعدن، ويؤثر في البدن تأثيره، والماء العذب نافع للمرضى والأصحاء، والبارد منه أنفع وألذ، ولا ينبغي شربه على الريق، ولا عقيب الجماع، ولا الإنتباه من النوم، ولا عقيب الحمام، ولا عقيب أكل الفاكهة، وقد تقدم‏.‏ وأما على الطعام، فلا بأس به إذا اضطر إليه، بل يتعين ولا يكثر منه، بل يتمصصه مصًا، فإنه لا يضره البتة، بل يقوي المعدة، وينهض الشهوة، ويزيل العطش‏.‏

والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضد ما ذكرناه، وبائته أجود من طريه وقد تقدم‏.‏ والبارد ينفع من داخل أكثر من نفعه من خارج، والحار بالعكس، وينفع البارد من عفونة الدم، وصعود الأبخرة إلى الرأس، ويدفع العفونات، ويوافق الأمزجة والأسنان والأزمان والأماكن الحارة، ويضر على كل حالة تحتاج إلى نضج وتحليل، كالزكام والأورام، والشديد البرودة منه يؤذي الأسنان، والإدمان عليه يحدث انفجار الدم والنزلات، وأوجاع الصدر‏.‏

والبارد والحار بإفراط ضاران للعصب ولأكثر الأعضاء، لأن أحدهما محلل، والآخر مكثف، والماء الحار يسكن لذع الأخلاط الحادة، ويحلل وينضج، ويخرج الفضول، ويرطب ويسخن، ويفسد الهضم شربه، ويطفو بالطعام إلى أعلى المعدة ويرخيها، ولا يسرع في تسكين العطش، ويذبل البدن، ويؤدي إلى أمراض رديئة، ويضر في أكثر الأمراض على أنه صالح للشيوخ، وأصحاب الصرع، والصداع البارد، والرمد‏.‏ وأنفع ما استعمل من خارج‏.‏

ولا يصح في الماء المسخن بالشمس حديث ولا أثر، ولا كرهه أحد من قدماء الأطباء، ولا عابوه، والشديد السخونة يذيب شحم الكلى، وقد تقدم الكلام على ماء الأمطار في حرف العين‏.‏

ماء الثلج والبرد‏:‏ ثبت في الصحيحين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يدعو في الإستفتاح وغيره‏:‏ ‏(‏اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج والبرد‏)‏‏.‏

الثلج له في نفسه كيفية حادة دخانية، فماؤه كذلك، وقد تقدم وجه الحكمة في طلب الغسل من الخطايا بمائه لما يحتاج إليه القلب من التبريد والتصليب والتقوية، ويستفاد من هذا أصل طب الأبدان والقلوب، ومعالجة أدوائها بضدها‏.‏

وماء البرد ألطف وألذ من ماء الثلج، وأما ماء الجمد وهو الجليد، فبحسب أصله‏.‏

والثلج يكتسب كيفية الجبال والأرض التي يسقط عليها في الجودة والرداءة، وينبغي تجنب شرب الماء المثلوج عقيب الحمام والجماع، والرياضة والطعام الحار، ولأصحاب السعال، ووجع الصدر، وضعف الكبد، وأصحاب الأمزجة الباردة‏.‏

 ماء الآبار والقني

مياه الآبار قليلة اللطافة، وماء القني المدفونة تحت الأرض ثقيل، لأن أحدهما محتقن لا يخلو عن تعفن، والآخر محجوب عن الهواء، وينبغي ألا يشرب على الفور حتى يصمد للهواء، وتأتي عليه ليلة، وأردؤه ما كانت مجاريه من رصاص، أو كانت بئره معطلة، ولا سيما إذا كانت تربتها رديئة، فهذا الماء وبيء وخيم‏.‏

 ماء زمزم

سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرًا، وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمنًا، وأنفسها عند الناس، وهو هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل‏.‏

وثبت في الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة، ليس له طعام غيره، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إنها طعام طعم‏)‏‏.‏ وزاد غير مسلم بإسناده‏:‏ ‏(‏وشفاء سقم‏)‏‏.‏

وفي سنن ابن ماجه‏.‏ من حديث جابر بن عبد الله، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏‏.‏ وقد ضعف هذا الحديث طائفة بعبد الله بن المؤمل راويه عن محمد بن المنكدر‏.‏ وقد روينا عن عبد الله بن المبارك، أنه لما حج، أتى زمزم، فقال‏:‏ اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، عن نبيك ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏، وإني أشربه لظمإ يوم القيامة، وابن أبي الموالي ثقة، فالحديث إذًا حسن، وقد صححه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعًا، وكلا القولين فيه مجازفة‏.‏

وقد جربت أنا وغيري من الاستثسفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبًا من نصف الشهر، أو أكثر، ولا يجد جوعًا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يومًا، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم ويطوف مرارًا‏.‏

 ماء النيل

أحد أنهار الجنة، أصله من وراء جبال القمر في أقصى بلاد الحبشة من أمطار تجتمع هناك، وسيول يمد بعضها بعضًا، فيسوقه الله تعالى إلى الأرض الجرز التي لا نبات لها، فيخرج به زرعًا، تأكل منه الأنعام والأنام، ولما كانت الأرض التي يسوقه إليها إبليزًا صلبة، إن أمطرت مطر العادة، لم ترو، ولم تتهيأ للنبات، وإن أمطرت فوق العادة ضرت المساكن والساكن، وعطلت المعايش والمصالح، فأمطر البلاد البعيدة، ثم ساق تلك الأمطار إلى هذه الأرض في نهر عظيم، وجعل سبحانه زيادته في أوقات معلومة على قدر ري البلاد وكفايتها، فإذا أروى البلاد وعمها، أذن سبحانه بتناقصه وهبوطه لتتم المصلحة بالتمكن من الزرع، واجتمع في هذا الماء الأمور العشرة التي تقدم ذكرها، وكان من ألطف المياه وأخفها وأعذبها وأحلاها‏.‏

 ماء البحر

ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في البحر‏:‏ ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)‏‏.‏ وقد جعله الله سبحانه ملحًا أجاجًا مرًا زعاقًا لتمام مصالح من هو على وجه الأرض من الآدميين والبهائم، فإنه دائم راكد كثير الحيوان، وهو يموت فيه كثيرًا ولا يقبر، فلو كان حلوًا لأنتن من إقامته وموت حيواناته فيه وأجاف، وكان الهواء المحيط بالعالم يكتسب منه ذلك، وينتن ويجيف، فيفسد العالم، فاقتضت حكمة الرب سبحانه وتعالى أن جعله كالملاحة التي لو ألقي فيه جيف العالم كلها وأنتانه وأمواته لم تغيره شيئًا، ولا يتغير على مكثه من حين خلق، والى أن يطوي الله العالم، فهذا هو السبب الغائي الموجب لملوحته، وأما الفاعلي، فكون أرضه سبخة مالحة‏.‏

وبعد فالاغتسال به نافع من آفات عديدة في ظاهر الجلد، وشربه مضر بداخله وخارجه، فإنه يطلق البطن، ويهزل، ويحدث حكة وجربًا، ونفخًا وعطشًا، ومن اضطر إلى شربه فله طرق من العلاج يدفع بها مضرته‏.‏

منها‏:‏ أن يجعل في قدر، ويجعل فوق القدر قصبات وعليها صوف جديد منفوش، ويوقد تحت القدر حتى يرتفع بخارها إلى الصوف، فإذا كثر عصره، ولا يزال يفعل ذلك حتى يجتمع له ما يريد، فيحصل في الصوف من البخار ما عذب، ويبقى في القدر الزعاق‏.‏

ومنها‏:‏ أن يحفر على شاطئه حفرة واسعة يرشح ماؤه إليها، ثم إلى جانبها قريبًا منها أخرى ترشح هي إليها، ثم ثالثة إلى أن يعذب الماء‏.‏ وإذا ألجأته الضرورة إلى شرب الماء الكدر، فعلاجه أن يلقي فيه نوى المشمش، أو قطعة من خشب الساج، أو جمرا ملتهبا يطفأ فيه، أو طينًا أرمنيًا، أو سويق حنطة، فإن كدرته ترسب إلى أسفل‏.‏