فصل: (كِتَابُ السَّرِقَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(كِتَابُ السَّرِقَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ):

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ عَلَى الْخِفْيَةِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ يَعْنِي لَيْلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَهَارًا اُشْتُرِطَ الِابْتِدَاءُ، وَالِانْتِهَاءُ.
وَأَمَّا شُرِطَ الْأَخْذُ عَلَى الْخِفْيَةِ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى غَيْرِ الْخِفْيَةِ يَكُونُ نَهْبًا وَخِلْسَةً وَغَصْبًا، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَاهَرَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْغَوْثُ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا) (سَرَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) يَعْنِي دَفْعَةً وَاحِدَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ إذَا كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَأَنْ يَكُون الْمَسْرُوقُ نِصَابًا كَامِلًا وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَشَرَةٌ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ فَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا عِبْرَةَ بِالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْأَخْذِ وَإِذَا سَرَقَ الْمَالَ فِي بَلَدٍ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا.
قَوْلُهُ: (مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمَضْرُوبَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ تِبْرًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمَضْرُوبَةِ وَغَيْرِهَا كَنِصَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ بِدَلِيلِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَإِنْ سَرَقَ دَرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةٍ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُسَاوِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْوَزْنِ فِيهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ نُقْرَةً وَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادًا قُطِعَ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَسَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ) الْحِرْزُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ انْتَهَبَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ سَرَقَ مَالًا ظَاهِرًا كَالثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْ الْحَيَوَانِ فِي الْمُرَاعِي لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْحِرْزُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَبْنِيُّ لِحِفْظِ الْمَالِ، وَالْأَمْتِعَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ خَيْمَةً أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ صُنْدُوقًا، وَالْحِرْزُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَكَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَجَعَلَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا لِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ نَائِمًا حِينَ سُرِقَ رِدَاؤُهُ فَإِنْ دَخَلَ السَّارِقُ الدَّارَ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ، وَالسَّارِقُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَلَيْسَ بِخِفْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ دَخَلَ اللِّصُّ لَيْلًا وَصَاحِبُ الدَّارِ فِيهَا إنْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ قُطِعَ وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْحِرْزِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ تُسْقِطُ الْقَطْعَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَتَنَصَّفُ وَكَذَا الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ لِلْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) وَلَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْطَعْ وَيَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا وَقَدْرِهَا لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَيُعْتَبَرُ فِي إقَامَةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حُضُورُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَمُطَالَبَتُهُ بِإِقَامَتِهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي ثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَطْعُ لَهُمْ جَمِيعًا، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا فَسَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا دِرْهَمًا فَأَخْرَجَهُ إلَى سَاحَتِهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَ دِرْهَمًا آخَرَ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هَكَذَا حَتَّى سَرَقَ عَشَرَةً فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا خَرَجَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الدَّارِ قُطِعَ وَإِنْ خَرَجَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِي طَرَفِهِ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْقَصَبِ، وَالسَّمَكِ، وَالصَّيْدِ، وَالطَّيْرِ) وَكَذَلِكَ الزِّرْنِيخُ، وَالْمَغْرَةُ، وَالْمَاءُ، وَالتَّافِهُ هُوَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ، وَالْإِوَزُّ، وَالْحَمَامُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ، وَالتُّرَابَ، وَالسِّرْقِينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَالْكُحْلِ، وَالْمِلْحِ، وَالْقُدُورِ، وَالْفَخَّارِ وَكَذَا اللَّبِنُ، وَالْآجُرُّ، وَالزُّجَاجُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الزُّجَاجِ الْقَطْعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اقْطَعْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ فِي الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ، وَالْفَيْرُوزَجِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَافِهًا فَصَارَ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَقَوْلُهُ: كَالْخَشَبِ يَعْنِي مَا سِوَى السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَالْبِطِّيخِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ»، وَالْكَثَرُ هُوَ الْجُمَّارُ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ وَهُوَ النَّخْلُ الصِّغَارُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ سَرَقَ شَاةً مَذْبُوحَةً أَوْ ذَبَحَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَحْمًا وَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَالْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ مِثْلُ الْعِنَبِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا قَطْعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْدُودَةً فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُقْفَلٌ وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ الْيَابِسَةُ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُحْرَزَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي بَقْلٍ وَلَا بَاذِنْجَانَ وَلَا رَيْحَانَ وَيُقْطَعُ فِي الْحِنَّاءِ، وَالْوَسْمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَاكِهَةُ عَلَى الشَّجَرِ، وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ) يَعْنِي لَا قَطْعَ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَأَمَّا إذَا قُطِعَتْ الْفَاكِهَةُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِهَا وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَجُعِلَ فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الثِّيَابِ الَّتِي بُسِطَتْ لِلتَّجْفِيفِ وَإِنْ سَرَقَ شَاةً مِنْ الْمَرْعَى أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَعِيرًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَاعٍ فَإِنْ آوَاهَا بِاللَّيْلِ إلَى حَائِطٍ قَدْ بُنِيَ لَهَا عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ مَعَهَا حَافِظٌ أَوْ لَيْسَ مَعَهَا حَافِظٌ فَكَسَرَ الْبَابَ وَدَخَلَ وَسَرَقَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً تَسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَهَا وَهُوَ يَقُودُهَا أَوْ يَسُوقُهَا أَوْ رَاكِبٌ عَلَيْهَا قُطِعَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَابٌ مُغْلَقٌ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إغْلَاقُ الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ مِنْ طَبْعِهَا النُّفُورُ أَمَّا الْحِنْطَةُ فِي الْحَظِيرَةِ وَسَائِرُ الْأَمْتِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِغْلَاقُ وَيُقْطَعُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَالْأَدْهَانِ، وَالطِّيبِ، وَالْعُودِ وَالْمِسْكِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي الْخَلِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالدَّقِيقِ، وَالسَّمْنِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَسَلِ، وَالْمَلْبُوسِ، وَالْمَفْرُوشِ، وَالْأَوَانِي مِنْ الْحَدِيدِ، وَالصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْأُدْمِ، وَالْقَرَاطِيسِ، وَالسَّكَاكِينِ، وَالْمَقَارِيضِ، وَالْمَوَازِينِ وَالْارسان وَلَا يُقْطَعُ فِي الْأُشْنَانِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) أَيْ الْمُسْكِرَةِ، وَالطَّرَبُ النَّشَاطُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْفُقَاعِ، وَالدِّبْسِ، وَالْخَلِّ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخُبْزِ، وَالثَّرِيدِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي) (الطُّنْبُورِ وَكَذَا الدُّفُّ، وَالْمِزْمَارُ) لِأَنَّهُ لِلْمَلَاهِي.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي) (سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْحِلْيَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَنَاوُلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهِ وَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً، وَالْحِلْيَةُ إنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَة الْآنِيَةِ تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَوْ سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَبْقَى أَوْ لَبَنٌ لَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا فِي الْإِنَاءِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْإِنَاءِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي صَلِيبِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي كَسْرِهِ وَكَذَا الصَّنَمُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الَّتِي عَلَيْهَا التَّمَاثِيلُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِلْعِبَادَةِ، وَلَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ خَمْرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا نَاقِصٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لِلْمَلَاهِي.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْحِلْيَةُ تَبَعٌ لَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا، وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ أَمَّا إذَا كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ فَلَا قَطْعَ فِيهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ كَثِيرَةٌ لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ جِرَابًا فِيهِ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ جَوَالِقَ فِيهَا مَالٌ قُطِعَ لِأَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمَقْصُودُ بِالسَّرِقَةِ الْمَالُ دُونَ الْوِعَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ غَصْبًا لَا سَرِقَةً.
قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ لِأَنَّهُ مَالٌ وَلَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَهِيمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْبَالِغِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَعْقِلُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ كَانَتْ كُتُبَ النَّحْوِ، وَالْفِقْهِ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِسَرِقَتِهَا مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ الْحِسَابِ وَهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَرِقُ دُونَ مَا فِيهَا، وَالْوَرِقُ مَالٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ دَفَاتِرُ قَدْ مَضَى حِسَابُهَا مَا إذَا لَمْ يَمْضِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ غَرَضَهُ مَا فِيهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ التُّجَّارِ فَفِيهَا الْقَطْعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْوَرِقُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ فِي مَالِيَّتِهِمَا قُصُورٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ كَلْبًا، وَفِي عُنُقِهِ طَوْقُ ذَهَبٍ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَرِقَةُ الْكَلْبِ وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ إذْ لَوْ أَرَادَ سَرِقَةَ الطَّوْقِ لَقَطَعَهُ مِنْ عُنُقِ الْكَلْبِ وَأَخَذَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا مِزْمَارٍ) لِأَنَّ هَذِهِ مَعَازِفُ قَدْ نُدِبَ إلَى كَسْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْلِ طَبْلُ اللَّهْوِ أَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ عَزِيزَةٌ مُحْرَزَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِي أَوْ أَبْوَابٌ قُطِعَ فِيهَا) لِأَنَّهَا بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ وَلَا يُقْطَعُ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ.
وَلَوْ سَرَقَ فُسْطَاطًا إنْ كَانَ مُرَكَّبًا مَنْصُوبًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْحَصِيرِ وَيُوَارِي الْقَصَبَ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) وَهُمَا اللَّذَانِ يَأْخُذَانِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا نَبَّاشٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ الدُّخُولَ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ، وَفِيهِ مَيِّتٌ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ) الِانْتِهَابُ هُوَ الْأَخْذُ عَلَانِيَةً قَهْرًا، وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَخْطَفَ الشَّيْءَ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ وَأَمَّا الطَّرَّارُ إذَا طَرَّ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ وَبَيَانُهُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَشْدُودَةً مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ وَحَلَّ الْعُقْدَةَ وَأَخَذَ مِنْ الْخَارِجِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مَشْدُودَةً مِنْ خَارِجٍ فَحَلَّهُ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ سَوَاءٌ طَرَّ مِنْ الْخَارِجِ أَوْ الدَّاخِلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ سَقَطَتْ فِي الْكُمِّ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُقْطَعْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَالٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ) لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِهِ فِي بَعْضِ الْمَالِ شُبْهَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَسَرَقَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يُقْطَعْ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ، وَالْحَالُ، وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَخَذْته رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ الَّذِي يَقُولُهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغَرِيمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يَعْرِفُ الْخِلَافَ وَيُعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ يُورِثُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْقَطْعَ وَإِنْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَعَلَيْهِ دَنَانِيرُ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَالْمُعَاوَضَةِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ مَوْلَاهُ أَوْ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ حَقَّ قَبْضَ دُيُونِهِ إلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِي دُيُونِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَسَرَقَ مِنْ غَرِيمِهِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ عَبْدِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ دَيْنَ عَبْدِهِ مَالُهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ قُطِعَ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا وَحْشَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَرَقَ هُوَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَبَانَتْ بِغَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ أَوْ الْمُخْتَلِعَةِ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَذَا إذَا سَرَقَتْ هِيَ مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُقْطَعْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ.
سَيِّدَتِهِ أَوْ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ سَرَقَتْ مِنْ مَوْلَاهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعْ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ، وَالدُّورِ) وَيُسَمَّى هَذَا حِرْزًا بِالْمَكَانِ وَكَذَلِكَ الْفَسَاطِيطُ، وَالْحَوَانِيتُ فَهَذِهِ كُلُّهَا حِرْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَافِظٌ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ مَالِكِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا، وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ وَقَوْلُهُ بِالْحَافِظِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَافِظُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَيْسَ بِحَافِظٍ قَالَ مَشَايِخُنَا: كُلُّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَمَا إذَا سَرَقَ الدَّابَّةَ مِنْ الْإِصْطَبْلِ أَوْ الشَّاةَ مِنْ الْحَظِيرَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِذَا سَرَقَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْحُلِيَّ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْطَعُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِكُلِّ نَوْعٍ حَتَّى جَعَلُوا شَرِيحَةَ الْبَقَّالِ وَقَوَاصِرَ التَّمْرِ حِرْزًا لِلدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَاللُّؤْلُؤِ.
قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الشَّرِيحَةُ الْجِرَارُ أَوْ الوشحة، وَلَوْ سَرَقَ الْإِبِلَ مِنْ الطَّرِيقِ مَعَ حِمْلِهَا لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا أَوْ لَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْجَوَالِقَ بِعَيْنِهَا أَمَّا إذَا شَقَّ الْجَوَالِقَ فَأَخْرَجَ مَا فِيهَا إنْ كَانَ صَاحِبُهَا هُنَاكَ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ) يَعْنِي مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لِرَجُلٍ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتَى مَنْزِلًا آخَرَ فَسَرَقَ مِنْهُ دِرْهَمًا آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ، وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي دُخُولِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ عَلَى خَادِمِ الْقَوْمِ إذَا سَرَقَ مَتَاعَهُمْ وَلَا أَجِيرً سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ عَلَى رَجُلٍ فَسَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ عَلَى حِدَةٍ قُطِعَ السَّارِقُ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ صَارَ أَخَصَّ بِالْحِرْزِ مِنْ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ مُفْرَدٍ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْحِرْزِ وَلَا فِي الْمَالِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْأَصْهَارِ أَوْ الْأُخْتَانِ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلْخَتَنِ أَمَّا إذَا كَانَ لِلْبِنْتِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصِّهْرِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلزَّوْجَةِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا، وَلَوْ سَرَقَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْعِدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ بَيْتِ الْعَدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ وَدَخَلَ فَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ وَكَذَا الْخَارِجُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ الدَّاخِلُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَاوَلَهُ قَامَتْ يَدُ الثَّانِي مَقَامَ يَدِهِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ، وَالشَّيْءُ فِي يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ قُطِعَا جَمِيعًا، وَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ رَمَى بِهِ إلَى صَاحِبٍ لَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةٍ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ سَرَقَ سَرِقَةً وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَهَذَا إذَا رَمَى بِهِ فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ وَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَإِذَا خَرَجَ وَأَخَذَهُ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: فَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّضْيِيعَ لَا السَّرِقَةَ فَكَانَ مُضَيِّعًا لَا سَارِقًا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ وَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ مَا عَلَى الْبَهِيمَةِ يَدُهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: وَسَاقَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ حَتَّى خَرَجَ الْحِمَارُ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ جَعَلَ لُؤْلُؤًا عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ وَطَيَّرَهُ قُطِعَ وَإِنْ طَارَ بِنَفْسِهِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ إحْرَاقٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ لُؤْلُؤًا فَابْتَلَعَهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَضَعَهَا مَعَ الْغَائِطِ، وَلَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا ثُمَّ جَاءَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَدَخَلَ وَأَخَذَ شَيْئًا إنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَيْتِ قَدْ عَلِمَ بِالنَّقْبِ وَلَمْ يَسُدَّهُ أَوْ كَانَ النَّقْبُ ظَاهِرًا يَرَاهُ الْمَارُّونَ وَبَقِيَ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قُطِعَ وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ الْحِرْزِ فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرْزِ نَهْرٌ جَارٍ فَوَضَعَ الْمَتَاعَ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ الْمَاءُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكٍ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حِرْزٍ فَدَخَلَ آخَرُ وَحَمَلَ السَّارِقَ، وَالْمَالُ مَعَ السَّارِقِ قُطِعَ الْمَحْمُولُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْحَامِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا لِطَبَقٍ لَمْ يَحْنَثْ.
وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ الْحِرْزِ دَفْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ سَدَّ النَّقْبَ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي يَكُونُ سَرِقَةً أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ عَرْضًا قُطِعَ إذَا كَانَ بَعْدَ الشَّقِّ يُسَاوِي نِصَابًا وَإِنْ شَقَّهُ طُولًا فَكَذَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الشَّقَّ بِالطُّولِ اسْتِهْلَاكٌ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَلَمَّا كَانَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ بِالضَّمَانِ فَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ قُطِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الثَّوْبَ لَهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا سَقَطَ الْقَطْعُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ إجْمَاعًا لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزُ جَمَاعَةً فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا) يَعْنِي إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةً، وَقَالَ زُفَرُ: يُقْطَعُ الْآخِذُ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ، وَالْكَمَالُ فِي الدُّخُولِ، وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ فَإِنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ أَوْ فِي كُمِّ غَيْرِهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هَتْكُ الصُّنْدُوقِ، وَالْكُمِّ إلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تُتَمَّمْ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) وَهُوَ الْمِعْصَمُ وَكَانَ الْقِيَاسُ.
يَتَنَاوَلُ الْيَدَ كُلَّهَا إلَى الْمَنْكِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَفِعْلُهُ بَيَانٌ.
قَوْلُهُ: (وَتُحْسَمُ) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُحْسَمْ أَدَّى إلَى التَّلَفِ وَصُورَةُ الْحَسْمِ أَنْ تُجْعَلَ يَدُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي دُهْنٍ قَدْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّ مِنْهُ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ السَّرِقَةُ قَالُوا: وَلَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتَوَسَّطَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السَّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) أَوْ يَمُوتَ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلسَّارِقِ كَفَّانِ فِي مِعْصَمٍ وَاحِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقْطَعَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهَا لَمْ تُقْطَعْ الزَّائِدَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قُطِعَا جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِأَحَدِهِمَا قُطِعَتْ الْبَاطِشَةُ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَا تُقْطَعُ هَذِهِ الزَّائِدَةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْإِبْهَامِ أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّهَا تُقْطَعُ مِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً قُطِعَتْ فَكَذَا إذَا كَانَتْ شَلَّاءَ وَإِنْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ الْمِفْصَلِ فَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ: اقْطَعْ يَمِين هَذَا فِي سَرِقَةٍ فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَدَلٍ وَهِيَ الْيُمْنَى فَأَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ فِي الْعَمْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَيْ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قُلْنَا: إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَطْعُ لِلسَّرِقَةِ أَمْ لَا ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْحَدَّادُ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ بِأَنْ اجْتَهَدَ، وَقَالَ الْقَطْعُ مُطْلَقٌ فِي النَّصِّ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ وَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا.
وَفِي الْمُصَفَّى إذَا قَطَعَهَا خَطَأً لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ وَإِنْ قَطَعَ أَحَدَ يَدِ السَّارِقِ الْيُسْرَى بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَة، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ فِي الْيُمْنَى وَيَضْمَنُ السَّارِقُ الْمَالَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبَ بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لِأَنَّ عِنْدَنَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةٍ لِلْمُسْتَوْدِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْمُضَارِبِ الْمُسْتَبْضِعِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَذَا بِخُصُومَةٍ مِمَّنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْغَاصِبِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ سَارِقٌ آخَرَ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ أَوْ قَبْلُ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِ مَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ وَإِنَّمَا هِيَ يَدٌ ضَائِعَةٌ لَا حَافِظَةٌ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ دُرِئَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ سَارِقٌ قُطِعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا دُرِئَ عَنْهُ تَعَلَّقَ بِأَخْذِهِ الضَّمَانَ وَيَدُ الضَّامِنِ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَإِزَالَتُهَا تُوجِبُ الْقَطْعَ وَيَصِيرُ السَّارِقُ الْأَوَّلُ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ قَالُوا هَلْ لِلسَّارِقِ أَنْ يُطَالِبَ بِرَدِّ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ إلَى يَدِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ.
الْمَالِكُ الضَّمَانَ وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَتَخَلَّصَ السَّارِقُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ أَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا حَقَّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، وَالْمَعْنَى فِي الْهِبَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَهَبَهَا لَهُ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ التَّرَافُعِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ، وَلَوْ رَدَّ السَّارِقُ السَّرِقَةَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَعَفَا عَنْهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ: شَهِدَتْ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي أَوْ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ، وَالْمُطَالَبَةُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنْ دَفَعَهُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُمْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ قُطِعَ وَقِيلَ: إنْ دَفَعَهُ إلَى وَالِدَيْهِ أَوْ جَدَّيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا وَإِنْ دَفَعَهَا لِي مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ أَبِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا وَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) وَقَالَ زُفَرُ يُقْطَعُ وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدنَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَزَنَى بِهَا حُدَّ أَيْضًا ثَانِيًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ إذَا سَقَطَ الْقَطْعُ وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْهُ، وَفِي الزِّنَا إذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَمْ يَضْمَنْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ إنْ كَانَتْ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا إذَا غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا انْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْغَزْلِ، وَلَوْ سَرَقَ نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالتَّضْمِينُ مُتَعَذِّرٌ لِأَجْلِ قَطْعِ يَدِهِ إذْ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلسَّارِقِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ الثَّوْبُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أَخَذَ مِنْهُ نَاقِصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ سَرَقَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَجَعَلَهَا آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، وَقَالَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا) وَكَذَا إذَا كَانَ السَّارِقُ قَدْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ السَّارِقِ فِيهَا بَاطِلٌ وَكَذَا إذَا فَعَلَ هَذَا بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا) وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ، وَالْقَطْعُ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ غَيْرُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ السَّارِقُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُودَعُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ لِأَحَدِهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حُصِرَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ حُصِرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِحَضْرَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا إجْمَاعًا فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الْمَالَ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَالْقَطْعَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ إقْرَارًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَنْكَرَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ قَالَ: سَرَقْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَبَقِيَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُقْطَعْ وَضَمِنَ الْمَالَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا قَتَلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً) وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرًا، وَلَوْ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النِّسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَطْعَ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ هَذَا الْقَطْعَ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا، وَالنِّسَاءُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَرْبِ لَا يَقْتُلْنَ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْطَعْ أَيْدِيَهُنَّ وَلَا أَرْجُلَهُنَّ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ الرِّجَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ) وَإِنَّمَا وَجَبَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى أَخْذِ الْمَالِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَتَغَلَّظَ حُكْمُهُ بِزِيَادَةِ قَطْعِ رِجْلِهِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَطْعَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى، وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَمِنْ شَرْطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ أَمَّا إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْغَوْثُ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْخِيَانَةَ وَإِنْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) أَيْ سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْلُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا إلَى الْقَتْلِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَانْحَتَمَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ عَفَا عَنْهُمْ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ صَلْبًا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلْبِ وَحْدَهُ وَلَا يَقْطَعُ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلَ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا أُعْفِيهِ مِنْ الصَّلْبِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ: أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَيُصْلَبُونَ أَحْيَاءً ثُمَّ تُبْعَجُ بُطُونُهُمْ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتُوا) وَكَيْفِيَّةُ الصَّلْبِ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطُ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتَ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَرُوِيَ أَنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الصَّلْبَ حَيًّا مُثْلَةٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْذِيبِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ صَلْبَهُ حَيًّا أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُصْلَبُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ فَإِذَا صُلِبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خُلِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَمَزَّقَ جِلْدُهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ بَاشَرَ الْأَخْذَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ بَاشَرَهُ الْعُقَلَاءُ الْبَالِغُونَ حُدُّوا وَلَمْ يُحَدَّ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ إذَا بَاشَرُوا فَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ، وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَتْبُوعِ فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِي بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ لِذِي الرَّحِمِ شُبْهَةٌ فِي مَالِ ذِي الرَّحِمِ بِدَلَالَةِ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ فِي السَّرِقَةِ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ إنْ وَلِيَتْ الْقَتْلَ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الرِّجَالُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَأَفْعَلُ بِهِمْ مَا أَفْعَلُ بِالْمُحَارِبِينَ وَلَا أَقْتُلُ الْمَرْأَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَقْتُلُهَا إنْ قَتَلَتْ وَأُضَمِّنُهَا الْمَالَ إنْ أَخَذَتْهُ وَلَا أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَلَكِنْ أُوجِعُهُمْ ضَرْبًا وَأَحْبِسُهُمْ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ أَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: مَنْ بَاشَرَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَالتِّسْعَةَ مِنْهُمْ قِيَامٌ، وَالْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَقْتُلُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فَإِنْ تَابُوا ثُمَّ أُخِذُوا يُقْتَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ: (وَصَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا) يَعْنِي إنْ شَاءُوا قَتَلُوا مَنْ قَتَلَ وَهُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَقَدْ قَتَلَ بِحَدِيدٍ أَمَّا إذَا قَتَلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَا أَخَذَا الْمَالَ ضَمِنَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاشَرَ الْفِعْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ) يَعْنِي مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَكَانَ رِدْءًا لَهُمْ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ وَمَا لَزِمَ الْمُبَاشِرَ فَهُوَ لَازِمٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُعِينًا لَهُمْ وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَطَلَبَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ.
وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ إنْ كَانَ قَتَلَ وَاقْتُصَّ مِنْهُ إنْ كَانَ جَرَحَ وَرَدَّ الْمَالَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَضَمِنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَدْ كَانَ قَتَلَ اُعْتُبِرَتْ الْآلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَالسَّرِقَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.