فصل: (كِتَابُ الْحُدُودِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(مَسَائِلُ):

إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَأَمَّا الدِّيَةُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ اقْطَعْ يَدٍ أَوْ افْقَأْ عَيْنِي فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي وَهُوَ وَارِثُهُ فَقَتَلَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيَهُ) قَيَّدَ بِالْخَطَأِ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ ثُمَّ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ هُوَ الدَّفْعُ دُونَ الْفِدَاءِ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجَبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ نَقَلَ الْحَقَّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ الْمَوْلَى قَتَلَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ إنْ كَانَ عَمْدًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَا يُخَيَّرُ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَأَعْشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى إلَى أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مِقْدَارُ الْأَرْشِ كَانَ اخْتِيَارُهُ بَاطِلًا وَكَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالًّا فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ حُكْمَ الْأُولَى) مَعْنَاهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا فَدَاهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْجِنَايَةَ عَنْ رَقَبَتِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ تَعَلُّقُ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ الثَّانِيَةَ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ الْآخَرِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ نِصْفُ أَرْشِ النَّفْسِ وَكَذَا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ أُرُوشِهِمْ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ رَقَبَةً تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ فَلَمْ يَتْلَفْ بِالْعِتْقِ سِوَاهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا أَوْ دَبَّرَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ) وَكَذَا إذَا وَهَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ قَامَ مَقَامَهُ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَطِبَ بِالْخِدْمَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا اخْتِيَارًا فَإِنْ أَجَّرَهُ نَقَضَ الْحَاكِمُ الْإِجَارَةَ، وَقَالَ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، وَالْإِجَارَةُ، وَالرَّهْنُ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارٍ، وَلَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا قِيلَ لَهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ تَكُونُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ حَالَّةً وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ قَتِيلًا خَطَأً أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرِ مِنْ الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ جَنَى لَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا، وَفِي الْمُدَبَّرِ الثُّلُثَانِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَقَدْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ.
قَوْلُهُ: (يَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاحِدٌ وَيَتْبَعُ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَلَا يَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ يَسْتَنِدُ ضَمَانُهَا إلَى التَّدْبِيرِ السَّابِقِ الَّذِي صَارَ الْمَوْلَى بِهِ مَانِعًا فَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءٍ فَقَدْ زَالَتْ يَدُهُ عَنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ سَلَّمَ لِلْأَوَّلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ جَنَى لَا يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ فَهِيَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَدُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِنَفْسِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ فِيهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ حَتَّى تَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ مَالٌ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا إذَا كَانَ بِنَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِهِ مُسْتَوِيًا لِأَنَّ أَصْلَ الْبِنَاءِ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا، وَالْمَيْلُ حَصَلَ لِغَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا إذَا بَنَاهُ فِي ابْتِدَائِهِ مَائِلًا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ سَوَاءٌ طُولِبَ بِهَدْمِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَا تَلِفَ مِنْ نَفْسٍ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا تَلِفَ مِنْ مَالٍ فَهُوَ فِي مَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَطُولِبَ صَاحِبُهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالسَّاكِنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَقْضَ الْحَائِضِ وَيَصِحُّ التَّقْدِيمُ إلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَهْدِمَهُ وَكَذَا الْمُؤَجِّرُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ لِلْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ وَأُمِّ الْيَتِيمِ فِي هَدْمِ حَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى انْهَدَمَ وَحَصَلَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلصَّغِيرِ فَمَا كَانَ مِنْهَا يَلْزَمُ فِي مَالِ الْبَالِغِ فَهُوَ لَازِمٌ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَالِغِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَا لِأَنَّ النَّقْضَ إلَيْهِ ثُمَّ التَّالِفُ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَصُورَةُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَائِلٌ أَوْ مَخُوفٌ أَوْ مُتَصَدِّعٌ فَانْقُضْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ وَيُتْلِفَ شَيْئًا وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ وَاهِيًا أَوْ مَخُوفًا.
وَقِيلَ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْضِ، وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْهَدَمَ لَزِمَهُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ تَحَرُّزًا عَنْ الْجُحُودِ كَمَا فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ ضَامِنٌ.
وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ أَيْ مَا تَلِفَ مِنْ النُّفُوسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ النَّفْسِ إنْ بَلَغَ أَرْشُهُ مِنْ الرَّجُلِ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ عُشْرَ دِيَتِهَا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ الْعُرُوضِ فَفِي مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَا عَقْلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى نَقْضِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ فَرَّطَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَكِنْ ذَهَبَ يَطْلُبُ مَنْ يَهْدِمُهُ فَكَانَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ فَسَقَطَ وَأَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَأَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَسَقَطَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ بِتُرَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ، وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَثَّرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَإِنَّمَا هُوَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ بَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا هَدَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَلَسَعَتْهُ حَيَّةٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْحَائِطِ فَيَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُكَاتَبًا كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى مَالِكِ الدَّارِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ سَوَاءٌ سَكَنُوهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دِيَةُ الْآخَرِ) هَذَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ خَطَأً أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْخَطَأِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَةِ صَاحِبِهِ فَالْمَوْتُ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَيَكُونُ مُلْزَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَمَّا إذَا اصْطَدَمَا عَمْدًا فَمَاتَا فَإِنَّهُمَا مَاتَا بِفِعْلَيْنِ مَحْظُورَيْنِ وَقَدْ مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ مَدَّا حَبْلًا وَجَذَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نَفْسِهِ فَانْقَطَعَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَا فَمَاتَا فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ سَقَطَا جَمِيعًا عَلَى ظُهُورِهِمَا فَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا وَيَكُونَانِ هَدَرًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ لَوْ أَثَّرَ فِعْلُ صَاحِبِهِ فِيهِ لَجَذَبَهُ إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ سَقَطَا جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمَا فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِجَذْبِ الْآخَرِ وَقُوَّتِهِ وَإِنْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدِيَةُ السَّاقِطِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا الَّذِي سَقَطَ عَلَى قَفَاهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ قَطَعَ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا قَاطِعٌ غَيْرُهُمَا فَسَقَطَا فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْهُ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ أَبِيهِ جَذَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَدِهِ، وَالْأَبُ يُمْسِكُهُ حَتَّى مَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى الْجَاذِبِ وَيَرِثُهُ أَبُوهُ لِأَنَّ الْأَبَ مُمْسِكٌ لَهُ بِحَقٍّ وَالْجَاذِبُ مُتَعَدٍّ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَجَاذَبَ رَجُلَانِ صَبِيًّا وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي عَبْدَهُ فَمَاتَ مِنْ جَذْبِهِمَا فَعَلَى الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدَهُ دِيَتُهُ لِأَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْوَلَدِ إذَا زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبُوهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدَهُ فَصَارَ إمْسَاكُهُ بِحَقٍّ وَجَذْبُ الثَّانِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَضَمِنَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ ثَوْبٌ وَتَشَبَّثَ بِهِ آخَرُ فَجَذَبَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ يَدِهِ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ الْمُمْسِكُ نِصْفَ الْخَرْقِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ فَجَذَبَ ذِرَاعَهُ مِنْ فَمِهِ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ وَذَهَبَ لَحْمُ ذِرَاعِ الْآخَرِ فَالْأَسْنَانُ هَدَرٌ وَيَضْمَنُ الْعَاضُّ أَرْشَ الذِّرَاعِ لِأَنَّ الْعَضَّ ضَرَرٌ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجَذْبِ فَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مِنْ سُقُوطِ الْأَسْنَانِ لَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ جَلَسَ رَجُلٌ بِجَنْبِ رَجُلٍ فَجَلَسَ عَلَى ثَوْبِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَامَ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَانْشَقَّ ثَوْبُهُ مِنْ جُلُوسِ هَذَا ضَمِنَ نِصْفَ الشَّقِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا وَقَدْ حَصَلَ التَّلَفُ مِنْ الْجُلُوسِ، وَالْجَذْبِ فَانْقَسَمَ الضَّمَانُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَجَذَبَ الْآخَرُ يَدَهُ فَسَقَطَ الْجَاذِبُ فَمَاتَ إنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيُصَافِحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَهَا لِيَعْصِرَهَا فَأَذَاهُ فَجَذَبَهَا ضَمِنَ الْمُمْسِكُ لَهَا دِيَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا صَافَحَهُ كَأَنْ جَذَبَ لَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَصَارَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْصِرَهَا فَهُوَ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَزِمَ الْمُمْسِكَ الضَّمَانُ وَإِنْ انْكَسَرَتْ يَدُ الْمُمْسِكِ لَمْ يَضْمَنْ الْجَاذِبُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَرْخِيِّ.

.(مَسْأَلَةٌ):

رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى عَلَى الْقَارِصَةِ، وَالْوَاقِصَةِ، وَالْقَامِصَةِ بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا ذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ كُنَّ يَلْعَبْنَ فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ الْأُخْرَى فَجَاءَتْ الثَّالِثَةُ فَقَرَصَتْ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ الْمَرْكُوبَةُ فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ فَانْدَقَّ عُنُقُهَا فَجَعَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْقَارِصَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَعَلَى الْقَامِصَةِ الثُّلُثَ وَأَسْقَطَ الثُّلُثَ لِأَنَّ الْوَاقِصَةَ أَعَانَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَشَرَةً مَدُّوا نَخْلَةً فَسَقَطَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ فَمَاتَ فَقَضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعُشْرِ الدِّيَةِ وَأَسْقَطَ الْعُشْرَ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَهُمَا أَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِ آدَمِيٍّ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَبْدِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ: إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إنَّمَا قُدِّرَ النُّقْصَانُ بِهَا لِأَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الشَّرْعِ مِنْ تَقْدِيرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَالْمَهْرِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) وَفِي الْهِدَايَةِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذِهِ دِيَةُ الْحُرَّةِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا يَنْقُصُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهَا أَنَّ دِيَةَ الْحُرَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَاعْتُبِرَ فِي الْأَمَةِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ آلَافٍ كَانَ اعْتِبَارُ النُّقْصَانِ خَمْسَةً.
قَوْلُهُ: (وَفِي يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا كَانَتْ خَمْسَةَ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهٌ عِشْرُونَ أَلْفًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا غَصَبَ أَمَةً قِيمَتُهَا عِشْرُونَ فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْمَالِيَّةِ لَا ضَمَانَ الْآدَمِيَّةِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَالْحُرُّ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِحُمَّى أَوْ فَجْأَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَإِنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَأَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ فَقَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ إمَّا الْغَاصِبَ وَإِمَّا الْقَاتِلَ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ) يَعْنِي أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ الْحُرِّ الدِّيَةُ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ فِيهِ الْقِيمَةُ وَمَا وَجَبَ فِي الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ثُمَّ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ خَطَأً فَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِ عُمَرَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَى الْعَبْدُ لَا مَا جُنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَعْدَ مَا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْدَ خَلْقِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبَةِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُمْ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا سَوَاءٌ وَخَمْسُمِائَةٍ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ عِنْدَنَا فِي سَنَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ مِنْ مَغْرُورٍ فَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا فَيَجِبُ مَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ وَلَا يَكُونُ لِلْأُمِّ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مَالِكٍ لِلْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ الضَّارِبُ وَارِثًا لَا يَرِثُ هَذَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَالْكَفَّارَةُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا) ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَغُرَّةٌ) الدِّيَةُ بِقَتْلِ الْأُمِّ، وَالْغُرَّةُ بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ تَجِبُ دِيَتَانِ وَتَرِثُ الْأُمُّ مِنْ دِيَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ) وَتَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ وَجَبَ دِيَتَانِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ، وَالْبَدَلُ عَنْ الْمَقْتُولِ لِوَرَثَتِهِ ثُمَّ الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ حَيًّا يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا لَا يَرِثُ وَيُورَثُ.
وَفِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ أَرْبَعَةٌ لَا يَرِثُونَ وَيُورَثُونَ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُرْتَدُّ، وَالْجَنِينُ، وَالْقَاتِلُ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ يَجِبُ غُرَّتَانِ فَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَالْآخَرُ خَرَجَ مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةٌ وَعَلَى الضَّارِبِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَا مَيِّتَيْنِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا وَإِنْ خَرَجَا حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَا تَجِبُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ وَسُمِّيَتْ غُرَّةً لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُقَدَّرٍ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ غُرَّتُهُ كَمَا يُقَالُ لِأَوَّلِ الشَّهْرِ غُرَّةُ الشَّهْرِ.
قَوْلُهُ (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى) وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجَنِينِ الذَّكَرِ لَوْ كَانَ حَيًّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَيَجِبُ دِينَارٌ كَامِلٌ فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فِي الْأَرْشِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّفْضِيلُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا وَقَدْ جَاءَتْ التَّسْوِيَةُ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا التَّفْضِيلُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النَّشْوِ لَا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ لَا مَالِكِيَّةَ فِي الْجَمِيعِ، وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النَّشْوِ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ أَسْرَعَ نَشْوًا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ يَعْنِي الْمَمْلُوكَةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ أَمَّا جَنِينُ أُمِّ الْوَلَدِ يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ: مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ فَضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَإِنَّ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا ضَرَبَ بَطْنَ الْأَمَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الرِّقِّ فَلِهَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الرَّقِيقِ ضَمَانُهُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ بِحَالٍ وَلَا كَفَّارَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ الْكَامِلَةِ، وَالْجَنِينُ نَاقِصٌ بِدَلِيلِ نُقْصَانِ دِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَالْجَنِينُ لَا يُعْلَمُ حَيَاتُهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا جَازَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ فِي شَبَهِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَأُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وَلَا يَجْزِيهِ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّى شَيْئًا لَمْ يَجْزِيه مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّ لَا يُبْصِرُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا يَجْزِي فِيهَا الْإِطْعَامُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعِتْقَ، وَالصَّوْمَ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.(بَابُ الْقَسَامَةِ):

قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَاللَّوْثُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةٌ لِلْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةِ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جُمْلَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا يَحْلِفُ مَا قَتَلْنَا لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَيَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَكَانَ قَدْ قَتَلَ مَعَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْلِفَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي شَاهَانْ هَذَا فِي الْعَمْدِ.
أَمَّا فِي الْخَطَإِ إذَا نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، وَلَوْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ) (الدِّيَةُ مَعَ الْأَيْمَانِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عُهِدَتْ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئَةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمَةً وَلَنَا «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَخِي قُتِلَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ أَلَيْسَ لِي مِنْ أَخِي غَيْرُ هَذَا قَالَ بَلَى وَلَك مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ».
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا وَغَرَّمَهُمْ الدِّيَةَ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الْأَزْمَعِ غَرٌّ أَنَغْرَمُ أَيْمَانَنَا وَأَمْوَالَنَا قَالَ نَعَمْ فَبِمَ بَطَلَ دَمُ هَذَا فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا الدِّيَةَ حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَلِيُّ ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِالْجِنَايَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَوْ أُعْطَى النَّاسُ بِدَعَاوِيهِمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا.
قَوْله (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا مُكَاتَبٌ) أَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالْيَمِينُ قَوْلٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ الْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُمَا يُسْتَحْلَفَانِ فِي الْحُقُوقِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ، وَالْأَثَرُ أَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ بَدَنِ الْقَتِيلِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ فَمِهِ) لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ أَنْفِهِ رُعَافٌ وَمِنْ دُبُرِهِ عِلَّةٌ وَمِنْ فَمِهِ قَيْءٌ وَسَوْدَاءُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ فَهُوَ قَتِيلٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ دَابَّتَهُ فِي يَدِهِ كَدَارِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا.
قَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هَذَا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا سِرًّا مُتَحَشِّمًا أَمَّا إذَا سَاقَهَا نَهَارًا جِهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ فَتُكَرَّرُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ، وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ وَزَالَتْ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الدَّارِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ) وَقَوْمُهُ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَعَلَى صَاحِبِ الدَّارِ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ، وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِمَسْجِدِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ، وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْبَرِّيَّةُ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ فِيهَا سَائِحٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَمَّا إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ فَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ) هَذَا إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُسْمَعُ فَهُوَ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْمَفَازَةِ الْمُنْقَطِعَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا فِي الشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ)، وَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْقُطُ فَإِنَّ دَعْوَاهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إبْرَاءٌ لِلْبَاقِينَ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ) لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ فَالشَّاهِدُ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي الْمِصْرِ أَوْ نَهَارًا فِي الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَالْعَصَا وَإِنْ كَانَ يَلْبَثُ لَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ):

هُوَ جَمْعُ مَعْقِلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ، وَالْعَاقِلَةُ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْقَاتِلِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَإِ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَمَّا تَجِبُ بِالصُّلْحِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ) وَهُوَ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمْ الْعَشِيرَةُ.
قَوْلُهُ: (تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) الْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ، وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَقِيلَ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَاجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ كَانَ فِي سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ فَفِي سَنَةٍ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّهِ نِصْفًا ثُمَّ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّصْفِ مِثَالُهُ دِيَةُ الْيَدِ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْمُلَةِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا بِالسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ لِلْعَاقِلَةِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ وَتُقَسَّطُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ وَدَانِقَانِ وَيُنْقَصُ مِنْهُمْ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ.
وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا) يَعْنِي نَسَبًا وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ الْأُخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَأَمَّا الْآبَاءُ، وَالْبَنُونَ فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُونَ.
قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِي الْعَاقِلَةِ الْقَاتِلُ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ.
قَوْلُهُ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) مِنْ أَهْلِ نُصْرَتِهِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ عَقْلِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ».
قَوْلُهُ (وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا) لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ ثُمَّ الْعَاقِلَةُ إذَا حَمَلَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ قَبِيلَةٌ وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ نُصَّارُهُ فَإِنْ كَانَتْ نُصْرَتُهُ بِالْحِرْفَةِ فَعَلَى الْمُحْتَرِفِينَ الَّذِينَ هُمْ أَنْصَارُهُ كَالْقَصَّارِينَ، وَالصَّفَّارِينَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَالْأَسَاكِفَةِ بِإِسْبِيجَابَ، وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مُلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُهُ قَبِيلَةُ أُمِّهِ فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِ الْجَانِي) يَعْنِي مَا نَقَصَ أَرْشُهُ عَنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ كَانَ عَلَى الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ) يَعْنِي إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْحُرِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُعْقَلُ الْجِنَايَةُ الَّتِي اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) فَإِنْ قُلْت قَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي الدِّيَاتِ فَلِمَ أَعَادَهُ هُنَا قُلْت ذَكَرَ هُنَاكَ كُلَّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ، وَالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُنَا قَالَ وَلَا تَعْقِلُ مَا لَزِمَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي فَلَا تَكْرَارَ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّصْدِيقَ هُنَا بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأٍ وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَلَا تَعْقِلُ مُلْزَمًا بِالصُّلْحِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) يَعْنِي عَاقِلَةَ الْجَانِي وَمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْحُدُودِ):

الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَكَذَا سُمِّيَ حَدُّ الدَّارِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ حَدًّا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ مَا حُدَّ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فَلَمَّا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْفِعْلِ سُمِّيَ ذَلِكَ حَدًّا، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ كُلُّ عُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَسْتَوْفِي حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا وَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، وَالِاعْتِيَاضَ عَنْهُ وَكَذَا التَّعْزِيرُ لَا يُسَمَّى حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ) الْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصِفَةُ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْعَارِي عَنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِمَا وَيَتَجَاوَزُ الْخِتَانُ الْخِتَانَ هَذَا هُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا شُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْخِتَانِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ مُلَامَسَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنْ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الْحَجِّ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ: الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ الْوَطْءُ الْحَرَامُ الْخَالِي عَنْ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَطْءِ الْمَمْلُوكِ بَعْضَهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَيْسَ بِزِنًا وَكَذَا وَطْءُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضٍ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ وَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ، وَالْجَارِيَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ مَا أُحْرِزَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ فَوَطِئَهَا، وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُحَدُّ فِي كُلِّ وَطْءٍ حَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ كَوَطْءِ مَحَارِمِهِ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَعَقْدُ النِّكَاحِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ وَشَبَهُ ذَلِكَ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ.
قَوْلُهُ (فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا) فَإِنْ قِيلَ الْقَتْلُ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ أَرْبَعَةٌ قُلْنَا لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ.
إلَّا بِاثْنَيْنِ وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَحْرَارًا عُدُولًا مُسْلِمِينَ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ شَهِدَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ جَمِيعًا حَدَّ الْقَذْفِ إذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ فَقَالَ: رَأَيْت أَقْدَامًا بَادِيَةً وَنَفَسًا عَالِيًا، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَرَأَيْت رِجْلَيْهَا عَلَى عَاتِقِهِ كَأُذُنَيْ حِمَارٍ وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَفْضَحْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّ الثَّلَاثَةَ.
وَكَذَا إذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ فَشَهِدُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْقَاضِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبِلَ الشَّهَادَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ أَجْلَسَ الْمُغِيرَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ قَالَ ذَهَبَ رُبْعُك يَا مُغِيرَةُ فَلَمَّا شَهِدَ الثَّانِي قَالَ ذَهَبَ نِصْفُك فَلَمَّا شَهِدَ الثَّالِثُ قَالَ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِك وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَفْتِلُ شَارِبَهُ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ فَلَمَّا قَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: قُمْ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ لَوْنَهُ كَانَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ فَشَبَّهَهُ بِهِ وَقِيلَ: وَصَفَهُ بِالشَّجَاعَةِ لِأَنَّ الْعُقَابَ إذَا سَلَحَ عَلَى طَائِرٍ أَحْرَقَ جَنَاحَهُ وَأَعْجَزَهُ عَنْ الطَّيَرَانِ فَكَذَلِكَ كَانَ زِيَادٌ فِي مُقَابَلَةِ أَقْرَانِهِ وَهَذَا مَدْحٌ، وَالْأَوَّلُ ذَمٌّ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ فِي هَتْكِ سِتْرِ صَاحِبِهِ وَتَحْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، فَقَالَ زِيَادٌ لَا أَدْرِي مَا قَالُوا لَكِنِّي رَأَيْتُهُمَا يَضْطَرِبَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ كَاضْطِرَابِ الْأَمْوَاجِ وَرَأَيْت نَفَسًا عَالِيًا، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ وَضَرَبَ الثَّلَاثَةَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، وَقَالُوا: لَا نَعْرِفُهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: إذَا شَهِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا أَحَدُهُمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّوْجِ قَذْفٌ قَبْلَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَإِنْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَجَاءَ بِثَلَاثَةٍ سِوَاهُ يَشْهَدُونَ فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَإِنْ جَاءَ هُوَ وَثَلَاثَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهَا قَدْ زَنَتْ وَلَمْ يَعْدِلُوا دُرِئَ عَنْهَا وَعَنْهُمْ الْحُدُودُ وَدُرِئَ عَنْ الزَّوْجِ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَذُكِرَ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ الْكَرْخِيِّ فِي الْقَذْفِ فِي بَابِ رُجُوعِ الشُّهُودِ أَنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ، وَلَوْ جَاءَ بِأَرْبَعَةٍ فَلَمْ يَعْدِلُوا فَهُوَ قَاذِفٌ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا أُسْقِطَتْ تَعَلَّقَ بِقَذْفِ اللِّعَانِ.
قَوْلُهُ: (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ) لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَفِيهِ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَجَازُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ يَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ} وَإِنَّمَا يَسْأَلُهُمْ كَيْفَ زَنَى لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
قَوْلُهُ: (وَأَيْنَ زَنَى) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي عَسَاكِرِ الْبُغَاةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ يَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَتَى زَنَى) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَنَى وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ الَّذِي يُسْقِطُ الْحَدَّ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ فِيهِ وَقْتًا وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعِنْدَهُمَا إذَا شَهِدُوا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ عَايَنُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَوْلُهُ: (وَبِمَنْ زَنَى) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَرُبَّمَا إذَا سُئِلُوا قَالُوا لَا نَعْرِفُهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً وَقَدْ تَكُونُ جَارِيَةَ ابْنِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) أَوْ كَالْقَلَمِ فِي الْمِحْبَرَةِ أَوْ كَالرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ إلَّا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَاهُ تَلَذُّذًا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ.
قَوْلُهُ: (سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ) وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَحْبِسُهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْسِبُهُ وَقَدْ قِيلَ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ وَلَيْسَ فِي حَبْسِهِ ذَلِكَ.
قِيلَ: إنَّمَا حُبِسَ تَعْزِيرًا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا لِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَوُجِدُوا فُسَّاقًا وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ عُمْيَانًا فَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْعُمْيَانَ لَا يَرَوْنَ مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ فَتَحَقَّقْنَا كَذِبَهُمْ فَكَانُوا قَذَفَةً وَأَمَّا الْعَبِيدُ، وَالْمَحْدُودُونَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانُوا قَذَفَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ التَّزْكِيَةُ نَوْعَانِ فَالْعَلَانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ، وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هُوَ الَّذِي عَدَلْته، وَالسِّرُّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يَكْتُب تَحْتَ اسْمِهِ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السِّتْرِ أَوْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا كَانَ عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ، وَالْعَبْدَ، وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُهُ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ حَتَّى يَتَوَارَى مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ لَهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَادَ ثَالِثًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَكَذَا فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إلَّا أَنَّ فِي السَّرِقَةِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ.
وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَهُوَ يُنْكِرُ ثُمَّ أَقَرَّ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَيُؤْخَذُ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعًا بَطَلَتْ إجْمَاعًا وَيُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَجَحَدَتْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا فَجَحَدَتْ فَحُدَّ الرَّجُلُ وَهُوَ مَحْمُولٌ» عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَدَّهُ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَرْأَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ مَحِلِّهِ، وَالزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمَرْأَةِ وَإِنْكَارُهَا حُجَّةٌ لِنَفْيِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَقِّهَا فَاقْتَضَى النَّفْيُ عَنْ الرَّجُلِ ضَرُورَةً فَعَارَضَ النَّفْيَ الْإِقْرَارُ فَسَقَطَ الْحَدُّ وَلِأَنَّا صَدَّقْنَاهَا حِينَ جَحَدَتْ وَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا وَأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ زِنًا فِي حَقِّهَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَقَرَّ بِالزِّنَا بِهَا غَائِبَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِي حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِي نِكَاحًا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ، وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ لِأَنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَادَّعَتْ التَّزْوِيجَ وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ زِنًا، وَفِي إيجَابِ الْمَهْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِّ، وَالْمَهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ كَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مَتَى زَنَى لِأَنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْإِقْرَارِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) الْمُحْصَنُ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ وَهِيَ سَبْعَةٌ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ، وَالدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ الْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ، وَالدُّخُولَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَنَا.
قَوْلُهُ: عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ». وَأَمَّا الدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُ إذَا حَصَلَ الْوَطْءُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أُعْتِقَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ بِالْوَطْءِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا وَطِئَ الْكَافِرَةَ صَارَ بِهَا مُحْصَنًا عِنْدَهُ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا كَالزِّنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ يَعْنِي إذَا بَقِيَ الْمَرْجُومُ كَذَلِكَ أَمَّا إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا أَخَذُوا فِي رَجْمِهِ إنْ كَانَ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ لَا يُتْبَعُ وَكَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا فَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَإِنْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ اُتُّبِعَ وَلَا يُخْلَى سَبِيلُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ.
قَوْلُهُ: (يُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِرَجْمِهِ، وَكَيْلَا يُصِيبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُمْ يَصْطَفُّونَ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ إذَا أَرَادُوا رَجْمَهُ وَكُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَنَحَّوْا وَيُقَدَّمُ آخَرُونَ وَرَجَمُوا وَلَا يُحْفَرُ لَهُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَكِنَّهُ يَقُومُ قَائِمًا وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ حَفَرَ لَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَسْتَرُ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْفِرْ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الرُّجُوعُ بِالْهَرَبِ.
قَوْلُهُ: (وَتَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ بُدِئَ بِهِمْ امْتِحَانًا لَهُمْ فَرُبَّمَا اسْتَعْظَمُوا الْقَتْلَ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ الْإِمَامُ اسْتِظْهَارًا فِي حَقِّهِ فَرُبَّمَا يَرَى فِي الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ) وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ وَكَذَا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ سَقَطَ أَيْضًا وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ غَابَ بَعْضُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قُذِفَ فَضُرِبَ الْحَدَّ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ بِدَايَتَهُمْ شَرْطٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَكَذَا إذَا عَمُوا أَوْ جُنُّوا أَوْ ارْتَدُّوا فَهَذَا كُلُّهُ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانُوا مَرْضَى أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْدَءُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا لَهُ مَقْتَلًا وَكَذَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقَدْ قَالُوا: ابْنُ الِابْنِ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ الْمَوْتِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَقُتِلَ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَمَى الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ، وَقَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ وَكَانَتْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ وَيُفْطَمَ الْوَلَدُ لِأَنَّ رَجْمَهَا يُتْلِفُ الْوَلَدَ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى وَأَشْكَلَ أَمْرُهَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا حُبْلَى تُرُبِّصَ بِهَا الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا، وَقَالَتْ أَنَا بِكْرٌ أَوْ رَتْقَاءُ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ لَمْ تُحَدَّ لِأَنَّهُ بَانَ كَذِبُهُمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِمْ أَوْجَبْنَاهُ لِقَوْلِ النِّسَاءِ، وَالْحُدُودُ لَا تَجِبُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مَرِيضًا وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ رُجِمَ وَلَا يُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِهِ لِأَنَّ الرَّجْمَ يُهْلِكُهُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ اُنْتُظِرَ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَحِقَهُ الضَّرَرُ بِالضَّرْبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا.
اُنْتُظِرَ زَوَالُ ذَلِكَ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ النِّفَاسَ مَرَضٌ وَرُوِيَ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ أَتَتْهُ بِالْوَلَدِ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ: هُوَ هَذَا قَدْ وَلَدْته فَقَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِهِ، وَفِي يَدِهِ كِسْرَةٌ مِنْ خُبْزٍ فَقَالَتْ: هُوَ هَذَا قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَافْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَشَتَمَهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مُكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ.
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ»
.
وَفِي رِوَايَةٍ «صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى».
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَجَبَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ، وَقَالَ فِي مَاعِزٍ «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلَا بَأْسَ لِلنَّاسِ فِي حَالَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَتْلُهُ فَمَا كَانَ أَسْرَعُ كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) أَيْ لَا شَوْكَ وَلَا عُقَدَ وَلَا شَمَارِيخَ.
قَوْلُهُ: (ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) أَيْ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ يُهْلِكُ وَغَيْرَ الْمُؤْلِمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ.
قَوْلُهُ: (وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) يَعْنِي مَا خَلَا الْإِزَارَ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَمْنَعُ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}.
قَوْلُهُ: (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ يُهْلِكُهُ، وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ لَا مُهْلِكٌ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ الْأَلَمُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ كَمَا وَصَلَتْ إلَيْهَا اللَّذَّةُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْجَلَّادِ «اتَّقِ الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ، وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ، وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ فَرُبَّمَا يَخْتَلُّ بِالضَّرْبِ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ وَيَجْتَنِبُ الصَّدْرَ، وَالْبَطْنَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْرِبُ الرَّأْسَ سَوْطًا وَاحِدًا لِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا أَوْ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُشَدُّ يَدَاهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُحَدُّ قَاعِدَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَتُلَفُّ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا وَتُرْبَطُ الثِّيَابُ وَيَتَوَلَّى لَفَّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَيُوَالِي بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ، وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ الْمَجْلُودِ نَجَاسَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي جُلِدَ عَلَيْهَا الْحُرُّ مِنْ نَزْعِ ثِيَابِهِ وَاتِّقَاءِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَفَرْجِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَالْقَذْفُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ وَيَقُولُ لَهُ لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت) أَوْ لَعَلَّك وَطِئْتهَا بِالشُّبْهَةِ أَوْ يَقُولُ: أَبِك خَبَلٌ ؟ أَبِك جُنُونٌ ؟ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلشَّهَادَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي صِفَةِ الْحَدِّ وَقَبُولِ الرُّجُوعِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ أَنَّ) (الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوَ، وَالْحَشْوَ) لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ عَوْرَتِهَا وَتُضْرَبُ جَالِسَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَفَرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثَدْيِهَا، وَالْحَفْرُ لَهَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَيُحْفَرُ لَهَا إلَى الصَّدْرِ وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْجُمُعَةُ، وَالْفَيْءُ، وَالْحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ» وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَلِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَلِيهِ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ قَبْلَ الرَّجْمِ ضُرِبُوا الْحَدَّ وَسَقَطَ الرَّجْمُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) هَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ صَحَّتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَتَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ حُدُّوا جَمِيعًا فَكَذَا هَذَا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ فِي حَقِّهِ فَسَقَطَتْ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا حُدُّوا جَمِيعًا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ قُلْنَا كَلَامُهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً لِلِاتِّصَالِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَضَاءُ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ وَأَمَّا إذَا كَانَ جَلْدًا فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ خَاصَّةً إجْمَاعًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاجِعِ فِي أَثَرِ السِّيَاطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ.
قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْجَلْدُ إنْ يَجْرَحْ فَقَالَ وَاحِدٌ كَذَبْتُ لَا يَضْمَنُ هَذَا الشَّاهِدُ صُورَتُهُ " أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِ مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَجَلَدَهُ الْقَاضِي فَجَرَحَهُ الْجَلْدُ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ وَكَذَا إنْ مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الرَّاجِعُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّجْمِ جُلِدَ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ).
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَمَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَنَا أَنَّ الرَّاجِعَ صَارَ قَاذِفًا عِنْدَ رُجُوعِهِ بِالشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ وَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ، وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنَّمَا ضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَقْطَعُ جَمِيعَ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ وَهُمْ خَمْسَةٌ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ رُبْعَ الدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا هُمْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَلَكِنَّهُمْ يُعَزَّرُونَ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَعَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَزَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذْ ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ بَلْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إجْمَاعًا، وَلَوْ قَالَ الْمُزَكِّي: أَخْطَأْت فِي التَّزْكِيَةِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ: عَلِمْت أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَتَعَمَّدْت ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ حُدُّوا) لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ إحْصَانِ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِالْأَمَةِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطْءٌ حَتَّى زَنَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَقَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ احْتِرَازًا عَنْ إحْصَانٍ لِمَقْذُوفٍ فَإِنَّهُ هُنَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ خَمْسِ شَرَائِطَ لَا غَيْرُ وَهُوَ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعِفَّةُ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا وَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ النِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ.