فصل: باب صِفَةِ الصَّلَاةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


باب شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا

الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ الشَّيْءَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ وَيُشْتَرَطُ اسْتِدَامَتُهُ ثُمَّ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَا غَيْرُ كَالنِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالْوَقْتِ وَالْخُطْبَةِ وَشَرْطُ الدَّوَامِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالثَّالِثُ مَا شُرِطَ وُجُودُهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَلَا الْمُقَارَنَةُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ‏)‏ أَيْ مِنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ‏)‏ أَيْ بِثَوْبٍ ضَيِّقٍ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ أَمَّا إذَا رُئِيَ مَا تَحْتَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهَلْ السَّتْرُ شَرْطٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبُوهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى فِي قَمِيصٍ بِغَيْرِ أَزْرَارٍ وَكَانَ لَوْ نَظَرَ رَأَى عَوْرَتَهُ مِنْ زِيقِهِ وَهُوَ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ فَعِنْدَ مَنْ قَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ تَفْسُدُ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ عُرْيَانًا وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏

وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ السَّتْرَ شَرْطًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَوْ كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفَ اللِّحْيَةِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ كَدِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ صَافِيًا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ صَلَّى فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَصَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحَةٌ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْعَوْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ‏)‏ إلَى هَا هُنَا بِمَعْنَى مَعَ ثُمَّ الْعَوْرَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ‏:‏ غَلِيظَةٌ كَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَخَفِيفَةٌ وَهِيَ مَا عَدَاهُمَا وَقَلِيلُ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَكَثِيرُهَا يَمْنَعُ وَحَدُّ الْمَانِعِ رُبُعُ عُضْوٍ فَمَا زَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ لَا يَمْنَعُ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَوْ جُمِعَ يَبْلُغُ رُبُعَ عُضْوٍ مَنَعَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَمْنَعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَانِعُ النِّصْفُ فَمَا زَادَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ

لَا يَمْنَعُ، وَقِيلَ لَهُ فِي النِّصْفِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَالْعُضْوُ كَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالرَّأْسِ وَالشَّعْرِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فِي الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالذَّكَرُ بِانْفِرَادِهِ وَالْأُنْثَيَانِ بِانْفِرَادِهِمَا وَالدُّبُرُ بِانْفِرَادِهِ وَالْأَلْيَتَانِ بِانْفِرَادِهِمَا وَالرُّكْبَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَبَعٌ لِلْفَخِذِ فَهِيَ مَعَهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً تَبَعٌ لِلصَّدْرِ وَإِنْ كَانَ تَدَلَّى كَانَ عُضْوًا بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبُعِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا انْكَشَفَتْ مِنْ الْغَلِيظَةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَاعْتَبَرُوهَا بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا التَّغْلِيظَ فِي الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الدُّبُرِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ مَكْشُوفًا ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالسُّرَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَعِنْدَهُ عَوْرَةٌ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَبَدَنُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا‏)‏ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَفِّ بَاطِنُهُ أَمَّا ظَاهِرُهُ فَعَوْرَةٌ وَلَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ قَدَمِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ

عَوْرَةً مَنَعَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ صَلَّتْ وَرُبُعُ سَاقهَا مَكْشُوفٌ تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا تُعِيدُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُعِيدُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ وَالْحُكْمُ فِي الشَّعْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْفَخِذِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ هُوَ مَا عَلَى الرَّأْسِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَحْوَطُ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَلَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ أُذُنِهَا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ كُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لَنَا النَّظَرُ إلَى رِيقِهَا وَدَمِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الرَّجُلِ وَشَعْرُ عَانَتِهِ إذَا حُلِقَ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ ‏(‏قَوْلُهُ‏)‏‏:‏ ‏(‏وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ وَبَطْنُهَا وَظَهْرُهَا عَوْرَةٌ‏)‏ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ فِي رَقَبَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ بِمَعْنَى الْأَمَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا جَعَلَ بَطْنَهَا وَظَهْرَهَا عَوْرَةً؛ لِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ مَحَلَّ الْفَرْجِ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ أَوْ بَطْنِهَا كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِفَرْجِهَا وَالظَّهْرُ هُوَ مَا قَابَلَ الْبَطْنَ مِنْ تَحْتِ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْحُرَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ تُبَاعُ

وَتُشْتَرَى فَفَارَقَتْهَا فِي السَّتْرِ حَتَّى إنَّ الْأَمَةَ إذَا صَلَّتْ وَرَأْسُهَا مَكْشُوفٌ جَازَتْ صَلَاتُهَا فَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْقِنَاعَ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا لَزِمَهَا الْآنَ بِخِلَافِ الْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا كَانَ مَشْيُهَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تَسْتُرْ رَأْسَهَا أَوْ سَتَرَتْهُ وَقَدْ أَدَّتْ رُكْنًا فَسَدَتْ وَالْخُنْثَى حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَكَالْأَمَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يُعِدْ‏)‏ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبُعُ الثَّوْبِ فَصَاعِدًا طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَعِنْدَهُمَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا أَوْ فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ مَا مَقْصُودُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَحَدُّ عَدَمِ الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ فَصَاعِدًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏)‏ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْقُدْرَةُ فَإِنْ أُبِيحَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ الْأَصَحُّ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّيَمُّمِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثَوْبًا‏)‏ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ قَاعِدًا‏)‏ صِفَةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُ، وَقَوْلُهُ يُومِئُ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ‏)‏ يَعْنِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ‏)‏ يَعْنِي صَلَاتَهُ قَاعِدًا يُومِئُ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ وَلِأَنَّ السَّتْرَ فَرْضٌ وَالْقِيَامَ فَرْضٌ وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى تَرْكِ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ آكَدُهُمَا وَهُوَ السَّتْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ السَّتْرُ أَوْلَى وَفِعْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَتْرٌ لَهُ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ النَّافِلَةَ تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ وَلَا تَجُوزُ بِدُونِ السَّتْرِ حَالَ الْقُدْرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعُرْيَانِ يَعِدُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّوْبَ إذَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَوْ صَلَّى رَجُلَانِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَاسْتَتَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِطَرَفٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا لَوْ أَلْقَى أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى نَائِمٍ أَجْزَأَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهِ بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ وَلَا غَيْرِهِ‏)‏ وَالنِّيَّةُ هِيَ الْعِلْمُ السَّابِقُ بِالْعَمَلِ اللَّاحِقِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهَا وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَلَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا إلَى مَتَى قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى مُنْتَهَى الثَّنَاءِ، وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ تُؤَدِّي إلَى وُقُوعِ الشُّرُوعِ خَالِيًا عَنْهَا فَإِنْ قِيلَ الصَّوْمُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ وَقْتِ الشُّرُوعِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَوْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ حِينَئِذٍ لَضَاقَ الْأَمْرُ، وَأَمَّا وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ وَقْتُ حُضُورٍ وَيَقَظَةٍ فَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ‏)‏ يَعْنِي عَمَلًا لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَا يَكْفِيهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْوَاعٌ وَإِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي فَرْضِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَكِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَمَا يَقْبَلُ ظُهْرَ الْيَوْمِ يَقْبَلُ ظُهْرًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً، وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ‏.‏

وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ أَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ

الْوَقْتِ إذَا صَلَّى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِخُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ هُوَ الْعَصْرَ وَإِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ كَانَ نَاوِيًا لِلْعَصْرِ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ، وَإِنْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَاعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهَا إرَادَةٌ وَالْإِرَادَةُ عَمَلُ الْقَلْبِ لَا عَمَلُ اللِّسَانِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ اللِّسَانِ يُسَمَّى كَلَامًا لَا إرَادَةً إلَّا أَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ مَعَ عَمَلِ الْقَلْبِ سُنَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالنِّيَّةِ وَلِسَانَهُ بِالذِّكْرِ وَيَدَهُ بِالرَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَاوِيحِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ تَجُوزُ التَّرَاوِيحُ وَالسُّنَنُ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي السُّنَّةِ أَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ وَفِي الْوِتْرِ أَنْ يَنْوِيَ الْوِتْرَ، وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ‏)‏ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَدَاءُ فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَفَرَ ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ كَانَ نَائِيًا عَنْهَا فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا أَيْضًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلنَّائِي فَعَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ يُشْتَرَطُ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا يُشْتَرَطُ، وَإِنْ صَلَّى إلَى الْحَطِيمِ أَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الْكَعْبَةَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَفَرْضُهُ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إصَابَتِهَا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ قِبْلَةَ الْمَدِينَةِ ثَبَتَتْ مِنْ حَيْثُ النَّصُّ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ بِالِاجْتِهَادِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَائِفًا فَيُصَلِّيَ إلَى أَيِّ وِجْهَةٍ قَدَرَ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ أَوْ كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْبَحْرِ إنْ انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يَغْرَقَ أَوْ الْمَرِيضُ لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ يَجِدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالتَّحْوِيلِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى‏)‏ الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ اجْتِهَادُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجِهَاتِ قِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ لَا يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى وَجَوَابُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ وَالثَّانِي أَنْ يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى، وَجَوَابُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ

الْقِبْلَةَ لَا يُعِيدُ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ اسْتَأْنَفَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشُكَّ وَيَتَحَرَّى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَوَازِ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُشِيرُ إلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ بِالدَّلَائِلِ فَإِذَا فَرَّطَ لَمْ يَكُنْ الْجَهْلُ عُذْرًا مِنْ الدَّلَائِلِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْقُطْبُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ بِحَضْرَتِهِ‏)‏ حَدُّ الْحَضْرَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُؤَالُهُ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَكَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، وَكَذَا الْأَعْمَى إذَا لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الشُّرُوعِ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَخْطَأَ جَازَ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ وَبِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ الْقِبْلَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ فَرْضَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِينَ عَلِمَ فَلَزِمَهُ الِاسْتِدَارَةُ، وَلَوْ سَأَلَ قَوْمًا بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ أَخْبَرُوهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ

أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْ يَسْأَلُهُ بِحَضْرَتِهِ فَصَلَّى وَأَصَابَ الْقِبْلَةَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ صَلَّى إلَى غَيْرِهَا فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب صِفَةِ الصَّلَاةِ

هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَصْفَ كَلَامُ الْوَاصِفِ وَالصِّفَةَ هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ زَيْدٌ عَالِمٌ وَصْفٌ لِزَيْدٍ لَا صِفَةٌ لَهُ وَالْعِلْمُ الْقَائِمُ بِهِ صِفَتُهُ لَا وَصْفُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِيَامَ الْوَصْفِ بِالْوَاصِفِ وَقِيَامَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ‏)‏ أَيْ فَرَائِضُ نَفْسِ الصَّلَاةِ، وَالْقِيَاسُ سِتٌّ بِدُونِ الْهَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ لَكِنَّهُ قَالَ عَلَى تَأْوِيلِ الْفُرُوضِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةِ لِلْمَعْهُودِ أَيْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ التَّحْرِيمَةُ‏)‏ يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَدَّهَا مِنْ الْفُرُوضِ لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ لِلدَّارِ فَإِنَّ الْبَابَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَهُوَ يُعَدُّ مِنْهَا وَسُمِّيَتْ تَحْرِيمَةً؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَهَا مِنْ الْكَلَامِ وَالِالْتِفَاتِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَفَرْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْفَرِيضَةُ تَنْقَلِبُ نَفْلًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا وَفِيمَا إذَا شَرَعَ فِي الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ زَالَتْ الشَّمْسُ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ لَا، فَإِنْ قُبِلَتْ فَقَدْ صَارَتْ الشُّرُوطُ سَبْعَةً وَالْفُرُوضُ خَمْسَةً وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْعَدَدِ فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ الطَّهَارَةُ بِأَنْوَاعِهَا وَاحِدَةٌ وَالسَّادِسُ التَّحْرِيمَةُ وَالْفُرُوضُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالسَّادِسُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالصُّنْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالطُّمَأْنِينَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ عِنْدَهُمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْقِيَامُ‏)‏ يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ وَحَدُّ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ رُكْبَتَيْهِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلِلْعُذْرِ لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ‏}‏ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَتْ أَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ فَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ‏)‏ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ فَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ‏:‏ لَوْ فَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ‏)‏ أُطْلِقَ اسْمُ السُّنَّةِ وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالسُّجُودِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَاهِيًا وَقَامَ وَصَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ أَيْضًا الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ وَلِهَذَا وَجَبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا وَإِنَّمَا سَمَّاهَا سُنَّةً؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ كَبَّرَ‏)‏ أَيْ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ‏}‏ أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ كَبَّرَ‏)‏ أَيْ عَظَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ‏)‏ الرَّفْعُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَقَوْلُهُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَقَرَّتَا فِي مَوْضِعِ الْمُحَاذَاةِ كَبَّرَ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ كَأَنَّهُ نَبَذَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَالْيَدُ الْيُمْنَى كَالْآخِرَةِ وَالْيُسْرَى كَالدُّنْيَا؛ وَلِأَنَّ فِي الرَّفْعِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَنْزِلَةِ إثْبَاتِ الْكِبْرِيَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا تَصِحُّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ إلَّا فِي حَالِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا حَنَى ظَهْرَهُ ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ‏)‏ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ حَذْوَ رَأْسِهِ وَقَالَ طَاوُسٍ فَوْقَ رَأْسِهِ وَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّكْبِيرُ فِي الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا فِي الرَّفْعِ كَالرَّجُلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ بَدَلًا مِنْ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ‏)‏ وَهَلْ يُكْرَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا‏.‏

وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ‏}‏ وَقَوْلُهُ بَدَلًا مِنْ التَّكْبِيرِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَغَيْرُهُ بَدَلٌ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَهْوٌ إلَّا فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَجْزَأَهُ‏)‏ هَذَا إذَا قَرَنَ اسْمَ اللَّهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ أَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الِاسْمِ لَمْ يَكْمُلْ بِهِ التَّعْظِيمُ وَالثَّنَاءُ وَإِذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ فَقَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ صَحَّ دُخُولُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الِاسْمِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْظِيمِ بِذِكْرِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ افْتَتَحَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِسُبْحَانَ اللَّهَ تَبَارَكَ اللَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ أَوْ لَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ اللَّهُ كَبِيرٌ اللَّهُ الْكَبِيرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ‏}‏ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ بِغَيْرِهِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏}‏ وَلَوْ قَالَ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ جَازَ وَلَوْ قَالَ الرَّحِيمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛

لِأَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ كَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي هَذَا، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَوْ حَوْقَلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَلَوْ افْتَتَحَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى‏)‏ وَقَالَ مَالِكٌ يُرْسِلُ يَدَيْهِ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلّ يَمِينه عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ رُسْغَهُ الْيُسْرَى وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقَ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ وَوَقْتُهُ حِينَ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَضَعُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ لِاعْتِمَادِ سُنَّةِ الْقِيَامِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ حَتَّى إنَّهُ يُرْسِلُ حَالَةَ الثَّنَاءِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يُعْتَمَدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك حِينَ تَقُومُ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَتَبَارَكَ اسْمُك‏)‏ أَيْ دَامَ خَيْرُك وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْحَوَاشِي مِنْ بَرَكَةِ اسْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا جَاوَرَ جِلْدًا مُهَانًا لَا يَمَسُّ ذَلِكَ الْجِلْدَ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَتَعَالَى جَدُّك‏)‏ أَيْ عَظَمَتُك وَالْجَدُّ هُوَ الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا إلَهَ غَيْرُك‏)‏ الْمَشْهُورُ فِي إلَهٍ الْفَتْحُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْمُؤْتَمُّ الصَّلَاةَ بَعْدَمَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَلْ يَسْمَعُ وَيُنْصِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ وَقِيلَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ

بَيْنَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ كَلِمَةً كَلِمَةً‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏)‏ أَيْ يَلْجَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ عُذْت بِفُلَانٍ أَيْ لَجَأْت إلَيْهِ وَسُمِّيَ الشَّيْطَانُ لِشُطُونِهِ عَنْ الْخَيْرِ أَيْ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَالشَّيْطَانُ الْبَعِيدُ وَالرَّجِيمُ بِمَعْنَى الْمَرْجُومِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ وَيَقْرُبَ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ إنَّ التَّعَوُّذَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِافْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْتِي بِهِ وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقِيبَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ وَعِنْدَهُمَا بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ لَا يَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ عَقِيبَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا يَأْتِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ الْآنَ وَاخْتَارَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْمَعَانِي فَيَقَعُ بِهَا الْإِعْجَازُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏)‏ لَمَّا قَالَ يَقْرَأُ وَفَصَلَهَا عَنْ الثَّنَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَأَمْرُهُ بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ بَلْ هِيَ آيَةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ وَلِهَذَا كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَتَأَدَّى بِهَا فَرْضُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَلَيْسَتْ بِآيَةٍ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ قَوْلَانِ وَفِي تَكْرَارِهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَلَا يُعِيدُهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ

يَقْرَؤُهَا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَقْرَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْدَهَا لِلسُّورَةِ وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ أَمَّا فِي الْجَهْرِيَّةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُسِرُّ بِهَا‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَقْرَؤُهَا لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا إلَّا فِي التَّرَاوِيحِ يَفْتَتِحُ بِهَا السُّورَةَ دُونَ الْفَاتِحَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ‏)‏ سُمِّيَتْ فَاتِحَةً؛ لِأَنَّهَا يُفْتَتَحُ بِهَا الْقِرَاءَةُ أَيْ يَبْدَأُ وَتُسَمَّى الْوَافِيَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَصِفُ فِي الصَّلَاةِ وَتُسَمَّى السَّبْعَ الْمَثَانِي؛ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ قِرَاءَتُهَا لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا لَنَا قَوْله تَعَالَى ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ‏}‏ وَالتَّعْيِينُ يَنْفِي التَّيْسِيرَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ‏)‏ أَيْ قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ خِفْيَةً وَالضَّالُّونَ هُمْ النَّصَارَى وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمْ الْيَهُودُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ وَيُخْفِيهَا‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا‏}‏ وَإِذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ‏}‏ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ فَلَا يُتْبَعُ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُقْتَدَى التَّأْمِينَ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُخْفِي الْإِمَامُ التَّعَوُّذَ وَالتَّشَهُّدَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ‏)‏‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ فَفِي الْأَوَّلِ يُكَبِّرُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَفِي الثَّانِي يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ التَّكْبِيرِ مَعَ الِانْحِطَاطِ وَيَحْذِفُ الْمَدَّ فِي التَّكْبِيرِ وَلَا يُطَوِّلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا وَهُوَ كُفْرٌ وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ‏.‏

وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً فَإِنْ قَالَ آللَّهُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فَهَذَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَإِنْ تَعَمَّدْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ وَأَمَّا إذَا خَلَّلَ الْأَلِفَ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ وَلَكِنَّ الْحَذْفَ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا مَدَّ الْهَمْزَةَ مِنْ أَكْبَرُ تُفْسِدُ أَيْضًا لِمَكَانِ الشَّكِّ وَإِنْ مَدَّ مَا بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ بِأَنْ وَسَّطَ أَلِفًا بَيْنَهُمَا قَالَ بَعْضُهُمْ يُفْسِدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُفْسِدُ وَيَجْزِمُ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الرَّفْعُ بِالْخَبَرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ

النَّخَعِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ‏{‏الْآذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَفْرِجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ‏)‏ وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً لِلْقِبْلَةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يَتَكَلَّفُ لَا لِلضَّمِّ وَلَا لِلتَّفْرِيجِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ‏)‏ رُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْتَدِلُ فِي رُكُوعِهِ بِحَيْثُ لَوْ وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ لَمْ يُهْرَقْ‏}‏ وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ مُنْحَنِيًا إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَكَعَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ أَقْرَبَ أَجْزَأَهُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ كَانَ أَحْدَبَ تَبْلُغُ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْفِضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ حُدُوبَتِهِ وَلَا تُجْزِئُهُ حُدُوبَتُهُ عَنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَائِمِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمَ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ‏)‏ أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَهَا عَشْرًا‏.‏

وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَدْنَاهُ ثَلَاثٌ وَالْأَوْسَطُ خَمْسٌ وَالْأَكْمَلُ سَبْعٌ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ فَسَمِعَ مِنْ خَلْفِهِ خَفْقَ النِّعَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْتَظِرُهُمْ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ أَيْضًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الدَّاخِلُ غَنِيًّا لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ عَرَفَهُ لَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ عَادَتُهُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ وَمُلَازَمَةَ الْجَمَاعَةِ جَازَ انْتِظَارُهُ وَإِلَّا فَلَا ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‏)‏ هَذِهِ الْقَوْمَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَقَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَاهُ يُقَالُ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ إذَا قَبِلَهَا ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ‏)‏ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقُولُهَا سِرًّا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ يَعْنِي لَمَّا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ صَارَ مُحِثًّا عَلَى التَّحْمِيدِ فَكَانَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ فَيَأْتِي بِهِ مَعَ التَّسْمِيعِ كَالْمُنْفَرِدِ قُلْنَا الْمُنْفَرِدُ لَمَّا حَثَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يَمْتَثِلْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَهُ، قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ‏}‏ وَهَذِهِ قِسْمَةٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَقُولُهَا لَوَقَعَ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمَأْمُومِ وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ‏)‏ أَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ‏)‏ يَعْنِي فِي حَالَةِ سُجُودِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ آخِرَ الرَّكْعَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَوَّلِهَا فَكَمَا يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَكَذَا فِي آخِرِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي سُجُودِهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا سَاجِدًا قَدْ عَدَلَ بِيَدَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ اسْتَقْبِلْ بِهِمَا الْقِبْلَةَ فَإِنَّهُمَا يَسْجُدَانِ مَعَ الْوَجْهِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ‏)‏ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَإِنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ وَحْدَهَا دُونَ الْأَنْفِ جَازَ وَكَذَا لَوْ وَضَعَ أَنْفَهُ وَبِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ لِأَجْلِ الْعُذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى خَدِّهِ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَالِ الْعُذْرِ يُومِئُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْخَدِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ ثُمَّ السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ السُّجُودُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَرْضٌ وَعَلَى الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ‏)‏ إنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ يُوضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْجَبْهَةِ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ السُّجُودِ أَنْ لَا يَرْفَعَ قَدَمَيْهِ فِيهِ فَإِنْ رَفَعَهُمَا فِي حَالِ سُجُودِهِ لَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ وَإِنْ رَفَعَ أَحَدَهُمَا قَالَ فِي الْمَرْتَبَةِ يُجْزِئُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَأَدْلَى

رِجْلَيْهِ عَنْ الدُّكَّانِ عِنْدَ السُّجُودِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا عَلَى السَّرِيرِ إذَا أَدْلَى رِجْلَيْهِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ السُّجُودِ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ التَّفَاوُتُ مِقْدَارَ اللَّبِنَةِ أَوْ اللَّبِنَتَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَأَرَادَ اللَّبِنَةَ الْمَنْصُوبَةَ لَا الْمَفْرُوشَةَ وَحَدُّ اللَّبِنَةِ رُبُعُ ذِرَاعٍ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إذَا سَجَدَ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ أَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى مَا لَانَ مِنْهُ وَهُوَ الْأَرْنَبَةُ لَا يَجُوزُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ‏)‏ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ أَجْزَأَهُ‏)‏ وَكَوَّرَهَا دَوَّرَهَا يُقَالُ كَوَّرَ عِمَامَتَهُ إذَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا وَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ إنْ وَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا عَلَى الْحَشِيشِ الْمَوْضُوعِ وَالتِّبْنِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جَازَ وَعَلَى الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الْجَوَالِقِ جَازَ فِي جَمِيعِهَا، كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِنْ وَضَعَ كَفَّيْهِ وَسَجَدَ عَلَيْهِمَا جَازَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ إنْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَسَجَدَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى فَاضِلِ ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِدَفْعِ الْأَذَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِدَفْعِ الْأَذَى يُكْرَهُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ‏)‏ أَيْ يُظْهِرُهُمَا وَالضَّبُعُ بِالسُّكُونِ الْعَضُدُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يَفْعَلُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَفْعَلُ وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذِهَا فِي السُّجُودِ

وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ وَأَمَّا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَهِيَ كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ‏(‏قَوْلُهُ‏)‏‏:‏ ‏(‏وَيُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ‏)‏ أَيْ يُبَاعِدُهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْفِضُ وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذِهَا وَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ تَرْفَعُ يَدَيْهَا عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ إلَى مَنْكِبَيْهَا وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَلَا تُبْدِي ضَبْعَيْهَا وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ وَلَا تَفْرِجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَتَقِفُ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ وَلَا تَجْهَرُ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا فِيهِ كَالرَّجُلِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ‏)‏ وَكَذَلِكَ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَيَعْتَدِلُ فِي سُجُودِهِ وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ وَيَضُمُّ فَخِذَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَفْتَرِشْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ وَلْيَضُمَّ فَخِذَيْهِ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ‏)‏ لِأَنَّهُ ‏{‏لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ‏{‏سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى‏}‏ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ‏}‏، وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى تَسْبِيحَاتِ السُّجُودِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ، وَالْكَمَالُ أَنْ يَقُولَهَا عَشْرًا‏.‏

وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ وَالْأَوْسَطُ خَمْسٌ وَالْأَكْمَلُ سَبْعٌ قَالَ الثَّوْرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَهَا الْإِمَامُ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُقْتَدِي مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا جَازَ وَيُكْرَهُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ

وَيُكَبِّرُ‏)‏ وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَرْفَعَ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِهِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا رَفَعَ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ أَجْزَأَهُ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى حَالِ السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجُلُوسِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ عِنْدَنَا ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ وَسَجَدَ‏)‏ الطُّمَأْنِينَةُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِوُجُوبِهَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَعَنْ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكَهَا سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَجِبُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ وَاسْتَوَى قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ‏)‏ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ‏)‏ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى‏)‏ أَيْ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ وَالْقُنُوتِ وَالْعِيدَيْنِ‏}‏ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ

الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا‏)‏ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا الْمَسْنُونُ فِيهِمَا التَّوَرُّكُ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِثْلُ قَوْلِنَا وَفِي الثَّانِيَةِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَتَضُمُّ فَخِذَيْهَا وَتَجْعَلُ السَّاقَ الْيُمْنَى عَلَى السَّاقِ الْيُسْرَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ‏)‏ يَعْنِي أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنْ الْعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَبَسَطَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ‏)‏ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مُتَعَمِّدًا فَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَتَشَهَّدُ‏)‏ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّشَهُّدِ فَقِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ كَالْقَعْدَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَلَا خِلَافَ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ وَفِي شَرْحِهِ التَّشَهُّدُ مَسْنُونٌ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ‏)‏ هَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ ‏{‏أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ إلَى آخِرِهِ‏}‏ وَمَعْنَى التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْبَقَاءُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ يَعْنِي الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَعْنِي الْوَحْدَانِيَّةَ لِلَّهِ وَقِيلَ الزَّكَاةُ وَهَلْ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقْبِضَ أُصْبُعَهُ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ وَيُشِيرَ بِمُسَبِّحَتِهِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ‏)‏ أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَهَذَا حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ السَّلَامِ لَا ابْتِدَاءُ سَلَامٍ وَمَعْنَى السَّلَامِ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏)‏ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى‏)‏ فَإِنْ زَادَ إنْ كَانَ عَامِدًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّهْوِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَقِيلَ إذَا زَادَ اللَّهُمَّ

صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقِيلَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْبُوقِ إذَا قَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا وَقِيلَ يَدْعُو وَقِيلَ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏.‏

وَفِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدَّعَوَاتِ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُصَلِّي سَجْدَتَا السَّهْوِ وَبَلَغَ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَيَدْعُو قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَزِيدُ عَلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيُسَلِّمُ وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدَّعَوَاتِ فِي تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ خَاصَّةً‏)‏ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ جَلَسَ كَمَا يَجْلِسُ فِي الْأُولَى‏)‏ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْقَعْدَةِ مُتَوَرِّكًا ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَتَشَهَّدَ‏)‏ وَهُوَ وَاجِبٌ أَعْنِي التَّشَهُّدَ وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَهِيَ فَرْضٌ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فَرْضَانِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ‏)‏ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعِبَادِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الدَّعَوَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ أَوْ يَأْتِي بِمَعْنَاهُ مِثْلَ اللَّهُمَّ عَافِنِي وَاعْفُ عَنِّي وَأَصْلِحْ أَمْرِي وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ شَرٍّ اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَارْحَمْنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ‏)‏ يَجُوزُ نَصْبُ الْأَدْعِيَةِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظَ وَيَجُوزُ خَفْضُهَا عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ وَالْمَأْثُورَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَك الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِك الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَعَنْ ‏{‏أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، فَقَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ‏)‏ وَكَلَامُهُمْ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْهُمْ مِثْلُ اللَّهُمَّ اُكْسُنِي اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَإِنْ دَعَا بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُهَا فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يُفْسِدَهَا مَا يُشْبِهُهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ صُنِعَ مِنْهُ فَيُتِمُّ بِهِ صَلَاتَهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ فَكَانَ بِهَذَا الدُّعَاءِ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ لَا مُفْسِدًا لَهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏)‏ وَلَا يَقُولُ وَبَرَكَاتُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ‏)‏ وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَالَ السَّلَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ لَمْ يَصِرْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِهَا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى بِالسَّلَامِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْ النَّاسِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ وَعِنْدَ الْفَرَاغِ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَيُسَلِّمُ، وَلَوْ سَلَّمَ أَوَّلًا عَنْ يَسَارِهِ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ عَنْ يَسَارِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ إذَا فَعَلَهُ سَاهِيًا وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّسْوِيَةِ وَتَرْكِ الْجَفَاءِ وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ، وَكَذَا فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقَدِّمُ فِي النِّيَّةِ الْحَفَظَةَ لِفَضِيلَتِهِمْ‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَدِّمُ بَنِي آدَمَ لِمُشَاهَدَتِهِمْ وَلَا يَنْوِي لِلْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسَةٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ أَمَامِهِ يُلَقِّنُهُ الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَوَاحِدٌ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَلِّغُهُ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وُكِّلَ بِالْعَبْدِ سِتُّونَ مَلِكًا، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يَذُبُّونَ عَنْهُ وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا‏)‏ هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَاتِرُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يُسْمِعُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ‏)‏ ظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَيَكُونُ حَدُّ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحَ الْحُرُوفِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ عِنْدَهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَأَقْصَاهُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَحَدُّ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً دُونَ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ الَّتِي لَا يُجْهَرُ فِيهَا فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَجْهَرُ فِيهَا بَلْ يُخَافِتُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ فَقَدْ أَسَاءَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُخْفِي الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ‏}‏ وَقِيلَ صَمَّاءُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمَا وَمَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ‏)‏ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِظُهُورِ آثَارِ السُّنَنِ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ قَالَ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ هِيَ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَنَّهَا لَا تُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ الْوِتْرِ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ‏}‏ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلِهَذَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَافَ الزِّيَادَةَ إلَى اللَّهِ لَا إلَى نَفْسِهِ وَالسُّنَنُ تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَيْت بِآذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ‏)‏ اُحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ‏)‏ الْقُنُوتُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا وَهَلْ يَجْهَرُ بِهِ أَوْ يُخَافِتُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَمِنْ سُنَّةِ الْأَدْعِيَةِ الْإِخْفَاءُ وَلَا إشْكَالَ فِي الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يُخَافِتُ وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُخَافِتُ وَإِلَيْهِ مَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجْهَرُ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْقِرَاءَةِ‏.‏

وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاخْتِيَارُ الْإِخْفَاءُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ‏}‏ وَهَلْ يُرْسِلُ يَدَيْهِ أَوْ يَعْتَمِدُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ يُرْسِلُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَعْتَمِدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ‏.‏

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا مَوْضِعُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْفَتَاوَى، وَأَمَّا صُورَةُ الْقُنُوتِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَهُ وَلَوْ أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قَنَتَ وَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقْرَأُ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَنَسِيَ السُّورَةَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَكَذَا إذَا قَرَأَ السُّورَةَ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُعِيدُ السُّورَةَ وَالْقُنُوتَ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَنَسِيَ الْقُنُوتَ فَرَكَعَ إنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَعُودُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا لَا يَعُودُ وَلَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمَسْبُوقُ يَقْنُتُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَقْنُتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْضِي‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْوِتْرِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً‏)‏ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ إجْمَاعًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَقْنُتُ‏)‏ أَمَّا التَّكْبِيرُ فَلِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ مِنْ حَقِيقَةٍ إلَى شَبَهِهَا وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَلِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ‏.‏

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ الْبَلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا ‏{‏فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَنَتَ فِيهَا شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ ثُمَّ تَرَكَهُ‏}‏ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا‏)‏ يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى سُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ يَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذ سُورَةً لِلصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا لَا يَقْرَأُ غَيْرَهَا‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ هِجْرَانِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ وَيَعْنِي بِذَلِكَ مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَيِّنَ سُورَةَ السَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا وَاجِبًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِأَيِّ سُورَةٍ قَرَأَهَا وَلَكِنْ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُكْرَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانَا كَيْ لَا يَظُنَّ جَاهِلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ يُرِيدُ مَا دُونَ الْآيَةِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى ‏{‏لَمْ يَلِدْ‏}‏ وَمِثْلُ قَوْلِهِ ‏{‏وَلَمْ يُولَدْ‏}‏، وَلَوْ تَهَجَّى آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ‏.‏

وَفِي الْمُحِيطِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ فَالْفَرْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ وَهُوَ آيَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَتَيْنِ تَجُوزُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏‏:‏ ثُمَّ نَظَرَ‏}‏ وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِثْلَ ‏{‏مُدْهَامَّتَانِ‏}‏ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ ‏"‏ ص ‏"‏ وَ ‏"‏ ن ‏"‏ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ بِقَوْلِهِ ‏{‏مُدْهَامَّتَانِ‏}‏؛ لِأَنَّهَا آيَةٌ قَصِيرَةٌ وَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَالْمَسْنُونُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ وَهُوَ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى الْبُرُوجِ، وَقِيلَ فِي الظُّهْرِ دُونَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شُغْلٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ وَهُوَ مِنْ الْبُرُوجِ إلَى لَمْ يَكُنْ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ وَهُوَ مِنْ إذَا زُلْزِلَتْ إلَى آخِرِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا أَوْ الْفَاتِحَةَ وَمَعَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ أَوْ يَقْرَأَ السُّورَةَ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةً وَفِي الْأُخْرَى سُورَةً فَوْقَهَا يُكْرَهُ، وَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا قِرَاءَةُ الْآيَاتِ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى آيَةً فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَى آيَةً مِنْ

سُورَةٍ فَوْقَهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ‏)‏ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدِّينِ وَقَوْلُهُمَا فِي الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ أَمْرٌ حَسَنٌ، وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ لِلسَّفَرِ أَثَرًا فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ‏.‏

وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا حَتَّى يَبْلُغَ آيَةً تَامَّةً لَا يَجُوزُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا مَا خَلَا الْفَجْرَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطَوِّلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ وَفِيهِ إعَانَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ عِلْمٍ وَيَقَظَةٍ فَلَوْ تَغَافَلُوا فِي غَيْرِ الْفَجْرِ إنَّمَا يَتَغَافَلُونَ بِاشْتِغَالِ دُنْيَاهُمْ وَذَلِكَ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِمْ، وَأَمَّا غَفْلَتُهُمْ بِالنَّوْمِ فَلَيْسَ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا تَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا إطَالَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ، وَأَمَّا فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَلَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ وَفِي الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ‏)‏ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَسْتَحْسِنُ لَهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ احْتَاجَ إلَى نِيَّتَيْنِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ‏)‏ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَابَعَةَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَصِيرَ مُقْتَدِيًا، وَلَوْ نَوَى حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَنْ هُوَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو وَصَحَّ أَيْضًا وَإِذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِرَجُلٍ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ‏)‏ أَيْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ‏.‏

وَفِي التُّحْفَةِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ‏}‏ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَا يُؤَذَّنُ فِيهِمْ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ عَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْفَارَّةَ‏}‏ اسْتَحْوَذَ أَيْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ فِي حَالِ الْعُذْرِ مِثْلُ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَيْسَتْ الرِّيحُ عُذْرًا وَكَذَا مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ يَخَافُ أَنْ يَحْبِسَهُ غَرِيمُهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ كَانَ يَخَافُ الظُّلْمَةَ أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ أَوْ كَانَ قَيِّمًا بِمَرِيضٍ أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ أَوْ حَضَرَ الْعِشَاءُ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا الْأَعْمَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْعَدٍ وَلَا مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَلَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ، وَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ كَانَتْ جَمَاعَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَأَمَّ صَبِيًّا يَعْقِلُ حَنِثَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ نَامَ أَوْ سَهَا أَوْ شُغِلَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ

أَهْلَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ وَقَدْ ‏{‏قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَتَيْنِ بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةً مِنْ النِّفَاقِ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ‏)‏ أَيْ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الشَّرِيعَةُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ يَعْنِي إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمْ قَارِئٌ قُدِّمَ الْقَارِئُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ‏)‏ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ الْوَرَعِ وَهُوَ دَرَجَةٌ فَوْقَ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ التَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَالْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ‏)‏ أَيْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ‏)‏ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُسْتَخَفٌّ بِهِ وَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْهُ وَالْأَعْرَابِيَّ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَوَادِيَ وَالْجَهْلُ فِي الْأَعْرَابِ غَالِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ ‏{‏وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ‏}‏ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْفَاسِقِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَوَلَدِ الزِّنَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُفَقِّهُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْأَعْمَى‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَنَّبُ النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ إلَّا بِغَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ مِنْ الْبُصَرَاءِ أَفْضَلَ مِنْهُ فَهُوَ أَوْلَى ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ‏}‏؛ وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِجِنَايَاتِهَا وَجِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ لَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ هَؤُلَاءِ أَوْ الِانْفِرَادُ قِيلَ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَاسِقِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صَلَاةِ الصَّحَابَةِ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكْرَهُ إمَامَتَهُمْ وَقَدْ ‏{‏قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ‏}‏ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ شَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُطَوِّلَ بِهِمْ الصَّلَاةَ‏)‏ يَعْنِي بَعْدَ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ لِمَا رُوِيَ ‏{‏أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِقَوْمٍ فَأَطَالَ بِهِمْ الْقِيَامَ فَشَكَوْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَهَا ثَلَاثًا أَيْنَ أَنْتَ مِنْ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّهُ ‏{‏قَالَ صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ‏}‏ وَذُكِرَ فِي الْمَصَابِيحِ ‏{‏أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِقَوْمِهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَافْتَتَحَهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَالَ مُعَاذٌ إنَّهُ مُنَافِقٌ فَذَهَبَ الرَّجُلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْت فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ قَالَهَا ثَلَاثًا اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَنَحْوَهُمَا‏}‏ ‏{‏، وَقَالَ أَنَسٌ مَا صَلَّيْت خَلْفَ أَحَدٍ أَتَمَّ وَأَخَفَّ مِمَّا صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا أَوْجَزْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت عَلَى أُمِّهِ‏}‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَالَ الْجَمَاعَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً‏)‏ يَعْنِي بِغَيْرِ رِجَالٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ وَالتَّرَاوِيحُ، وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُنَّ أَنْ يُصَلِّينَهَا بِجَمَاعَةٍ وَتَقِفُ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا صَلَّيْنَهَا فُرَادَى أَدَّى ذَلِكَ إلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْوَاحِدَةِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مِنْ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ فَعَلْنَ وَقَفَتْ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ‏)‏ وَبِقِيَامِهَا وَسْطَهُنَّ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ فِي التَّوَسُّطِ تَرْكَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَرْشَدَ الشَّيْخُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهَةً مِنْ التَّقَدُّمِ إذْ هُوَ أَسْتَرُ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ تَرْكِ السَّتْرِ فَرْضٌ وَالِاحْتِرَازَ عَنْ تَرْكِ مَقَامِ الْإِمَامِ سُنَّةٌ فَكَانَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ أَوْلَى فَإِذَا صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ صَلَّيْنَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِنَّ إمَامَتُهُنَّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُنَّ، وَقَوْلُهُ وَسْطَهُنَّ هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسْطٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَيَكُونُ وَسْطٌ ظَرْفًا كَقَوْلِك جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ أَيْ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسَطٌ بِتَحْرِيكِ السِّينِ وَيَكُونُ وَسَطٌ اسْمًا لَا ظَرْفًا كَقَوْلِك جَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ، وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا عُرَاةً أَرَادُوا الصَّلَاةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا قُعُودًا بِالْإِيمَاءِ وَيَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَقَفَ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ كَالنِّسَاءِ وَصَلَاتُهُمْ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهَةٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ‏)‏ إنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ‏.‏

وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ وُقُوفُهُ مُسَاوِيًا لِلْإِمَامِ وَسُجُودُهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْقِيَامِ، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْكَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا‏)‏ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَوَسَّطُهُمَا؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَقَامَ وَسْطَهُمَا قُلْنَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانَ ذَلِكَ لِضِيقِ الْبَيْتِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ وَلَا بِصَبِيٍّ‏)‏ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ‏}‏ أَيْ كَمَا أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَالْإِرْثِ وَجَمِيعِ الْوِلَايَاتِ وَهَلْ تَنْعَقِدُ التَّحْرِيمَةُ إذَا اقْتَدَى بِهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ لَا تَنْعَقِدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الِاقْتِدَاءِ بِالْعُرْيَانِ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِلْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَفِي التَّرَاوِيحِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى‏}‏ أَيْ الْبَالِغُونَ أُولُو الْعُقُولِ وَالْحَالِمُ هُوَ الْبَالِغُ سَوَاءٌ احْتَلَمَ أَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ خَنَاثَى وَقَفُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ احْتِيَاطًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَانِبِ رَجُلٍ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ‏)‏ وَالْمَحَارِمُ كَالْأَجَانِبِ، وَهَذَا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَضُرَّهُ مُحَاذَاتُهَا وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ وَلِأَنَا لَوْ صَحَّحْنَا اقْتِدَاءَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَدَرَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ عَلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ مَتَى شَاءَتْ بِأَنْ تَقِفَ إلَى جَانِبِهِ فَتَقْتَدِيَ بِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ الْمُفْسِدَةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً احْتِرَازًا عَنْ الْمَسْبُوقِ وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الشَّهْوَةِ حَالًا أَوْ مَاضِيًا وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَلَا فُرْجَةٌ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرِّجْلِ وَغِلَظُهُ غِلَظُ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَأَنْ تَتَّفِقَ الْجِهَةُ حَتَّى لَوْ اُخْتُلِفَ لَا تُفْسِدُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ سِنَّ الْمَرْأَةِ بِسَبْعِ سِنِينَ وَقِيلَ بِتِسْعٍ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا حَاذَتْهُ لَا تُفْسِدُ، وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً مُشْتَهَاةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْهَا، وَالصَّبِيَّةُ إذَا كَانَتْ تَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَا تَشْتَهِي لَا تُفْسِدُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُكْمِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ بَلْ لَوْ سَبَقَهَا بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا أَدْرَكَتْ تُفْسِدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ لَا تُفْسِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ‏)‏ يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَخْرُجُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ وَلَهُ أَنَّ شِدَّةَ الْغُلْمَةِ حَامِلَةٌ عَلَى الِارْتِكَابِ وَلِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَفِي الْعِيدِ الْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ الْفِسْقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَجَعَلَهَا كَالظُّهْرِ‏.‏

وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهَا كَالْعِيدَيْنِ حَتَّى إنَّهُ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَيْهَا بِالْجَمَاعَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَلَا الطَّاهِرَاتُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسٌ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ‏)‏ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَالْأُمِّيُّ هُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَمَّ الْأُمِّيُّ أُمِّيِّينَ جَازَ وَإِنْ أَمَّ قَارِئِينَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ‏.‏

وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ وَفِي الْكَرْخِيِّ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالنِّيَّةِ لِإِمَامَةِ الْقَارِئِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ كَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ أَتَى الْقَارِئُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ‏.‏

وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ وَالْقَارِئُ يُصَلِّي فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَمَّ قَارِئِينَ وَأُمِّيِّينَ فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيِّينَ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا صَلَاتَهُمْ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ يَقْتَدُوا بِقَارِئٍ وَعِنْدَهُمَا صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَائِزَةٌ وَلَوْ صَلَّى الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ لَا يَأْتِي بِالتَّحْرِيمَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعُرْيَانِ‏)‏ وَلَا تَنْعَقِدُ التَّحْرِيمَةُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ فَصَلَاةُ الْعَارِي وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ

جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَبِأَصِحَّاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ قَارِئِينَ وَأُمِّيِّينَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَارِيَ وَالْمَجْرُوحَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا صَلَاتَهُمْ بِثِيَابٍ وَلَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ اقْتَدَوْا بِصَحِيحٍ وَلَابِسٍ وَالْأُمِّيُّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِقَارِئٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْمَاسِحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْغَاسِلِينَ‏)‏ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ لَا تَقِفُ عَلَى الضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَاعِدُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَاقْتَدَى بِهِ قَائِمٌ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى غَيْرُ مَعْذُورٍ بِمَعْذُورٍ فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَهُمَا إنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَصْحَابِهِ كَانَ فِيهَا قَاعِدًا وَهُمْ قَائِمُونَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مُشَارَكَةُ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ فِي الْقِيَامِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ كَبَّرَ قَائِمًا وَرَكَعَ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْقِيَامِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ ذَلِكَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلٌ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ فَكَذَا هَذَا قُلْنَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ فَلَوْ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَانَ مُقْتَدِيًا فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُصَلِّي الْمُومِئُ لِاسْتِوَائِهِمَا إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَالْمُقْتَدِي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ‏)‏ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَشْتَمِلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَزِيَادَةً فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِخِلَافِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ قَوِيٍّ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ إذَا جَوَّزْتُمْ صَلَاةَ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَهِيَ عَلَى الْإِمَامِ نَفْلٌ فَكَانَ فِيهَا اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قُلْنَا لَمَّا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ قِرَاءَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَلَا نَافِلَةٌ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ‏)‏ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ وَسَوَاءٌ تَغَايَرَ الْفَرْضَانِ اسْمًا أَوْ صِفَةً كَمُصَلِّي ظُهْرِ أَمْسِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ

الْيَوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاءُ الْمُقْتَدِي هَلْ يَكُونُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا فَفِي الْخُجَنْدِيِّ نَعَمْ‏.‏

وَفِي الزِّيَادَاتِ وَالنَّوَادِرِ لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ بِنَاءَ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ فَجَازَ وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي حَائِطٌ مُنِعَ الِاقْتِدَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ قَصِيرًا مِقْدَارَ الذِّرَاعِ أَوْ الذِّرَاعَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ أَوْ نَقْبٌ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْإِمَامِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ نَقْبٌ صَغِيرٌ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ لَا يُمْكِنُهُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي أَقْصَى الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي الْمِحْرَابِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَإِنْ اتَّسَعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ‏)‏ وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ إمَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ أَحْدَثَ ثُمَّ صَلَّى فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ وَالثَّانِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَهُ صَلَّيْت بِك وَأَنَا مُحْدِثٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ‏)‏ الْعَبَثُ هُوَ كُلُّ لَعِبٍ لَا لَذَّةَ فِيهِ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ لَذَّةٌ فَهُوَ لَعِبٌ وَكُلُّ عَمَلٍ مُفِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِقَ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ‏}‏؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَيُكْرَهُ وَالْعَبَثُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصَّوْمِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ‏}‏‏.‏

وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا‏}‏ أَيْ شُغْلًا لِلْمُصَلِّي بِأَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَكَّ جَسَدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِرَارًا وَبَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ فُرْجَةٌ أَمَّا إذَا فَعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَفْسُدُ‏.‏

وَفِي الْفَتَاوَى إذَا حَكَّ جَسَدَهُ ثَلَاثًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَكِّ هَلْ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أَوْ الذَّهَابُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً‏)‏ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ عَبَثٍ ‏{‏، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي ذَرٍّ مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ وَإِلَّا فَذَرْ‏}‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ سَجْعًا وَهُوَ سَأَلَ أَبُو ذَرٍّ خَيْرَ الْبَشَرِ عَنْ تَسْوِيَةِ الْحَجَرِ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً وَإِلَّا فَذَرْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَغْمِزَهَا أَوْ يَمُدَّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ ‏{‏لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي‏}‏ ‏{‏وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُلْتَفِتُ وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَتَخَصَّرُ‏)‏ أَيْ لَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْيَهُودِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمَسْنُونِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْمُصَابِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ حَالَةٌ يُنَاجِي فِيهَا الْعَبْدُ رَبَّهُ فَهِيَ حَالَةُ الِافْتِخَارِ لَا حَالَةُ إظْهَارِ الْمُصِيبَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُسْدِلُ ثَوْبَهُ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمَيْهِ أَوْ يَضَعَ الرِّدَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى بَعْضِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَعْقِصُ شَعْرَهُ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُ وَيَعْقِدَهُ فِي مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ سَاجِدٍ عَاقِصٍ شَعْرَهُ فَحَلَّهُ حَلًّا عَنِيفًا وَقَالَ إذَا طَوَّلَ أَحَدُكُمْ شَعْرَهُ فَلْيُرْسِلْهُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ ‏{‏قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ لَا أَكُفُّ ثَوْبًا وَلَا أَعْقِصُ شَعْرًا‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَلْتَفِتُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إيَّاكُمْ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ‏}‏ وَالِالْتِفَاتُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَجْهُهُ عَنْ وِجْهَةِ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا إذَا الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ نَظَرَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا يُكْرَهُ ‏{‏؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ‏}‏ مُؤْقُ الْعَيْنِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَاللِّحَاظُ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ، وَمُؤْخِرُ عَيْنَيْهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ مُخَفَّفًا طَرَفُهَا الَّذِي يَلِي الصُّدْغَ وَيُكْرَهُ أَنْ

يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالِالْتِفَاتِ وَأَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُدَبِّحَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ تَدْبِيحَ الْحِمَارِ‏}‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَايَلَ عَلَى يُمْنَاهُ أَوْ يُسْرَاهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُقْعِي‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ عَقِبَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَالْكَلْبِ إلَّا أَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ فِي نَصْبِ الْيَدَيْنِ وَإِقْعَاءَ الْآدَمِيِّ فِي نَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى صَدْرِهِ‏.‏

وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ ‏{‏لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانِي خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ‏}‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَطَّى أَوْ يَتَثَاوَبَ فَإِنْ غَلَبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَظَمَ وَجَعَلَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ مِنْ الْهَوَامِّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَّا إذَا تَثَاوَبَ فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ وَلَا بِيَدِهِ‏)‏ فَإِنْ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا إذَا صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ أَيْضًا وَإِنْ أَشَارَ بِرَدِّ السَّلَامِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُصَلِّي وَالْجَالِسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَتَرَبَّعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تُرْكُ سُنَّةِ الْقُعُودِ فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَعْذَارَ تُؤَثِّرُ فِي فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي هَيْئَتِهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ‏)‏ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَكَلَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُنَافِي الصَّلَاةَ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ، قَالَ فِي الْغَايَةِ مَا أَفْسَدَ الصَّوْمَ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَمَا لَا فَلَا حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ فَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، وَلَوْ ابْتَلَعَ دَمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلرِّيقِ وَإِنْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً أَفْسَدَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُفْسِدُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ غَلَبَهُ انْصَرَفَ‏)‏ السَّبْقُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَقَصْدِهِ وَالْغَلَبَةُ بِعِلْمِهِ لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهِ، وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ تَنَحْنَحَ أَوْ سَعَلَ فَخَرَجَ بِقُوَّتِهِ رِيحٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي هُوَ الصَّحِيحُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ انْصَرَفَ‏)‏ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا انْصَرَفَ يُبَاحُ لَهُ الْمَشْيُ وَالِاغْتِرَافُ مِنْ الْإِنَاءِ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ وَالِاسْتِنْجَاءُ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْتِ الْقَمِيصِ، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً فِي مَكَان وَجَاوَزَهُ إلَى مَكَان آخَرَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَشْيٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ‏)‏ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَجُرَّهُ بِثَوْبِهِ إلَى الْمِحْرَابِ ثُمَّ الْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مُصَلَّاهُ وَالْأَفْضَلُ الْعَوْدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَيَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَعَادَ إلَى مُصَلَّاهٌ صَارَ مَأْمُومًا وَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ

الْإِمَامَةِ وَصَارَ مُؤْتَمًّا، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الثَّانِي مَكَانَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ وَبَنَى مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْ الْبِئْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ آخَرُ‏.‏

وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَبْنِي مَعَ الِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ، وَلَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ عَمْدٌ وَهُوَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَإِنْ مَلَأَ الْإِنَاءَ وَحَمَلَهُ بِيَدَيْنِ لَا يَبْنِي وَإِنْ حَمَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِيَدَيْنِ عَمَلٌ كَثِيرٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ‏)‏ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْكُلِّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ قَطْعًا وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ إنْ كَانَا يَجِدَانِ جَمَاعَةً فَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَا لَا يَجِدَانِ فَالْبِنَاءُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَصُحِّحَ هَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الْكَرْخِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَيَسْتَأْنِفَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضَهُ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ وَلَا اخْتِلَافٍ فَهُوَ أَوْلَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ قَهْقَهَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا‏)‏ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ يَنْدُرُ وُجُودُهَا فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَكَذَا الْقَهْقَهَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هِيَ أَفْحَشُ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَ الْمُنَاجَاةِ حَتَّى نَقَضَتْ الْوُضُوءَ ثُمَّ سَوَّى بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ فِي الْكَلَامِ فَفِي الْقَهْقَهَةِ أَوْلَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏ يَعْنِي كَلَامًا يُعْرَفُ فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ بِهِ حُرُوفٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَالَ مَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ أَنَّ فِي صَلَاتِهِ أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ أَيْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ إنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَالْبُكَاءُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ‏{‏وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ‏}‏ أَيْ يَخِرُّونَ سُجُودًا عَلَى الْوُجُوهِ يَكُونُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذْقَانِ الْوُجُوهُ ‏{‏وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَيُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ‏}‏ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ كُنْت أُصَلِّي خَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ حَتَّى إذَا بَلَغَ قَالَ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ سَمِعْت نَشِيجَهُ وَأَنَا آخِرَ الصُّفُوفِ، الْأَزِيزُ غَلَيَانُ الْقِدْرِ وَالْمِرْجَلُ الْقِدْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَنِينُ مِنْ الْوَجَعِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ نَفَخَ التُّرَابَ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَسْمُوعٍ لَا يُفْسِدُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَفْسَدَ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ تَنَحْنَحَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ نَحْوَ أَخْ أَخْ بِالْفَتْحِ أَوْ الضَّمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا بِأَنْ اجْتَمَعَ الْبَلْغَمُ فِي

حَلْقِهِ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ‏.‏

وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ الْقِرَاءَةِ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَإِنْ قَبَّلَتْ الْمُصَلِّي امْرَأَتُهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهَا هُوَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَبَّلَهَا هُوَ فَسَدَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ تُصَلِّي فَقَبَّلَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ‏)‏ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ‏)‏ أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِمَامُ إذَا قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا وَخَلْفَهُ لَاحِقُونَ وَمَسْبُوقُونَ فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالسَّلَامُ وَالْكَلَامُ وَالْقِيَامُ فَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا صَلَاةُ الْكُلِّ تَامَّةٌ فِي السَّلَامِ وَالْقِيَامِ وَالْكَلَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ تَامَّةٌ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فَفَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي تُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُمْ فَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ الْقَوْمَ يَذْهَبُونَ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ وَإِنْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ مَنْهِيَّانِ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ مُفْسِدَانِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ‏)‏ وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِأَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ أَمَّا إذَا سَبَقَهُ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ فَوَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَبْنِي، وَقَوْلُهُ بَطَلَتْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ كَانَ مَعَ أَخِيهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَمَّا لَوْ رَآهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ لَا تَبْطُلُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ وَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَاسْتَأْنَفَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ إلَى آخِرِهِ‏)‏ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْخُرُوجُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّ فُرُوضَ الصَّلَاةِ تَتَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَوْ أَرَادَ اسْتِدَامَةَ التَّحْرِيمَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا مُنِعَ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى الْقُعُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ‏)‏ حَتَّى لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ

فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَاسِحٌ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ‏)‏ هَذَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهُ أَوْ كَانَ بِحَالٍ إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ خَافَ التَّلَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ لَمْ تَفْسُدْ إجْمَاعًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ‏)‏ يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ خَلْعُهُ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ بِأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ‏)‏ ‏(‏كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً‏)‏ أَيْ تَذَكَّرَهَا أَوْ سَمِعَ مَنْ يَقْرَأُ سُورَةً أَوْ آيَةً فَحَفِظَهَا أَمَّا إذَا تَعَلَّمَ مُتَلَقِّنًا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَتَصِحُّ إجْمَاعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مَأْمُومًا لَا تَبْطُلُ إجْمَاعًا، وَلَوْ تَعَلَّمَهَا وَهُوَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا‏)‏ يَعْنِي بِالْمِلْكِ أَمَّا بِالْإِبَاحَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّيَمُّمِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً فَائِتَةً قَبْلَ هَذِهِ‏)‏ وَلَوْ كَانَتْ وِتْرًا وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَهِيَ فِي حَيِّزِ التَّرْتِيبِ لَمْ تَبْطُلْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا‏)‏ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ‏)‏ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقُرْصِ بَلْ إذَا رَأَى الشُّعَاعَ الَّذِي لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَبَلٌ يَمْنَعُهُ لَرَأَى الْقُرْصَ كَمَا فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ‏)‏ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ‏)‏ وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ أَوْ كَانَ صَاحِبَ الْعُذْرِ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَلَوْ عَرَضَ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَمَا عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ يَعْنِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إجْمَاعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ وَعِنْدَهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَإِنْ اعْتَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَعْدَمَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ التَّحْرِيمَةِ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏

وَلَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهِيَ إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا لَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَمَّتْ صَلَاتُهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك‏}‏ قُلْنَا مَعْنَاهُ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ‏}‏ أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏