فصل: باب اليمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب اليمين:

المتوجهة بحكم حاكم أو محكم على طالب أو مطلوب أو عليهما مع الشاهد أو الشاهدين أو دونهما لا بمجرد طلب الخصم تحليفه، فلا يلزمه الحلف له كما أفاده قول الناظم بالقضاء، فيفهم منه أن المراد اليمين التي تقطع الحقوق لأنها التي يقضي بها وهي بالله الذي لا إله إلا هو كما يأتي في قوله: وبالله يكون الحلف لا اليمين التي تكفر كقول (خ) اليمين تحقيق ما لم يجب. (وما يتعلق بها) من مكانها وزمانها وبيان صفتها وأقسامها.
في رُبْعِ دِينارٍ فأعْلَى تُقْتَضَى ** في مسْجِد الجمع الْيَمينُ بالقَضَا

(في ربع دينار) أو ثلاثة دراهم أو عرض يساوي أحدهما لشخص واحد ولو على اثنين متفاوضين فيه لأن كلاًّ وكيل عن الآخر، وانظر أقضية المعيار في كيفية حلف ورثته المتفاوضين، وانظر فيها أيضاً فيمن حلف بالطلاق لا يحلف بالمسجد هل يحنث أم لا. لا لشخصين ولو متفاوضين (فأعلى) أي فأكثر منه معطوف على ما قبله والمجرور يتعلق بقوله: (تقتضى) بالبناء للمفعول (في مسجد الجمع) أي الذي تقام فيه الجمعة يتعلق به أيضاً (اليمين) نائب فاعله (بالقضا) أي الحكم في محل نصب على الحال أي حال كون اليمين واجبة بالقضاء، وفهم منه أنه في أقل من ربع دينار يحلف حيث تيسر له كما يأتي، وأنه إن أبى أن يحلف في المسجد المذكور عد ناكلاً وأنها لا تغلظ بالزمان ككونها بعد العصر أو يوم الجمعة أو ليلة السابع والعشرين من رمضان وهو كذلك، وقيل تغلظ بالزمان أيضاً. قلت: وقولهم إن طلب رب الحق أن يحلفه بمسجد غير الجامع لكونهم يعظمونه، أو أن يحلفه على المصحف أو سورة براءة أو قد سمع أو أضرحة المشايخ. أجيب: وكذا بالطلاق حيث كان لا يرجع عن الباطل إلا بذلك كما في (ز) وغيره. ويقتضي أن تغلظ بالزمن أيضاً بالأحرى من الطلاق حيث رجى الإرهاب ارتكاباً لأخف الضررين، وظاهر كلامهم أنه إذا امتنع من الحلف بالطلاق والمصحف ونحوهما عد ناكلاً إذ لا فائدة لجبره على ذلك إلاّ ذاك، وظاهر النظم أنه في أي موضع من الجامع حلف كفى وهو ظاهر (خ) أيضاً. وبه قرر شراحه وصرح به في الشامل فقال: ولا تغلظ بمنبر على الأصح إلا بمنبره عليه السلام، ولكن العمل على اقتضاء الأيمان بين المنبر والمحراب كان منبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أو غيره كما أفاده قول المدونة يحلف في جامع بلده في أعظم مواضعه إلخ. فإن أبى أن يحلف فيه غرم بعد أن يحلف الطالب في المحل المذكور حيث كانت دعوى تحقيق وإلاَّ فبمجرد النكول، فإن لم يكن لهم جامع جلبوا إلى الجامع الذي على قدر مسافة الجمعة من منازلهم لأنهم ممن لهم جامع حكماً وإلاَّ حلفوا حيث هم ثم إن التغليظ بالجامع من حق الخصم فإذا رضي أن يحلفه بغير مسجد فله ذلك. وانظر لو حلفه في غير الجامع جهلاً أو في غير المنبر، والجاري على ما يأتي في القيام أنها لا تجزئه حيث كان الطالب ممن يجهل تغليظها بذلك والله أعلم. كما أنه إذا حلفها في الجامع بغير حضرة الخصم بل بحضرة عدلين فقط لا تجزئه ويعيدها بحضرته ومحل عدم الإجزاء إذا لم يتغيب عنها بعد الحكم له بها، وإلاَّ أقام له القاضي وكيلاً يقتضيها ولا حجة له حينئذ، ويفهم هذا من قوله فيما مرّ. ومن ألد في الخصام وانتهج إلخ. إذ لا يحكم له باليمين حتى تنقطع حجته فينفذ الحاكم حكمه باقتضاء تلك اليمين لتسقط دعواه عن الخصم، وانظر (ح) في القضاء، وإذا طلب أحد الخصمين تعجيل اليمين وطلب الآخر تأخيرها، فالقول لطالب التعجيل ما لم يطلب تأخيرها لوقت تغلظ فيه على ما مرّ.
وما لَهُ بالٌ ففيهِ يَخْرُجُ ** إليْهِ لَيحلا غيرُ مَنْ تَبرَّجُ

(وما له بال) مبتدأ وخبر والجملة صلة ما، والمراد به ربع دينار فأكثر ولذا لو قال وإن تكن أنثى (ففيه) أي في ربع دينار (تخرج إليه) أي إلى الجامع (ليلاً غير) فاعل تخرج والمجروران قبله وبعده يتعلقان به وكذلك الظرف والجملة خبر الموصول ولعمومه وإبهامه دخلت الفاء في خبره (من) أي الأنثى في محل جر بالإضافة (تبرج) بفتح التاء وشد الراء صلة (من) وأصله تتبرج فحذفت إحدى التاءين عملاً بقول الخلاصة: وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على إلخ. ومعناه أن غير المتبرجة وهي التي عادتها أن لا تخرج لمصالحها من حمام وغيره إلاَّ ليلاً أو تخرج لها نهاراً غير مشتهرة فإنها تخرج للحلف طالبة أو مطلوبة ليلاً وتحلف بحضرة الخصم، فإن أبت هي وزوجها من حضوره خشية الاطلاع عليها فإنه يبعد عنها أقصى المسجد بقدر ما يسمع لفظ يمينها قاله ابن عبد السلام. فإذا ادعى الخصم عدم معرفتها فعليها أن تثبت أنها المطلوبة، وقيل حسبها أن تقول أنا هي وعليه الإثبات، والأول أصوب قاله في التبصرة عن ابن الهندي، ومفهومه: أن المتبرجة تخرج لها نهاراً وأما التي لا تخرج لا ليلاً ولا نهاراً فتحلف في بيتها بحضرة عدلين يوجههما القاضي لها ولا يقضي للخصم بحضوره معها قاله (ز). قال: فتستثنى هذه الصورة من قولهم لابد من حضور الطالب لليمين وإلا أعيدت، وفي الشهادات من البرزلي أنه يبعد عنها أقصى ما يسمع صوتها ولا يرى شخصها كالتي قبلها. ونقله (ح) في القضاء فتأمل هذه الأقسام الثلاثة من لا تخرج إلا ليلاً أو تخرج نهاراً غير مشتهرة ومن تخرج به مشتهرة ومن لا تخرج أصلاً. وما مر من أنها في هذا القسم الثالث تحلف في بيتها هو الأظهر عند عياض، واقتصر عليه عبد الوهاب وهو المعتمد، وذهب الأندلسيون إلى أنها تخرج ليلاً أيضاً، والمدونة محتملة للقولين، والأول هو ظاهر قول (خ) وخرجت المخدرة فيما ادعت أو ادعى عليها إلا التي لا تخرج نهاراً وإن مستولدة قليلاً إلخ. ومحل القولين فيما إذا كانت مطلوبة وإلا فإن كانت طالبة كما لو أرادت الحلف مع شاهدها خرجت ليلاً قاله (ت) وقول ابن العطار حسبما في القلشاني على الرسالة معنى قولهم: لا يخرجن أي لا يخرجن مشتهرات. وإلاَّ فالتي تخرج غير مشتهرة حكمها حكم من لا تخرج ألبتة إلخ. معناه حكمها حكم من لا تخرج بالنهار ألبتة كما فهمه الأجهوري أي فيلزمها الخروج ليلاً كما مر، وليس معناه حكمها حكم من لا تخرج أصلاً لا ليلاً ولا نهاراً كما قيل: لأنه يكون الراجح فيها حينئذ أن تحلف في بيتها كما مرّ، ويلزم عليه أن لا تخرج إلا ليلاً تحلف في بيتها من باب أولى لأنها أبلغ في الستر فتأمله والله أعلم. وعلى هذا يحمل قول ابن رشد وعندي في خروج المرأة إلى الجامع بالنهار كشف لها ولحالها وإن كانت تخرج بالنهار لأنها إذا خرجت للحلف عرف أنها فلانة بخلاف ما إذا خرجت لغير ذلك، وقد أخبرني بعض الفقهاء أنها وقعت بتونس وأنه وجد فيها نصاً. اهـ. لكن كلامه ظاهر في أنه في التي تخرج بالنهار غير مشتهرة كما مرّ عن الأجهوري، وأما التي تخرج به مشتهرة فلا تأتي فيها علته المذكورة والله أعلم. فإن تنازعا في الخروج فعليها الإثبات أنها من أهل الحجاب، وأنها ممن يحلف ليلاً كما في التبصرة عن المتيطية.
وقَائِماً مُسْتَقْبِلاً يكُونُ ** مَنِ اسْتُحِقَّتْ عِنْدهُ اليَمينُ

(وقائماً مستقبلاً يكون من استحقت) بالبناء للمفعول صلة الموصول الذي هو اسم يكون وما قبلها خبرها (عنده) يتعلق بما قبله (اليمين) نائب الفاعل وأل للعهد والمعهود اليمين المتقدمة، أما القيام فلابد منه فإن حلف جالساً أو مضطجعاً أو منحنياً لغير عذر لم تجزه على المشهور خلافاً لابن كنانة في عدم اشتراطه القيام، والظاهر أن محل الإجزاء إذا كان جاهلاً بأنها تغلظ بما ذكروا لا أجزأت لأنه قد رضي حينئذ بإسقاط حقه من التغليظ بذلك وانظر إذا قلنا بعدم الإجزاء هل يعيدها مطلقاً أو بالقرب فقط كمسألة من حلف لخصمه بالطلاق تغليظاً عليه المشار لها بقول اللامية. ومن يحلف بلا من له العلا أعاد بقرب إلخ. وأما الاستقبال فصرح في المدونة بأنه لا يجب، وعليه عول (خ) فقال: وبالقيام لا بالاستقبال، وروى الأخوان وجوبه لأنه يحصل الإرهاب، وعليه عول الناظم لكونه المعمول به كما في المفيد وابن سلمون وغيرهما. وهذا حيث وجبت اليمين في الجامع، فإن لم تجب فيه لكون الحق أقل من ربع دينار لم يجب قيام ولا استقبال بل يحلف في أي موضع حكم عليه فيه كما يأتي.
تنبيه:
إذا لم تجزه اليمين لعدم قيامه أو استقباله وقطع رب الحق عن رضاه باليمين وأراد إقامة البينة فله ذلك على ما لابن عتاب لا على ما لابن رشد كما مرّ في أنواع الشهادات، وأحرى أن يكون له ذلك لو بادر خصمه قبل أن يطلب منه.
وهي وإنْ تَعَدَّدَتْ في الأَعْرَافِ ** على وِفَاقِ نيَّةِ المُسْتَحْلِفِ

(وهي) أي اليمين التي تقطع بها الحقوق ويحكم بها الحكام (وإن تعددت) أي تنوعت إلى يمين تهمة وقضاء ومنكر وشاهد (في) القول (الأعرف) وهو قول الأكثر (على وفاق نية المستحلف) خبر عن قوله هي والمجرور قبله يتعلق بالاستقرار في الخبر المذكور والواو في قوله: وإن للحال وهو مقدم من تأخير والتقدير وهي كائنة على وفق نية الطالب في القول الأعرف، وإن تعددت فإذا أنكره في دين أو وديعة مثلاً وحلف لا شيء له عندي ونوى حاضراً أو في الدار مثلاً لم ينفعه ذلك بإجماع كما في ابن سلمون عن ابن رشد قال: وهو آثم عاص لقوله عليه السلام: (من اقتطع حق امرئ بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار). قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك) قالها ثلاثاً. وهذه هي الغموس المشار لها بقول (خ) وغموس: بأن ظن أو شك وأحرى مع التحقق وما تقدم من الإجماع حكاه في ضيح عن ابن زرقون أيضاً. وحكى العلامة بهرام في الوسيط عن ابن زرقون قولاً بأنها تنفعه نيته فإليك النظر في أي النقلين أحق، وأما إن لم يقطع بها لغيره حقاً. فأقول فقيل على نية الحالف، وقيل إن طلب باليمين فعلى نية المحلوف له، وإن كان متطوعاً فعلى نية الحالف وقيل بالعكس انظر (ح) والشامل في باب اليمين.
وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ ** فيهِ وَبالله يَكُونُ الْحَلِفُ

(وما) مبتدأ (يقل) عن ربع دينار صلته (حيث كان) الحالف (يحلف فيه) خبر المبتدأ والظرف يتعلق به أي يحلف الرجل في مكانه المقضى عليه فيه والمرأة في بيتها، وظاهره أنه لا يلزمه قيام ولا استقبال وهو كذلك كما في التبصرة وأشار لبقية صفة اليمين بقوله: (وبالله يكون الحلف) أي صفة اليمين المغلظة أن يقول في الجامع قائماً مستقبلاً: بالله الذي لا إله إلا هو ويكون مضارع كان التامة وتقديم معمولها يؤذن بالحصر أي يوجد الحلف بالله لا بغيره من أسمائه تعالى كقوله: بالرحمن الذي لا إله إلا هو ولا بغير أسمائه تعالى كالنبي والكعبة والعرش والكرسي وكل مخلوق معظم شرعاً وأحرى غير المعظم كاللات والعزى فلا توجد ولا تنعقد، بل يحرم الحلف بها فضلاً عن كونها تقطع الحقوق لقوله عليه الصلاة والسلام: (من كان حالف ً فليحلف بالله أو ليصمت)، بل إن قصد بالحلف بالعزى ونحوها التعظيم فكفر وما مرّ من جواز التحليف بالطلاق هو من باب قولهم تحدث للناس أقضية، وحينئذ فلا ينافي هذا ما أشار له في اللامية بقوله: ومن يحلف بلا من له العلا أعاد بقرب لكون ما هنا فيما إذا كان بحكم لكون الحالف لا ينزجر إلا به فكانت يميناً جازية في القرب والبعد بخلاف ما في اللامية فإنه ليس من الباب المذكور لكون الحالف ممن ينزجر باليمين بالله ولم تكن بحكم. هذا هو الظاهر والله أعلم على أن ما ذكره في اللامية أصله لابن سهل. قال ابن رحال في حاشيته: هنا ما لابن سهل. إنما هو من باب إسقاط الإنسان حقه إن كان عالماً فلا إشكال وإلا فهو مفرط في السؤال. اهـ. وتأمل قوله: وإلا فهو مفرط إلخ. مع أن من ادعى الجهل فيما يجهله أبناء جنسه صدق، وقول الناظم: بالله يعني مع صفته فهو من باب الاقتصار على صدر القول لشهرته كقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) يعني بآخرها وهو محمد رسول الله، وقوله: من قرأ الحمد لله رب العالمين يريد إلى آخرها وإنما قلنا ذلك لأن المعروف في المذهب المنصوص كما للمازري وغيره أنه لا يكفي بالله فقط ولا بالذي لا إله إلا هو فقط حتى يجمع بينهما خلافاً للخمي في قوله: إنها كافية في الوجهين معاً. قال: لأنه لا خلاف أنها يمين تكفر إن حنث فيها. ابن عرفة: لا يلزم من كونها تكفر أن تجزي في قطع الحقوق لاختصاص يمين الخصومة بالتغليظ، ولا مفهوم للباء في قوله بالله بل غيرها من حروف القسم كالواو والتاء ونحوهما كذلك انظر (ح) ثم إن الاقتصار على بالله مع صفته ولو كان الحالف كتابياً هو المشهور، وقيل لا يقتصر الكتاني على ذلك كما قال:
وَبَعْضُهُمْ يزيدُ لِلْيَهُودِي ** مُنَزِّلُ التَّوْرَاةِ لِلَّتشْدِيدِ

(وبعضهم) مبتدأ (يزيد لليهودي) في يمينه على بالله الذي لا إله إلا هو (منزل التوراة) على موسى (للتشديد) عليه ومنزل مفعول يزيد والجملة خبر.
كما يَزِيدُ فيهِ للتَّثْقِيلِ ** عَلَى النَّصَارَى مُنْزِلَ الإنْجِيلِ

(كما يزيد) البعض المذكور (فيه) أي في اليمين (للتثقيل على النصارى منزل الإنجيل) على عيسى والقول بزيادة ما ذكر رواه الواقدي عن مالك. وكان القاضي أبو عبد الله الأبدي يغلظ بالتوراة التي تسميها اليهود المجلجلة فينكلون عن اليمين بها ويستخرج الحق بسبب ذلك لكونهم يعظمونها أكثر من غيرها، وكذا يقال في النصارى إذا كانوا يعظمون بعض أناجيلهم أكثر من غيره، وهذا هو الحق لأن المدار في الأيمان على ما يعظمه الحالف فيحمل الخلاف على ما إذا كان اليهود والنصارى لا يرتهبون بالزيادة المذكورة وإلاَّ وجبت، كما أن أهل البلد من المسلمين إذا كانوا يعظمون مسجد من مساجدهم أكثر مما يعظمون جامعهم فإنهم يجبرون على الحلف به كما لابن ناجي وغيره، ومن أبى ذلك عد ناكلاً كما مر، بل تقدم أنه إذا كان لا يرتهب إلا بالطلاق أو بالمصحف كلفه الحاكم بذلك والله أعلم وما مر من أنهما لا يزيدان على الموصوف والصفة شيئاً وإنهما لابد أن يجمعا بينهما كالمسلم هو ظاهر المدونة (خ) وتؤولت على أن النصراني يقول بالله فقط أي لأنهم لا يوحدون كاليهود وعلى أنهما معاً يقولان بالله لا غير والكاف للتشبيه وما مصدرية والمجرورات الثلاث تتعلق بيزيد وهل يجمع المجوسي بين الصفة والموصوف كالمسلم والكتابي أو يقتصر على بالله؟ قولان. أرجحهما الثاني ولا يكون واحد منهم مؤمناً بسبب اليمين المذكورة، وما يقال من أن المجوسي ينفي الصانع فلا يكلف أن يحلف بالله غير سديد لأن الصانع مما اتفقت فيه الملل كلها على وجوده كما للتفتازاني وغيره.
وَجُمْلَةُ الكُفَّارِ يَحْلِفُونَا ** أَيْمَانَهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَا

(وجملة الكفار) من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم (يحلفونا أيمانهم) الواجبة عليهم لمسلم أو كافر (حيث يعظمونا) من الأمكنة كالكنيسة لليهودي والبيعة للنصراني وبيت النار للمجوسي، ومن ذلك يوم السبت كما في الدعاوى والأيمان من المعيار ونحوه لابن هلال في نوازله، وهو ظاهر النظم، وظاهره أنهم يجبرون على القيام والاستقبال لقبلتهم ومن كان منهم بالبادية لا يجد موضعاً يعظمه يجلب لأقرب موضع يعظمه وإلاَّ حلف حيث هو وأنها لا تغلظ عليه بذلك إلا في ربع دينار فأكثر وجملة يحلفون خبر عن قوله جملة والظرف يتعلق به وجملة يعظمون في محل جر بحيث. ولما أفهم كلامه فيما مر أن التغليظ بالزمان غير معتبر أفاد أنه قد يغلظ به في بعض الحقوق فقال:
وَمَا كَمِثْلِ الدَّمِ وَاللِّعَانِ ** فِيهِ تَحَرِّي الْوَقْتِ والْمَكَانِ

(وما) كان من الأيمان في الحقوق العظام (كمثل الدم) أي القسامة أو تحليف القاتل الولي على العفو (واللعان فيه) خبر عن قوله (تحري الوقت) والجملة خبر ما، وظاهره أن التغليظ بالوقت في هذين واجب بالقضاء لمن طلبه، وحكي عليه في الشامل الاتفاق فقال: وغلظت على مسلم في دم ولعان بجامع ووقت صلاة اتفاقاً ونحوه في ضيح، ونقل ابن عرفة ذلك عن ابن حبيب، وابن القاسم وأصبغ وابن كنانة إلا أنه ألحق في رواية ابن كنانة المال العظيم بهما ونحوه في الجواهر، وظاهر المدونة عدم التغليظ بالزمان فيهما كما لابن ناجي، والذي في المعونة أن التغليظ بالزمان فيهما مستحب ونحوه لابن فرحون في تبصرته عن مالك في غير المدونة وهو الموافق لقول (خ) في اللعان، وندب أثر صلاة، وذكر ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن رشد، أن كون القسامة بعد صلاة العصر يوم الجمعة كما قيل: هو الذي به العمل قال ابن رحال: واللعان مثلها كما لا يخفى وظاهر ما به العمل أنه على وجه الوجوب كما هو ظاهر النقل يعني المتقدم عن ابن كنانة وغيره فيتحصل ثلاثة أقوال: وجوب التغليظ كما هو ظاهر المصنف وبه العمل وعدمه لظاهر المدونة وهو ظاهر (خ) في مختصره في الشهادات واستحبابه كما في المعونة وعليه عول (خ) في اللعان، وإنما خصوا العصر بما ذكر لما روي أن الأيمان بعد العصر ليست لها توبة. وروي الأيمان تكون بعد الظهر والعصر في القسامة واللعان والعصر أشدهما قاله في الوثائق المجموعة. (والمكان) عطف على الوقت، والمراد به الجامع أي أعظم مواضعه كما مرّ. وفي الرجراجي ما نصه: فأما أيمان القسامة واللعان فتغلظ بالزمان والمكان فمن كان من أهل مكة والمدينة وبيت المقدس فإنهم يجلبون إليها حيثما كانوا، وأما أهل الآفاق فإن كانت مواضعهم قريبة كالعشرة أميال جلبوا إليها واختلف فيما فوق العشرة إلخ. فالمراد بالمكان الجامع أي أعظم مواضعه كما مر، ومفهومه أنها لا تغلظ في غير ما ذكر بالزمان وقد تقدم ما في ذلك فانظره.
وَهْيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ أَوِ الْقَضَا ** أَوْ مُنْكِرٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ رِضَا

(وهي) أي اليمين المتوجهة بالحكم فهي مبتدأ خبره محذوف أي أربعة أقسام (يمين تهمة) بدل مفصل من الخبر المذكور وهي المتوجهة في الدعوى غير المحققة على المشهور من أقوال تأتي وإيجابها استحسان كما لابن رشد قال: والقياس عدم وجوبها لقوله عليه السلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر). (أو) يمين (القضا) ء وهي المتوجهة على من ادعى على ميت أو غائب أو صغير أو مسكين أو مسجد استحساناً أيضاً، ومنها المتوجهة في استحقاق غير العقار أو فيه على ما لناظم العمل حيث قال:
كذا في الاستحقاق للأصول ** القول باليمين من معمول

وإنما كانت منها كما لابن رشد وغيره لأن كلاَ منهما لرفع احتمال القضاء أو الخروج عن اليد فهما لرد دعوى مقدرة كما مرّ في أول أنواع الشهادة (أو) يمين (منكر) وهي المتوجهة لرد دعوى محققة لقوله عليه السلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر). كما تقدم عند قوله: والمدعي مطالب بالبينة إلى قوله والمدعى عليه باليمين الخ (أو) يمين (مع شاهد رضا) قام للمدعي في المال أو ما يؤول إليه الخبر: أمرني جبريل أن أقضي بالشاهد واليمين. وقد تقدم الخلاف فيه عند قوله: ثانية توجب حقاً مع قسم. إلخ. وفائدة تعداد هذه الأيمان كما للشارح تمييز بعضها من بعض لما يعرض لها من قلب ونحوه حسبما تراه إن شاء الله. ومحل وجوب اليمين مع الشاهد إذا لم يقر الخصم بعدالته وإلاَّ فلا يمين لأن إقراره بالعدالة كالإقرار بالحق كما مرّ عند قوله: وفي الشهود يحكم القاضي بما إلخ. وفي ابن سهل لو قال: رضيت بشهادة فلان فشهد عليه فإن أنكر شهادته في الحين وقال: ظننت أنه لا يشهد إلا بالحق فلا تمضى شهادته عليه وإن لم ينكر بل سكت سكوتاً يدل على رضاه بشهادته مضت عليه. اهـ. ولما فرغ من أقسامها شرع في بيان محل وجوب كل قسم منها على اللف والنشر المرتب فقال:
وَتُهْمَةٌ إنْ قَويتْ بِهَا تَجِبْ ** يَمِينُ مَتْهُومٍ وَلَيْسَتْ تَنقَلِبْ

(وتهمة) لو فرعه بالفاء لكان أولى وهو مبتدأ سوغه قوله (إن قويت) لأن الشرط في معنى الصفة أي وتهمة قوية (بها) يتعلق بقوله: (تجب يمين متهوم) فاعل. والجملة خبر ومفهوم الشرط أنها تسقط إذا ضعفت ففي نوازل الدعاوى والأيمان من المعيار عن العبدوسي أن التهمة على قسمين تهمة في دعواها معرة كالاتهام بالسرقة فهذه لا تلحق من لا تليق به ممن شهد فيه بالخير ومخالطة أهله ومجانبة أهل الشر وتهمة في غير ذلك، فهذه تلحق اليمين فيها جميع الناس برهم وفاجرهم على القول باليمين في التهمة وهو المشهور، وبه القضاء وعليه العمل. واستحسن ابن رشد أنها إن قويت لحقت وإلاَّ فلا وهو قول ثالث. وهذا يعرف عند نزوله فلابد من بيان التهمة التي اتهم المطلوب بها وبيان حاله من التبريز في العدالة أو مطلق العدالة ومعرفته بالخير ومخالطته أهله دون ثبوت تزكية بحيث لا يكون ما شهد به تزكية له أو جهل حاله أو معرفته بالشر وسوء الظنة. اهـ. وقوله: فلابد إلخ. به تتضح قوة التهمة وعدمها ويفهم منه أن المبرز في العدالة لا يمين عليه كانت الدعوى مما فيه معرة أم لا. وتتوجه على غيره بما لا معرة فيه مطلقاً. وهذا هو المنصوص لمالك في المبسوط وهو اختيار اللخمي، وبه أفتى الغوري حسبما في المعيار، وعليه يحمل قول ابن مرزوق في جواب له. الراجح عندي في هذا الوقت وجوب اليمين أي يمين التهمة مطلقاً إذا تقرر هذا فقوة التهمة مختلف فقوتها فيما فيه معرة بكونها على من تليق به فلا تلزم إلا من كان معروفاً بالشر وسوء الظنة وقوتها فيما لا معرة فيه بكونها على غير المبرز في العدالة المنقطع في الخير والصلاح. وقول الناظم: إن قويت يشمل الصورتين، وكذا قول ناظم العمل:
ودون تحقيق الدعاوى أيمان ** تهمته تقوى لغير مختان

وحينئذ فلا اعتراض خلافاً لما في الشراح من أنه درج على ما لابن رشد وإن كان ما لابن رشد هو قول (خ) في الإيداع وحلف المتهم وهو دليل شفعتها في الشفيع يقول: أخاف أن يكون قد باعه في السر وأشهد له بالصداقة ليقطع شفعتي قال مالك: إن كان المشتري ممن لا يتهم بمثل هذا فلا يمين وإلا حلف. اهـ. وعليه حمل ابن فرحون قول أبي الحسن الصغير المشهور وجوب اليمين بمجرد التهمة لأنه قال عقبه: الظاهر أنه يريد بعد إثبات كون المدعى عليه ممن تلحقه التهمة بذلك ثم نقل عن ابن الهندي أن المطلوب لا يحلف في التهمة حتى يثبت الطالب أنه ممن يتهم بذلك، فهذا القول وإن كان مذهب المدونة واختيار ابن رشد وشهره أبو الحسن على ما استظهره ابن فرحون لا ينبغي حمل الناظم عليه، والفرق بينه وبين الذي قبله أن ما لا معرة فيه تتوجه فيه اليمين على الأول مطلقاً ولا يستثنى من ذلك إلا المبرز بخلافه على هذا، فلا تتوجه إلا على من ثبتت تهمته، والقول الثالث عدم توجه يمين التهمة مطلقاً. وفي الطرر لأبي إبراهيم في باب الوكالة أنه المشهور نقله في التبصرة وهو الموافق لقول الناظم فيما مرّ تحقق الدعوى مع البيان إلخ. وعلى توجهها مطلقاً أو في المتهم فإن نكل غرم بمجرد نكوله على المشهور. (وليست تنقلب) على الطالب بالنكول ولا بصريح القلب على المشهور، وقيل تنقلب ويحلف على غلبة ظنه وقيل لا غرم عليه بالنكول بل يسجن أبداً حتى يحلف ثم المسلمون في دعوى الغصب والتعدي محمولون على العدالة حتى يثبت خلافها أي: وهم في الشهادة على الجرحة حتى تثبت العدالة قاله ابن لبابة وغيره، وتأمله مع قول العبدوسي: فمن شهد فيه بالخير إلخ. فإنه بظاهره يقتضي أنهم فيما فيه معرة محمولون على غير العدالة، وشمل قول الناظم: وتهمة إلخ. ما قاله ابن زرب وكان يحكم به، ويقول: إنه من الدقائق كما في التبصرة والمعيار وهو أن الرجل إذا ادعى على آخر بدعوى تهمة فإن للمطلوب أن لا يحلف حتى يحلف المدعي أنه قد ضاع له ما ادعاه، لأن من حجته أن يقول: اتهمتك بأنه لم يضع لك شيء وإنما تريد أن تخرجني باليمين انتهى باختصار. وبالجملة فكل منهما اتهم الآخر ويفهم من تعليله أنه لا خصوصية للاتهام بعدم الضياع بل كذلك لو سلم له الضياع واتهمه بعدم الاتهام، وقد يقال: إن هذا يؤدي للتسلسل فتأمله والله أعلم. وشمل قوله: وليست تنقلب يمين القضاء ويمين الاستحقاق لأن كلاًّ منهما يمين بتهمة، وشمل أيضاً ما لو ماتوا في سجن أو بيت فسرق أحدهم فليس على من عداه إلا اليمين فإن حلفوا برئوا ومن نكل فعليه الغرم بمجرد نكوله، وقوله: وليست تنقلب يريد على الوجه الذي توجهت، وأما على غيره فتنقلب، فإذا خلا الرجل بزوجته ومات وطلبت باقي صداقها واتهمت الورثة بأنهم يعلمون باقيه فإن حلفوا وإلاَّ ردت عليها من غير خلاف، ولكن لا تحلف أنهم عالمون به بل تحلف أنها ما قبضته ولا أسقطته، فهذه ترجع على غير ما نكل عنه الورثة، وكذا إذا اتهم رجل آخر بالسرقة مثلاً فإن للمطلوب أن يقول له احلف أنت أنه لقد ضاع لك ما تدعيه وأنك تتهمني به وأنا أغرمها لك فله ردها بهذا المعنى، كما أفتى به ابن المكوي وغيره، وحكم به عياض كما في دعاوى المعيار وليس له ردها على حسب ما توجهت فيقول احلف أني قد سرقتها وأغرمها لك ويمكن أن يكون هو معنى قول العمل:
وقل له احلف لي قد اتهمتني وأنه ضاع الذي ألزمتني وأن يمين التهمة ترد بهذا المعنى دون غيره، ويحتمل أن يكون مراده أن للمتهم أن يقول للطالب لا أحلف حتى تحلف على ما ذكر كما مرّ عن ابن زرب إلا أنه ليس في كلام ابن زرب زيادة الحلف على التهمة فيترجح الحمل الأول، وعليه فإنما احتيج لتلك الزيادة لإمكان كون الطالب عرف آخذ متاعه أو لم يعرفه واتهم به غير هذا المطلوب، ولكن أراد تعيينه باليمين مع علمه ببراءته.
قلت: وهذا يقتضي أنه إذا سلم له الضياع ونازعه في الاتهام فقط له أن يحلفه عليه ويغرم، وهو كذلك إذ ذاك حق من حقوقه وعليه فغالب دعاوى الاتهام أو كلها ترد فيها اليمين بهذا المعنى، فللمشتري في مسألة الشفعة المتقدمة أن يقول: احلف أنك اتهمتني بالشراء وخذ بالشفعة وله أن يقول في الرد بالعيب: احلف أنك اتهمتني باستخدام الدابة أو الرقيق بعد علمي بعيبهما وأسقط عنك الرد، وهكذا فترد اليمين في ذلك كله على غير ما توجهت.
ثم أشار إلى بيان محل يمين القضاء فقال:
وَلِلَّتِي بِهَا الْقَضَا وُجُوبُ ** فِي حَقِّ مَنْ يُعْدَمْ أَوْ يَغِيبُ

(وللتي بها القضا) ء مبتدأ خبره في المجرور والجملة صلة الموصول وفي الكلام حذف أي ولليمين التي بها نفي القضاء، والمراد بالقضاء قضاء الدين وما في معناه كنفقة الزوجة لا الحكم (وجوب) مبتدأ خبره الموصول المجرور (في حق من يعدم) بفتح الدال صلة من والمجرور يتعلق بالاستقرار في الخبر (أو يغيب) معطوف أي غيبة بعيدة ولو حكماً وقد تسقط وذلك فيما إذا أوصى أن يقضي دينه من ثلثه قاله ابن الهندي ونحوه لابن سلمون وكذا إن أقرّ بديون لقوم وأوصى أن يصدقوا بدون يمين على قول ابن القاسم كما في اللامية، وأفهم قوله: وجوب أن من دفع ديناً على ميت أو غائب دون يمين ضمنه وهو كذلك إن تعذرت يمين القابض وظاهره كغيره وجوبها ولو غاب قبل حلول الأجل وهو كذلك لأنها للتهمة، وقيل لا يمين عليه. وانظر (ح) في باب الصلح وأن الوكيل ليس له أن يصالح عنها إذا لم يفوض له فيه بخلاف الوصي، فله ذلك إن رأى عزيمة عليها. ونقل ذلك البرزلي في الوكالات مبسوطاً وفي نوازل الدعاوى من المعيار هل القاضي كالوكيل في ذلك أو كالمديان؟ وفهم من قوله: في حق من يعدم إلخ. أنها لا تجب في حق الحي الحاضر إلا إن ادعى القضاء وهو كذلك، وقوله: يعدم أي يموت ولا يقرأ بكسر الدال لأن المفلس وإن كان يحلف مع بينته، لكن ليس حلفه لنفي القضاء، وهذه اليمين لرد دعوى مقدرة كما مرّ فيحلف ما قبضت من هذا الدين شيئاً ولا استحلت به ولا أحلت به أحداً ولا وهبته ولا شيئاً منه ولا قدمت أحداً يقبضه منه وأنه لباق عليه إلى الآن، فإن مات رب الدين فيحلفها من يظن به العلم من الورثة الكبار فقط لكن يحلف على نفي العلم فقط كما يأتي في قوله: وإن نفى فالنفي للعلم كفى. وظاهر النظم وجوبها ولو للولد على والده كالمرأة تطلب دينها على زوجها الميت والمحيط بإرثه هي وأولادها فقط، وهو كذلك كما في البرزلي قائلاً لأنها مدعية فحكمت السنة بحلفها، وظاهره أنها تجب ولو ثبت الدين بإقرار مات بإثره وهو ما يقتضيه التعليل المتقدم من أنها في مقابلة دعوى الإبراء والإخالة ونحوهما، وهذا واضح إذا أقر بشيء في ذمته وأما إن أقر بشيء معين فلا إشكال في عدم يمينه وعليه يحمل ما في (ح). وقد صرح بذلك في الباب الخامس من القسم الثاني من التبصرة فانظره فيه، وظاهره أيضاً وجوبها. ولو أقر الورثة الكبار ببقاء الدين وهو كذلك إن كان الإقرار بعد الرفع للحاكم فإن أقروا قبله فكذلك ويضمن الدافع حصة الصغار إن دفع بدونها.
تنبيه:
فإذا اشترط رب الدين سقوط هذه اليمين فذلك جائز في صلب عقد البيع وما جانسه لا في القرض مطلقاً لأنه في العقد سلف جر نفعاً وبعده هدية مديان كبعد العقد في البيع ونحوه. انظر التبصرة في الباب التاسع والعشرين وانظر التزامات (ح) فإنه ذكر في المسألة ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يكون المشترط مأموناً فيوفى له بالشرط وإلاَّ فلا. وذكر عن ابن ناجي أن العمل على القول بأعمال الشرط مطلقاً، وذكر هو أن القول بعدم أعماله أرجح، وانظر ما يأتي في الصلح والضمان.
وَلاَ تُعَادُ هذِهِ الْيَمِينُ ** بَعْدُ وَإنْ مَرَّ عَلَيْهَا حينُ

(ولا تعاد هذه) نائب الفاعل (اليمين) نعت أو عطف بيان أو بدل (بعد) بالضم مقطوع عن الإضافة يتعلق بتعاد (وإن مر عليها حين) فاعل بقوله: مر، والمجرور يتعلق به، والواو للمبالغة أي لا تعاد يمين القضاء على الطالب بعد حلفها ولو مضى زمان طويل بين حلفها ودفع الدين لعدم طروء الشك الموجب لها، إذ الفرض أنه لا زال غائباً، وفهم منه أنه إذا قدم بعد الحلف ثم غاب قبل الدفع أو بعد ما بين نجوم الدين بحيث يمكن أن يكون اقتضى النجم الثاني أو وكل عليه فتعاد وهو كذلك لأن الشك حينئذ حاصل كما كان أول مرة.
تنبيهات:
الأول: إذا حلف الطالب يمين القضاء وباع الحاكم عقار الغائب ونحوه للدين فقدم الغائب وأثبت البراءة، فإن البيع لا ينقض ويرجع بالثمن على الغريم إلا أن يكون المبيع لم يتغير عن حاله فيكون أحق به بالثمن على الراجح كما يأتي في فصل البيع على الغائب إن شاء الله.
الثاني: إذا وقف القاضي متاع الغائب لقضاء دينه فغاب رب الدين وقدم الغائب في حال غيبته وادعى الملاء فدفع القاضي له المال الموقوف فهرب به ثم قدم رب الدين فإن لرب الدين الرجوع على القاضي لأنه دفع ما لا تعلق به حق الغير تعلق استيفاء كالأمين في الرهن قاله في المعيار.
الثالث: لو ادعى رب الدين أن للغائب مالاً بيد رجل وديعة أو بوكالة وأثبت ذلك فإن أقر من هو بيده أنه للغائب قضى منه دينه بعد اليمين قاله سحنون، وعليه العمل. ونقل عنه ابن اللباد أنه لا يقضي منه دينه وهو قول ابن المواز وابن عبد الحكم قال أبو عمران: وهو القياس لأنه لو حضر الغائب وقال: الوديعة لغيري لم يكن لرب الدين فيها شيء قاله في المتيطية. قلت: وهذا الخلاف لو ادعى رب الدين على شخص أنه وهب مالاً للغائب في حال غيبته وأثبت ذلك أو سأل يمين الواهب فإنه لا يقضى له بشيء من ذلك إذ لا يدري هل يقبل الغائب الهبة فتكون من ماله أم لا؟ وهو لا يجبر على قبولها لقضاء الدين قاله في المعيار وهو معنى قول (خ): ولا يلزم أي المفلس بتكسب أو تسلف إلخ. وهذه الفروع وإن كان لها تعلق بفصل الغائب الآتي فلها تعلق بما هنا أيضاً لأن نفس اليمين لها تعلق به.
ثم أشار إلى يمين المنكر فقال:
وِلْيَمِين أيُّمَا إعْمَالِ ** فِيمَا يَكُونُ مِنْ دَعَاوى المالِ

(ولليمين) خبر (أيما أعمال) صفة لمبتدأ محذوف وما صلة أي ولليمين أعمال أي أعمال (فيما) يتعلق بالاستقرار في الخبر (يكون) مضارع كان التامة (من دعاوى المال) يتعلق به وشمل قوله دعاوى دعوى تعمير الذمة أو إخلائها كقوله: قضيتك أو دعوى البيع أو الشراء أو الإجارة أو العارية ونحو ذلك فإن القول لمنكر العقد إجماعاً مع يمينه بدليل الاستثناء الآتي، وما في التبصرة من أنه لا يمين على منكر عقد البيع والمساقاة والشركة لا معول عليه ولعله مبني على القول باشتراط الخلطة. وقوله: المال أي ما يؤول إليه كالأجل والخيار ونحوهما كما مرّ. وظاهر قوله في المال: ولو أدى لغير المال كدعوى المكاتب على سيده أداء نجم ونحوه وهو كذلك كما مرّ عند قوله ثانية توجب حقاً مع قسم. واحترز بقوله: المال من دعاوى غير المال كدعوى الشتم أو ادعت الزوجة أن زوجها يضربها كما في ابن سلمون في شرط الضرر، وانظر الفائق. وقد تقدم أن ما ليس بمال ولا آيل إليه لا يمين فيه ويستثنى من ذلك جراح العمد فتجب فيها اليمين وإن لم تكن مالاً ولا آيلة إليه ويدخل فيه ما إذا طلب منه اليمين على مال أنكره فيه، فزعم المطلوب أنه قد كان حلف. (خ) وله يمينه أنه لم يحلفه أولاً. إلخ. المازري وبه الفتوى والقضاء عندنا وله رد اليمين عليه أنه قد استحلفه ثم لا يحلف مرة أخرى. اهـ. وأفتى اللخمي بأن لا يمين على الطالب. واختاره ابن رحال وعليه درج ناظم العمل حيث قال:
ولا يمين حيث قال احلف لي ** إنك ما حلفتني من قبلي

قلت: وفيه مراعاة دعوى أحد الخصمين دون الآخر بلا دليل ولا مرجح، فالواجب التمسك بما للمازري ثم استثنى من عموم قوله: فيما يكون من دعاوى المال. قوله:
إلاَّ بِمَا عُدَّ مِنَ التَّبَرُّعِ ** مَا لَمْ يَكُنْ فِي الحَالِ عِنْدَ المُدَّعِي

(إلا) استثناء والباء في قوله (بما) بمعنى في وجملة (عد) بالبناء للمفعول صلة والتقدير إلا في الدعاوى التي تعد (من التبرع) كدعوى الهبة والصدقة فلا يمين فيها على المشهور خلافاً للجلاب في أنها تتوجه في التبرع فإن نكل المطلوب حلف الطالب وأخذه وشمل قوله: التبرع دعوى هبة اليمين وإبرائه منها، ولاسيما إن علم تقدم الخصام بينهما كما في نوازل الدعاوى والأيمان من المعيار والتبرع ما كان من غير سؤال، والتطوع ما كان عن سؤال وكلاهما معروف قاله أبو الحسن في باب الحمالة، والناظم أطلق التبرع على ما يعم التطوع (ما) ظرفية مصدرية (لم يكن) صلتها أي مدة عدم وجوده (في الحال) أي حال الدعوى (عند المدعي) وفي حوزه وإلاَّ وجبت اليمين حينئذ كانت الدعوى في معين أو في الذمة. ابن عرفة عن الباجي دعوى المدين هبة رب الدين دينه توجب يمينه اتفاقاً.
قلت: وكذا من ادعى هبة ما بيده من معين. اهـ. الباجي: ويصحح هذا أن من استحق عرضاً بيد رجل لا يحكم له به حتى يحلف أنه ما باع ولا وهب إلخ. وشمل كلام الناظم النحلة والعارية والإسكان والعمرى والإخدام والحبس والوصية فلا يمين في ذلك كله إلا أن يكون بيد المدعي حال التداعي قاله الرعيني، قال: وقد قال مالك فيمن تصدق بنخل مثمر فقال المتصدق عليه الثمرة لي، وقال الآخر: إنما تصدقت بالأصل دون الثمرة إن القول للمتصدق بيمينه وإلا حلف الآخر وأخذ الثمرة اه باختصار. ولا يدخل في كلامه القرض والحوالة والكفالة بعد العقد والإقالة على الثمن الأول وإن كان الكل معروفاً إذ التبرع هو ما لا معاوضة فيه، وهذه فيها معاوضة إذ أدنى مراتبها الكفالة وهي يرجع فيها بما أدى.
ولما لم تدخل هذه في كلامه نبه على لحوق بعضها بالتبرع على ما أفتى به ابن عتاب وابن القطان فقال:
وَفي الإقَالَةِ ابْنُ عَتَّابِ يرى ** وُجُوبِهَا بشُبْهة مُعْتَبَرا

(وفي الإقالة ابن عتاب) مبتدأ وجملة (يرى) خبره (وجوبها) مفعول أول وفي الإقالة يتعلق به أو بيرى (بشبهة) يتعلق بقوله: (معتبراً) بفتح الباء مفعول ثان ومن بعض النسخ لشبهة باللام بدل الباء فمعتبراً بكسرها حال وهو أظهر من نسخة الباء، قال ابن رشد في نوازله: أما دعوى الإقالة فمن دعوى المعروف، وقد اختلف فيها شيوخنا فمنهم من ذهب إلى أن ما وقع من ذلك في الأمهات اختلاف قول وأنها مسألة ذات قولين من غير تفصيل، ومنهم من قال ليس ذلك باختلاف بل المدعى فيه إن كان بيد المدعي أو كان له به تشبث وجبت له اليمين على المدعى عليه، وإلا لم تجب وهو تفصيل حسن له وجه من النظر وهو مراعاة الخلاف في وجوب الحكم بما لم يقبض من الهبات، فالأظهر في دعوى الإقالة وجوب اليمين إذ لا اختلاف في وجوب الحكم بها إلا أن يدعي أنه أقاله فيها قبل التفرق بالأبدان فتضعف اليمين مراعاة لمن يقول: إن البيع لا يلزم إلا بالتفرق بالأبدان انتهى من نسخة أندلسية في غاية الجودة، وسقط من نسخة الشارح التي بيدنا قوله: بما لم يقبض إلى قوله بها. وزاد بعد قوله بالأبدان ما نصه: وكان ابن عتاب يقول: لا تجب اليمين لمدعي الإقالة إلا أن يأتي بشبهة يقوي بها دعواه، وشاهدته يفتي بذلك وقال في ذلك اختلاف، وكذلك كان ابن القطان يفتي أن لا يمين إلا بشبهة. اهـ. إذا تقرر هذا علمت أن ما أفتى به ابن عتاب هو عين التفصيل الذي حكاه ابن رشد عن بعض شيوخه، وعلمت أن ابن رشد استظهر وجوبها مطلقاً، وعليه اقتصر الرعيني في الدعوى والإنكار، وصدر به ابن فرحون في تبصرته وهو ما رجحه الشارح تبعاً لابن سهل فلو قال الناظم:
وفي الإقالة وجوبها ثبت ** في راجح الأقوال كيفما أتت

وانظر ما معنى التشبث ولعله يريد كونه بيد وكيله أو غلامه أو بعض قرابته الذي يسعى في مصالحه، وقول ابن رحال يريد به الدين غير ظاهر، ومعنى قول ابن رشد مراعاة الخلاف في وجوب الحكم الخ أن الهبة التي لم تقبض فيها قولان لزومها بالقول وهو المشهور وعدم لزومها به حتى تقبض وهو مقابله، وهذا الخلاف لا يجري في الإقالة للزومها بالقول قبضت أم لا اتفاقاً لأنها بيع. قلت: وهكذا يقال في القرض لأنه بيع في الحقيقة، وأما الحوالة فهي وإن كانت بيعاً لكن صرح الرعيني بعدم وجوب اليمين فيها، ولعل وجهه كما لأبي العباس الملوي في بعض طرره إن من حجة المطلوب وهو المحال عليه أن يقول: هب أن اليمين توجهت لك علي واعترفت لك بالحوالة فإن دفع المال إليك لا يوجب براءة ذمتي من طلب رب الدين وهو المحيل، ولا أتكلف الدفع إليك مع عدم براءة ذمتي وفي الوكالة من البرزلي: لو قال لفلان علي دين أمر هذا بقبضه لم يحكم على المقر بدفعه لأنه مقر على رب الدين وذلك غير لازم له، وأما الكفالة فصرح في معاوضات المعيار بأن المشهور عدم توجه اليمين عليه فيها قائلاً لأنها من دعوى المعروف كالتبرع والصدقة. اهـ.
وفي المدونة وجوب اليمين فيها بشرط ثبوت الخلطة، وصدر ابن سلمون بأنه إن ادعى عليه أنه تكفل له في صلب العقد وجبت اليمين، وإن ادعى عليه التبرع بعد العقد فلا يمين. قلت: وهذا الذي صدر به لا يخالف المدونة لأنه يلزم من الدعوى بها في صلب العقد الدعوى عليه بمعرفة أصل الدين فهو يدعي عليه حينئذ بها وبمعرفته لأصلها، ووجه ابن يونس ظاهر المدونة بأن الطالب يقول إنما وثقت بمبايعة من لا أعرف لكفالتك إياه، فلذلك وجبت اليمين. اهـ. وهذا التوجيه يدل على أن كلامها في الدعوى في أصل العقد فتبين بهذا كله رجحان ما صدر به ابن سلمون من التفصيل، ولاسيما على ما به العمل من عدم اشتراط الخلطة وهو ظاهر إذا ثبت أصل الحق ولو بالاعتراف من الكفيل، وإلا فمن حجته أن يقول لا شيء لك عليه مما تدعيه إذ فائدة اليمين تظهر في النكول عنها، وهو لو نكل عنها والدين لم يثبت لم يلزمه غرم، وقد قال الجزيري: لا مطالبة لرب الدين على الحميل إلا بعد ثبوت الدين، فإن عجز وزعم أن الحميل يعرف الدين حلف الحميل على علمه وبرئ فإن نكل حلف الطالب أن الحميل يعرف حقه قبل الغريم وغرم، فإذا وجد الحميل الغريم فإن أقرّ له غرم وإلا حلف وبرئ ولا رجوع حينئذ للحميل على الطالب. اهـ.
تنبيه:
فإن اتفقا على الإقالة وزعم البائع أنه أقاله على أنه يرد له أقل من الثمن فالقول للمشتري بيمينه أنه أقاله بمثل الثمن قاله في التبصرة. وتستثنى هذه مما يأتي في اختلاف المتبايعين في قدر الثمن والله أعلم.
وَهذِهِ الْيَمِينُ حَيْثُ تَجِبُ ** يَسُوغُ قَلْبُها ومَا إنْ تُقْلَبُ

(وهذه) مبتدأ (اليمين) نعت أو عطف بيان (حيث) ظرف مضمن معنى الشرط (توجب) بضم التاء وفتح الجيم في محل جر بحيث أي: هذه اليمين إن أوجبها الحاكم على المنكر في المال أو ما يؤول إليه (يسوغ) له (قلبها) فاعل والجملة خبر فإن حلف من قلبت عليه وإلا سقط حقه (وما) نافية (إن) صلة (تقلب) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير اليمين المقلوبة والجملة معطوفة على الخبر أي ليس لمن قلبت عليه أن يقلبها ثانياً، وإلا لم تزل في قلب وشمل اليمين مع الشاهد وغيرها من الدعاوى المحققة المجردة ولا دخل هنا ليمين التهمة ولا ليمين القضاء، إذ لا يقلبان على نحو ما توجهتا عليه كما مرّ، وأشعر قوله يسوغ قلبها أنه إذا قلبها ليس له الرجوع عن ذلك لأنه أسقط حقه منها سواء قلبها بعد الرفع للحاكم أو قبله، وهو كذلك (خ): وإن ردت على مدع وسكت زمناً أي ولو طويلاً فله الحلف.
تنبيه:
قال في التبصرة: إذا وجبت لرجل يمين على امرأة من ذوات الحجاب ووجبت لها هي يمين عليه فأرادت أن تحلف ليلاً وأن تحلفه نهاراً فقال الرجل: أخاف أن أحلف لها نهاراً فترد على اليمين ليلاً فأحلف مرتين مرة في النهار ومرة في الليل، فإن المرأة إذا التزمت أنها لا ترد اليمين حلف لها الرجل نهاراً وحلفت المرأة ليلاً وهذا نص في أن التزامها لعدم الرد يلزمها. اهـ.
ثم إن الحالف لا يخلو إما أن يثبت لنفسه حقاً أو ينفي عنها أو يثبت لغيره أو ينفي عن ذلك الغير، ففي الثلاث الأول يحلف على البت، وفي الأخيرة على العلم كما قال على اللف والنشر المرتب:
وَمُثْبِتٌ لِنَفْسِهِ ومَنْ نَفَى ** عَنْها عَلَى البَتَاتِ يُبْدِي الْحَلِفَا

(ومثبت) مبتدأ سوغه تعلق (لنفسه) به (ومن) معطوف وجملة (نفى) صلته (عنها) يتعلق به وضميره للنفس فالإثبات كقوله: لي عليك ألف والنفي كدعوى المطلوب عليه القضاء ولو تقديراً ككون المطلوب ميتاً أو غائباً (على البتات) يتعلق بقوله: (يبدي) أي يظهر (الحلفا) مفعول والجملة خبر فيحلف في الإثبات أن له عليه ألفاً، وهذا إذا رد عليه اليمين أو قام له بذلك شاهد (خ). واعتمد البات على ظن قوي الخ ويحلف المطلوب في النفي ما له علي ألف ولا شيء منه من سلف أو بيع أو غيرهما (خ): ويمين المطلوب ماله عندي كذا ولا شيء منه ونفى سبباً إن عين وغيره، فإن قضى نوى سلفاً يجب رده أي ولا يكفيه لا حق لك علي، وقال ابن الماجشون: يكفيه ونحوه لأشهب. ابن عبد السلام: وهو التحقيق لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص أي: فلا يكلف أكثر من ذلك ويحلف الطالب في دعوى القضاء أنه ما قبض شيئاً ويزيد في الميت والغائب ولا أحال به ولا أسقطه إلى آخر ما مر.
وَمُثْبِتٌ لغَيْرِهِ ذَاكَ اقْتَفَى ** وإنْ نَفَى فالنَّفْيُ لِلْعِلْمِ كَفى

(ومثبت لغيره) مبتدأ سوغه ما مر (ذاك) مفعول بقوله: (اقتفى) أي اتبع والجملة خبر، وذاك كدعوى دين لأبيه الميت وأقام به شاهداً أورد المطلوب أو ورثته على اليمين في الدعوى المجردة فيحلف أن ما شهد به الشاهد أو أن ما يدعيه لحق. وقولي أو ورثته هذه ترد على غير ما توجهت لأنها تجب عليهم على نفي العلم، وإذا ردوها فيحلف الطالب على البت (وإن نفى) بها عن غيره كوارث ادعى شخص على موروثه دعوى مجردة فيحلف أنه ما يعلم له شيئاً على موروثه أي: وترد على غير ما توجهت كما مر وكدعوى شخص ديناً لأبيه على ميت أو غائب وأقام به شاهداً أو شاهدين ووجوب يمين القضاء، فإن الشخص يحلفها على العلم كما قال: (فالنفي للعلم كفى) في ذلك كله وإن ردها في الأخيرتين فلا ترد لأنها للتهمة كما مرّ، فالنفي مبتدأ خبره كفى، والجملة جواب الشرط. وقد استفيد منه أنه مع الشاهد يحلف يمينين يميناً لتكميل النصاب وهي على البت كما مرّ مثاله في صدر البيت ويميناً لنفي القضاء وهي على نفي العلم كما هنا وله أن يجمعهما في يمين واحدة على ما به العمل قال ناظمه:
وتجمع الأيمان في الدعاوي ** إلا يمين الرد في التساوي

فاستثناؤه يمين الرد يدل على أن غيرها من الأيمان متساوية في التغليظ وعدمه، ولو يمين قضاء أو استحقاق تجمع وهو كذلك على خلاف فيه كما في الرعيني وغيره، فإن كان بعضها يغلظ في الجامع دون البعض الآخر فهو بالخيار في أن يحلف واحدة مغلظة يدخل فيها جميع ما وجب عليه أو يحلف يمينين المغلظة في الجامع وغيرها خارجه، وقوله: إلا يمين الرد أي فلا تجمع بل يقول بالله الذي لا إله إلا هو فإذا انقضت قال: وبالله الذي لا إله إلا هو حتى تنقضي اليمين الأخرى وسواء قدم المردودة أو غيرها وما تقدم عن التبصرة في التنبيه قبل البيتين يدل على أن المردودة تجمع لأن قول الرجل: أخاف أن ترد اليمين إلخ. ظاهر في ذلك وإلا لم تتوقف يمينه على التزامها عدم الرد، وقد صرح بجمعها مع غيرها. ابن رشد أيضاً حسبما في الدر النثير ثم كما يلزم الطالب أن يحصر دعاويه وأن يجمعها عند إرادة إخلاف المطلوب ليحلف له يميناً واحدة كما مرّ كذلك يلزمه أن يحصرها ليقع الجواب عن جميعها على ما عليه العمل أيضاً كما أشار له ابن أبي زمنين وغيره وهو معنى قول اللامية، وهل مدع يلجأ لجمع حقوقه إلخ. وبالجملة فالجمع إما ابتداء ليقع الجواب عن مجموعها أو بعد الجواب عن بعضها بالإنكار وإرادة التحليف ففي أي محل منهما طلب الجمع؟ أجيب إلا أن تكون الدعاوى من الميراث فيلزمه جمع ما علمه منها فقط في الوجهين دون ما لم يعلمه، وهذا معنى قولهم: إن دعاوى الميراث لا يلزم جمعها أي لا يلزم جمع ما لم يعلم منها، فإن زعم المطلوب أنه سيدعي عليه بدعاوى عينها منه وأنكر الوارث قوله وعلمه بذلك فإنه يفيد عليه إنكاره وعدم علمه بتلك الدعاوي، ويقال له لا قيام لك بها إن حلفته على ما سميت فقط لا بإظهار أمر يعلم أنها لم تكن معلومة عندك قال: معناه في المعيار عن البرزلي، وكذا إن ادعى بدعاوى زاعماً أن له بينة على بعضها دون البعض الآخر فلا سبيل له إلى تحليفه على ما لا بينة له به إلا إذا التزم أنه لا قيام له في ماله به ببينة إلا بها، فإن لم يلتزم ذلك لم يستعجل يمينه الآن بل حتى يقيم البينة فإن أقامها وإلاَّ جمع دعاويه وحلف له يميناً واحدة وفهم من النظم أنها إذا وجبت بتاً فحلفها علماً أو بالعكس لا يجزيه ويعيدها وهو كذلك، أما في الأول فظاهر وأما في صورة العكس فلا لأن اليمين على الشك غموس وهي محرمة منهي عنها، والنهي يدل على الفساد ومعناه في العقود عدم ترتب آثاره عليه، فلا أثر لهذه اليمين بهذا أفتى المقري راداً على غيره ممن أفتى بالإجزاء لأنه أتى بالمطلوب وزيادة كما في المعيار. قلت: وتعليله يدل على عدم الإجزاء ولو طلبها الطالب كذلك تغليظاً على المطلوب. ولا يقال: إن هذا قد رضي بإسقاط حقه منها كما مرّ فيمن طلب من خصمه الحلف بالطلاق تغليظاً. لأنا نقول الطلاق يمين منعقدة بخلاف هذه.
تنبيهات:
الأول: إذا وجبت اليمين لورثة يملكون أنفسهم على رجل وتقاضى اليمين أحدهم بأمر الحاكم بيمينه تجزئ عن الجميع وليس لمن يقوم بعده ولو غائباً أو صغيراً أن يحلفه وإن كان بغير أمر الحاكم فكل من قام منهم يحلفه يميناً ثانية قاله في المتيطية وهو معنى قول اللامية:
وإن غاب بعض من ذوي الحق يكتفي ** بإحلاف بعض إن بحكم تحصلا

وإذا أقام غير من أحلفه بينة عمل بها في حظه فقط ولو كان عالماً بها حين إحلاف القاضي المطلوب لغيره لأنه يقول لم أقم بحقي وقت الحلف ولم يكن طلب الحق مني قاله (ز) أول باب الوكالة.
الثاني: إذا وجبت اليمين فأراد الطالب تأخيرها والمطلوب تعجيلها أو العكس فتعجيلها واجب قاله ابن عبد السلام وابن سلمون عن ابن الحاج، فلو وجبت يمين القضاء أو مع الشاهد أو قال المطلوب احلف وأزن لك فقال الطالب في ذلك كله: لا أحلف حتى يحضر المال لأني أخاف أن أحلف ويدعي العدم فتذهب يميني باطلاً فقال ابن العطار: لا يجاب لذلك بل يحلف ثم يطالبه بالمال، وعليه اقتصر في اللامية حيث قال: ومن أبى يميناً لكون المال غاب فجهلا. وقيل: يجاب إلى ذلك وبه العمل بتونس قاله ابن ناجي، وقيل: يكفي أن يشهد على المطلوب بأنه مليء ويحلف الطالب فإن ادعى العدم بعد إشهاده بالملاء فإنه يسجن حتى يؤدي ولا تقبل بينته بالعدم قاله ابن أبي زمنين وفضل وغيرهما، واقتصر عليه في التبصرة والوثائق المجموعة ولم يحك أكثر الشيوخ غيره وهو المذهب. وقال أبو الحسن: انظر قضاة البوادي يفعلون هذا وليس لأجل دعوى العدم لأنهم لا يعلمونه، وإنما ذلك خوف اللدد لضعف الأحكام فيحتمل أن يؤخذ له رهن أو حميل فحينئذ يحلف. اهـ. وفي المعيار عن العبدوسي أن المطلوب يجبر على أحد أمرين: إما أن يقر بملاء ذمته وإما أن يحضر المال وحينئذ يحلف الآخر؛ اللهم إلا أن يفهم القاضي عنه الكذب فلا يقبل منه إلا الإحضار، وأفتى الغبريني إن كان المطلوب يتكلف كلفة في إحضار الثمن مثل أن يحتاج إلى بيع داره ونحو ذلك فإنه يحلف الطالب أولاً. وإلاَّ فلا يحلف حتى يحصله. ابن ناجي: وفتواه صواب، وبها حكمت بالقيروان. اهـ. فتحصل من هذا أنه إذا كان معلوم الملاء لكن يحتاج إلى بيع أصل ونحوه أو غير معلومه، ولكن أشهد بملاء ذمته ولم يفهم القاضي منه الكذب ولا ضعفت الأحكام حلف الطالب أولاً فإن كان معلوم الملاء ولا يحتاج لبيع أصل أو غير معلومه وأشهد بملائه ولكن فهم منه الكذب أو ضعفت الأحكام فلا يحلف حتى يحضر المال أو يأتي برهن أو حميل والله أعلم. قلت: وهكذا المشتري يقول للشفيع: لا أحلف بأن الثمن مائة حتى أشهد عليك وأنك تأخذ بالشفعة لئلا تذهب يميني باطلاً قاله في شفعة المعيار.
الثالث: إذا طلب المدعي يمين المطلوب فللمطلوب أن لا يحلف حتى يلتزم له إسقاط كل بينة ما علم منها وما لم يعلم فإذا عقد على نفسه ذلك لم يكن له أن يقوم ببينة يجدها ولو لم يعلم بها قاله في المتيطية والوثائق المجموعة.
الرابع: من وهب ديناً وله به شاهد أو اشترى شيئاً بشاهد ووهبه فأنكر المدين أو البائع أو وجبت يمين القضاء في هبة ما على ميت، فالواجب أن يحلف الموهوب له في ذلك كله لأن الواهب يقول: لا أحلف لينتفع غيري قاله أبو الحسن قال: وهو ظاهر من مسألة الغرماء ولعله يريد بها أن الميت إذا أقام له شاهد بدين وعليه ما يستغرق ماله فإن الغرماء يحلفون مع الشاهد لا الورثة إذ لا يحلفون ليستحق الغرماء وتعليله يدل على أن ذلك جار في الهبة والإقرار والشراء، ونقله المشذالي في حاشيته كما في (ح) في باب الهبة، وبه أفتى ابن سودة رحمه الله حسبما في نوازل العلمي وقوة كلامه تعطي أن هذا هو المعتمد، ويؤيده أيضاً أن الصغير يجب له الحق بشاهد واحد ولا يحلف عنه الأب ولا الولي، وقيل إن اليمين على الواهب. ورجحه ابن البراء حسبما في دعاوى المعيار قائلاً لأن المتصدق يعلم صحة ذلك، ولأنه قد يتصدق فراراً من اليمين ولأن الهبة نقل شرعي فشرطه صحة الملك فإذا لم يتقرر الملك فلا نقل. اهـ. وبمثل الأول أفتى ابن الحاج في رجل أقر في دين أنه لا حق له فيه فتوجهت يمين القضاء، وأفتى ابن حمديس وأصبغ بن محمد بمثل الثاني، وأفتى ابن رشد بحلف الواهب فقط في الهبة ويحلف المقر والمقر له معاً في الإقرار بالدين. قلت: والظاهر على القول يحلف المقر وحده أو حلفهما معاً بطلان الحق بنكول المقر ويلزمه غرمه للمقر له لأن نكوله دليل على أنه قد قبضه وعلى القول يحلف الواهب في هبة الدين أو ما ثبت بشاهد يبطل بنكوله ولا غرم لأنه يقول: وهبت له شيئاً لم يتم ولعله لذلك لم تجب عليه اليمين في القول الأول إذ لا شيء هناك يحمله عليها وحينئذ فيترجح في الإقرار يمين المقر أو هما معاً. وفي الهبة يمين الموهوب له والله أعلم. ويأتي عن البرزلي آخر الباب ما يدل لذلك، وانظر مسألة الإقرار في قول (خ) آخر الشهادات وإن قال لفلان فإن حضر ادعى عليه إلخ. ثم أشار إلى من يحلف اليمين مع الشاهد وهو كالتفصيل لما قدمه في قوله ثانية: توجب حقاً مع قسم.
وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ بَانَ حقُّهُ ** يَحْلِفُ مع عَدْلٍ وَيَسْتَحِقُّهُ

(والبالغ) مبتدأ (السفيه) صفة (بان) ظهر (حقه) فاعل والجملة حال وجملة (يحلف) خبر (مع عدل) يتعلق به (و) جملة (يستحقه) معطوفة على جملة الخبر وشمل السفيه الذكر والأنثى مولى عليه أم لا. فهذا يغني عن قوله الآتي، والبكر مع شاهدها تحلف إلخ. وأفهم قوله السفيه أن الرشيد يحلفها بالأحرى، وكذا العبد وسواء كان العبد مأذوناً له أم لا فلو نكل المأذون حلف الطالب وبريء، فإن غاب أو مات قبل نكوله حلف سيده واستحق كما يحلف ويستحق مع نكول غير المأذون وشمل قوله مع عدل الحقيقي والعرفي كنكول المطلوب ومعرفة العفاص والوكاء في اللقطة على القول باليمين ونحو ذلك مما مرّ، والمراد بالعدل الجنس فيشمل الواحد ويحلف معه والعدلين فيحلف يميني القضاء والاستحقاق ولا يؤخران عنه إلى الرشد لأنهما لدفع التهمة والاحتمال كما مرّ عند قوله وهي يمين تهمة إلخ. فهو كالرشيد في هذه الأيمان كلها على ما في الوثائق المجموعة وضيح وغيرهما، وهو المعتمد كما يفهم من النظم وإنما يختلف حكمه مع الرشيد في النكول فإن السفيه إذا نكل ففي نكوله مع الشاهد يحلف المطلوب ويبقى الشيء بيده إلى الرشد فيحلف ويستحق كما يأتي في الصغير، هذا هو الذي رجحه ابن رشد وصححه الرجراجي وهو قول مطرف وابن كنانة، واختاره ابن حبيب، وبه صدر في التبصرة، وأفتى به أبو الحسن وابن لب حسبما في الدر النثير وأنكحة المعيار، واستظهره الشارح قائلاً لأن بطلان حق السفيه بنكوله مؤد إلى جواز فعله، والفرض أنه غير جائز الفعل، وفي أنكحة المعيار أن التكليف هو مناط اليمين فتتوجه اليمين على السفيه المحجور وإن نكل لا يسقط حقه. اهـ.
قال ابن رحال في شرحه: وهذا هو الذي أتقلده ولا أقول بغيره، وذهب ابن القاسم إلى أن حق السفيه يبطل بنكوله مع يمين المطلوب، وبه قرر المختصر شراحه. وفي الزاهي لابن شعبان: إن السفيه كالصبي لا يحلف مع شاهده، بل حتى يرشد. ورواه مطرف عن مالك فهذه ثلاثة أقوال في يمينه مع الشاهد وفي نكوله عن يميني القضاء والاستحقاق يقضى له بحقه وتؤخر عنه اليمين إلى رشده، فإن حلف حينئذ استمر قبضه وإلاّ رد ما أخذ فهو يحلفها الآن لئلا يضيع حق الخصم باستمراره في السفه طول عمره، فإن نكل قضي له بالحق وأرجئت اليمين إلى رشده. هذا هو الجاري على ما مرّ من أن الراجح أنه يحلفها الآن وأن نكوله لا يبطل حقه منها بعد رشده، ولا يخالف هذا قول ابن عتاب. وأكثر الأندلسيين تؤخر عنه يمين القضاء ابتداء ولا يخاطب بها في الآن لأنه يلزمهم أن يقولوا بالتأخير بعد النكول بالأحرى، وكذا لا يخالف مفهوم قول الناظم بعد لغير بالغ إلخ. لأن معناه حينئذ لا تؤخر عن البالغ ابتداء بل بعد النكول، ولم أقف على من قال ببطلان حقه بالنكول عن يمين القضاء مع يمين المطلوب، وأشعر قوله يحلف مع عدل الخ أنه مدع وأنه إذا كان مدعى عليه وتوجهت عليه يمين الإنكار أو يمين التهمة فلا يمين عليه الآن وهو كذلك خلافاً للأصيلي إذ لا تتوجه اليمين إلا حيث لو أقر المطلوب لزمه، وهنا ليس كذلك. هكذا ذكر المازري وغيره هذه القاعدة وهي لا تعكر على ما تقدم من أن السفيه يحلف مع أن إقراره لا يلزم لأنها خاصة بما يدفع كما مرّ في شروط الدعوى، ولذا قال بعضهم كما في المجالس المكناسية: ضابط يمين السفيه أنه يحلف فيما يقبض لا فيما يدفع. نعم هي ظاهرة على قول ابن عتاب وموافقيه أنه لا يحلف في الوجهين إلى أن يرشد، ولعل المشهور إنما قال: يحلف فيما يقبض لئلا يضيع حق الخصم ببقائه في الحجر كما مرّ، وفهم من قوله لزمه أن دعاوى غير المال كالدعوى عليه بما يوجب عقوبته في بدنه وهو ممن يتهم أو إرادة السفيهة القطع على زوجها الغائب، وأثبتت الموجبات تتوجه عليها اليمين للزومها له بالإقرار كحلفه لرد شهادة الشاهد عليه بالطلاق.
والحاصل أن الدعوى على المحجور بالمال إذا لم تكن بينة لا توجب يميناً الآن فإذا بلغ أو رشد نظر، فإن كانت الدعوى فيما يتعلق بذمته أو بماله والمال باق كان للمدعي تحليفه فإن حلف برئ وإلاّ غرم وإن ذهب المال الذي تعلقت الدعوى به فلا شيء عليه، والذي يتعلق بالذمة هو ما أفسده مما لم يؤمن عليه. هكذا ذكر بعضهم هذا التحصيل في الصغير والسفيه مثله، بل في البرزلي في نوازل المديان ما نصه. ابن سهل: الصواب عندي ما جرى به العمل من المنع من تعلق اليمين بالسفيه، وفي وثائق ابن الهندي ترجأ اليمين عليه إلى إطلاقه، ولو ادعى السفيه على رجل بدعوى فنكل المطلوب فإنه يغرم ولا يحلف السفيه حتى يرشد، وإنما حلف مع الشاهد لإحياء السنة. ابن سهل: والصحيح عندي أن يحلف الآن إذا نكل المطلوب ورد عليه اليمين لأنه رضي بيمينه حين نكل. اهـ. وكلام الناظم ظاهر فيما لم يتوله ولي السفيه من المعاملات أما ما تولاه وليه فإنه الذي يحلف فيه مع الشاهد فإن رد اليمين على المطلوب وحلف برئ وغرم الولي وكذا يغرم إذا ادعى عليه غريم الميت الدفع إليه فرد اليمين على الغريم لجنايته برد اليمين، وهل يغرم القيمة فيما إذا باع له سلعة وأنكر المبتاع أو الأكثر منها ومن الثمن؟ انظر الشارح.
تنبيه:
قال في التبصرة: وأما المعتوه فإن المطلوب يحلف ويبرأ وإن نكل غرم، فإن حلف المطلوب ثم بعد ذلك عقل المعتوه فإنه يحلف مع شاهده ويستحق حقه. اهـ. قلت: تأمل قوله ويبرأ مع قوله ثم بعد ذلك عقل المعتوه إلخ. فإنه متدافع اللهم إلا أن يقال مراده ويبرأ الآن لا في المستقبل.
وَتُرْجَأُ الْيَمِينُ حُقَّتْ لِلقَضَا ** لِغَيْرِ بالِغٍ وَحَقَّهُ اقْتَضَى

(وترجأ) بضم التاء وهمزة آخره مبني للمفعول من أرجأ الأمر إذا أخره (اليمين) نائب وجملة (حقت) أي أوجبت من حق الشيء إذا أوجبه في موضع الحال (للقضا) ء يتعلق به وكذا (لغير بالغ) أي تؤخر يمين القضاء إذا أوجبت على غير بالغ لكون دينه على ميت أو غائب (وحقه) مفعول بقوله (اقتضى) أي عاجلاً، ثم إذا بلغ وحلف استمر القبض، وإن نكل ردّ ما أخذ، وهذا إذا بلغ رشيداً وإلا فقد مر أنه إذا نكل تؤخر عنه إلى الرشد ولا مفهوم لقوله للقضاء، بل يمين غيره من إنكار وتهمة كذلك كما مرّ، ومفهوم غير بالغ أن البالغ لا ترجأ في حقه بل يخاطب بها الآن وهو كذلك لكن إذا نكل وهو سفيه فترجأ كما مرّ.
تنبيه:
إذا تعددت يمين القضاء كوجوبها على أحباس المسجد وطلبة العلم والقراءة سقطت قاله (ت) عن أحباس المعيار. قلت: وكذا لو وجبت على من لا يعرف تأديتها بإشارة ولا غيرها كالمعتوه وكذا يمين الاستحقاق. ولا يقال إن الحبس لا يباع فلا تأتي فيه يمين الاستحقاق. لأنا نقول العمل على جواز المعاوضة فيه وهي بيع كما يأتي، وأما إن تعذرت اليمين مع الشاهد كوجوبها على من ذكر أو على من لا تتأتى منه بإشارة ولا كتابة فإن المطلوب يحلف ويبرأ، ورد بأن ظاهر الروايات عدم يمينه فلا أثر لشهادة الشاهد هنا وهو الموافق لقول (خ) وإن قال: داري صدقة بيمين مطلقاً أو بغيرها ولم يعين لم يقض عليه الخ إذ توجه اليمين فرع القضاء، فإن تعذرت من البعض دون البعض كالحبس على بنيه وعقبهم إذ هي متعذرة من العقب متيسرة من البنين الموجودين، فالذي قاله ابن المواز عن أصحاب مالك، وبه صدر المتيطي والباجي وابن شاس أنه كالذي قبله يحلف المطلوب ويبرأ قاله ابن رحال في شرحه. قال: هذا هو الراجح، وقيل يحلف البنون فإن حلفوا كلهم ثبت الوقف، وإن حلف بعضهم فقط ثبت نصيبه فقط، وإن نكلوا كلهم بطل الحبس إن حلف المطلوب، وبه قرر شراح (خ) قوله: وإن تعذر يمين بعض كشاهد بوقف إلخ.
وَحَيْثُ عَدْلٌ لِلصَّغِيرِ شَهِدا ** بِحَقَّهِ وَخَصْمُهُ قَدْ جَحَدَا

(وحيث) ظرف مضمن معنى الشرط (عدل) مبتدأ سوغه وقوعه في حيز الشرط (للصغير) يتعلق بقوله: (شهدا) وكذا (بحقه) والجملة خبر (وخصمه) مبتدأ وجملة (قد جحدا) خبره. والجملة معطوفة على الجملة المجرورة بحيث.
يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وُقِّفَا ** إِلَى مَصِيرِ خَصْمِهِ مُكَلَّفَا

(يحلف منكر) فاعل والجملة جواب حيث (وحق) مشهود به (وقفاً) بالبناء للمفعول خبر عن حق والجملة معطوفة على الجواب قبلها وسوغه الصفة المحذوفة أو العطف (إلى مصير خصمه) مصدر مضاف لاسمه (مكلفاً) خبر والمجرور متعلق بما قبله يليه.
وَحَيْثُ يُبْدِي الْمُنْكِرُ النُّكُولاَ ** بُلِّغَ مَحْجُورٌ بِهِ المَأْمُولاَ

(وحيث) ظرف كالذي قبله (يبدي) بضم أوله (المنكر) فاعله (النكولا) مفعوله (بلغ) بالبناء للمفعول (محجور) نائب (به) يتعلق ببلغ وضميره للنكول وباؤه سببية (المأمولا) مفعول ثان لبلغ وحاصل الأبيات أن الصغير لا يحلف مع شاهده سواء شهد له بالحق أو ببراءته منه وكذا لا يحلف وليه حيث لم يتول المعاملة وإلا حلف كما مرّ في السفيه، وإنما لم يحلف واحد منهما لأن القلم مرفوع عن الصغير، والقاعدة أن الإنسان لا يحلف لينتفع غيره، وحينئذ فيؤمر المطلوب بالحلف سواء قام الشاهد للصبي وحده أو مع غيره، لكنه في الثانية إنما يحلف على حصة الصبي فإن نكل حكم للصبي بالحق الآن ولا يمين عليه بعد بلوغه، وإن حلف فإن كان الحق في الذمة كطعام ونقد وخيف فقر المطلوب أو كان معيناً كدار وثوب، فهل يوقف بيد أمين حتى يبلغ الصبي أو يسلم للمطلوب؟ قولان: لظاهر الموازية وابن حبيب عن الأخوين واستظهر في ضيح الأول، وظاهر ابن رشد أيضاً أنه المذهب لأنه لما ذكر الخلاف في وقف الدين قال: ووقفه في القياس صحيح إذ لو كان المدعي فيه شيئاً بعينه لوجب توقيفه أو بيعه وتوقيف ثمنه إن خشي عليه كالحيوان على ما يأتي لابن القاسم. اهـ. وهو ظاهر النظم وضمانه حينئذ من الصبي إن حلف، ومن المطلوب إن لم يحلف لأنه إنما وقف لمن يجب له منهما وعلى كل حال لابد أن يكتب الحاكم شهادة الشاهد في سجل ويتركها عنده أو يدفعها لوليه صوناً لمال الصبي وخوفاً من موت الشاهد أو طرو فسقه قبل بلوغ الصبي، وعلى القول بإسلامه للمطلوب درج (خ) حيث قال: وحلف مطلوب ليترك بيده وسجل ليحلف إذا بلغ إلخ. وقوله ليترك بيده يريد ما لم يخش فقره أيضاً كما هو ظاهر قاله ابن رحال. ويمكن تمشية الناظم على ما في (خ) بأن يحمل الإيقاف على منعه من تفويت المعين ببيع ونحوه لأنه إنما يبقى بيده حوزاً لا ملكاً فإذا حلف الصبي بعد البلوغ أخذه إن كان قائماً أو قيمته يوم الحكم إن فات ولو بسماوي، والغلة للمطلوب ما دام بيده إذ الخراج بالضمان قال في الموازية: ولا يحلف الصغير بعد بلوغه حتى يعلم بالخبر الذي تيقن به (خ): واعتمد البات على ظن قوي.
تنبيه:
إذا قام شاهد لمغمى عليه أو مجنون ترجى إفاقته انتظر فإن كانت لا ترجى إفاقته أو تعذرت اليمين من نحو الأصم الأخرس ولو بالإشارة حلف المطلوب كما في مسألة الصبي، وكذا وكيل الغائب يقوم له شاهد فيحلف المطلوب ويترك بيده لقومه، فإن نكل غرم ولم يحلف الغائب إذا قدم كما مر في الصبي.
وَالْبِكْرُ مَعَ شَاهِدِهَا تُحَلَّفُ ** وَفِي ادِّعَاءِ الْوَطْءِ أَيْضاً تَحْلِفُ

(والبكر) البالغ مبتدأ (مع شاهدها) في محل نصب حال (تحلف) بضم التاء وفتح اللام مشددة مبنياً للمفعول خبر عن البكر (وفي ادعاء الوطء أيضاً) منصوب على المصدرية (تَحلِف) بفتح التاء وكسر اللام مبنياً للفاعل والمجرور يتعلق به، وإنما تحلف في ادعاء الوطء إذا ثبتت الخلوة لأن الدعوى حينئذ صاحبها شاهد عرفي فتحلف لقد أصابها ويتكمل عليه الصداق.
تنبيه:
اليمين مع الشاهد تكون على وفق شهادته فإذا شهد بإقرار أو غيره فيحلف المشهود له أن الشهادة لحق ولا يلزمه أن يحلف أن ذلك الحق له قبله فإن حلف المطلوب بعد نكول الطالب، ثم وجد الطالب شاهداً آخر لم يضم الأول على المشهور كما في الشامل، لأن الأول قد بطلت شهادته بنكوله ويمين المطلوب، وقيل يضم، قال في المتيطية عن بعض وهو أحسن من يمين فاجرة، وهذا الخلاف إنما هو إذا كانت الشهادة بمال ولم يعلم بالثاني حال القيام للأول أو علمه وكان بعيد الغيبة، فأما إن شهد بطلاق أو صدقة على غير معين فحلف المطلوب ثم قام عليه شاهد آخر ضم للأول اتفاقاً ثم ما تقدم من أن الصبي لا يحلف هو ولا وليه مع شاهده هو المشهور.
وَفي سِوَى المَشْهُورِ يَحْلِفُ الأَبُ ** عنِ ابنِهِ وَحَلْفُ الابْنِ مَذْهَبُ

(وفي سوى المشهور) يتعلق بقوله: (يحلف الأب) فاعل (عن ابنه) يتعلق بيحلف أيضاً وهو قول ابن كنانة قال: لأنه يمونه وينفق عليه، وهذا الخلاف إنما هو فيما لم يل فيه الولي المعاملة وإلاَّ حلف كما مرّ وجعل البرزلي مسألة هبة الدين الثابت بشاهد جارية على القولين فعلى أن الأب لا يحلف عن الصغير يحلف الموهوب له، وعلى أنه يحلف فيحلف الواهب، ووقع في كتاب جمعت فيه أقضية مالك والليث أن الصغير يحلف مع شاهده كالسفيه وهو معنى قوله: (وحلف) بفتح الحاء مصدر وبكسرها العهد يكون بين القوم، وقد حالفه أي عاهده مبتدأ (الابن) مضاف إليه (مذهب) خبر وتنكيره يشعر بأنه مذهب شاذ لا يجري على الأصول لرفع القلم عن الصبي. اهـ. والله أعلم.