فصل: فصل شيء من فضائله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 فصل مقتل الحسين رضي الله عنه

وكان مقتل الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة، يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ سنة اثنتين وستين، وبه قال علي بن المديني‏.‏

وقال ابن لهيعة‏:‏ سنة ثنتين أو ثلاث وستين‏.‏

وقال غيره‏:‏ سنة ستين‏.‏

والصحيح الأول‏.‏

بمكان من الطّفّ يقال له‏:‏ كربلاء من أرض العراق وله من العمر ثمان وخمسون سنة أو نحوها‏.‏

وأخطأ أبو نعيم في قوله‏:‏ إنه قتل وله من العمر خمس أو ست وستون سنة‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الصمد بن حسان، ثنا عمارة - يعني‏:‏ ابن زاذان - عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ استأذن ملك القطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له فقال لأم سلمة‏:‏ ‏(‏‏(‏احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد‏)‏‏)‏، فجاء الحسين بن علي فوثب حتى دخل، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال الملك‏:‏ أتحبه‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم ‏!‏‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ إن أمتك تقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه‏.‏

قال‏:‏ فضرب بيده فأراه تراباً أحمر، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/217‏)‏

قال‏:‏ فكنا نسمع أنه يقتل بكربلاء‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، حدثني عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة - أو أم سلمة -‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل قبلها‏)‏‏)‏، فقال لي‏:‏ إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها‏.‏

قال‏:‏ فأخرج تربة حمراء‏.‏

وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أم سلمة‏.‏

ورواه الطبراني‏:‏ عن أبي أمامة وفيه قصة أم سلمة‏.‏

ورواه محمد بن سعد، عن عائشة بنحو رواية أم سلمة فالله أعلم‏.‏

وروى ذلك من حديث زينب بنت جحش، ولبابة أم الفضل امرأة العباس‏.‏

وأرسله غير واحد من التابعين‏.‏

وقال أبو القاسم البغوي‏:‏ حدثنا محمد بن هارون، أبو بكر، ثنا إبراهيم بن محمد الرقي، وعلي بن الحسن الرازي قالا‏:‏ ثنا سعيد بن عبد الملك أبو واقد الحراني، ثنا عطاء بن مسلم، ثنا أشعث بن سحيم، عن أبيه قال‏:‏ سمعت أنس بن الحارث يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن ابني- يعني‏:‏ الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين‏.‏

قال‏:‏ ولا أعلم رواه غيره‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شراحيل بن مدرك، عن عبد الله بن يحيى، عن أبيه‏:‏ أنه سار مع علي - وكان صاحب مطهرته - فلما جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفين‏.‏

فنادى علي‏:‏ اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله، بشط الفرات‏.‏

قلت‏:‏ وماذا تريد‏؟‏

قال‏:‏ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان فقلت‏:‏ ما أبكاك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ هل لك أن أشمك من تربته‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا‏)‏‏)‏‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وروى محمد بن سعد‏:‏ عن علي بن محمد، عن يحيى بن زكريا، عن رجل، عن عامر الشعبي، عن علي مثله‏.‏

وقد روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل، وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها، فقيل‏:‏ كربلاء‏.‏

فقال‏:‏ كربٌ وبلاء‏.‏

فنزل فصلى عند شجرة هناك ثم قال‏:‏ يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة، يدخلون الجنة بغير حساب -وأشار إلى مكان هناك - فعلّموه بشيء فقتل فيه الحسين‏.‏

وقد روي عن كعب الأحبار آثار في كربلاء‏.‏

وقد حكى أبو الجناب الكلبي وغيره‏:‏ أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين وهن يقلن‏:‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/218‏)‏

مسح الرسول جبينه * فله بريقٌ في الخدود

أبواه من عليا قريشٍ * جده خير الجدود

وقد أجابهم بعض الناس فقال‏:‏

خرجوا به وفداً إليـ*ـه فهم له شر الوفود

قتلوا ابن بنت نبيهم * سكنوا به ذات الخدود

وروى ابن عساكر‏:‏ أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم، فوجدوا في كنسية مكتوباً‏:‏

أترجو أمةٌ قتلت حسيناً * شفاعة جده يوم الحساب‏؟‏

فسألوهم من كتب هذا‏؟‏

فقالوا‏:‏ إن هذا مكتوب ههنا من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة‏.‏

وروي‏:‏ أن الذين قتلوه رجعوا فباتوا وهم يشربون الخمر والرأس معهم، فبرز لهم قلم من حديد فرسم لهم في الحائط بدم هذا البيت‏:‏

أترجو أمةٌ قتلت حسيناً * شفاعة جده يوم الحساب‏؟‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن وعفان، ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام نصف النهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم، فقلت‏:‏ بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم‏)‏‏)‏‏.‏

قال عمار‏:‏ فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل في ذلك اليوم‏.‏

تفرد به أحمد، وإسناده قوي‏.‏

وقال ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن هانىء أبو عبد الرحمن النحوي، ثنا مهدي بن سليمان، ثنا علي بن زيد بن جدعان‏.‏

قال‏:‏ استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال‏:‏ قتل الحسين والله‏.‏

فقال له أصحابه‏:‏ لِمَ يا ابن عباس‏؟‏

فقال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتعلم ما صنعت أمتي من بعدي‏؟‏ قتلوا الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله‏)‏‏)‏‏.‏

فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة‏.‏

وروى الترمذي‏:‏ عن أبي سعيد الأشج، عن أبي خالد الأحمر، عن رزين، عن سلمى قالت‏:‏ دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت‏:‏ ما يبكيك‏؟‏

فقالت‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه ولحيته التراب‏.‏

فقلت‏:‏ ما لك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏شهدت قتل الحسين آنفاً‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/219‏)‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أنبأنا قرة بن خالد، أخبرني عامر بن عبد الواحد، عن شهر بن حوشب قال‏:‏ إنا لعند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا صارخةً فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة، فقالت‏:‏ قتل الحسين‏.‏

فقالت‏:‏ قد فعلوها، ملأ الله قبورهم - أو بيوتهم -عليهم ناراً، ووقعت مغشياً عليها، وقمنا‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا ابن مسلم، عن عمار قال‏:‏ سمعت أم سلمة قالت‏:‏ سمعت الجن يبكين على الحسين، وسمعت الجن تنوح على الحسين‏.‏

رواه الحسين بن إدريس، عن هاشم بن هاشم، عن أمه، عن أم سلمة قالت‏:‏ سمعت الجن ينحن على الحسين وهن يقلن‏:‏

أيها القاتلون جهلاً حسيناً * أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم * ونبي ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الإنجيل

وقد روي من طريق أخرى، عن أم سلمة بشعر غير هذا فالله أعلم‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ أنبأنا أحمد بن عثمان بن ساج السكري، ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، ثنا محمد بن شداد المسمعي، ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ أوحى الله تعالى إلى محمد إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وأنا قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً‏.‏

هذا حديث غريب جداً، وقد رواه الحاكم في ‏(‏مستدركه‏)‏‏.‏

وقد ذكر الطبراني ههنا آثاراً غريبة جداً، ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً فاحشاً‏.‏

من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم، وما رفع يومئذٍ حجر إلا وجد تحته دم، وأن أرجاء السماء احمرت، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه دم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بعضها بعضاً، وأمطرت السماء دماً أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذٍ، ونحو ذلك‏.‏

وروى ابن لهيعة‏:‏ عن أبي قبيل المعافري‏:‏ أن الشمس كسفت يومئذٍ حتى بدت النجوم وقت الظهر‏.‏

وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دماً، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، ولم يمس زعفران ولا ورس بما كان معه يومئذٍ إلا احترق من مسه، ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط، وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم‏.‏

إلى غير ذلك من الأكاذيب، والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/220‏)‏

وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنه قل من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابهم الجنون‏.‏

وللشيعة والرافضة في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة، وفيما ذكرنا كفاية‏.‏

وفي بعض ما أوردناه نظر، ولولا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ والأئمة ذكروه ما سقته، وأكثره من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد كان شيعياً، وهو ضعيف الحديث عند الأئمة، ولكنه أخباري حافظ، عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره، ولهذا يترامى عليه كثير من المصنفين في هذا الشأن ممن بعده والله أعلم‏.‏

وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها، فكانت الدبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذٍ موافقة للحسين لأنه قتل عطشاناً‏.‏

ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن، حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة، والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في دولتهم‏.‏

وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون، ويتطيبون، ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيداً يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم‏.‏

وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها، وليخلع من بايعه من الناس واجتمعوا عليه‏.‏

وقد ورد في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ الحديث بالزجر عن ذلك، والتحذير منه، والتوعد عليه، وبتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه وقتلوه، ولم يكن لهم قتله، بل كان يجب عليهم إجابته إلى ما سأل من تلك الخصال الثلاثة المتقدم ذكرها‏.‏

فإذا ذمت طائفة من الجبارين تذم الأمة كلها بكمالها وتتهم على نبيها صلى الله عليه وسلم، فليس الأمر كما ذهبوا إليه، ولا كما سلكوه، بل أكثر الأئمة قديماً وحديثاً كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه، سوى شرذمة قليلة من أهل الكوفة قبحهم الله، وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلى أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة‏.‏

فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون من الدنيا، وآخذهم على ذلك وحملهم عليه بالرغبة والرهبة، فانكفوا عن الحسين وخذلوه ثم قتلوه‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/221‏)‏

وليس كل ذلك الجيش كان راضياً كما وقع من قتله، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم، ولا كرهه، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك‏.‏

وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو، ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك والله أعلم‏.‏

فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وشجاعاً وسخياً، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء‏.‏

وقد كان أبوه أفضل منه فقتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتماً كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة‏.‏

وقد قتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً‏.‏

وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً‏.‏

وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتماً يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين‏.‏

ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس والحمرة التي تطلع في السماء، وغير ذلك‏.‏

وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين‏:‏ عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعاً إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب منها‏)‏‏)‏‏.‏

رواه الإمام أحمد وابن ماجه‏.‏

 وأما قبر الحسين رضي الله عنه

فقد اشتهر عند كثير من المتأخرين أنه في مشهد علي‏.‏

بمكان من الطف عند نهر كربلاء، فيقال‏:‏ إن ذلك المشهد مبني على قبره فالله أعلم‏.‏

وقد ذكر ابن جرير وغيره‏:‏ أن موضع قتله عفي أثره حتى لم يطلع أحد على تعيينه بخبر‏.‏

وقد كان أبو نعيم، الفضل بن دكين، ينكر على من يزعم أنه يعرف قبر الحسين‏.‏

وذكر هشام بن الكلبي‏:‏ أن الماء لما أجري على قبر الحسين ليمحي أثره نضب الماء بعد أربعين يوماً، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى، وقال‏:‏ بأبي أنت وأمي، ما كان أطيبك تربتك ‏!‏‏!‏‏(‏ج/ص‏:‏ 8/222‏)‏

ثم أنشأ يقول‏:‏

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه * فطيب تراب القبر دل على القبر

 وأما رأس الحسين رضي الله عنه

فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية، ومن الناس من أنكر ذلك‏.‏

وعندي‏:‏ أن الأول أشهر فالله أعلم‏.‏

ثم اختلفوا بعد ذلك في المكان الذي دفن فيه الرأس، فروى محمد بن سعد‏:‏ أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع‏.‏

وذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمر بن صالح - وهما ضعيفان -‏:‏ أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي، فأخذ من خزانته فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق‏.‏

قلت‏:‏ ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني‏.‏

وذكر ابن عساكر في ‏(‏تاريخه‏)‏‏:‏ في ترجمته ريّا حاضنة يزيد بن معاوية، أن يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بشعر ابن الزبعري يعني قوله‏:‏

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

قال‏:‏ ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام، ثم وضع في خزائن السلاح، حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك جيء به إليه، وقد بقي عظماً أبيض، فكفنه وطيبه، وصلى عليه ودفنه في مقبرة المسلمين، فلما جاءت المسودّة - يعني‏:‏ بني العباس - نبشوه وأخذوه معهم‏.‏

وذكر ابن عساكر‏:‏ أن هذه المرأة بقيت بعد دولة بني أمية، وقد جاوزت المائة سنة فالله أعلم‏.‏

وادّعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة، أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها، وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، الذي يقال له‏:‏ تاج الحسين بعد سنة خمسمائة‏.‏

وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذبة خونة‏.‏

وقد نص على ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء، في دولتهم في حدود سنة أربعمائة، كما سنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه في مواضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا، فإنهم جاؤوا برأس فوضعوه في مكان المسجد المذكور، وقالوا‏:‏ هذا رأس الحسين‏.‏

فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك والله أعلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/223‏)‏

 فصل شيء من فضائله

روى البخاري من حديث شعبة، ومهدي بن ميمون، عن محمد بن أبي يعقوب‏:‏ سمعت ابن أبي نعيم قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عمر، وسأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب‏.‏

فقال‏:‏ أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏هما ريحانتاي من الدنيا‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الترمذي‏:‏ عن عقبة بن مكرم، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن أبي يعقوب به نحوه‏:‏ أن رجلاً من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ انظروا إلى أهل العراق، يسألون عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وذكر تمام الحديث‏.‏

ثم قال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو أحمد، ثنا سفيان، عن أبي الحجاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة‏.‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني‏)‏‏)‏ - يعني‏:‏ حسناً وحسيناً -‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا تليد بن سليمان، كوفي، ثنا أبو الحجاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة‏.‏

قال‏:‏ نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد بهما الإمام أحمد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن عمير، ثنا الحجاج - يعني‏:‏ ابن دينار - عن جعفر بن إياس، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي هريرة‏.‏

قال‏:‏ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه الواحد، وهذا على عاتقه الآخر، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ والله إنك لتحبهما‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني‏)‏‏)‏‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وقال أبو يعلى الموصلي‏:‏ حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثني عقبة بن خالد، حدثني يوسف بن إبراهيم التميمي‏:‏ أنه سمع أنس بن مالك يقول‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي أهل بيتك أحب إليك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الحسن والحسين‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وكان يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏ادع لي ابنيَّ فيشمهما ويضمهما إليه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه الترمذي عن أبي سعيد الأشج به، وقال‏:‏ حسن غريب من حديث أنس‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/224‏)‏

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر فيقول‏:‏ ‏(‏‏(‏الصلاة يا أهل البيت، ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً‏}‏‏[‏الأحزاب‏:‏ 33‏]‏‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن عفان به، وقال‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ حدثنا محمود بن غيلان، ثنا أبو أسامة، عن فضيل بن مرزوق، عن عدي، عن ثابت، عن البراء‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر حسناً وحسيناً، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إني أحبهما فأحبهما‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقد روى الإمام أحمد‏:‏ عن زيد بن الحباب، عن الحسين بن واقد‏.‏

وأهل السنن الأربعة من حديث الحسين بن واقد، عن بريدة، عن أبيه‏.‏

قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏صدق الله ‏{‏إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 15‏]‏ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتها‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا لفظ الترمذي، وقال‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد‏.‏

ثم قال‏:‏ حدثنا الحسين بن عرفة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة‏.‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

ورواه أحمد عن عفان، عن وهب، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم به‏.‏

ورواه الطبراني عن بكر بن سهل، عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح بن راشد بن سعد، عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الحسن والحسين سبطان من الأسباط‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري‏.‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الترمذي‏:‏ من حديث سفيان الثوري وغيره، عن يزيد بن أبي زياد، وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقد رواه أبو القاسم البغوي عن داود بن رشيد، عن مروان الفزاري، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن أبيه، عن أبي سعيد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8 /225‏)‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة، يحيى وعيسى صلى الله عليه وسلم‏)‏‏)‏‏.‏

وأخرجه النسائي من حديث مروان بن معاوية الفزاري به‏.‏

ورواه سويد بن سعيد، عن محمد بن حازم، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن ربيع بن سعد، عن أبي سابط قال‏:‏ دخل حسين بن علي المسجد، فقال جابر بن عبد الله‏:‏ من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وروى الترمذي والنسائي من حديث إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة‏:‏ أن أمه بعثته ليستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها، قال‏:‏ فأتيته فصليت معه المغرب ثم صلى حين صلى العشاء، ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من هذا‏؟‏ حذيفة‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حاجتك غفر الله لك ولأمك‏؟‏‏)‏‏)‏ إن هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قبل هذه الليلة استأذن ربه بأن يسلم عليّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‏.‏

ثم قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب، ولا يعرف إلا من حديث إسرائيل‏.‏

وقد رُوي مثل هذا من حديث علي بن أبي طالب، ومن حديث الحسين نفسه، وعمر وابنه عبد الله، وابن عباس، وابن مسعود وغيرهم، وفي أسانيده كلها ضعف، والله أعلم‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي‏:‏ حدثنا موسى بن عطية، عن أبيه، عن أبي هريرة‏.‏

قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحسن والحسين‏:‏ ‏(‏‏(‏من أحبني فليحب هذين‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن داود، ثنا إسماعيل - يعني‏:‏ ابن جعفر - أخبرني محمد - يعني‏:‏ ابن حرملة - عن عطاء‏.‏

أن رجلاً أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضم إليه حسناً وحسيناً ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إني أحبهما فأحبهما‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رُوي عن أسامة بن زيد، وسلمان الفارسي شيء يشبه هذا وفيه ضعف وسقم والله أعلم‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، ثنا كامل وأبو المنذر ابنا كامل، قال أسود‏:‏ أنبأنا المعنى عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فإذا سجد وثب الحسين والحسن على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً فيضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى قضى صلاته أقعدهما على فخذيه‏.‏

قال‏:‏ فقمت إليه فقلت‏:‏ يا رسول الله أردهما إلى أمهما‏؟‏

قال‏:‏ فبرقت برقة فقال لهما‏:‏ ‏(‏‏(‏الحقا بأمكما‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فمكث ضؤها حتى دخلا على أمهما‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/226‏)‏

وقد روى موسى بن عثمان الحضرمي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة نحوه‏.‏

وقد روي عن أبي سعيد، وابن عمر قريب من هذا‏.‏

فقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عفان، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا قيس بن الربيع، عن أبي المقدام عبد الرحمن الأزرق، عن علي قال‏:‏ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم، فاستسقى الحسن أو الحسين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاةٍ لنا كي يحلبها فدرت فجاءه الآخر فنحاه‏.‏

فقالت فاطمة‏:‏ يا رسول الله كأنه أحبهما إليك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ولكنه استسقى قبله‏)‏‏)‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة‏)‏‏)‏

تفرد به أحمد‏.‏

ورواه أبو داود الطيالسي‏:‏ عن عمر بن ثابت، عن أبيه، عن أبي فاختة، عن علي فذكر نحوه‏.‏

وقد ثبت‏:‏ أن عمر بن الخطاب كان يكرمهما ويحملهما، ويعطيهما كما يعطي أباهما، وجيء مرة بحلل من اليمن فقسمها بين أبناء الصحابة ولم يعطهما منها شيئاً، وقال‏:‏ ليس فيها شيء يصلح لهما، ثم بعث إلى نائب اليمن فاستعمل لهما حلتين تناسبهما‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أنبأنا قبيصة بن عقبة، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث قال‏:‏ بينما عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلاً فقال‏:‏ هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني سليمان بن الدراوردي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يبلغوا، ولم يبايع صغيراً إلا منا‏.‏

وهذا مرسل غريب‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أخبرني يعلى بن عبيد، ثنا عبد الله بن الوليد الرصافي، عن عبد الله بن عبيد الله بن عميرة‏.‏

قال‏:‏ حج الحسين بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً ونجائبه تقاد بين يديه‏.‏

وحدثنا أبو نعيم - الفضل بن دكين - ثنا حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه‏:‏ أن الحسين بن علي حج ماشياً وأن نجائبه لتقاد وراءه‏.‏

والصواب‏:‏ أن ذلك إنما هو الحسن أخوه، كما حكاه البخاري‏.‏

وقال المدائني‏:‏ جرى بين الحسن والحسين كلام فتهاجرا، فلما كان بعد ذلك أقبل الحسن إلى الحسين فأكب على رأسه يقبله، فقام الحسين فقبله أيضاً‏.‏

وقال‏:‏ إن الذي منعني من ابتدائك بهذا، أني رأيت أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به مني‏.‏

وحكى الأصمعي‏:‏ عن ابن عون‏:‏ أن الحسن كتب إلى الحسين يعيب عليه إعطاء الشعراء فقال الحسين‏:‏ إن أحسن المال ما وقى العرض‏.‏

وقد روى الطبراني‏:‏ حدثنا أبو حنيفة محمد بن حنيفة الواسطي، ثنا يزيد بن البراء بن عمرو ابن البراء الغنوي، ثنا سليمان بن الهيثم قال‏:‏ كان الحسين بن علي يطوف بالبيت فأراد أن يستلم فما وسع له الناس‏.‏

فقال رجل‏:‏ يا أبا فراس من هذا‏؟‏

فقال الفرزدق‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/227‏)‏

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم

يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم

في كفه خيزران ريحها عبق * بكف أورع في عرنينه شمم

مشتقة من رسول الله نسبته * طابت عناصره والخيم والشيم

لا يستطيع جواد بعد غايته * ولا يدانيه قوم إن هموا كرموا

من يعرف الله يعرف أوّلية ذا * فالدين من بيت هذا ناله أمم

أيُّ العشائر هم ليست رقابهم * لأولية هذا أوله نعم

هكذا أوردها الطبراني في ترجمة الحسين في معجمه الكبير، وهو غريب، فإن المشهور أنها من قيل الفرزدق في علي بن الحسين لا في أبيه، وهو أشبه فإن الفرزدق لم ير الحسين إلا وهو مقبل إلى الحج والحسين ذاهب إلى العراق‏.‏

فسأل الحسين الفرزدق عن الناس فذكر له ما تقدم ثم أن الحسين قتل بعد مفارقته له بأيام يسيرة، فمتى رآه يطوف بالبيت والله أعلم‏.‏

وروى هشام عن عوانة قال‏:‏ قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد‏:‏ أين الكتاب الذي كتبته إليك في قتل الحسين‏؟‏

فقال‏:‏ مضيت لأمرك وضاع الكتاب‏.‏

فقال له ابن زياد‏:‏ لتجيئن به‏.‏

قال‏:‏ ضاع‏.‏

قال‏:‏ والله لتجيئن به‏.‏

قال‏:‏ ترك والله يقرأ على عجائز قريش أعتذر إليهن بالمدينة، أما والله لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها إلى سعد بن أبي وقاص لكنت قد أديت حقه‏.‏

فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله، صدق عمر والله‏.‏

ولوددت والله أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسيناً لم يقتل‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما أنكر ذلك عليه عبيد الله بن زياد‏.‏

 فصل في شيء من أشعاره التي رويت عنه

فمن ذلك ما أنشده أبو بكر بن كامل، عن عبد الله بن إبراهيم وذكر أنه للحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/228‏)‏

إغنَ عن المخلوق بالخالق * تسد على الكاذب والصادق

واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق

من ظن أن الناس يغنونه * فليس بالرحمن بالواثق

أو ظن أن المال من كسبه * زلت به النعلان من حالق

عن الأعمش أن الحسين بن علي قال‏:‏

كلما زيد صاحب المال مالاً * زيد في همه وفي الاشتغال

قد عرفناك يا منغصة العيـ*ـش ويا دارَ كل فانٍ وبالي

ليس يصفو لزهدٍ طلب الزهـ * ـد إذا كان مثقلاً بالعيال

وعن إسحاق بن إبراهيم قال‏:‏ بلغني أن الحسين زار مقابر الشهداء بالبقيع فقال‏:‏

ناديت سكان القبور فأسكتوا * وأجابني عن صمتهم ترب الحصا

قالت أتدري ما فعلت بساكني * مزقت لحمهم وخرقت الكسا

وحشوت أعينهم تراباً بعد ما * كانت تأذى باليسير من القذا

أما العظام فإنني مزقتها * حتى تباينت المفاصل والشوا

قطعت ذا زادٍ من هذا كذا * فتركتها رمماً يطوف بها البلا

وأنشد بعضهم للحسين رضي الله عنه أيضاً‏:‏

لئن كانت الدنيا تعد نفيسةً * فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن كانت الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن كانت الأرزاق شيئاً مقدراً * فقله سعي المرء في الرزق أجمل

وإن كانت الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل

ومما أنشد الزبير بن بكار من شعره في امرأته الرباب بنت أنيف، ويقال‏:‏ بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس الكلبي أم ابنته سكينة‏:‏

لعمرك إنني لأحب دارا * تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي * وليس للائمي فيها عتاب

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً * حياتي أو يعليني التراب

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/229‏)‏

وقد أسلم أبوها على يدي عمر بن الخطاب وأمره عمر على قومه، فلما خرج من عنده خطب إليه علي بن أبي طالب أن يزوج ابنه الحسن أو الحسين من بناته، فزوج الحسن ابنته سلمى، والحسين ابنته الرباب، وزوج علياً ابنته الثالثة، وهي المحياة بنت امرئ القيس في ساعة واحدة، فأحب الحسين زوجته الرباب حباً شديداً وكان بها معجباً يقول فيها الشعر‏.‏

ولما قتل بكربلاء كانت معه فوجدت عليه وجداً شديداً، وذكر أنها أقامت على قبره سنة، ثم انصرفت وهي تقول‏:‏

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر

وقد خطبها بعده خلق كثير من أشراف قريش فقالت‏:‏ ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لا يؤويني رجلاً بعد الحسين سقف أبداً‏.‏

ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت، ويقال‏:‏ أنها إنما عاشت بعده أياماً يسيرة فالله أعلم‏.‏

وابنتها سكينة بنت الحسين كانت من أجمل النساء حتى إنه لم يكن في زمانها أحسن منها فالله أعلم‏.‏

وروى أبو مخنف‏:‏ عن عبد الرحمن بن جندب أن ابن زياد بعد مقتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر بن يزيد، فتطلبه حتى جاءه بعد أيام فقال‏:‏ أين كنت يا ابن الحر‏؟‏

قال‏:‏ كنت مريضاً‏.‏

قال‏:‏ مريض القلب أم مريض البدن‏؟‏

قال‏:‏ أما قلبي فلم يمرض، وأما بدني فقد منَّ الله عليه بالعافية‏.‏

فقال له ابن زياد‏:‏ كذبت، ولكنك كنت مع عدونا‏.‏

قال‏:‏ لو كنت مع عدوك لم يخف مكان مثلي، ولكان الناس شاهدوا ذلك‏.‏

قال‏:‏ وعقل عن ابن زياد عقلةً فخرج ابن الحر فقعد على فرسه‏.‏

ثم قال‏:‏ أبلغوه أني لا آتيه والله طائعاً‏.‏

فقال ابن زياد‏:‏ أين ابن الحر‏؟‏

قال‏:‏ خرج‏.‏

فقال‏:‏ عليَّ به، فخرج الشرط في طلبه فأسمعهم غليظ ما يكرهون، وترضى عن الحسين وعن أخيه وأبيه، ثم أسمعهم في ابن زياد غليظاً من القول، ثم امتنع منهم وقال في الحسين وفي أصحابه شعراً‏:‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/230‏)‏

يقول أميرٌ غادرٌ حق غادرٍ * ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته * لذو حسرةٍ ما أن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تبارزوا * على نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على أجداثهم وقبورهم * فكان الحشى ينقض والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى * سراعاً إلى الهيجا حماة حضارمه

تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم * بأسيافهم أسَّاد غبل ضراغمه

فإن يقتلوا تلك النفوس التقية * على الأرض قد أضحت لذلك واجمة

فما إن رأى الراؤون أفضل منهم * لدى الموت سادات وزهر قمامه

أتقتلهم ظلماً وترجو ودادنا * فذى خطة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم * فكم ناقمٍ منا عليكم وناقمه

أهمُّ مراراً أن أسير بجحفلٍ * إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فيا بن زيادٍ استعد لحربنا * وموقف ضنكٍ تقصم الظهر قاصمه

وقال الزبير بن بكار‏:‏ قال سليمان بن قتيبة يرثي الحسين رضي الله عنه‏:‏

وإن قتيل ألطفِّ من آل هاشم * أذل رقاباً من قريشٍ فذلت

فإن تتبعوه عائذاً لبيتٍ تصبحوا * كعادٍ تعمت عن هداها فضلت

مررت على أبيات آل محمدٍ * فألفيتها أمثالها حيث حلت

وكانوا لنا غنماً فعادوا رزيةً * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم بزعمي تحلت

إذا افتقرت قيس خبرنا فقيرها * وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند يزيد قطرةٌ من دمائنا * سنجزيهم يوماً بها حيث حلت

ألم تر أن الأرض أضحت مريضةً * لقتل حسينٍ والبلاد اقشعرت

ومما وقع من الحوادث في هذه السنة - أعني‏:‏ سنة إحدى وستين - بعد مقتل الحسين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/231‏)‏

ففيها‏:‏ ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد سجستان وخراسان حين وفد عليه، وله من العمر أربعة وعشرون سنة، وعزل عنها أخويه عباداً وعبد الرحمن، وسار سلم إلى عمله فجعل ينتخب الوجوه والفرسان، ويحرض الناس على الجهاد‏.‏

ثم خرج في جحفل عظيم ليغزو بلاد الترك، ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص، فكانت أول امرأة من العرب قطع بها النهر، وولدت هناك ولداً أسموه صغدى، وبعثت إليها امرأة صاحب صغدى بتاجها من ذهب ولآلئ‏؟‏ ‏؟‏‏.‏

وكان المسلمون قبل ذلك لا يشتون في تلك البلاد، فشتى بها سلم بن زياد‏.‏

وبعث المهلب بن أبي صفرة إلى تلك المدينة التي هي للترك، وهي‏:‏ خوارزم فحاصرهم حتى صالحوه على نيف وعشرين ألف ألف، وكان يأخذ منهم عروضاً عوضاً، فيأخذ الشيء بنصف قيمته فبلغت قيمة ما أخذ منهم خمسين ألف ألف، فحظي بذلك المهلب عند سلم بن زياد‏.‏

ثم بعث من ذلك ما اصطفاه ليزيد بن معاوية مع مرزبان ومعه وفد، وصالح سلم أهل سمرقند في هذه الغزوة على مالٍ جزيل‏.‏

وفيها‏:‏ عزل يزيد عن إمرة الحرمين عمرو بن سعيد، وأعاد إليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فولاه المدينة، وذلك أن ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس ويعظم قتل الحسين وأصحابه جداً، ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين، ويترحم على الحسين ويلعن من قتله‏.‏

ويقول‏:‏ أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه، أما والله ما كان يستبدل بالقرآن الغنا والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذكر طلب الصيد، - يُعرّض في ذلك بيزيد بن معاوية - فسوف يلقون غياً، ويؤلب الناس على بني أمية ويحثهم على مخالفته، وخلع يزيد‏.‏

فبايعه خلق كثير في الباطن، وسألوه أن يظهرها فلم يمكنه ذلك مع وجود عمرو بن سعيد، وكان شديداً عليه ولكن فيه رفق، وقد كان كاتبه أهل المدينة وغيرهم‏.‏

وقال الناس‏:‏ أما إذ قتل الحسين فليس ينازع أحد ابن الزبير، فلما بلغ ذلك يزيد شق ذلك عليه‏.‏

وقيل له‏:‏ إن عمرو بن سعيد لو شاء لبعث إليك برأس ابن الزبير، أو يحاصره حتى يخرجه من الحرم، فبعث فعزله وولى الوليد بن عُتبة فيها‏.‏

وقيل‏:‏ في مستهل ذي الحجة، فأقام للناس الحج فيها، وحلف يزيد ليأتيني ابن الزبير في سلسلة من فضة، وبعث بها مع البريد ومعه برنس من خزٍ ليبر يمينه، فلما مر البريد على مروان وهو بالمدينة وأخبره بما هو قاصد له وما معه من الغل، أنشأ مروان يقول‏:‏

فخذها فما هي للعزيز بخطةٍ * وفيها مقال لامرئ متذلل

أعامر إنَّ القوم ساموك خطةً * وذلك في الجيران غزل بمغزل

أراك إذا ما كنت في القوم ناصحاً * يقال له بالدلو أدبر وأقبل

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/232‏)‏

فلما انتهت الرسل إلى عبد الله بن الزبير بعث مروان ابنيه عبد الملك، وعبد العزيز ليحضرا مراجعته في ذلك، وقال‏:‏ أسمعاه قولي في ذلك‏.‏

قال عبد العزيز‏:‏ فلما جلس الرسل بين يديه جعلت أنشده ذلك، وهو يسمع ولا أشعره، فالتفت إليّ فقال‏:‏ أخبرا أباكما أني أقول‏:‏

إني لمن نبعةٍ صمٌ مكاسرها * إذا تناوحت القصباء والعشر

ولا ألين لغير الحق أسأله * حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

قال عبد العزيز‏:‏ فما أدري أيما كان أعجب ‏!‏‏!‏

قال أبو معشر‏:‏ لا خلاف بين أهل السير أن الوليد بن عتبة حج بالناس في هذه السنة، وهو أمير الحرمين وعلى البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد، وعلى خراسان وسجستان سلم بن زياد أخو عبيد الله بن زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة‏.‏

 ذكر من توفي فيها من الأعيان

 الحسين بن علي رضي الله عنهما

ومعه بضعة عشر من أهل بيته قتلوا جميعاً بكربلاء‏.‏ وقيل‏:‏ بضعة وعشرون كما تقدم‏.‏ وقتل معهم جماعة من الأبطال والفرسان‏.‏

 جابر بن عتيك بن قيس

أبو عبد الله الأنصاري السلمي، شهد بدراً وما معه، وكان حامل راية الأنصار يوم الفتح، كذا قال ابن الجوزي، قال‏:‏ وتوفي في هذه السنة عن إحدى وسبعين سنة‏.‏

 حمزة بن عمرو الأسلمي

صحابي جليل ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن عائشة أنها قالت‏:‏ سأل حمزة بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني كثير الصيام، أفأصوم في السفر‏؟‏

فقال له‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شئت فصم وإن شئت فأفطر‏)‏‏)‏‏.‏

وقد شهد فتح الشام، وكان هو البشير للصديق يوم أجنادين‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهو الذي بشر كعب بن مالك بتوبة الله عليه فأعطاه ثوبيه‏.‏

وروى البخاري في ‏(‏التاريخ‏)‏ بإسناد جيد عنه أنه قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاءت لي أصابعي حتى جمعت عليها كل متاع كان للقوم‏.‏

اتفقوا على أنه توفي في هذه السنة - أعني‏:‏ سنة إحدى وستين -‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 8/233‏)‏

 شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي

صاحب مفتاح الكعبة، كان أبوه ممن قتله علي بن أبي طالب يوم أحد كافراً، وأظهر شيبة الإسلام يوم الفتح، وشهد حنيناً وفي قلبه شيء من الشك، وقد همَّ بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلع الله على ذلك رسوله فأخبره بما همَّ به، فأسلم باطناً وجاد إسلامه، وقاتل يومئذ وصبر فيمن صبر‏.‏

قال الواقدي عن أشياخه‏:‏ إن شيبة قال‏:‏ كنت أقول والله لو آمن بمحمد جميع الناس ما آمنت به‏.‏

فلما فتح مكة وخرج إلى هوازن خرجت معه رجاء أن أجد فرصة آخذ بثأر قريش كلها منه‏.‏

قال‏:‏ فاختلط الناس ذات يوم ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته فدنوت منه وانتضبت سيفي لأضربه به، فرفع لي شواظ من نار كاد يمحشني، فالتفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا شيبة ادن مني‏)‏‏)‏، فدنوت منه فوضع يده على صدري وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أعذه من الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما رفع يده حتى لهو يومئذ أحب إليّ من سمعي وبصري‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهب فقاتل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فتقدمت إلى العدو والله لو لقيت أبي لقتلته لو كان حياً، فلما تراجع الناس، قال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا شيبة الذي أراد الله بك خير مما أردت لنفسك‏)‏‏)‏‏.‏

ثم حدثني بكل ما كان في نفسي مما لم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل، فتشهدت وقلت‏:‏ أستغفر الله‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏غفر الله لك‏)‏‏)‏‏.‏

وليَ الحجابة بعد عثمان بن طلحة واستقرت الحجابة في بنيه وبيته إلى اليوم، وإليه ينسب بنو شيبة، وهم حجبة الكعبة‏.‏

قال خليفة بن خياط وغير واحد‏:‏ توفي سنة تسع وخمسين‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ بقي إلى أيام يزيد بن معاوية‏.‏

وقال ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏‏:‏ مات في هذه السنة عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، صحابي انتقل إلى دمشق وله بها دار، ولما مات أوصى إلى يزيد بن معاوية وهو أمير المؤمنين‏.‏

 الوليد بن عقبة بن أبي معيط

ابن أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أبو وهب القرشي العبشمي، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس‏.‏

وأمها‏:‏ أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وللوليد من الأخوة خالد، وعمارة، وأم كلثوم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 8/234‏)‏

وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه بعد وقعة بدر من بين الأسرى صبراً بين يديه، فقال‏:‏ يا محمد من للصبية‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لهم النار‏)‏‏)‏

وكذلك فعل بالنضر بن الحارث‏.‏

وأسلم الوليد هذا يوم الفتح، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فظن أنهم إنما خرجوا لقتاله فرجع، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يجهز إليهم جيشاً، فبلغهم ذلك فجاء من جاء منهم ليعتذروا إليه ويخبرونه بصورة ما وقع، فأنزل الله تعالى في الوليد‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ‏}‏الآية ‏[‏الحجرات‏:‏ 6‏]‏‏.‏

ذكر ذلك غير واحد من المفسرين والله أعلم بصحة ذلك‏.‏

وقد حكى أبو عمرو بن عبد البر على ذلك الإجماع‏.‏ وقد ولاه عمر صدقات بني تغلب، وولاه عثمان نيابة الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص، سنة خمس وعشرين، ثم شرب الخمر وصلى بأصحابه، ثم التفت إليهم فقال‏:‏ أزيدكم‏؟‏ ووقع منه تخبيط‏.‏

ثم إن عثمان جلده وعزله عن الكوفة بعد أربع سنين فأقام بها، فلما جاء علي إلى العراق سار إلى الرقة واشترى له عندها ضيعة، وأقام بها معتزلاً جميع الحروب التي كانت أيام علي ومعاوية وما بعدها إلى أن توفي بضيعته في هذه السنة، ودفن بضيعته وهي على خمسة عشر ميلاً من الرقة‏.‏

ويقال‏:‏ إنه توفي في أيام معاوية فالله أعلم‏.‏

روى له الإمام أحمد، وأبو داود حديثاً واحداً في فتح مكة، وقد ذكر ابن الجوزي وفاته في هذه السنة‏.‏

وذكر أيضاً وفاة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، وقد تقدم ذكر وفاتها في سنة إحدى وخمسين‏.‏

وقيل‏:‏ إنها توفيت سنة ثلاث وستين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ست وستين، والصواب ما ذكرناه‏.‏

أم سلمة أم المؤمنين

 هند بنت أبي أمية حذيفة‏.‏

وقيل‏:‏ سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشية المخزومية كانت أولاً تحت ابن عمها أبي سلمة بن عبد الأسد فمات عنها، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها في شوال سنة ثنتين بعد وقعة بدر‏.‏

وقد كانت سمعت من زوجها أبي سلمة‏:‏ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أبدله الله خيراً منها‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فلما مات أبو سلمة قلت ذلك، ثم قلت‏:‏ ومن هو خير من أبي سلمة أول رجل هاجر‏؟‏

ثم عزم الله لي فقلتها فأبدلني الله خيراً منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من حسان النساء وعابداتهن‏.‏

قال الواقدي‏:‏ توفيت سنة تسع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة‏.‏

وقال ابن أبي خيثمة‏:‏ توفيت في أيام يزيد بن معاوية‏.‏

قلت‏:‏ والأحاديث المتقدمة في مقتل الحسين تدل على أنها عاشت إلى ما بعد مقتله، والله أعلم‏.‏

ورضي الله عنها، والله سبحانه أعلم‏.‏