فصل: الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشَّديد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 الإشارة النَّبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية‏:‏

قد تقدَّم حديث أبي إدريس الخولانيّ عن حذيفة قال‏:‏ سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هل بعد هذا الخير من شر ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ وهل بعد ذلك الشَّر من خير ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم وفيه دخن‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ وما دخنه ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قوم يستنُّون بغير سنَّتي ويهدون بغير هدييّ، يعرف منهم وينكر‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏

فحمل البيهقيّ وغيره هذا الخبر الثَّاني على أيام عمر بن عبد العزيز‏.‏

وروى عن الحاكم، عن الأصمّ، عن العبَّاس بن الوليد بن مرثد، عن أبيه قال‏:‏ سئل الأوزاعيّ عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الشَّر الذي يكون بعد ذلك الخير‏.‏

فقال الأوزاعيّ‏:‏ هي الرِّدة التي كانت بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وفي مسألة حذيفة فهل بعد ذلك الشَّر من خير ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم وفيه دخن‏)‏‏)‏‏.‏

قال الأوزاعيّ‏:‏ فالخير الجماعة وفي ولاتهم من يعرف سيرته وفيهم من ينكر سيرته‏.‏

قال‏:‏ فلم يأذن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قتالهم ما صلُّوا الصَّلاة‏.‏

وروى أبو داود الطَّيالسيّ عن داود الواسطيّ - وكان ثقة - عن حبيب بن سالم، عن نعمان بن سالم، عن حذيفة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّكم في النُّبوة ما شاء الله أن يكون ثمَّ يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون خلافة على منهاج النبُّوة‏)‏‏)‏‏.‏

قال فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النُّعمان فكتبت إليه أذكِّره الحديث، وكتبته إليه أقول‏:‏ أني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الخيرية‏.‏

قال‏:‏ فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسرَّ به وأعجبه‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ حدَّثنا روح بن عبادة عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة قال‏:‏ قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعنده عمر وعثمان وعلي، فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏أدن‏)‏‏)‏ فدنوت حتى قمت بين يديه فرفع بصره إليَّ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنَّك ستلي أمر هذه الأمة وستعدل عليهم‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/268‏)‏

وسيأتي في الحديث الآخر إن شاء الله أنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها‏.‏

وقد قال كثير من الأئمة إنَّه عمر بن عبد العزيز فإنَّه تولَّى سنة إحدى ومائة‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنَّا الحاكم، أنَّا أبو حامد أحمد بن علي المقري، ثنا أبو عيسى، ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عفَّان بن مسلم، ثنا عثمان بن عبد الحميد ابن لاحق عن جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ بلغنا أنَّ عمر بن الخطَّاب قال‏:‏ إنَّ من ولدي رجلاً بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلاً‏.‏

قال نافع من قبله‏:‏ ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز‏.‏

وقد رواه نعيم بن حماد عن عثمان بن عبد الحميد به‏.‏

ولهذا طرق عن ابن عمر أنَّه كان يقول‏:‏ ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر بن الخطَّاب في وجهه علامة يملأ الأرض عدلاً‏.‏

وقد روي ذلك عن عبد الرَّحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيّب نحواً من هذا، وقد كان هذا الأمر مشهوراً قبل ولايته وميلاده بالكلِّية أنَّه يلي رجل من بني أمية يقال له‏:‏ أشج بني مروان، وكانت أمه أروى بنت عاصم بن عمر بن الخطَّاب، وكان أبوه عبد العزيز بن مروان نائباً لأخيه عبد الملك على مصر، وكان يكرم عبد الله بن عمر ويبعث إليه بالتُّحف والهدايا والجوائز فيقبلها، وبعث إليه مرَّة بألف دينار، فأخذها وقد دخل عمر بن عبد العزيز يوماً إلى اصطبل أبيه وهو صغير فرمحه فرس فشجَّه في جبينه، فجعل أبوه يسلت عنه الدَّم ويقول‏:‏ أما لئن كنت أشج بني مروان إنَّك إذاً لسعيد وكان النَّاس يقولون‏:‏ الأشجّ والناقص أعدلا بني مروان، فالأشج هو عمر بن عبد العزيز، والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي يقول فيه الشَّاعر‏:‏

رأيتُ اليَزيدَ بن الوليدِ مباركاً * شَديداً بأعباءِ الخِلافةِ كاهِلِهِ

قلت‏:‏ وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفاً فملأ الأرض عدلاً وفاض المال حتَّى كان الرَّجل يهمه لمن يعطي صدقته‏.‏

وقد حمل البيهقيّ الحديث المتقدِّم عن عدي بن حاتم على أيَّام عمر بن عبد العزيز وعندي في ذلك نظر والله أعلم‏.‏

وقد روى البيهقيّ من حديث إسماعيل ابن أبي أويس، حدَّثني أبو معن الأنصاري، ثنا أسيد قال‏:‏ بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الأرض إذ رأى حية ميتة، فقال‏:‏ علي بمحفار‏.‏

فقالوا‏:‏ نكفيك - أصلحك الله -‏.‏

قال‏:‏ لا ثمَّ أخذه ثمَّ لفَّه في خرقة ودفنه، فإذا هاتف يهتف رحمة الله عليك يا سُرَّق‏.‏

فقال له عمر بن عبد العزيز‏:‏ من أنت - يرحمك الله - ‏؟‏

قال‏:‏ أنا رجل من الجنِّ، وهذا سرق ولم يبق ممن بايع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غيري وغيره وأشهد لسمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏تموت يا سرَّق بفلاة من الأرض ويدفنك خير أمتي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي هذا من وجه آخر وفيه أنهم كانوا تسعة بايعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفيه أنَّ عمر بن عبد العزيز حلَّفه فلمَّا حلف بكى عمر بن عبد العزيز‏.‏

وقد رجَّحه البيهقيّ وحسَّنه فالله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/269‏)‏

حديث آخر في صحَّته نظر في ذكر وهب بن منبه بالمدح، وذكر غيلان بالذَّم‏:‏

روى البيهقيّ من حديث هشام بن عمَّار وغيره عن الوليد بن أسلم، عن مروان بن سالم اليرقانيّ، عن الأحوص بن حكيم، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصَّامت قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يكون في أمتي رجل يقال له‏:‏ وهب يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له‏:‏ غيلان هو أضر على أمتي من إبليس‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا لا يصح لأنَّ مروان بن سالم هذا متروك‏.‏

وبه إلى الوليد حدَّثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ينعق الشَّيطان بالشَّام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ وفي هذا وأمثاله إشارة إلى غيلان وما ظهر بالشَّام بسببه من التَّكذيب بالقدر حتى قتل‏.‏

 الإشارة إلى محمد بن كعب القرظيّ وعلمه بتفسير القرآن وحفظه‏:‏

قال حرملة‏:‏ عن ابن وهب، أخبرني أبو صخر عن عبد الله بن مغيث، عن أبي بردة الظفريّ، عن أبيه، عن جدِّه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يخرج في أحد الكاهنين رجل قد درس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده‏)‏‏)‏‏.‏

وروى البيهقيّ عن الحاكم، عن الأصمّ، عن إسماعيل القاضي، ثنا أبو ثابت، ثنا ابن وهب، حدَّثني عبد الجبَّار بن عمر عن ربيعة ابن أبي عبد الرَّحمن قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فكانوا يرون أنَّه محمد بن كعب القرظيّ‏.‏

قال أبو ثابت‏:‏ الكاهنان قريظة والنَّضير‏.‏

وقد روى من وجه آخر مرسل يخرج من الكاهنين رجل أعلم النَّاس بكتاب الله‏.‏

وقد قال عون بن عبد الله‏:‏ ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/270‏)‏

 ذكر الإخبار بانخرام قرنة صلَّى الله عليه وسلَّم بعد مائة سنة من ليلة إخباره‏:‏

ثبت في الصَّحيحين من حديث الزُّهريّ عن سالم وأبي بكر بن سليمان ابن أبي حيثمة عن عبد الله ابن عمر قال‏:‏ صلَّى بنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلاة العشاء ليلة في آخر عمره فلمَّا سلَّم قام فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أرأيتكم ليلتكم هذه فإنَّ رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد‏)‏‏)‏‏.‏

قال عمر‏:‏ فوهل النَّاس من مقالة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث من مائة سنة، وإنما يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن‏.‏

وفي رواية إنما أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم انخرام قرنه‏.‏

وفي صحيح مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول قبل موته بشهر‏:‏ ‏(‏‏(‏يسألون عن السَّاعة وإنَّما علمها عند الله فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث وأمثاله مما يحتجُّ به من ذهب من الأئمة إلى أن الخضر ليس بموجود الآن كما قدَّمنا ذلك في ترجمته في قصص الأنبياء - عليهم السَّلام - وهو نص على أن جميع الأحياء في الأرض يموتون إلى تمام مائة سنة من إخباره عليه السلام وكذا وقع سواء فما نعلم تأخُّر أحد من أصحابه إلى ما يجاوز هذه المدَّة، وكذلك جميع النَّاس ثمَّ قد طرد بعض العلماء هذا الحكم في كل مائة سنة، وليس في الحديث تعرض لهذا والله أعلم‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال محمد بن عمر الواقديّ‏:‏ حدَّثني شريح بن يزيد عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني، عن أبيه، عن عبد الله بن بسر قال‏:‏ وضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده على رأسي وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا الغلام يعيش قرناً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فعاش مائة سنة‏.‏

وقد رواه البخاريّ في ‏(‏التَّاريخ‏)‏ عن أبي حيوة شريح بن يزيد به فذكره، قال‏:‏ وزاد غيره وكان في وجهه ثالول، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ولا يموت حتى يذهب الثَّالول من وجهه‏)‏‏)‏‏.‏

فلم يمت حتى ذهب الثَّالول من وجهه وهذا إسناد على شرط السُّنن ولم يخرجوه‏.‏

ورواه البيهقيّ عن الحاكم، عن محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى، عن الفضل بن محرز الشعرانيّ، ثنا حيوة بن شريح، عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني، عن أبيه، عن عبد الله بن بسر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له‏:‏ ‏(‏‏(‏يعيش هذا الغلام قرناً‏)‏‏)‏ فعاش مائة سنة‏.‏

قال الواقديّ وغير واحد‏:‏ توفِّي عبد الله بن بسر بحمص سنة ثمان وثمانين عن أربع وتسعين، وهو آخر ما بقي من الصَّحابة بالشَّام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/271‏)‏

 الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشَّديد‏:‏

وإن صحَّ فهو الوليد بن يزيد لا الوليد بن عبد الملك‏.‏

قال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدَّثني محمد بن خالد بن العبَّاس السَّكسكي، حدَّثني الوليد بن مسلم، حدَّثني أبو عمر الأوزاعيّ عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب قال‏:‏ ولد لأخي أم سلمة غلام فسمُّوه الوليد‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏قد جعلتم تسمُّون بأسماء فراعنتكم إنَّه سيكون في هذه الأمَّة رجل يقال له‏:‏ الوليد هو أضرُّ على أمَّتي من فرعون على قومه‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر الأوزاعيّ‏:‏ فكان النَّاس يرون أنَّه الوليد بن عبد الملك ثمَّ رأينا أنَّه الوليد بن يزيد لفتنة النَّاس به حتى خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت على الأمَّة الفتنة والهرج‏.‏

وقد رواه البيهقيّ عن الحاكم وغيره، عن الأصمّ، عن سعيد بن عثمان التَّنوخيّ، عن بشر بن بكر، عن الأوزاعيّ، عن الزُّهريّ، عن سعيد فذكره، ولم يذكر قول الأوزاعيّ ثمَّ قال‏:‏ وهذا مرسل حسن‏.‏

وقد رواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم به، وعنده قال الزُّهريّ‏:‏ إن استخلف الوليد بن يزيد فهو هو وإلا فهو الوليد بن عبد الملك‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ ثنا هشيم عن أبي حمزة، عن الحسن قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏سيكون رجل اسمه الوليد يسد به ركن من أركان جهنَّم وزاوية من زواياها‏)‏‏)‏ وهذا مرسل أيضاً‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال سليمان بن بلال‏:‏ عن العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلاً اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولاً ومال الله دولاً‏)‏‏)‏ رواه البيهقيّ من حديثه‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ ثنا بقية بن الوليد وعبد القدُّوس عن أبي بكر ابن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن أبي ذر قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله نحلاً وكتاب الله دغلاً‏)‏‏)‏ وهذا منقطع بين راشد بن سعد وبين أبي ذر‏.‏

وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ أنَّا جرير عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دغلاً ومال الله دولاً وعباد الله خولاً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد عن عثمان ابن أبي شيبة، عن جرير به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/272‏)‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنَّا علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا بسَّام - وهو محمَّد بن غالب - ثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل أنَّ ابن وهب أخبره أنَّه كان عند معاوية ابن أبي سفيان فدخل عليه مروان فكلَّمه في حاجته فقال‏:‏ إقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فوالله إن مؤنتي لعظيمة وإني لأبو عشرة وعمُّ عشرة وأخو عشرة، فلمَّا أدبر مروان - وابن عبَّاس جالس مع معاوية على السَّرير - قال معاوية‏:‏ أنشدك بالله يا ابن عبَّاس أما تعلم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله بينهم دولاً وعباد الله خولاً، وكتاب الله دغلاً‏؟‏ فإذا بلغوا سبعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك ثمرة‏؟‏‏)‏‏)‏

فقال ابن عبَّاس‏:‏ اللَّهم نعم‏.‏

قال‏:‏ وذكر مروان حاجة له، فردَّ مروان عبد الملك إلى معاوية فكلَّمه فيها، فلمَّا أدبر عبد الملك، قال معاوية‏:‏ أنشدك بالله يا ابن عبَّاس أما تعلم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذكر هذا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبو الجبابرة الأربعة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال ابن عبَّاس‏:‏ اللَّهم نعم‏.‏

وهذا الحديث فيه غرابة ونكارة شديدة وابن لهيعة ضعيف‏.‏

وقد قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدَّارميّ‏:‏ ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا سعد بن زيد أخو حماد بن زيد عن علي بن الحكم البنانيّ، عن أبي الحسن، عن عمرو بن مرَّة - وكانت له صحبة - قال‏:‏ جاء الحكم ابن أبي العاص يستأذن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فعرف كلامه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئذنوا له حية أو ولد حية - عليه لعنة الله - وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم ليترفون في الدُّنيا، ويوضعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدُّنيا ومالهم في الآخرة من خلاق‏)‏‏)‏ قال الدَّارميّ‏:‏ أبو الحسن هذا حمصي‏.‏

وقال نعيم بن حماد في ‏(‏الفتن والملاحم‏)‏‏:‏ ثنا عبد الله بن مروان المروانيّ عن أبي بكر ابن أبي مريم، عن راشد بن سعد أنَّ مروان بن الحكم لمَّا ولد دفع إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليدعو له فأبى أن يفعل، ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ابن الزَّرقاء هلاك أمتي على يديه ويدي ذريته‏)‏‏)‏ وهذا حديث مرسل‏.‏

 ذكر الأخبار عن خلفاء بني أمية جملة من جملة‏:‏

قال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا أحمد بن محمد أبو محمد الزرقيّ، ثنا الزنجيّ - يعني‏:‏ مسلم بن خالد - عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت في المنام بني الحكم أو بني أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فما رآني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي‏.‏

وقال الثَّوريّ‏:‏ عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيّب قال‏:‏ رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بني أمية على منابرهم فساءه ذلك، فأوحي إليه إنَّما هي دنيا أعطوها فقرت به عينه وهي قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 60‏]‏‏.‏

يعني‏:‏ بلاء للنَّاس، علي بن زيد بن جدعان ضعيف، والحديث مرسل أيضاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/273‏)‏

وقال أبو داود الطَّيالسيّ‏:‏ ثنا القاسم بن الفضل - هو الحدائي - ثنا يوسف بن مازن الرَّاسبيّ قال‏:‏ قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال‏:‏ يا مسوِّد وجوه المؤمنين‏.‏

فقال الحسن‏:‏ لا تؤنبني - رحمك الله - فإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلاً رجلاً فساءه ذلك، فنزلت‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّا أعطيناك الكوثر‏)‏‏)‏ - يعني‏:‏ نهراً في الجنَّة ونزلت‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر‏)‏‏)‏ يملكه بنو أمية‏.‏

قال القاسم‏:‏ فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ وابن جرير الطَّبريّ والحاكم في مستدركه والبيهقيّ في ‏(‏دلائل النّبوة‏)‏ كلَّهم من حديث القاسم بن الفضل الحذَّاء، وقد وثَّقه يحيى بن سعيد القطَّان، وابن مهدي عن يوسف بن سعد ويقال‏:‏ يوسف بن مازن الرَّاسبيّ‏.‏

وفي رواية ابن جرير عيسى بن مازن قال التّرمذيّ‏:‏ وهو رجل مجهول وهذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، فقوله‏:‏ إنَّ يوسف هذا مجهول مشكل، والظَّاهر أنَّه أراد أنَّه مجهول الحال فإنَّه قد روى عنه جماعة‏:‏ منهم حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ وهو مشهور وفي رواية عنه قال‏:‏ هو ثقة فارتفعت الجهالة عنه مطلقاً‏.‏

قلت‏:‏ ولكن في شهوده قصَّة الحسن ومعاوية نظر وقد يكون أرسلها عمَّن لا يعتمد عليه والله أعلم‏.‏

وقد سألت شيخنا الحافظ أبا الحجَّاج المزِّيّ رحمه الله عن هذا الحديث، فقال‏:‏ هو حديث منكر وأما قول القاسم بن الفضل رحمه الله‏:‏ إنَّه حسب دولة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقصه فهو غريب جداً وفيه نظر وذلك لأنَّه لا يمكن إدخال دولة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه وكانت اثنتا عشرة سنة في هذه المدَّة لا من حيث الصُّورة، ولا من حيث المعنى وذلك أنها ممدوحة لأنَّه أحد الخلفاء الرَّاشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحقِّ، وبه كانوا يعدلون وهذا الحديث إنَّما سيق لذمِّ دولتهم وفي دلالة الحديث على الذَّم نظر وذلك أنَّه دلَّ على أنَّ ليلة القدر خير من ألف شهر التي هي دولتهم، وليلة القدر ليلة خيِّرة عظيمة المقدار والبركة كما وصفها الله تعالى به فما يلزم من تفضيلها على دولتهم ذمَّ دولتهم فليتأمل هذا فإنَّه دقيق يدلُّ على أنَّ الحديث في صحَّته نظر لأنَّه إنَّما سيق لذمِّ أيَّامهم والله تعالى أعلم‏.‏

وأمَّا إذا أراد أنَّ ابتداء دولتهم منذ ولي معاوية حين تسلَّمها من الحسن بن علي فقد كان ذلك سنة أربعين، أو إحدى وأربعين، وكان يقال له‏:‏ عام الجماعة لأنَّ النَّاس كلَّهم اجتمعوا على إمام واحد وقد تقدَّم الحديث في صحيح البخاري عن أبي بكرة أنَّه سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول للحسن بن علي‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ ابني هذا سيد ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين‏)‏‏)‏ فكان هذا في هذا العام، ولله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/274‏)‏

واستمر الأمر في أيدي بني أمية من هذه السَّنة إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائة حتى انتقل إلى بني العبَّاس كما سنذكره، ومجموع ذلك اثنتان وتسعون سنة، وهذا لا يطابق ألف شهر لأنَّ معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فإن قال‏:‏ أنا أخرج منها ولاية ابن الزُّبير وكانت تسع سنين فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة، فالجواب أنَّه وإن خرجت ولاية ابن الزُّبير فإنَّه لا يكون ما بقي مطابقاً لألف شهر تحديداً بحيث لا ينقص يوماً ولا يزيده كما قاله بل يكون ذلك تقريباً هذا وجه الثَّاني أن ولاية ابن الزُّبير كانت بالحجاز والأهواز والعراق في بعض أيَّامه، وفي مصر في قول، ولم تنسلب يد بني أمية من الشَّام أصلاً، ولا زالت دولتهم بالكلِّية في ذلك الحين الثَّالث أنَّ هذا يقتضي دخول دولة عمر بن عبد العزيز في حساب بني أمية ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة، وهذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام وإنَّهم مصرِّحون بأنَّه أحد الخلفاء الرَّاشدين، حتى قرنوا أيَّامه تابعة لأيَّام الأربعة وحتى اختلفوا في أيُّهما أفضل هو أو معاوية ابن أبي سفيان أحد الصَّحابة‏.‏

وقد قال أحمد بن حنبل‏:‏ لا أرى قول أحد من التَّابعين حجَّة إلا قول عمر بن عبد العزيز، فإذا علم هذا فإن أخرج أيَّامه من حسابه انخرم حسابه، وإن أدخلها فيه مذمومة خالف الأئمة، وهذا ما لا محيد عنه وكل هذا مما يدل على نكارة هذا الحديث والله أعلم‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن العلاء ابن أبي العبَّاس سمع أبا الطّفيل سمع علياً يقول‏:‏ لا يزال هذا الأمر في بني أمية ما لم يختلفوا بينهم‏.‏

حدَّثنا ابن وهب عن حرملة بن عمران، عن سعد بن سالم، عن أبي سالم الجيشاني سمع علياً يقول‏:‏ الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ويتنافسوا بينهم فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواماً من المشرق يقتلوهم بدداً ويحصروهم عدداَّ، والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعاً‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ حدَّثنا الوليد بن مسلم عن حصين بن الوليد، عن الزُّهريّ بن الوليد سمعت أمّ الدَّرداء سمعت أبا الدَّرداء يقول‏:‏ إذا قتل الخليفة الشَّاب من بني أمية بين الشَّام والعراق مظلوماً ما لم تزل طاعة يستخف بها ودم مسفوك بغير حق - يعني‏:‏ الوليد ابن يزيد - ومثل هذه الأشياء إنَّما تقال عن توقيف‏.‏

 الإخبار عن دولة بني العبَّاس‏:‏

وكان ظهورهم من خراسان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

قال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدَّثني محمد بن خالد بن العبَّاس، ثنا الوليد بن مسلم، حدَّثني أبو عبد الله عن الوليد بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد بن عقبة ابن أبي معيط قال‏:‏ قدم عبد الله بن عبَّاس على معاوية وأنا حاضر فأجازه، فأحسن جائزته ثمَّ قال‏:‏ يا أبا العبَّاس هل لكم في دولة ‏؟‏

فقال‏:‏ إعفني يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال‏:‏ لتخبرني‏.‏

قال‏:‏ نعم فأخبره‏.‏

قال‏:‏ فمن أنصاركم ‏؟‏

قال‏:‏ أهل خراسان، ولبني أمية من بني هاشم بطحات رواه البيهقيّ‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/275‏)‏

وقال ابن عدي‏:‏ سمعت ابن حماد، أنَّا محمد بن عبده ابن حرب، ثنا سويد بن سعيد، أنَّا حجَّاج بن تميم عن ميمون بن مهران، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ مررت بالنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإذا معه جبريل - وأنا أظنّه دحية الكلبيّ - فقال جبريل للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ إنَّه لوسخ الثِّياب، وسيلبس ولده من بعده السَّواد، وذكر تمام الحديث في ذهاب بصره ثمَّ عوده إليه قبل موته‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ تفرَّد به حجَّاج بن تميم وليس بالقويّ‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنَّا الحاكم، ثنا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالونة في آخرين قالوا‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبيد الله ابن أبي قرة، ثنا اللَّيث بن سعيد، عن أبي فضيل، عن أبي ميسرة مولى العبَّاس قال‏:‏ سمعت العبَّاس قال‏:‏ كنت عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذات ليلة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنظر هل ترى في السَّماء من شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما ترى‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ الثُّريا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إما إنَّه سيملك هذه الأمَّة بعددها من صلبك‏)‏‏)‏‏.‏

قال البخاري‏:‏ عبيد ابن أبي قرَّة بغداديّ سمع اللَّيث لا يتابع على حديثه في قصَّة العبَّاس‏.‏

وروى البيهقيّ من حديث محمد بن عبد الرَّحمن العامريّ - وهو ضعيف - عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال للعبَّاس‏:‏ ‏(‏‏(‏فيكم النُّبوة وفيكم الملك‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو بكر ابن خيثمة‏:‏ ثنا يحيى بن معين، ثنا سفيان عن عمرو ابن دينار، عن أبي معبد قال‏:‏ قال ابن عبَّاس‏:‏ كما فتح الله بأوَّلنا فأرجو أن يختمه بنا، هذا إسناد جيد وهو موقوف على ابن عبَّاس من كلامه‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدَّثني إبراهيم بن أيوب، ثنا الوليد، ثنا عبد الملك بن حميد عن أبي عتبة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال‏:‏ سمعت ابن عبَّاس ونحن نقول‏:‏ اثنا عشر أميراً واثنا عشر، ثمَّ هي السَّاعة، فقال ابن عبَّاس‏:‏ ما أحمقكم إن منَّا أهل البيت بعد ذلك المنصور، والسَّفاح، والمهدي يرفعها إلى عيسى بن مريم وهذا أيضاً موقوف‏.‏

وقد رواه البيهقيّ من طريق الأعمش عن الضحَّاك، عن ابن عبَّاس مرفوعاً‏:‏ منَّا السَّفاح، والمنصور، المهدي، وهذا إسناد ضعيف، والضحَّاك لم يسمع من ابن عبَّاس شيئاً على الصَّحيح فهو منقطع والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/276‏)‏

وقد قال عبد الرزاق‏:‏ عن الثَّوريّ، عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة ابن أبي أسماء، عن ثوبان قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يقتتل عند كيركم هذه ثلاثة كلَّهم ولد خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثمَّ تقبل الرَّايات السُّود من خراسان، فيقتلونهم مقتلة لم يروا مثلها ثمَّ يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبواً على الثَّلج فإنَّه خليفة الله المهدي‏)‏‏)‏‏.‏

أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلميّ ومحمد بن يحيى الذُّهليّ، كلاهما عن عبد الرزاق به‏.‏

ورواه البيهقيّ من طرق عن عبد الرزاق ثمَّ قال‏:‏ تفرَّد به عبد الرَّزاق‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة، عن أسماء موقوفاً‏.‏

ثمَّ قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا محمد بن غالب، ثنا كثير بن يحيى، ثنا شريك عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أقبلت الرَّايات السُّود من عقب خراسان فأتوها ولو حبواً على الثَّلج فإنَّ فيها خليفة الله المهدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ حدَّثنا الفضل بن سهل، ثنا عبد الله بن داهر الرَّازيّ، ثنا أبي عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذكر فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه وذكر الرَّايات، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن أدركها فليأتها ولو حبواً على الثَّلج‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا ابن أبي ليلى، ولا نعلم يروى إلا من حديث داهر بن يحيى - وهو من أهل الرأي صالح الحديث - وإنما يعرف من حديث يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا أبو هشام بن يزيد بن رفاعة، ثنا أبو بكر ابن عياش، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏تجيء رايات سود من قبل المشرق تخوض الخيل الدَّم إلى أن يظهروا العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه‏)‏‏)‏ وهذا إسناد حسن‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن غيلان وقتيبة بن سعيد قالا‏:‏ ثنا رشد بن سعد، قال يحيى بن غيلان‏:‏ في حديثه، قال‏:‏ حدَّثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن قبيصة - هو ابن ذؤيب الخزاعيّ - عن أبي هريرة، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يخرج من خراسان رايات سود لا يردَّها شيء حتى تنصب بأيليا‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/277‏)‏

وقد رواه التّرمذيّ عن قتيبة به، وقال‏:‏ غريب‏.‏

ورواه البيهقيّ والحاكم من حديث عبد الله ابن مسعود عن رشدين بن سعد‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ تفرَّد به رشدين بن سعد، وقد روي قريب من هذا عن كعب الأحبار ولعلَّه أشبه والله أعلم‏.‏

ثمَّ روى من طريق يعقوب بن سفيان حدَّثنا محمد عن أبي المغيرة عبد القدوس، عن إسماعيل بن عياش، عمَّن حدَّثه، عن كعب الأحبار قال‏:‏ تظهر رايات سود لبني العبَّاس حتى ينزلوا بالشَّام ويقتل الله على أيديهم كل جبَّار وكل عدوّ لهم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا جرير عن الأعمش، عن عطية العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يخرج عند انقطاع من الزَّمان وظهور زمن الفتن رجل يقال له‏:‏ السَّفاح فيكون إعطاؤه المال حثواً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه البيهقيّ عن الحاكم، عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الصَّمد، عن أبي عوانة، عن الأعمش به، وقال فيه‏:‏ ‏(‏‏(‏يخرج رجل من أهل بيتي يقال له‏:‏ السَّفاح‏)‏‏)‏ فذكره وهذا الإسناد على شرط أهل السنن ولم يخرِّجوه، فهذه الأخبار في خروج الرَّايات السُّود من خراسان وفي ولاية السَّفاح وهو أبو العبَّاس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المطَّلب، وقد وقعت ولايته في حدود سنة ثلاثين ومائة، ثمَّ ظهر بأعوانه ومعهم الرَّايات السُّود وشعارهم السَّواد‏.‏

كما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة يوم الفتح وعلى رأسه المعفَّر وفوقه عمامة سوداء ثمَّ بعث عمَّه عبد الله لقتال بني أمية فكسرهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهرب من المعركة آخر خلفائهم وهو مروان بن محمد بن مروان ويلقَّب بمروان الحمار، ويقال له‏:‏ مروان الجعديّ لاشتغاله على الجعد بن درهم فيما قيل ودخل عمّه دمشق واستحوذ على ما كان لبني أمية من الملك، والأملاك، والأموال، وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد ورد عن جماعة من السَّلف في ذكر الرَّايات السُّود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه، وفي بعض الرِّوايات ما يدلُّ على أنَّه لم يقع أمرها بعد وأن ذلك يكون في آخر الزَّمان كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثِّقة وعليه التُّكلان‏.‏

وقد روى عبد الرزاق عن معمَّر، عن الزهريّ قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقوم السَّاعة حتى تكون الدُّنيا للكع بن لكع‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو معمَّر‏:‏ هو أبو مسلم الخراساني - يعني‏:‏ الذي أقام دولة بني العبَّاس - والمقصود أنَّه تحوَّلت الدَّولة من بني أمية إلى بني العبَّاس في هذه السَّنة وكان أوَّل قائم منهم أبو العبَّاس السَّفاح، ثمَّ أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور باني مدينة السَّلام ثمَّ من بعده ابنه المهدي محمد بن عبد الله ثمَّ من بعده ابنه الهادي، ثمَّ ابنه الآخر هارون الرَّشيد، ثمَّ انتشرت الخلافة في ذريته على ما سنفصله إذا وصلنا إلى تلك الأيَّام، وقد نطقت هذه الأحاديث التي أوردناها آنفاً بالسَّفاح، والمنصور، والمهدي، ولا شكَّ أنَّ المهدي الذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بني العبَّاس ليس هو المهدي الذي وردت الأحاديث المستفيضة بذكره وأنَّه يكون في آخر الزَّمان، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً‏.‏

وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءاً على حدة كما أفرد له أبو داود كتاباً في سننه، وقد تقدَّم في بعض هذه الأحاديث آنفاً، أنَّه يسلِّم الخلافة إلى عيسى بن مريم إذا نزل إلى الأرض والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/278‏)‏

وأما السَّفاح فقد تقدَّم أنَّه يكون في آخر الزَّمان فيبعد أن يكون هو الذي بويع أوَّل خلفاء بني العبَّاس، فقد يكون خليفة آخر وهذا هو الظَّاهر فإنَّه قد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري من قدوم الحميريّ سمع نفيع بن عامر يقول‏:‏ يعيش السَّفاح أربعين سنة اسمه في التَّوراة طائر السَّماء‏.‏

قلت‏:‏ وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزَّمان لكثرة ما يسفح أي يريق من الدِّماء لإقامة العدل، ونشر القسط، وتكون الرَّايات السُّود المذكورة في هذه الأحاديث إن صحَّت هي التي تكون مع المهدي ويكون أوَّل ظهور بيعته بمكة، ثمَّ تكون أنصاره من خراسان كما وقع قديماً للسَّفاح والله تعالى أعلم‏.‏

هذا كله تفريع على صحَّة هذه الأحاديث، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام والله سبحانه وتعالى أعلم بالصَّواب‏.‏

الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلَّهم من قريش‏:‏

وليسوا بالاثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرَّافضة فإنَّ هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور النَّاس منهم إلا علي ابن أبي طالب، وابنه الحسن، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر في زعمهم بسرداب سامرا وليس له وجود ولا عين ولا أثر بل هؤلاء من الأئمة الاثني عشر المخبر عنهم في الحديث، الأئمة الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - ومنهم‏:‏ عمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السّنة في تفسير الاثني عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث‏.‏

ثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة ومسلم من حديث سفيان بن عيينة كلاهما عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يكون اثنا عشر خليفة‏)‏‏)‏ ثمَّ قال كلمة لم أسمعها، فقلت لأبي‏:‏ ما قال ‏؟‏

قال‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلّهم من قريش‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو نعيم بن حماد في كتاب ‏(‏الفتن والملاحم‏)‏‏:‏ حدَّثنا عيسى بن يونس، حدَّثنا مجالد عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عبد الله ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يكون بعدي من الخلفاء عدَّة أصحاب موسى‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة، وابن عباس، وكعب الأحبار، من قولهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/279‏)‏

وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا عمرو بن عثمان، حدَّثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يزال هذا الأمر قائماً حتى يكون عليهم اثني عشر خليفة، أو أميراً كلَّهم يجتمع عليهم الأمة‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعت كلاماً من النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم أفهمه، فقلت لأبي‏:‏ ما يقول ‏؟‏

قال‏:‏ كلَّهم من قريش‏.‏

وقال أبو داود أيضاً‏:‏ حدَّثنا ابن نفيل، حدَّثنا زهير بن معاوية، حدَّثنا زياد بن خيثمة، حدَّثنا الأسود بن سعيد الهمدانيّ عن جابر بن سمرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تزال هذه الأمَّة مستقيماً أمرها ظاهرة على عدوِّها حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلمَّا رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا‏:‏ ثمَّ يكون ماذا ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ثمَّ يكون الهرج‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ ففي الرِّواية الأولى بيان العدد وفي الثَّانية بيان المراد بالعدد، وفي الثَّالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم وقد وجد هذا العدد بالصِّفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثمَّ وقع الهرج، والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرِّواية، ثمَّ ظهر ملك العباسيَّة كما أشار إليه في الباب قبله وإنَّما يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصِّفة المذكورة فيه، أو عد منهم من كان بعد الهرج المذكور فيه‏.‏

وقد قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من النَّاس اثنان‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ ساقه من حديث عاصم بن محمد عن أبيه، عن ابن عمر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فذكره‏.‏

وفي صحيح البخاريّ من طريق الزهريّ عن محمد بن جبير بن مطعم، عن معاوية ابن أبي سفيان قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدِّين‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ أي أقاموا معالمه وإن قصروا هم في أعمال أنفسهم، ثمَّ ساق أحاديث بقية ما ذكره في هذا والله أعلم‏.‏

فهذا الذي سلكه البيهقيّ وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الاثني عشر المذكورين في هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الذي قدَّمنا الحديث فيه بالذَّم والوعيد فإنَّه مسلك فيه نظر وبيان ذلك أنَّ الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير، وبرهانه أنَّ الخلفاء الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة ‏(‏‏(‏الخلافة بعدي ثلاثون سنة‏)‏‏)‏

ثمَّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع لأن علياً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشَّام حتى اصطلح هو ومعاوية كما دلَّ عليه حديث أبي بكرة في صحيح البخاري، ثمَّ معاوية، ثمَّ ابنه يزيد بن معاوية، ثمَّ ابنه معاوية بن يزيد، ثمَّ مروان بن الحكم، ثمَّ ابنه عبد الملك بن مروان، ثمَّ ابنه الوليد بن عبد الملك، ثمَّ سليمان بن عبد الملك، ثمَّ عمر بن عبد العزيز، ثمَّ يزيد بن عبد الملك، ثمَّ هشام بن عبد الملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثمَّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإن اعتبرنا ولاية الزُّبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه وعدُّوه من الخلفاء الرَّاشدين، وأجمع النَّاس قاطبة على عدله، وأنَّ أيَّامه كانت من أعدل الأيَّام حتى الرَّافضة يعترفون بذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/280‏)‏

فإن قال‏:‏ أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه لزمه على هذا القول أن لا يعد علي ابن أبي طالب، ولا ابنه لأنَّ النَّاس لم يجتمعوا عليهما وذلك أنَّ أهل الشَّام بكمالهم لم يبايعوهما، وعد حبيب معاوية، وابنه يزيد، وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيّد بأيَّام مروان ولا ابن الزُّبير كأنَّ الأمَّة لم تجتمع على واحد منهما، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عاداً للخلفاء‏:‏ أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثمَّ معاوية، ثمَّ يزيد بن معاوية، ثمَّ عبد الملك، ثمَّ الوليد بن سليمان، ثمَّ عمر بن عبد العزيز، ثمَّ يزيد، ثمَّ هشام، فهؤلاء عشرة، ثمَّ من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك فأخذها يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر وهو خلاف ما نص عليه أئمة السُّنة بل والشِّيعة، ثمَّ هو خلاف ما دلَّ عليه نصاً حديث سفينة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمَّ تكون ملكاً عضوضاً‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثَّلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة، وقد بينَّا دخول خلافة الحسن وكانت نحواً من ستة أشهر فيها أيضاً ثمَّ صار الملك إلى معاوية لما سلم الأمر إليه الحسن بن علي، وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة، وبيان أنَّ الخلافة قد انقطعت بعد الثَّلاثين سنة لا مطلقا بل انقطع تتابعها، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك كما دلَّ عليه حديث جابر بن سمرة‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ حدَّثنا راشد بن سعد عن ابن لهيعة، عن خالد ابن أبي عمران، عن حذيفة بن اليمان قال‏:‏ يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكاً من بني أمية، وقيل له‏:‏ خلفاء ‏؟‏

قال‏:‏ لا بل ملوك‏.‏

وقد روى البيهقيّ من حديث حاتم بن صفرة عن أبي بحر قال‏:‏ كان أبو الجلد جاراً لي فسمعته يقول‏:‏ يحلف عليه أنَّ هذه الأمَّة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلَّهم يعمل بالهدى ودين الحقّ منهم رجلان من أهل البيت أحدهما يعيش أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة‏.‏

ثمَّ شرع البيهقيّ في ردِّ ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الردّ وهذا عجيب منه وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء، ولعلَّ قوله أرجح لما ذكرنا وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدِّمة وفي التَّوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه‏:‏ أنَّ الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسماعيل وأنَّه ينمِّيه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً‏.‏

قال شيخنا العلامة أبو العبَّاس ابن تيمية‏:‏ وهؤلاء المبشَّر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر أنهم يكونون مفرَّقين في الأمَّة ولا تقوم السَّاعة حتى يوجدوا وغلط كثير ممن تشرَّف بالإسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرَّافضة فاتبعوهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/281‏)‏

وقد قال نعيم بن حماد‏:‏ حدَّثنا ضمرة عن ابن شوذب، عن أبي المنهال، عن أبي زياد بن كعب قال‏:‏ إنَّ الله وهب لإسماعيل من صلبه اثني عشر قيماً أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان‏.‏

وقال نعيم‏:‏ حدَّثنا ضمرة عن ابن شوذب، عن يحيى بن عمرو الشَّيبانيّ قال‏:‏ ليس من الخلفاء من لم يملك المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى‏.‏

الإخبار عن أمور وقعت في دولة بني العبَّاس‏:‏

فمن ذلك حدَّثنا أبو جعفر عبد الله ومحمد بن علي بن عبد الله بن عبَّاس الخليفة بعد أخيه الخليفة السَّفاح - وهو المنصور الباني لمدينة بغداد في سنة خمس وأربعين ومائة -‏.‏

قال نعيم بن حماد في كتابه‏:‏ عن أبي المغيرة عن أرطأة بن المنذر، عمَّن حدَّثه، عن ابن عبَّاس أنَّه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال‏:‏ يا ابن عبَّاس قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏حمعسق‏)‏‏)‏ فأطرق ساعة وأعرض عنه ثمَّ كرَّرها فلم يجبه بشيء‏.‏

فقال له حذيفة‏:‏ أنا أنبئك وقد عرفت لم كرَّرها إنَّما نزلت في رجل من أهل بيته يقال له‏:‏ عبد الإله، أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتين يشق النَّهر بينهما شقاً يجتمع فيهما كل جبَّار عنيد‏.‏

وقال أبو القاسم الطَّبرانيّ‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجد الحوطيّ، حدَّثنا أبو المغيرة، حدَّثنا عبد الله بن السَّمط، حدَّثنا صالح بن علي الهاشميّ عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لأن يربِّي أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة جرو كلب خير من أن يربِّي ولداً لصلبه‏)‏‏)‏‏.‏

قال شيخنا الذَّهبي‏:‏ هذا الحديث موضوع واتَّهم به عبد الله بن السَّمط هذا‏.‏

وقال نعيم بن حماد الخزاعيّ شيخ البخاري في كتابه ‏(‏الفتن والملاحم‏)‏‏:‏ حدَّثنا أبو عمرو البصري عن أبي بيان المعافريّ عن بديع، عن كعب قال‏:‏ إذا كانت سنة ستين ومائة انتقص فيها حلم ذوي الأحلام ورأي ذوي الرّأي‏.‏

حديث آخر فيه إشارة إلى مالك بن أنس الإمام‏:‏

روى التّرمذيّ من حديث ابن عيينة عن ابن جريج، عن أبي الزُّبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رواية يوشك أن يضرب النَّاس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة، ثمَّ قال‏:‏ هذا حديث حسن وهو حديث ابن عيينة، وقد روي عنه أنَّه قال‏:‏ هو مالك بن أنس، وكذا قال عبد الرزاق‏.‏

قلت‏:‏ وقد توفي مالك رحمه الله سنة تسع وسبعين ومائة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/282‏)‏

حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشَّافعي‏:‏

قال أبو داود الطَّيالسيّ‏:‏ حدَّثنا جعفر بن سليمان عن النَّضر بن معبد الكنديّ أو العبدلي، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تسبُّوا قريشاً فإنَّ عالمها يملأ الأرض علماً اللَّهم إنَّك أذقت أولها وبالاً فأذق آخرها نوالاً‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الحاكم من طريق أبي هريرة‏.‏

قال الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ‏:‏ وهو الشَّافعي‏.‏

قلت‏:‏ وقد توفي الشَّافعي رحمه الله في سنة أربع ومائتين وقد أفردنا ترجمته في مجلد وذكرنا معه تراجم أصحابه من بعده‏.‏

حديث آخر‏:‏

روى رواد بن الجراح عن سفيان الثَّوريّ، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة مرفوعاً‏:‏ ‏(‏‏(‏خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ وما خفيف الحاذ يا رسول الله ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من لا أهل له ولا مال ولا ولد‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال ابن ماجه‏:‏ حدَّثنا الحسن بن علي الخلال، حدَّثنا عون بن عمارة، حدَّثني عبد الله بن المثنى، ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أبيه، عن جدِّه أنس بن مالك، عن أبي قتادة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏الآيات بعد المائتين‏)‏‏)‏‏.‏

وحدَّثنا نصر بن علي الجهضميّ، حدَّثنا نوح بن قيس، حدَّثنا عبد الله بن معقل عن يزيد الرَّقاشيّ، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل برٍّ وتقوى، ثمَّ الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل، ثمَّ الذين يلونهم إلى ستِّين ومائة أهل تدابر وتقاطع، ثمَّ الهرج الهرج النَّجاء النَّجاء‏)‏‏)‏‏.‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/283‏)‏

وحدَّثنا نصر بن علي، حدَّثنا حازم أبو محمد العنزيّ، حدَّثنا المسور بن الحسن عن أبي معن، عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أمَّتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاماً، فأمَّا طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان، وأما الطَّبقة الثَّانية ما بين الأربعين إلى الثَّمانين فأهل برِّ وتقوى‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ ذكره نحوه هذا لفظه، وهو حديث غريب من هذين الوجهين ولا يخلو عن نكارة والله أعلم‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا وكيع عن الأعمش، حدَّثنا هلال بن بيان عن عمران بن حصين قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏خير النَّاس قرني ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ يجيء قوم يتسمَّنون يحبون السِّمن يعطون الشَّهادة قبل أن يسألوها‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه التّرمذيّ من طريق الأعمش‏.‏

وقد رواه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي جمرة، عن زهدم بن مضرب سمعت عمران بن حصين قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏خير أمَّتي قرني ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال عمران‏:‏ فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ‏(‏‏(‏ثمَّ إنَّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمن‏)‏‏)‏ لفظ البخاري‏.‏

وقال البخاريّ‏:‏ حدَّثنا محمد بن كثير، أنَّا سفيان عن منصور، عن إبراهيم بن عبيدة، عن عبد الله أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خير القرون قرني، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ يجيء قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته‏)‏‏)‏‏.‏

قال إبراهيم‏:‏ وكانوا يضربوننا على الشَّهادة والعهد ونحن صغار‏.‏

وقد رواه بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق متعددة عن منصور به‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال نعيم بن حماد‏:‏ حدَّثنا أبو عمرو البصري عن ابن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت البنانيّ، عن أبيه، عن الحرث الهمدانيّ، عن ابن مسعود، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏السَّابع من ولد العبَّاس يدعو النَّاس إلى الكفر فلا يجيبونه، فيقول له أهل بيته‏:‏ تريد أن تخرجنا من معايشنا‏؟‏ فيقول‏:‏ إني أسير فيكم بسيرة أبي بكر وعمر فيأبون عليه فيقتله عدو له من أهل بيته من بني هاشم، فإذا وثب عليه اختلفوا فيما بينهم‏)‏‏)‏ فذكر اختلافاً طويلاً إلى خروج السفيانيّ‏.‏

وهذا الحديث ينطبق على عبد الله المأمون الذي دعا النَّاس إلى القول بخلق القرآن، ووقى الله شرَّها كما سنورد ذلك في موضعه والسفياني رجل يكون آخر الزَّمان منسوب إلى أبي سفيان يكون من سلالته، وسيأتي في آخر كتاب ‏(‏الملاحم‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/284‏)‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هاشم، ثنا ليث عن معاوية بن صالح، عن عبد الرَّحمن بن جبير، عن أبيه سمعت أبا ثعلبة الخشنيّ صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه سمعه يقول وهو بالفسطاط في خلافة معاوية، وكان معاوية أغزى النَّاس القسطنطينية فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏والله لا تعجز هذه الأمَّة من نصف يوم إذا رأيت الشَّام مائدة رجل واحد وأهل بيته‏)‏‏)‏ فعند ذلك فتح القسطنطينية‏.‏

هكذا رواه أحمد موقوفاً على أبي ثعلبة‏.‏

وقد أخرجه أبو داود في سننه من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح، عن عبد الرَّحمن بن جبير، عن أبيه، عن أبي ثعلبة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يعجز الله هذه الأمَّة من نصف يوم‏)‏‏)‏ تفرَّد به أبو داود‏.‏

ثمَّ قال أبو داود‏:‏ ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبو المغيرة، حدَّثني صفوان عن سريج بن عبيد، عن سعد ابن أبي وقَّاص، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنِّي لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم‏)‏‏)‏‏.‏

قيل لسعد‏:‏ وكم نصف يوم ‏؟‏

قال‏:‏ خمسمائة سنة‏.‏

تفرَّد به أبو داود وإسناده جيد، وهذا من دلائل النُّبوة، فإنَّ هذا يقتضي وقوع تأخير الأمَّة نصف يوم وهو خمسمائة سنة كما فسَّره الصَّحابي وهو مأخوذ من قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏وإنَّ يوماً عند ربِّك كألف سنة مما تعدون‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ هذا الإخبار بوقوع هذه المدَّة لا ينفي وقوع ما زاد عليها، فأمَّا ما يذكره كثير من النَّاس من أنَّه عليه السلام لا يؤلف في قبره بمعنى‏:‏ لا يمضي عليه ألف سنة من يوم مات إلى حين تقام السَّاعة، فإنَّه حديث لا أصل له في شيء من كتب الإسلام والله أعلم‏.‏

حديث آخر‏:‏

فيه الإخبار عن ظهور النَّار التي كانت بأرض الحجاز حتَّى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، وقد وقع هذا في سنة أربع وخمسين وستَّمائة‏.‏

قال البخاري في صحيحه‏:‏ ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب عن الزهريّ قال‏:‏ قال سعيد بن المسيّب‏:‏ أخبرني أبو هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقوم السَّاعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى‏)‏‏)‏ تفرَّد به البخاريّ‏.‏

وقد ذكر أهل التَّاريخ وغيرهم من النَّاس وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستّمائة‏.‏

قال الشَّيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرِّخين في زمانه شهاب الدِّين عبد الرَّحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه‏:‏ إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستَّمائة وأنها استمرت شهراً وأزيد منه وذكر كتباً متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية وأنَّه يخرج منها شرر يأكل الحجاز، وذكر أنَّ المدينة زلزلت بسببها وأنهم سمعوا أصواتاً مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيَّام، أوَّل ذلك مستهل الشَّهر يوم الإثنين فلم تزل ليلاً ونهاراً حتى ظهرت يوم الجمعة، فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جداً صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، يسيل الصَّخر حتى يبقى مثل الآنك، ثمَّ يصير كالفحم الأسود، وذكر أنَّ ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب النَّاس على ضوئها في اللَّيل وكأن في بيت كل منهم مصباحاً ورأى النَّاس سناها من مكة - شرَّفها الله -‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/285‏)‏

قلت‏:‏ وأمَّا بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدِّين علي ابن أبي قاسم التيميّ الحنفيّ قال‏:‏ أخبرني والدي - وهو الشَّيخ صفي الدِّين أحد مدرسيّ بصرى - أنَّه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك اللَّيلة من كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النَّار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشَّيخ شهاب الدِّين أنَّ أهل المدينة لجأوا في هذه الأيَّام إلى المسجد النَّبوي وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مما سلف منهم وأعتقوا الغلمان وتصدَّقوا على فقرائهم ومجاريحهم، وقد قال قائلهم في ذلك‏:‏

يا كاشفَ الضُرِّ صفحاً عنْ جرائِمِنَا * فقدْ أحَاطَتْ بنا يا ربُّ بأساءُ

نَشكو إليكَ خُطوباً لا نَطيقُ لها * حملاً ونحنُ بها حقَّاً أحِقَّاءُ

زلازِلُ تخشَعُ الصُّمِ الصَلادَ لها * وكيفَ تقوى على الزلزالِ صمَّاءُ

أقامَ سَبعاً يرجُّ الأرضَ فانصدعتْ * عن منظرٍ منهُ عينُ الشَّمسِ عَشواءُ

بحرٌ من النَّارِ تجري فَوقَهُ سُفُنَ * من الهضابِ لها في الأرضِ إرساءُ

يُرَى لها شررٌ كالقصرِ طائشَهُ * كأنها ديمةٌ تنصَبُّ هَطلاءُ

تنشقُ منها قلوبُ الصَّخرِ إن زفرَتْ * رعباً وترعدُ مثلَ الشُهُبِ أضواءُ

منْها تكاثَفَ في الجوِّ الدُّخانُ إلى * أنْ عادَتِ الشَّمس منهُ وهيَ دَهماءُ

قدْ أثَرَتْ سعفَةً في البدرِ لفْحَتَها * فَلَيلَةُ التَّمِ بعدِ النُّورِ ليلاءُ

فيالهَا آيةٌ من مُعجزاتِ رسو * لِ الله يعقلُهَا القومُ الألِبَّاءُ

وممَّا قيل من هذه النَّار مع غرق بغداد في هذه السَّنة‏:‏

سُبْحَانَ منْ أصبحتْ مشيئَتُهُ * جاريةً في الوَرى بمقدارِ

أغرقَ بغدادَ بالمياهِ كَمَا * أحرَقَ أرضَ الحجازِ بالنَّارِ ‏(‏ج/ص‏:‏6/286‏)‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو عامر، ثنا أفلح بن سعيد الأنصاري - شيخ من أهل قبا من الأنصار - حدَّثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن طالت بكم مدَّة أوشك أن تروا قوماً يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن زيد بن الخبَّاب، عن أفلح ابن سعيد به‏.‏

وروى مسلم أيضاً عن زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏صنفان من أهل النَّار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النَّاس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنَّة ولا يجدن ريحها وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا‏)‏‏)‏‏.‏

وهذان الصِّنفان وهما الجلاَّدون الذين يسمُّون بالرجالة والجاندارية كثيرون في زماننا هذا ومن قبله، وقبل قبله بدهر، والنِّساء الكاسيات العاريات أي عليهنَّ لبس لا يواري سوآتهن، بل هو زيادة في العورة وإبداء للزينة، مائلات في مشيهنَّ، مميلاتٍ غيرهنَّ إليهنَّ وقد عمَّ البلاء بهنَّ في زماننا هذا ومن قبله أيضاً‏.‏

وهذا من أكبر دلالات النُّبوة إذ وقع الأمر في الخارج طبق ما أخبر به عليه السلام‏.‏

وقد تقدَّم حديث جابر‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنها ستكون لكم أنماط‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث في وقوع ذلك واحتجاج امرأته عليه بهذا‏.‏

حديث آخر‏:‏

روى الإمام أحمد عن عبد الصَّمد بن عبد الوارث، عن داود ابن أبي هند‏.‏

وأخرجه البيهقيّ من حديثه عن أبي حرب ابن أبي الأسود الدؤلي، عن طلحة بن عمرو البصريّ أنَّه قدم المدينة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبينما هو يصلي إذ أتاه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله أحرق بطوننا التَّمر وتحرَّقت عنَّا الحيف‏.‏

قال‏:‏ فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد رأيتني وصاحبي وما لنا طعام غير البرير حتَّى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم، وكان طعامهم التَّمر والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز والتَّمر لأطعمتكموه، وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة، ويغدى ويراح عليكم بالجفان‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد، عن أبي موسى بحلس قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا مشت أمتي المطيطا وخدمتهم فارس والرُّوم سلَّط الله بعضهم على بعض‏)‏‏)‏‏.‏

وقد أسنده البيهقيّ من طريق موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم-‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا سليمان بن داود المهري، ثنا ابن وهب، ثنا سعيد ابن أبي أيوب عن شراحيل بن زيد المعافريّ، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الله يبعث لهذه الأمَّة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ عبد الرَّحمن بن شريح الإسكندرانيّ لم يحدِّثه شراحيل تفرَّد به أبو داود‏.‏

وقد ذكر كل طائفة من العلماء في رأس كل مائة سنة عالماً من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه‏.‏

وقال طائفة من العلماء‏:‏ هل الصَّحيح أنَّ الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمَّن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف، كما جاء في الحديث من طرق مرسلة وغير مرسلة يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا هذا، ونحن في القرن الثامن والله المسؤول أن يختم لنا بخير، وأن يجعلنا من عباده الصَّالحين، ومن ورثة جنَّة النَّعيم آمين آمين يا رب العالمين‏.‏

وسيأتي الحديث المخرج من الصَّحيح ‏(‏‏(‏لا تزال طائفة من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/288‏)‏

وفي صحيح البخاري ‏(‏‏(‏وهم بالشَّام‏)‏‏)‏ وقد قال كثير من علماء السَّلف‏:‏ أنهم أهل الحديث‏.‏

وهذا أيضاً من دلائل النُّبوة فإنَّ أهل الحديث بالشَّام أكثر من سائر أقاليم الإسلام ولله الحمد، ولا سيما بمدينة دمشق - حماها الله وصانها -‏.‏

كما ورد في الحديث الذي سنذكره أنَّه تكون معقل المسلمين عند وقوع الفتن‏.‏

وفي صحيح مسلم عن النَّواس بن سمعان أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخبر عن عيسى بن مريم أنَّه ينزل من السَّماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق ولعلَّ أصل لفظ الحديث على المنارة البيضاء الشَّرقية بدمشق، وقد بلغني أنَّه كذلك في بعض الأجزاء ولم أقف عليه إلى الآن والله الميسر‏.‏

وقد جدِّدت هذه المنارة البيضاء الشَّرقية بجامع دمشق بعد ما أحرقها النَّصارى من أيامنا هذه بعد سنة أربعين وسبعمائة فأقاموها من أموال النَّصارى مقاصَّة على ما فعلوا من العدوان، وفي هذا حكمة عظيمة وهو أن ينزل على هذه المبنية من أموالهم عيسى بن مريم نبي الله فيكذِّبهم فيما افتروه عليه من الكذب عليه وعلى الله ويكسر الصَّليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية أي يتركها ولا يقبل من أحد منهم ولا من غيرهم إلا الإسلام - يعني‏:‏ أو يقتله -‏.‏

وقد أخبر بهذا عنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقرَّره عليه وسوَّغه له - صلوات الله وسلامه عليه - دائماً إلى يوم الدِّين وعلى آله وصحبه أجمعين، والتَّابعين لهم بإحسان‏.‏