فصل: فصل: في الْمُشْتَهِرِينَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فصل: في الْمُشْتَهِرِينَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ:

الْمُشْتَهِرُونَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَبْعَةٌ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَأُبَيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. كَذَا ذَكَرَهُمُ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ. قَالَ: وَقَدْ قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَأَخَذَ عَنْهُمْ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعَيْنَ.
فَمِمَّنْ كَانَ بِالْمَدِينَة: ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَسَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْمَعْرُوفُ بِمُعَاذٍ الْقَارِئِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجُ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.
وَبِمَكَّةَ: عَبِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
وَبِالْكُوفَة: عَلْقَمَةُ وَالْأُسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ وَعُبَيْدَةُ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَعَبِيدُ بْنُ نُضَيْلَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ وِالشَّعْبِيُّ.
وَبِالْبَصْرَة: أَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، وَقَتَادَةُ.
وَبِالشَّام: الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيُّ صَاحِبُ عُثْمَانَ، وَخَلِيفَةُ بْنُ سَعْدٍ صَاحِبُ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
ثُمَّ تَجَرَّدَ قَوْمٌ، وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِ الْقِرَاءَةِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ، حَتَّى صَارُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ وَيُرْحَلُ إِلَيْهِمْ.
فَكَانَ بِالْمَدِينَة: أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، ثُمَّ شَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ، ثُمَّ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ.
وَبِمَكَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَيْصِنٍ.
وَبِالْكُوفَة: يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، ثُمَّ حَمْزَةُ، ثُمَّ الْكِسَائِيُّ.
وَبِالْبَصْرَة: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرَيُّ، ثُمَّ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ.
وَبِالشَّام: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، ثُمَّ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، ثُمَّ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ.
وَاشْتُهِرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْآفَاقِ الْأَئِمَّةُ السَبْعَةُ:
نَافِعٌ: وَقَدْ أَخَذَ عَنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ.
وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الصَّحَابِيِّ.
وَأَبُو عَمْرٍو: وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ.
وَابْنُ عَامِرٍ: وَأَخَذَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَصْحَابِ عُثْمَانَ.
وَعَاصِمٌ: وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ.
وَحَمْزَةُ: وَأَخَذَ عَنْ عَاصِمٍ وَالْأَعْمَشِ وَالسَّبِيعِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِ.
وَالْكِسَائِيُّ: وَأَخَذَ عَنْ حَمْزَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ.
ثُمَّ انْتَشَرَتِ الْقِرَاءَاتُ فِي الْأَقْطَارِ، وَتَفَرَّقُوا أُمَمًا بَعْدَ أُمَمٍ، وَاشْتُهِرَ مِنْ رُوَاةِ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ السَّبْعَةِ رَاوِيَان:
فَعَنْ نَافِعٍ: قَالُونُ وَوَرْشٌ، عَنْهُ.
وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: قُنْبُلٌ وَالْبَزِّيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو: الدُّورِيُّ وَالسُّوسِيُّ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ: هِشَامٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْهُ.
وَعَنْ عَاصِمٍ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَحَفْصٌ، عَنْهُ.
وَعَنْ حَمْزَةَ: خَلَفٌ وَخَلَّادٌ، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْهُ.
وَعَنِ الْكِسَائِيّ: الدُّورِيُّ، وَابْنُ الْحَارِثِ.
ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ الْخَرْقُ وَكَادَ الْبَاطِلُ يَلْتَبِسُ بِالْحَقِّ، قَامَ جَهَابِذَةُ الْأُمَّةِ، وَبَالَغُوا فِي الِاجْتِهَادِ، وَجَمَعُوا الْحُرُوفَ وَالْقِرَاءَاتِ، وَعَزَوُا الْوُجُوهَ وَالرِّوَايَاتِ، وَمَيَّزُوا الصَّحِيحَ وَالْمَشْهُورَ وَالشَّاذَّ بِأُصُولٍ أَصَّلُوهَا، وَأَرْكَانٍ فَصَّلُوهَا.
فَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْقِرَاءَاتِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، ثُمَّ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْكُوفِيُّ، ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ صَاحِبُ قَالُونَ، ثُمَّ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الدَّاجُونِيُّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهِ بِالتَّأْلِيفِ فِي أَنْوَاعِهَا جَامِعًا وَمُفْرَدًا، وَمُوجَزًا وَمُسْهَبًا، وَأَئِمَّةُ الْقِرَاءَاتِ لَا تُحْصَى..
وَقَدْ صَنَّفَ طَبَقَاتِهِمْ حَافِظُ الْإِسْلَامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ، ثُمَّ حَافِظُ الْقُرَّاءِ أَبُو الْخَيْرِ بْنُ الْجَزَرِيِّ.

.النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ مِنْ أَسَانِيدِهِ:

اعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ خَمْسَة أقسام.. الْقُرْآن الْكَرِيم سُنَّةٌ، فَإِنَّهُ قُرْبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَسَّمَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَرَأَيْتُهَا تَأْتِي هُنَا.
الْأَوَّلُ: الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ وَأَجَلُّهَا.
وَأَعْلَى مَا يَقَعُ لِلشُّيُوخِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِسْنَادٌ رِجَالُهُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ رَجُلًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ.
ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ عَاصِمٍ: مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ وَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ: مِنْ رِوَايَةِ رُوَيْسٍ.
الثَّانِي: مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيث: كَالْأَعْمَشِ وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ. وَنَظِيرُهُ هُنَا الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّبْعَةِ. فَأَعْلَى مَا يَقَعُ الْيَوْمَ لِلشُّيُوخِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِالتِّلَاوَةِ إِلَى نَافِعٍ: اثْنَا عَشَرَ، وَإِلَى عَامِرٍ: اثْنَا عَشَرَ.
الثَّالِثُ: عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ السِّتَّة: بِأَنْ يَرْوِي حَدِيثًا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ كِتَابٍ مِنَ السِّتَّةِ وَقَعَ أَنْزَلَ مِمَّا لَوْ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا، وَنَظِيرُهُ هُنَا الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ، كَالتَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ. وَيَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ الْمُوَافَقَاتُ، وَالْإِبْدَالُ، وَالْمُسَاوَاةُ، وَالْمُصَافَحَاتُ.
فَالْمُوَافَقَةُ: أَنْ تَجْتَمِعَ طَرِيقُهُ مَعَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ فِي شَيْخِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَ عُلُوٍّ عَلَى مَا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ.
مِثَالُهُ فِي هَذَا الْفَنّ: قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ رِوَايَةَ الْبَزِّيِّ، طَرِيقِ ابْنِ بَنَّانٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ، يَرْوِيهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ الْمِفْتَاحِ لِأَبِي مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونَ، وَمِنْ كِتَابِ الْمِصْبَاحِ لِأَبِي الْكَرَمِ الشَّهْرَزُورِيِّ، وَقَرَأَ بِهَا كُلٌّ مِنَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى عَبْدِ السَّيِّدِ بْنِ عَتَّابٍ. فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ، تُسَمَّى مُوَافَقَةٌ لِلْآخَرِ، بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَالْبَدَلُ: أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ شَيْخُ شَيْخِهِ فَصَاعِدًا، وَقَدْ يَكُونُ- أَيْضًا- بِعُلُوٍّ، وَقَدْ لَا يَكُونُ.
مِثَالُهُ: هُنَا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو، رِوَايَةَ الدُّورِيِّ، طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ. رَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ التَّيْسِيرِ قَرَأَ بِهَا الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَقَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي طَاهِرٍ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ. وَمِنْ الْمِصْبَاحِ قَرَأَ بِهَا أَبُو الْكَرَمِ، عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ السَّبْتِيِّ، وَقَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْحَمَّامِيِّ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ، فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْمِصْبَاحِ تُسَمَّى بَدَلًا لِلدَّانِي فِي شَيْخِ شَيْخِهِ.
وَالْمُسَاوَاةُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّاوِي وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ، إِلَى شَيْخِ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ، كَمَا بَيْنَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ، عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَدَدِ.
وَالْمُصَافَحَةُ: أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْهُ بِوَاحِدٍ، فَكَأَنَّهُ لَقِيَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَصَافَحَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ.
مِثَالُهُ قِرَاءَةُ نَافِعٍ، رَوَاهَا الشَّاطِبِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النِّفَّرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غُلَامِ الْفُرْسِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ نَجَاحٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ الْمُقْرِئِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنَ بْنِ بُويَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّبَعِيِّ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي نَشِيطٍ، عَنْ قَالُونَ، عَنْ نَافِعٍ.
وَرَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَيَّاطِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ الصَّائِغِ، عَنِ الْكَمَالِ بْنِ فَارِسٍ، عَنْ أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَيَّاطِ، عَنِ الْفَرَضِيِّ، عَنِ ابْنِ بُويَانَ.
فَهَذِهِ مُسَاوَاةٌ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ; لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ بُويَانَ سَبْعَةٌ، وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي بَيْنَ الشَّاطِبِيِّ وَبَيْنَهُ، وَهِيَ لِمَنْ أَخَذَ عَنِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ مُصَافَحَةً لِلشَّاطِبِيِّ.
وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي لِأَهْلِ الْحَدِيثِ؛ تَقْسِيمُ الْقُرَّاءِ أَحْوَالَ الْإِسْنَادِ إِلَى قِرَاءَةٍ وَرِوَايَةٍ وَطَرِيقٍ وَوَجْهٍ.
فَالْخِلَافُ: إِنْ كَانَ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَوَالْعَشَرَةِ أَوْ نَحْوِهِمْ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ عَنْهُ، فَهُوَ قِرَاءَةٌ.
وَإِنْ كَانَ لِلرَّاوِي عَنْهُ فَرِوَايَةٌ.
أَوْ لِمَنْ بَعْدَهُ فَنَازِلًا فَطَرِيقٌ. أَوْ لَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِيهِ، فَوَجْهٌ.
الرَّابِعُ: مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوّ: تَقَدُّمُ وَفَاةِ الشَّيْخِ عَنْ قَرِينِهِ الَّذِي أَخَذَ عَنْ شَيْخِه: فَالْأَخْذُ مَثَلًا، عَنِ التَّاجِ بْنِ مَكْتُومٍ أَعْلَى مِنَ الْأَخْذِ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ، وَعَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ أَعْلَى مِنَ الْبُرْهَانِ الشَّامِيِّ، وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الْأَخْذِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ.
وَالْخَامِسُ: الْعُلُوُّ بِمَوْتِ الشَّيْخِ لَا مَعَ الْتِفَاتٍ لِأَمْرٍ آخَرَ، أَوْ شَيْخٍ آخَرَ مَتَى يَكُونُ: قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: يُوصَفُ الْإِسْنَادُ بِالْعُلُوِّ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ الشَّيْخِ خَمْسُونَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: ثَلَاثُونَ.
فَعَلَى هَذَا، الْأَخْذُ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ عَالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ; لِأَنَّ ابْنَ الْجَزَرِيِّ آخِرُ مَنْ كَانَ سَنَدُهُ عَالِيًا وَمَضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ مَوْتِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً.
فَهَذَا مَا حَرَّرْتُهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَدِيثِ، وَخَرَّجْتُ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْقِرَاءَاتِ، وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَإِذَا عَرَفْتَ الْعُلُوَّ بِأَقْسَامِهِ، عَرَفْتَ النُّزُولَ، فَإِنَّهُ ضِدُّهُ، وَحَيْثُ ذُمَّ النُّزُولُ فَهُوَ مَا لَمْ يَنْجَبِرْ بِكَوْنِ رِجَالِهِ أَعْلَمُ وَأَحْفَظُ وَأَتْقَنُ أَوْ أَجَلُّ أَوْ أَشْهَرُ أَوْ أَوْرَعُ، أَمَّا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مَفْضُولٍ.

.النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ وَالْآحَادِ وَالشَّاذِّ وَالْمَوْضُوعِ وَالْمُدْرَجِ:

اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ جَلَالَ الدِّينِ الْبَلْقِينِيَّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ وَشَاذٍّ الْقُرْآن الْكَرِيم.
فَالْمُتَوَاتِرُ: الْقِرَاءَاتُ السَّبْعَةُ الْمَشْهُورَةُ.
وَالْآحَادُ: قِرَاءَاتُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ تَمَامُ الْعَشْرِ، وَيَلْحَقُ بِهَا قِرَاءَةُ الصَّحَابَةِ.
وَالشَّاذُّ: قِرَاءَاتُ التَّابِعِينَ كَالْأَعْمَشِ، وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَنَحْوِهِمْ.
وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ.
وَأَحْسَنُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا النَّوْعِ إِمَامُ الْقُرَّاءِ فِي زَمَانِهِ، شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْخَيْرِ بْنُ الْجَزَرِيِّ، قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ النَّشْرِ: كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ، وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا، وَصَحَّ سَنَدُهَا، فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا، سَوَاءً كَانَتْ، عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ، وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أَمْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّانِيُّ وَمَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ، وَأَبُو شَامَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ تُعْزَى إِلَى أَحَدِ السَّبْعَةِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ، وَأَنَّهَا أُنْزِلَتْ هَكَذَا، إِلَّا إِذَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا مُصَنِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْلِهَا عَنْهُمْ، بَلْ إِنْ نُقِلَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى اسْتِجْمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ، لَا عَلَى مَنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى كُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالشَّاذِّ، غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ لِشُهْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَتِهِمْ، تَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ فَوْقَ مَا يُنْقَلُ عَنْ غَيْرِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيّ: فَقَوْلُنَا فِي الضَّابِط: (وَلَوْ بِوَجْهٍ) نُرِيدُ بِهِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ النَّحْوِ، سَوَاءٌ كَانَ أَفْصَحَ أَمْ فَصِيحًا، مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَمْ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا لَا يَضُرُّ مِثْلُهُ، إِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَاتُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ، وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، إِذْ هُوَ الْأَصْلُ الْأَعْظَمُ، وَالرُّكْنُ الْأَقْوَمُ.
وَكَمْ مِنْ قِرَاءَةٍ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّحْوِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إِنْكَارُهُمْ كَإِسْكَانِ {بَارِئِكُمْ} [الْبَقَرَة: 45] وَ{يَأْمُرَكُمْ} [الْبَقَرَة: 67] وَخَفْضِ {وَالْأَرْحَامَ} [النِّسَاء: 1] وَنَصْبِ {لِيَجْزِيَ قَوْمًا} [الْجَاثِيَة: 14] وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُضَافَيْنِ فِي {قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الْأَنْعَام: 137] وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ الدَّانِيُّ: وَأَئِمَّةُ الْقُرَّاء: لَا تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَفْشَى فِي اللُّغَةِ وَالْأَقْيَسِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ عَلَى الْأَثْبَتِ فِي الْأَثَرِ، وَالْأَصَحِّ فِي النَّقْلِ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَرُدَّهَا قِيَاسُ عَرَبِيَّةٍ وَلَا فُشُوُّ لُغَةٍ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، يَلْزَمُ قَبُولُهَا وَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا.
قُلْتُ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَرَادَ أَنَّ اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلَنَا فِي الْحُرُوفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ، وَلَا مُخَالَفَةُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيّ: وَنَعْنِي بِمُوَافَقَةِ أَحَدِ الْمَصَاحِفِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كَقِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 116] فِي الْبَقَرَةِ بِغَيْرِ وَاوٍ، {وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ} [آلِ عِمْرَانَ: 184] بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ فِيهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الشَّامَيِّ.
وَكَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [100] فِي آخِرِ بَرَاءَةٍ بِزِيَادَةِ (مِنْ) فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمُصْحَفِ الْمَكِّيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَشَاذٌّ، لِمُخَالَفَتِهَا الرَّسْمَ الْمُجَمَعَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُنَا: (وَلَوِ احْتِمَالًا) نَعْنِي بِه: مَا وَافَقَهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَـ: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فَإِنَّهُ كُتِبَ فِي الْجَمِيعِ بِلَا أَلِفٍ، فَقِرَاءَةُ الْحَذْفِ تَوَافِقُهُ تَحْقِيقًا، وَقِرَاءَةُ الْأَلِفِ تَوَافِقُهُ تَقْدِيرًا، لِحَذْفِهَا فِي الْخَطِّ اخْتِصَارًا كَمَا كُتِبَ: {مَلِكِ الْمُلْكِ} [آلِ عِمْرَانَ: 26].
وَقَدْ يُوَافِقُ اخْتِلَافُ الْقِرَاءَاتِ الرَّسْمَ تَحْقِيقًا نَحْوُ: {تَعْلَمُونَ} بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ تَجَرُّدُهُ عَنِ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ فِي حَذْفِهِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى فَضْلٍ عَظِيمٍ لِلصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي عِلْمِ الْهِجَاءِ خَاصَّةً، وَفَهْمٍ ثَاقِبٍ فِي تَحْقِيقِ كُلِّ عِلْمٍ.
وَانْظُرْ كَيْفَ كَتَبُوا {الصِّرَاطَ} بِالصَّادِّ الْمُبْدَلَةِ مِنَ السِّينِ، وَعَدَلُوا عَنِ السِّينِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ لِتَكُونَ قِرَاءَةُ السِّينِ- وَإِنْ خَالَفَتِ الرَّسْمَ مِنْ وَجْهٍ- قَدْ أَتَتْ عَلَى الْأَصْلِ، فَيَعْتَدِلَانِ، وَتَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِشْمَامِ مُحْتَمِلَةٌ، وَلَوْ كُتِبَ ذَلِكَ بِالسِّينِ عَلَى الْأَصْلِ لَفَاتَ ذَلِكَ. وَعُدَّتْ قِرَاءَةُ غَيْرِ السِّينِ مُخَالِفَةً لِلرَّسْمِ وَالْأَصْلِ؛ وَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي {بَصْطَةً} [الْأَعْرَاف: 69] دُونَ {بَصْطَةً} [الْبَقَرَة: 247] الْبَقَرَةِ لِكَوْنِ حَرْفِ الْبَقَرَةِ كُتِبَ بِالسِّينِ وَالْأَعْرَافِ بِالصَّادِ، عَلَى أَنَّ مُخَالِفَ صَرِيحِ الرَّسْمِ فِي حَرْفٍ مُدْغَمٍ أَوْ مُبْدَلٍ أَوْ ثَابِتٍ أَوْ مَحْذُوفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مُخَالِفًا إِذَا ثَبَتَتِ الْقِرَاءَةُ بِهِ، وَوَرَدَتْ مَشْهُورَةً مُسْتَفَاضَةً، وَلِذَا لَمْ يَعُدُّوا إِثْبَاتَ يَاءِ الزَّوَائِدِ، وَحَذْفَ يَاءِ {فَلَا تَسْأَلْنِي} فِي الْكَهْفِ [70] وَوَاوِ {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الْمُنَافِقُونَ: 10] وَالظَّاءِ مِنْ {بِضَنِينٍ} [التَّكْوِير: 24] وَنَحْوَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسْمِ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ إِذْ هُوَ قَرِيبٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَتُمَشِّيهِ صِحَّةُ الْقِرَاءَةِ وَشُهْرَتُهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ كَلِمَةٍ وَنُقْصَانِهَا وَتَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي حُكْمِ الْكَلِمَةِ، لَا يَسُوغُ مُخَالَفَةُ الرَّسْمِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ فِي حَقِيقَةِ اتِّبَاعِ الرَّسْمِ وَمُخَالَفَتِهِ.
قَالَ: وَقَوْلُنَا: (وَصَحَّ سَنَدُهَا) نَعْنِي بِه: أَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْعَدْلُ الضَّابِطُ، عَنْ مِثْلِهِ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ، وَتَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، غَيْرَ مَعْدُودَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغَلَطِ أَوْ مِمَّا شَذَّ بِهَا بَعْضُهُمْ.
قَالَ: وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَاتُرَ فِي هَذَا الرُّكْنِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِصِحَّةِ السَّنَدِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَأَنَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ الْآحَادِ لَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ.
قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ فَإِنَّ التَّوَاتُرَ إِذَا ثَبَتَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ وَغَيْرِهِ؛ إِذْ مَا ثَبَتَ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ مُتَوَاتِرًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَقُطِعَ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا، سَوَاءٌ وَافَقَ الرَّسْمَ أَمْ لَا. وَإِذَا شَرَطْنَا التَّوَاتُرَ فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْخِلَافِ انْتَفَى كَثِيرٌ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ الثَّابِتِ عَنِ السَّبْعَةِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو شَامَةَ: شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ: أَنَّ السَّبْعَ كُلَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ، أَيْ: كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ.
قَالُوا: وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَنَحْنُ بِهَذَا نَقُولُ وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمُ الطُّرُقُ، وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَهُ، فَلَا أَقَلَّ مِنِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ التَّوَاتُرُ فِي بَعْضِهَا.
وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: الشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ صِحَّةُ النَّقْلِ، وَيَلْزَمُ الْآخَرَانِ، فَمَنْ أَحْكَمَ مَعْرِفَةَ حَالِ النَّقَلَةِ وَأَمْعَنَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَتْقَنَ الرَّسْمَ، انْجَلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.
وَقَالَ مَكِّيٌّ: مَا رُوِيَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يُقْرَأُ بِهِ وَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ، وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَخَطَّ الْمُصْحَفِ.
وَقِسْمٌ صَحَّ نَقْلُهُ عَنِ الْآحَادِ، وَصَحَّ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَخَالَفَ لَفْظُهُ الْخَطَّ فَيُقْبَلُ، وَلَا يُقْرَأُ بِهِ لِأَمْرَيْن: مُخَالَفَتِهِ لِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِجْمَاعٍ، بَلْ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَبِئْسَ مَا صَنَعَ إِذْ جَحَدَهُ.
وَقِسْمٌ نَقَلَهُ ثِقَةٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ وَافَقَ الْخَطَّ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيّ: مِثَالُ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ كَـ: {مَالِكِ} وَمَلِكَ وَ{يَخْدَعُونَ} وَ{يُخَادِعُونَ} وَمِثَالُ الثَّانِي: قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ {وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى} وَقِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ} وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ، وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالنَّقْلِ؛ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، أَوْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ.
وَمِثَالُ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ كَثِيرٌ مِمَّا فِي كُتُبِ الشَّوَاذِّ، مِمَّا غَالِبُ إِسْنَادِهِ ضَعِيفٌ وَكَالْقِرَاءَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي جَمَعَهَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُزَاعِيُّ، وَنَقَلَهَا عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ وَمِنْهَا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ} بِرَفْعِ {اللَّهُ} وَنَصْبِ {الْعُلَمَاءَ}، وَقَدْ كَتَبَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْضُوعٌ، لَا أَصْلَ لَهُ.
وَمِثَالُ مَا نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَلِيلٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ رِوَايَةَ خَارِجَةَ عَنْ نَافِعٍ {مَعَائِشَ} بِالْهَمْزَةِ.
قَالَ: وَبَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ مَرْدُودٌ أَيْضًا، وَهُوَ مَا وَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ، وَلَمْ يُنْقَلِ الْبَتَّةَ فَهَذَا رَدُّهُ أَحَقُّ، وَمَنْعُهُ أَشَدُّ، وَمُرْتَكِبُهُ مُرْتَكِبٌ لِعَظِيمٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ ذُكِرَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَعُقِدَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَجْلِسٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَاسِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا أَصْلَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَلَا رُكْنَ يُعْتَمَدُ فِي الْأَدَاءِ عَلَيْهِ.
قَالَ: أَمَّا مَا لَهُ أَصْلٌ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُصَارُ إِلَى قَبُولِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ كَقِيَاسِ إِدْغَام: {قَالَ رَجُلَانِ} [الْمَائِدَة: 23] عَلَى: {قَالَ رَبِّ} [الشُّعَرَاء: 24- 28] وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ نَصًّا وَلَا أَصْلًا وَلَا يَرُدُّ إِجْمَاعًا مَعَ أَنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا.
قُلْتُ: أَتْقَنَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ هَذَا الْفَصْلَ جِدًّا، وَقَدْ تَحَرَّرَ لِي مِنْهُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ أَنْوَاعٌ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ:
الْأَوَّلُ: الْمُتَوَاتِرُ: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، عَنْ مِثْلِهِمْ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَغَالِبُ الْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: الْمَشْهُورُ: وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ، وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ، وَاشْتُهِرَ عِنْدَ الْقُرَّاءِ فَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنَ الْغَلَطِ وَلَا مِنَ الشُّذُوذِ وَيُقْرَأُ بِهِ، عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ أَبِي شَامَةَ السَّابِقُ.
وَمِثَالُهُ: مَا اخْتَلَفَتِ الطُّرُقُ فِي نَقْلِهِ عَنِ السَّبْعَةِ، فَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي فَرْشِ الْحُرُوفِ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ كَالَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ أَشْهَرِ مَا صُنِّفَ فِي ذَلِكَ التَّيْسِيرُ لِلدَّانِيِّ، وَقَصِيدَةُ الشَّاطِبِيِّ، وَأَوْعَبُهُ النَّشْرُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَتَقْرِيبِ النَّشْرِ كِلَاهُمَا لِابْنِ الْجَزَرِيِّ.
الثَّالِثُ: الْآحَادُ: وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَخَالَفَ الرَّسْمَ أَوِ الْعَرَبِيَّةَ، أَوْ لَمْ يَشْتَهِرْ الِاشْتِهَارَ الْمَذْكُورَ، وَلَا يُقْرَأُ بِهِ، وَقَدْ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، لِذَلِكَ بَابًا أَخْرَجَا فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا صَحِيحَ الْإِسْنَادِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: «{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ خُضَرٍ وَعَبَاقِرِيٍّ حِسَانٍ}».
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: «{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّاتِ أَعْيُنٍ}».
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: «{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفَسِكُمْ}. بِفَتْحِ الْفَاءِ».
وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: «{فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ} ‏: يَعْنِي بِضَمِّ الرَّاءِ‏».
الرَّابِعُ‏: الشَّاذُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهُ، وَفِيهِ كُتُبٌ مُؤَلَّفَةٌ، مِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ {مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ} بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَنَصْبِ {يَوْمَ}، وَ: {إِيَّاكَ يُعْبَدُ} بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ.
الْخَامِسُ: الْمَوْضُوعُ: كَقِرَاءَاتِ الْخُزَاعِيِّ.
وَظَهَرَ لِي سَادِسٌ يُشْبِهُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ الْمُدْرَج: وَهُوَ مَا زِيدَ فِي الْقِرَاءَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ، كَقِرَاءَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ} أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.
وَقِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ} أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ.
وَقِرَاءَةِ ابْنِ الزُّبَيْر: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ}. قَالَ عَمْرٌو: فَمَا أَدْرِي: أَكَانَتْ قِرَاءَتَهُ أَمْ فَسَّرَ؟ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ.
وَأَخْرَجَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، (الْوُرُودُ: الدُّخُولُ).
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: قَوْلُهُ: (الْوُرُودُ: الدُّخُولُ) تَفْسِيرٌ مِنَ الْحَسَنِ لِمَعْنَى الْوُرُودِ. وَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَأَلْحَقَهُ بِالْقُرْآنِ.
قَالَ: ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي آخِرِ كَلَامِه: وَرُبَّمَا كَانُوا يُدْخِلُونَ التَّفْسِيرَ فِي الْقِرَاءَةِ إِيضَاحًا وَبَيَانًا؛ لِأَنَّهُمْ مُحَقِّقُونَ لِمَا تَلَقَّوْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا، فَهُمْ آمِنُونَ مِنَ الِالْتِبَاسِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُهُ مَعَهُ.
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِالْمَعْنَى، فَقَدْ كَذَبَ. انْتَهَى.
وَسَأُفْرِدُ فِي هَذَا النَّوْعِ- أَعْنِي الْمُدَرَجَ- تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا.