فصل: النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ حُفَّاظِهِ وَرُوَاتِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.ضَوَابِطٌ‏:

الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا، وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَ يَعُدَّهَا‏.
وَعَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ الم حَيْثُ وَقَعَ آيَةً، وَكَذَا المص وَطه وَكهيعص وَطسم وَيس وَحم، وَعَدُّوا حم وَعسق آيَتَيْنِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ لَمْ يَعُدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏.
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ (الر) حَيْثُ وَقَعَ آيَةً، وَكَذَا (المر)، وَ(طس)، وَ(ص)، وَ(ق)، وَ(ن)‏.
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَثَرِ وَاتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا قِيَاسَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏: لَمْ يَعُدُّوا (ص) وَ(ن) وَ(ق)؛ لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلَا (طس) لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَيْهَا بِحَذْفِ الْمِيمِ، وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُفْرَدَ كَقَابِيلَ، وَ(يس) وَإِنْ كَانَتْ بِهَذَا الْوَزْنِ، لَكِنَّ أَوَّلَهَا يَاءٌ فَأَشْبَهَتِ الْجَمْعَ، إِذْ لَيْسَ لَنَا مُفْرَدٌ أَوَّلُهُ يَاءٌ.
وَلَمْ يَعُدُّوا (الر) بِخِلَافِ (الم) لِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْفَوَاصِلِ مِنْ (الر)، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى عَدِّ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} آيَةً لِمُشَاكَلَتِهِ الْفَوَاصِلَ بَعْدَهُ‏، وَاخْتَلَفُوا فِي {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ‏.
قَالَ الْمَوْصِلِيُّ‏: وَعَدُّوا قَوْلَهُ: {ثُمَّ نَظَرَ} [21] آيَةً، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَقْصَرَ مِنْهَا أَمَّا مِثْلُهَا فَـ: عَمَّ وَوَالْفَجْرُ، وَالضُّحَى.
تَذْنِيبٌ:
نَظَمَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْغَالِي أُرْجُوزَةً فِي الْقَرَائِنِ وَالْأَخَوَاتِ، ضَمَّنَهَا السُّوَرَ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِي عِدَّةِ الْآيِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمَاعُونِ، وَكَالرَّحْمَنِ وَالْأَنْفَالِ، وَكَيُوسُفَ وَالْكَهْفِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِمَّا تَقَدَّمَ‏.

.فَائِدَةٌ فِي بَيَانِ مَعْرِفَةِ الْآيِ وَعَدِّهَا:

يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْآيَةِ وَعَدِّهَا وَفَوَاصِلِهَا أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ:
مِنْهَا‏: اعْتِبَارُهَا فِيمَنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلَهَا سَبْعُ آيَاتٍ‏.
وَمِنْهَا‏: اعْتِبَارُهَا فِي الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ كَامِلَةٍ، وَلَا يَكْفِي شَطْرَهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، وَكَذَا الطَّوِيلَةُ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ: أَنَّ مَا اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ آخِرَ آيَةٍ، هَلْ تَكْفِي الْقِرَاءَةُ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ‏.
وَمِنْهَا‏: اعْتِبَارُهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ‏».
وَمِنْهَا‏: اعْتِبَارُهَا فِي قِرَاءَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ; فَفِي أَحَادِيثَ: «مَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ»، وَ: «مَنْ قَرَأَ بِخَمْسِينَ آيَةً فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ»، وَ: «مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ»، وَ: «مَنْ قَرَأَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ»، وَ: «مَنْ قَرَأَ بِثَلَاثِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ»، وَمَنْ قَرَأَ بِخَمْسِمِائَةٍ... وَبِسَبْعِمِائَةٍ.. وَأَلْفِ آيَةٍ.. أَخْرَجَهَا الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُفَرَّقَةً‏.
وَمِنْهَا‏: اعْتِبَارُهَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا، كَمَا سَيَأْتِي‏.
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِه: اعْلَمْ أَنَّ قَوْمًا جَهِلُوا الْعَدَدَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، حَتَّى قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ‏: الْعَدَدُ لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَإِنَّمَا اشْتَغَلَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِيُرَوِّجَ بِهِ سُوقَهُ‏. قَالَ‏: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِد: مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ، وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِنِصْفِ آيَةٍ‏.
وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاء: تُجْزِئُ بِآيَةٍ، وَآخَرُونَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ، وَآخَرُونَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعٍ، وَالْإِعْجَازُ لَا يَقَعُ بِدُونِ آيَةٍ، فَلِلْعَدَدِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى‏.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ:
ذِكْرُ الْآيَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، كَالْأَحَادِيثِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَالْآيَتَيْنِ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ، وَكَحَدِيثِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْن: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الْبَقَرَة: 163]. {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آلِ عِمْرَانَ: 1- 2].
وَفِي الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَام: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ إِلَى قَوْلِه: {مُهْتَدِينَ} [140].
وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخَرَمَةَ، قَالَ‏: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏: يَا خَالُ، أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِكُمْ يَوْمَ أُحَدٍ؟.
قَالَ: اقْرَأْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ تَجِدُ قِصَّتَنَا: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آلِ عِمْرَانَ: 121].

.فصل: في عَدَدِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ:

وَعَدَّ قَوْمٌ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ عَدَدُهَا سَبْعَةً وَسَبْعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ، وَتِسْعَمِائَةٍ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ كَلِمَةٍ.
وَقِيلَ: وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعًا وَثَلَاثِينَ، وَمِائَتَانِ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ.
وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ‏.
وَقِيلَ: وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي عَدِّ الْكَلِمَاتِ الْقُرْآن الْكَرِيم: أَنَّ الْكَلِمَةَ لَهَا حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَلَفْظٌ وَرَسْمٌ، وَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْهَا جَائِزٌ، وَكُلٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ اعْتَبَرَ أَحَدَ الْجَوَائِزِ.

.فصل: في عَدَدِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ:

وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَدَدَ حُرُوفِهِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، وَالِاشْتِغَالُ بِاسْتِيعَابِ ذَلِكَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَقَدِ اسْتَوْعَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ وَعَدَّ الْأَنْصَافَ وَالْأَثْلَاثَ إِلَى الْأَعْشَارِ، وَأَوْسَعَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ، فَرَاجِعْهُ مِنْهُ، فَإِنَّ كِتَابَنَا مَوْضُوعٌ لِلْمُهِمَّاتِ، لَا لِمِثْلِ هَذِهِ الْبَطَالَاتِ.
وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: لَا أَعْلَمُ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ مِنْ فَائِدَةٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ أَفَادَ فَإِنَّمَا يُفِيدُ فِي كِتَابٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَالْقُرْآنُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي اعْتِبَارِ الْحُرُوف: مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ».
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا «الْقُرْآنُ أَلْفُ أَلِفِ حَرْفٍ، فَمَنْ قَرَأَهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ». رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَ الطَّبَرَانِيّ: مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ بْنِ أَبَى إِيَاسٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ. وَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَا نُسِخَ رَسْمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ- أَيْضًا- إِذِ الْمَوْجُودُ الْآنَ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْعَدَدَ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ بَعْضُ الْقُرَّاء: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لَهُ أَنْصَافٌ بِاعْتِبَارَاتٍ، فَنَصِفُهُ بِالْحُرُوفِ (النُّونُ) مِنْ {نكْرًا} فِي الْكَهْفِ، وَ(الْكَافُ) مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ بِالْكَلِمَاتِ (الدَّالُ) مِنْ قَوْلِه: {وَالْجُلُودُ} [الْحَجّ: 20] فِي الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ} [الْحَجّ: 21] مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ بِالْآيَاتِ {يَأْفِكُونَ} مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَقَوْلُهُ: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} [الشُّعَرَاء: 45- 46]مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي.
وَنِصْفُهُ عَلَى عِدَادِ السُّورِ آخِرُ الْحَدِيدِ، وَالْمُجَادَلَةُ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي. وَهُوَ عَشْرَةٌ بِالْأَحْزَابِ.
وَقِيلَ: إِنَّ النِّصْفَ بِالْحُرُوفِ (الْكَافُ) مِنْ {نكْرًا} وَقِيلَ: (الْفَاءُ) مِنْ قوله: {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الْكَهْف: 19].

.النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: فِي مَعْرِفَةِ حُفَّاظِهِ وَرُوَاتِهِ:

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» أَيْ: تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ.
وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ: اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُمَا الْمُبْتَدَأُ بِهِمَا، وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ.
وَسَالِمٌ: هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذٌ: هُوَ ابْنُ جَبَلٍ‏.
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ‏، أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا، بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ، وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَمَاتَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا.
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ كَانَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِي حَفِظُوهُ وَأَزْيَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَفِي الصَّحِيحِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ: أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا.
رَوَى الْبُخَارِيُّ- أَيْضًا- عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلُتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ‏: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَار: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ.
قُلْتُ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟.
قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي.
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ‏.
وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ مِنْ وَجْهَيْن:
أَحَدُهُمَا: التَّصْرِيحُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْأَرْبَعَةِ.
وَالْآخَرُ: ذِكْرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بَدَلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَقَدِ اسْتَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ‏: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ: (لَمْ يَجْمَعُهُ غَيْرُهُمْ) أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ؟ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ.
قَالَ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ! سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُحَفِّظْهُ كُلَّهُ أَلَّا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ، بَلْ إِذَا حُفِظَ الْكُلُّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى‏.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ‏: قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَقُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيُّ: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ أَوْجِهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ.
الثَّانِي: الْمُرَادُ لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالْقِرَاءَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا إِلَّا أُولَئِكَ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَجْمَعْ مَا نُسِخَ مِنْهُ بَعْدَ تِلَاوَتِهِ وَمَا لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا أُولَئِكَ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ تَلَقِّيهِ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِوَاسِطَةٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى بَعْضَهُ بِالْوَاسِطَةِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُمْ تَصَدَّوْا لِإِلْقَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ، فَاشْتُهِرُوا بِهِ، وَخَفِيَ حَالُ غَيْرِهِمْ عَمَّنْ عَرَفَ حَالَهُمْ، فَحَصَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بِحَسْبِ عِلْمِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ.
السَّادِسُ: الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ حِفْظًا، عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَجَمَعُوهُ كِتَابَةً، وَحَفِظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.
السَّابِعُ: الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ جَمَعَهُ، بِمَعْنَى أَكْمَلَ حِفْظَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أُولَئِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَلَمْ يُفْصِحْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُكْمِلْهُ إِلَّا عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ آخَرُ آيَةٍ، فَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا مَا حَضَرَهَا إِلَّا أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ جَمَعَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَضَرَهَا مَنْ لَمْ يَجْمَعْ غَيْرَهَا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ.
الثَّامِنُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي جَمَعَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: اللَّهُمُّ غُفْرًا إِنَّمَا جَمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ سَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي غَالِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَكَلُّفٌ، وَلَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ. قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِيَ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَقَطْ، فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ، عَنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْمُفَاخَرَةِ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: افْتَخَرَ الْحَيَّان: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَ الْأَوْسُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ: مَنِ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَمَنْ عَدَلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، وَمِنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ عَاصِمُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ.
فَقَالَ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ...، فَذَكَرَهُمْ.
قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيح: أَنَّهُ بَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ.
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ نَزَلَ مِنْهُ إِذْ ذَاكَ.
قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْتَابُ فِيهِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تَلَقِّي الْقُرْآنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَاغِ بَالِهِ لَهُ وَهُمَا بِمَكَّةَ، وَكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» وَقَدْ قَدَّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ إِمَامًا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمُ. انْتَهَى.
وَسَبَقَهَ إِلَى نَحْو: ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ.
قُلْتُ: لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ.
قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي لَمْ يَقْرَأْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ حِفْظًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَمْعُ الْمَصَاحِفِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ وَرَدَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى تَرْتِيبِ النُّزُولِ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ». الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَار: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، لَا يُخْتَلَفُ فِيهِمْ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَجُلَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ: أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُثْمَانَ.
وَقِيلَ: عُثْمَانُ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ.
وَأَخْرَجَ هُوَ وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ: أُبَيٌّ وَزَيْدٌ وَمُعَاذٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَسَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو زَيْدٍ، وَمُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، وَقَدْ أَخَذَهُ إِلَّا سُورَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَات: الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ، وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ، وَالْعَبَادِلَةَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ.
وَمِنَ الْأَنْصَار: عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا.
الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ، وَمُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ وَفُضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَمَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ.
وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَدَّ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْهُمْ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ.
وَمِمَّنْ جَمَعَهُ- أَيْضًا- أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ.
تَنْبِيهٌ:
أَبُو زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ: سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَوْسِيٌّ وَأَنَسٌ خَزْرَجِيٌّ. وَقَدْ قَالَ: إِنَّهُ أَحَدُ عُمُومَتِهِ وَبِأَنَّ الشَّعْبِيَّ عَدَّهُ هُوَ وَأَبُو زَيْدٍ جَمِيعًا فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَوْسِ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُحَبَّر: سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ فَلَعَلَّهُ هُوَ. وَذَكَرَ أَيْضًا سَعِيدَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ أَوْسِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ، لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ.
قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتُ عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مَا رَفَعَ الْإِشْكَالَ، فَإِنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إِلَى ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الَّذِي جَمَعَ الْقُرْآنَ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا مِنَّا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ أَحَدَ عُمُومَتِي، وَمَاتَ وَلَمْ يَدَعْ عَقِبًا، وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ زَعْوَرَاءَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: مَاتَ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عِلْمُهُ، وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا. وَمِنَ الْأَقْوَالِ فِي اسْمِه: ثَابِتٌ وَأَوْسٌ وَمُعَاذٌ.
فَائِدَةٌ:
ظَفِرْتُ بِامْرَأَةٍ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ، لَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَات: أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ، وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي فَأَخْرُجَ مَعَكَ وَأُدَاوِيَ جَرْحَاكُمْ وَأُمَرِّضَ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي شَهَادَةً؟
قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ مُهْدٍ لَكِ شَهَادَةً» وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا»، وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ، فَغَمَّهَا غُلَامٌ لَهَا وَجَارِيَةٌ كَانَتْ دَبَّرَتْهُمَا فَقَتَلَاهَا فِي إِمَارَةِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «انْطَلِقُوا بِنَا نَزُورُ الشَّهِيدَةَ».